باب 10- الشمس و القمر و أحوالهما و صفاتهما و الليل و النهار و ما يتعلق بهما

الآيات البقرة يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِّ آل عمران تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَ تُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ   الأنعام فالِقُ الْإِصْباحِ وَ جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ الأعراف يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ النُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ يونس هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً وَ قَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ و قال تعالى هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَ النَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ الرعد وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى إلى قوله يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إبراهيم وَ سَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَ سَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ النحل وَ سَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ النُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ الإسراء وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ وَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا   الكهف حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَ وَجَدَ عِنْدَها قَوْماً إلى قوله تعالى حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً الأنبياء وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ الحج ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَ يُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَ أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ المؤمنون وَ لَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ النور يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ الفرقان أَ لَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَ لَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَ النَّوْمَ سُباتاً وَ جَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً و قال سبحانه تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَ جَعَلَ فِيها سِراجاً وَ قَمَراً مُنِيراً وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً النمل أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ و قال تعالى أَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَ النَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ   القصص قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَ فَلا تَسْمَعُونَ قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَ فَلا تُبْصِرُونَ وَ مِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ العنكبوت وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ الروم وَ مِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ ابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ لقمان أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَ يُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَ أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فاطر يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَ يُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ يس وَ آيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ وَ الشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَ الْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَ لَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ الصافات وَ رَبُّ الْمَشارِقِ الزمر خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَ يُكَوِّرُ   النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ

 المؤمن اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَ النَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ السجدة وَ مِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَ النَّهارُ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَ لا لِلْقَمَرِ وَ اسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ الرحمن الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ بِحُسْبانٍ و قال تعالى رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَ رَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ الحديد يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَ يُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ المعارج فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَ الْمَغارِبِ نوح وَ جَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَ جَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً المدثر كَلَّا وَ الْقَمَرِ وَ اللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ وَ الصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ النبأ وَ جَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً وَ جَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً وَ بَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً وَ جَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً   التكوير إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَ إِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ إلى قوله تعالى وَ اللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ وَ الصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ الفجر وَ الْفَجْرِ وَ لَيالٍ عَشْرٍ وَ الشَّفْعِ وَ الْوَتْرِ وَ اللَّيْلِ إِذا يَسْرِ الشمس وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها وَ النَّهارِ إِذا جَلَّاها وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشاها الضحى وَ الضُّحى وَ اللَّيْلِ إِذا سَجى الفلق قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ وَ مِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ. تفسير يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قال البيضاوي سأله معاذ بن جبل و ثعلبة بن غنم فقالا ما بال الهلال يبدو دقيقا كالخيط ثم يزيد حتى يستوي ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما بدأ فنزلت قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِّ إنهم سألوا عن الحكمة في اختلاف حال القمر و تبدل أمره فأمره الله أن يجيب بأن الحكمة الظاهرة في ذلك أن يكون معالم للناس يواقتون بها أمورهم و معالم للعبادات الموقتة يعرف بها أوقاتها و خصوصا الحج فإن الوقت مراعى فيه أداء و قضاء و المواقيت جمع ميقات من الوقت و قال في قوله تعالى تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ إيلاج الليل و النهار إدخال أحدهما في الآخر بالتعقيب أو الزيادة و النقص. و قال في قوله تعالى فالِقُ الْإِصْباحِ شاق عمود الصبح عن ظلمة الليل أو عن بياض النهار أو شاق ظلمة الإصباح و هو الغبش الذي يليه و الإصباح في الأصل مصدر   أصبح إذا دخل في الصبح سمي به الصبح و قرئ بفتح الهمزة على الجمع و جاعل الليل سكنا يسكن إليه التعب بالنهار لاستراحته فيه من سكن إليه إذا اطمأن إليه استئناسا به أو يسكن فيه الخلق من قوله لِتَسْكُنُوا فِيهِ و نصبه بفعل دل عليه جاعل لا به فإنه في معنى الماضي و يدل عليه قراءة الكوفيين وَ جَعَلَ اللَّيْلَ حملا على معنى المعطوف عليه فإن فالق بمعنى فلق فلذلك قرئ به أو به على أن المراد منه جعل مستمر في الأزمنة المختلفة و على هذا يجوز أن يكون وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ عطفا على محل الليل و يشهد له قراءتهما بالجر و الأحسن نصبهما بجعل مقدر و قرئ بالرفع على الابتداء و الخبر محذوف أي مجعولان حُسْباناً أي على أدوار مختلفة تحسب بها الأوقات و يكونان علمي الحساب و هو مصدر حسب بالفتح كما أن الحسبان بالكسر مصدر حسب بالكسر و قيل جمع حساب كشهاب و شهبان ذلِكَ إشارة إلى جعلهما حسبانا أي ذلك السير بالحساب المعلوم تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الذي قهرهما و سيرهما على الوجه المخصوص الْعَلِيمِ بتدبيرهما و الأنفع من التداوير الممكنة لهما. و في قوله تعالى يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يغطيه به و لم يذكر عكسه للعلم به أو لأن اللفظ يحتملهما و لذلك قرئ يغشى الليل النهار بنصب الليل و رفع النهار و قرأ حمزة و الكسائي و يعقوب و أبو بكر عن عاصم بالتشديد و في الرعد للدلالة على التكرير يَطْلُبُهُ حَثِيثاً يعقبه سريعا كالطالب له لا يفصل بينهما شي‏ء و الحثيث فعيل من الحث و هو صفة مصدر محذوف أو حال من الفاعل بمعنى حاثا أو المفعول بمعنى محثوثا وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ النُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أي بقضائه و تصريفه و نصبها بالعطف على السماوات و نصب مسخرات على الحال و قرأ ابن عامر كلها بالرفع على الابتداء و الخبر انتهى.

    و قال الرازي في قوله سبحانه يَطْلُبُهُ حَثِيثاً اعلم أنه سبحانه وصف هذه الحركة بالسرعة و الشدة و ذلك هو الحق لأن تعاقب الليل و النهار إنما يحصل بحركة الفلك الأعظم و تلك الحركة أشد الحركات سرعة و أكملها شدة حتى أن الباحثين عن أحوال الموجودات قالوا الإنسان إذا كان في العدو الشديد الكامل فإلى أن يرفع رجله و يضعها يتحرك الفلك الأعظم ثلاثة آلاف ميل و إذا كان الأمر كذلك كانت تلك الحركة في غاية السرعة و الشدة فلهذا السبب قال تعالى يَطْلُبُهُ حَثِيثاً ثم قال في هذه الآية لطائف فالأولى أن الشمس لها نوعان من الحركة أحدهما حركتها بحسب ذاتها و هي إنما تتم في سنة كاملة و بسبب هذه الحركة تحصل السنة و الثاني حركتها بسبب حركة الفلك الأعظم و هذه الحركة تتم في اليوم بليلته إذا عرفت هذا فنقول الليل و النهار لا يحصلان بسبب حركة الشمس بل بحركة السماء الأقصى التي يقال لها العرش و لهذا السبب لما ذكر العرش بقوله ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ربط به قوله يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ تنبيها على أن سبب حصول الليل و النهار هو حركة الفلك الأقصى لا حركة الشمس و القمر. و الثانية أنه تعالى لما شرح كيفية تخليق السماوات قال فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَ أَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها فدلت تلك الآية على أنه سبحانه خص كل ذلك بلطيفة نورانية ربانية من عالم الأمر ثم قال بعده أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ و هو إشارة إلى أن كل ما سوى الله إما من عالم الخلق أو من عالم الأمر أما الذي هو من عالم الخلق فالخلق عبارة عن التقدير و كل ما كان جسما أو جسمانيا كان مخصوصا بمقدار معين فكان من عالم الخلق و كل ما كان بريئا عن الحجمية و المقدار كان من عالم الأرواح و من عالم الأمر فدل على أنه سبحانه خص كل واحد من أجرام الأفلاك و الكواكب التي هي من عالم الخلق بملك

    من الملائكة و هم من عالم الأمر و الأحاديث الصحيحة مطابقة لذلك و هي ما روي من الأخبار أن لله ملائكة يحركون الشمس و القمر عند الطلوع و الغروب و كذا القول في سائر الكواكب و أيضا قوله سبحانه وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ إشارة إلى أن الملائكة الذين يقومون بحفظ العرش ثمانية ثم إذا دققت النظر قلت إن عالم الخلق في تسخير الله و عالم الأمر في تدبير الله و استيلاء الروحانيات على الجسمانيات بتقدير الله فلهذا المعنى قال أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ ثم كون الشمس و القمر و النجوم مسخرات بأمره يحتمل وجوها. أحدها أنا قد دللنا أن الأجسام متماثلة و متى كان كذلك كان اختصاص جسم الشمس بذلك النور المخصوص و الضوء الباهر و التسخين الشديد و التدبيرات العجيبة في العالم العلوي و السفلي لا بد و أن يكون لأجل أن الفاعل الحكيم و المقدر العليم خص ذلك الجسم بهذه الصفات فجسم كل واحد من الكواكب و النيرات كالمسخر في قبول تلك القوى و الخواص عن قدرة المدبر الحكيم. و ثانيها أن يقال إن لكل واحد من أجرام الشمس و القمر و الكواكب سيرا خاصا بطيئا من المشرق إلى المغرب و سيرا آخر سريعا بسبب حركة الفلك الأعظم فالحق سبحانه خص جرم الفلك الأعظم بقوة زائدة على أجرام سائر الأفلاك باعتبارها صارت مستولية عليها قادرة على تحريكها على سبيل القهر من المشرق إلى المغرب فأجرام الأفلاك و الكواكب صارت كالمسخرة لهذا القهر و القسر.   أقول ثم ذكر وجوها أخرى لا طائل تحتها و فيما نقل عنه أيضا مخالفات لأصول المسلمين و مناقشات لا يخفى على المتدبرين. هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً قال البيضاوي أي ذات ضياء و هو مصدر كقيام أو جمع ضوء كسياط و سوط و الياء فيه منقلبة عن الواو و عن ابن كثير ضئاء بهمزتين في كل القرآن على القلب بتقديم اللام على العين وَ الْقَمَرَ نُوراً أي ذا نور أو سمي نورا للمبالغة و هو أعم من الضوء و قيل ما بالذات ضوء و ما بالغرض نور و قد نبه سبحانه بذلك على أنه خلق الشمس نيرة بذاتها و القمر نيرا بعرض مقابلة الشمس وَ قَدَّرَهُ مَنازِلَ الضمير لكل واحد أي قدر مسير كل واحد منهما منازل أو قدره ذا منازل أو للقمر و تخصيصه بالذكر لسرعة سيره و معاينة منازله و إناطة أحكام الشرع به و لذلك علله بقوله لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ أي حساب الأوقات من الأشهر و الأيام في معاملاتكم و تصرفاتكم ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ إلا متلبسا بالحق مراعيا فيه مقتضى الحكمة البالغة يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ فإنهم المنتفعون بالتأمل فيها انتهى. إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ أي مجي‏ء كل منهما خلف الآخر أو اختلافهما بالزيادة و النقصان المستلزم لحصول الفصول الأربعة وَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أي من الكواكب و الملائكة و المواليد و أنواع الأرزاق و النعم لَآياتٍ أي دلالات على وجود الصانع تعالى و علمه و قدرته و حكمته و لطفه و رحمته لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ الشرك و المعاصي فإنهم المنتفعون بها هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ أي لسكونكم و راحتكم و راحة قواكم من التعب

    و الكلال وَ النَّهارَ مُبْصِراً أي مضيئا تبصرون فيه و نسبة الإبصار إليه على المجاز لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ أي الحجج سماع تدبر و تعقل وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ قال الرازي هذا الكلام اشتمل على نوعين من الدلالة الأول الاستدلال على وجود الصانع القادر بحركات هذه الأجرام و ذلك لأن الأجسام متماثلة فاختصاصها بالحركة الدائمة دون السكون لا بد له من مخصص و أيضا أن كل واحدة من تلك الحركات مختصة بكيفية معينة من البطء و السرعة فلا بد أيضا من مخصص و أيضا تقدير تلك الحركات بمقادير مخصوصة على وجه تحصل عوداتها و دوراتها متساوية بحسب المدة حالة عجيبة فلا بد فيه من مقدر و بعض تلك الحركات مشرقية و بعضها مغربية و بعضها مائلة إلى الشمال و بعضها إلى الجنوب و هذا أيضا لا يتم إلا بتدبير كامل و حكمة بالغة و النوع الثاني قوله كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى و فيه قولان الأول قال ابن عباس للشمس مائة و ثمانون منزلا كل يوم لها منزل و ذلك في ستة أشهر ثم إنها تعود مرة أخرى إلى واحد واحد منها في ستة أشهر مرة أخرى و كذلك القمر له ثمانية و عشرون منزلا فالمراد بقوله كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى هذا. و الثاني كونهما متحركين إلى يوم القيامة و عنده تنقطع تلك الحركات. و قال في قوله تعالى دائِبَيْنِ معنى الدءوب في اللغة مرور الشي‏ء في العمل على عادة مطردة قال المفسرون معناه يدأبان في سيرهما و إنارتهما و تأثيرهما في إزالة الظلمة و في إصلاح النبات و الحيوان فإن الشمس سلطان النهار و القمر سلطان الليل و لو لا الشمس لما حصلت الفصول الأربعة و لولاها لاختلت مصالح العالم بالكلية و قال في قوله وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهارَ آيَتَيْنِ فيه قولان   الأول أن يكون المراد من الآيتين نفس الليل و النهار و المعنى أنه تعالى جعلهما دليلين للخلق على مصالح الدين و الدنيا أما في الدين فلأن كل واحد منهما مضاد للآخر معاند له فكونهما متعاقبين على الدوام من أقوى الدلائل على أنهما غير موجودين لذاتيهما بل لا بد لهما من فاعل يدبرهما و يقدرهما بالمقادير المخصوصة و أما في الدنيا فلأن مصالح الدنيا لا تتم إلا بالليل و النهار فلو لا الليل لما حصل السكون و الراحة و لو لا النهار لما حصل الكسب و التصرف في وجوه المعاش ثم قال تعالى فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ فعلى هذا القول تكون الإضافة للتبيين و التقدير فمحونا الآية التي هي الليل و جعلنا الآية التي هي النهار مبصرة الثاني أن يكون المراد و جعلنا نيري الليل و النهار آيتين يريد الشمس و القمر فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ و هي القمر و في تفسير محو القمر قولان الأول المراد منه ما يظهر في القمر من الزيادة و النقصان في النور فيبدو في أول الأمر في صورة الهلال ثم لا يزال يتزايد نوره حتى يصير بدرا كاملا ثم يأخذ في الانتقاص قليلا قليلا و ذلك هو المحو إلى أن يعود إلى المحاق و الثاني أن المراد من محو القمر الكلف الذي يظهر في وجهه يروى أن الشمس و القمر كانا سواء في النور و الضوء فأرسل الله جبرئيل فأمر جناحه على وجه القمر فطمس عنه الضوء و معنى المحو في اللغة إذهاب الأثر و أقول حمل المحو على الوجه الأول أولى لقوله لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ الآية لأن المحو إنما يؤثر في ابتغاء فضل الله إذا حملناه على زيادة نور القمر و نقصانه لأن بسبب حصول هذه الحالة تختلف أحوال نور القمر و أهل التجارب بينوا أن اختلاف أحوال القمر في مقادير النور له أثر عظيم في أحوال هذا العالم و مصالحها مثل أحوال البحار في المد و الجزر و مثل أحوال البحرانات على ما يذكره الأطباء في كتبهم و أيضا بسبب زيادة نور القمر و نقصانه تحصل الشهور و بسبب معاودة الشهور تحصل السنون العربية المبتنية على رؤية الأهلة كما قال وَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ و أقول أيضا لو حملنا المحو على

    الكلف الحاصل في وجه القمر فهو أيضا برهان قاطع على صحة قول المسلمين في المبدإ و المعاد أما دلالته على صحة قولهم في المبدإ فلأن جرم القمر جرم بسيط عند الفلاسفة فوجب أن يكون متشابه الصفات فحصول الأحوال المختلفة الحاصلة بسبب المحو يدل على أنه ليس بسبب الطبيعة بل لأجل أن الفاعل المختار خصص بعض أجزائه بالنور القوي و بعض أجزائه بالنور الضعيف و ذلك يدل على أن مدبر العالم فاعل مختار لا موجب بالذات و آخر ما ذكره الفلاسفة في الاعتذار عنه أنه ارتكز في وجه القمر أجسام قليلة الضوء مثل ارتكاز الكواكب في أجرام الأفلاك فلما كانت تلك الأجرام أقل ضوءا من جرم القمر لا جرم شوهدت تلك الأجرام في وجه القمر كالكلف في وجه الإنسان و هذا لا يفيد مقصود الخصم لأن جرم القمر لما كان متشابه الأجزاء فلم ارتكزت تلك الأجرام الظلمانية في بعض أجزاء القمر دون سائر الأجزاء و بمثل هذا الطريق يتمسك في أحوال الكواكب و ذلك لأن الفلك جرم بسيط متشابه الأجزاء فلم يكن حصول جرم الكواكب في بعض جوانبه أولى من حصوله في سائر الجوانب و ذلك يدل على أن اختصاص ذلك الكوكب بذلك الموضع المعين من الفلك لأجل تخصيص الفاعل المختار الحكيم. و أما قوله وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً ففيه وجهان الأول أن معنى كونها مبصرة أي مضيئة و ذلك لأن الإضاءة سبب لحصول الإبصار فأطلق اسم الإبصار على الإضاءة إطلاقا لاسم المسبب على السبب و الثاني قال أبو عبيدة يقال قد أبصر النهار إذا صار الناس يبصرون فيه كقوله رجل مخبث إذا كان أصحابه خبثاء و رجل مضغف إذا كان دوابه ضغافا فكذا قوله وَ النَّهارَ مُبْصِراً أي أهله بصراء لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ أي لتبصروا كيف تتصرفون في أعمالكم وَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ اعلم أن الحساب يبنى على أربع مراتب الساعات   و الأيام و الشهور و السنون فالعدد للسنين و الحساب لما دون السنين و هي الشهور و الأيام و الساعات و بعد هذه المراتب الأربعة لا يحصل إلا التكرار كما أنهم رتبوا العدد على أربع مراتب الآحاد و العشرات و المآت و الألوف و ليس بعدها إلا التكرار وَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا أي كل شي‏ء بكم إليه حاجة في مصالح دينكم و دنياكم فصلنا و شرحنا و قال في قوله سبحانه وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ قرأ ابن عامر و حمزة و الكسائي و أبو بكر عن عاصم في عين حامية بالألف من غير همزة أي حارة

 و عن أبي ذر قال كنت رديف رسول الله ص على جمل فرأى الشمس حين غابت فقال أ تدري يا أبا ذر أين تغرب هذه قلت الله و رسوله أعلم قال فإنها تغرب في عين حامئة

و هي قراءة ابن مسعود و طلحة و أبو عمرو و الباقون حَمِئَةٍ و هي قراءة ابن عباس و اتفق أن ابن عباس كان عند معاوية فقرأ معاوية حامية فقال ابن عباس حَمِئَةٍ فقال معاوية لعبد الله بن عمر كيف تقرأ فقال كما يقرأ أمير المؤمنين ثم وجه إلى كعب الأحبار و سأله كيف تجد الشمس تغرب قال في ماء و طين كذلك نجده في التوراة و الحمئة ما فيه حمأة سوداء و اعلم أنه لا تنافي بين الحمئة و الحامية فجائز أن يكون الماء جامعا للوصفين ثم اعلم أنه ثبت بالدليل أن الأرض كره و أن السماء محيطة بها و لا شك أن الشمس في الفلك و أيضا قال وَجَدَ عِنْدَها قَوْماً و معلوم أن جلوس القوم في قرن الشمس غير موجود و أيضا فالشمس أكبر من الأرض مرات كثيرة فكيف يعقل دخولها في عين من عيون الأرض. إذا ثبت هذا فنقول في تأويله وجوه. الأول أن ذا القرنين لما بلغ موضعا ما في المغرب لم يبق بعده شي‏ء من   العمارات وجد الشمس كأنها تغرب في وهدة مظلمة و إن لم يكن كذلك في الحقيقة كما أن راكب البحر يرى الشمس كأنها تغرب في البحر إذا لم ير الشط و هي في الحقيقة تغيب وراء البحر ذكره الجبائي. الثاني أن بالجانب الغربي من الأرض مساكن يحيط البحر بها فالناظر إلى الشمس يتخيل كأنها تغيب في تلك البحار و لا شك أن البحار الغربية قوية السخونة فهي حامية و هي أيضا حمئة لكثرة ما فيها من الباه و هي الحمأة السوداء فقوله تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ إشارة إلى أن الجانب الغربي من الأرض قد أحاط البحر به و هو موضع شديد السخونة. الثالث قال أهل الأخبار إن الشمس تغرب في عين حمئة كثيرة الحاء و الحمأة و هذا في غاية البعد و ذلك أنا إذا رصدنا كسوفا قمريا و رأينا أهل المغرب قالوا حصل هذا الكسوف أول الليل رأينا أهل المشرق قالوا حصل في أول النهار فعلمنا أن ما هو أول الليل عند أهل المغرب فهو أول النهار عند أهل المشرق بل ذلك الوقت الذي هو أول الليل عندنا فهو وقت العصر في بلد و وقت الظهر في بلد آخر و وقت الضحوة في بلد ثالث و وقت طلوع الشمس في بلد رابع و نصف الليل في بلد خامس و إذا كانت هذه الأحوال معلومة بعد الاستقراء و الاختبار و علمنا أن الشمس طالعة ظاهرة في كل هذه الأوقات كان الذي يقال إنها تغيب في الطين و الحمأة كلاما على خلاف اليقين و كلام الله مبرأ عن البهمة فلم يبق إلا أن يضاف إلى التأويل الذي ذكرنا و الضمير في قوله عِنْدَها عائد إلى الشمس لأن الإنسان لما تخيل أن الشمس تغرب هناك فكان سكان ذلك الموضع كأنهم سكنوا بالقرب من الشمس أو عائد إلى العين. و قال في قوله وَجَدَها تَطْلُعُ أي وجد الشمس تطلع عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ   لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً

 فيه قولان الأول أنه شاطئ بحر لا جبل و لا شي‏ء يمنع من وقوع شعاع الشمس عليهم فلهذا السبب إذا طلعت الشمس دخلوا في أسراب واغلة في الأرض أو غاصوا في الماء فيكون عند طلوع الشمس يتعذر عليهم التصرف في المعاش و عند غروبها يشتغلون بتحصيل مهمات المعاش و حالهم بالضد من أحوال سائر الخلق. و القول الثاني أن معناه لا ثياب لهم و يكونون كسائر الحيوانات عراة أبدا و في كتب الهيئة أن حال أكثر الزنج كذلك و حال كل من سكن البلاد القريبة من خط الإستواء كذلك و ذكر في كتب التفسير أن بعضهم قال سافرت حتى جاوزت الصين فسألت عن هؤلاء القوم فقيل بينك و بينهم مسيرة يوم و ليلة فبلغتهم و إذا أحدهم يفرش إحدى أذنيه و يلبس الأخرى فلما قرب طلوع الشمس سمعت صوتا كهيئة الصلصلة فغشي علي ثم أفقت فلما طلعت الشمس إذا هي فوق الماء كهيئة الزيت فأدخلوا في سربالهم فلما ارتفع النهار جعلوا يصطادون السمك و يطرحونه في الشمس فينضج. كُلٌّ فِي فَلَكٍ أي كل منهما أو مع النجوم بقرينة الجمع في فلك واحد أو كل واحد منهما أو منها في فلك على حدة يَسْبَحُونَ أي يجرون قال الرازي لا يجوز أن يقول كل في فلك يسبحون إلا و يدخل في الكلام مع الشمس و القمر النجوم ليثبت معنى الجمع و الكل ثم قال الفلك في كلام العرب كل شي‏ء دائر و جمعه أفلاك و اختلف العقلاء فيه فقال بعضهم الفلك ليس بجسم و إنما هو مدار هذه النجوم و هو قول الضحاك و قال الأكثرون بل هي أجسام تدور النجوم عليها و هذا أقرب إلى ظاهر القرآن ثم اختلفوا في كيفيته فقال بعضهم الفلك موج مكفوف تجري الشمس و القمر و النجوم فيه و قال الكلبي ماء   مكفوف أي مجموع تجري فيه الكواكب و احتج بأن السباحة لا تكون إلا في الماء قلنا لا نسلم فإنه يقال للفرس الذي يمد يديه في الجري سابح و قال جمهور الفلاسفة و أصحاب الهيئة إنها أجرام صلبة لا خفيفة و لا ثقيلة غير قابلة للخرق و الالتئام و النمو و الذبول و الحق أنه لا سبيل إلى معرفة السماوات إلا بالخبر و اختلف الناس في حركات الكواكب و الوجوه الممكنة فيها ثلاثة فإنه إما أن يكون الفلك ساكنا و الكواكب تتحرك فيه كحركة السمكة في الماء الراكد و إما أن يكون الفلك متحركا و الكواكب تتحرك فيه أيضا إما مخالفا لجهة حركته أو موافقا لجهته إما بحركة مساوية لحركة الفلك في السرعة و البطء أو مخالفة و إما أن يكون الفلك متحركا و الكواكب ساكنة أما الرأي الأول فقالت الفلاسفة إنه باطل لأنه يوجب خرق الفلك و هو محال عندهم و أما الرأي الثاني فحركة الكواكب إن فرضت مخالفة لحركة الفلك فذاك أيضا يوجب الخرق و إن كانت حركتها إلى جهة حركة الفلك فإن كانت مخالفة لها في السرعة و البطء لزم الانخراق و إن استويا في الجهة و السرعة و البطء فالخرق أيضا لازم لأن الكواكب تتحرك بسبب حركته فتبقى حركته الذاتية زائدة فيلزم الخرق فلم يبق إلا القسم الثالث و هو أن يكون الكواكب مغروزا في الفلك واقفا فيه و الفلك يتحرك فيتحرك الكواكب بسبب حركة الفلك و اعلم أن مدار هذا الكلام على امتناع الخرق على الأفلاك و هو باطل بل الحق أن الأقسام الثلاثة ممكنة و الله تعالى قادر على كل الممكنات و الذي يدل عليه لفظ القرآن أن تكون الأفلاك واقفة و الكواكب تكون جارية فيها كما تسبح السمكة في الماء و احتج ابن سينا على أن الكواكب أحياء ناطقة بقوله يَسْبَحُونَ فإن الجمع بالواو و النون لا يكون إلا للعقلاء و بقوله تعالى وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ

    و الجواب إنما جعل واو الضمير للعقلاء للوصف بفعلهم و هو السباحة. فإن قلت لكل واحد من القمرين فلك على حدة فكيف قيل جميعهم يسبحون في فلك. قلت هذا كقوله كساهم الأمير حلة و قلدهم سيفا أي كل واحد منهم. وَ لَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ قال البيضاوي أي و يختص به تعاقبهما لا يقدر عليه غيره فيكون ردا لنسبته إلى الشمس حقيقة أو مجازا أو لأمره و قضائه تعاقبهما أو انتقاص أحدهما و ازدياد الآخر و في قوله سبحانه يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ بالمعاقبة بينهما أو بنقص أحدهما و زيادة الآخر أو بتغيير أحوالهما بالحر و البرد و الظلمة و النور أو ما يعم ذلك إِنَّ فِي ذلِكَ فيما تقدم ذكره لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ لدلالته على وجود الصانع القديم و كمال قدرته و إحاطة علمه و نفاذ مشيته و تنزهه عن الحاجة و ما يفضي إليها لمن يرجع إلى بصيرة. قوله تعالى أَ لَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ أقول للعلماء في تأويل هذه الآية مسالك. الأول أ لم تنظر إلى صنع ربك كيف بسطه أو أ لم تنظر إلى الظل كيف بسطه ربك فغير النظم إشعارا بأن المعقول من هذا الكلام لوضوح برهانه و هو دلالة حدوثه و تصرفه على الوجه النافع بأسباب ممكنة على أن ذلك فعل الصانع الحكيم كالمشاهد المرئي فكيف بالمحسوس منه أو أ لم ينته علمك إلى أن ربك كيف مد الظل و هو فيما بين طلوع الفجر و الشمس و هو أطيب الأحوال فإن الظلمة الخالصة تنفر الطبع و تسد النظر و شعاع الشمس يسخن الهواء و يبهر البصر و لذلك وصف به الجنة فقال وَ ظِلٍّ مَمْدُودٍ وَ لَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً أي ثابتا من السكنى أو غير   متقلص من السكون بأن يجعل الشمس مقيمة على وضع واحد ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا فإنه لا يظهر للحس حتى تطلع فيقع ضوؤها على بعض الأجرام إذ لا يوجد و لا يتفاوت إلا بسبب حركتها ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا أي أزلناه بإيقاع الشعاع موقعه قَبْضاً يَسِيراً أي قليلا قليلا حسب ما ترتفع الشمس لتنتظم بذلك مصالح الكون و يتحصل به ما لا يحصى من منافع الخلق و ثم في الموضعين لتفاضل الأمور أو لتفاضل مبادئ أوقات ظهورها. الثاني أن المعنى مد الظل لما بنى السماء بلا نير و دحا الأرض تحتها و ألقت عليها ظلها و لو شاء لجعله ثابتا على تلك الحال ثم خلق الشمس عليه دليلا أي مسلطا عليهم مستتبعا إياه كما يستتبع الدليل المدلول أو دليل الطريق من يهديه يتفاوت بحركتها و يتحول بتحولها ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً شيئا فشيئا إلى أن ينتهي نقصانه أو قبضا سهلا عند قيام الساعة بقبض أسبابه من الأجرام المظلة و المظل عليها و هذان الوجهان ذكرهما البيضاوي و غيره من المفسرين الثالث أن يكون المراد بالظل الروح كما يطلق عالم الظلال على عالم الأرواح لأنها تابعة للبدن كالظل أو لكونها أجساما لطيفة أو لتجردها إن قيل به وَ لَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً بعدم تعلقها بالأجساد و المراد بالشمس شمس عالم الوجود و هو الرب تعالى لأنه دليل الممكنات إلى الوجود و سائر الكمالات و قبضه عبارة عن قبض الروح شيئا فشيئا إلى أن يموت الشخص و في قوله ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ نوع التفاوت. الرابع أن يراد بالظل الأنبياء و الأوصياء ع فإنهم ظلاله سبحانه لكونهم تابعين لإرادته متخلقين بأخلاقه و كونهم ظلال رحمته على عباده وَ لَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً أي لم يبعثهم إلى الخلق ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ أي شمس الوجود عَلَيْهِ دَلِيلًا أي لهم دليلا هاديا لهم إلى كمالاتهم و قبضه جذبهم إلى عالم القدس. الخامس أن يكون المراد بالظلال الأعيان الثابتة و الحقائق الإمكانية على مذاق الصوفية و مدها عبارة عن الفيض الأقدس بزعمهم أي جعل الماهيات

    ماهيات و الشمس عبارة عن الفيض المقدس و هو إفاضة الوجود و القبض اليسير بزعمهم إشارة إلى تجدد الأمثال و إعدام كل شي‏ء و إيجاده في كل آن و به أولوا قوله سبحانه بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ أيضا و ربما يحمل الظل على عالم المثال كما هو ذوق المتألهين من الحكماء و هذه احتمالات في هذه الآية التي هي من المتشابهات و ما يعلم تأويلها إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ و فسر علي بن إبراهيم الظل بما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً قال الطبرسي ره أي غطاء ساترا للأشياء بالظلام كاللباس الذي يشتمل على لابسه فالله سبحانه ألبسنا الليل و غشانا به لنسكن فيه و نستريح عن كد الأعمال وَ النَّوْمَ سُباتاً أي راحة لأبدانكم و قطعا لأعمالكم قال الزجاج السبات أن ينقطع عن الحركة و الروح في بدنه وَ جَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً لانتشار الروح باليقظة فيه مأخوذ من نشور البعث و قيل لأن الناس ينتشرون فيه لطلب حوائجهم و معايشهم فالنشور بمعنى التفرق لابتغاء الرزق عن ابن عباس. تَبارَكَ تفاعل من البركة معناه عظمت بركاته و كثرت عن ابن عباس و البركة الكثرة من الخير و قيل معناه تقدس و جل بما لم يزل عليه من الصفات و لا يزال كذلك فلا يشاركه فيها غيره و أصله من بروك الطير فكأنه قال ثبت و دام فيما لم يزل و لا يزال عن جماعة من المفسرين و قيل معناه قام بكل بركة و جاء بكل بركة الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً يريد منازل النجوم السبعة السيارة و هي الحمل و الثور و الجوزاء و السرطان و الأسد و السنبلة و الميزان و العقرب و القوس و الجدي و الدلو و الحوت و قيل هي النجوم الكبار و سميت بروجا لظهورها وَ جَعَلَ فِيها سِراجاً أي و خلق   في السماء شمسا و من قرأ سرجا أراد الشمس و الكواكب معها وَ قَمَراً مُنِيراً أي مضيئا بالليل إذا لم تكن شمس وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ خِلْفَةً أي يخلف كل واحد منهما صاحبه فيما يحتاج أن يعمل فيه فمن فاته عمل الليل استدركه بالنهار و من فاته عمل النهار استدركه بالليل و هو قوله لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ

 روي ذلك عن أبي عبد الله ع قال يقضى صلاة الليل بالنهار

و قيل معناه أنه جعل كل واحد منهما مخالفا لصاحبه فجعل أحدهما أسود و الآخر أبيض لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أي يتفكر و يستدل بذلك على أن لهما مدبرا و مصرفا لا يشبههما و لا يشبهانه فيوجه العبادة إليه أَوْ أَرادَ شُكُوراً أي أراد شكر نعمة ربه عليه فيهما و على القول الأول فمعناه أراد النافلة بعد أداء الفريضة. أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ قال البيضاوي بالنجوم و علامات الأرض و الظلمات ظلمات الليالي و الإضافة إلى البر و البحر للملابسة أو مشتبهات الطرق يقال طريقة ظلماء و عمياء للتي لا منار بها. لِيَسْكُنُوا فِيهِ بالنوم و القرار وَ النَّهارَ مُبْصِراً أصله ليبصروا فيه فبولغ فيه بجعل الإبصار حالا من أحواله المجعول عليها بحيث لا ينفك عنها. سَرْمَداً أي دائما من السرد و هو المتابعة و الميم مزيدة كميم دلامص إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ بإسكان الشمس تحت الأرض أو تحريكها حول الأفق الغائر مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ كان حقه هل إله فذكر بمن على زعمهم أن غيره آلهة أَ فَلا تَسْمَعُونَ سماع تدبر و استبصار إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً   بإسكانها في وسط السماء أو تحريكها على مدار فوق الأفق بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ استراحة عن متاعب الأشغال و لعله لم يصف الضياء بما يقابله لأن الضوء نعمة في ذاته مقصود بنفسه و لا كذلك الليل و لأن منافع الضوء أكثر مما يقابله و لذلك قرن به أَ فَلا تَسْمَعُونَ و بالليل أَ فَلا تُبْصِرُونَ لأن استفادة العقل من السمع أكثر من استفادته من البصر لِتَسْكُنُوا فِيهِ أي في الليل وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ أي بالنهار بأنواع المكاسب وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أي و لكي تعرفوا نعمة الله في ذلك فتشكروه عليها وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ المسئول عنهم أهل مكة لَيَقُولُنَّ اللَّهُ لما تقرر في العقول من وجوب انتهاء الممكنات إلى واحد واجب الوجود. وَ مِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ ابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ منامكم في الزمانين لاستراحة القوى النفسانية و قوة القوى الطبيعية و طلب معاشكم فيهما أو منامكم بالليل و ابتغاؤكم بالنهار فلف و ضم بين الزمانين و الفعلين بعاطفين إشعارا بأن كلا من الزمانين و إن اختص بأحدهما فهو صالح للآخر عند الحاجة و يؤيده سائر الآيات الواردة فيه كُلٌّ يَجْرِي أي كل من النيرين يجري في فلكه إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى أي إلى منتهى معلوم الشمس إلى آخر السنة و القمر إلى آخر الشهور و قيل إلى يوم القيامة. و قال في قوله لِأَجَلٍ مُسَمًّى مدة دوره أو منتهاه أو يوم القيامة نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ أي نزيله و نكشفه عن مكانه مستعار من سلخ الجلد فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ أي داخلون في الظلام.  

 أقول و في الكافي عن الباقر ع يعني قبض محمد ص و ظهرت الظلمة فلم يبصروا فضل أهل بيته

و هو من بطون الآية. وَ الشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها أي لحد معين ينتهي إليه دورها فشبه بمستقر المسافر إذا قطع مسيره أو لكبد السماء فإن حركتها فيه توجد إبطاء بل ورد في الرواية أن لها هناك ركودا أو لاستقرار لها على نهج مخصوص أو لمنتهى مقدر لكل يوم من المشارق و المغارب فإن لها في دورها ثلاثمائة و ستين مشرقا و مغربا يطلع كل يوم من مطلع و يغرب في مغرب ثم لا تعود إليهما إلى العام القابل أو لمنقطع جريها عند خراب العالم قال الطبرسي روي عن السجاد و الباقر و الصادق ع و ابن عباس و ابن مسعود و عكرمة و عطاء لا مستقر لها بنصب الراء ذلِكَ الجري على هذا التقدير المتضمن للحكم التي تكل الفطن عن إحصائها تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الغالب بقدرته على كل مقدور الْعَلِيمِ المحيط علمه بكل معلوم. وَ الْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ أي قدرنا مسيره منازل أو سيره في منازل و هي ثمانية و عشرون الشرطين و البطين و الثريا و الدبران و الهقعة و   الهنعة و الذراع و النثرة و الطرف و الجبهة و الزبرة و الصرفة و العواء و السماك و الغفر و الزباني و الإكليل و القلب و الشولة و النعائم و البلدة و سعد الذابح و سعد بلع و سعد السعود و سعد الأخبية و فرع الدلو المقدم و فرع الدلو المؤخر و الرشاء و هو بطن الحوت ينزل كل ليلة في واحدة منها فإذا كان في آخر منازله و هو الذي يكون فيه قبل الاجتماع دق و استقوس حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ أي كالشمراخ المعوج الْقَدِيمِ العتيق

 و عن الرضا ع أنه يصير كذلك ستة أشهر

و سيأتي مزيد تحقيق لذلك في باب السنين و الشهور إن شاء الله. لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أي يصح و يتسهل لها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ في سرعة سيره فإن ذلك يخل بتكون النبات و تعيش الحيوان أو في آثاره و منافعه أو مكانه بالنزول إلى محله و سلطانه فيطمس نوره وَ لَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ بأن يسبقه فيفوته و لكن يعاقبه و قيل المراد بهما آيتاهما و هما نيران و بالسبق سبق القمر إلى سلطان الشمس فيكون عكسا للأول

 و قد مر عن الرضا ع برواية العياشي أن المراد به أن النهار خلق قبل الليل

و سيأتي ما يشعر بذلك أيضا. وَ كُلٌّ أي كلهم و التنوين عوض المضاف إليه و الضمير للشموس و الأقمار   فإن اختلاف الأحوال يوجب تعددا ما في الذات أو إلى الكواكب فإن ذكرهما مشعر بها و قد مر معنى السباحة وَ رَبُّ الْمَشارِقِ قال البيضاوي أي مشارق الكواكب أو مشارق الشمس في السنة و هي ثلاثمائة و ستون تشرق كل يوم في واحد و بحسبها تختلف المغارب و لذلك اكتفي بذكرها مع أن الشروق أدل على القدرة و أبلغ في النعمة و ما قيل إنها مائة و ثمانون إنما يصح لو لم تختلف أوقات الانتقال يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَ يُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ أي يغشى كل واحد منهما الآخر كأنه يلف عليه لف اللباس باللابس أو يغيبه به كما يغيب الملفوف باللفافة أو يجعله كارا عليه كرورا متتابعا تتابع أكوار العمامة أَلا هُوَ الْعَزِيزُ القادر على كل ممكن الغالب على كل شي‏ء الْغَفَّارُ حيث لم يعاجل بالعقوبة و سلب ما في هذه الصنائع من الرحمة و عموم المنفعة. لِتَسْكُنُوا فِيهِ أي لتستريحوا فيه بأن خلقه باردا مظلما ليؤدي إلى ضعف المحركات و هدوء الحواس وَ النَّهارَ مُبْصِراً يبصر فيه أو به و إسناد الإبصار إليه مجاز و مبالغة و لذلك عدل به عن التعليل إلى الحال. لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَ لا لِلْقَمَرِ قال الطبرسي ره و إن كان فيهما منافع كثيرة لأنهما ليسا بخالقين وَ اسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ و تأنيث الضمير لأن غير ما يعقل يجمع على لفظ التأنيث و لأنه في معنى الآيات إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ أي إن كنتم تقصدون بعبادتكم الله كما تزعمون فاسجدوا لله دون غيره. الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ بِحُسْبانٍ أي يجريان بحساب و منازل لا يعدوانها و هما يدلان على عدد الشهور و السنين و الأوقات عن ابن عباس و غيره فأضمر يجريان و حذفه لدلالة الكلام عليه و تحقيق معناه أنهما يجريان على وتيرة واحدة و حساب بين   متفق على الدوام لا يقع فيه تفاوت فالشمس تقطع بروج الفلك في ثلاثمائة و خمسة و ستين يوما و شي‏ء و القمر في ثمانية و عشرين يوما فيجريان أبدا على هذا الوجه و إنما خصهما بالذكر لما فيهما من المنافع الكثيرة للناس من النور و الضياء و معرفة الليل و النهار و نضج الثمار إلى غير ذلك فذكرهما لبيان النعمة بهما على الخلق رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَ رَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ أي مشرق الشتاء و الصيف و مغربيهما و قيل مشرقي الشمس و القمر و مغربيهما وَ جَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً قيل فيه وجوه. أحدها أن المعنى و جعل القمر نورا في السماوات و الأرض عن ابن عباس قال يضي‏ء ظهره لما يليه من السماوات و يضي‏ء وجهه لأهل الأرض و كذلك الشمس. و ثانيها أن معنى فيهن معهن يعني و جعل القمر معهن أي مع خلق السماوات نورا لأهل الأرض و ثالثها أن معنى فيهن في حيزهن و إن كان في واحدة منها كما تقول إن في هذه الدور لبئرا و إن كانت في واحدة منها لأن ما كان في إحداهن كان فيهن و كما تقول أتيت بني تميم و إنما أتيت بعضهم. وَ جَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً أي مصباحا تضي‏ء لأهل الأرض فهي سراج العالم كما أن المصباح سراج الإنسان و قال ره في قوله تعالى كَلَّا أي حقا و قيل معناه ليس الأمر على ما يتوهمونه وَ الْقَمَرِ أقسم بالقمر لما فيه من الآيات العجيبة في طلوعه و غروبه و مسيره و زيادته و نقصانه وَ اللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ قرأ نافع و حمزة و حفص و يعقوب و خلف إِذْ بغير ألف أَدْبَرَ بالألف و الباقون إذا بالألف دبر بغير الألف فعلى الأول أقسم بالليل إذا ولى و ذهب يقال دبر و أدبر عن قتادة و قيل دبر إذا جاء بعد غيره و أدبر إذا ولى مدبرا فعلى هذا يكون المعنى في إذا دبر إذا جاء الليل في أثر النهار و في إِذْ أَدْبَرَ إذا ولى الليل فجاء

    الصبح عقيبه و على القول الأول فيهما لغتان معناهما ولى و انقضى وَ الصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ أي أضاء و أنار و قيل معناه إذا كشف الظلام و أضاء الأشخاص و قال قوم التقدير في هذه الأقسام و رب هذه الأشياء لأن اليمين لا يكون إلا بالله تعالى إِنَّها أي السقر التي هي النور لَإِحْدَى الْكُبَرِ أي لإحدى العظائم و الكبر جمع الكبرى. وَ جَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً أي راحة و دعة لأجسادكم أو قطعا لأعمالكم و تصرفكم إذ ليس بموت على الحقيقة و لا مخرجا عن الحيوة و الإدراك وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً أي غطاء و سترة يستر كل شي‏ء بظلمته و سواده وَ جَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً أي مطلب معاش و مبتغاه أو وقت معاشكم لتتصرفوا في معايشكم وَ بَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً أي سبع سماوات شِداداً محكمة أحكمنا صنعها و أوثقنا بناءها وَ جَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً يعني الشمس جعلها سبحانه سراجا للعالم وقادا متلألئا بالنور يستضيئون به قال مقاتل جعل فيه نورا و حرا و الوهج مجمع النور و الحر. إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ أي نهب ضوؤها و نورها فأظلمت و اضمحلت عن ابن عباس و غيره و قيل ألقيت و رمي بها و قيل جمع ضوؤها و لفت كما تلف العمامة. وَ إِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ أي تساقطت و تناثرت يقال انكدر الطائر من الهواء إذا انقض و قيل تغيرت و الأول أولى لقوله وَ إِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ وَ اللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ أي إذا أدبر بظلامه عن علي ع و قيل أقبل بظلامه و قيل أظلم وَ الصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ أي إذا أسفر و أضاء و المعنى امتد ضوؤه حتى يصير نهارا. وَ الْفَجْرِ أقسم سبحانه بفجر النهار و هو انفجار الصبح كل يوم و قيل   فجر ذي الحجة و قيل فجر أول المحرم و قيل فجر يوم النحر و قيل أراد بالفجر النهار وَ لَيالٍ عَشْرٍ يعني العشر من ذي الحجة و قيل العشر الآخر من شهر رمضان و قيل عشر موسى للثلاثين ليلة التي أتمها الله بها وَ اللَّيْلِ إِذا يَسْرِ أراد جنس الليالي أقسم بالليل إذا مضى بظلامه و قيل إنما أضاف اليسر إليه لأن الليل يسير بمسير الشمس في الفلك و انتقالها من أفق إلى أفق و قيل إِذا يَسْرِ إذا جاء و أقبل إلينا و يريد كل ليلة و قيل إنها ليلة المزدلفة و فيها يسري الحاج من عرفة إليها و يغدو منها إلى منى و أصل يسر يسري حذفت الياء اكتفاء بالكسرة تخفيفا و لرعاية الفواصل. وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها أقسم سبحانه بالشمس لكثرة الانتفاع بها و بضحيها و هو امتداد ضوئها و انبساطه و قيل هو النهار كله و قيل حرها وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها أي تبعها فأخذ من ضوئها و سار خلفها قالوا و ذلك في النصف الأول من الشهر إذا غربت الشمس تلاها القمر في الإضاءة و خلفها في النور و قيل تلاها ليلة الهلال و هي أول ليلة من الشهر و قيل في الخامس عشر و قيل في الشهر كله فهو في النصف الأول يتلوها و تكون أمامه و هو وراءها و في النصف الأخير يتلو غروبها بالطلوع وَ النَّهارِ إِذا جَلَّاها أي جلى الظلمة و كشفها أو أبرز الشمس و أظهرها وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشاها أي يغشى الشمس حتى تغيب فتظلم الآفاق و يلبسها سواده. أقول و قد مر تأويلها في الأخبار بأن الشمس رسول الله ص به أوضح الله للناس دينهم و القمر أمير المؤمنين ع تلا رسول الله ص و نفثه بالعلم نفثا و الليل أئمة الجور الذين استبدوا بالأمر دون آل الرسول و جلسوا مجلسا كان آل الرسول أولى به منهم فغشوا دين الله بالظلم و الجور و النهار الإمام من ذرية فاطمة

    ع يسأل عن دين الله فيجليه لمن سأله و قد مر شرحها و بيانها. وَ الضُّحى قال الطبرسي ره أقسم سبحانه بضوء النهار كله من قولهم ضحي فلان للشمس إذا ظهر لها و يدل عليه قوله سبحانه في مقابلته وَ اللَّيْلِ إِذا سَجى أي سكن و استقر ظلامه و قيل المراد بالضحى أول ساعة من النهار و قيل صدر النهار و هي الساعة التي فيها ارتفاع الشمس و اعتدال النهار في الحر و البرد و الشتاء و الصيف و قيل معناه و رب الضحى و رب الليل إذا سجى و قيل إِذا سَجى إذا أغطى بالظلمة كل شي‏ء و قيل إذا أقبل ظلامه. بِرَبِّ الْفَلَقِ أي برب الصبح و خالقه و مدبره و مطلعه متى شاء على ما يرى من الصلاح فيه مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ من الجن و الإنس و سائر الحيوانات و إنما سمي الصبح فلقا لانفلاق عموده بالضياء عن الظلام و قيل الفلق المواليد و جب في جهنم وَ مِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ أي و من شر الليل إذا دخل بظلامه فالمراد من شر ما يحدث في الليل من الشر و المكروه و إنما خص لأن الفساق يقدمون على الفساد بالليل و كذلك الهوام و السباع تؤذي فيه أكثر

1-  الكافي، عن علي بن إبراهيم و عدة من أصحابه عن سهل بن زياد جميعا عن محمد بن عيسى عن يونس عن أبي الصباح الكناني عن الأصبغ بن نباتة قال قال أمير المؤمنين ع إن للشمس ثلاثمائة و ستين برجا كل برج منها مثل جزيرة من جزائر العرب فتنزل كل يوم على برج منها فإذا غابت انتهت إلى حد بطنان العرش فلم تزل ساجدة إلى الغد ثم ترد إلى موضع مطلعها و معها ملكان يهتفان معها و إن وجهها لأهل السماء و قفاها لأهل الأرض و لو   كان وجهها لأهل الأرض لأحرقت الأرض و من عليها من شدة حرها و معنى سجودها ما قال سبحانه و تعالى أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ الْجِبالُ وَ الشَّجَرُ وَ الدَّوَابُّ وَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ

 توضيح ثلاثمائة و ستين برجا لعل المراد بالبرج الدرجات التي تنتقل إليها بحركاتها الخاصة أو المدارات التي تنتقل إلى واحد منها كل يوم فيكون هذا العدد مبنيا على ما هو الشائع بين الناس من تقدير السنة به و إن لم يكن مطابقا لشي‏ء من حركتي الشمس و القمر مثل جزيرة من جزائر العرب أي نسبتها إلى الفلك نسبة جزيرة من الجزائر إلى الأرض أو الغرض التشبيه في أصل العظمة   لا خصوص المقدار و المقصود بيان سرعة حركتها و إن كانت بطيئة بالنسبة إلى الحركة اليومية قال الفيروزآبادي جزيرة العرب ما أحاط به بحر الهند و بحر الشام ثم دجلة و الفرات أو ما بين عدن أبين إلى أطراف الشام طولا و من جدة إلى ريف العراق عرضا فإذا غابت أي بالحركة اليومية إلى حد بطنان العرش أي وسطه و لعل المراد وصولها إلى دائرة نصف النهار من تحت الأرض فإنها بحذاء أوساط العرش بالنسبة إلى أكثر المعمورة إذ ورد في الأخبار أن العرش محاذ للكعبة فلم تزل ساجدة أي مطيعة خاضعة منقادة جارية بأمره تعالى حتى ترد إلى مطلعها و المراد بمطلعها ما قدر أن تطلع منه في هذا اليوم أو ما طلعت فيه في السنة السابقة في مثله و قوله و معنى سجودها يحتمل أن تكون من تتمة الخبر لبيان أنه ليس المراد بالسجود ما هو المصطلح و لعل الأظهر أنه من كلام الكليني أو غيره من الرواة و سيأتي تفسير الآية في محله

2-  الكافي، عن عدة من أصحابه عن أحمد بن محمد بن عيسى و أحمد بن محمد بن خالد جميعا عن الحسن بن محبوب عن إبراهيم بن مهزم عن رجل عن جابر عن أبي جعفر ع قال إن الشمس تطلع و معها أربعة أملاك ملك ينادي يا صاحب الخير أتم و أبشر و ملك ينادي يا صاحب الشر انزع و أقصر و ملك ينادي أعط منفقا خلفا و آت ممسكا تلفا و ملك ينضحها بالماء و لو لا ذلك اشتعلت الأرض

 بيان يحتمل أن يكون النضح بالماء كناية عن بث الأجزاء المائية في الهواء   بسبب الأنهار و البحار و الآبار و غيرها فإنه لولاها لكان تأثير الحرارة في الهواء و الأرض و الأبدان و الأشجار و النباتات أكثر و أقول قال السيد الداماد في بعض زبره

 فيما نقله رهط من المفسرين عن ابن عباس مما استفاد عن أمير المؤمنين ع في تفسير قوله تعالى كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى إن للشمس مائة و ثمانين منزلا في مائة و ثمانين يوما ثم إنها تعود مرة أخرى إلى واحد واحد منها في أمثال تلك الأيام و مجموع تلك الأيام سنة

و قال علامتهم المفسر الأعرج النيسابوري في تفسيره إن صح هذا عنه فلعله أراد تصاعدها على دائرة نصف النهار و تنازلها منها في أيام السنة أو أراد نزولها في فلكها الخارج المركز من الأوج إلى الحضيض ثم صعودها من الحضيض إلى الأوج فإن لها بحسب كل جزء من تلك الأجزاء في كل يوم من تلك الأيام تعديلا خاصا زائدا أو ناقصا و نحن نقول ذلك تجشم و تكلف بل أراد بمنازلها في أيام السنة مداراتها اليومية بحسب أجزاء مدارها الذي عليه طول السنة بحركتها الخاصة فإن ذلك المدار في سطح منطقة البروج مقاطعا لمنطقة معدل النهار على نقطتي الاعتدالين و كل جزءين من أجزائه شماليين أو جنوبيين هما متساويا البعد عن إحدى نقطتي الانقلابين و بعد أحدهما عن إحدى نقطتي الاعتدالين كبعد الآخر عن الأخرى فإنهما متحدان في المدار اليومي فالشمس بحسب كونها في أجزاء مدارها بحركتها الخاصة تعود بالحركة الشرقية في الربع الصيفي من أرباع السنة إلى مداراتها اليومية الربيعية و في الربع الشتوي إلى مداراتها اليومية الخريفية ففي النصف الشتوي و الربيعي من السنة تعود إلى مداراتها الخريفية و الصيفية و في النصف الصيفي و الخريفي إلى مداراتها الربيعية و الشتوية فاحفظ بذلك فإنه من بدائع الصنائع الإلهية

3-  التوحيد، و المجالس، للصدوق عن محمد بن موسى بن المتوكل عن محمد بن جعفر الأسدي عن موسى بن عمران النخعي عن النوفلي عن السكوني عن أبي نعيم البلخي عن مقاتل بن حيان عن عبد الرحمن بن أبزى عن   أبي ذر الغفاري قال كنت آخذا بيد النبي ص و نحن نتماشى جميعا فما زلنا ننظر إلى الشمس حتى غابت فقلت يا رسول الله أين تغيب قال في السماء ثم ترفع من سماء إلى سماء حتى ترفع إلى السماء السابعة العليا حتى تكون تحت العرش فتخر ساجدة فتسجد معها الملائكة الموكلون بها ثم تقول يا رب من أين تأمرني أن أطلع أ من مغربي أم من مطلعي فذلك قوله عز و جل وَ الشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ يعني بذلك صنع الرب العزيز في ملكه بخلقه قال فيأتيها جبرئيل بحلة ضوء من نور العرش على مقادير ساعات النهار في طوله في الصيف أو قصره في الشتاء أو ما بين ذلك في الخريف و الربيع قال فتلبس تلك الحلة كما يلبس أحدكم ثيابه ثم تنطلق بها في جو السماء حتى تطلع من مطلعها قال النبي ص فكأني بها قد حبست مقدار ثلاث ليال ثم لا تكسى ضوء و تؤمر أن تطلع من مغربها فذلك قوله عز و جل إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَ إِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ و القمر كذلك من مطلعه و مجراه في أفق السماء و مغربه و ارتفاعه إلى السماء السابعة و يسجد تحت العرش و جبرئيل يأتيه بالحلة من نور الكرسي فذلك قوله عز و جل هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً قال أبو ذر ره ثم اعتزلت مع رسول الله ص فصلينا المغرب

    بيان قد يحمل أكثر ما ورد في الخبر على الاستعارة التمثيلية و المجاز الشائع في كلام العرب و الله يعلم حقائق الأمور

4-  تفسير علي بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن محبوب عن عبد الله بن يسار عن معروف بن خربوذ عن الحكم بن المستنير عن علي بن الحسين ع قال إن من الآيات التي قدرها الله للناس مما يحتاجون إليه البحر الذي خلقه الله بين السماء و الأرض قال و إن الله قدر فيه مجاري الشمس و القمر و النجوم و الكواكب ثم قدر ذلك كله على الفلك ثم وكل بالفلك ملكا معه سبعون ألف ملك فهم يديرون الفلك فإذا أداروه دارت الشمس و القمر و النجوم و الكواكب معه فنزلت في منازلها   التي قدرها الله فيها ليومها و ليلتها و إذا كثرت ذنوب العباد و أراد الله أن يستعتبهم بآية من آياته أمر الملك الموكل بالفلك أن يزيل الفلك الذي عليه مجاري الشمس و القمر و النجوم و الكواكب فيأمر الملك أولئك السبعين الألف الملك أن يزيلوا الفلك عن مجاريه قال فيزيلونه فتصير الشمس في ذلك البحر الذي يجري الفلك فيه فيطمس ضوؤها و يغير لونها فإذا أراد الله أن يعظم الآية طمست الشمس في البحر على ما يحب الله أن يخوف خلقه بالآية فذلك عند شدة انكساف الشمس و كذلك يفعل بالقمر فإذا أراد الله أن يخرجهما و يردهما إلى مجراهما أمر الملك الموكل بالفلك أن يرد الشمس إلى مجراها فيرد الملك الفلك إلى مجراه فتخرج من الماء و هي كدرة و القمر مثل ذلك ثم قال علي بن الحسين ع أما إنه لا يفزع لهما و لا يرهب إلا من كان من شيعتنا فإذا كان ذلك فافزعوا إلى الله و راجعوا قال و قال أمير المؤمنين ع الأرض مسيرة خمسمائة عام الخراب منها مسيرة أربعمائة عام و العمران منها مسيرة مائة عام و الشمس ستون فرسخا في ستين فرسخا و القمر   أربعون فرسخا في أربعين فرسخا بطونهما يضيئان لأهل السماء و ظهورهما لأهل الأرض و الكواكب كأعظم جبل على الأرض و خلق الشمس قبل القمر

 و قال سلام بن المستنير قلت لأبي جعفر ع لم صارت الشمس أحر من القمر قال إن الله خلق الشمس من نور النار و صفو الماء طبقا من هذا و طبقا من هذا حتى إذا صارت سبعة أطباق ألبسها لباسا من نار فمن هنالك صارت أحر من القمر قلت فالقمر قال إن الله خلق القمر من ضوء نور النار و صفو الماء طبقا من هذا و طبقا من هذا حتى إذا صارت سبعة أطباق ألبسها لباسا من ماء فمن هنالك صار القمر أبرد من الشمس

 الكافي، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن عبد الله بن سنان عن معروف بن خربوذ عن الحكم بن المستورد عن علي بن الحسين ع مثله إلى قوله فإذا كان كذلك فافزعوا إلى الله عز و جل ثم ارجعوا إليه

 الفقيه، عنه ع مرسلا مثله   توضيح أن من الآيات كذا في الفقيه و بعض نسخ التفسير و في بعضها الأوقات و الأول أصوب و في الكافي من الأقوات أي أسبابها قدر فيه أي في البحر أي عليه و محاذيا له أو جعله بحيث يمكن أن يجري الكواكب فيه عند الحاجة و في الكتابين فيها فالمراد أيضا البحر بتأويل الآية و يمكن إرجاعه إلى الآيات أو إلى السماء و قدر ذلك أي الجريان كله على الفلك أي الفلك الأعظم أو فلك الكوكب و الأول أظهر و في الفقيه هكذا أمر الملك الموكل بالفلك أن يزيل الفلك عن مجاريه قال فيأمر الملك السبعين الألف الملك أن أزيلوا الفلك إلى قوله في ذلك البحر الذي كان فيه الفلك و فيهما فإذا أراد الله أن يجليها و يردها إلى مجراها أمر الملك الموكل بالفلك أن يرد الفلك إلى مجراه فيرد الفلك و ترجع الشمس إلى مجراها قال فتخرج و في الفقيه أما إنه لا يفزع للآيتين و لا يرهب إلا من كان من شيعتنا قوله ع أن يستعتبهم أي يطلب   عتباهم و رجوعهم أو يحملهم على ما يوجب الرضا و في القاموس العتب الموجدة و الغضب و العتبى الرضا و استعتبه أعطاه العتبى كأعتبه و طلب إليه العتبى ضد وَ إِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ أي إن يستقيلوا ربهم لم يقلهم أي لم يردهم إلى الدنيا قوله فيطمس ضوؤها أي بعض ضوئها قوله طمست الشمس أي كلها أو أكثرها بحسب ما يراه في تأديبهم من المصلحة قوله ع و هي كدرة أي بعد ما كانت كدرة أو تبقى فيها كدورة قليلة بعد الخروج أيضا في زمان قليل قوله ع إلا من كان من شيعتنا لأنهم يؤمنون بهذا و أما أكثر الخلق الذين يسندونهما إلى حركات الأفلاك فلا يرهبون لهما. تفصيل كلام لرفع أوهام اعلم أن الفلاسفة ذهبوا إلى أن جرم القمر مظلم كثيف صقيل يقبل من الشمس الضوء لكثافته و ينعكس عنه لصقالته فيكون أبدا المضي‏ء من جرمه الكري أكثر من النصف بقليل لكون جرمه أصغر من جرم الشمس و قد ثبت في الأصول أنه إذا قبل الضوء كرة صغرى من كرة أعظم منها كان المضي‏ء من الصغرى أعظم من نصفها و تفصل بين المضي‏ء و المظلم دائرة قريبة من العظيمة تسمى دائرة النور و تفصل بين ما يصل إليه نور البصر من جرم القمر و بين ما لا يصل دائرة تسمى دائرة الرؤية و هي أيضا قريبة من العظيمة لما ثبت في 24-  من مناظر أقليدس أن ما يرى من الكرة يكون أصغر من نصفها و هاتان الدائرتان يمكن أن تتطابقا و قد تتفارقان إما متوازيتين أو متقاطعتين أو لا ذا و لا ذاك و قد تؤخذان عظيمتين إذ لا تفاوت في الحس بين كل منهما و بين العظيمة و يجعل ما يقارب التطابق تطابقا فإذا اجتمعت الشمس و القمر صار وجهه المضي‏ء إليها و المظلم إلينا و تطابق الدائرتان و هو المحاق فإذا بعد عنها يسيرا تقاطعت الدائرتان على حواد و منفرجات فإذا بعد منها قريبا من اثنتي عشرة درجة يرى من وجهه المضي‏ء ما وقع منه بين الدائرتين في جهة الحادتين اللتين إلى صوب الشمس و هو الهلال و لا تزال هذه القطعة تتزايد بتزايد البعد عن الشمس و الحواد تتعاظم

    و المنفرجات تتصاغر حتى يصير التقاطع بين الدائرتين على قوائم و يحصل التربيع فيرى من الوجه المضي‏ء نصفه و لا يزال يتزايد المرئي من المضي‏ء و يتعاظم انفراج الزاويتين الأولتين إلى وقت الاستقبال فتطابق الدائرتان مرة ثانية و يصير الوجه المضي‏ء إلينا و إلى الشمس معا و هو البدر ثم يقع التقارب فيعود تقاطع الدائرتين على المختلفات أولا ثم على قوائم ثانيا و حصل التربيع الثاني ثم يئول الحال إلى التطابق فيعود المحاق و هكذا إلى ما شاء الله سبحانه. و الكسوف عندهم حالة تعرض للشمس من عدم الاستنارة و الإنارة بالنسبة إلى الأبصار حين ما يكون من شأنها ذلك بسبب توسط القمر بينها و بين الأبصار و ذلك إذا وقع القمر على الخط الخارج من البصر إلى الشمس و يسمى ذلك بالاجتماع المرئي و يكون لا محالة على إحدى العقدتين الرأس أو الذنب أو بقربهما بحيث لا يكون للقمر عرض مرئي بقدر مجموع نصف قطرة و قطر الشمس فلا محالة يحول بين الشمس و بين البصر و يحجب بنصفه المظلم نورها من الناظرين بالكل و هو الكسوف الكلي أو البعض فالجزئي و لكونه حالة تعرض للشمس لا في ذاتها بل بالنسبة إلى الأبصار جاز أن يتفق الكسوف بالنسبة إلى قوم دون قوم كما إذا سترت السراج بيدك بحيث يراه القوم و أنت لا تراه و أن يكون كليا لقوم جزئيا لآخرين أو جزئيا للكل لكن على التفاوت و أما إذا كان عرض القمر المرئي بقدر نصف مجموع القطرين فيما بين جرم القمر و مخروط شعاع الشمس فلا يكون كسوف. و أما خسوف القمر فيكون عندهم عند استقبال الشمس إذا كان على إحدى العقدتين أو بقربها بحيث يكون عرضه أقل من مجموع نصف قطرة و قطر مخروط ظل الأرض انحجبت بالأرض عن نور الشمس فيرى إن كان فوق الأرض على ظلامه الأصلي كلا أو بعضا و ذلك هو الخسوف الكلي أو الجزئي و أما إذا كان عرضه عن منطقة البروج بقدر نصف القطرين فلا ينخسف. إذا عرفت هذا فالكلام في هذا الخبر على وجوه الأول أن يقال إن هذه مقدمات حدسية ظنية فإنه يمكن أن تكون هذه الاختلافات لجهة أخرى كما

    قال ابن هيثم في اختلاف تشكلات القمر إنه يجوز أن يكون ذلك لأن القمر كرة مضيئة نصفها دون نصف و إنها تدور على مركز نفسها بحركة متساوية لحركة فلكها فإذا كان نصفه المضي‏ء إلينا فبدر أو المظلم فمحاق و فيما بينهما يختلف قدر ما تراه من المضي‏ء و أيضا يمكن أن يكون الفاعل المختار يحدث فيه نورا بحسب إرادته في بعض الأحيان و لا يحدث في بعضها فالحكم ببطلان الخبر أو تأويله غير مستقيم الثاني أنه يمكن أن يكون عند حدوث تلك الأسباب يقع المرور على البحر أيضا و يكون له أيضا مدخل في ذلك و امتناع الخرق و الالتئام على الأفلاك و عدم جواز الحركة المستقيمة فيها و امتناع اختلاف حركاتها و أمثال ذلك لم يثبتوها إلا بشبهات واهية و خرافات فاسدة لا يخفى وهنها على من تأمل بالإنصاف فيها مع أن القول بها يوجب نفي كثير من ضروريات الدين من المعراج و نزول الملائكة و عروجهم و خرق السماوات و طيها و انتشار الكواكب و انكسافها في القيامة إلى غير ذلك مما صرح به في القرآن المجيد و الأخبار المتواترة. الثالث ما ذكره الصدوق ره في الفقيه حيث قال إن الذي يخبر به المنجمون فيتفق على ما يذكرونه ليس من هذا الكسوف في شي‏ء و إنما يجب الفزع فيه إلى المساجد و الصلاة لأنه آية تشبه آيات الساعة و قال الشهيد ره في الذكرى في جملة فروع أوردها في أحكام صلاة الكسوف الرابع لو جامعت صلاة العيد بأن تجب بسبب الآيات المطلقة أو بالكسوفين نظرا إلى قدرة الله تعالى و إن لم يكن معتادا على أنه قد اشتهر أن الشمس كسفت يوم عاشوراء لما قتل الحسين ع كسفة بدت الكواكب فيها نصف النهار في ما رواه البيهقي و غيره و قد قدمنا أن الشمس كسفت يوم مات إبراهيم بن النبي ص و روى الزبير بن بكار في كتاب الأنساب أنه توفي في العاشر من شهر ربيع الأول و روى الأصحاب   أن من علامات المهدي ع كسوف الشمس في النصف الأول من شهر رمضان إلى آخر ما قال. و أقول رأيت في كثير من كتب الخاصة و العامة وقوع الكسوف و الخسوف في يوم عاشوراء و ليلته

 و روى الشيخ المفيد في الإرشاد بإسناده إلى الفضل بن شاذان عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن ثعلبة الأزدي قال قال أبو جعفر ع آيتان تكونان قبل القائم ع كسوف الشمس في النصف من شهر رمضان و خسوف القمر في آخره قال قلت يا ابن رسول الله تنكسف الشمس في نصف الشهر و القمر في آخره فقال أبو جعفر ع أنا أعلم بما قلت إنهما آيتان لم تكونا منذ هبط آدم ع

 و رواه في الكافي عن عدة من أصحابه عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن ثعلبة بن ميمون عن بدر بن الخليل الأزدي قال كنت جالسا عند أبي جعفر ع فقال آيتان تكونان قبل قيام القائم ع لم تكونا منذ هبط آدم ع إلى الأرض تنكسف الشمس في النصف من شهر رمضان و القمر في آخره فقال رجل يا ابن رسول الله تنكسف الشمس في آخر الشهر و القمر في النصف فقال أبو جعفر ع إني أعلم ما تقول و لكنهما آيتان لم تكونا منذ هبط آدم ع

و الأخبار في ذلك كثيرة أوردتها في سائر المجلدات لا سيما في الثالث عشر. الرابع ما أوله بعض المتفلسفين و هو أن المراد بالبحر في الكسوف ظل القمر و في الخسوف ظل الأرض على الاستعارة و وجدت في بعض الكتب مناظرة لطيفة وقعت بين رجل من المدعين للإسلام يذكر هذا التأويل للخبر و بين رجل من براهمة الهند قال له حين سمع ذلك التأويل منه لا يخلو من أن يكون مراد   صاحب شريعتك ما ذكرت أم لا فإن لم يكن مراده ذلك فالويل لك حيث اجترأت على الله و عليه و حملت كلامه على ما لم يرده و افتريت عليه و إن كان مراده ذلك فله غرض في التعبير بهذه العبارة و مصلحة في عدم التصريح بالمراد لقصور أفهام عامة الخلق عن فهم الحقائق فالويل لك أيضا حيث نقضت غرضه و أبطلت مصلحته و هتكت سره. و أقول هذا الكلام متين و إن كان قائله على ما نقل من الكافرين لأن عقول العباد قاصرة عن فهم الأسباب و المسببات و كيفية نزول الأنكال و العقوبات فإذا سمعوا المنجم يخبر بوقوع الكسوف أو الخسوف في الساعة الفلانية بمقتضى حركات الأفلاك لم يخافوا عند ذلك و لم يفزعوا إلى ربهم و لم يرتدعوا به عن معصيته و لم يعدوه من آثار غضب الله تعالى لأنهم لا يعلمون أنه يمكن أن يكون الصانع القديم و القادر الحكيم لما خلق العالم و قدر الحركات و سبب الأسباب و المسببات و علم بعلمه الكامل أحوالهم و أفعالهم في كل عصر و زمان و كل دهر و أوان و علم ما يستحقون من التحذير و التنذير قدر حركات الأفلاك على وجه يطابق الخسوف و الكسوف و غيرهما من الآيات بقدر ما يستحقونه بحسب أحوالهم من الإنذارات و العقوبات و هذا باب دقيق يعجز عنه أفهام أكثر الخلق و بالجملة الحديث و إن كان خبرا واحدا غير نقي السند لكن لا يحسن الجرأة على رده و ينبغي التسليم له في الجملة و إن صعب على العقل فهمه فإنه سبيل أرباب التسليم الثابتين على الصراط المستقيم. قوله ع و الأرض مسيرة خمسمائة عام لعل المراد أنه إذا أراد إنسان أن يدور جميع الأرض و يطلع على جميع بقاعه الظاهرة و الغائرة لا يكون إلا في خمسمائة سنة و كذا المعمور و غير المعمور إذ لو كان المراد المسير على عظيمة محيطة بالأرض يكون ذلك في قليل من السنين إن كانت مساحتهم المذكورة في كتبهم حقة لأنهم قالوا مساحة   محيط دائرة عظيمة تفرض على الأرض ثمانية آلاف فرسخ فيمكن قطعه في ثلاث سنين تقريبا و كون الشمس ستون فرسخا لعله بالفراسخ السماوية أو المراد أن نسبتها إلى فلكها كنسبة تلك الفراسخ إلى الأرض و كذا القمر أو المراد به العدد الكثير عبر هكذا تقريبا إلى فهم السائل و كذا المراد بكون الكواكب كأعظم جبل أن نسبة كل منها إلى السماء كنسبة أعظم جبل إلى الأرض كل ذلك بناء على صحة ما ذكره أصحاب الهيئة و هو غير معلوم فإنهم عولوا في ذلك على مساحات و أرصاد تصدى جماعة من الكفرة لتحقيقها و ضبطها و خلق الشمس قبل القمر يدل على حدوثهما و الله يعلم حقائق مخلوقاته و من عرفهم تلك من حججه ع

5-  الكافي، عن عدة من أصحابه عن سهل بن زياد عن علي بن حسان عن علي بن أبي النوار عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي جعفر ع جعلت فداك لأي شي‏ء صارت الشمس أشد حرارة من القمر فقال إن الله خلق الشمس من نور النار و صفو الماء طبقا من هذا و طبقا من هذا حتى إذا كانت سبعة أطباق ألبسها لباسا من نار فمن ثم صارت أشد حرارة من القمر قلت جعلت فداك و القمر قال إن الله تعالى ذكره خلق القمر من ضوء نور النار و صفو الماء طبقا من هذا و طبقا من هذا حتى إذا كانت سبعة أطباق ألبسها لباسا من ماء فمن ثم صار القمر أبرد من الشمس

 العلل، و الخصال، عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد الأشعري عن عيسى بن محمد عن علي بن مهزيار عن علي بن حسان   عن أبي أيوب عن محمد بن مسلم مثله توضيح قوله ع حتى إذا كانت سبعة أطباق يحتمل أن يكون المعنى أن الطبقة السابعة فيها من نار فيكون حرارتها لجهتين لكون طبقات النار أكثر بواحدة و كون الطبقة العليا من النار و يحتمل أن يكون لباس النار طبقة ثامنة فتكون الحرارة للجهة الثانية فقط و كذا في القمر يحتمل الوجهين ثم إنه يحتمل أن يكون خلقهما من النار و الماء الحقيقيين من صفوهما و ألطفهما و أن يكون المراد جوهرين لطيفين مشابهين لهما في الكيفية و لم يثبت امتناع كون العنصريات في الفلكيات ببرهان و قد دل الشرع على وقوعه في مواضع شتى

6-  الإحتجاج، روى القاسم بن معاوية عن أبي عبد الله ع أنه قال لما خلق الله عز و جل القمر كتب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين و هو السواد الذي ترونه

7-  الخصال، عن علي بن أحمد بن موسى عن علي بن الحسن الهسنجاني عن سعد بن كثير بن عفير عن ابن لهيعة و رشيد بن سعد عن حريز بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الجبلي عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله ص في مرضه   الذي توفي فيه ادعوا إلي أخي قال فأرسلوا إلى علي ع فدخل فوليا وجوههما إلى الحائط و ردا عليهما ثوبا فأسر إليه و الناس محتوشون وراء الباب فخرج علي ع فقال له رجل من الناس أسر إليك نبي الله شيئا قال نعم أسر إلي ألف باب في كل باب ألف باب و قال وعيته قال نعم و عقلته فقال فما السواد الذي في القمر قال إن الله عز و جل قال وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً قال له الرجل عقلت يا علي

 بيان فوليا أي النبي و علي ع و يقال احتوش القوم على فلان أي جعلوه وسطهم و يقال وعاه أي حفظه و الظاهر أن السؤال كان عن علة الكلف في القمر فأجاب ع بأنه إنما جعل فيه ذلك ليقل نوره و يحصل الفرق بينه و بين الشمس فيمتاز الليل من النهار كما يدل عليه خبر ابن سلام فالمحو في الآية تقليل نور القمر بإحداث الكلف فيه و اعلم أنهم اختلفوا في سبب الكلف فقيل خيال لا حقيقة له و أورد عليه بأنه يستحيل عادة توافق جميع الناس في خيال واحد لا حقيقة له و قيل هو شبح ما ينطبع فيه من السفليات من الجبال و البحار و غيرها و زيف بأنه لو كان كذلك لكان يختلف باختلاف القمر في قربه و بعده و انحرافه عما ينطبع فيه و قيل هو السواد الكائن في الوجه الآخر و أورد عليه بأنه لو كان كذلك لم ير متفرقا و قيل و هو سحق النار للقمر و أجيب بأنه غير مماس للنار لأنه مركوز في تدوير هو في ثخن حامل فبينه و بين النار بعد بعيد و لو فرض أنه في حضيض التدوير مع كونه في حضيض الحامل لم يتصور هناك مماسة إلا بنقطة واحدة و أيضا فهو غير قابل للتسخن عندهم فكيف ينسحق بها و قيل هو جزء منه لا يقبل النور كسائر أجزائه القابلة له و أورد عليه أنه مخالف لما ذهبوا إليه من بساطة الفلكيات فيبطل جميع قواعدهم المبنية على بساطتها و قيل هو وجه القمر فإنه مصور بصورة إنسان فله عينان و حاجبان و أنف و فم و أجيب بأنه   لا فائدة في جعل هذه الأجزاء فيه و قيل هو أجسام سماوية مختلفة معه في تدويره غير قابلة للإنارة حافظة لوضعها معه دائما و هذا أقرب الوجوه عندهم و كل ذلك قول بغير علم و لا نعلم من ذلك إلا أنه سبحانه خلقه كذلك و البحث عن سببه لا طائل تحته و سنذكر وجوها أخر بعد ذلك إن شاء الله

8-  العيون، و العلل، في خبر يزيد بن سلام أنه سأل النبي ص ما بال الشمس و القمر لا يستويان في الضوء و النور قال لما خلقهما الله عز و جل أطاعا و لم يعصيا شيئا فأمر الله عز و جل جبرئيل أن يمحو ضوء القمر فمحاه فأثر المحو في القمر خطوطا سوداء و لو أن القمر ترك على حاله بمنزلة الشمس لم يمح لما عرف الليل من النهار و لا النهار من الليل و لا علم الصائم كم يصوم و لا عرف الناس عدد السنين و ذلك قول الله عز و جل وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ قال صدقت يا محمد فأخبرني لم سمي الليل ليلا قال لأنه يلايل الرجال من النساء جعله الله عز و جل ألفة و لباسا و ذلك قول الله عز و جل وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً وَ جَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً قال صدقت يا محمد الخبر

 بيان يظهر من الخبر أن الليل مشتق من الملايلة و هي بمعنى المؤالفة و الموافقة و المشهور عند اللغويين عكس ذلك قال الفيروزآبادي لايلته استجرته لليلة و عامله ملايلة كمياومة

9-  العلل، و العيون، في خبر الشامي أنه سأل أمير المؤمنين ع عن طول الشمس و القمر و عرضها قال تسعمائة فرسخ الخبر

    -10  الإحتجاج، عن الأصبغ قال سأل ابن الكواء أمير المؤمنين ع عن المحو الذي يكون في القمر قال ع الله أكبر الله أكبر رجل أعمى يسأل عن مسألة عمياء أ ما سمعت الله تعالى يقول وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً الخبر

 العياشي، عن أبي الطفيل مثله بيان عن مسألة عمياء أي غامضة مشتبهة يصعب فهمها

11-  تفسير علي بن إبراهيم، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَ لَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ يقول الشمس سلطان النهار و القمر سلطان الليل لا ينبغي للشمس أن تكون مع ضوء القمر بالليل و لا يسبق الليل النهار يقول لا يذهب الليل حتى يدركه النهار وَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ يقول يجي‏ء وراء الفلك بالاستدارة

 بيان يجي‏ء وراء الفلك لعل المعنى تابعا لسير الفلك فكأنه وراءه

12-  العيون، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن إبراهيم بن مهزيار عن أخيه علي عن أحمد بن محمد عن حماد بن عثمان عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال إذا كان يوم القيامة أتي بالشمس و القمر في صورة ثورين عقيرين فيقذفان بهما و بمن يعبدهما في النار و ذلك أنهما عبدا فرضيا

 بيان قال في النهاية في حديث كعب إن الشمس و القمر ثوران عقيران في النار قيل لما وصفهما الله تعالى بالسباحة في قوله كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ثم أخبر أنه يجعلهما في النار يعذب بهما أهلها بحيث لا يبرحانها صارا كأنهما زمنان   عقيران حكى ذلك أبو موسى و هو كما تراه و قال العقير المنحور لأنهم كانوا إذا أرادوا نحر البعير عقروه أي قطعوا إحدى قوائمه ثم نحروه

13-  التفسير، وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً قال المحو في القمر

14-  الإحتجاج، عن هشام بن الحكم قال سأل الزنديق أبا عبد الله ع عن الشمس أين تغيب قال إن بعض العلماء قالوا إذا انحدرت أسفل القبة دار بها الفلك إلى بطن السماء صاعدة أبدا إلى أن تنحط إلى موضع مطلعها يعني أنها تغيب في عين حامية ثم تخرق الأرض راجعة إلى موضع مطلعها فتحير تحت العرش حتى يؤذن لها بالطلوع و يسلب نورها كل يوم و تتجلل نورا آخر قال فخلق النهار قبل الليل قال نعم خلق النهار قبل الليل و الشمس قبل القمر و الأرض قبل السماء الخبر

 بيان قوله ع صاعدة أشار ع بذلك إلى أن الشمس إذا غابت عندنا تطلع على قوم آخرين فهي عندهم صاعدة إلى أن تصل إلى قمة الرأس عندهم و هي قمة القدم عندنا ثم تنحط عندهم إلى أن تصل إلى مشرقنا و تحيرها و إذنها لعلهما كنايتان عن أنها مسخرة للرب متحركة بقدرته إذا شاء حركها و متى شاء سكنها ففي كل آن من آنات حركتها في مطلع قوم و طلوعها عليهم بإذنه و قدرته سبحانه و لو شاء لجعلها ساكنة و لما كان الباقي في البقاء محتاجا إلى المؤثر فهي في كل آن باعتبار إمكانها مسلوبة النور و الصفات و الوجود بحسب ذاتها و إنما تكتسب جميع ذلك من خالقها و مدبرها فهي في جميع الأوقات و الأزمان   تحت عرش الرحمن و قدرته متحيرة في أمرها ساجدة خاضعة لربها تسأله بلسان إمكانها و افتقارها الإذن في طلوعها و غروبها و تكسى حلة من نوره تعالى و القائلون بتجدد الأمثال يمكنهم التمسك بأمثال هذا الخبر لكن على ما حققناه لا دلالة لها على مذهبهم و إنما أومأت لك إلى بعض الأسرار ليمكنك فهم غوامض الأخبار و قد مر تحقيق خلق النهار قبل الليل في الباب الأول

15-  التوحيد، عن الحسين بن أحمد بن إدريس عن أبيه عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان عن عاصم بن حميد عن أبي عبد الله ع قال الشمس جزء من سبعين جزءا من نور الكرسي و الكرسي جزء من سبعين جزءا من نور العرش و العرش جزء من سبعين جزءا من نور الحجاب و الحجاب جزء من سبعين جزءا من نور الستر الخبر

16-  قصص الراوندي، بالإسناد إلى الصدوق عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحجال عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر ع قال إن موسى سأل ربه أن يعلمه زوال الشمس فوكل الله بها ملكا فقال يا موسى قد زالت الشمس فقال موسى متى فقال حين أخبرتك و قد سارت خمسمائة عام

17-  العياشي، عن أبي بصير عن الصادق ع في قوله تعالى فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ قال هو السواد الذي في جوف القمر

18-  و منه، عن نصر بن قابوس عن أبي عبد الله ع قال السواد الذي في القمر محمد رسول الله

 بيان يحتمل أن يكون المراد أن هذا السواد لما كان من أعظم أسباب نظام العالم كما مر و العلة الغائية لخلق العالم و نظامه هو ص فكأنه يدل عليه أو   أنه لما دل على حكمة الصانع و عدم تفويته ما فيه صلاح الخلق و رسالته ص أعظم المصالح فهو يدل عليه مع أنه لا حاجة إلى هذه التكلفات و يمكن حمله على الحقيقة

19-  العياشي، عن جابر عن أبي جعفر ع قال قال أمير المؤمنين ع تغرب الشمس في عين حامية في بحر دون المدينة التي تلي المغرب يعني جابلقا

20-  كتاب النجوم، للسيد بن طاوس بأسانيده إلى محمد بن إبراهيم النعماني في كتاب الدلائل عن محمد بن همام عن محمد بن موسى بن عبيد عن إبراهيم بن أحمد اليقطيني قال حدثني ابن ذي العلمين قال كنت واقفا بين يدي ذي الرئاستين بخراسان في مجلس المأمون و قد حضره أبو الحسن الرضا ع فجرى ذكر الليل و النهار و أيهما خلق قبل فخاضوا في ذلك و اختلفوا ثم إن ذا الرئاستين سأل الرضا ع عن ذلك و عما عنده فيه فقال له أ تحب أن أعطيك الجواب من كتاب الله أو من حسابك فقال أريده أولا من جهة الحساب فقال أ ليس تقولون إن طالع الدنيا السرطان و إن الكواكب كانت في شرفها قال نعم قال فزحل في الميزان و المشتري في السرطان و المريخ في الجدي و الزهرة في الحوت و القمر في الثور و الشمس في وسط السماء في الحمل و هذا لا يكون إلا نهارا قال نعم فمن كتاب الله قال قول الله عز و جل لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَ لَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ أي النهار يسبقه

 قال السيد و رويناه أيضا بعدة أسانيد عن ابن جمهور العمي و كان عالما فاضلا في كتاب الواحدة قال و من مسائل ذي الرئاستين للرضا ع أنهم تذاكروا بين يدي المأمون خلق الليل و النهار فبعض قال خلق الله النهار قبل الليل و بعض قال خلق الليل قبل النهار فرجعوا بالسؤال إلى أبي الحسن ع فقال   إن الله جل ذكره خلق النهار قبل الليل و خلق الضياء قبل الظلمة فإن شئتم أوجدتكم من القرآن و إن شئتم أوجدتكم من النجوم فقال ذو الرئاستين أوجدنا من الجهتين جميعا فقال أما النجوم فقد علمت أن طالع العالم السرطان و لا يكون ذلك إلا و الشمس في بيت شرفها في نصف النهار و أما القرآن أ لم تسمع إلى قوله تبارك و تعالى لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ الآية

21-  و منه، نقلا من كتاب ابن جمهور أيضا بإسناده أن أمير المؤمنين ع لما صعد المنبر و قال سلوني قبل أن تفقدوني قال فقام إليه رجل فسأله عن السواد الذي في القمر فقال ع أعمى سأل عن عمياء أ ما سمعت الله عز و جل يقول فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً و السواد الذي تراه في القمر إن الله عز و جل خلق من نور عرشه شمسين فأمر جبرئيل فأمر جناحه الذي سبق من علم الله جلت عظمته لما أراد أن يكون من اختلاف الليل و النهار و الشمس و القمر و عدد الساعات و الأيام و الشهور و السنين و الدهور و الارتحال و النزول و الإقبال و الإدبار و الحج و العمرة و محل الدين و أجر الأجير و عدد أيام الحبل و المطلقة و المتوفى عنها زوجها و ما أشبه ذلك

 بيان الذي أي على الذي سبق في علم الله أن يكون قمرا و الظاهر أنه كان هكذا على أحدهما للذي سبق

22-  الكافي، عن علي بن إبراهيم عن أخيه إسحاق بن إبراهيم عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا ع قال قلت له بلغني أن يوم الجمعة أقصر الأيام قال كذلك هو قلت جعلت فداك كيف ذلك قال إن الله تعالى يجمع أرواح المشركين تحت عين الشمس فإذا ركدت الشمس عذب الله أرواح المشركين بركود الشمس ساعة فإذا كان يوم الجمعة لا يكون للشمس ركود   رفع الله عنهم العذاب لفضل يوم الجمعة فلا يكون للشمس ركود

23-  الإختصاص، عن محمد بن أحمد العلوي عن أحمد بن زياد عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن أبي الصباح الكناني قال سألت أبا عبد الله ع عن قول الله أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ الْجِبالُ وَ الشَّجَرُ وَ الدَّوَابُّ الآية فقال إن للشمس أربع سجدات كل يوم و ليلة سجدة إذا صارت في طول السماء قبل أن يطلع الفجر قلت بلى جعلت فداك قال ذاك الفجر الكاذب لأن الشمس تخرج ساجدة و هي في طرف الأرض فإذا ارتفعت من سجودها طلع الفجر و دخل وقت الصلاة و أما السجدة الثانية فإنها إذا صارت في وسط القبة و ارتفع النهار ركدت قبل الزوال فإذا صارت بحذاء العرش ركدت و سجدت فإذا ارتفعت من سجودها زالت عن وسط القبة فيدخل وقت صلاة الزوال و أما السجدة الثالثة أنها إذا غابت من الأفق خرت ساجدة فإذا ارتفعت من سجودها زال الليل كما أنها حين زالت وسط السماء دخل وقت الزوال زوال النهار

 بيان السجود في الآية بمعنى غاية الخضوع و التذلل و الانقياد سواء كان بالإرادة و الاختيار أو بالقهر و الاضطرار فالجمادات لما لم يكن لها اختيار و إرادة فهي كاملة في الانقياد و الخضوع لما أراد الرب تعالى منها فهي على الدوام في السجود   و الانقياد للمعبود و التسبيح و التقديس له سبحانه بلسان الذل و الإمكان و الافتقار و كذا الحيوانات العجم و أما ذوو العقول فلما كانوا ذوي إرادة و اختيار فهم من جهة الإمكان و الافتقار و الانقياد للأمور التكوينية كالجمادات في السجود و التسبيح و من حيث الأمور الإرادية و التكليفية منقسمون بقسمين منهم الملائكة و هم جميعا معصومون ساجدون منقادون من تلك الجهة أيضا و لعل المراد بقوله مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ هم و أما الناس فهم قسمان قسم مطيعون من تلك الجهة أيضا و منهم عاصون من تلك الجهة و إن كانوا مطيعين من الجهة الأخرى فلم يتأت منهم غاية ما يمكن منهم من الانقياد فلذا قسمهم سبحانه إلى قسمين فقال وَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَ كَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ فإذا حققت الآية هكذا لم تحتج إلى ما تكلفه المفسرون من التقديرات و التأويلات و سيأتي بعض ما ذكروه في هذا المقام و أما الخبر فلعله كان ثلاث سجدات أو سقط الرابع من النساخ و لعله بعد زوال الليل إلى وقت الطلوع أو قبل زوال الليل كما في النهار و إنما خص ع السجود بهذه الأوقات لأنه عند هذه الأوقات تظهر للناس انقيادها لله لأنها تتحول من حالة معروفة إلى حالة أخرى و يظهر تغير تام في أوضاعها و أيضا أنها أوقات معينة يترصدها الناس لصلواتهم و صيامهم و سائر عباداتهم و معاملاتهم و أيضا لما كان هبوطها و انحدارها و أفولها من علامات إمكانها و حدوثها كما قال الخليل ع لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ خص السجود بتلك الأحوال أو بما يشرف عليها و الله يعلم أسرار الآيات و الأخبار و حججه الأبرار ع

24-  الإختصاص، قال الصادق ع إذا كان عند غروب الشمس وكل الله بها ملكا ينادي أيها الناس أقبلوا على ربكم فإن ما قل و كفى خير مما كثر   و ألهى و ملك موكل بالشمس عند طلوعها ينادي يا ابن آدم لد للموت و ابن للخراب و اجمع للفناء

25-  كتاب الغارات، لإبراهيم الثقفي رفعه إلى أبي عمران الكندري قال سأل ابن الكواء أمير المؤمنين ع عن السواد الذي في جوف القمر قال إن الله عز و جل يقول وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ السواد الذي في جوف القمر قال فكم بين المشرق و المغرب قال مسيرة يوم للشمس تطلع من مطلعها فتأتي مغربها من حدثك غير ذلك كذبك

26-  العلل، لمحمد بن علي بن إبراهيم قال العالم ع علة رد الشمس على أمير المؤمنين ع و ما طلعت على أهل الأرض كلهم أنه جلل الله السماء بالغمام إلا الموضع الذي كان فيه أمير المؤمنين ع و أصحابه فإنه جلاه حتى طلعت عليهم قال و العلة في قصر يوم الجمعة أن الله يجمع الأرواح أرواح الكفار و المشركين فيعذبهم تحت عين الشمس إلا يوم الجمعة فإنه ليس للشمس ركود و لا يعذب الكفار لفضل يوم الجمعة

27-  تفسير علي بن إبراهيم، في قوله تعالى حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ قال العرجون طلع النخل و هو مثل الهلال في أول طلوعه

 قال و حدثني أبي عن داود بن محمد النهدي قال دخل أبو سعيد المكاري على أبي الحسن الرضا ع فقال له أ بلغ من قدرك أن تدعي ما ادعى أبوك فقال له الرضا ع ما لك أطفأ الله نورك و أدخل الفقر بيتك أ ما علمت أن الله أوحى إلى عمران أني واهب لك ذكرا فوهب له مريم و وهب لمريم عيسى فعيسى من مريم و مريم من عيسى و مريم و عيسى واحد و أنا من أبي و أبي مني و أنا و أبي شي‏ء واحد فقال له   أبو سعيد فأسألك عن مسألة قال سل و لا إخالك تقبل مني و لست من غنمي و لكن هاتها فقال له ما تقول في رجل قال عند موته كل مملوك له قديم فهو حر لوجه الله قال نعم ما كان لستة أشهر فهو قديم و هو حر لأن الله يقول وَ الْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ فما كان لستة أشهر فهو قديم و هو حر قال فخرج من عنده و افتقر و ذهب بصره ثم مات لعنه الله و ليس عنده مبيت ليلة

 بيان هذا التفسير للعرجون غريب لم أره في غير هذا الكتاب و لا يناسب وصفه بالقديم أيضا و في القاموس الطلع من النخل شي‏ء يخرج كأنه نعلان مطبقان أو ما يبدو من ثمرته في أول ظهورها و أبو سعيد كان من الواقفة و كان ينكر إمامة الرضا ع و إطفاء النور كناية عن ذهاب العز أو ذهاب نور البصر و لعل جوابه ع مبني على أن الواقفة كانوا متمسكين بما روي عن الصادق ع أن القائم ع من ولدي فأجاب عن استدلالهم بأن ولد الولد أيضا ولد و لو سلم كونه مجازا فعلاقة المجاز هنا قوية للاتحاد في الكمالات و الأنوار و في القاموس خال الشي‏ء خيلولة ظنه و تقول في مستقبله إخاله بكسر الألف و يفتح في لغية قوله و لست من غنمي أي ممن يقول بإمامتي و من شيعتي و ليس عنده مبيت ليلة أي قوت ليلة

28-  الفقيه، بإسناده عن محمد بن مسلم أنه سأل أبا جعفر ع عن ركود الشمس فقال يا محمد ما أصغر جثتك و أعضل مسألتك و إنك لأهل للجواب إن الشمس إذا طلعت جذبها سبعون ألف ملك بعد أن أخذ بكل شعاع منها خمسة آلاف من الملائكة من بين جاذب و دافع حتى إذا بلغت الجو و جازت   الكوة قلبها ملك النور ظهر البطن فصار ما يلي الأرض إلى السماء و بلغ شعاعها تخوم الأرض فعند ذلك نادت الملائكة سبحان الله و لا إله إلا الله و الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ صاحبة و لا وَلَداً وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَ كَبِّرْهُ تَكْبِيراً فقلت له جعلت فداك أحافظ على هذا الكلام عند زوال الشمس فقال نعم حافظ عليه كما تحافظ على عينك فإذا زالت الشمس صارت الملائكة من ورائها يسبحون الله في فلك الجو إلى أن تغيب

29-  و سئل الصادق ع عن الشمس كيف تركد كل يوم و لا يكون لها يوم الجمعة ركود قال لأن الله عز و جل جعل يوم الجمعة أضيق الأيام فقيل له و لم جعله أضيق الأيام قال لأنه لا يعذب المشركين في ذلك اليوم لحرمته عنده

 بيان الركود السكون و الثبات ما أصغر جثتك تعجب من أن الإنسان مع هذا الصغر يطلب فهم معاني الأمور و دقائقها أو تأديب له بأنه لا ينبغي له أن يتكلف علم ما لم يؤمر بعلمه و قال في النهاية أصل العضل المنع و الشدة يقال أعضل بي الأمر إذا ضاقت عليك فيه الحيل و منه حديث عمر أعوذ بالله من كل معضلة ليس لها أبو حسن و روي معضلة أراد المسألة الصعبة أو الخطة الضيقة المخارج من الإعضال أو التعضيل و يريد بأبي الحسن علي بن أبي طالب ع بعد أن أخذ ليس في بعض النسخ بعد أن و على التقديرين يحتمل أن يكون خمسة آلاف من جملة السبعين أو غيرهم و إن كان الثاني على   النسخة الأولى أظهر من بين جاذب و دافع على الأول يكون المعنى أن هؤلاء السبعين مرددون من بين جاذب يجذبها قدامها و دافع يدفعها من خلفها و منقسمون إليهما أو الشمس كائنة بين جاذب و دافع من تلك السبعين فالمراد بالجذب أولا ما يصير سببا للحركة أعم من أن يكون بالجذب أو الدفع أو يكون نسبة الجذب إلى الجميع على المجاز و على الثاني فالمعنى أن الشمس واقعة بين جاذب من سبعين ألف ملك و دافع من خمسة آلاف و على الوجهين يحتمل أن يكون المراد بحركة الجذب الحركة اليومية السريعة على خلاف التوالي التابعة لحركة الفلك الأطلس التي يحصل اليوم و الليل منها و بحركة الدفع حركة الفلك الرابع الذي فيه الشمس على توالي البروج و هي بطيئة تقطع بها في كل سنة دورة فالمعنى أن الشمس إذا طلعت جذبها الملائكة السبعون ألفا إلى المغرب بالحركة اليومية مع أنه أخذ بكل شعاع منها أو بمكان كل شعاع منها خمسة آلاف من الملائكة تدفعها إلى جانب المشرق بالحركة الخاصة فتسير الشمس بقدر فضل ما بين الحركتين حتى إذا بلغت الجو أي وسط السماء مجازا و في الأصل ما بين السماء و الأرض و جازت الكوة في بعض النسخ بدون التاء و في القاموس الكوة و يضم و الكو الخرق في الحائط أو التذكير للكبير و التأنيث للصغير و الجمع كوى و كوا انتهى أي خرجت أشعة الشمس من الكوى المشرقية و ذلك عند قرب الزوال و ربما يؤول الكوة بدائرة نصف النهار على الاستعارة قلبها ملك النور ربما يؤول ذلك بأنه لما كانت الشمس صاعدة كان الجانب الذي منها يلي المشرق تحت الجانب الغربي منها فإذا جازت نصف النهار و انحدرت صار الأمر بالعكس و صار ما كان يلي الأرض أي الجانب الشرقي إلى السماء أي إلى جهة الفوق فلذا نسب إليه القلب و لا يخفى أنه على هذا يصير الكلام قليل الجدوى مع أن ظاهره غير ممتنع و التخوم جمع التخم و هو منتهى كل قرية و أرض و لعل المراد بفلك الجو جو الفلك أي ما بين السماء الرابعة و الخامسة

    ثم إنه يرد الإشكال على هذه الأخبار من وجوه الأول أن ركود الشمس حقيقة مخالف لما يشهد به الحس من عدم التفاوت في أجزاء النهار و قطع قسي مدارات الشمس و الثاني أن الشمس في كل آن في نصف النهار لقوم فيلزم سكون الشمس دائما الثالث أن التفاوت بين يوم الجمعة و غيره أيضا مما يشهد الحس بخلافه الرابع أن حرارة الشمس ليس باعتبار جرمه حتى يقع تعذيب أرواح المشركين بتقريبهم من عين الشمس بل باعتبار انعكاس الأشعة عن الأجسام الكثيفة و لذا كلما بعد عن الأرض كان تأثير الحرارة فيه أخف. و يمكن الجواب عن الأول و الثالث بأنه يمكن أن يكون الركود قليلا لا يظهر في الآلات التي تعرف بها الساعات و لا يمكن الحكم على التواسع و العواشر و أقل منها على اليقين و إنما مبناها على التخمين و عن الثاني بأنه يمكن أن يكون المراد نصف نهار موضع خاص كمكة أو المدينة أو قبة الأرض و أورد عليه بأنه يلزم أن يقع الركود في البلاد الآخر في الضحى أو في العصر و لا يلتزمه أحد و عن الرابع بأنه يمكن أن يكون للشمس حرارتان حرارة من جهة الجرم و أخرى من جهة الانعكاس و ما قيل من أن الفلكيات لا تقبل تلك الكيفيات لم يثبت بدليل قاطع و ربما يؤول الركود بوجهين الأول أنه عند القرب من نصف النهار يحس بحركة الشمس في غاية البطء فكأنه ساكن فأطلق الركود عليه مجازا أو بأنه يعدم الظل عند الزوال في بعض البلاد فلا حركة للظل حينئذ فركود الشمس ركود ظله و ما قيل من أن المراد ركود الظل بناء على ما تقرر من أن بين كل حركتين مستقيمتين سكون فلا بد من سكون بين زيادة الظل و نقصانه فلا يخفى بعد حمل الركود على مثل ذلك جدا مع أن نسبة الحركة إلى الظل مجاز بل هو إيجاد لبعض أجزاء الظل و إعدام له و على تقدير كونه حقيقة فليست بحركة مستقيمة الثاني أنه لما كانت أيام الراحة عند الناس سريعة الانقضاء و أيام الشدة طويلة فيوم الجمعة عند المشركين قصيرة لعدم تعذيبهم عند   زوال الشمس فيه و سائر الأيام طويلة عندهم لتعذيبهم عند زواله فالمراد بقول السائل في الخبر الثاني كيف تركد ما معنى ركودها فأجاب ع بأن المراد هذا الركود و الضيق المجازيان و ربما يحمل ضيق الجمعة و قصره على أن أعمال المؤمنين فيه كثيرة لا يسع اليوم لها فكأنه لا تركد فيه الشمس و لا يخفى بعد هذه الوجوه كلها و الأولى في أمثال ذلك عدم الخوض فيها و التسليم لها بأي معنى صدرت عنهم ع على تقدير صحتها فإنها من متشابهات الأخبار و معضلات الآثار و لا يعلم تأويلها إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ

30-  الفقيه، بسنده الصحيح عن حريز بن عبد الله أنه قال كنت عند أبي عبد الله ع فسأله رجل فقال له جعلت فداك إن الشمس تنقض ثم تركد ساعة من قبل أن تزول فقال إنها تؤامر أ تزول أم لا تزول

 بيان انقضاض الطائر هويها ليقع و هذا أسرع ما يكون من طيرانه و المراد هنا سرعة حركة الشمس عند الصعود و ركودها بطء حركتها و المؤامرة إما من الملائكة الموكلين بها أو هي استعارة تمثيلية شبهت حالة الشمس في سرعتها عند الصعود و ركودها ثم إسراعها في الهبوط بمن أتى سلطانا قاهرا ثم أمره هل يذهب إلى حاجة أخرى أم لا و الغرض هنا ليس محض الاستعارة بل بيان أن جميع المخلوقات مقهورة بقهره سبحانه مسخرة لأمره و كل ما يقع منها بتقديره و تدبيره تعالى

31-  الفقيه، عن الصادق ع قال إن الله تبارك و تعالى أوحى إلى موسى بن عمران ع أن أخرج عظام يوسف ع من مصر و وعده طلوع القمر فأبطأ طلوع القمر عليه فسأل عمن يعلم موضعه فقيل له هاهنا عجوز تعلم علمه فبعث إليها فأتي بعجوز مقعدة عمياء فقال تعرفين قبر يوسف قالت نعم قال فأخبريني بموضعه قالت لا أفعل حتى تعطيني خصالا تطلق رجلي و تعيد   إلي بصري و ترد إلي شبابي و تجعلني معك في الجنة فكبر ذلك على موسى ع فأوحى الله عز و جل إليه إنما تعطي علي فأعطها ما سألت ففعل فدلته على قبر يوسف ع فاستخرجه من شاطئ النيل في صندوق مرمر فلما أخرجه طلع القمر فحمله إلى الشام

 أقول قد مر نقلا عن العيون عن الرضا ع أنه قال احتبس القمر عن بني إسرائيل فأوحى الله عز و جل إلى موسى ع أن أخرج عظام يوسف من مصر و وعده طلوع القمر إذا أخرج عظامه فسأل موسى ع عمن يعلم موضعه و ساق الخبر كما مر

 بيان يدل ردا على الفلاسفة على جواز الاختلاف في حركة الفلكيات و منعها عن الحركة بإذن خالق الأرضين و السماوات

32-  المتهجد، روى محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن الرضا ع قال قلت بلغني أن يوم الجمعة أقصر الأيام قال كذلك هو قلت جعلت فداك كيف ذاك قال قال أبو عبد الله ع إن الله يجمع أرواح المشركين تحت عين الشمس فإذا كدرت الشمس عذبت أرواح المشركين بركود الشمس فإذا كان يوم الجمعة رفع عنهم العذاب لفضل يوم الجمعة فلا يكون للشمس ركود

33-  توحيد المفضل، فكر يا مفضل في مقادير النهار و الليل كيف وقعت على ما فيه صلاح هذا الخلق فصار منتهى كل واحد منهما إذا امتد إلى خمس عشرة ساعة لا يجاوز ذلك أ فرأيت لو كان النهار يكون مقداره مائة ساعة أو مائتي ساعة أ لم يكن في ذلك بوار كل ما في الأرض من حيوان و نبات أما الحيوان فكان لا يهدأ و لا يقر طول هذه المدة و لا البهائم كانت تمسك عن الرعي لو دام لها ضوء النهار و لا الإنسان كان يفتر عن العمل و الحركة و كان ذلك سيهلكها   أجمع و يؤديها إلى التلف و أما النبات فكان يطول عليه حر النهار و وهج الشمس حتى يجف و يحترق و كذلك الليل لو امتد مقدار هذه المدة كان يعوق أصناف الحيوان عن الحركة و التصرف في طلب المعاش حتى تموت جوعا و تخمد الحرارة الطبيعية من النبات حتى يعفن و يفسد كالذي تراه يحدث على النبات إذا كان في موضع لا تطلع عليه الشمس اعتبر بهذا الحر و البرد كيف يتعاوران العالم و يتصرفان هذا التصرف من الزيادة و النقصان و الاعتدال لإقامة هذه الأزمنة الأربعة من السنة و ما فيهما من المصالح ثم هما بعد دباغ الأبدان التي عليها بقاؤها و فيها صلاحها فإنه لو لا الحر و البرد و تداولهما الأبدان لفسدت و أخوت و انتكثت فكر في دخول أحدهما على الآخر بهذا التدريج و الترسل فإنك ترى أحدهما ينقص شيئا بعد شي‏ء و الآخر يزيد مثل ذلك حتى ينتهي كل واحد منهما منتهاه في الزيادة و النقصان و لو كان دخول أحدهما على الآخر مفاجأة لأضر ذلك بالأبدان و أسقمها كما أن أحدكم لو خرج من حمام حار إلى موضع البرودة لضره ذلك و أسقم بدنه فلم جعل الله عز و جل هذا الرسل في الحر و البرد إلا للسلامة من ضرر المفاجأة و لم جرى الأمر على ما فيه السلامة من ضر المفاجأة لو لا التدبير في ذلك فإن زعم زاعم أن هذا الترسل في دخول الحر و البرد إنما يكون لإبطاء مسير الشمس في الارتفاع و الانحطاط سئل عن العلة في إبطاء مسير الشمس في ارتفاعها و انحطاطها فإن اعتل في الإبطاء ببعد ما بين المشرقين سئل عن العلة في ذلك فلا تزال هذه المسألة ترقى معه إلى حيث رقي من هذا القول حتى استقر على العمد و التدبير لو لا الحر لما كانت الثمار الجاسية المرة تنضج فتلين و تعذب حتى يتفكه بها رطبة و يابسة و لو لا البرد لما كان الزرع يفرخ هكذا و يريع الريع الكثير الذي يتسع للقوت و ما يرد في الأرض للبذر أ فلا ترى ما في الحر و البرد   من عظيم الغناء و المنفعة و كلاهما مع غنائه و المنفعة فيه يؤلم الأبدان و يمضها و في ذلك عبرة لمن فكر و دلالة على أنه من تدبير الحكيم في مصلحة العالم و ما فيه

 توضيح قوله ع لا يجاوز ذلك أي في معظم المعمورة و في المصباح خوت الدار خلت من أهلها و خوت الإبل تخوية خمصت بطونها و قال الفيروزآبادي خوت الدار تهدمت و النجوم خيا أمحلت فلم تمطر كأخوت و خوت و قال المنتكث المهزول و قال الترسل الرفق و التؤدة انتهى قوله ع ببعد ما بين المشرقين أي المشرق و المغرب كناية عن عظم الدائرة التي يقطع عليها البروج أو مشرق الصيف و الشتاء و الأول أظهر قوله ع الجاسية أي الصلبة حتى يتفكه بها أي يتمتع بها و الريع النماء و الزيادة و قال الجوهري أمضني الجرح إمضاضا إذا أوجعك و فيه لغة أخرى مضني الجرح و لم يعرفها الأصمعي

34-  توحيد المفضل، قال قال الصادق ع فإن قالوا فلم يختلف فيه أي في ذاته تعالى و صفاته قيل لهم لقصر الأفهام عن مدى عظمته و تعديها أقدارها في طلب معرفته و أنها تروم الإحاطة به و هي تعجز عن ذلك و ما دونه فمن ذلك هذه الشمس التي تراها تطلع على العالم و لا يوقف على حقيقة أمرها و لذلك كثرت الأقاويل فيها و اختلفت الفلاسفة المذكورون في وصفها فقال بعضهم هو فلك أجوف مملو نارا له فم يجيش بهذا الوهج و الشعاع و قال آخرون هو سحابة و قال آخرون هو جسم زجاجي يقبل نارية في العالم و يرسل عليه شعاعها و قال آخرون هو صفو لطيف ينعقد من ماء بحر و قال آخرون هو أجزاء كثيرة مجتمعة من النار و قال آخرون هو من جوهر خامس سوى الجواهر الأربع ثم اختلفوا في شكلها فقال بعضهم هي بمنزلة صفيحة عريضة و قال آخرون هي كالكرة المدحرجة و كذلك اختلفوا في مقدارها فزعم بعضهم أنها مثل الأرض   سواء و قال آخرون بل هي أقل من ذلك و قال آخرون بل هي أعظم من الجزيرة العظيمة و قال أصحاب الهندسة هي أضعاف الأرض مائة و سبعون مرة ففي اختلاف هذه الأقاويل منهم في الشمس دليل على أنهم لم يقفوا على الحقيقة من أمرها و إذا كانت هذه الشمس التي يقع عليها البصر و يدركها الحس قد عجزت العقول عن الوقوف على حقيقتها فكيف ما لطف عن الحس و استتر عن الوهم

 بيان أقول لعل ما ذكره ع من قول أصحاب الهندسة قول بعض قدمائهم مع أنه قريب من المشهور كما عرفت و الاختلاف بين قدمائهم و متأخريهم في أشباه ذلك كثير

35-  توحيد المفضل، قال قال الصادق ع فكر يا مفضل في طلوع الشمس و غروبها لإقامة دولتي النهار و الليل فلو لا طلوعها لبطل أمر العالم كله فلم يكن الناس يسعون في معايشهم و يتصرفون في أمورهم و الدنيا مظلمة عليهم و لم يكونوا يتهنئون بالعيش مع فقدهم لذة النور و روحه و الإرب في طلوعها ظاهر مستغن بظهوره عن الإطناب في ذكره و الزيادة في شرحه بل تأمل المنفعة في غروبها فلو لا غروبها لم يكن للناس هدوء و لا قرار مع عظم حاجتهم إلى الهدوء و الراحة لسكون أبدانهم و جموم حواسهم و انبعاث القوة الهاضمة لهضم الطعام و تنفيذ الغذاء إلى الأعضاء ثم كان الحرص سيحملهم من مداومة العمل و مطاولته على ما يعظم نكايته في أبدانهم فإن كثيرا من الناس لو لا جثوم هذا الليل لظلمته عليهم لم يكن لهم هدوء و لا قرار حرصا على الكسب و الجمع و الادخار ثم كانت الأرض تستحمي بدوام الشمس بضيائها و تحمي كل ما عليها من حيوان و نبات فقدرها الله بحكمته و تدبيره تطلع وقتا و تغرب وقتا بمنزلة سراج يرفع لأهل البيت تارة ليقضوا حوائجهم ثم يغيب عنهم مثل ذلك ليهدءوا و يقروا فصار   النور و الظلمة مع تضادهما منقادين متظاهرين على ما فيه صلاح العالم و قوامه ثم فكر بعد هذا في ارتفاع الشمس و انحطاطها لإقامة هذه الأزمنة الأربعة من السنة و ما في ذلك من التدبير و المصلحة ففي الشتاء تعود الحرارة في الشجر و النبات فيتولد فيهما مواد الثمار و يستكثف الهواء فينشأ منه السحاب و المطر و تشتد أبدان الحيوان و تقوى و في الربيع تتحرك و تظهر المواد المتولدة في الشتاء فيطلع النبات و تنور الأشجار و يهيج الحيوان للسفاد و في الصيف يحتدم الهواء فتنضج الثمار و تتحلل فضول الأبدان و يجف وجه الأرض فتهيأ للبناء و الأعمال و في الخريف يصفو الهواء و يرتفع الأمراض و تصح الأبدان و يمتد الليل و يمكن فيه بعض الأعمال لطوله و يطيب الهواء فيه إلى مصالح أخرى لو تقصيت لذكرها لطال فيها الكلام فكر الآن في تنقل الشمس في البروج الاثني عشر لإقامة دور السنة و ما في ذلك من التدبير فهو الدور الذي تصح به الأزمنة الأربعة من السنة الشتاء و الربيع و الصيف و الخريف و يستوفيها على التمام و في هذا المقدار من دوران الشمس تدرك الغلات و الثمار و تنتهي إلى غاياتها ثم تعود فيستأنف النشوء و النمو أ لا ترى أن السنة مقدار مسير الشمس من الحمل إلى الحمل فبالسنة و أخواتها يكال الزمان من لدن خلق الله تعالى العالم إلى كل وقت و عصر من غابر الأيام و بها يحسب الناس الأعمار و الأوقات الموقتة للديون و الإجارات و المعاملات و غير ذلك من أمورهم و بمسير الشمس تكمل السنة و يقوم حساب الزمان على الصحة انظر إلى شروقها على العالم كيف دبر أن يكون فإنها لو كانت تبزغ في موضع من السماء فتقف لا تعدوه لما وصل شعاعها و منفعتها إلى كثير من الجهات لأن الجبال و الجدران كانت تحجبها عنها فجعلت تطلع في أول النهار من المشرق فتشرق على ما قابلها من وجه المغرب ثم لا تزال تدور و تغشى جهة بعد جهة حتى تنتهي إلى المغرب فتشرق على ما استتر عنها في أول النهار فلا يبقى موضع من المواضع إلا أخذ بقسطه من المنفعة منها و الإرب التي قدرت له و لو تخلفت

   مقدار عام أو بعض عام كيف كان يكون حالهم بل كيف كان يكون لهم مع ذلك بقاء أ فلا يرى الناس كيف هذه الأمور الجليلة التي لم تكن عندهم فيها حيلة فصار تجري على مجاريها لا تعتل و لا تتخلف عن مواقيتها لصلاح العالم و ما فيه بقاؤه استدل بالقمر ففيه دلالة جليلة تستعملها العامة في معرفة الشهور و لا يقوم عليه حساب السنة لأن دوره لا يستوفي الأزمنة الأربعة و نشوء الثمار و تصرمها و لذلك صارت شهور القمر و سنوه تتخلف عن شهور الشمس و سنيها و صار الشهر من شهور القمر ينتقل فيكون مرة بالشتاء و مرة بالصيف فكر في إنارته في ظلمة الليل و الإرب في ذلك فإنه مع الحاجة إلى الظلمة لهدء الحيوان و برد الهواء على النبات لم يكن صلاح في أن يكون الليل ظلمة داجية لا ضياء فيها فلا يمكن فيه شي‏ء من العمل لأنه ربما احتاج الناس إلى العمل بالليل لضيق الوقت عليهم في تقصي الأعمال بالنهار أو لشدة الحر و إفراطه فيعمل في ضوء القمر أعمالا شتى كحرث الأرض و ضرب اللبن و قطع الخشب و ما أشبه ذلك فجعل ضوء القمر معونة للناس على معايشهم إذا احتاجوا إلى ذلك و أنسا للسائرين و جعل طلوعه في بعض الليل دون بعض و نقص مع ذلك من نور الشمس و ضيائها لكيلا تنبسط الناس في العمل انبساطهم بالنهار و يمتنعوا من الهدء و القرار فيهلكهم ذلك و في تصرف القمر خاصة في مهله و محاقه و زيادته و نقصانه و كسوفه من التنبيه على قدرة الله خالقه المصرف له هذا التصريف لصلاح العالم ما يعتبر فيه المعتبرون

 بيان الدولة بالفتح و الضم انقلاب الزمان و دالت الأيام دارت و الله يداولها بين الناس و هدأ كمنع هدءا و هدوءا سكن و يقال نكيت في العدو نكاية إذا قتلت فيهم و جرحت و جثم الإنسان و الطائر و النعام يجثم جثما   و جثوما لزم مكانه لم يبرح و المراد جثومهم في الليل و التظاهر التعاون و نور الشجر أي أخرج نوره و حدم النار شدة احتراقها و التقصي بلوغ أقصى الشي‏ء و نهايته و الغابر الباقي و الماضي و المراد هنا الثاني و بزغت الشمس بزوغا شرقت أو البزوغ ابتداء الطلوع و قال الجوهري اعتل عليه و اعتله إذا اعتاقه عن أمر انتهى و ليلة داجية أي مظلمة

36-  الصحيفة السجادية، صلوات الله على من ألهمها كان من دعائه ع إذا نظر إلى الهلال أيها الخلق المطيع الدائب السريع المتردد في منازل التقدير المتصرف في فلك التدبير آمنت بمن نور بك الظلم و أوضح بك البهم و جعلك آية من آيات ملكه و علامة من علامات سلطانه و امتهنك بالزيادة و النقصان و الطلوع و الأفول و الإنارة و الكسوف في كل ذلك أنت له مطيع و إلى إرادته سريع سبحانه ما أعجب ما دبر في أمرك و ألطف ما صنع في شأنك جعلك مفتاح شهر حادث لأمر حادث إلى آخر الدعاء

 تنوير اعلم أن الهلال إنما سمي هلالا لجريان عادتهم برفع الأصوات عند رؤيته من الإهلال و هو رفع الصوت و قد اضطربوا في تحديد الوقت الذي يسمى فيه بهذا الاسم فقال في الصحاح الهلال أول ليلة و الثانية و الثالثة ثم هو قمر و زاد صاحب القاموس فقال الهلال غرة القمر أو لليلتين أو إلى ثلاث أو إلى سبع و لليلتين من آخر الشهر ست و عشرين و سبع و عشرين و في غير ذلك قمر و قال في مجمع البيان اختلفوا في أنه إلى كم يسمى هلالا و متى يسمى قمرا فقال بعضهم يسمى هلالا لليلتين من الشهر ثم لا يسمى هلالا إلى أن يعود في الشهر الثاني و قال آخرون يسمى هلالا ثلاث ليال ثم يسمى قمرا و قال آخرون يسمى هلالا حتى   يحجر و تحجيره أن يستدير بخط دقيق و هذا قول الأصمعي و قال بعضهم يسمى هلالا حتى يبهر ضوؤه سواد الليل ثم يقال قمر و هذا يكون في الليلة السابعة انتهى و قالوا إنما يسمى بعد الهلال قمرا لبياضه فإن الأقمر هو الأبيض و قيل لأنه يقمر الكواكب أي يغلبها بزيادة النور و يسمى في الليلة الرابعة عشر بدرا قال في الصحاح سمي بذلك لمبادرته الشمس في الطلوع كأنه يعجلها المغيب و يقال سمي لتمامه انتهى أي تشبيها له بالبدرة الكاملة و هي عشرة آلاف درهم قال الشيخ البهائي ره يمتد وقت الدعاء بامتداد وقت التسمية هلالا و الأولى عدم تأخيره عن الأولى عملا بالمتيقن المتفق عليه لغة و عرفا فإن لم يتيسر فعن الثانية لقول أهل اللغة بالامتداد إليها فإن فاتت فعن الثالثة لقول كثير منهم بأنها آخر لياليه. و أما ما ذكره صاحب القاموس و شيخنا أبو علي ره من إطلاق الهلال عليه إلى السابعة فهو خلاف المشهور لغة و عرفا و كأنه مجاز من قبيل إطلاقه عليه في الليلتين الأخيرتين ثم قال و لو قيل بامتداد ذلك إلى ثلاث ليال لم يكن بعيدا فلو نذر قراءة دعاء الهلال عند رؤيته و قلنا بالمجازية فيما فوق الثلاث لم تجب عليه القراءة برؤيته فيما فوقها حملا للمطلق على الحقيقة و هل تشرع الظاهر نعم إن رآه في تتمة السبع رعاية لجانب الاحتياط فأما فيما فوقها فلا لأنه تشريع و لو رآه يوم الثلاثين فلا وجوب على الظاهر لعدم تسميته حينئذ هلالا. قوله ع أيها الخلق المطيع الخلق في الأصل مصدر بمعنى الإبداع و التقدير ثم استعمل بمعنى المخلوق كالرزق بمعنى المرزوق و إطاعته كناية عن تأتي كل ما أراده سبحانه فيه تشبيها بإطاعة العبد لمولاه الدائب السريع يقال دأب فلان في عمله أي جد و تعب و جاء في تفسير قوله تعالى وَ سَخَّرَ لَكُمُ   الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ دائِبَيْنِ

 أي مستمرين في عملهما على عادة مقررة جارية قال الشيخ البهائي ره وصفه ع القمر بالسرعة ربما يعطي بحسب الظاهر أن يكون المراد سرعته باعتبار حركته الذاتية التي يدور بها على نفسه و تحرك جميع الكواكب بهذه الحركة مما قال به جم غفير من أساطين الحكماء و هو يقتضي كون المحو المرئي في وجه القمر شيئا غير ثابت في جرمه و إلا لتبدل وضعه كما قاله سلطان المحققين في شرح الإشارات و الأظهر أن ما وصفه به ع من السرعة إنما هو باعتبار حركته العرضية التي يتوسط فلكه فإن تلك الحركة على تقدير وجودها غير محسوسة و لا معروفة و الحمل على المحسوس المتعارف أولى و سرعة حركة القمر بالنسبة إلى سائر الكواكب أما الثوابت فظاهر لكون حركتها من أبطإ الحركات حتى أن القدماء لم يدركوها و أما السيارات فلأن زحل يتم الدورة في ثلاثين سنة و المشتري في اثنتي عشرة سنة و المريخ في سنة و عشرة أشهر و نصف و كلا من الشمس و الزهرة و عطارد في قريب من سنة و أما القمر فيتم الدورة في قريب من ثمانية و عشرين يوما و لا يبعد أن يكون وصفه ع القمر بالسرعة باعتبار حركته المحسوسة على أنها ذاتية له بناء على تجويز كون بعض حركات السيارات في أفلاكها من قبيل حركة الحيتان في الماء كما ذهب إليه جماعة و يؤيده ظاهر قوله تعالى كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ و دعوى امتناع الخرق و الالتئام على الأفلاك لم تقترن بالثبوت و ما لفقه الفلاسفة لإثباتها أوهن من بيت العنكبوت لابتنائه على عدم قبول الفلك بأجزائها الحركة المستقيمة و دون ثبوته خرط القتاد و التنزيل الإلهي الذي لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ ناطق بانشقاقها و ما ثبت من معراج نبينا ص بجسده المقدس إلى السماء السابعة فصاعدا شاهد بانخراقها المتردد في منازل التقدير أي السائر في المنازل التي قدرها الله تعالى لها   إشارة إلى قوله تعالى وَ الْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ و هي المنازل الثمانية و العشرون التي يقطعها في كل شهر بحركته الخاصة فيرى كل ليلة نازلا بقرب واحد منها قال نصير الملة و الدين ره في التذكرة و أما منازل القمر فهي من الكواكب القريبة من منطقة البروج جعلها العرب علامات الأقسام الثمانية و العشرين التي قسمت المنطقة بها لتكون مطابقة لعدد أيام دور القمر و قال الخفري في شرحه و المراد من المنزل المسافة التي يقطعها القمر في يوم بليلته و منازل القمر عند أهل الهند سبعة و عشرون يوما بليلته و ثلث فحذفوا الثلث لكونه أقل من النصف كما هو عادة أهل التنجيم و أما عند العرب فهي ثمانية و عشرون لا لأنهم تمموا الثلث واحدا كما قال البعض بل لأنه لما كان سنوهم لكونها باعتبار الأهلة مختلفة الأوائل لوقوعها في وسط الصيف تارة و في وسط الشتاء أخرى احتاجوا إلى ضبط سنة الشمس لمعرفة فصول السنة حتى يشتغلوا في استقبال كل فصل منها بما يهمهم فيه فنظروا إلى القمر فوجدوه يعود إلى وضع له من الشمس في قريب من الثلاثين يوما و يختفي في آخر الشهر ليلتين أو أكثر أو أقل فأسقطوا يومين من الثلاثين فبقي ثمانية و عشرون و هو الزمان الواقع في الأغلب بين رؤيته بالعشيات في أول الشهر و رؤيته بالغدوات في آخره فقسموا دور الفلك عليه فكان كل منزل اثنتي عشرة درجة و إحدى و خمسين دقيقة تقريبا أي ستة أسباع درجة فنصيب كل برج منزلان و ثلث ثم وجدوا الشمس تقطع كل منزل في ثلاثة عشر يوما بالتقريب فصار المنازل في ثلاثمائة و أربعة و ستين يوما لكن عود الشمس إلى كل منزل إنما يكون في ثلاثمائة و خمسة و ستين يوما فزادوا يوما في أيام منازل غفر و قد يحتاج إلى زيادة يومين للكبيسة حتى تصير أيامه خمسة عشر و يكون انقضاء أيام السنة الشمسية مع انقضاء أيام المنازل و رجوع الأمر إلى منزل جعل مبدأ ثم إنهم جعلوا علامات المنازل من الكواكب الظاهرة القريبة من المنطقة مما يقارب ممر القمر أو يحاذيه فيرى كل ليلة نازلا بقرب أحدها

    فإن سترها يقال كفحه فكافحه أي واجهه فغلبه و لا يتفاءل به و إن لم يستره يقال عدل القمر و يتفاءل به و إذا أسرع القمر في سيره فقد يخلي منزلا في الوسط و إذا أبطأ فقد يبقى ليلتين في منزل أول ليلتين في أوله و آخرهما في آخره و قد يرى في بعض الليالي بين منزلين و ما يقال في المشهور إن الظاهر من المنازل في كل ليلة يكون أربعة عشر و كذا الخفي و إنه إذا طلع منزل غاب رقيبه و هو الخامس عشر من الطالع ظاهر الفساد لأنها ليست على نفس المنطقة و لا أبعاد ما بينهما متساوية و لهذا قد يكون الظاهر ستة عشر أو سبعة عشر. و يمكن أن يقال إن مرادهم من المنازل نفس المنازل لا علاماتها و حينئذ يصح الحكمان المذكوران و بمثل ما ذكر يعلم فساد ما هو المشهور أيضا من أن ستة بروج ظاهرة و ستة خفية فإنه أيضا إنما يصح بمقتضى الحساب في نفس البروج لا بحسب صورها من الثوابت لأنها لا تقسم المنطقة على سواء بحيث ينطبق أول صورة كل برج على أوله و آخرها على آخره و لعل مرادهم بذلك أن نصف البروج نفسها ظاهرة لا أن نصف صورها ظاهرة فيندفع الخلل عن هذا القول أيضا و العرب تسمي خروج المنزل من ضياء الفجر طلوعه و غروب رقيبه وقت الصبح سقوطه و تسمي المنازل التي يكون طلوعها في مواسم المطر الأنواء و رقباءها إذا طلعت في غير مواسم المطر البوارح و الأربعة الشمالية التي أولها الشرطين و آخرها السماك شامية و الباقية التي أولها الغفر و آخرها بطن الحوت يمانية انتهى. و قال الشيخ البهائي ره الظاهر أن مراده ع بتردد القمر في منازل التقدير عوده إليها في الشهر اللاحق بعد قطعه إياها في السابق فتكون كلمة في بمعنى إلى و يمكن أن تبقى على معناها الأصلي بجعل المنازل ظرفا للتردد فإن حركته التي يقطع بها تلك المنازل لما كانت مركبة من شرقية و غربية جعل كأنه لتحركه فيها بالحركتين المختلفتين متردد يقدم رجل و يؤخر أخرى   و أما على رأي من يمنع جواز قيام الحركتين المختلفتين بالجسم و يرى أن للنملة المتحركة بخلاف حركة الرحى سكونا حال حركتها فتشبيهه بالمتردد أظهر. المتصرف في فلك التدبير التصرف التقلب إشارة إلى أن تقلباته و تغيراته بتدبير الحكيم الخبير و الفلك مجرى الكواكب سمي به تشبيها بفلكة المغزل في الاستدارة و الدوران قال أبو ريحان إن العرب و الفرس سلكوا في تسمية السماء مسلكا واحدا فإن العرب تسمي السماء فلكا تشبيها لها بفلكة الدولاب و الفرس سموها بلغتهم آسمان تشبيها لها بالرحى فإن آس هو الرحى بلسانهم و مان دال على التشبيه انتهى. و قال الشيخ البهائي ره المراد بفلك التدبير أقرب الأفلاك التسع إلى عالم العناصر أي الفلك الذي يتدبر بعض مصالح عالم الكون و الفساد و قد ذكر بعض المفسرين في تفسير قوله تعالى فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً أن المراد بها الأفلاك و هو أحد الوجوه التي أوردها الطبرسي ره و يمكن أن يكون على ضرب من المجاز كما يسمى ما يقطع به الشي‏ء قاطعا و ربما يوجد في بعض النسخ المتصرف في فلك التدوير و هو صحيح أيضا و إن كانت النسخة الأولى أصح و المراد به رابع أفلاك القمر و هو الفلك الغير المحيط بالأرض المركوز هو فيه المتحرك أسفله على توالي البروج و أعلاه بخلافه مخالفا لسائر تداوير السيارة كل يوم ثلاث عشرة درجة و ثلاث دقائق و أربعا و خمسين ثانية و هو مركوز في ثخن ثالث أفلاكه المسمى بالحامل المباعد مركزه عن مركز العالم بعشر درج المتحرك على التوالي كل يوم أربعا و عشرين درجة و اثنتين و عشرين دقيقة و ثلاث و خمسين ثانية و هو واقع في ثخن ثاني أفلاكه المسمى بالمائل الموافق مركزه مركز العالم المماس مقعره بمحدب النار الفاضل عن الحامل الموافق له في ميل منطقته عن منطقة البروج بمتممين متدرجي الرقة إلى نقطتي الأوج و الحضيض المتحرك على خلاف التوالي كل يوم إحدى عشرة درجة و تسع دقائق و سبع

    ثوان و هو واقع في جوف أول أفلاكه المسمى بالجوزهر الموافق مركزه مركز العالم و منطقته منطقة البروج المماس محدبه مقعر ممثل عطارد المتحرك كالثاني كل يوم ثلاث دقائق و إحدى عشرة ثانية ثم قال و لا يبعد أن تكون الإضافة في فلك التدبير من قبيل إضافة الظرف إلى المظروف كقولهم مجلس الحكم و دار القضاء أي الفلك الذي هو مكان التدبير و محله نظرا إلى أن ملائكة سماء الدنيا يدبرون أمر العالم السفلي فيه أو إلى أن كلا من السيارات السبع يدبر في فلكها أمرا هي مسخرة له بأمر خالقها و مبدعها كما ذكره جماعة من المفسرين في تفسير قوله تعالى فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً و يمكن أن يراد بفلك التدبير مجموع الأفلاك الجزئية يتدبر بها الأحوال المنسوبة إلى القمر بأسرها و ينضبط بها الأمور المتعلقة به بأجمعها حتى تشابه حامله حول مركز العالم و محاذاة قطر تدويره نقطة سواه إلى غير ذلك و تلك الأفلاك الجزئية هي الأربعة السالفة مع ما زيد عليها لحل ذينك الإشكالين و مع ما لعله يحتاج إليه أيضا في انتظام بعض أموره و أحواله التي ربما لم يطلع عليها الراصدون في أرصادهم و إنما يطلع عليها المؤيدون بنور الإمامة و الولاية و حينئذ يراد بالتدبير التدبير الصادر عن الفلك نفسه و يكون اللام فيه للعهد الخارجي أي التدبير الكامل الذي ينتظم به جميع تلك الأمور و لا يبعد أن يراد بفلك التدبير الفلك الذي يدبره القمر نفسه نظرا إلى ما ذهب إليه طائفة من أن كل واحد من السيارات السبع مدبر لفلكه كالقلب في بدن الحيوان قال سلطان المحققين في شرح الإشارات ذهب فريق إلى أن كل كوكب منها ينزل مع أفلاكه منزلة حيوان واحد ذي نفس واحدة تتعلق بالكوكب أول تعلقها و بأفلاكه بواسطة الكوكب كما تتعلق نفس الحيوان بقلبه أولا و بأعضائه الباقية بعد ذلك فالقوة المحركة منبعثة عن الكوكب الذي هو كالقلب في أفلاكه التي هي كالجوارح و الأعضاء الباقية انتهى كلامه زيد إكرامه و يمكن أن يكون هذا هو معنى ما أثبته له ع من التصرف في الفلك   و الله أعلم بمقاصد أوليائه سلام الله عليهم أجمعين انتهى. و أقول يمكن أن يكون في الكلام استعارة كما يقال بيت العز و دار الشرف تشبيها للتدبير بفلك هو مدبره و هذا النوع من الكلام شائع عند العرب و العجم ثم قال ره خطابه ع للقمر و نداؤه له و وصفه بالطاعة و الجد و التعب و التردد في المنازل و التصرف في الفلك ربما يعطي بظاهره كونه ذا حياة و إدراك و لا استبعاد في ذلك نظرا إلى قدرة الله تعالى إلا أنه لم يثبت بدليل عقلي قاطع يشفي العليل أو نقلي ساطع لا يقبل التأويل نعم أمثال هذه الظواهر ربما تشعر به و قد يستند في ذلك بظاهر قوله تعالى كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ فإن الواو و النون لا يستعملان حقيقة لغير العقلاء و قد أطبق الطبيعيون على أن الأفلاك بأجمعها حية ناطقة عاشقة مطيعة لمبدعها و خالقها و أكثرهم على أن غرضها من حركاتها نيل التشبه بجنابه و التقرب إليه جل شأنه و بعضهم على أن حركاتها لورود الشوارق القدسية عليها آنا فآنا فهي من قبيل هزة الطرب و الرقص الحاصل من شدة السرور و الفرح و ذهب جم غفير منهم إلى أنه لا ميت في شي‏ء من الكواكب أيضا حتى أثبتوا لكل واحد منها نفسا على حدة تحركه حركة مستديرة على نفسه و ابن سينا في الشفاء مال إلى هذا القول و رجحه و حكم به في النمط الخامس من الإشارات و لو قال به قائل لم يكن مجازفا و كلام ابن سينا و أمثاله و إن لم يكن حجة يركن إليها الديانيون في أمثال هذه المطالب إلا أنه يصلح للتأييد و لم يرد في الشريعة المطهرة على الصادع بها أفضل الصلوات و أكمل التسليمات ما ينافي هذا القول و لا قام دليل عقلي على بطلانه و إذا جاز أن يكون لمثل البعوضة و النملة فما دونهما حياة فأي مانع من أن يكون لتلك الأجرام الشريفة أيضا ذلك و قد ذهب جماعة إلى أن لجميع الأشياء نفوسا مجردة و نطقا و جعلوا قوله تعالى وَ إِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ محمولا على ظاهره و ليس غرضنا

    من هذا الكلام ترجيح القول بحياة الأفلاك بل كسر سورة استبعاد المصرين على إنكاره و رده و تسكين صولة المشنعين على من قال به أو جوزه انتهى كلامه ره و أقول هذا الترجيح الذي أبداه ره في لباس الاحتمال و التجويز مناف لسياق أكثر الآيات و الأخبار الواردة في أحوال الكواكب و الأفلاك و مسيرها و حركاتها و الإشارات التي تمسك بها ظاهر من سياقها أنها من قبيل المجازات و الاستعارات الشائعة في كلام البلغاء بل في أكثر المحاورات فإنهم يخاطبون الجمادات بخطاب العقلاء و غرضهم تفهيم غيرها كما في هذا الخطاب و خطاب شهر رمضان و وداعه و خطاب البيت و المخاطب فيها حقيقة هو الله تعالى و الغرض إظهار نعمه تعالى و شكره عليها و لم أر أحدا من المتكلمين من فرق المسلمين قال بذلك إلا بعض المتأخرين الذين يقلدون الفلاسفة في عقائدهم و يوافقون المسلمين فيما لا يضر بمقاصدهم قال السيد المرتضى ره في كتاب الغرر و الدرر قد دلت الدلالة الصحيحة الواضحة على أن الفلك و ما فيه من شمس و قمر و نجوم غير متحرك لنفسه و لا طبعه على ما يهدي به القوم و أن الله تعالى هو المحرك له و المتصرف باختياره فيه و قال ره في موضع آخر لا خلاف بين المسلمين في ارتفاع الحياة عن الفلك و ما يشتمل عليه من الكواكب فإنها مسخرة مدبرة مصرفة و ذلك معلوم من دين رسول الله ص ضرورة كما سيأتي في باب النجوم. آمنت بمن نور بك الظلم و أوضح بك البهم و جعلك آية من آيات ملكه و علامة من علامات سلطانه النور و الضوء مترادفان لغة و قد تسمى تلك الكيفية إن كانت من ذات الشي‏ء ضوءا و إن كانت مستفادة من غيره نورا و عليه جرى قوله تعالى جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً و الظلم جمع ظلمة و تجمع على ظلمات أيضا و هي عدم الضوء عما من شأنه أن يكون مضيئا و البهم كصرد جمع بهمة بالضم و هي ما يصعب على الحاسة إدراكه إن كان محسوسا و على الفهم إن   كان معقولا و الآية العلامة و السلطان مصدر بمعنى الغلبة و التسلط و قد يجي‏ء بمعنى الحجة و الدليل لتسلطه على القلب و أخذه بعنانه قال البهائي ره لما افتتح ع الدعاء بخطاب القمر و ذكر أوصافه أراد أن يذكر جملا أخرى من أحواله ناقلا للكلام من أسلوب إلى آخر كما هو دأب البلغاء من تلوين الكلام و جعل تلك الجمل مع تضمنها لخطاب القمر و ذكر أحواله موشحة بذكر الله سبحانه و الثناء عليه جل شأنه تحاشيا عن أن يتمادى به الكلام خاليا عن ذكر المفضل المنعام معبرا عن المنعم به جل شأنه بالموصول ليجعل الصلة مشعرة ببعض أحوال القمر و يعطف عليها الأحوال الأخر فتتلاءم جمل الكلام و لا يخرج عن الغرض المسوق له من بيان تلك الأوصاف و الأحوال و اللام في الظلم للاستغراق أعني العرفي منه لا الحقيقي و المراد الظلم المتعارف تنويرها بالقمر من قبيل جمع الأمير الصاغة و يمكن جعله للعهد الخارجي و الحق أن لام الاستغراق العرفي ليست شيئا وراء لام العهد الخارجي فإن المعروف بها هو حصة معينة من الجنس أيضا غايته أن التعيين فيها نشأ من العرف و التنكير في قوله آية يمكن أن يكون للنوعية كما في قوله تعالى وَ عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ و الأظهر أن يجعل للتعظيم و احتمال التحقير ضعيف كما لا يخفى ثم قال ره الباء في قوله ع نور بك الظلم إما للسببية أو للآلة ثم إن جعلنا الضوء عرضا قائما بالجسم كما هو مذهب أكثر الحكماء و مختار سلطان المحققين ره في التجريد فالتركيب من قبيل سودت الشي‏ء و بيضته أي صيرته متصفا بالسواد و البياض و إن جعلناه جسما كما هو مذهب القدماء من أنه أجسام صغار شفافة تنفصل عن المضي‏ء و تتصل بالمستضي‏ء فالتركيب من قبيل لبنته و تمرته أي صيرته ذا لبن أو تمر و هذا القول و إن كان مستبعدا بحسب الظاهر إلا أن إبطاله لا يخلو

    من إشكال كما أن إثباته كذلك و لعله ع أراد بالظلم في قوله نور بك الظلم الأهوية المظلمة لا الظلمات أنفسها فإنها لا تتصف بالنور و تجويز كونه ع أراد ذلك مبني على أن الهواء تتكيف بالضوء و هو مختلف فيه فالذين جعلوا اللون شرطا في التكيف بالضوء منعوا منه و يجوز أن يريد بالظلم الأجسام المظلمة سوى الهواء و هذا أحسن لاستغنائه عن تجشم الاستدلال على قبول الهواء للضوء و سلامته عن شوب الخلاف و يمكن أن يكون مراده ع بتنوير الظلم إعدامها بإحداث الضوء في محالها و هذا يبتني على القول بأن الظلمة كيفية وجودية كما ذهب إليه جماعة و هذا الرأي و إن كان الأكثر على بطلانه إلا أن دلائلهم على إبطاله ليست بتلك القوة فهو باق على أصل الإمكان إلا أن يذود عنه قاطع البرهان فلو جوز مجوز احتمال كونه أحد محامل كلامه ع لم يكن في ذلك حرج. و امتهنك بالزيادة و النقصان و الطلوع و الأفول و الإنارة و الكسوف المهنة بفتح الميم و كسرها و إسكان الهاء الخدمة و الذل و المشقة و الماهن الخادم و امتهنه استعمله في المهنة و طلوع الكوكب ظهوره فوق الأفق أو من تحت شعاع الشمس و أفوله غروبه تحته و الكسوف زوال الضوء عن الشمس أو القمر للعارض المخصوص و قد يفسر الكسوف بحجب القمر ضوء الشمس عنا أو حجب الأرض ضوء الشمس عنه و هو تفسير للشي‏ء بسببه و قال جماعة من أهل اللغة الأحسن أن يقال في زوال ضوء الشمس كسوف و في زوال ضوء القمر خسوف فإن صح ما قالوه فلعله ع أراد بالكسوف زوال الضوء المشترك بين الشمس و القمر لا المختص بالقمر و هو الخسوف ليكون خلاف الأحسن و لا يخفى أن امتهان القمر حاصل بسبب كثف الشمس أيضا فإنه هو الساتر لها و لما كان شمول الكسوف للخسوف أشهر من العكس اختاره ع ثم قال أراد ع بالزيادة و النقصان زيادة نور القمر و نقصانه بحسب ما يظهر للحس لا أن الزيادة و النقصان حاصلان له في الواقع لأن الأزيد من نصفه منير دائما كما بين في محله و أما زيادته في الاجتماع و نقصانه في الاستقبال كما هو شأن الكرة الصغيرة المستنيرة من الكبيرة   حالتي القرب و البعد فليس الكلام فيهما إنما الكلام في الزيادة و النقصان المسببين عن البعد و القرب المدركين بالحس و ربما يتراءى لبعض الأفهام من ظاهر قوله ع و امتهنك بالزيادة و النقصان أن زيادة نور القمر و نقصانه المحسوسين واقعان بحسب الحقيقة و حاصلان في نفس الأمر كما هو معتقد كثير من الناس و هذا و إن كان ممكنا نظرا إلى قدرة الله تعالى على أن يحدث في جرمه أول الشهر شيئا يسيرا من النور و يزيده على التدريج إلى أن يصير بدرا ثم يسلبه عنه شيئا فشيئا إلى المحاق إلا أن حمل كلامه ع على ما هو متفق عليه بين أساطين علماء الهيئة حتى عد من الحدسيات أليق و أولى و هم مع قطع النظر عما أوجب تحدسهم بذلك إنما اقتبسوا هذا العلم من أصحاب الوحي سلام الله عليهم كشيث ع المدعو على لسانهم بهرمس و قد نقل جماعة من المفسرين منهم الشيخ الطبرسي ره عند تفسير قوله تعالى وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ الآية أن علم الهيئة كان معجزة له إلى آخر ما ذكره في ذلك ثم قال ره لا يخفى أن حكمهم بأن نور القمر مستفاد من الشمس ليس مستندا إلى مجرد ما يشاهد من اختلاف تشكلاته النورية بقربه و بعده عن الشمس فإن هذا وحده لا يوجب ذلك الحكم قطعا بل لا بد مع ذلك من ضم أمور آخر كحصول الخسوف عند توسط الأرض بينه و بين الشمس إلى غير ذلك من الأمارات التي يوجب اجتماعها ذلك الحكم لجواز أن يكون نصفه مضيئا من ذاته و نصفه مظلما و يدور على نفسه كحركة فلكه فإذا تحرك بعد المحاق يسيرا رأيناه هلالا و يزداد فنراه بدرا ثم يميل نصفه المظلم شيئا فشيئا إلى أن يئول إلى المحاق ثم أفاد ره لعلك تقول عند ملاحظة قوله و امتهنك بالزيادة و النقصان أن حصول الامتهان للقمر بنقصان نوره ظاهر فما معنى حصول الامتهان له بزيادة النور فأقول فيه وجهان الأول أنه كان أحد وجهيه مستنيرا بالشمس دائما و كانت زيادة نوره إنما هي

    بحسب إحساسنا فقط و قد سخره الأمر الإلهي لأن يتحرك في النصف الأول من الشهر على نهج لا يزيد به المنير منه في كل ليلة إلا شيئا يسيرا لا يستطيع أن يتخطاه و لا يقدر على أن يتعداه أثبت ع له الامتهان بسبب إذلاله و تسخيره للزيادة على هذا الوجه المقرر و النهج الخاص و قد شبه بعضهم حال القمر في ظهور القدر المرئي منه شيئا فشيئا في النصف الأول من الشهر إلى أن يصير بدرا ثم استتاره شيئا فشيئا في النصف الثاني إلى أن يختفي بما إذا أمر السيد عبده بأن لا يكشف النقاب عن وجهه للناظرين إلا على التدريج شيئا فشيئا في مدة معينة و أنه متى انكشف وجهه بأجمعه فليبادر في الحال إلى ستره و إرخاء النقاب عليه شيئا فشيئا إلى أن يختفي بأجمعه عن الأبصار الوجه الثاني أن يكون مراده ع الامتهان بمجموع الزيادة و النقصان أعني التغير من حال إلى حال و عدم البقاء على شكل واحد و لعل هذا الوجه أقرب و هو جار فيما نسبه ع إليه من الطلوع و الأفول و الإنارة و الكسوف و يمكن أن يوجه امتهانه بالإنارة بوجه آخر و هو أن يراد بها إعطاؤه النور للغير كوجه الأرض مثلا لا اتصافه هو بالنور فإن الإنارة و الإضاءة كما جاءا في اللغة لازمين جاءا متعديين أيضا فحينئذ ينبغي أن يراد بالكسوف كسفه للشمس ليتم المقابلة و يصير المعنى امتهنك بأن تفيض النور على الغير تارة و تسلبه عنه أخرى و لو أريد المعنى الشامل للخسوف أو نفس الخسوف أيضا لم يكن فيه بعد و الله أعلم. ثم قال ره لما كانت الشمس ملازمة لمنطقة البروج و كانت أعظم من الأرض كان المستنير بأشعتها أعظم من نصفها و المظلم أقل و حصل مخروط مؤلف من قطعتين يرتسم إحداهما من الخطوط الشعاعية الواصلة بين الشمس و سطح الأرض و يسمى مخروط النور و المخروط العظيم و الأخرى من ظل الأرض و تسمى مخروط الظل و المخروط الصغير و يحيط به طبقة يشوبها ضوء مع بياض يسير ثم طبقة أخرى يشوبها مع ضوء يسير حمرة و هذه الطبقات الثلاث تظهر للبصر في المشرق من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس بهذا الترتيب و بعكسه بعد غروبها في المغرب و قاعدة   المخروط العظيم على كرة الشمس منصفة بمنطقة البروج و سهمه في سطحها و ينتهي رأسه في أفلاك الزهرة عند كون الشمس في الأوج و فيما دونه في ما دونها و قاعدة المخروط الصغير صغيرة على وجه الأرض هي الفصل المشترك بين المنير منها و المظلم و هذان المخروطان يتحركان على سطح الأرض كأنهما جبلان شامخان يدوران حولها على التبادل أحدهما أبيض ساطع و الآخر أسود حالك عليه ملابس متلونة و يتحرك الأبيض من المشرق إلى المغرب و هو النهار لمن هو تحته و الأسود بالعكس و هو الليل لمن هو تحته فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ و إذا توهمنا سطحا كريا مركزه مركز العالم يمر بمركز القمر و بالمخروط الصغير فالدائرة الحادثة منه على جرم القمر تسمى صفحة القمر و الحادثة على سطح المخروط دائرة الظل و مركزها على منطقة البروج فإذا عرفت هذا فإذا لاقى القمر مخروط الظل في الاستقبال و وقعت صفحته كلها أو بعضها في دائرة الظل انقطعت الأشعة الشمسية عنه كلا أو بعضا و هو الخسوف الكلي أو الجزئي و لكون غاية عرض القمر و هي خمسة أجزاء أعظم من مجموع نصفي قطري صفحته و دائرة الظل لم ينخسف في كل استقبال بل إذا كان عديم العرض أو كان عرضه و هو بعد مركزه عن مركز دائرة الظل أقل من نصفيهما إذ لو كان

    مساويا لهما ماس القمر محيط دائرة الظل من خارج على نقطة في جهة عرضه و لم ينخسف و إن كان أكثر فبطريق أولى أما إن كان العرض أقل من النصفين انخسف أقل من نصف قطره إن كان ذلك العرض أكثر من نصف قطر دائرة الظل و نصف قطره إن كان مساويا له لمرور دائرة الظل بمركز الصفحة حينئذ و أكثر منه إن كان أقل منه و أكثر من فضل نصف قطر دائرة الظل على نصف قطر القمر و كله غير ماكث إن كان مساويا لفضل نصف قطر دائرة الظل على نصف قطر القمر لمماسة القمر محيط الظل من داخل على نقطة في جهة عرضه و ماكثا بحسب ما يقع في دائرة الظل إن كان أقل من هذا الفضل و غاية المكث إذا كان عديم العرض و أول الخسوف يشبه أثرا دخانيا ثم يزداد تراكما بازدياد توغل القمر في الظل فإن كان عرضه أقل من عشر دقائق كان لونه أسود حالكا و إلى عشرين فأسود ضاربا إلى خضرة و إلى ثلاثين فإلى حمرة و إلى أربعين فإلى صفرة و إلى خمسين فأغبر و إلى ستين فأشهب و ابتداء الانجلاء من شرقي القمر كما أن ابتداء الخسوف كذلك ثم اعلم أن الأحوال المشهورة الحاصلة للقمر كثيرة فبعضها يشاركه فيه سائر الكواكب كالإنارة و الطلوع و الأفول و نحوها و هي كثيرة و لا حاجة داعية إلى ضبطها و بعضها أمور تختص به و لا توجد في غيره من الكواكب و قد اعتنى أهل الهيئة بالبحث عنها و أشهرها ستة سرعة الحركة و اختلاف تشكلاته النورية و اكتسابه النور من الشمس و خسوفه بحيلولة الأرض بينها و حجبه لنورها بالكسف لها و تفاوت أجزاء صفحته في النور و هو المسمى بالمحو و هذه الأحوال الستة يمكن فهمها من كلامه ع بعضها بالتصريح و بعضها بالتلويح أما سرعة حركته و اختلاف تشكلاته فظاهر و أما كسفه الشمس و خسوفه فلما مر من حمل الكسوف في كلامه ع على ما يشمل الأمرين معا و أما اكتسابه النور من الشمس فلدلالة اختلاف التشكلات مع الخسوف عليه فهذه الأمور الخمسة يفهم من كلامه ع على هذا النهج و بقي الأمر السادس أعني تفاوت أجزائه في   النور فإن في إشعار كلامه ع به نوع خفاء و يمكن أن يومئ إليه قوله ع و امتهنك بالزيادة و النقصان فإن المراد زيادة النور و نقصانه و لا معنى لتفاوت أجزائه في النور إلا زيادته في بعض و نقصانه في بعض آخر كما لا يخفى فقد تضمن كلامه ع مجموع تلك الأحوال الستة المختصة بالقمر و قد مر الكلام في الأربعة الأول منها و بقي الكلام في الأخيرتين فنقول أما الكسوف فهو ذهاب الضوء عن جرم الشمس في الحس كلا أو بعضا لستر القمر وجهها الموجه لنا كلا أو بعضا و ذلك عند كونهما بحيث يمر خط خارج من البصر بهما إما مع اتحاد موضعيهما المرئيين أو كان البعد بينهما أقل من مجموع نصفي قطريهما فلو تساويا ماسها و لا كسف و إن زاد الأول فبالأولى فإن وقع مركزاهما على الخط المذكور كسفها كلها بلا مكث إن كان قطراهما متساويين حسا و مع مكث إن كان قطرها أصغر و بقي منها حلقة نورانية إن كان قطرها أعظم و إن لم يقعا على ذلك الخط كسف منها بعضها أبدا إلا إذا كان قطره أعظم حسا فقد يكسفها حينئذ كلا و ربما تبقى منها حلقة نورانية مختلفة الثخن أو قطعة نعلية إن كان قطره أصغر و لما كان الكسوف غير عارض للشمس لذاتها بل بالقياس إلى رؤيتها بحسب كيفية توسط القمر بينها و بين الإبصار أمكن وقوعه في بقعة دون أخرى مع كون الشمس فوق أفقهما و كونه في إحداهما كليا أو أكثر و في أخرى جزئيا أو أقل و ابتداء الكسوف من غربي الشمس كما أن ابتداء الانجلاء كذلك. ثم قال ره و أما محو القمر و هي الظلمة المحسوسة في صفحته فأمره ملتبس و الآراء فيه متشعبة و الأقوال متخالفة و أذكر منها خمسة الأول أنها آثار وجهه المظلم تأدت إلى وجهه المضي‏ء و أورد عليه أنه لو كان كذلك لكانت أطرافه أشد ظلمة و أوساطه أشد ضوء الثاني أنه أجرام مختلفة مركوزة مع القمر في تدويره غير قابلة للإنارة بالتساوي و هو مختار سلطان المحققين ره في التذكرة و أورد عليه أن ما يتوسط بينه و بين الشمس من تلك الأجرام و كذا بيننا و بينه في كل زمان و وضع شي‏ء آخر لتحرك التدوير على نفسه فكيف يرى دائما على

    نهج واحد غير مختلف و قد يعتذر له بأن التفاوت المذكور لا يحس به في صفحة القمر لصغرها و بعد المسافة الثالث أن الأشعة تنعكس إليه من البحر المحيط أو كرة البخار لصقالتهما انعكاسا بينا و لا تنعكس لذلك من سطح الربع المكشوف لخشونته فيكون المستنير من وجهه بالأشعة النافذة إليه على الاستقامة و الأشعة المنعكسة تبعا أضوأ من المستنير بالأشعة المستقيمة و المنعكسة من الربع المكشوف و هذا مختار صاحب التحفة و أورد عليه أن ثبات الانعكاس دائما على نهج واحد مع اختلاف أوضاع الأشياء المنعكس عنها من البخار و الجبال في جانبي المشرق و المغرب مستحيل و اعتذر له بما اعتذر لأستاذه ره الرابع أن سطح القمر لما كان صقيلا كالمرآة و الناظر يرى فيه صورة البحار و القدر المكشوف من الأرض و فيه عمارات و غياض و جبال و في البحار مراكب و جزائر مختلفة الأشكال و كلها تظهر للناظر أشباحها في صفحة القمر و لا يميز بينها لبعدها و لا يحس منها إلا بخيال و كما لا يرى مواضع الأشباح في المرايا مضيئة فكذلك لا ترى تلك المواضع فيه براقة أو أنه ترى صورة العمارات و الغياض و الجبال مظلمة كما هي عليه في الليل و صورة البحار مضيئة أو بالعكس فإن صورتي الأرض و الماء منطبعتان فيه كما أن الأرض لكثافتها تقبل ضوء الشمس أكثر مما يقبله الماء للطافته فكذا صورتاهما و هذا الوجه مختار الفاضل النيسابوري في شرح التذكرة و مال إليه أستاذنا المحقق البرجندي في شرح التذكرة أيضا و الإيراد و الاعتذار كما سبق الخامس أن أجراما صغيرة نيرة مركوزة في جرم الشمس أو في فلكها الخارج المركز بحيث تكون متوسطة دائما بين الشمس و القمر و هي مانعة من وقوع شعاع الشمس على مواضع المحو من القمر و إنما قلنا نيرة لأنها لو كانت مظلمة فيرى المحو على وجه الشمس و المراد أنها نيرة نورا أقل من نور بقية أجزاء الشمس و هذا الوجه للمدقق الخفري و أقول فيه نظر فإن تلك الأجرام إن كانت صغيرة جدا تلاقت الخطوط الخارجة من حولها إلى القمر بالقرب منها و لم يصل ظلها إليه و إن كان لها مقدار يعتد به بحيث يصل ظلها إلى جرم القمر فوصوله إلى   سطح الأرض في بعض الأوقات كوقت الاستقبال أولى فكان ينبغي أن يظهر على سطح الأرض كما يظهر ظل الغيم و نحوه و ليس فليس و الله أعلم بحقائق الأمور. ثم قال قدس الله لطيفه ما مر من أن اكتساب النور من الشمس مختص بالقمر لا يشاركه فيه غيره من الكواكب هو المشهور و عليه الجمهور فإنهم مطبقون على أن أنوار ما عداه من الكواكب ذاتية غير مكتسبة من الشمس و استدلوا على ذلك بأنها لو استفادت النور من الشمس لظهر فيه التشكلات البدرية و الهلالية بالبعد و القرب منها كما في القمر هكذا أورده صاحب التحفة فيها و في نهاية الإدراك و أقول فيه نظر فإن القائل باستفادتها النور من الشمس ليس عليه أن يقول بأن المستضي‏ء منها إنما هو وجهها المقابل للشمس فقط ليلزمه اختلاف تشكلاته كالقمر بل له أن يقول بنفوذ الضوء في أعماقها كالقطعة من البلور مثلا إذا وقع عليها ضوء الشمس فإن الناظر إليها من جميع الجهات يبصرها مضيئة بأجمعها فتبصر. ثم إن صاحب التحفة أورد على الدليل المذكور أن اختلاف التشكلات إنما يلزم في السفليين لا في بقية الكواكب التي فوق الشمس لكون وجهها المقابل لنا هو المقابل للشمس بخلاف القمر فيمكن أن يستفيد النور منها و لا يظهر فيها التشكلات الهلالية بالقرب من الشمس و ما يقال من أنه يلزم انخسافها في مقابلات الشمس مدفوع بأن ظل الأرض لا يصل إلى أفلاكها ثم إنه أجاب عن هذا الإيراد بأن تلك الكواكب إذا كانت على سمت الرأس غير قابلة للشمس و لا مقارنة لها لم يكن وجهها المقابل لنا هو المقابل لها بل بعضه و يلزم اختلاف التشكلات الهلالية ثم قال فإن قيل إنما لا يرى شي‏ء منها هلاليا لخفاء طرفيه لصغر حجم الكواكب في المنظر و هو ظهوره من البعد المتفاوت مستديرا قلنا لو كان كذلك لرئي الكوكب في قرب الشمس أصغر منه في بعدها. هذا كلامه و أقول فيه نظر لأن للخصم أن يقول إنما يلزم ذلك لو وقعت دائرة الرؤية فيها مقاطعة لدائرة النور و لم لا يجوز أن لا يقع أبدا إلا داخلها إما موازية لها إذا كان الكوكب على سمت الرأس في مقابلة الشمس أو

    غير موازية إما مماسة لها كما لعله يتفق في التربيع أو غير مماسة كما في غيره و لا يندفع هذا إلا إذا ثبت تقاطع الدائرتين على سطح الكوكب كما في القمر و دون ثبوته خرط القتاد و يمكن تقرير النظر بوجه آخر بأن يقال قرب الكواكب من الشمس على نحوين قرب كثير يوجب ظهور الصغر للحس و قرب قليل لا يوجب ذلك و الأول لا يكون إلا إذا كانت الشمس تحت الأفق و كان الكوكب قريبا من الأفق فلم لا يجوز أن يكون الكوكب حال القرب أصغر لكن تراكم البخار جبر ذلك الصغر فلم ير أصغر لذلك ثم إن الذي ما زال يختلج بخاطري أن القول بعدم الفرق بين القمر و سائر الكواكب في أن أنوار الجميع مستفادة من الشمس غير بعيد عن الصواب و قد ذهب إلى هذا جماعة من أساطين الحكماء و وافقهم الشيخ السهروردي حيث قال في الهياكل إن الشمس قاهر العنق رئيس السماء فاعل النهار صاحب العجائب عظيم الهيئة الذي يعطي جميع الأجرام ضوءها و لا يأخذ منها هذا كلامه و قد ذهب الشيخ العارف محيي الدين أيضا إلى هذا القول و صرح به في الفتوحات المكية و وافقه جمع من الصوفية و الله أعلم بحقائق الأشياء انتهى. سبحانه ما أعجب ما دبر في أمرك و ألطف ما صنع في شأنك سبحان مصدر كغفران بمعنى التنزيه عن النقائص و لا يستعمل إلا محذوف الفعل منصوبا على المصدرية فسبحان الله معناه تنزيه الله كأنه قيل أسبحه سبحانا و أبرئه عما لا يليق بعز جلاله براءة قال الشيخ الطبرسي ره إنه صار في الشرع علما   لأعلى مراتب التعظيم التي لا يستحقها إلا هو سبحانه و لذلك لا يجوز أن يستعمل في غيره تعالى و إن كان منزها عن النقائص و إلى كلامه هذا ينظر ما قاله بعض الأعلام من أن التنزيه المستفاد من سبحان الله ثلاثة أنواع تنزيه الذات عن نقص الإمكان الذي هو منبع السوء و تنزيه الصفات عن وصمة الحدوث بل عن كونها مغايرة للذات المقدسة و زائدة عليها و تنزيه الأفعال عن القبح و العبث بل عن كونها جالبة إليه تعالى نفعا أو دافعة عنه سبحانه ضرا كأفعال العباد و ما في قوله ع ما أعجب إما موصولة أو موصوفة أو استفهامية على الخلاف المشهور في ما التعجبية و هي مبتدأة و الماضي بعدها صلتها أو صفتها على الأولين و الخبر محذوف أي الذي أو شي‏ء صيره عجيبا أمر عظيم أو كونها هو الخبر على الأخير و ما في ما دبر مفعول أعجب و هي كالأولى على الأولين و العائد المفعول محذوف و الأمر و الشأن مترادفان جعلك مفتاح شهر حادث لأمر حادث فصل هذه الجملة عما قبلها للاختلاف خبرا و إنشاء مع كون السابقة لا محل لها من الإعراب و الشهر مأخوذ من الشهرة يقال شهرت الشي‏ء شهرا أي أظهرته و كشفته و شهرت السيف أخرجته من الغلاف و تشبيهه الشهر في النفس بالبيت المقفول استعارة بالكناية و إثبات المفتاح له استعارة تخييلية و لا يخفى لطافة تشبيه الهلال بالمفتاح و الجار في قوله ع لأمر حادث يتعلق بحادث السابق أي حدوث ذلك الشهر و تجدده لأمر حادث مجدد و يجوز تعلقه بجعل و تنكير أمر للإبهام و عدم التعين أي أمر مبهم علينا حالة كما قالوه في قوله تعالى أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ إن المراد أرضا منكورة مجهولة. و أقول يحتمل أن يكون المراد بالأمر الحادث ما نيط بالشهور من المصالح الدينية كالحج و الصوم و العدد و سائر العبادات المتعلقة بها و الدنيوية كالمعاملات و الديون و سائر الأمور المربوطة بها و قال الشيخ المتقدم ره جعله ع مدخول

    ما التعجبية فعلا دالا على التعجب بجوهره ينبئ عن شدة تعجبه ع من حال القمر و ما دبره الله سبحانه فيه و في أفلاكه بلطائف صنعه و حكمته و هكذا كل من هو أشد اطلاعا على دقائق الحكم المودعة في مصنوعات الله سبحانه فهو أشد تعجبا منها و أكثر استعظاما لها و معلوم أن ما بلغ إليه علمه ع من عجائب صنعه جل و علا و دقائق حكمته في خلق القمر و نضد أفلاكه و ربطه ما ربطه به من مصالح العالم السفلي و غير ذلك فوق ما بلغ إليه علم أصحاب الإرصاد و من يحذو حذوهم من الحكماء الراسخين بأضعاف مضاعفة مع أن الذي اطلع عليه هؤلاء من أحواله و كيفية أفلاكه و ما عرفوه مما يرتبط به من أمور هذا العالم أمور كثيرة يحار فيها ذو اللب السليم قائلا ربنا ما خلقت هذا باطلا و تلك الأمور ثلاثة أنواع. الأول ما يتعلق بكيفية أفلاكه و عددها و نضدها و ما يلزمه من حركاتها من الخسوف و اختلاف التشكلات و تشابه حركة حاملة حول مركز العالم لا حول مركزه و محاذاة قطر تدويره نقطة سوى مركز العالم إلى غير ذلك مما هو مشروح في كتب الهيئة. الثاني ما يرتبط بنوره من التغيرات في بعض الأجسام العنصرية كزيادة الرطوبات في الأبدان بزيادته و نقصانها بنقصانه و حصول البحارين للأمراض و زيادة مياه البحار و الينابيع زيادة بينة في كل يوم من النصف الأول من الشهر ثم أخذها في النقصان يوما فيوما في النصف الأخير منه و زيادة أدمغة الحيوانات و ألبانها بزيادة النور و نقصانها بنقصانه و كذلك زيادة البقول و الثمار نموا و نضجا عند زيادة نوره حتى أن المزاولين لها يسمعون صوتا من القثاء و القرع و البطيخ عند تمدده وقت زيادة النور و كإبلاء نور القمر الكتان و صبغه بعض الثمار إلى غير ذلك من الأمور التي تشهد به التجربة قالوا و إنما اختص القمر بزيادة ما نيط به من أمثال هذه الأمور بين سائر الكواكب لأنه أقرب إلى عالم العناصر منها و لأنه مع قربه أسرع حركة فيمتزج نوره بأنوار جميع الكواكب و نوره أقوى من نورها فيشاركها شركة غالب عليها فيما نيط بنورها من المصالح بإذن خالقها و مبدعها جل شأنه الثالث ما يتعلق به من السعادة و النحوسة و ما يرتبط به من الأمور التي هو   علامة على حصولها في هذا العالم كما ذكره الديانيون من المنجمين و وردت ببعضه الشريعة المطهرة على الصادع بها أفضل التسليمات

 كما رواه الكليني ره عن الصادق ع من سافر أو تزوج و القمر في العقرب لم ير الحسنى

 و عن الكاظم ع من تزوج في محاق الشهر فليسلم لسقط الولد

 و كما رواه الشيخ عن الباقر ع أن النبي ص بات ليلة عند بعض نسائه فانكسف القمر في تلك الليلة فلم يكن فيها شي‏ء فقالت له زوجته يا رسول الله بأبي أنت و أمي كل هذا البغض فقال لها ويحك هذا الحادث في السماء فكرهت أن أتلذذ

و في آخر الحديث ما يدل على أن المجامع في تلك الليلة إن رزق من جماعه ولدا و قد سمع بهذا الحديث لا يرى ما يحب. أقول تتمة الدعاء سيأتي شرحها في مقام آخر أنسب من هذا المقام إن شاء الله تعالى

37-  الصحيفة السجادية، صلوات الله على من ألهمها الحمد لله الذي خلق الليل و النهار بقوته و ميز بينهما بقدرته و جعل لكل واحد منهما حدا محدودا و أمدا ممدودا يولج كل واحد منهما في صاحبه و يولج صاحبه فيه بتقدير منه للعباد فيما يغذوهم به و ينشئهم عليه فخلق لهم الليل ليسكنوا فيه من حركات التعب و نهضات النصب و جعله لباسا ليلبسوا من راحته و منامه فيكون ذلك لهم جماما و قوة و لينالوا به لذة و شهوة و خلق لهم النهار مبصرا ليبتغوا فيه من فضله و ليتسببوا إلى رزقه و يسرحوا في أرضه طلبا لما فيه نيل العاجل من دنياهم و درك الآجل في أخراهم بكل ذلك يصلح شأنهم و يبلو أخبارهم و ينظر كيف هم في أوقات طاعته و منازل فروضه و مواقع أحكامه لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَ يَجْزِيَ   الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى اللهم فلك الحمد على ما فلقت لنا من الإصباح و متعتنا به من ضوء النهار و بصرتنا به من مطالب الأقوات و وقيتنا فيه من طوارق الآفات إلى آخر الدعاء

 بيان خلق الليل و النهار بقوته الخلق يكون بمعنى الإيجاد و بمعنى التقدير و كل منهما هنا مناسب و الجمع بينهما أيضا ممكن و خلقه تعالى الليل و النهار بخلقه الشمس مضيئة غاية الإضاءة بحيث يغلب نورها نور سائر الكواكب و بخلق الهواء مظلما في نفسه قابلا للإضاءة و بخلق الأرض كثيفة قابلة للإضاءة بحيث تنعكس منها الأشعة و جعل الشمس متحركة حول الأرض فبطلوعها أو ظهور علامتها البينة يحصل النهار و بغروبها أو ذهاب حمرتها المشرقية يحصل الليل و تقديم الليل لتقدمه شرعا و عرفا كما عرفت أو لتقدم الظلمة على النور لكونها عدمية أو شبيهة بالعدم أو للتأسي بالقرآن في أكثر مواضعه و ميز بينهما بقدرته أي جعل كل واحد منهما ممتازا عن الآخر من حيث الصورة و من حيث الخواص و الآثار و قيل معناه أن الله تعالى لما قدر لكل يوم و ليلة من أيام السنة الشمسية و لياليها في كل بقعة من بقاع الأرض زمانا معينا لا يزيد و لا ينقص أبدا فلا يدخل أحدهما في الآخر بأن يدخل الليل في النهار قبل تمامه و بالعكس فيمتاز كل واحد منهما عن الآخر أي لا يختلط أحدهما بالآخر لكن يمكن استفادة هذا المعنى من الفقرة الآتية و القدرة صفة نفسانية من شأنها الإيجاد و الإحداث بها على وجه يتصور ممن قامت به الفعل بدلا عن الترك و الترك بدلا عن الفعل و القوة تطلق على القدرة و على حالة يصح أن تصدر عن صاحبها أفعال شاقة و قد تطلق على حالة تكون مصدرا لحدوث أمر أو سببا له كالقوى الناطقة و النامية و الباصرة و السامعة و أمثالها و الباء في الموضعين للاستعانة أو للملابسة و جعل لكل واحد منهما حدا محدودا و أمدا ممدودا حد الشي‏ء منقطعه و منتهاه و الحد الحاجز بين الشيئين و المحدود المعين أو المميز عن غيره و الأمد يطلق على الغاية و على الزمان الممتد و الممدود المبسوط الممتد و في بعض النسخ موقوتا

    و هو قريب من المحدود و الأظهر ممدودا و جعل الأمد بمعنى الامتداد ليكون تأسيسا. يولج كل واحد منهما في صاحبه و يولج صاحبه فيه الإيلاج الإدخال و قد عرفت أن لإيلاج كل واحد منهما في الآخر معنيين أحدهما يرجع إلى مجي‏ء الليل بعد النهار و مجي‏ء النهار بعد الليل و ثانيهما يرجع إلى زيادة كل منهما و نقصان الآخر و يرد في خصوص هذه العبارة إشكال و هو أن الزيادة و النقص في كل منهما يستفاد من الفقرة الأولى فأي فائدة في الفقرة الثانية و أجيب عنه بوجوه الأول ما ذكره الشيخ البهائي ره حيث قال مراده التنبيه على أمر مستغرب و هو حصول الزيادة و النقصان معا في كل من الليل و النهار في وقت واحد و ذلك بحسب اختلاف البقاع كالشمالية عن خط الإستواء و الجنوبية عنه سواء كانت مسكونة أو لا فإن صيف الشمالية شتاء الجنوبية و بالعكس فزيادة النهار و نقصانه واقعان في وقت واحد لكن في بقعتين و كذا زيادة الليل و نقصانه و لو لم يصرح ع بقوله و يولج صاحبه فيه لم يحصل التنبيه على ذلك بل كان الظاهر من كلامه ع وقوع زيادة النهار في وقت و نقصانه في آخر و كذا الليل كما هو محسوس معروف بين الخاص و العام فالواو في قوله و يولج صاحبه فيه واو الحال بإضمار مبتدإ كما هو المشهور بين النحاة انتهى و أقول إنما قدر المبتدأ لأن الجملة الحالية إذا كانت مضارعا مثبتا يكون بالضمير وحده فإذا أضمر المبتدأ تصير جملة اسمية و الاسمية الحالية تكون بالواو و الضمير أو بالواو وحدها و قيل لا حاجة إلى تكلف الحالية بل مع العطف أيضا يستقيم هذا المعنى فكأنه قال كما يولج نهار النصف الأول من السنة في لياليها و ليالي النصف الثاني في نهارها يولج أيضا ليالي النصف الأول في نهارها و نهار النصف الثاني في لياليها و ذلك في الأفق المقابل لأنه يصير ثمة قوس الليل قوس النهار و بالعكس فالليل الذي يلج عندنا في النهار هو بعينه نهار ثمة يلج في الليل و هذا الاعتبار أغرب و أبعد مما اعتبر أولا و هو أن البقاع الجنوبية أمرها   على العكس باعتبار النصفين مطلقا من غير اعتبار كل يوم و ليل بعينه انتهى. و أقول هذا المعنى إلى الحالية أحوج من الأول و إن كان يستقيم المعنيان بدونهما الثاني ما قيل إن الجملة الأولى تدل على أن كلا منهما مولج في صاحبه و الثانية على أن كلا منهما مولج فيه صاحبه و هذا معنى آخر غير الأول و هو و إن كان لازما للأول إلا أن التصريح بما علم ضمنا للاهتمام و المبالغة أمر شائع ذائع خصوصا فيما كان أمرا عظيما فيه قوام العالم و نظامه فإن الليل و النهار من ضروريات مصالح هذا العالم و آيتان دالتان على وحدة الله سبحانه و كمال قدرته و لهذا كرر الله هذا المعنى في كتابه العزيز بلفظ الإيلاج و غيره الثالث أن يكون التكرار للإشعار بتكرر هذا الأمر و استمراره كما يقال لهذا المعنى يفعل فلان و يفعل و يعطي و يعطي و هذا وجه وجيه الرابع ما قيل إن دلالة إيلاج كل منهما في صاحبه على إيلاج صاحبه فيه من الخارج لا من اللفظ فإنا إذا علمنا في الخارج أن ليس لليل صاحب إلا النهار و لا للنهار صاحب إلا الليل علمنا من قوله يولج كل واحد منهما في صاحبه إيلاج الصاحب أيضا فيه و أما بالنسبة إلى اللفظ فلا دلالة له أصلا فإنا إذا قلنا يولج الليل في صاحبه و يولج النهار في صاحبه و لم يعلم من الخارج أن صاحبهما ما ذا فلا يعلم إيلاج صاحبه فيه البتة و نحتاج إلى ذكره و ترك العطف للاستئناف أو الحالية المقدرة و العدول إلى المضارع للدلالة على الاستمرار التجددي. بتقدير منه للعباد الباء للسببية أو الملابسة و الأول أظهر و التنكير للتفخيم فيما يغذوهم به الظرف متعلق بتقدير أي جعل الله الخلق و التمييز و الإيلاج لتقدير عظيم في الشي‏ء الذي يغذوهم به كما مر أن تعاقب الليل و النهار و اختلاف الفصول مما له مدخل عظيم في حصول الأغذية للعباد و ينشئهم عليه عطف على يغذوهم أي له مدخل في نشوئهم و نموهم كما مر ذكره فخلق لهم الليل الفاء للترتيب الذكري و هو عطف المفصل على المجمل ليسكنوا فيه من حركات التعب و نهضات النصب الإضافتان من إضافة السبب إلى المسبب أي

    من فوائد الليل أن يسكنوا أي يستقروا و يستريحوا من الحركات الواقعة في النهار لتحصيل المعاش و غيره الموجبة للتعب و النهضات بالتحريك جمع نهضة بسكون الهاء و هي المرة من نهض ينهض نهضا و نهوضا أي قام أي القيامات للأمور الشاقة و الترددات البدنية و الأشغال القلبية الواقعة في النهار التي هي سبب النصب بالتحريك أي الإعياء و العجز و يروى بهظات بالباء الموحدة و الظاء المعجمة من بهظه الأمر أو الحمل كمنع أي غلبه و ثقل عليه و لعلهما إشارتان إلى قوله تعالى وَ جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً. و جعله لباسا ليلبسوا من راحته و منامه إشارة إلى قوله تعالى وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً و قد مر تفسيره و قال الزمخشري أي يستركم عن العيون إذا أردتم هربا من عدو أو بياتا له أو إخفاء ما لا تحبون الاطلاع عليه من كثير من الأمور و يفهم منه معنى آخر و هو أنه تعالى لما جعل الليل سببا لأن يلبس العباد لباس الراحة و النوم فكأنه لباس و شبه الراحة و المنام و هو مصدر ميمي بمعنى النوم باللباس من حيث إن كل واحد منهما يغشاهم و يشتمل عليهم كاللباس كما قال تعالى فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَ الْخَوْفِ و إضافة الراحة و المنام إلى ضمير الليل للاختصاص بمعنى اللام أي الراحة و المنام المختصين بالليل و يظهر من كلام ابن الحاجب أنه بمعنى في و أنكره أكثر المحققين و الظاهر أن من في قوله من راحته للتبعيض لبيان أنه لم يخلق الليل ليصرفوا جميعه في الاستراحة و المنام بل ليستريحوا في بعضه و يعبدوه في بعضه و قيل من للابتداء لأن اللبس يبتدأ من جهة الراحة كما قال تعالى يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ بأن يكون من راحته صفة لموصوف محذوف يدل عليه يلبسوا أي ليلبسوا ثوبا من راحته   أي الثوب الذي هو راحته و لا يخفى أن ما ذكرنا أظهر فيكون عطف على يلبسوا و التفريع بالفاء لبيان أن لبس الراحة و المنام سبب للجمام و القوة و الجمام بالفتح الراحة بعد التعب يقال جم الفرس جماما أي ذهب إعياؤه. و لينالوا به أي يصيبوا بلبس لباس الراحة لذة و هي إدراك الملائم من حيث إنه ملائم و شهوة و هي مصدر شهيه كرضي أي أحبه و رغب فيه كاشتهاه و تشهاه و الحاصل ليصيبوا بسبب ذلك ما يلتذون به و يشتهونه أو المراد بهما الحاصل بالمصدر و لا يبعد أن يكون المراد لذة النوم و شهوة الجماع و يحتمل التعميم فيهما و خلق لهم النهار عطف على خلق لهم الليل مبصرا إسناد للفعل إلى الظرف ليبتغوا أي ليطلبوا فيه شيئا من فضل الله و المراد به نعم الله مطلقا لا الرزق فقط و إن فسر به قوله تعالى وَ ابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ لأن طلب الرزق مذكور بعد ذلك في قوله ع و ليتسببوا إلى رزقه فذكره بعده من باب ذكر الخاص بعد العام للاهتمام بشأنه أي ليتوصلوا و يطلبوا سببا من الأسباب المعهودة المشروعة إلى تحصيل رزقه أو ليصيروا سببا و واسطة في تحصيله كما قال في مقام آخر تسببت بلطفك الأسباب. و يسرحوا في أرضه يقال سرحت الدابة كمنع سروحا سامت و سرحتها سرحا أسمتها و رعيتها يتعدى و لا يتعدى و المراد هنا الأول. شبه ع سيرهم في الأرض سفرا و حضرا بلا عائق كيف شاءوا آكلين ما اشتهوا و شاربين ما شاءوا بسير الدابة في الأرض و سومها طلبا مفعول له لقوله يسرحوا و ما قبله من الفعلين و ما قيل من أنه متعلق بخلق الليل و خلق النهار أي طلب الله تعالى من خلقهما فوائد لعباده فلا يخفى بعده لما فيه نيل العاجل أي وصولهم إلى النفع العاجل أي الحاضر من دنياهم بيان للعاجل و في بعض النسخ في دنياهم فهو متعلق بالنيل و الدرك اللحوق و الوصول و الآجل خلاف العاجل في أخراهم متعلق بالدرك أو صفة للآجل أي النفع الآجل الكائن في أخراهم و

    الأخرى تأنيث الآخر أي الدار الأخرى غير الدنيا أو الأخيرة بكل ذلك متعلق بيصلح و هو حال أي يصلح الله بكل من الليل و النهار و سائر الأمور المذكورة شأنهم هو بالهمز و قد يخفف الأمر و الحال أي أمورهم بحسب العاجل و الآجل و يبلو أخبارهم قال الزمخشري في قوله تعالى وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَ الصَّابِرِينَ وَ نَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ أي ما يحكى عنكم و ما يخبر به من أعمالكم لنعلم حسنها من قبيحها لأن الخبر على حسب المخبر عنه إن حسنا فحسن و إن قبيحا فقبيح انتهى و معنى يبلو يختبر أي يعاملهم معاملة المختبر. و ينظر كيف هم في أوقات طاعته أي كيف يصنعون في الأوقات التي وقتها لطاعتهم هل يطيعون أو يعصون و منازل فروضه أي أوقات فروض الله تعالى التي فرضها على العباد فالمراد المنازل التي ينزل فيها الفروض أو منازل المكلف و هي منسوبة إلى الفروض لحصول الفرض عندها أو هو من إضافة المشبه به إلى المشبه كلجين الماء تشبيها للفروض بالمنازل التي ينزلها المسافر حيث إن المسافر في سفره ينتظر المنزل قبل وصوله إليه و يتشوق له و إذا وصل إليه يفرح به و يفعل فيه ما ينبغي أن يفعل و يأنس به فينبغي للمكلف أن يكون بالنسبة إلى ما فرض الله عليه كذلك و على التقادير من قبيل ذكر الخاص بعد العام للاهتمام إذ الطاعة أعم من الفرض بمعانيه و يحتمل أن يراد بأوقات الطاعة العبادات الموقتة و بمنازل الفروض غير الموقتة أو بالعكس و الأحكام أعم منهما لشمولها للخمسة و إن كان شمولها للمباح لا يخلو من تكلف بأن يقال ينظر كيف هم فيه هل يعتقدونه مباحا أم يبتدعون تحريمه أو غير ذلك مع أنه يمكن جعل المباحات طاعات بالنيات كما سيأتي بيانه في محله و المراد بمواقع الأحكام الأمور التي تتعلق بها و هي أفعال المكلفين أو الأزمنة و الأحوال التي تعرض فيها ليجزي الذين أساءوا متعلق بما قبله من الأفعال الثلاثة أي إنما فعل تلك الأمور لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا أي عملوا السيئة بِما عَمِلُوا أي بعقاب ما عملوا أو بمثل ما عملوا أو بسببه وَ يَجْزِيَ   الَّذِينَ أَحْسَنُوا أي فعلوا الأعمال الحسنة بِالْحُسْنَى أي بالمثوبة الحسنى أو بأحسن من أعمالهم و جزائها أو بسبب الفعلة الحسنى فالباء في الموضعين إما للصلة أو للسببية فالظرفان متعلقان بالجزاء و تعلقهما بأساءوا و أحسنوا كما توهم بعيد و أوسط التقادير الثلاثة المتقدمة أظهر لدلالته على جزاء السيئة بالمثل و الحسنة بأضعافها. اللهم أصله يا الله حذف حرف النداء و عوض عنه الميم المشددة فلك الحمد لما حمده سبحانه على خلق مطلق الليل و النهار حمده تعالى على خصوص اليوم الذي هو فيه و النعم التي اشتمل عليها و تقديم الظرف للحصر على ما فلقت أي شققت لنا أي لانتفاعنا من الإصباح و هو في الأصل مصدر أصبح أي دخل في الصباح سمي به الصبح و متعتنا به أي على ما صيرتنا ذوي تمتع و انتفاع بسببه من ضوء النهار الإضافة بتقدير اللام أو بيانية و بصرتنا أي على ما جعلتنا مبصرين له و بصراء به بسبب النهار من مطالب الأقوات بالإضافة البيانية أو اللامية أي المواضع التي يطلب منها القوت و الأعمال التي هي مظنة حصوله و القوت ما يقوم به بدن الإنسان من الطعام و وقيتنا أي و على ما وقيتنا و حفظتنا منه في ذلك الصبح من طوارق الآفات بالإضافة البيانية أو إضافة الصفة إلى الموصوف و الطارق في الأصل من يأتي بالليل لاحتياجه إلى طرق الباب غالبا و يستعمل غالبا في الشرور الواقعة بالليل و قد يعم بما يشمل ما يقع بالنهار أيضا فالمراد هنا آفات البارحة أو مطلقا ثم اعلم أن لفظة ما الظاهرة في الفقرة الأولى و المقدرة فيما بعدها من الجمل الثلاث موصولة و ضمير به المذكور في الجملتين و المقدر في غيرهما عائد إليها و من في المواضع الأربعة لبيان الموصول و يمكن أن تكون ما مصدرية في الجميع أو في سوى الأولى و الضمائر راجعة إلى الإصباح أو فلقة فيكون من في قوله من مطالب بمعنى الباء كما في قوله تعالى يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ ثم الحمد في الفقرة الثانية يشمل العميان أيضا فإنهم

    يتمتعون بضوء النهار لاشتغال البصراء بالمهمات و الحوائج و من جملتها حوائج الأضراء و أما الثالثة فإن كان التبصير فيها من إبصار العين فهو لغيرهم و إن كان من البصيرة فيشملهم و هذا يؤيد حمله على الأخير و أما شرح تتمة الدعاء فموضعه الفرائد الطريفة

38-  الدر المنثور، عن عبد الله بن مغفل قال قال رسول الله ص إن عيسى ابن مريم ع قال يا معشر الحواريين الصلاة جامعة فخرج الحواريون في هيئة العبادة قد تضمرت البطون و غارت العيون و اصفرت الألوان فسار بهم عيسى ع إلى فلاة من الأرض فقام على رأس جرثومة فحمد الله و أثنى عليه ثم أنشأ يتلو عليهم من آيات الله و حكمته فقال يا معشر الحواريين اسمعوا ما أقول لكم إني لأجد في كتاب الله المنزل الذي أنزله الله في الإنجيل أشياء معلومة فاعملوا بها قالوا يا روح الله و ما هي قال خلق الليل لثلاث خصال و خلق النهار لسبع خصال فمن مضى عليه الليل و النهار و هو في غير هذه الخصال خاصمه الليل و النهار يوم القيامة فخصماه خلق الليل لتسكن فيه العروق الفاترة التي أتعبتها في نهارك و تستغفر لذنبك الذي كسبته بالنهار ثم لا تعود فيه و تقنت فيه قنوت الصابرين فثلث تنام و ثلث تقوم و ثلث تضرع إلى ربك فهذا   ما خلق له الليل و خلق النهار لتؤدي فيه الصلاة المفروضة التي عنها تسأل و بها تخاطب و تبر والديك و أن تضرب في الأرض تبتغي المعيشة معيشة يومك و أن تعودوا فيه وليا لله كيما يتغمدكم الله برحمته و أن تشيعوا فيه جنازة كيما تنقلبوا مغفورا لكم و أن تأمروا بمعروف و أن تنهوا عن منكر فهو ذروة الإيمان و قوام الدين و أن تجاهدوا في سبيل الله تزاحموا إبراهيم خليل الرحمن في قبته و من مضى عليه الليل و النهار و هو في غير هذه الخصال خاصمه الليل و النهار يوم القيامة فخصماه عند مليك مقتدر

 بيان قال في النهاية فيه كانت في المسجد جراثيم أي كان فيها أماكن مرتفعة عن الأرض مجتمعة من تراب أو طين

39-  الدر المنثور، عن ابن مسعود في قوله تعالى يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ قال طلوع الشمس و القمر من مغربهما مقترنين كالبعيرين القرينين ثم قرأ وَ جُمِعَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ

40-  و عن حذيفة قال سألت رسول الله ص فقلت يا رسول الله ما آية طلوع الشمس من مغربها فقال تطول تلك الليلة حتى تكون قدر ليلتين فيقوم الذين كانوا يصلون فيها فيعملون كما كانوا يعملون و النجوم مكانها لا تسري ثم يأتون فرشهم فيرقدون حتى تكل جنوبهم ثم يقومون فيصلون حتى يتطاول عليهم الليل فيفزع الناس فبينما هم ينتظرون طلوع الشمس من مشرقها إذا هي طلعت من مغربها فإذا رآها الناس آمنوا و لا ينفعهم إيمانهم

 و روي مثله عن قتادة

    -41  و عن ابن عباس و في روايته آية تلكم الليلة أن تطول كقدر ثلاث ليال

42-  و عن أبي ذر ره قال كنت ردف رسول الله ص على حمار عليه برذعة أو قطيفة و ذاك عند غروب الشمس فقال يا با ذر أ تدري أين تغيب هذه قلت الله و رسوله أعلم قال فإنها تغرب في عين حامئة تنطلق حتى تخر لربها ساجدة تحت العرش فإذا حان خروجها أذن لها فتخرج فتطلع فإذا أراد الله أن يطلعها من حيث تغرب حبسها فتقول يا رب إن مسيري بعيد فيقول لها اطلعي من حيث غربت فذلك حين لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ

43-  و عن عبد الله بن أوفى قال سمعت رسول الله ص يقول ليأتين على الناس ليلة بقدر ثلاث ليال من لياليكم هذه فإذا كان ذلك يعرفها المصلون يقوم أحدكم فيقرأ حزبه ثم ينام ثم يقوم فيقرأ حزبه ثم ينام ثم يقوم فبينما هم كذلك إذ ماج الناس بعضهم في بعض فقالوا ما هذا فيفزعون إلى المساجد فإذا هم بالشمس قد طلعت من مغربها فضج الناس ضجة واحدة حتى إذا صارت   في وسط السماء رجعت و طلعت من مطلعها و حينئذ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها

44-  و عن أنس عن رسول الله ص قال إن الشمس و القمر و النجوم خلقن من نور العرش

45-  و عن السدي في قوله تعالى هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً قال لم يجعل الشمس كهيئة القمر لكي يعرف الليل من النهار و هو قوله فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ الآية

46-  و عن ابن عباس قال وجوههما إلى السماوات و أقفيتهما إلى الأرض

47-  و عن أبي ذر ره قال كنت مع النبي ص في المسجد عند غروب الشمس فقال يا با ذر أ تدري أين تغرب الشمس قلت الله و رسوله أعلم فقال إنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن في الرجوع فيؤذن لها فذلك قوله وَ الشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها

48-  و عن ابن عباس أنه كان يقرأ لا مستقر لها

49-  و عن ابن عباس رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَ رَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ قال للشمس مطلع في الشتاء و مغرب في الشتاء و مطلع في الصيف و مغرب في الصيف غير مطلعها   في الشتاء و غير مغربها في الشتاء

50-  و في رواية أخرى عنه قال مشرق الفجر و مشرق الشمس و مغرب الشمس و مغرب الشفق

51-  و عنه أيضا في قوله تعالى فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَ الْمَغارِبِ قال للشمس كل يوم مطلع تطلع فيه و مغرب تغرب فيه غير مطلعها بالأمس و غير مغربها بالأمس

52-  و عن عكرمة قال هي المنازل التي تجري فيها الشمس و القمر

53-  و عن ابن عباس في قوله وَ جَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً قال وجهه يضي‏ء السماوات و ظهره يضي‏ء الأرض

54-  و عن شهر بن حوشب قال اجتمع عبد الله بن عمرو بن العاص و كعب الأحبار و قد كان بينهما بعض العتب فتعاتبا فذهب ذلك فقال عبد الله بن عمرو للكعب سلني عما شئت فلا تسألني عن شي‏ء إلا أخبرتك بتصديق قولي من القرآن فقال له أ رأيت ضوء الشمس و القمر أ هو في السماوات السبع كما هو في الأرض قال نعم أ لم تروا إلى قول الله خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً وَ جَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً

55-  و عن ابن عباس قال وجهه في السماء إلى العرش و قفاه إلى الأرض

56-  و عن عكرمة قال إنه يضي‏ء نور القمر فيهن كلهن كما لو كان سبع   زجاجات أسفل منهن شهاب أضاء كلهن فكذلك نور القمر في السماوات كلهن لصفائهن

57-  و عن ابن عباس في قوله وَ جَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً قال خلق فيهن حين خلقهن ضياء لأهل الأرض و ليس في السماء من ضوئه شي‏ء

58-  و عن عطاء في قوله وَ جُمِعَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ قال يجمعان يوم القيامة ثم يقذفان فيكون نار الله الكبرى

59-  و عن ابن جريح قال كورا يوم القيامة

60-  العلل، و العيون، في خبر الشامي عن الرضا ع أنه سأل رجل من أهل الشام أمير المؤمنين ع عن مسائل فكان فيما سأله أن سأله عن أول ما خلق الله تعالى قال خلق النور و سأله عن طول الشمس و القمر و عرضهما قال تسعمائة فرسخ في تسعمائة فرسخ

 بيان أقول تمامه في كتاب الإحتجاج و قال السيد الداماد ره بعد إيراد الخبر بتمامه إنما هذه السؤالات عن أشياء وجدها السائلون من أهل الكتاب في الكتب السماوية المنزلة على أنبيائهم فامتحنوا بها أمير المؤمنين ع و اختبروا بها علمه بالكتب الإلهية و الصحف السماوية و قوله ع أول ما خلق الله النور المعني به الجوهر المفارق الذي هو أول الأنوار العقلية

 كما قال سيدنا رسول الله ص أول ما خلق الله العقل

و أما قوله ع تسعمائة فرسخ في تسعمائة فرسخ قال المعني به مكعب تسعمائة فرسخ أي سبعمائة ألف ألف فرسخ و تسعة و عشرون ألف ألف فرسخ المجتمع من ضرب تسعمائة فرسخ في تسعمائة فرسخ ثم ضرب تسعمائة فرسخ في مربعها الحاصل من ضربها في نفسها أي في ثمانمائة ألف فرسخ و عشرة   آلاف فرسخ و الذي رامه بطول الشمس و عرضها المتساويين هو مساحة جميع سطحها المستدير المحيط بجرمها و كذلك ما يرام بطول القمر و عرضه و ليعلم أن ما نالته الحكماء التعليميون ببراهينهم و أرصادهم و حصلته العلماء الرياضيون بحسبهم و حسباناتهم في مقادير الأبعاد و الأجرام قد اختلف مذاهبهم فيه اختلافا كثيرا و ذلك إما لاختلالات في الآلات الرصدية أو لخلل و زلل في نصبها في مناصبها اللائقة و إما لمسامحات قل ما تخلو عنها حسابات الحاسبين و مساهلات قل ما تعرو عنها أرصاد الراصدين فلذلك كله ما قد اختلف أحكام الأرصاد و عز ما يتفق رصدان متفقان و بالجملة فإذ قد أقرت الجماهير أن بحث الأوائل أوفى فاعلمن أن بطلميوس و من في طبقته من الأوائل وجدوا بأرصادهم حصة درجة واحدة من الدائرة العظمى تقع على سطح الأرض اثنين و عشرين فرسخا و تسع فرسخ فحكموا أن ثلاثمائة و ستين درجة و هي محيط الدائرة العظمى الأرضية ثمانية آلاف فرسخ و قد بين أرشميدس في مقالته في مساحة الدائرة أن محيط كل دائرة كمجموع ثلاثة أمثال قطرها و سبع قطرها على التقريب فيكون مقدار قطر الأرض ألفين و خمسمائة فرسخ و خمسة و أربعين فرسخا و نصف فرسخ تقريبا و قد بين فيها أيضا أن مسطح نصف القطر في نصف المحيط مساو لتكسير الدائرة فتستبين بقوة الخامس و العشرين من أولي كتاب الكرة و الأسطوانة لأرشميدس أن السطح الذي يحيط به قطر الكرة في المحيط أعظم دائرة تقع فيها مساو للسطح المحيط بالكرة فإذا ضربت القطر في محيط الدائرة العظمى حصل تكسير سطح الأرض و هو عشرون ألف ألف فرسخ و ثلاثمائة و ثلاثة و ستون ألف فرسخ و ستمائة و ستة و ثلاثون فرسخا و أربعة أجزاء من أحد عشر جزءا من فرسخ و وجدوا قطر الأرض مثل قطر جرم القمر ثلاث مرات و خمسي مرة فيكون مقدار جرم قطر القمر سبعمائة فرسخ و سبعة و أربعين فرسخا بالتقريب فمحيط دائرة عظمى قمرية ألفان و ثلاثمائة فرسخ و أحد و أربعون فرسخا و نصف فرسخ على التقريب فمساحة جميع سطح القمر ألف ألف فرسخ و سبعمائة ألف فرسخ و ثلاثة و أربعون ألف فرسخ و ثمانمائة فرسخ و خمسة و أربعون فرسخا و وجدوا قطر

    جرم الشمس خمسة أمثال و نصف مثل لقطر الأرض إذا كانوا وجدوا قطر الشمس بنسبته إلى قطر الأرض كمجموع ثمانية عشر جزءا و أربعة أخماس جزء بالنسبة إلى مجموع ثلاثة أجزاء و خمسي جزء و خرج لهم من بعد القسمة خمسة و نصف فمقدار قطر الشمس أربعة عشر ألف فرسخ إلا فرسخين و نصف فرسخ فمحيط دائرة عظمى على جرم الشمس أربعة و أربعون ألف فرسخ تقريبا قريبا من التحقيق على ذلك التقدير فمساحة سطح جرم الشمس بناء على ذلك ستمائة ألف ألف فرسخ و ستة عشر ألف ألف فرسخ و مجموع مساحة سطح الشمس و القمر جميعا ستمائة ألف ألف فرسخ و سبعة عشر ألف ألف فرسخ و سبعمائة ألف فرسخ و ثلاثة و أربعون ألف فرسخ و ثمانمائة فرسخ و خمسة و أربعون فرسخا و استخرجوا بحسبهم على ما قد استحصلته أرصادهم أن من الأرض إلى بعد الشمس الأوسط ألف ألف فرسخ و سبعة و ثلاثين ألف فرسخ و ثلاثمائة فرسخ و أحدا و ثمانين فرسخا بالتقريب و أن الشمس مائة و ستة و ستون مثلا و ربع و ثمن مثل للأرض و ستة آلاف و ستمائة و أربعة و أربعون مثلا للقمر و أن الأرض تسعة و ثلاثون مثلا و ربع مثل للقمر و قال قطب فلك التحصيل و التحقيق من العلماء المشهورية الجمهورية في طبيعيات كتاب درة التاج أن الحكيم الفاضل مؤيد الدين العرضي حقق الأمر تحقيقا لم يسبقه إليه أحد و لم يلحقه أحد و فيما نقل عنه أن جرم الشمس مائة و سبعة و ستون مثلا لجرم الأرض و جرم الأرض أربعون مثلا لجرم القمر ثم إن هؤلاء الراصدين الحاسبين جعلوا البعد الأبعد لكل كوكب البعد الأقرب للكوكب الذي فوقه و كان من الواجب أن يجعل بعد محدب كل فلك بعد مقعر الفلك الذي فوقه لكنهم لم يعتبروا أنصاف أقطار الكواكب و ثخن جوزهر القمر و ما يبقى من متمم عطارد بين أقرب أبعاده و مقعر فلكه إذ لم يكن غرضهم الأصلي إلا الاطلاع على عظم هذه الأجرام الشريفة على الإجمال ليعلم أن قدرة مبدعها جلت عظمته على أقصى غايات الكمال لا استثبات معرفتها للذهن البشري على طباق ما في العين فإن عقول الحكماء و أفهام العقلاء لا تصادف و لا تلقى إلا راجعة عن ذلك بخفي حنين   فلذلك تراهم يتساهلون كثيرا في الحساب مع أن إهمال ثانية واحدة يفضي إلى التبعيد بمراحل عن الصواب و لقد أورد عليهم أن المسافة على ما في المجسطي و ما في مرتبته بين محدب الفلك المائل للقمر و مقعر فلك الشمس ليست تسع ثخني فلك الزهرة و عطارد فضلا من أن يسعهما ما بين محدب جوزهر القمر و مقعر فلك الشمس و الحق أن ذلك إنما نشأ من المساهلة في الحساب بإهمال الكسور و ما يسير مسيره و يجري مجراه فالراصد الفاضل الحاسب المهندس الكاشاني قد تشمر محل الإشكال في رسالة سلم السماء باستئناف الحساب على سبيل الاستقصاء من غير إهمال الثواني بل الثوالث و أورد قطر جرم القمر على أنه سبعمائة و أحد و ثلاثون فرسخا و الصواب فيه ما أثبتناه و قطر الشمس سبعة عشر ألف و خمسمائة و ثمانية و ثلاثين فرسخا على أنه سبعة أمثال قطر الأرض إلا عشر مثل تقريبا و الذي يوجبه الاستقصاء أنه مثل قطر الأرض ست مرات و خمسة أسداس مرة و نصف عشر مرة و جرم القمر على أنه كجزء من اثنين و أربعين جزءا و سدس جزء من الأرض و الأحق فيه استبدال خمس مكان سدس و جرم الشمس على أنها ثلاثمائة و ستة و عشرون مثلا للأرض و الأحق في ذلك و خمس مثل أيضا تقريبا و إذا علم ذلك فليعلم أن ما قاله أمير المؤمنين ع في جواب سؤال الشامي إنما هو على مطابقة الشائع المعتبر الذي اعتبرته الأوائل من الحكماء اليونانيين ثم استمر شيوعا و استقر اعتبارا في العصور و الدهور إلى هذه السنين الأخيرة لكنه لم يتساهل في الحساب و لم يهمل اعتبار الكسور فلعله ع اعتبر قطر الأرض أكثر مما هو المشهور بشي‏ء يسير أو أنه ع اعتبر قطر الشمس ستة أمثال قطر الأرض كثمانية عشر بالنسبة إلى خمسة و هم قد اعتبروه بالنسبة إليه كثمانية عشر جزءا و أربعة أخماس جزء بالنسبة إلى ثلاثة أجزاء و خمسين جزءا و بالجملة على ما قاله ع يجب أن يؤخذ قطر الشمس على أنه خمسة عشر ألفا و مائتا فرسخ تقريبا و محيط دائرة عظمى شمسية على أنه سبعة و أربعون ألفا و سبعمائة فرسخ و أحد و سبعون فرسخا و نصف

    فرسخ تقريبا ليس هو على البعد من التحقيق فإذن يكون مجموع مضروب قطرها في محيط عظماها و هو مساحة جميع سطحها ما آتيناك في مساحة جميع سطح القمر مساويا لمكعب تسعمائة فرسخ على التقريب القريب من التحقيق جدا و الله سبحانه أعلم بأسرار كلام عبده و وليه و أخي رسوله و وصيه و باب علمه و عيبة حكمته و لو رام رائم أن يتعرف سبيل الجواب على الاستقصاء الذي تولاه الراصد الحاسب الكاشي على سبيل التقريب قيل له ألف في تسعمائة ثم في حاصل الضرب. و أقول ذهب بخفي حنين مثل سائر في خيبة الإنسان عما يرجوه و قال الجوهري قال ابن السكيت عن أبي اليقظان كان حنين رجلا شديدا ادعى على أسد بن هاشم بن عبد مناف فأتى عبد المطلب و عليه خفان أحمران فقال يا عم أنا ابن أسد بن هاشم فقال عبد المطلب لا و ثياب هاشم ما أعرف شمائل هاشم فيك فارجع فقالوا ذهب حنين بخفيه فصار مثلا و قال غيره هو اسم إسكاف من أهل الحيرة ساومه أعرابي بخفين فلم يشتره فغاظه ذلك و علق أحد الخفين في طريقه فتقدم فطرح الآخر و كمن له و جاء الأعرابي فرأى أحد الخفين فقال ما أشبه هذا بخف حنين لو كان معه آخر لاشتريته فتقدم فرأى الخف الثاني مطروحا في الطريق فنزل و عقل بعيره و رجع إلى الأول فذهب الإسكاف براحلته و جاء إلى الحي بخفي حنين