باب 11- علم النجوم و العمل به و حال المنجمين

الآيات الصافات فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ تفسير استشكل السيد المرتضى ره في كتاب تنزيه الأنبياء في هذه الآية بوجهين أحدهما أنه حكي عن نبيه النظر في النجوم و عندكم أن الذي يفعله المنجمون في ذلك ضلال و الآخر قوله إِنِّي سَقِيمٌ و ذلك كذب ثم أجاب بوجوه. الأول أن إبراهيم ع كانت به علة تأتيه في أوقات مخصوصة فلما دعوه إلى الخروج معهم نظر إلى النجوم ليعرف منها قرب نوبة علته فقال إني سقيم و أراد أنه حضر وقت العلة و زمان نوبتها و شارفت الدخول فيها و قد تسمي العرب المشارف للشي‏ء باسم الداخل فيه كما قال تعالى إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ. فإن قيل لو أراد ما ذكرتموه لقال فنظر إلى النجوم لأن لفظة في لا تستعمل إلا فيمن ينظر كما ينظر المنجم. قلنا حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض قال سبحانه وَ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ و إنما أراد على جذوعها. الثاني أنه يجوز أن يكون الله أعلمه بالوحي أنه سيمتحنه بالمرض في وقت مستقبل و إن لم يكن قد جرت بذلك المرض عادته و جعل تعالى العلامة على ذلك   ظاهرا له من قبل النجوم إما لطلوع نجم على وجه مخصوص أو اقترانه بآخر فلما نظر إبراهيم ع في الأمارة التي نصبت له من النجوم قال إني سقيم تصديقا لما أخبره الله تعالى. الثالث ما قاله قوم في ذلك إن من كان آخر أمره الموت فهو سقيم و هذا لأن تشبيه الحياة المفضية إلى الموت بالسقم من أحسن التشبيه. الرابع أن يكون قوله إِنِّي سَقِيمٌ معناه أني سقيم القلب أو الرأي خوفا من إصرار قومه على عبادة الأصنام و هي لا تسمع و لا تبصر و يكون قوله فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ على هذا معناه أنه نظر و فكر في أنها محدثة مدبرة مصرفة و عجب كيف يذهب على العقلاء ذلك من حالها حين يعبدونها و يجوز أيضا أن يكون قوله فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ معناه أنه شخص ببصره إلى السماء كما يفعل المفكر المتأمل فإنه ربما أطرق إلى الأرض و ربما نظر إلى السماء استعانة على فكره و قد قيل إن النجوم هاهنا نجوم النبت لأنه يقال لكل ما خرج من الأرض و غيرها و طلع أنه ناجم و نجم و يقال للجميع نجوم و يقولون نجم قرن الظبي و نجم ثدي المرأة و على هذا الوجه يكون إنما نظر في حال الفكر و الإطراق إلى الأرض فرأى ما نجم منها و قيل أيضا إنه أراد بالنجوم ما نجم له من رأيه و ظهر له بعد أن لم يكن ظاهرا و هذا و إن كان يحتمله الكلام فالظاهر بخلافه لأن الإطلاق في قول القائل نجوم لا يفهم من ظاهره إلا نجوم السماء دون نجوم الأرض و نجوم الرأي و قال أبو مسلم الأصفهاني إن معنى قوله فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ أراد في القمر و الشمس لما ظن أنهما آلهة في حال مهلة النظر على ما قصه الله تعالى من قصته في سورة الأنعام و لما استدل بأفولها و غروبها على أنها محدثة غير قديمة و لا آلهة و أراد بقوله إِنِّي سَقِيمٌ أني لست على يقين من الأمر و لا شفاء من العلم و قد يسمى الشك بأنه سقم كما يسمى العلم بأنه شفاء ثم اعترض عليه بأنه مخالف لسياق الآيات انتهى ملخص كلامه. و أقول يمكن أن يقال إن حرمة النظر في النجوم على الأنبياء و الأئمة   العالمين بها حق العلم غير مسلم و إنما يحرم على غيرهم لعدم إحاطتهم بذلك و نقص علمهم كما ستعرف عند شرح الأخبار

1-  الإحتجاج، عن أبان بن تغلب قال كنت عند أبي عبد الله ع إذ دخل عليه رجل من أهل اليمن فسلم عليه فرد أبو عبد الله عليه السلام فقال له مرحبا يا سعد فقال له الرجل بهذا الاسم سمتني أمي و ما أقل من يعرفني به فقال له أبو عبد الله ع صدقت يا سعد المولى فقال الرجل جعلت فداك بهذا كنت ألقب فقال أبو عبد الله ع لا خير في اللقب إن الله تبارك و تعالى يقول في كتابه وَ لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ ما صناعتك يا سعد فقال جعلت فداك إنا من أهل بيت ننظر في النجوم لا يقال إن باليمن أحدا أعلم بالنجوم منا فقال أبو عبد الله ع فكم ضوء المشتري على ضوء القمر درجة فقال اليماني لا أدري فقال أبو عبد الله ع صدقت فكم ضوء المشتري على ضوء عطارد درجة فقال اليماني لا أدري فقال أبو عبد الله ع صدقت فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت الإبل فقال اليماني لا أدري فقال أبو عبد الله ع صدقت فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت البقر فقال اليماني لا أدري فقال له أبو عبد الله ع صدقت فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت الكلاب فقال اليماني لا أدري فقال أبو عبد الله ع صدقت في قولك لا أدري فما زحل عندكم في النجوم فقال اليماني نجم نحس فقال أبو عبد الله ع لا تقل هذا فإنه نجم أمير المؤمنين ع و هو نجم الأوصياء ع و هو النجم الثاقب الذي قال الله في كتابه فقال اليماني فما معنى الثاقب فقال إن مطلعه في   السماء السابعة فإنه ثقب بضوئه حتى أضاء في السماء الدنيا فمن ثم سماه الله النجم الثاقب ثم قال يا أخا العرب عندكم عالم قال اليماني نعم جعلت فداك إن باليمن قوما ليسوا كأحد من الناس في علمهم فقال أبو عبد الله ع و ما يبلغ من علم عالمهم قال اليماني إن عالمهم ليزجر الطير و يقفو الأثر في ساعة واحدة مسيرة شهر للراكب المحث المجد فقال أبو عبد الله ع فإن عالم المدينة أعلم من عالم اليمن قال اليماني و ما يبلغ من علم عالم المدينة قال ع إن علم عالم المدينة ينتهي إلى أن لا يقفو الأثر و لا يزجر الطير و يعلم ما في اللحظة الواحدة مسيرة الشمس تقطع اثني عشر برجا و اثني عشر برا و اثني عشر بحرا و اثني عشر عالما فقال له اليماني ما ظننت أن أحدا يعلم هذا و ما يدري ما كنهه قال ثم قام اليماني

 إيضاح لا خير في اللقب أي في الألقاب الردية و ذكره ع كان لبيان الإعجاز أو المنهي عنه التنابز بها أولا فأما بعد الاشتهار فلا بأس للتعريف و غيره هاجت الإبل أي للسفاد قال الجوهري الهائج الفحل الذي يشتهي الضراب انتهى و زجر الطير الحكم بصياحها و طيرانها على الحوادث تفؤلا و تشؤما قال الجزري الزجر للطير هو التيمن و التشؤم بها و التفؤل بطيرانها كالسانح و البارح و هو نوع من الكهانة و العيافة انتهى و المراد بقفو الأثر إما ما كان شائعا عند العرب من الاستدلال برؤية أثر القدم على تعيين الذاهب و أنه إلى أين ذهب كما فعلوا ليلة الغار أو الاستدلال بالعلامات و الآثار و الأوضاع الفلكية على الحوادث و قوله في ساعة واحدة مسيرة شهر أي يحكم في ساعة واحدة بتلك الأمور على حدوث الحوادث في مسافة و ناحية تكون مسيرة   شهر قوله ع إلى أن لا يقفو الأثر أي لا يحتاج في علمه بالحوادث إلى تلك الأمور بل يعلم في لحظة واحدة بما أعطاه الله من العلم ما يقع فيما تطلع عليه الشمس و تقطعه و هي مقدار اثني عشر برجا في السماء في يوم أو أصل البروج في سنة و اثني عشر نوعا من أنواع البراري و بحرا من أنواع البحور و اثني عشر عالما من أصناف الخلق كما مر و منها جابلقا و جابرسا فلفظة ما زائدة و يحتمل أن يكون المراد يعلم ما يحدث في اللحظة الواحدة في جميع تلك العوالم و يحتمل أن يكون يقطع بالياء أي يقطع العالم تلك العوالم بعلمه أو بطي الأرض كما سيأتي

2-  الإحتجاج، عن سعيد بن جبير قال استقبل أمير المؤمنين ع دهقان من دهاقين الفرس فقال له بعد التهنئة يا أمير المؤمنين تناحست النجوم الطالعات و تناحست السعود بالنحوس و إذا كان مثل هذا اليوم وجب على الحكيم الاختفاء و يومك هذا يوم صعب قد انقلب فيه كوكبان و انقدح من برجك النيران و ليس الحرب لك بمكان فقال أمير المؤمنين ع ويحك يا دهقان المنبئ بالآثار المحذر من الأقدار ما قصة صاحب الميزان و قصة صاحب السرطان و كم المطالع من الأسد و الساعات من المحركات و كم بين السراري و الدراري قال سأنظر و أومأ بيده إلى كمه و أخرج منه أسطرلابا ينظر فيه فتبسم ع فقال أ تدري ما حدث البارحة وقع بيت بالصين و انفرج برج ماجين و سقط سور سرانديب و انهزم بطريق الروم بأرمنية و فقد ديان اليهود بأيلة و هاج النمل بوادي النمل و هلك ملك إفريقية أ كنت عالما بهذا قال لا يا أمير المؤمنين فقال البارحة سعد سبعون ألف عالم و ولد في كل عالم سبعون ألفا و الليلة يموت مثلهم و هذا منهم و أومأ بيده إلى سعد بن مسعدة الحارثي و كان جاسوسا للخوارج في عسكر أمير المؤمنين ع فظن الملعون أنه يقول خذوه فأخذ بنفسه فمات فخر الدهقان ساجدا فقال أمير المؤمنين ع أ لم أروك من عين التوفيق قال بلى يا أمير المؤمنين   فقال أنا و صاحبي لا شرقي و لا غربي نحن ناشئة القطب و أعلام الفلك أما قولك انقدح من برجك النيران فكان الواجب أن تحكم به لي لا علي أما نوره و ضياؤه فعندي و أما حريقه و لهبه فذهب عني فهذه مسألة عميقة احسبها إن كنت حاسبا

 بيان ما قصة صاحب الميزان أي الكواكب التي الآن في برج الميزان أو الكواكب المتعلقة بتلك البرج المناسبة لها و كذا صاحب السرطان و كم المطالع من الأسد أي كم طلع من ذلك البرج الآن و الساعات أي كم مضى من الساعات من طلوع سائر المتحركات و لعل المراد بالسراري الكواكب الخفية تشبيها لها بالسرية و الدراري الكواكب الكبيرة المضيئة أو اصطلاحان في الكواكب لا يعرفهما المنجمون و الغرض أنه لو كان هذا العلم حقا فإنما يمكن الحكم به بعد الإحاطة بجميع أوضاع الكواكب و أحوالها و خواصها في كل آن و زمان و المنجمون لم يرصدوا من الكواكب إلا أقلها و مناط أحكامهم أوضاع السيارات فقط مع عدم إحاطتهم بأحوال تلك أيضا ثم نبهه ع على عدم إحاطته بذلك العلم أو عدم كفايته للعلم بالحوادث بجهله بكثير من الأمور الحادثة و في القاموس البطريق ككبريت القائد من قواد الروم تحت يده عشرة آلاف رجل انتهى و ديان اليهود عالمهم و في بعض النسخ بالنون جمع دن و هو الحب العظيم و صاحبي أي النبي ص لا شرقي و لا غربي إيماء إلى قوله سبحانه لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ و الغرض لسنا كسائر الناس   حتى تحكم علينا بأحكامهم كالنجوم المنسوبة إلى العرب أو إلى الملوك أو إلى العلماء و الأشراف فإنا فوق ذلك كله نحن ناشئة القطب أي الفرقة الناشئة المنسوبة إلى القطب أي حقيقة لثباتهم و استقرارهم في درجات العز و الكمال أو كناية عن أنهم ع غير منسوبين إلى الفلك و الكواكب بل هي منسوبة إليهم و سعادتها بسببهم و أنهم قطب الفلك إذ الفلك يدور ببركتهم و هم أعلام الفلك بهم يتزين و يتبرك و يسعد ثم ألزم ع عليه في قوله انقدح من برجك النيران بأن للنار جهتين جهة نور و جهة إحراق فنورها لنا و إحراقها على عدونا و يحتمل أن يكون المراد به أن الله يدفع ضررها عنا بتوسلنا به تعالى و توكلنا عليه فهذه مسألة عميقة أي كوننا ممتازين عن سائر الخلق في الأحكام أو كون النيران خيرا لنا و شرا لعدونا أو أن التوسل و الدعاء يدفع النحوس و البلاء مسألة عميقة خارجة عن قانون نجومك و حسابك و يبطل جميع ما تظن من ذلك

3-  الإحتجاج، عن هشام بن الحكم قال سأل الزنديق أبا عبد الله ع فقال ما تقول فيمن زعم أن هذا التدبير الذي يظهر في هذا العالم تدبير النجوم السبعة قال ع يحتاجون إلى دليل أن هذا العالم الأكبر و العالم الأصغر من تدبير النجوم التي تسبح في الفلك و تدور حيث دارت متعبة لا تفتر و سائرة لا تقف ثم قال و إن كل نجم منها موكل مدبر فهي بمنزلة العبيد المأمورين المنهيين فلو كانت قديمة أزلية لم تتغير من حال إلى حال قال فما تقول في علم النجوم قال هو علم قلت منافعه و كثرت مضراته لأنه لا يدفع به المقدور و لا يتقى به المحذور إن أخبر المنجم بالبلاء لم ينجه التحرز من القضاء و إن أخبر هو بخير لم يستطع تعجيله و إن حدث به سوء لم يمكنه صرفه و المنجم يضاد الله في علمه بزعمه أنه يرد قضاء الله عن خلقه الخبر

4-  مجالس الصدوق، عن محمد بن علي ماجيلويه عن محمد بن أبي القاسم   عن محمد بن علي القرشي عن نصر بن مزاحم عن عمر بن سعد عن يوسف بن يزيد عن عبد الله بن عوف بن الأحمر قال لما أراد الله أمير المؤمنين ع المسير إلى النهروان أتاه منجم فقال له يا أمير المؤمنين لا تسر في هذه الساعة و سر في ثلاث ساعات يمضين من النهار فقال أمير المؤمنين ع و لم ذاك قال لأنك إن سرت في هذه الساعة أصابك و أصاب أصحابك أذى و ضر شديد و إن سرت في الساعة التي أمرتك ظفرت و ظهرت و أصبت كل ما طلبت فقال له أمير المؤمنين ع تدري ما في بطن هذه الدابة أ ذكر أم أنثى قال إن حسبت علمت قال له أمير المؤمنين ع من صدقك على هذا القول فقد كذب بالقرآن قال الله تعالى إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَ يَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ما كان محمد ص يدعي ما ادعيت أ تزعم أنك تهدي إلى الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء و الساعة التي من سار فيها حاق به الضر من صدقك بهذا استغنى بقولك عن الاستعانة بالله عز و جل في ذلك الوجه و أحوج إلى الرغبة إليك في دفع المكروه عنه و ينبغي له أن يوليك الحمد دون ربه عز و جل فمن آمن لك بهذا فقد اتخذك من دون الله ندا و ضدا ثم قال ع اللهم لا طير إلا طيرك و لا ضير إلا ضيرك و لا خير إلا خيرك و لا إله غيرك بل نكذبك و نخالفك و نسير في الساعة التي نهيت عنها

 بيان فقال له روي أن هذا القائل كان عفيف بن قيس أخا الأشعث و كان يتعاطى علم النجوم و يقال ظفر بمطلوبه كفرح أي فاز أ تزعم أي تقول و أكثر ما يستعمل في الباطل و الحديث الذي لا مستند له و حاق به الأمر أي لزمه و نزل به و الضر بالضم سوء الحال من صدقك على هذا القول فقد كذب بالقرآن لادعائه العلم الذي أخبر الله سبحانه أنه مختص به إذ ظاهر قوله تعالى عِنْدَهُ الاختصاص فإن قيل فقد أخبر النبي ص و الأئمة ع بالخمسة المذكورة في الآية في مواطن كثيرة فكيف ذلك قلنا المراد أنه لا يعلمها أحد بغير   تعليمه سبحانه و ما أخبروه من ذلك فإنما كان بالوحي و الإلهام أو التعلم من النبي ص الذي علمه بالوحي لا يقال علم النجوم أيضا من هذا القبيل لما سيأتي من الأخبار الدالة على أن له أصلا و أنه مما علمه الله أنبياءه فكيف يكون تصديق المنجم تكذيبا للقرآن لأنا نقول الذي سيظهر من الأخبار أن نوعا من هذا العلم حق يعلمه الأنبياء و الأوصياء ع و أما أن ما في أيدي الناس من ذلك فلا كما سنبينه. أن يوليك الحمد على بناء الإفعال أو التفعيل أي يقربك من الحمد من الولي بمعنى القرب أو من قولهم ولاه الأمير عمل كذا أي قلده إياه أي يجعلك وليا للحمد و أهلا له أو من قولهم أوليته معروفا أي أنعمت عليه لا طير إلا طيرك الطير من الطيرة و هي التشؤم بالشي‏ء أي لا تأثير للطيرة إلا طيرك أي قضاؤك و قدرك على المشاكلة و يدل على أن ضرر النجوم من جهة الطيرة و الضير الضرر

5-  الخصال، عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن العباس بن معروف عن الحسن بن علي بن فضال عن ظريف بن ناصح عن أبي الحصين قال سمعت أبا عبد الله ع يقول سئل رسول الله ص عن الساعة فقال عند إيمان بالنجوم و تكذيب بالقدر

 بيان يومئ إلى أن الإيمان بالنجوم متضمن للتكذيب بالقدر

6-  الخصال، عن أبيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن الحسن بن أبي الحسين الفارسي عن سليمان بن جعفر البصري عن عبد الله بن الحسين بن   زيد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جعفر بن محمد عن آبائه عن علي ع قال قال رسول الله ص أربعة لا تزال في أمتي إلى يوم القيامة الفخر بالأحساب و الطعن في الأنساب و الاستسقاء بالنجوم و النياحة و إن النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقوم يوم القيامة و عليها سربال من قطران و درع من جرب

 بيان الاستسقاء بالنجوم اعتقاد أن للنجوم تأثيرا في نزول المطر

7-  الخصال، عن إبراهيم بن محمد بن حمزة بن عمارة عن سالم بن سالم و أبي عروبة معا عن أبي الخطاب عن هارون بن مسلم عن القاسم بن عبد الرحمن الأنصاري عن محمد بن علي عن أبيه عن الحسين بن علي ع قال نهى رسول الله ص عن خصال إلى أن قال و عن النظر في النجوم

 و منه عن محمد بن الحسن بن الوليد عن الصفار عن الحسن بن علي الكوفي عن إسحاق بن إبراهيم عن نصر بن قابوس قال سمعت أبا عبد الله ع يقول المنجم ملعون و الكاهن ملعون و الساحر ملعون و المغنية ملعونة و من آواها و أكل كسبها ملعون و قال ع المنجم كالكاهن و الكاهن كالساحر و الساحر كالكافر و الكافر في النار

 قال الصدوق ره المنجم الملعون هو الذي يقول بقدم الفلك و لا يقول بمفلكه و خالقه عز و جل

8-  البصائر، عن محمد بن عبد الله بن أحمد الرازي عن إسماعيل بن موسى   عن أبيه عن جده عن عمه عبد الصمد بن علي قال دخل رجل على علي بن الحسين ع فقال له علي بن الحسين من أنت قال أنا منجم قال فأنت عراف قال فنظر إليه ثم قال هل أدلك على رجل قد مر مذ دخلت علينا في أربعة عشر عالما كل عالم أكبر من الدنيا ثلاث مرات لم يتحرك من مكانه قال من هو قال أنا و إن شئت أنبأتك بما أكلت و ما ادخرت في بيتك

 بيان قال في النهاية فيه من أتى عرافا أو كاهنا أراد بالعراف المنجم أو الحازي الذي يدعي علم الغيب و قد استأثر الله به انتهى و قال الطيبي في شرح المشكاة هو قسم من الكهان يستدل على معرفة المسروق و الضالة بكلام أو فعل أو حالة

9-  البصائر، عن محمد بن الحسين عن علي بن سعدان عن عبد الله بن القاسم عن عمير بن أبان الكلبي عن أبان بن تغلب قال كنت عند أبي عبد الله ع حيث دخل عليه رجل من علماء أهل اليمن فقال أبو عبد الله ع يا يماني أ فيكم علماء قال نعم قال فأي شي‏ء يبلغ من علم علمائكم قال إنه ليسير في ليلة واحدة مسيرة شهرين يزجر الطير و يقفو الآثار فقال له فعالم المدينة أعلم من عالمكم قال فأي شي‏ء يبلغ من علم عالمكم بالمدينة قال إنه يسير في صباح واحد مسيرة سنة كالشمس إذا أمرت إنها اليوم غير مأمورة و لكن إذا أمرت تقطع اثني عشر شمسا و اثني عشر قمرا و اثني عشر مشرقا و اثني   عشر مغربا و اثني عشر برا و اثني عشر بحرا و اثني عشر عالما قال فما بقي في يدي اليماني فما درى ما يقول و كف أبو عبد الله ع

10-  و منه، عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن أبي أيوب عن أبان بن تغلب قال كنت عند أبي عبد الله ع فدخل عليه رجل من أهل اليمن فقال له يا أخا أهل اليمن عندكم علماء قال نعم قال فما بلغ من علم عالمكم قال يسير في ليلة مسيرة شهرين يزجر الطير و يقفو الأثر فقال أبو عبد الله ع عالم المدينة أعلم من عالمكم قال فما بلغ من علم عالم المدينة قال يسير في ساعة من النهار مسيرة الشمس سنة حتى يقطع اثني عشر ألف عالم مثل عالمكم هذا أ ما يعلمون أن الله خلق آدم و لا إبليس قال فيعرفونكم قال نعم ما افترض عليهم إلا ولايتنا و البراءة من عدونا

11-  المحاسن، عن أبيه عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن سفيان بن عمر قال كنت أنظر في النجوم فأعرفها و أعرف الطالع فيدخلني من ذلك فشكوت ذلك إلى أبي عبد الله ع فقال إذا وقع في نفسك شي‏ء فتصدق على أول مسكين ثم امض فإن الله عز و جل يدفع عنك

 بيان فيدخلني من ذلك أي هم أو حالة تمنعني عن التوجه إلى عمل لما أظن من نحوسة الساعة و يدل على أن أثر نحس الكواكب و الأوضاع أو تأثير التطير بها يزول بالصدقة

12-  رسالة الاستخارات، للسيد بن طاوس قال ذكر الشيخ الفاضل محمد بن علي بن محمد في كتاب له في العمل ما هذا لفظه دعاء الاستخارة عن الصادق ع تقوله   بعد فراغك من صلاة الاستخارة تقول اللهم إنك خلقت أقواما يلجئون إلى مطالع النجوم لأوقات حركاتهم و سكونهم و تصرفهم و عقدهم و خلقتني أبرأ إليك من اللجإ إليها و من طلب الاختيارات بها و أتيقن أنك لم تطلع أحدا على غيبك في مواقعها و لم تسهل له السبيل إلى تحصيل أفاعيلها و أنك قادر على نقلها في مداراتها في مسيرها على السعود العامة و الخاصة إلى النحوس و من النحوس الشاملة و المفردة إلى السعود لأنك تمحو ما تشاء و تثبت و عندك أم الكتاب و لأنها خلق من خلقك و صنعة من صنيعك و ما أسعدت من اعتمد على مخلوق مثله و استمد الاختيار لنفسه و هم أولئك و لا أشقيت من اعتمد على الخالق الذي أنت هو لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك و أسألك بما تملكه و تقدر عليه و أنت به ملي‏ء و عنه غني و إليه غير محتاج و به غير مكترث من الخيرة الجامعة للسلامة و العافية و الغنيمة لعبدك إلى آخر الدعاء و قد أوردناه في أبواب الاستخارات

 بيان و عقدهم أي عزمهم أو إيقاعهم العقود و في النهاية الملي‏ء بالهمز الثقة الغني و قد أولع الناس بترك الهمز و تشديد الياء و قال ما أكترث به أي ما أبالي

13-  النجوم، روينا بإسنادنا إلى الشيخ السعيد محمد بن رستم بن جرير الطبري الإمامي عن الحسين بن عبد الله الجرمي و محمد بن هارون التلعكبري عن محمد بن أحمد بن محروم عن أحمد بن القاسم عن يحيى بن عبد الرحمن عن علي بن صالح بن حي الكوفي عن زياد بن المنذر عن قيس بن سعد قال كنت كثيرا أساير أمير المؤمنين ع إذا سار إلى وجه من الوجوه فلما قصد أهل النهروان   و صرنا بالمدائن و كنت يومئذ مسايرا له إذ خرج إليه قوم من أهل المدائن من دهاقينهم معهم براذين قد جاءوا بها هدية إليه فقبلها و كان فيمن تلقاه دهقان من دهاقين المدائن يدعى سرسفيل و كانت الفرس تحكم برأيه فيما مضى و ترجع إلى قوله فيما سلف فلما بصر بأمير المؤمنين ع قال له يا أمير المؤمنين لترجع عما قصدت قال و لم ذاك يا دهقان قال يا أمير المؤمنين تناحست النجوم الطوالع فنحس أصحاب السعود و سعد أصحاب النحوس و لزم الحكيم في مثل هذا اليوم الاستخفاء و الجلوس و إن يومك هذا يوم مميت قد اقترن فيه كوكبان قتالان و شرف فيه بهرام في برج الميزان و اتقدت من برجك النيران و ليس الحرب لك بمكان فتبسم أمير المؤمنين ع ثم قال أيها الدهقان المنبئ بالأخبار و المحذر من الأقدار ما نزل البارحة في آخر الميزان و أي نجم حل في السرطان قال سأنظر ذلك و استخرج من كمه أسطرلابا و تقويما قال له أمير المؤمنين ع أنت مسير الجاريات قال لا قال فأنت تقضي على الثابتات قال لا قال فأخبرني عن طول الأسد و تباعده من المطالع و المراجع و ما الزهرة من التوابع و الجوامع قال لا علم لي بذلك قال فما بين السراري إلى الدراري و ما بين الساعات إلى المعجرات و كم قدر شعاع المبدرات و كم تحصل الفجر في الغدوات قال لا علم لي بذلك قال فهل علمت يا دهقان أن الملك اليوم انتقل من بيت إلى بيت بالصين و انقلب برج ماجين و احترق دور بالزنج و طفح جب سرانديب و تهدم حصن الأندلس و هاج نمل الشيح و انهزم مراق الهندي و فقد ديان اليهود بأيلة و هدم بطريق الروم برومية و عمي راعب عمورية و سقطت شرفات القسطنطنية أ فعالم أنت بهذه الحوادث و ما الذي أحدثها شرقيها أو غربيها من الفلك قال لا علم لي بذلك   قال و بأي الكواكب تقضي في أعلى القطب و بأيها تنحس من تنحس قال لا علم لي بذلك قال فهل علمت أنه سعد اليوم اثنان و سبعون عالما في كل عالم سبعون عالما منهم في البر و منهم في البحر و بعض في الجبال و بعض في الغياض و بعض في العمران و ما الذي أسعدهم قال لا علم لي بذلك قال يا دهقان أظنك حكمت على اقتران المشتري و زحل لما استنارا لك في الغسق و ظهر تلألؤ شعاع المريخ و تشريقه في السحر و قد سار فاتصل جرمه بجرم تربيع القمر و ذلك دليل على استحقاق ألف ألف من البشر كلهم يولدون اليوم و الليلة و يموت مثلهم و أشار بيده إلى جاسوس في عسكره لمعاوية فقال و يموت هذا فإنه منهم فلما قال ذلك ظن الرجل أنه قال خذوه فأخذه شي‏ء بقلبه و تكسرت نفسه في صدره فمات لوقته فقال ع يا دهقان أ لم أرك غير التقدير في غاية التصوير قال بلى يا أمير المؤمنين قال يا دهقان أنا مخبرك أني و صحبي هؤلاء لا شرقيون و لا غربيون إنما نحن ناشئة القطب و ما زعمت أن البارحة انقدح من برجي النيران فقد كان يجب أن تحكم معه لي لأن نوره و ضياءه عندي فلهبه ذاهب عني يا دهقان هذه قضية عيص فاحسبها و ولدها إن كنت عالما بالأكوار و الأدوار   قال لو علمت ذلك لعلمت أنك تحصي عقود القصب في هذه الأجمة و مضى أمير المؤمنين ع فهزم أهل النهروان و قتلهم و عاد بالغنيمة و الظفر فقال الدهقان ليس هذا العلم بما في أيدي أهل زماننا هذا علم مادته من السماء

14-  أقول و روى السيد الخبر أيضا عن الأصبغ بن نباتة قال لما رحل أمير المؤمنين ع من نهر بين أتينا النهروان و قد قطع جسرها و سمرت سفنها فنزل صلى الله على محمد و عليه و قد سرح الجيش إلى جسر بوران و معه رجل من أصحابه و قد شك في قتال الخوارج فإذا برجل يركض فلما رأى أمير المؤمنين ع قال البشرى يا أمير المؤمنين قال له و ما بشراك قال لما بلغ الخوارج نزولك البارحة نهر بين ولوا هاربين قال علي ع أنت رأيتهم حين ولوا قال نعم قال علي ع كلا و الله لا عبروا النهروان و لا تجاوزوا الأنثلات و لا النخيلات حتى يقتلهم الله على يدي عهد معهود و قدر مقدور و لا يقتلون منا عشرة و لا ينجو منهم عشرة إذ أقبل عليه رجل من الفرس يقتدى برأيه في حساب النجوم لمعرفته بالطوالع و المراجع و تقويم القطب في الفلك و معرفته بالحساب و الضرب و الجبر و المقابلة و تاريخ السندآباد و غير ذلك و هو الدهقان فلما بصر بأمير المؤمنين ع نزل عن فرسه و سلم عليه فقال له أيها الأمير لترجعن عما قصدت إليه و كان اسم الدهقان سرسفيل‏سوار و كان دهقانا من دهاقين المدائن فقال له أمير المؤمنين ع و لم يا سرسفيل‏سوار قال تناحست النجوم الطالعات و تباعدت النجوم الناحسات و لزم الحكيم في مثل هذا اليوم الاختفاء و القعود و يومك هذا مميت يقلب فيه رجمان و انكشفت فيه الميزان و اقتدح من برجك النيران و ليس الحرب لك بمكان قال له أمير المؤمنين ع أخبرني يا دهقان عن قصة الميزان و في أي مجرى كان برج السرطان قال سأنظر لك في ذلك ثم ضرب يده إلى كمه فأخرج منها زيجا و أصطرلابا فتبسم أمير المؤمنين   ع ثم قال له يا دهقان أنت مسير الثابتات قال لا قال فأنت تقضي على الحادثات قال لا قال له يا دهقان فما ساعة الأسد من الفلك و ما له من المطالع و المراجع و ما الزهرة من التوابع و الجوامع قال لا علم لي أيها الأمير قال فعلى أي الكواكب تقضي على القطب و ما هي الساعات المتحركات و كم قدر الساعات المدبرات و كم تحصل المقدرات قال لا علم لي بذلك قال له يا دهقان إن صح لك علمك علمت أن البارحة انقلب بيت في الصين و انقلب بيتانسين و احترقت دور الزنج و انحطم منار الهند و طفع جب سرانديب و هلك ملك إفريقية و انقض حصن أندلس و هاج نمل الشيح و فقد ديان اليهود و جذم شطرنج الرومي بأرمنية و عتا عب عمورية و سقطت شرافات القسطنطنية و هاجت سباع البحر واثبة على أهلها و رجعت رجال النوبة المراجيح و التقت الزرق مع الفيلة و طار الوحش إلى العلقين و هاجت الحيتان في الأخضرين و اضطربت الوحوش بالأنقلين أ فأنت عليم بهذه الحوادث و ما أحدثها من الفلك شرقية أو غربية و من أي برج سعد صاحب النحس و أي برج انتحس صاحب السعد قال الدهقان لا علم لي بذلك قال فهل دلك علمك أن اليوم فيه سعد سبعون عالما في كل عالم سبعون ألف عالم منهم في البحر و منهم في البر و منهم في الجبال و منهم في السهل و الغياض و الخراب و العمران فأبن لنا ما الذي من الفلك أسعدهم قال الدهقان لا علم لي بذلك قال له يا دهقان أظنك حكمت على اقتران المشتري بزحل حين لاحا لك في الغسق قد شارفها و اتصل جرمه بجرم القمر و ذلك دليل على استحقاق ألف ألف من البشر كلهم مولدون في يوم واحد و مائة ألف من البشر كلهم يموتون الليلة و غدا و هذا منهم و أومأ بيده إلى سعد

   بن مسعود الحارثي و كان في عسكره جاسوسا للخوارج فظن أن عليا ع يقول خذوا هذا فقبض على فؤاده فمات في وقته فقال علي ع لم أرك عين التوفيق أنا و أصحابي هؤلاء لا شرقيون و لا غربيون إنما نحن ناشئة القطب و أعلام الفلك و أما ما زعمت أن البارحة اقتدح من برجي النيران فقد يجب عليك أن تحكم به لي لأن ضياءه و نوره عندي و لهبه و حريقه ذاهب عني فهذه قضية عميقة فاحسبها إن كنت حاسبا و اعرفها إن كنت عارفا بالأكوار و الأدوار و لو علمت ذلك لعلمت عدد كل قصبة في هذه الأجمة و كانت عن يمينه أجمة قصب فتشهد الدهقان و قال يا مولاي الذي فهم إبراهيم و موسى و عيسى و محمدا ع مفهمهم مفهمكها يا أمير المؤمنين فهو و الله المشار إليه و لا أثر بعد عين مد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله و أنك الإمام و الوصي المفترض الطاعة

 بيان أكثر السؤالات المذكورة في الرواية على تقدير صحتها و ضبطها مبنية على اصطلاحات معرفتها مختصة بهم ع أوردها ع لبيان عجزه و جهله و عدم إحاطة علمه بما لا بد منه في هذا العلم و كم تحصل الفجر في الغدوات يحتمل أن يكون المراد به زمان ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فإن ذلك يختلف في الفصول و طفح جب سرنديب أي امتلأ و ارتفع و منه سكران طافح و الشيح نبت معروف و يحتمل أن يكون المراد هنا الوادي الذي هو منبته و العمورية ماء للنصارى يغمسون فيه أولادهم و ما الذي أحدثها أي بزعمك شرقيها أي الكواكب لم أرك غير التقدير بكسر الغين و فتح الياء أي التغيرات الناشئة من تقديرات الله تعالى و في بعض النسخ عين التقدير أي أصله   هذه قضية عيص بالإضافة أي أصل في القاموس العيص بالكسر الأصل و في بعض النسخ عويصة أي صعبة شديدة و ولدها بصيغة الأمر و تشديد اللام أي استنتج منها و العمورية مشددة الميم بلد بالروم و لعل المراد بالعب الماء العظيم و بعتوه طغيانه و كثرته و المراجيح الحلماء و الزرق كسكر طائر صياد ذكره الفيروزآبادي و في حياة الحيوان طائر يصاد به بين الباز و الباشق و قيل هو الباز الأبيض انتهى و الفيلة بكسر الفاء و فتح الفاء جمع الفيل فهو الله أي مفهمك الله المشار إليه بالدلائل و الآيات و لا أثر بعد عين أي لا أطلب الآثار و الدلائل و الأخبار على حقيتك بعد ما عاينت. أقول و كان في الخبرين فيما عندنا من النسخ تصحيفات كثيرة تركناها كما وجدنا

15-  النجوم، رويت بعدة طرق إلى يونس بن عبد الرحمن في جامعه الصغير بإسناده قال قلت لأبي عبد الله ع جعلت فداك أخبرني عن علم النجوم ما هو فقال هو علم من علم الأنبياء قال فقلت كان علي بن أبي طالب ع يعلمه فقال كان أعلم الناس به

16-  و منه، نقلا من أصل من أصول أصحابنا اسمه كتاب التجمل بإسناده عن جميل عن زرارة عن أبي جعفر ع عمن ذكره قال كان قد علم نبوة نوح ع بالنجوم

 بيان لعل من ذكره من باب الإرسال من أحد الرواة و ضمير قال للإمام ع و علم بصيغة المعلوم و المعنى أنه ع أخبر بأن فلانا قد علم نبوة نوح بالنجوم و يحتمل أن يكون الإرسال من الإمام و ضمير قال عائدا إلى من ذكره و علم على بناء المجهول و على الثاني ليس الإخبار من كلامه   ع و الظاهر أنه من تصحيف النساخ و قوله عمن ذكره كان مقدما على قوله عن أبي جعفر ع و علم على بناء المجهول

17-  النجوم، وجدت في كتاب عتيق عن عطا قال قيل لعلي بن أبي طالب ع هل كان للنجوم أصل قال نعم نبي من الأنبياء قال له قومه إنا لا نؤمن بك حتى تعلمنا بدء الخلق و آجاله فأوحى الله عز و جل إلى غمامة فأمطرتهم و استنقع حول الجبل ماء صاف ثم أوحى الله عز و جل إلى الشمس و القمر و النجوم أن تجري في ذلك الماء ثم أوحى الله عز و جل إلى ذلك النبي أن يرتقي هو و قومه على الجبل فارتقوا الجبل فقاموا على الماء حتى عرفوا بدء الخلق و آجاله بمجاري الشمس و القمر و النجوم و ساعات الليل و النهار و كان أحدهم يعلم متى يموت و متى يمرض و من ذا الذي يولد له و من ذا الذي لا يولد له فبقوا كذلك برهة من دهرهم ثم إن داود ع قاتلهم على الكفر فأخرجوا إلى داود في القتال من لم يحضره أجله و من حضر أجله خلفوه في بيوتهم فكان يقتل من أصحاب داود ع و لا يقتل من هؤلاء أحد فقال داود ع رب أقاتل على طاعتك و يقاتل هؤلاء على معصيتك يقتل أصحابي و لا يقتل من هؤلاء أحد فأوحى الله عز و جل إني كنت علمتهم بدء الخلق و آجاله و إنما أخرجوا إليك من لم يحضره أجله و من حضر أجله خلفوه في بيوتهم فمن ثم يقتل من أصحابك و لا يقتل منهم أحد قال داود ع يا رب على ما ذا علمتهم قال على مجاري الشمس و القمر و النجوم و ساعات الليل و النهار قال فدعا الله عز و جل فحبس الشمس عليهم فزاد النهار و اختلطت الزيادة بالليل و النهار فلم يعرفوا قدر الزيادة فاختلط حسابهم و قال علي ع فمن ثم كره النظر في علم النجوم

18-  الدر المنثور، قال قيل لعلي بن أبي طالب ع هل كان للنجوم أصل قال نعم كان نبي من الأنبياء يقال له يوشع بن نون فقال له قومه   و ساق إلى قوله ثم أوحى الله إلى يوشع بن نون أن يرتقي إلى آخر الخبر

 بيان أن تجري في ذلك الماء يمكن أن يكون المراد جريان عكس الكواكب فيها فيكون الماء كالزيج لهم لاستعلام مقدار الحركات أو خلق الله للكواكب أمثالا فأجراها في الماء على قدر حركة أصلها في السماء أو صغرها و أنزلها و أجراها فيه و في القاموس البرهة و يضم الزمان الطويل أو أعم انتهى فمن ثم كره أي من أجل أن الحساب اختلط فلا يمكنهم الحكم الواقعي على الكواكب و حركاتها فيكذبون أو من جهة أنه يصير سببا لترك الأمور الضرورية بسبب علمهم بما يترتب عليه و الخبر ضعيف عامي و فيه إشكال آخر و هو أنهم لو كانوا بحسب تقدير الله تعالى و أحكام النجوم من الخارجين فلم لم يخرجوا و لو لم يكونوا فلم يكن ترك خروجهم بسبب ذلك و هذا من المسائل الغامضة من فروع مسألة القضاء و القدر و العقل قاصر عن فهمها

19-  النجوم، و أما دلالة النجوم على إبراهيم ع فقد روى صاحب كتاب التجمل أن آزر أبا إبراهيم كان منجما لنمرود و لم يكن يصدر إلا عن أمره فنظر ليلة في النجوم فأصبح و هو يقول لنمرود لقد رأيت في النجوم عجبا قال و ما هو قال رأيت مولودا يولد في زماننا يكون هلاكنا على يديه و لا يلبث إلا قليلا حتى يحمل به قال فتعجب من ذلك ثم قال هل حملت به النساء بعد قال لا فحجب الرجال عن النساء و لم يدع امرأة إلا جعلها في المدينة و لا يخلص إليها بعلها قال فوقع آزر على أهله فحملت بإبراهيم فظن أنه صاحبه فأرسل إلى قوابل ذلك الزمان و كن أعلم الناس بالجنين و لا يكون في الرحم شي‏ء إلا عرفنه و علمن به فنظرن فألزم ما في الرحم الظهر فقلن ما نرى في   بطنها شيئا قال و كان مما أوتي من العلم أن المولود سيحرق بالنار و لم يؤت علما أن الله سينجيه منها

 أقول و رويت هذا الحديث عن إبراهيم الخزاز عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع من أصل قرئ على هارون بن موسى التلعكبري ره و قد روى هذا الحديث علي بن إبراهيم في كتاب تفسير القرآن بأبسط من هذه الرواية و رواه أيضا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في الجزء الأول من تاريخه و رواه أيضا سعيد بن هبة الله الراوندي في كتاب قصص الأنبياء و رواه الثعلبي في تفسيره و غيره من العلماء و ممن أخبر المنجمون عن نبوته و رسالته موسى بن عمران ع و قد تضمنت كتب التواريخ و غيرها من المصنفات ما يغني عن ذكر جميع الروايات فمن ذلك ما رواه الثعلبي في كتاب العرائس في المجالس فقال إن فرعون رأى في منامه أن نارا قد أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر فأحرقتها و أحرقت القبط و تركت بني إسرائيل فدعا فرعون السحرة و الكهنة و المعبرين و المنجمين و سألهم عن رؤياه فقالوا له إنه يولد في بني إسرائيل غلام يسلبك ملكك و يغلبك على سلطانك و يخرجك و قومك من أرضك و يذل دينك و قد أظلك زمانه الذي يولد فيه ثم ذكروا ولادة موسى ع و ما صنع فرعون في قتل ذكور الأولاد و ليس في ذكر ذلك هاهنا ما يليق بالمراد و ذكر حكم المنجمين بولادة موسى ع و نبوته الزمخشري في كتاب الكشاف و روى حديث دلالة النجوم على ولادة موسى ع وهب بن منبه في الجزء الأول من كتاب المبتدإ بأبسط من رواية الثعلبي و ذكر أبو جعفر بن بابويه في كتاب النبوة في باب سياقه حديث عيسى ابن مريم ع فقال ما هذا لفظه و قدم عليها وفد من عظماء علماء المجوس زائرين معظمين لأمر ابنها و قالوا إنا قوم ننظر في النجوم فلما ولد   ابنك طلع بمولده نجم من نجوم الملك فنظرنا فيه فإذا ملكه ملك نبوة لا يزول عنه و لا يفارقه حتى يرفعه إلى السماء فيجاور ربه عز و جل ما كانت الدنيا مكانها ثم يصير إلى ملك هو أطول و أبقى مما كان فيه فخرجنا من قبل المشرق حتى رفعنا إلى هذا المكان فوجدنا النجم متطلعا عليه من فوقه فبذلك عرفنا موضعه و قد أهدينا له هدية جعلناها له قربانا لم يقرب مثله لأحد قط و ذلك أنا وجدنا هذا القربان يشبه أمره و هو الذهب و المر و اللبان لأن الذهب سيد المتاع كله و كذلك ابنك هو سيد الناس ما كان حيا و لأن المر جبار الجراحات و الجنون و العاهات كلها و لأن اللبان يبلغ دخانه السماء و لن يبلغها دخان شي‏ء غيره و كذلك ابنك يرفعه الله عز و جل إلى السماء و ليس يرفع من أهل زمانه غيره

20-  و وجدت في كتاب دلائل النبوة، جمع أبي القاسم الحسين بن محمد السكوني روى عن محمد بن علي بن الحسين عن الحسن بن عبد الله بن غانم عن هناد عن يونس عن أبي إسحاق عن صالح بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن أسعد عن ابن مسيب عن حسان بن ثابت قال إني و الله لغلام يفعاء ابن سبع أو ثمان سنين أعقل كل ما سمعت إذ سمعت يهوديا و هو على أكمة يثرب يصرخ يا معشر اليهود فلما اجتمعوا قالوا ويلك ما لك قال طلع نجم أحمد الذي يبعث به الليلة و وجدت كتابا عندنا الآن اسمه كتاب اليد الصيني عمله كشينا ملك الهند يذكر فيه تفصيل دلالة النجوم على نبوة نبينا محمد ص

    أقول قد أوردنا ما ذكره السيد من أمر هرقل و كسرى و اطلاعهما من جهة النجوم على نبوة نبينا ص في باب البشائر به و باب مولده. ثم قال و أما دلالة النجوم على ظهور المسلمين على ملوك الفرس فالأخبار يمكن أن يكون بها كثيرة في التواريخ الكبيرة فمن ذلك ما ذكره الطبري في تاريخه فقال و لما أمر يزدجرد رستم بالخروج من ساباط بعث إلى أخيه بنحو من الكتاب الأول زاد فيه فإن السمكة قد كدرت الماء و إن النعائم قد حبست و حسنت الزهرة فاعتدل الميزان و ذهب بهرام و لا أرى هؤلاء القوم إلا سيظهرون علينا و سيولون على ما يلينا و إن أشد ما رأيت أن الملك قال لتسيرن إليهم أو لأسيرن إليهم أنا بنفسي و أنا سائر إليهم قال و كان الذي جرأ يزدجرد على إرسال رستم غلام جابان منجم كسرى و كان من أهل فرات بادقلي فأرسل إليه فقال ما ترى في مسير رستم و حرب العرب فخافه على الصدق فكذبه و كان رستم يعلم نحوا من علم ذلك المنجم فثقل عليه مسيره و خف على الملك لما غره به و قال إني أحب أن تخبرني بشي‏ء أراه أطمئن له إلى قولك فقال الغلام لدربا الهندي سلني مسألة فقال أيها الملك يقبل طائر فيقع على إيوانك فيقع منه شي‏ء في فيه هاهنا و خط دائرة فقال العبد صدق و الطائر غراب و الذي في فيه درهم و بلغ جابان أن الملك طلبه فأقبل حتى دخل عليه فسأله عما قال غلامه فحسبه فقال صدق و لم يصب هو عقعق و الذي في فيه درهم فيقع منه على هذا المكان و كذب دربا ينزو الدرهم فيستقر هاهنا و دور دائرة أخرى فما قاموا حتى وقع على الشرافات عقعق فسقط منه درهم في الخط الأول فنزا فاستقر في الخط الآخر و نافر الهندي جابان حيث خطاه فأتي ببقرة نتوج فقال الهندي سخلتها غراء سوداء فقال جابان كذبت بل سوداء سفعاء فنحرت البقرة و استخرجت سخلتها فإذا ذنبها أبيض فقال جابان من هاهنا أتى دربا و شجعاه على إخراج رستم فأمضاه ثم قال الطبري ما معناه أن جابان كتب إلى من يشفق عليه من العسكر يأمره بالدخول مع العرب فيما يريدون و أخبره أن   ملك الفرس ذهب فقبل منه و كان الأمر كما اقتضاه دلالة النجوم من ظهور العرب على الفرس. أقول ثم ذكر دلالة النجوم على إمامة القائم ع و ولادته على ما أوردناه في باب ولادته ع. بيان قال في القاموس العقعق طائر أبلق بسواد و بياض صوته العين و القاف و قال أنتجت الفرس حان نتاجها فهي نتوج لا منتج و قال سفع الشي‏ء أعلمه و وصمه و السفع بالضم السواد تضرب إلى الحمرة و في النهاية السفعة نوع من السواد مع لون آخر

21-  الكافي، عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن ابن فضال عن الحسن بن أسباط عن عبد الرحمن بن سيابة قال قلت لأبي عبد الله ع جعلت فداك إن الناس يقولون إن النجوم لا يحل النظر فيها و هو يعجبني فإن كانت تضر بديني فلا حاجة لي في شي‏ء يضر بديني و إن كانت لا تضر بديني فو الله إني لأشتهيها و أشتهي النظر فيها فقال ليس كما يقولون لا تضر بدينك ثم قال إنكم تنظرون في شي‏ء منها كثيره لا يدرك و قليله لا ينتفع به تحسبون على طالع القمر ثم قال أ تدري كم بين المشتري و الزهرة من دقيقة قلت لا و الله قال أ فتدري كم بين الزهرة و بين القمر من دقيقة قلت لا و الله قال أ فتدري كم بين الشمس و بين السكينة من دقيقة قلت   لا و الله ما سمعته من أحد من المنجمين قط قال أ فتدري كم بين السكينة و بين اللوح المحفوظ من دقيقة قلت لا ما سمعته من منجم قط قال ما بين كل واحد منهما إلى صاحبه ستين أو تسعين دقيقة شك عبد الرحمن ثم قال يا عبد الرحمن هذا حساب إذا حسبه الرجل و وقع عليه عرف القصبة التي في وسط الأجمة و عدد ما عن يمينها و عدد ما عن يسارها و عدد ما خلقها و عدد ما أمامها حتى لا يخفى عليه من قصب الأجمة واحدة

 النجوم، بإسناده عن الكليني مثله ثم قال السيد و روى هذا الحديث أصحابنا في المصنفات و الأصول و رواه محمد بن أبي عبد الله في أماليه و رواه محمد بن يحيى أخو مقلس عن حماد بن عثمان بيان تحسبون على طالع القمر يظهر منه أنه كان مدار أحكام هؤلاء على حركات القمر و أوضاعه و كانوا لا يلتفتون إلى أوضاع سائر الكواكب كم بين المشتري و الزهرة أي بحسب الدرجات و الأوضاع الحاصلة من الحركات أو بعد فلك أحدهما عن الآخر و الأول أظهر و بين السكينة هو اسم كوكب غير معروف عند المنجمين له مدخل في الأحكام و في بعض النسخ السنبلة و الأول أنسب بقوله ما سمعته من منجم

22-  النجوم، بإسناده عن الكليني في كتاب تعبير الرؤيا بإسناده عن محمد بن سام قال قال أبو عبد الله ع قوم يقولون النجوم أصح من الرؤيا و   ذلك كانت صحيحة حين لم يرد الشمس على يوشع بن نون و على أمير المؤمنين ع فلما رد الله عز و جل الشمس عليهما ضل فيها علوم علماء النجوم

23-  الكافي، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل بن صالح عمن أخبره عن أبي عبد الله ع قال سئل عن النجوم فقال ما يعلمها إلا أهل بيت من العرب و أهل بيت من الهند

 النجوم، بإسناده عن الكليني مثله و زاد في آخره أولاد وصي إدريس ع ثم قال و روينا هذا الحديث بإسناده إلى ابن أبي عمير من أصله عن أبي عبد الله ع

بيان أهل بيت من العرب أهل بيت النبي ص و لا يدل على جواز النظر فيه و العمل به بل على خلافهما أدل لأن علم أكثر الخلق به ناقص فيكون حكمهم به قولا بغير علم

24-  الكافي، عن أحمد بن محمد و علي بن محمد جميعا عن علي بن الحسن الميثمي عن محمد بن خطاب الواسطي عن يونس بن عبد الرحمن عن أحمد بن عمر الحلبي عن حماد الأزدي عن هشام الخفاف قال قال أبو عبد الله ع كيف بصرك بالنجوم قال قلت ما خلفت بالعراق أبصر بالنجوم مني فقال كيف دوران الفلك عندكم قال فأخذت قلنسوتي من رأسي فأدرتها قال فقال لي إن كان الأمر على ما تقول فما بال بنات نعش و الجدي و الفرقدين لا يرون يدورون يوما من الدهر في القبلة قال قلت هذا و الله شي‏ء لا أعرفه و لا سمعت أحدا من أهل الحساب يذكره فقال لي كم السكينة من الزهرة جزءا في ضوئها قال قلت هذا و الله نجم ما سمعت به و لا سمعت أحدا من الناس يذكره قال سبحان الله فأسقطتم نجما بأسره فعلى ما تحسبون ثم قال فكم الزهرة   من القمر جزءا في ضوئه قال فقلت هذا شي‏ء لا يعلمه إلا الله عز و جل قال فكم القمر جزءا من الشمس في ضوئها قال قلت ما أعرف هذا قال صدقت ثم قال فما بال العسكرين يلتقيان في هذا حاسب و في هذا حاسب فيحسب هذا لصاحبه بالظفر ثم يلتقيان فيهزم أحدهما الآخر فأين كانت النجوم قال فقلت لا و الله ما أعلم ذلك قال فقال صدقت إن أصل الحساب حق و لكن لا يعلم ذلك إلا من علم مواليد الخلق كلهم

 بيان فأدرتها لعله زعم أن حركة الفلك في جميع المواضع رحوية ما بال العسكرين هذا دليل تام على خطاء المنجمين فإن ملكين إذا تقابلا و كان لكل منهما منجم فإنهما يختاران لهما ساعة واحدة و يحكم كل منهما لصاحبه بالظفر مع أنه يظفر أحدهما و ينهزم الآخر و ذلك لعدم إحاطتهم بارتباط النجوم بالأشخاص فإنه يمكن أن يكون لكل نجم مناسبة لشخص من الأشخاص يكون سعادته أو علوه علامة لغلبته أو يقال كما أن لتأثير الفواعل مدخلا في حدوث الحوادث فكذا لاستعداد القوابل مدخل فيه و هم على تقدير إحاطة علمهم بالأول لم يحط علمهم بالثاني كما قاله ابن سينا و سيأتي تفصيله في قصة هاروت و ماروت فقوله ع لا يعلم ذلك إلا من علم مواليد الخلق يمكن أن يكون إشارة إلى الأول كما أن المنجمين يعتبرون طالع المولود في الأحكام أو إلى الثاني بأن يكون المراد بمواليدهم خصوصيات موادهم و استعداداتهم و قابلياتهم و أسباب ولادتهم و هذا علم لا يمكن الإحاطة به إلا بالوحي أو الإلهام من الخالق الحكيم و يمكن أن يكون المراد به أن من أحاط بذلك العلم يعلم به جميع مواليد الخلق و لما لم يعلم المنجمون جميع ذلك ظهر أنهم لا يحيطون به علما و على التقادير ظاهره حقية هذا العلم و عدم جواز النظر فيه لسائر الخلق لعدم إحاطتهم به و تضمنه القول بما لا يعلم و الله يعلم

    -25  النجوم، وجدت في كتاب نوادر الحكمة تأليف محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران بن عبد الله القمي رواه عن الرضا ع قال قال أبو الحسن ع للحسن بن سهل كيف حسابك للنجوم فقال ما بقي منها شي‏ء إلا و قد تعلمته فقال أبو الحسن ع كم لنور الشمس على نور القمر فضل درجة و كم لنور القمر على نور المشتري فضل درجة و كم لنور المشتري على نور الزهرة فضل درجة فقال لا أدري فقال ليس في يدك شي‏ء هذا أيسر

 بيان أي هذا أيسر شي‏ء من هذا العلم

26-  النجوم، وجدت في كتاب مسائل الصباح بن نصر الهندي لمولانا علي بن موسى الرضا ع رواية أبي العباس بن نوح و أبي عبد الله محمد بن أحمد الصفواني من أصل كتاب عتيق لنا الآن ربما كان قد كتب في حياتهما بالإسناد المتصل فيه عن الريان بن الصلت و ذكر اجتماع العلماء بحضرة المأمون و ظهور حجته ع على جميع العلماء و حضور الصباح بن نصر الهندي عند مولانا الرضا ع و سؤاله عن مسائل كثيرة منها سؤاله عن علم النجوم فقال ع ما هذا لفظه هو علم في أصل صحيح ذكروا أن أول من تكلم في النجوم إدريس ع و كان ذو القرنين بها ماهرا و أصل هذا العلم من عند الله عز و جل و يقال إن الله بعث النجم الذي يقال له المشتري إلى الأرض في صورة رجل فأتى بلد العجم فعلمهم في حديث طويل فلم يستكملوا ذلك فأتى بلد الهند فعلم رجلا منهم فمن هناك صار علم النجوم بها و قد قال قوم هو علم من علم الأنبياء خصوا به لأسباب شتى فلم يستدرك المنجمون الدقيق منها فشابوا الحق بالكذب هذا آخر لفظ مولانا علي بن موسى الرضا ع في هذه الرواية الجليلة الإسناد و قوله ع حجة على العباد و قوله ع ذكروا و يقال فإن عادته ع عند التقية من المخالفين و العامة   يقول نحو هذا الكلام و تارة يقول كان أبي يقول و تارة روي عن رسول الله ص

 بيان أقول يحتمل أن يكون تصحيحه ع و إثباته لعلم النجوم تقية لولوع المأمون بهذا العلم و رغبته إليه فلذا عبر ع بهذه العبارات و في أكثر الأعصار المنجمون مقربون عند السلاطين و الناس يتقون منهم مع أنه غير صريح في جواز التعليم و التعلم و العمل به

27-  الكافي، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن مالك بن عطية عن سليمان بن خالد قال سألت أبا عبد الله ع عن الحر و البرد ممن يكونان فقال لي يا أبا أيوب إن المريخ كوكب حار و زحل كوكب بارد فإذا بدا المريخ في الارتفاع انحط زحل و ذلك في الربيع فلا يزالان كذلك كلما ارتفع المريخ درجة انحط زحل درجة ثلاثة أشهر حتى ينتهي المريخ في الارتفاع و ينتهي زحل في الهبوط فيجلو المريخ فلذلك يشتد الحر فإذا كان في آخر الصيف و أوان الخريف بدا زحل في الارتفاع و بدا المريخ في الهبوط فلا يزالان كذلك كلما ارتفع زحل درجة انحط المريخ درجة حتى ينتهي المريخ في الهبوط و ينتهي زحل في الارتفاع فيجلو زحل و ذلك في أول الشتاء و آخر الصيف فلذلك يشتد البرد و كلما ارتفع هذا هبط هذا و كلما هبط هذا ارتفع هذا فإذا كان في الصيف يوم بارد فالفعل في ذلك للقمر و إذا كان في الشتاء يوم حار فالفعل في ذلك للشمس هذا تقدير العزيز العليم و أنا عبد رب العالمين

    بيان أشكل على الناظرين في هذا الخبر حله من جهة أن حركتي زحل و المريخ الخاصتين غير متوافقتين و لا مطابقتين لحركة الشمس و الفصول الحاصلة منها بوجه و يخطر بالبال حل يمكن حمل الخبر عليه ليندفع الإشكال و هو أن يكون حرارة أحد الكوكبين و برودة الآخر بالخاصية لا بالكيفية من قبيل التأثيرات الناقصة التي تنسب إلى أوضاع الكواكب و يكون لكل منهما تدوير و يكون ارتفاع المريخ في تدويره إما مؤثرا ناقصا أو علامة لزيادة الحرارة و يكون ارتفاعه عند انحطاط زحل بحركة تدويره و انحطاطه مؤثرا ناقصا أو علامة لضعف البرودة فلذا يصير الهواء في الصيف حارا و في الشتاء بعكس ذلك و لم يدل دليل على امتناعه كما أنهم يقولون في القمر إن قوته و ارتفاعه مؤثر و علامة لزيادة البرد و الرطوبات و قد أثبتوا أفلاكا كثيرة جزئية لكل من السيارات لضبط الحركات و مع ذلك يرد عليهم ما لا يمكنهم حله فلا ضير في أن نثبت فلكا آخر لتصحيح الخبر المنسوب إلى الإمام ع. قوله فيجلو المريخ كذا في أكثر نسخ الكافي و هو إما من الجلاء بمعنى الخروج و المفارقة عن المكان أي يأخذ في الارتفاع أو من الجلاء بمعنى الوضوح و الانكشاف و في بعض نسخه فيعلو في الموضعين و في كتاب النجوم فيلحق فيهما و لهما وجه قريب و لعل قوله ع و أنا عبد رب العالمين لحضور بعض الغلاة في ذلك المجلس قال ذلك ردا عليهم و قيل أول الكلام مبني على زعم المنجمين من تأثير الكواكب و رد ذلك آخرا بقوله ع هذا تقدير العزيز العليم و حاصله أن المنجمين يعدون الشمس و المريخ حارين يابسين و زحل باردا يابسا و القمر باردا رطبا و غرضهم أن تأثيرها في السفليات كذلك و تخصيص المريخ و زحل بالذكر لكونهما من العلوية و هي أشرف عندهم و المراد بارتفاع مريخ و انحطاط زحل حسن حال الأول و سوء حال الثاني بزعمهم إذ الشمس من أول الحمل كلما ازداد ارتفاعا في الآفاق المائلة الشمالية اشتد حرارة الهواء فارتفع مانع تأثير المريخ و قوي تأثيره و ضعف تأثير زحل و كذا العكس

    -28  الكافي، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال إن آزر أبا إبراهيم كان منجما لنمرود و لم يكن يصدر إلا عن أمره فنظر ليلة في النجوم فأصبح و هو يقول لنمرود لقد رأيت عجبا قال و ما هو قال رأيت مولودا يولد في أرضنا يكون هلاكنا على يديه و لا يلبث إلا قليلا حتى يحمل به قال فتعجب من ذلك و قال هل حملت به النساء قال لا قال فحجب النساء عن الرجال فلم يدعوا امرأة إلا جعلها في المدينة لا يخلطن بعلها و وقع آزر على أهله و علقت بإبراهيم ع فظن أنه صاحبه فأرسلوا إلى نساء من القوابل في ذلك الزمان لا يكون في الرحم شي‏ء إلا علمن به فنظرن فألزم الله عز و جل ما في الرحم الظهر فقلن ما نرى في بطنها شيئا و كان فيما أوتي من العلم أنه سيحرق في النار و لم يؤت علم أن الله تبارك و تعالى سينجيه منها الخبر

29-  الكافي، عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن الحسن بن علي بن عثمان عن أبي عبد الله المدائني عن أبي عبد الله ع قال إن الله عز و جل خلق نجما في الفلك السابع فخلقه من ماء بارد و سائر النجوم الستة الجاريات من ماء حار و هو نجم الأنبياء و الأوصياء و هو نجم أمير المؤمنين ع يأمر بالخروج من الدنيا و الزهد فيها و يأمر بافتراش التراب و توسد اللبن   و لباس الخشن و أكل الجشب و ما خلق الله نجما أقرب إلى الله منه

 بيان يدل الخبر على أن المنجمين قد أخطئوا في طبائع الكواكب و من ينسبونه إليها و في سعدها و نحسها يأمر بالخروج من الدنيا لعل المراد أن من ينسب إليه هكذا حاله أو من كان هذا الكوكب طالع ولادته يكون كذلك أو أن المنسوبين إلى هذا الكوكب يأمرون بذلك. أقول فعلى الأول يمكن أن يقال لا تنافي بين ما ذكره المنجمون و بين ما ورد في الخبر لأن نحوسته بالنظر إلى أغراض أهل الدنيا و ما يطلبون من عز الدنيا و فخرها و زخرفها و سعادته بالنظر إلى أغراض أهل الآخرة و ما يطلبون من ترك الدنيا و لذاتها و شهواتها فتدبر

30-  النجوم، روى معاوية بن حكيم عن محمد بن زياد عن محمد بن يحيى الخثعمي قال سألت أبا عبد الله ع عن النجوم حق هي قال لي نعم فقلت له و في الأرض من يعلمها قال نعم و في الأرض من يعلمها

 قال السيد و رويناه بإسنادنا إلى محمد بن يحيى الخثعمي من غير كتاب معاوية بن حكيم

31-  و روينا بإسنادنا عن معاوية بن حكيم في كتاب أصله حديثا آخر عن أبي عبد الله ع قال في السماء أربعة نجوم ما يعلمها إلا أهل بيت من العرب و أهل بيت من الهند يعرفون منها نجما واحدا فبذلك قام حسابهم

32-  المناقب، لابن شهرآشوب عن أبي بصير قال رأيت رجلا يسأل أبا عبد الله ع عن النجوم فلما خرج من عنده قلت له هذا علم له أصل قال نعم قلت حدثني عنه قال أحدثك عنه بالسعد و لا أحدثك بالنحس إن الله جل اسمه فرض صلاة الفجر لأول ساعة فهو فرض و هي سعد و فرض الظهر لسبع ساعات و هو فرض و هي سعد و جعل العصر لتسع ساعات و هو فرض و هي سعد و جعل المغرب لأول ساعة من الليل و هو فرض و هي سعد و العتمة لثلاث ساعات و هو فرض و هي سعد

    بيان لعل غرضه ع أن ذلك العلم له أصل لكن لا ينبغي لك أن تطلب منه إلا قدر ما تعلم به أوقات الفرائض أو المعنى أن أوقات الفرائض لها سعادة لوقوع عبادة الله فيها

33-  النجوم، روينا بأسانيد عن الحسين بن عبيد الله الغضائري و نقلته من خطه من الجزء الثاني من كتاب الدلائل تأليف عبد الله بن جعفر الحميري بإسناده عن بياع السابري قال قلت لأبي عبد الله ع إن لي في النظرة في النجوم لذة و هي معيبة عند الناس فإن كان فيها إثم تركت ذلك و إن لم يكن فيها إثم فإن لي فيها لذة قال فقال تعد الطوالع قلت نعم فعددتها له فقال كم تسقي الشمس القمر من نورها قلت هذا شي‏ء لم أسمعه قط و قال و كم تسقي الزهرة الشمس من نورها قلت و لا هذا قال فكم تسقى الشمس من اللوح المحفوظ من نوره قلت و هذا شي‏ء ما أسمعه قط قال فقال هذا شي‏ء إذا علمه الرجل عرف أوسط قصبة في الأجمة ثم قال ليس يعلم النجوم إلا أهل بيت من قريش و أهل بيت من الهند

34-  و منه، وجدت في كتاب عتيق اسمه كتاب التجمل قال أبو أحمد عن حفص بن البختري قال ذكرت النجوم عند أبي عبد الله ع فقال ما يعلمها إلا أهل بيت بالهند و أهل بيت من العرب

35-  و في الكتاب المذكور، أيضا عن محمد و هارون ابني أبي سهل و كتبا إلى أبي عبد الله ع أن أبانا و جدنا كانا ينظران في النجوم فهل يحل النظر فيها قال نعم

36-  و فيه، أيضا أنهما كتبا إليه نحن ولد بني نوبخت المنجم و قد كنا كتبنا إليك هل يحل النظر فيها فكتبت نعم و المنجمون يختلفون في صفة الفلك فبعضهم يقول إن الفلك فيه النجوم و الشمس و القمر معلق بالسماء و هو دون السماء و هو الذي يدور بالنجوم و الشمس و القمر و السماء فإنها لا تتحرك و لا تدور و يقولون دوران الفلك تحت الأرض و إن الشمس تدور مع الفلك   تحت الأرض و تغيب في المغرب تحت الأرض و تطلع بالغداة من المشرق فكتب نعم ما لم يخرج من التوحيد

37-  و من الكتاب المذكور، أبو محمد عن الحسن بن عمر عن أبيه عن أبي عبد الله ع في قوله تعالى فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ قال كان القمر منحوسا بزحل

 بيان معلق بالسماء أي الفلك معلق بالسماء و لعل مرادهم بالسماء الفلك التاسع و بعدم حركتها أنها لا تتحرك بالحركات الخاصة للكواكب و قولهم دوران الفلك تحت الأرض يحتمل الخاصة و اليومية و الأعم و غرضهم أن الكواكب كما تتحرك تبعا للأفلاك فوق الأرض فكذا تتحرك تحتها و قولهم و إن الشمس تدور مع الفلك أي بالحركة اليومية هذا ما خطر بالبال في تأويله و ظاهره أن الأفلاك غير السماوات و لعله كان ذلك مذهبا لجماعة كما ذهب إليه الكراجكي حيث قال في كنز الفوائد اعلم أن الأرض على هيئة الكرة و الهواء يحيط بها من كل جهة و الأفلاك تحيط بالجميع إحاطة استدارة و هي طبقات بعضها يحيط ببعض فمنها سبعة تختص بالنيرين و الكواكب الخمسة التي تسمى المتحيرة فالنيران هما الشمس و القمر و الخمسة هي زحل و المشتري و المريخ و الزهرة و عطارد فلكل واحد منها فلك يختص به من هذه السبعة ففلك زحل أعلاها و فلك القمر أقربها من الأرض و فلك الشمس في وسطها و   تحت فلك زحل فلك المشتري ثم المريخ و فوق القمر فلك عطارد ثم فلك الزهرة و يحيط بهذه الأفلاك السبعة فلك الكواكب الثابتة و هي جميع ما يرى في السماء غير ما ذكرنا ثم الفلك المحيط الأعظم المحرك جميع هذه الأفلاك ثم السماوات السبع تحيط بالأفلاك و هي مساكن الأملاك و من رفعه الله تعالى إلى سمائه من أنبيائه و حججه ع انتهى و هذا قول غريب لم أر به قائلا غيره و مخالفته لظاهر الآية أكثر من القول المشهور. فكتب نعم أي يحل النظر فيها ما لم يخرج من التوحيد أي ما لم ينته إلى القول بتأثير الكواكب و أنها شريكة في الخلق و التدبير للرب سبحانه و الظاهر أن المراد بالنظر في النجوم هنا علم الهيئة و التفكر في كيفية دوران الكواكب و الأفلاك و قدر حركاتها و أشباه ذلك لا استخراج الأحكام و الإخبار عن الحوادث

36-  النجوم، من كتاب نزهة الكرام و بستان العوام تأليف محمد بن الحسين بن الحسن السراوي و هذا الكتاب خطه بالعجمية تكلفنا من نقله إلى العربية فذكر في أواخر المجلد الثاني منه ما هذا لفظ من أعربه و روي أن هارون الرشيد بعث إلى موسى بن جعفر ع فأحضره فلما حضر عنده قال إن الناس ينسبونكم يا بني فاطمة إلى علم النجوم و إن معرفتكم بها معرفة جيدة و فقهاء العامة يقولون إن رسول الله ص قال إذا ذكروا في أصحابي فاسكتوا و إذا ذكروا القدر فاسكتوا و إذا ذكروا النجوم فاسكتوا و أمير المؤمنين ع كان أعلم الخلائق بعلم النجوم و أولاده و ذريته الذين تقول الشيعة بإمامتهم كانوا عارفين بها فقال له الكاظم ع هذا حديث ضعيف و إسناده مطعون فيه و الله تبارك و تعالى قد مدح النجوم و لو لا أن النجوم صحيحة ما مدحها الله عز و جل و الأنبياء ع كانوا عالمين بها و قد قال الله تعالى في حق إبراهيم خليل الرحمن ع وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ   و قال في موضع آخر فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ فلو لم يكن عالما بعلم النجوم ما نظر فيها و ما قال إني سقيم و إدريس ع كان أعلم أهل زمانه بالنجوم و الله تعالى قد أقسم بمواقع النجوم وَ إِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ و قال في موضع آخر وَ النَّازِعاتِ غَرْقاً إلى قوله فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً و يعني بذلك اثني عشر برجا و سبعة سيارات و الذي يظهر بالليل و النهار بأمر الله عز و جل و بعد علم القرآن ما يكون أشرف من علم النجوم و هو علم الأنبياء و الأوصياء و ورثة الأنبياء الذين قال الله عز و جل وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ و نحن نعرف هذا العلم و ما نذكره فقال له هارون بالله عليك يا موسى هذا العلم لا تظهروه عند الجهال و عوام الناس حتى لا يشنعوا عليك و نفس العوام به و غط هذا العلم و ارجع إلى حرم جدك ثم قال له هارون و قد بقي مسألة أخرى بالله عليك أخبرني بها فقال له سل فقال له بحق القبر و المنبر و بحق قرابتك من رسول الله ص أخبرني أنت تموت قبلي أو أنا أموت قبلك لأنك تعرف هذا من علم النجوم فقال له موسى ع آمني حتى أخبرك فقال لك الأمان فقال أنا أموت قبلك و ما كذبت و لا أكذب و وفاتي قريب

 أقول تمامه في أبواب تاريخ موسى ع

37-  و منه، قال وجدت في كتاب عتيق بإسناد متصل إلى الوليد بن جميع قال إن رجلا سأله عكرمة عن حساب النجوم فجعل الرجل يتحرج أن يخبره قال عكرمة سمعت ابن عباس يقول علم عجز الناس عنه وددت أني علمته

38-  و منه، نقلا من كتاب ربيع الأبرار للزمخشري عن الوليد بن جميع قال رأيت عكرمة سأل رجلا عن علم النجوم و الرجل يتحرج أن يخبره فقال له عكرمة سمعت ابن عباس يقول علم عجز الناس عنه و لوددت أني علمته

    -39  و أيضا فيه، عن ابن عباس علم من علم النبوة و ليتني كنت أحسنه

40-  و منه، قال رويت عن محمد بن النجار في المجلد الحادي و العشرين من تذييله على تاريخ الخطيب في ترجمة علي بن طراد بإسناده إلى عكرمة قال قيل لابن عباس إن هاهنا رجلا يهوديا يتكهن قال فبعث إليه ابن عباس فجاء فقال يا يهودي بلغني أنك تخبر بالغيب فقال اليهودي أما الغيب فلا يعلم إلا الله و لكن إن شئت أخبرتك قال هات قال أ لك ابن عشر سنين يختلف إلى الكتاب قال نعم قال فإنه يأتي غدا محموما من الكتاب و يموت يوم عاشره و أما أنت فلا تخرج من الدنيا حتى يذهب بصرك قال هذا أخبرتني عن ابني و عن نفسي فأخبرني عن نفسك قال أموت رأس السنة قال عكرمة فجاء ابن ابن عباس من الكتاب محموما و مات يوم عاشره فلما كان رأس السنة قال ابن عباس يا عكرمة انظر ما فعل اليهودي فأتيت أهله فقالوا مات أمس فما خرج ابن عباس من الدنيا حتى ذهب بصره

 بيان الكتاب بضم الكاف و تشديد التاء الكتبة و يطلق على المكتب تسمية للمحل باسم الحال

41-  النجوم، نقلا من كتاب ربيع الأبرار عن علي ع من اقتبس علما من علم النجوم من حملة القرآن ازداد به إيمانا و يقينا ثم تلا إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ

42-  و قال فيه أيضا، عن ميمون بن مهران إياكم و التكذيب بالنجوم فإنه علم من علوم النبوة

 و فيه أيضا عن علي ع يكره أن يسافر الرجل أو يتزوج في محاق الشهر و إذا كان القمر في العقرب

43-  و ذكر الخطيب في تاريخ بغداد، حديثا أسنده إلى تميم بن الحارث   عن أبيه عن علي ع أنه يكره أن يتزوج الرجل أو يسافر إذا كان القمر في محاق الشهر أو العقرب

44-  و في كتاب ربيع الأبرار، فيما رواه عن مولانا علي ع و يروى أن رجلا قال إني أريد الخروج في تجارة لي و ذلك في محاق الشهر فقال أ تريد أن يمحق الله تجارتك تستقبل هلال الشهر بالخروج

45-  و فيه أيضا، كان علماء بني إسرائيل يسترون من العلوم علمين علم النجوم و علم الطب فلا يعلمونهما أولادهم لحاجة الملوك إليهما لئلا يكون سببا في صحبة الملوك و الدنو منهم فيضمحل دينهم

46-  و منه، روى عبد الله بن الصلت في كتاب التواقيع من أصول الأخبار قال حملت الكتاب و هو الذي نقلته من العراق قال كتب معقلة بن إسحاق إلى علي بن جعفر رقعة يعلمه فيها أن المنجم كتب ميلاده و وقت عمره وقتا و قد قارب ذلك الوقت و خاف على نفسه فأحب أن يسأله أن يدله على عمل يعمله يتقرب به إلى الله عز و جل فأوصل علي بن جعفر رقعة بعينها كتبها فكتب إليه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ متعني الله بك قرأت رقعة فلان فأصابني و الله ما أخرجني إلى بعض لائمتك سبحان الله أنت تعلم حاله منا حقا و من طاعتنا و أمورنا فما منعك من نقل الخبر إلينا لنستقبل الأمر ببعض السهولة أو جعلته أنه رأى رؤيا في منامه أو بلغ سن إليه أو أنكر شيئا من نفسه كان يدرك بها حاجته و كان الأمر يخف وقوعه و يسهل خطبه و يحتسب هذه الأمور عند الله بالأمس نذكره في اللفظة بأن ليس أحد يصلح لها غيره و اعتمادنا عليه على ما تعلم نحمد الله كثيرا و نسأله الاستمتاع بنعمته و بأصلح الموالي و أحسن الأعوان عونا و برحمته و مغفرته مر فلانا لا فجعنا الله به بما يقدر عليه من الصيام على   ما أصف إما كل يوم أو يوما و يوما لا أو ثلاثة في الشهر و لا يخلو كل يوم أو يومين من صدقة على ستين مسكينا أو ما يحركه عليه النية و ما جرى و تم و يستعمل نفسه في صلاة الليل و النهار استعمالا شديدا و كذلك في الاستغفار و قراءة القرآن و ذكر الله تعالى و الاعتراف في القنوت بذنوبه و يستغفر الله منها و يجعل أبوابا في الصدقة و العتق عن أشياء يسمها من ذنوبه و يخلص نيته في اعتقاد الحق و يصل رحمه و ينشر الخير فيها و نرجو أن ينفعه مكانه منا و ما وهب الله من رضانا عنه و حمدنا إياه فلقد و الله ساءني أمره فوق ما أصف على أنه أرجو أن يزيد الله في عمره و يبطل قول المنجم فما أطلعه الله على الغيب و الحمد لله

 و قد رأيت هذا الحديث في كتاب التوقيعات لعبد الله بن جعفر الحميري ره قد رواه عن أحمد بن محمد بن عيسى بإسناده إلى الكاظم ع. بيان النسخة كانت في هذه الرواية سقيمة جدا و لم نجدها في مكان آخر نصلحها به فتركناها كما كانت

47-  النجوم، روى محمد بن خالد البرقي في قصص الأنبياء فقال ما هذا لفظه عبد الله بن سنان عن عمار بن أبي معاوية قال و فتحت مدائن الشام على يد يوشع بن نون حتى انتهى إلى البلقاء فلقوا بها رجلا يقال له بالق به سميت البلقاء فجعلوا يخرجون يقاتلونه لا يقتل منهم رجل فسأل ذلك فقيل إن في مدينته امرأة منجمة تستقبل الشمس بفرجها ثم تحسب ثم يعرض عليها الخيل فلا يخرج يومئذ رجل حضر أجله فصلى يوشع بن نون ركعتين و دعا ربه أن يؤخر الشمس فاضطرب عليها الحساب فقالت لبالق انظر ما يعرضون عليك فأعطهم فإن حسابي قد اختلط علي قال فتصفحي الخيل فاخرجي فإنه   لا يكون إلا بقتال قال فتصفحت و أخرجت فقتلوا قتلا لم يقتله قوم فسألوا يوشع الصلح فأبى حتى يدفع إليه المرأة فأبى بالق أن يدفعها فقالت ادفعني إليه فصالحها و دفعها إليه فقالت هل تجد فيما أوحي إلى صاحبك قتل النساء قال لا قالت أ ليس إنما تدعوني إلى دينك قال بلى قالت فإني قد دخلت في دينك هذا آخر لفظه في حديثه

 بيان تستقبل الشمس بفرجها أي تواجهها لتعلم مقدار حركتها و هذه العبارة شائعة وقعت في مواضع منها ما ورد فيما يتشأم به المسافر و المرأة الشمطاء تلقى فرجها أي تواجهها

48-  نوادر الراوندي، بإسناده عن موسى بن جعفر عن أبيه عن جده ع قال كانت أرض بيني و بين رجل فأراد قسمتها و كان الرجل صاحب نجوم فنظر إلى الساعة التي فيها السعود فخرج فيها و نظر إلى الساعة التي فيها النحوس فبعث إلى أبي فلما اقتسما الأرض خرج خير السهمين لأبي فجعل صاحب النجوم يتعجب فقال له أبي ما لك فأخبره الخبر فقال له أبي فهلا أدلك على خير مما صنعت إذا أصبحت فتصدق بصدقة تذهب عنك نحس ذلك اليوم و إذا أمسيت فتصدق بصدقة تذهب عنك نحس تلك الليلة

49-  دعوات الراوندي، عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع قال كانت أرض بين أبي و بين رجل فأراد قسمتها و ذكر نحوه و قال ع في علم النجوم عندنا معرفة المؤمن من الكافر

 بيان لعله ع قال ذلك عند ذكر علم النجوم لبيان إحاطة علمه بما يدعيه المنجمون و بغيره لا أنه ع كان يعرف ذلك من النجوم مع أنه يحمل ذلك أيضا لبيان قصور علمهم و عدم إحاطتهم به فإنهم لا يدعون علم أمثال ذلك من جهة النجوم

50-  الإحتجاج، و النهج، ]نهج البلاغة[ من كلام له قاله لبعض أصحابه لما عزم على   المسير إلى الخوارج فقال له يا أمير المؤمنين إن سرت في هذا الوقت خشيت أن لا تظفر بمرادك من طريق علم النجوم فقال ع أ تزعم أنك تهدي إلى الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء و تخوف الساعة التي من سار فيها حاق به الضر فمن صدقك بهذا فقد كذب القرآن و استغنى عن الاستعانة بالله تعالى في نيل المحبوب و دفع المكروه و تبتغي في قولك للعامل بأمرك أن يوليك الحمد دون ربه لأنك بزعمك أنت هديته إلى الساعة التي نال فيها النفع و أمن فيها الضر ثم أقبل ع على الناس فقال أيها الناس إياكم و تعلم النجوم إلا ما يهتدى به في بر أو بحر فإنها تدعو إلى الكهانة المنجم كالكاهن و الكاهن كالساحر و الساحر كالكافر و الكافر في النار سيروا على اسم الله و عونه

 بيان فمن صدقك بهذا كأنه أسقط السيد من الرواية شيئا كما هو دأبه و قد مر تمامه و على ما تقدم هذا إشارة إلى علم ما في بطن الدابة و إن لم يكن سقط هنا شي‏ء فيحتمل أن يكون إشارة إلى دعواه علم الساعتين المنافي لقوله عز و جل وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً و لقوله سبحانه قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ و قوله جل و علا وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ و ما أفاد مثل هذا المعنى و يمكن حمل الكلام على وجه آخر و هو أن قول المنجم بأن صرف السوء و نزول الضر تابع للساعة سواء قال بأن الأوضاع العلوية مؤثرة تامة في السفليات و لا يجوز تخلف الآثار عنها أو قال   بأنها مؤثرات ناقصة و لكن باقي المؤثرات أمور لا يتطرق إليها التغير أو قال بأنها علامات تدل على وقوع الحوادث حتما فهو مخالف لما ثبت من الدين من أنه سبحانه يمحو ما يشاء و يثبت و أنه يقبض و يبسط و يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد و لم يفرغ من الأمر و هو تعالى كل يوم في شأن و الظاهر من أحوال المنجمين السابقين و كلماتهم جلهم بل كلهم أنهم لا يقولون بالتخلف وقوعا أو إمكانا فيكون تصديقهم مخالفا لتصديق القرآن و ما علم من الدين و الإيمان من هذا الوجه و لو كان منهم من يقول بجواز التخلف و وقوعه بقدرة الله و اختياره و أنه تزول نحوسة الساعات بالتوكل و الدعاء و التوسل و التصدق و ينقلب السعد نحسا و النحس سعدا و بأن الحوادث لا يعلم وقوعها إلا إذا علم أن الله سبحانه لم تتعلق حكمته بتبديل أحكامها كان كلامه ع مخصوصا بمن لم يكن كذلك فالمراد بقوله صرف عنه السوء و حاق به الضر أي حتما قوله ع في قولك أي على قولك أو بسبب قولك أو هي للظرفية المجازية إلا ما يهتدى به إشارة إلى قوله سبحانه وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ. و الكهانة بالفتح مصدر قولك كهن بالضم أي صار كاهنا و يقال كهن يكهن كهانة مثل كتب يكتب كتابة إذا تكهن و الحرفة الكهانة بالكسر و هي عمل يوجب طاعة بعض الجان له بحيث يأتيه بالأخبار الغائبة و هو قريب من السحر قيل قد كان في العرب كهنة كشق و سطيح و غيرهما فمنهم من يزعم أن له تابعا من الجن و رئيا يلقي إليه الأخبار و منهم من كان يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات و أسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله أو فعله أو حاله و هذا يخصونه باسم العراف كالذي يدعي معرفة الشي‏ء المسروق و مكان الضالة و نحوهما و دعوة علم النجوم إلى الكهانة إما لأنه ينجر أمر المنجم إلى الرغبة في تعلم الكهانة و التكسب به أو ادعاء ما يدعيه الكاهن و السحر قيل

    هو كلام أو كتابة أو رقية أو أقسام و عزائم و نحوها يحدث بسببها ضرر على الغير و منه عقد الرجل عن زوجته و إلقاء البغضاء بين الناس و منه استخدام الملائكة و الجن و استنزال الشياطين في كشف الغائبات و علاج المصاب و استحضارهم و تلبسهم ببدن صبي أو امرأة و كشف الغائب على لسانه انتهى و الظاهر أنه لا يختص بالضرر و سيأتي بعض تحقيقه في باب هاروت و ماروت و تمام تحقيقه في باب الكبائر و وجه الشبه في تشبيه المنجم بالكاهن إما الاشتراك في الإخبار عن الغائبات أو في الكذب و الإخبار بالظن و التخمين و الاستناد إلى الأمارات الضعيفة و المناسبات السخيفة أو في العدول و الانحراف عن سبيل الحق و التمسك في نيل المطالب و درك المآرب بأسباب خارجة عن حدود الشريعة و صدهم عن التوسل إلى الله تعالى بالدعاء و الصدقة و سائر أصناف الطاعة أو في البعد عن المغفرة و الرحمة و يجري بعض هذه الوجوه في التشبيهين الأخيرين و المشبه به في التشبيهات أقوى و نتيجة الجميع دخول النار و يمكن أن يكون قوله و الكافر في النار إشارة إلى وجه الشبه و إن كان بعيدا و المراد إما الخلود أو الدخول و الأخير أظهر و إن كان تحققه في الكافر في ضمن الخلود. و قال ابن ميثم ره في شرح هذا الكلام منه ع اعلم أن الذي يلوح من سر نهي الحكمة النبوية عن تعلم النجوم أمران أحدهما اشتغال متعلميها بها و اعتماد كثير من الخلق السامعين لأحكامها فيما يرجون و يخافون عليه فيما يسنده إلى الكواكب و الأوقات و الاشتغال بالفزع إليه و إلى ملاحظة الكواكب عن الفزع إلى الله تعالى و الغفلة عن الرجوع إليه فيما يهم من الأحوال و قد علمت أن ذلك يضاد مطلوب الشارع إذ كان غرضه ليس إلا دوام التفات الخلق إلى الله و تذكرهم لمعبودهم بدوام حاجتهم إليه الثاني أن الأحكام النجومية إخبارات عن أمور و هي تشبه الاطلاع على الأمور الغيبية و أكثر الخلق من   العوام أو النساء و الصبيان لا يميزون بينها و بين علم الغيب و الإخبار به فكان تعلم تلك الأحكام و الحكم بها سببا لضلال كثير من الخلق و موهنا لاعتقاداتهم في المعجزات إذ الإخبار عن الكائنات منها و كذا في عظمة بارئهم و يشككهم في عموم صدق قوله تعالى قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ و قوله إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ الآية فالمنجم إذا حكم لنفسه بأنه يصيب كذا فقد ادعى أن نفسه تعلم ما تكسب غدا و بأي أرض تموت و ذلك عين التكذيب للقرآن و كان هذين الوجهين هما المقتضيان لتحريم الكهانة و السحر و العزائم و نحوها و أما مطابقة لسان الشريعة للعقل في تكذيب هذه الأحكام فبيانها أن أهل النظر إما متكلمون فإما معتزلة أو أشعرية أما المعتزلة فاعتمادهم في تكذيب المنجم على أحد الأمرين أحدهما أن الشريعة كذبته و عندهم أن كل حكم شرعي فيشتمل على وجه عقلي و إن لم يعلم عين ذلك الوجه و الثاني مناقشة في ضبطه لأسباب ما أخبر عنه من كون أو فساد و أما الأشعرية فهم و إن قالوا لا مؤثر في الوجود إلا الله تعالى و زعم بعضهم أنهم خلصوا بذلك من إسناد التأثيرات إلى الكواكب إلا أنه لا مانع على مذهبهم أن يجعل الله تعالى اتصال نجم بنجم أو حركته علامة على كون كائن أو فساده و ذلك مما لا يبطل على المنجم قاعدة فيرجعون أيضا إلى بيان عدم إحاطته بأسباب كون ما أخبر عنه و مناقشته في ذلك و أما الحكماء فاعلم أنه قد ثبت في أصولهم أن كل كائن فاسد في هذا العالم فلا بد له من أسباب أربعة فاعلي و مادي و صوري و غائي أما السبب الفاعلي القريب فالحركات السماوية و الذي هو أسبق منها فالمحرك لها إلى أن ينتهي إلى الجود الإلهي المعطي لكل قابل ما يستحقه و أما سببه المادي فهو القابل لصورته و تنتهي القوابل إلى

    القابل الأول و هو مادة العناصر المشتركة بينها و أما الصوري فصورته التي تقبلها مادته و أما الغائي فهي التي لأجلها وجد أما الحركات السماوية فإن من الكائنات ما يحتاج في كونه إلى دورة واحدة للفلك و منها ما يحتاج إلى بعض دورة و منها ما يحتاج إلى جملة من أدواره و اتصالاته و أما القوابل للكائنات فقد تقرر عندهم أيضا أن قبولها لكل كائن معين مشروط باستعداد معين له و ذلك الاستعداد يكون بحصول صورة سابقة عليه و هكذا قبل كل صورة صورة معدة لحصول الصورة بعدها و كل صورة منها أيضا يستند إلى الاتصالات و الحركات الفلكية و لكل استعداد معين زمان معين و حركة معينة و اتصال معين يخصه لا يفي بدركها القوة البشرية إذا عرفت ذلك فنقول الأحكام النجومية إما أن تكون جزئية أو كلية أما الجزئية فأن يحكم مثلا بأن هذا الإنسان يكون من حاله كذا و كذا و ظاهر أن مثل هذا الحكم لا سبيل له إلى معرفته إذ العلم به إنما هو من جهة أسبابه أما الفاعلية فأن يعلم أن الدورة المعينة أو الاتصال المعين سبب لملك هذا الرجل البلد المعين مثلا و أنه لا سبب فاعلي لذلك إلا هو و الأول باطل لجواز أن يكون السبب غير ذلك الاتصال أو هو مع غيره أقصى ما في الباب أن يقال إنما كانت هذه الدورة و هذا الاتصال سببا لهذا الكائن لأنها كانت سببا لمثله في الوقت الفلاني لكن هذا أيضا باطل لأن كونها سببا للكائن السابق لا يجب أن يكون لكونها مطلقا دورة و اتصالا بل لعله أن يكون لخصوصية كونها تلك المعينة التي لا تعود بعينها فيما بعد و حينئذ لا يمكن الاستدلال بحصولها على كون حادث لأن المؤثرات المختلفة لا يجب تشابه آثارها و الثاني أيضا باطل لأن العقل يجزم بأنه لا اطلاع له على أنه لا مقتضى لذلك الكائن من الأسباب الفاعلة إلا الاتصال المعين و كيف و قد ثبت أن من الكائنات ما يفتقر إلى أكثر من اتصال واحد و دورة واحدة أو أقل و أما القابلية فأن يعلم أن المادة قد استعدت لقبول مثل هذا الكائن و استجمعت جميع شرائط قبوله الزمانية و المكانية و السماوية و الأرضية و ظاهر أن الإحاطة بذلك غير ممكنة للإنسان.

    و أما أحكامهم الكلية فكان كما يقال كلما حصلت الدورة الفلانية كان كذا فالمنجم إنما يحكم بذلك الحكم عن جزئيات من الدورات تشابهت آثارها فظنها متكررة و لذلك يعدلون إذا حقق القول عليهم إلى دعوى التجربة و قد علمت أن التجربة تعود إلى تكرر مشاهدات يضبطها الحس و العقل يحصل منها حكما كليا كحكمه بأن كل نار محرقة فإنه لما أمكن للعقل استثبات الإحراق بواسطة الحس أمكنه الجزم الكلي بذلك فأما التشكلات الفلكية و الاتصالات الكوكبية المقتضية لكون ما يكون فليس شي‏ء منها يعود بعينه كما علمت و إن جاز أن يكون تشكلات و عودات متقاربة الأحوال و متشابهة إلا أنه لا يمكن للإنسان ضبطها و لا الاطلاع على مقدار ما بينها من المشابهة و التفاوت و ذلك أن حساب المنجم مبني على قسمة الزمان بالشهور و الأيام و الساعات و الدرج و الدقائق و أجزائها و تقسيم الحركة بإزائها و رفع بينهما نسبة عددية و كل هذه أمور غير حقيقية و إنما تؤخذ على سبيل التقريب أقصى ما في الباب أن التفاوت فيها لا يظهر في المدد المتقاربة لكنه يشبه أن يظهر في المدد المتباعدة و مع ظهور التفاوت في الأسباب كيف يمكن دعوى التجربة و حصول العلم الكلي الثابت الذي لا يتغير باستمرار أثرها على وتيرة واحدة ثم لو سلمنا أنه لا يظهر تفاوت أصلا إلا أن العلم بعود تلك الدورة لا يقتضي بمجرده العلم بعود الأثر السابق لتوقف العلم بذلك على عود أمثال الأسباب الباقية للأثر السابق من الاستعداد و سائر أسبابه العلوية و السفلية و على ضبطها فإن العلم التجربي إنما يحصل بعد حصرها ليعلم عودها و تكررها و كل ذلك مما لا سبيل للقوة البشرية إلى ضبطه فكيف يمكن دعوى التجربة. ثم قال و اعلم أن الذي ذكرناه ليس إلا بيان أن الأصول التي يبني عليها الأحكاميون أحكامهم و ما يخبرون به في المستقبل أصول غير موثوق بها فلا يجوز الاعتماد عليها في تلك الأحكام و الجزم بها و هذا لا ينافي كون تلك القواعد ممهدة بالتقريب كقسمة الزمان و حركة الفلك و السنة و الشهر و اليوم مأخوذا عنها   حساب يبنى عليه مصالح إما دينية كمعرفة أوقات العبادات كالصوم و الحج و نحوهما أو دنيوية كآجال المدائنات و سائر المعاملات و كمعرفة الفصول الأربعة ليعمل في كل منها ما يليق به من الحراثة و السفر و أسباب المعاش و كذلك معرفة قوانين تقريبية من أوضاع الكواكب و حركاتها يهتدي بقصدها و على سمتها المسافرون في بر أو بحر فإن ذلك القدر منها غير محرم بل لعله من الأمور المستحبة لخلو المصالح المذكورة فيه عن وجوه المفاسد التي تشتمل عليها الأحكام كما سبق و لذلك امتن الله تعالى على عباده بخلق الكواكب في قوله هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ و قوله لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ. أقول

 و روى ابن أبي الحديد هذه الرواية بوجه آخر أبسط مما أورده السيد ره نقلا من كتاب صفين لابن ديزيل مرسلا قال عزم علي ع على الخروج من الكوفة إلى الحرورية و كان في أصحابه منجم فقال له يا أمير المؤمنين لا تسر في هذه الساعة و سر على ثلاث ساعات مضين من النهار فإنك إن سرت في هذه الساعة أصابك و أصحابك أذى و ضر شديد و إن سرت في الساعة التي أمرتك بها ظفرت و ظهرت و أصبت ما طلبت فقال له علي ع أ تدري ما في بطن فرسي هذا أ ذكر أم أنثى قال إن حسبت علمت فقال ع فمن صدقك بهذا فقد كذب بالقرآن قال الله تعالى إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ الآية ثم قال ع إن محمدا ص ما كان يدعي علم ما ادعيت علمه أ تزعم أنك تهدي إلى الساعة التي يصيب النفع من سار فيها و تصرف عن الساعة التي يحيق السوء بمن سار فيها فمن صدقك بهذا فقد استغنى عن الاستعانة بالله جل و عز في صرف المكروه عنه و ينبغي للموقن بأمرك أن يوليك الحمد دون الله جل جلاله لأنك   بزعمك هديته إلى الساعة التي يصيب النفع من سار فيها و صرفته عن الساعة التي يحيق السوء بمن سار فيها فمن آمن بك في هذا لم آمن عليه أن يكون كمن اتخذ من دون الله ضدا و ندا اللهم لا طير إلا طيرك و لا ضير إلا ضيرك و لا إله غيرك ثم قال بل نخالف و نسير في الساعة التي نهيتنا ثم أقبل على الناس فقال أيها الناس إياكم و التعلم للنجوم إلا ما يهتدى به في ظلمات البر و البحر إنما المنجم كالكاهن و الكاهن كالكافر و الكافر في النار أما و الله إن بلغني أنك تعمل بالنجوم لأخلدنك السجن أبدا ما بقيت و لأحرمنك العطاء ما كان لي سلطان ثم سار في الساعة التي نهاه عنه المنجم فظفر بأهل النهر و ظهر عليهم ثم قال لو سرنا في الساعة التي أمرنا بها المنجم لقال الناس سار في الساعة التي أمر بها المنجم و ظفر و ظهر أما إنه ما كان لمحمد ص منجم و لا لنا من بعده حتى فتح الله علينا بلاد كسرى و قيصر أيها الناس توكلوا على الله و ثقوا به فإنه يكفي ممن سواه

و أقول قال السيد الجليل علي بن طاوس ره في كتاب النجوم بعد ما أورد هذه الرواية نقلا من النهج إنني رأيت فيما وقفت عليه في كتاب عيون الجواهر تأليف أبي جعفر محمد بن بابويه ره حديث المنجم الذي عرض لمولانا علي ع عند مسيره إلى النهروان مسندا عن محمد بن علي ماجيلويه عن عمه محمد بن أبي القاسم عن محمد بن علي القرشي عن نصر بن مزاحم المقري عن عمر بن سعد عن يوسف بن يزيد عن عبد الله بن عوف بن الأحمر قال لما أراد أمير المؤمنين ع المسير إلى النهروان أتاه منجم ثم ذكر حديثه فأقول إن في هذا الحديث عدة رجال لا يعمل علماء أهل البيت ع على روايتهم و يمنع من يجوز العمل بأخبار الآحاد من العمل بأخبارهم و شهادتهم و فيهم عمر بن سعد بن أبي وقاص مقاتل الحسين ع فإن أخباره و رواياته مهجورة و لا يلتفت عارف بحاله إلى ما يرويه أو يسند إليه ثم طعن في الرواية بأنها لو كانت صحيحة لكان ع قد حكم في هذا على صاحبه الذي قد شهد مصنف نهج البلاغة أنه من   أصحابه أيضا بأحكام الكفار إما بكونه مرتدا عن الفطرة فيقتله في الحال أو برده عن غير الفطرة فيتوبه أو يمتنع من التوبة فيقتل لأن الرواية قد تضمنت أن المنجم كالكافر أو كان يجري عليه أحكام الكهنة أو السحرة لأن الرواية تضمنت أنه كالكاهن و الساحر و ما عرفنا إلى وقتنا هذا أنه حكم على هذا المنجم أحكام الكفار و لا السحرة و لا الكهنة و لا أبعده و لا عزره بل قال سيروا على اسم الله و المنجم من جملتهم لأنه صاحبه و هذا يدلك على تباعد الرواية من صحة النقل أو يكون لها تأويل غير ظاهرها موافق للعقل. ثم قال و مما نذكره من التنبيه على بطلان ظاهر الرواية بتحريم علم النجوم قول الراوي فيها إن من صدقك فقد كذب القرآن و استغنى عن الاستعانة بالله و نعلم أن الطلائع للحروب يدلون على السلامة من هجوم الجيوش و كثير من النحوس و يبشرون بالسلامة و ما ألزم من ذلك أن يوليهم الحمد دون ربهم. ثم إننا وجدنا في الدعوات الكثيرة التعوذ من أهل الكهانة و السحرة فلو كان المنجم مثلهم كان قد تضمن بعض الأدعية التعوذ منه و ما عرفنا في الأدعية التعوذ من النجوم و المنجم إلى وقتنا هذا و من التنبيه على بطلان ظاهر هذه الرواية أن الدعوات تضمن كثير منها و غيرها من صفات النبي ص أنه لم يكن كاهنا و لا ساحرا و ما وجدنا إلى الآن و لا كان عالما بالنجوم فلو كان المنجم كالكاهن و الساحر ما كان يبعد أن يتضمنه بعض الروايات و الدعوات في ذكر الصفات انتهى. و أقول أما قدحه في سند الرواية فهي من المشهورات بين الخاصة و العامة و لذا أورده السيد في النهج إذ دأبه فيه أن يروي ما كان مقبول الطرفين و ضعف سند الرواية التي أورده الصدوق ره لا يدل على ضعف سائر الأسانيد و عمر بن سعد الذي يروي عنه نصر بن مزاحم ليس الملعون الذي كان محارب الحسين ع كما يظهر من كتابه كتاب الصفين الذي عندنا فإن أكثر ما رواه فيه رواه عن هذا الرجل و في كثير من المواضع عمرو مكان عمر و لم يكن الملعون من جملة

    رواة الحديث و حملة الأخبار حتى يروي عنه هذه الأخبار الكثيرة و أيضا رواية نصر عنه بعيد جدا فإن نصرا كان من أصحاب الباقر ع و الملعون لم يبق بعد شهادة الحسين ع إلا قليلا و الشواهد على كونه غيره كثيرة لا تخفى على المتدرب في الأخبار العارف بأحوال الرجال و هذا من السيد ره غريب و أما قوله إنه ع لم يحكم بكفر المنجم فيرد عليه أن الظاهر من التشبيه بالكافر أنه ليس بكافر و إنما يدل على اشتراكه معه في بعض الصفات لا في جميع الأحكام حتى يقتله في الحال أو بعد امتناعه من التوبة على أنه ع لم يشبهه بالكافر بل بالمشبه بالكافر و أما قوله و لا أبعده و لا عزره ففيه أنه قد ظهر مما رواه ابن أبي الحديد الإيعاد بالحبس المؤبد و التحريم من العطاء و لم يعلم أنه أصر المنجم على العمل بالنجوم بعد ذلك حتى يستحق تعزيرا أو نكالا و عدم اشتمال رواية السيد على هذه الزيادة لا يدل على عدمها فإن عادة السيد الاقتصار على ما اختاره من كلامه ع بزعمه لا استيفاء النقل و الرواية مع أن عدم النقل في مثل هذا لا يدل على العدم و كونه من أصحابه و بينهم لا يدل على كونه مرضيا فإن جيشه ع كان مشتملا على كثير من الخوارج و المنافقين كالأشعث أخي هذا المنجم على ما ذكره السيد و غيره أنه كان عفيف بن قيس أخا الأشعث رأس المنافقين و مثير أكثر الفتن و أما قياسه على طلائع الحروب فالفرق بين الأمرين بين فإن ما يهدي إليه الطلائع و نحوهم ليست أمورا يترتب عليها صرف السوء و نيل المحبوب حتما بل يتوقف على اجتماع أمور كوجود الشرائط و ارتفاع الموانع و كل ذلك لا يتيسر الظفر بها إلا بفضل مسبب الأسباب بخلاف ما ادعاه المنجم من أن الظفر يترتب حتما على الخروج في الساعة التي اختاره و أما عدم التعوذ من النجوم و المنجم فلأن المنجم إنما يعود ضرره إلى نفسه بخلاف الساحر و الكاهن فإنه يترتب منهما ضرر كثير على الناس مع أن الدعاء الذي رواه السيد في كتاب الاستخارات و أوردناه في هذا الباب يتضمن البراءة إلى الله من اللجإ إلى العمل بالنجوم و طلب الاختيارات منها و أما عدم وصف النبي ص بأنه لم يكن منجما لأن الكفار إنما كانوا يصفونه   ص بالسحر و الكهانة و الشعر فورد براءته عنها ردا عليهم و لم يكونوا يصفونه بالنجوم مع أنه كان عالما بالحق من علم النجوم و كان من فضائله

51-  المكارم، في الحديث أنه نهي عن الحجامة في الأربعاء إذا كانت الشمس في العقرب

52-  الذهبية، عن الرضا ع اعلم أن جماعهن و القمر في برج الحمل أو الدلو من البروج أفضل و خير من ذلك أن يكون في برج الثور لكونه شرف القمر

 بيان لعله قال ذلك موافقا لرأي المأمون و لما اشتهر في ذلك الزمان كما أشعر ع به في تلك الرسالة

53-  المهج، ]مهج الدعوات[ في حرز الجواد ع و ينبغي أن لا يكون طلوع القمر في برج العقرب

54-  التهذيب، عن محمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن الحسن بن علي عن علي بن يعقوب الهاشمي عن مروان بن مسلم عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله ع قال كسوف الشمس أشد على الناس و البهائم

 بيان هذا مما يوهم أن لأحوالها و أوضاعها تأثيرا في بعض الأشياء و يمكن أن يكون المعنى أنه علامة غضب الله عليهم أو أنهم يفزعون لذلك لحدوث الظلمة في غير وقتها

55-  نوادر علي بن أسباط، عن إبراهيم بن محمد بن حمران عن أبيه عن أبي عبد الله ع قال من سافر أو تزوج و القمر في العقرب لم ير الحسنى

 الكافي، عن عدة من أصحابه عن أحمد بن محمد عن علي بن أسباط عن إبراهيم بن حمران عن أبيه مثله بيان الظاهر أن المراد بكون القمر في العقرب هنا كونه محاذيا لكواكبه كما هو دأب العرب في البوادي و غيرها إذ لم يكن عندهم ضوابط البروج و الانتقالات   إليها و الاستخراجات الشائعة في تلك الأزمان و لم يكن دأبهم ع إحالة الناس في الأحكام التي تحتاج إليها عامة الخلق على ما لا يعرفه إلا الآحاد من العلماء لا سيما إذا لم يكن شائعا في تلك الأزمنة عند العلماء أيضا و الكواكب الثابتة و الأشكال التي سميت البروج بها قد انتقلت في زماننا عن البروج التي عينوها بمقدار برج تقريبا فالعقرب في مكان القوس فظهر أن ما وقع في الشريعة أيضا لا يوافق قواعدهم المقررة عندهم

56-  الخصال، عن محمد بن موسى بن المتوكل عن علي بن الحسين السعدآبادي عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه و غيره عن محمد بن سليمان الصنعاني عن إبراهيم بن الفضل عن أبان بن تغلب قال كنت عند أبي عبد الله ع إذ دخل عليه رجل من أهل اليمن فسلم عليه فرد عليه السلام فقال له مرحبا بك يا سعد فقال له الرجل بهذا الاسم سمتني أمي و ما أقل من يعرفني به فقال له أبو عبد الله ع صدقت يا سعد المولى فقال الرجل جعلت فداك بهذا كنت ألقب فقال له أبو عبد الله ع لا خير في اللقب إن الله تبارك و تعالى يقول في كتابه وَ لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ ما صنعتك يا سعد فقال جعلت فداك أنا من أهل بيت ننظر في النجوم لا نقول إن باليمن أحدا أعلم بالنجوم منا فقال أبو عبد الله ع فأسألك فقال اليماني سل عما أحببت من النجوم فإني أجيبك عن ذلك بعلم فقال أبو عبد الله ع كم ضوء الشمس على ضوء القمر درجة فقال اليماني لا أدري فقال له أبو عبد الله ع صدقت فكم ضوء القمر على ضوء الزهرة درجة فقال اليماني لا أدري فقال أبو عبد الله ع صدقت فكم ضوء المشتري على ضوء عطارد درجة فقال اليماني لا أدري فقال له أبو عبد الله ع صدقت فما اسم النجم الذي   إذا طلع هاجت البقر فقال اليماني لا أدري فقال له أبو عبد الله ع صدقت في قولك لا أدري فما زحل عندكم في النجوم فقال اليماني نجم نحس فقال أبو عبد الله ع مه لا تقولن هذا فإنه نجم أمير المؤمنين ع و هو نجم الأوصياء و هو النجم الثاقب الذي قال الله عز و جل في كتابه قال اليماني فما يعني بالثاقب قال إن مطلعه في السماء السابعة و إنه ثقب بضوئه حتى أضاء في السماء الدنيا فمن ثم سماه الله عز و جل النجم الثاقب يا أخا أهل اليمن عندكم علماء فقال اليماني نعم جعلت فداك إن باليمن قوما ليسوا كأحد من الناس في علمهم فقال أبو عبد الله ع و ما يبلغ من علم عالمهم فقال له اليماني إن عالمهم ليزجر الطير و يقفو الأثر في الساعة الواحدة مسيرة شهر للراكب المجد فقال أبو عبد الله ع إن علم عالم المدينة ينتهي إلى حيث لا يقفو الأثر و يزجر الطير و يعلم ما في اللحظة الواحدة مسيرة الشمس تقطع اثني عشر برجا و اثني عشر برا و اثني عشر بحرا و اثني عشر عالما قال فقال له اليماني جعلت فداك ما ظننت أن أحدا يعلم هذا أو يدري ما كنهه ثم قام اليماني فخرج

 النجوم، قال السيد ره وجدت في كتاب عتيق تأليف علي بن عبد العزيز النيسابوري عن علي بن أحمد عن إبراهيم بن الفضل عن أبان بن تغلب و ذكر نحوه إلا أن فيه سعيد مكان سعد في المواضع و المزني مكان المولى و فيه فما اسم النجوم التي إذا طلعت هاجت الإبل قال لا أدري قال فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت الكلاب قال لا أدري قال فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت البقر إلى آخر الخبر

 ثم قال السيد ره و رويت هذا الحديث بأسانيد إلى أبان من كتاب عبد الله بن القاسم الحضرمي

57-  الكافي، عن عدة من أصحابه عن أحمد بن محمد بن خالد عن عثمان   بن عيسى عن أبي إسحاق الجرجاني عن أبي عبد الله ع قال إن الله عز و جل جعل لمن جعل له سلطانا أجلا و مدة من ليال و أيام و سنين و شهور فإن عدلوا في الناس أمر الله عز و جل صاحب الفلك أن يبطئ بإدارته فطالت أيامهم و لياليهم و سنينهم و شهورهم و إن جاروا في الناس و لم يعدلوا أمر الله تبارك و تعالى صاحب الفلك فأسرع بإدارته فقصرت لياليهم و أيامهم و سنينهم و شهورهم و قد وفى له عز و جل بعدد الليالي و الشهور

 بيان قد مر الكلام في مثله

58-  الكافي، عن محمد بن يحيى عن سلمة بن الخطاب و عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد جميعا عن علي بن حسان عن علي بن عطية الزيات عن معلى بن خنيس قال سألت أبا عبد الله ع عن النجوم أ حق هي فقال نعم إن الله عز و جل بعث المشتري إلى الأرض في صورة رجل فأخذ رجلا من العجم فعلمه النجوم حتى ظن أنه قد بلغ ثم قال له انظر أين المشتري فقال ما أراه في الفلك و ما أدري أين هو قال فنحاه و أخذ بيد رجل من الهند فعلمه حتى ظن أنه قد بلغ و قال انظر إلى المشتري أين هو فقال إن حسابي ليدل على أنك أنت المشتري و قال فشهق شهقة فمات و ورث علمه أهله فالعلم هناك

 بيان في صورة رجل لعل المراد على تقدير صحة الخبر أن الله تعالى   جعله في هذا الوقت ذا روح و حياة و علم و بعثه إلى الأرض لئلا ينافي ما سيأتي من إجماع المسلمين على عدم حياة الأجسام الفلكية و شعورها و أما أنه كيف صار صغيرا بحيث وسعه الأرض و حضر عند الرجل فيمكن أن يكون على التكاثف أو على إعدام بعض الأجزاء سوى الأجزاء الأصلية التي بها تشخص الكوكب ثم إيجاد تلك الأجزاء و إعادتها كما أن الشخص تتبدل أجزاؤه من أول العمر إلى آخره و تشخصه محفوظ بالأجزاء الأصلية و ورث علمه أهله أي كتبه و ما علمهم قبل موته و الخبر يدل على أن لهذا العلم أصلا و لا يدل على جواز النظر فيه و تعليمه و تعلمه و استخراج الأحكام منه لسائر الخلق و لعله يكون فتنة كقصة هاروت و ماروت

59-  الفقيه، بسنده الحسن عن عبد الملك بن أعين قال قلت لأبي عبد الله ع إني قد ابتليت بهذا العلم فأريد الحاجة فإذا نظرت إلى الطالع و رأيت الطالع الشر جلست و لم أذهب فيها و إذا رأيت الطالع الخير ذهبت في الحاجة فقال لي تقضي قلت نعم قال أحرق كتبك

 دعوات الراوندي، عن عبد الملك مثله بيان قوله تقضي على بناء المعلوم أي تحكم بالحوادث و تخبر بالأمور الآتية أو الغائبة أو تحكم بأن للنجوم تأثيرا أو أن لذلك الطالع أثرا أو على بناء المجهول أي إذا ذهبت في الطالع الخير تقضى حاجتك و تعتقد ذلك و الأول عندي أظهر و هذا خبر معتبر يدل على أظهر الوجوه على أن الإخبار بأحكام النجوم و الاعتناء بسعادة النجوم و الطوالع محرم يجب الاحتراز عنه

60-  الفقيه، روي عن ابن أبي عمير أنه قال كنت أنظر في النجوم و أعرفها و أعرف الطالع فيدخلني من ذلك شي‏ء فشكوت ذلك إلى أبي الحسن موسى بن جعفر ع فقال إذا وقع في نفسك شي‏ء فتصدق على أول مسكين ثم امض فإن   الله عز و جل يدفع عنك

 النجوم، نقلا من الفقيه عن ابن أبي عمير مثله ثم قال السيد ره و روينا هذا الحديث أيضا من كتاب التجمل عن محمد بن أذينة عن ابن أبي عمير و ذكر نحوه ثم قال لو لم يكن في الشيعة عارف بالنجوم إلا محمد بن أبي عمير لكان حجة في صحتها و إباحتها لأنه من خواص الأئمة و الحجج في مذاهبها و روايتها بيان أقول روى هذا الخبر البرقي في المحاسن عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن سفيان بن عمر كما مر فظهر أن العارف بالنجوم لم يكن ابن أبي عمير بل رجلا مجهول الحال و وقع سقط من نسخ الفقيه و لو سلم فجوابه ع يدل على أنه لما كان ابتلي بهذا العلم و كان في نفسه من ذلك شي‏ء علمه ع ما يدفع ذلك من الصدقة كما يدفع به الطيرة التي لا أصل لها و لم يكن ابن أبي عمير رحمه الله معصوما حتى يكون فعله حجة

61-  دلائل الإمامة، للطبري و كتاب النجوم، عن عبد الله بن محمد البلوي عن عمار بن زيد المدني عن إبراهيم بن سعيد و محمد بن مسعر عن محمد بن إسحاق صاحب المغازي عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس قال مرت بالحسن بن علي ع بقرة فقال هذه حبلى بعجلة أنثى لها غرة في جبهتها و رأس ذنبها أبيض فانطلقنا مع القصاب حتى ذبحها فوجدنا العجلة كما وصف على صورتها فقلنا له أ و ليس الله عز و جل يقول وَ يَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ فكيف علمت قال إنا نعلم المخزون المكتوم الذي لم يطلع عليه ملك مقرب و لا نبي مرسل غير محمد و ذريته ع

 بيان يدل على أنه ليس للمنجمين و أمثالهم علم بأمثال ذلك

62-  الكافي، بسند فيه إرسال عن أبي عبد الله ع قال كان بيني و بين رجل قسمة أرض و كان الرجل صاحب نجوم و كان يتوخى ساعة السعود فيخرج   فيها و أخرج أنا في ساعة النحوس فاقتسمنا فخرج لي خير القسمين فضرب الرجل يده اليمنى على اليسرى ثم قال ما رأيت كاليوم قط قلت ويل الآخر ما ذاك قال إني صاحب النجوم أخرجتك في ساعة النحوس و خرجت أنا في ساعة السعود ثم قسمنا فخرج لك خير القسمين فقلت أ لا أحدثك بحديث حدثني به أبي ع قال قال رسول الله ص من سره أن يدفع الله عنه نحس يومه فليفتتح يومه بصدقة يذهب الله بها عنه نحس يومه و من أحب أن يذهب الله عنه نحس ليلته فليفتتح ليلته بصدقة يدفع الله عنه نحس ليلته و إني افتتحت خروجي بصدقة فهذا خير لك من النجوم

 بيان يدل على أنه لو كانت لها نحوسة فهي تندفع بالصدقة و أنه لا ينبغي مراعاتها بل ينبغي التوسل في دفع أمثال ذلك بما ورد عن المعصومين ع من الدعاء و التصدق و التوكل و أمثاله

63-  معاني الأخبار، عن القطان عن ابن زكريا عن ابن حبيب عن ابن بهلول عن أبيه عن عبد الله بن الفضل عن أبيه عن أبي خالد الكابلي عن علي بن الحسين ع قال الذنوب التي تظلم الهواء السحر و الكهانة و الإيمان بالنجوم و التكذيب بالقدر الخبر

 بيان ظلمة الهواء كناية عن التحير في الأمور أو شدة البلية و ظهور آثار غضب الله في الجو

64-  النجوم، روى الشيخ الفاضل أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي في كتاب العرائس إنما سمي إدريس لكثرة درسه للكتب و صحف آدم و شيث و كان أول من خط بالقلم و أول من خاط الثياب و لبس المخيط و أول من نظر في علم النجوم و الحساب

    قال السيد ره و ذكر علي بن المرتضى في كتاب ديوان النسب فيما حكاه عن التوراة أن إدريس ع أول من خط بالقلم و أول من حسب حساب النجوم قال و رأيت في رسالة أبي إسحاق الطرسوسي إلى عبد الله بن مالك في باب معرفة أصل العلم ما هذا لفظه أن الله تبارك و تعالى أهبط آدم من الجنة و عرفه علم كل شي‏ء فكان مما عرفه النجوم و الطب قال و وجدت في كتاب المنتخب من طريق أصحابنا في دعاء كل يوم من رجب و معلم إدريس عدد النجوم و الحساب و السنين و الشهور و الأزمان و ذكر عبد الله بن محمد بن طاهر في كتاب لطائف المعارف أول من أظهر علم النجوم و دل على تركيب و قدر مسير الكواكب و كشف عن وجوه تأثيرها هرمس

65-  الدر المنثور، عن قتادة قال إن الله إنما جعل هذه النجوم لثلاث خصال جعلها زينة للسماء و جعلها يهتدى بها و جعلها رجوما للشياطين فمن تعاطى فيها غير ذلك فقد فال رأيه و أخطأ حظه و أضاع نصيبه و تكلم ما لا علم له به و إن ناسا جهلة بأمر الله قد أحدثوا في هذه النجوم كهانة من أعرس بنجم كذا و كذا كان كذا و كذا و من سافر بنجم كذا و كذا كان كذا و كذا و لعمري ما من نجم إلا يولد به الأحمر و الأسود و الطويل و القصير و الحسن و الدميم و لو أن أحدا علم الغيب لعلمه آدم الذي خلقه الله بيده و أسجد له ملائكته و علمه أسماء كل شي‏ء

66-  و عن ابن عمر قال قال رسول الله ص تعلموا من النجوم ما تهتدون به في ظلمات البر و البحر ثم انتهوا

67-  و عن مجاهد قال لا بأس أن يتعلم الرجل من النجوم ما يهتدي به في البر و البحر و يتعلم منازل القمر

68-  و عن حميد الشامي قال النجوم هي علم آدم ع

    -69  و عن الحسن بن صالح قال سمعت عن ابن عباس أنه قال ذلك علم ضيعه الناس النجوم

70-  و عن عكرمة أنه سأل رجلا عن حساب النجوم و جعل الرجل يتخرج أن يخبره فقال عكرمة سمعت ابن عباس يقول علم عجز الناس عنه وددت أني علمته قال الخطيب مراده الضرب المباح الذي كانت العرب تختص به

71-  و عن عبد الله بن حفص قال خصت العرب بخصال بالكهانة و القيافة و العيافة و النجوم و الحساب فهدم الإسلام الكهانة و ثبت الباقي بعد ذلك

72-  و عن القرطي قال و الله ما لأحد من أهل الأرض في السماء من نجم و لكن يتبعون الكهنة و يتخذون النجوم علة

73-  و عن سمرة بن جندب أنه خطب فذكر حديثا عن رسول الله ص أنه قال أما بعد فإن ناسا يزعمون أن كسوف الشمس و كسوف هذا القمر و زوال هذه النجوم عن مواضعها لموت رجال عظماء من أهل الأرض و إنهم قد كذبوا و لكنها آيات من آيات الله يعتبر بها عباده لينظر ما يحدث له منهم توبة

74-  و عن علي ع قال نهاني رسول الله ص عن النظر في النجوم و أمرني بإسباغ الطهور

75-  و عن أبي هريرة قال نهى رسول الله ص عن النظر في النجوم

76-  و عن ابن مسعود قال قال رسول الله ص إذا ذكر أصحابي فأمسكوا   و إذا ذكر القدر فأمسكوا و إذا ذكرت النجوم فأمسكوا

77-  و عن أنس قال قال رسول الله ص أخاف على أمتي خصلتين تكذيبا بالقدر و تصديقا بالنجوم و في لفظ و حذقا بالنجوم

78-  و عن ابن عباس قال قال النبي ص من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد

79-  و عن ابن عباس قال إن قوما ينظرون في النجوم و يحسبون أبا جاد و ما أرى للذين يفعلون ذلك من خلاق

80-  و عن ميمون بن مهران قال قلت لابن عباس أوصني قال أوصيك بتقوى الله و إياك و علم النجوم فإنه يدعو إلى الكهانة

81-  و عن الحسن بن علي ع قال لما فتح الله على نبيه ص خيبر دعا بقوسه فاتكأ على سيتها و حمد الله و ذكر ما فتح الله عليه و نصره و نهى عن خصال عن مهر البغي و عن خاتم الذهب و عن المياثر الحمر و عن لبس الثياب القسي و عن ثمن الكلب و عن أكل لحوم الحمر الأهلية و عن الصرف الذهب بالذهب و الفضة بالفضة و بينهما فضل و عن النظر في النجوم

82-  و عن مكحول قال قال ابن عباس لا تعلم النجوم فإنها تدعو إلى الكهانة

83-  و عن العباس بن عبد المطلب قال قال رسول الله لقد طهر الله هذه الجزيرة من الشرك ما لم تظلهم النجوم

84-  و عن ابن عباس قال قال رسول الله ص إن متعلم حروف أبي جاد ليرى في النجوم ليس له عند الله خلاق يوم القيامة

    بيان قال الفيروزآبادي فال رأيه أخطأ و ضعف و قال عفت الطير أعيفها عيافة زجرتها و هو أن يعتبر بأسمائها و مساقطها و أنوائها فيتسعد أو يتشأم و العائف المتكهن بالطير أو غيرها و في النهاية الميثرة من مراكب العجم تعمل من حرير أو ديباج و تتخذ كالفراش الصغير و تحشى بقطن أو صوف يجعلها الراكب تحته على الرحال فوق الجمال و يدخل فيه مياثر السروج و قال فيه أنه نهي عن لبس القسي هي ثياب من كتان مخلوط بحرير يؤتى بها من مصر نسبت إلى قرية على ساحل البحر قريبا من تنيس يقال لها القس بفتح القاف و بعض أهل الحديث يكسرها و قيل أصل القسي القزي بالزاي منسوب إلى القز و هو ضرب من الإبريسم فأبدل من الزاي سينا و قيل منسوب إلى القس و هو الصقيع لبياضه و الصقيع الساقط من السماء بالليل كأنه ثلج. تذييل جليل و تفصيل جميل نذكر فيه أقوال بعض أجلاء أصحابنا رضوان الله عليهم في حكم النظر في علم النجوم و الاعتقاد به و الإخبار عن الحوادث بسببه و رعاية الساعات المسعودة و المنحوسة بزعمهم و القول بتأثيرها ثم نذكر ما ظهر لنا من الأخبار السابقة في جميع ذلك. قال الشيخ السعيد المفيد ره في كتاب المقالات على ما نقل عنه السيد بن طاوس ره في كتاب فرج المهموم بمعرفة علم النجوم و إن لم نجد فيما عندنا من نسخه حيث قال أقول إن الشمس و القمر و سائر النجوم أجسام نارية لا حياة لها و لا موت و لا تميز خلقها الله تعالى لينتفع بها عباده و جعلها زينة لسماواته و آيات من آياته كما قال سبحانه هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً وَ قَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ   الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ و قال تعالى وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ و قال تعالى وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ و قال تعالى وَ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ فأما الأحكام على الكائنات بدلائلها أو الكلام على مدلول حركاتها فإن العقل لا يمنع منه و لسنا ندفع أن يكون الله تعالى أعلمه بعض أنبيائه و جعله علما له على صدقه غير أنا لا نقطع عليه و لا نعتقد استمراره في الناس إلى هذه الغاية و أما ما نجده من أحكام المنجمين في هذا الوقت و أصابه بعضهم فيه فإنه لا ينكر أن يكون ذلك بضرب من التجربة و بدليل عادة و قد تختلف أحيانا و يخطئ المعتمد عليه كثيرا و لا يصح إصابته فيه أبدا لأنه ليس بجار مجرى دلائل العقول و لا براهين الكتاب و أخبار الرسول ص و هذا مذهب جمهور متكلمي أهل العدل و إليه ذهب بنو نوبخت من الإمامية و أبو القاسم و أبو علي من المعتزلة انتهى. و قال الشيخ محمد بن الحسين الكيدري في شرح نهج البلاغة في تهجين أحكام النجوم كيف يمكن أن يكون الإنسان يعرف الحوادث و أسبابها في الحال حتى

    يعرف المسببات في المستقبل كما في الجزر و المد و من ادعى أنه يعرف أسباب الكائنات فمقدماته ليست برهانية و إنما هي تجربية أو شعرية أو خطابية مؤلفة من المشهورات في الظاهر أو المقبولات و المظنونات و مع ذلك فلا يمكنه أن يتعرض إلا لجنس من أجناس الأسباب و هو تعرض بعض الأسباب العلوية و لا يمكنه أن يتعرض لجميع الأسباب السماوية و القوابل و إذا تغيرت القوابل عن أحوالها تغير أثر الفاعل فيها فإن النار في الحطب اليابس مؤثرة تأثيرا لا تؤثر في الرماد و كذا معرفة بقائها على استعداد القبول شرط و يمكن أن يكون للقوابل عوائق فلا يعلم تلك الأسباب و المسببات إلا الله تعالى و أيضا فإن المنجم يحكم على مفردات الكواكب و لا يحكم على جميعها ممتزجة و كما أن أحكام مفردات الترياق و سائر المعاجين غير أحكام المركب الذي حصلت له صورة نوعية كذلك حكم الكواكب المركوزة في الأفلاك غير حكم أفرادها و إذا لم يمكن للمنجم الحكم إلا على المفردات كان الحكم ناقصا غير موثوق به ثم إنه ربما يحصل التوأمان في غشاء فيكشف عنهما فإذا فيه صبيان حيان و على قوانين الأحكاميين يجب أن يكونا مثلين في الصورة و العمر و الحركات حتى لا يجوز أن يختلفا في شي‏ء من الأشياء و لا يجوز أن يسكت أحدهما في وقت كلام الآخر و لا يقوم في وقت قعود الآخر و لا ينام في وقت لا ينام فيه الآخر و إذا دخلا بيتا فيه باب ضيق فلا يمكنهما الدخول فإنه لا بد هاهنا من التقدم و التأخر و لا يجوز أن يمس إنسان أحدهما دون الآخر و لا يجوز أن يكون في التزويج امرأة أحدهما غير امرأة الآخر و لا أن يكون مكان أحدهما غير مكان الآخر في الأرض و هذا مما لا يخفى فساده و أيضا فإن الحكم الكلي عند أكثرهم يغلب الجزئي أ لا ترى أن طالع ناحية أو بلد إذا كان فاسدا فإنه لا يفيد عطية الكدخدا لإنسان فكيف يعتمد على الطوالع و الاختيارات مع نفي العلم بالكليات و من شنيع قولهم أنهم يقولون إذا ولد للملك في حال ولد لسوقي ولد فإن الكواكب تدل لابن الملك بخلاف ما تدل لابن السوقي مع اتفاقهما في كمية العمر لأن هيلاجهما و كدخداهما

    لا يختلفان فإذا جاز أن تكون دلالة النجوم مختلفة في سعادة هذين الولدين فما أنكروا أن يكون مقادير أعمارهما أيضا مختلفة و اختلفوا في تقويم الكواكب باختلاف الزيجات و لا برهان على فساد بعضها و صواب بعضها فربما يوجد في تقويم الشمس من التفاوت خمس درج و تختلف درج الطوالع و بروج التحاويل بسبب ذلك فتفسد الأحكام. ثم أورد عليهم كثيرا من الاختلافات و التناقضات لا نطيل الكلام بإيرادها. و قال الشيخ إبراهيم بن نوبخت في كتاب الياقوت قول المنجمين يبطله قدم الصانع و اشتراط اختياره و يلزم عليهم أن لا يستقر الفعل على حال من الأحوال و قول أهل الطبائع يبطل بمثل ذلك. و قال العلامة ره في شرحه اختلف قول المنجمين على قسمين أحدهما قول من قال إن الكواكب السبعة حية مختارة و الثاني قول من قال إنها موجبة و القولان باطلان أما الأول فلأنها أجسام محدثة فلا تكون آلهة و لأنها محتاجة إلى محدث غير جسم فلا بد من القول بالصانع و أما الثاني فلأن الكوكب المعين كالمريخ مثلا إذا كان مقتضيا للحرب لزم دوام وقوع الهرج و المرج في العالم و أن لا يستقر أفعالهم على حال من الأحوال و لما كان ذلك باطلا كان ما ذكروه باطلا و أما القائلون بالطبائع الذين يسندون الأفعال إلى مجرد الطبيعة فيبطل قولهم بمثل ذلك أيضا فإن الطبيعة قوة جسمانية و كل جسم محدث فكل قوة حالة فهي محدثة تفتقر إلى محدث غير طبيعته و إلا لزم التسلسل فلا بد من القول بالصانع سبحانه و تعالى و قال السيد الشريف المرتضى ره في كتاب الغرر و الدرر في أجوبة   المسائل السلارية حين سئل ره ما القول فيما يخبر به المنجمون من وقوع حوادث و يضيفون ذلك إلى تأثيرات النجوم و ما المانع من أن تؤثر الكواكب على حد تأثير الشمس الأدمة فينا و إن كان تأثير الكواكب مستحيلا فما المانع من أن تكون التأثيرات من فعل الله تعالى بمجرى العادة عند طلوع هذه الكواكب أو انتقالها فلينعم ببيان ذلك فإن الأنفس إليه متشوقة و كيف تقول إن المنجمون حادسون مع أنه لا يفسد من أقوالهم إلا القليل حتى أنهم يخبرون بالكسوف و وقته و مقداره فلا تكون إلا على ما أخبروا به فأي فرق بين إخبارهم بحصول هذا التأثير في هذا الجسم و بين حصول تأثيرها في أجسامنا. الجواب اعلم أن المنجمين يذهبون إلى أن الكواكب تفعل في الأرض و من عليها أفعالا يسندونها إلى طباعها و ما فيهم من أحد يذهب إلى أن الله تعالى أجرى العادة بأن يفعل عند قرب بعضها من بعض أو بعده أفعالا من غير أن يكون للكواكب أنفسها تأثير في ذلك و من ادعى هذا المذهب الآن منهم فهو قائل بخلاف ما ذهبت القدماء في ذلك و متجمل بهذا المذهب عند أهل الإسلام و متقرب إليهم بإظهاره و ليس هذا بقول لأحد ممن تقدم و كان الذي كان يجوز أن يكون صحيحا و إن دل الدليل على فساده لا يذهبون إليه و إنما يذهبون إلى المحال الذي لا يمكن صحته و قد فرغ المتكلمون من الكلام في أن الكواكب لا يجوز أن تكون فينا فاعلة و تكلمنا نحن أيضا في مواضع على ذلك و بينا بطلان الطبائع الذين يهذون بذكرها و إضافة الأفعال إليها و بينا أن الفاعل لا بد أن يكون حيا قادرا و قد علمنا أن الكواكب ليست بهذه الصفة و كيف تفعل و ما يصحح الأفعال مفقود فيها و قد سطر المتكلمون طرقا كثيرة في أنها ليست بحية و لا قادرة أكثرها معترض و أشف ما قيل في ذلك أن الحياة معلوم أن الحرارة الشديدة كحرارة النار تنفيها و لا تثبت معها و معلوم أن حرارة الشمس أشد و أقوى من حرارة النار بكثير لأن الذي يصل إلينا على بعد المسافة من حرارة الشمس بشعاعها يماثل أو يزيد على حرارة النار و ما كان بهذه الصفة من الحرارة

    يستحيل كونه حيا و أقوى من ذلك كله في نفي كون الفلك و ما فيه من شمس و قمر و كوكب أحياء السمع و الإجماع و أنه لا خلاف بين المسلمين في ارتفاع الحياة عن الفلك و ما يشتمل عليه من الكواكب و أنها مسخرة مدبرة مصرفة و ذلك معلوم من دين رسول الله ص ضرورة و إذا قطعنا على نفي الحياة و القدرة عن الكواكب فكيف تكون فاعلة و على أننا قد سلمنا لهم استظهارا في الحجة أنها قادرة قلنا إن الجسم و إن كان قادرا فإنه لا يجوز أن يفعل في غيره إلا على سبيل التوليد و لا بد من وصلة بين الفاعل و المفعول فيه و الكواكب غير مماسة لنا و لا وصلة بينها و بيننا فكيف تكون فاعلة فينا فإن ادعى أن الوصلة بيننا هي الهواء فالهواء أولا لا يجوز أن يكون آلة في الحركات الشديدة و حمل الأثقال ثم لو كان الهواء آلة تحركنا بها الكواكب لوجب أن نحس بذلك و نعلم أن الهواء يحركنا و يصرفنا كما نعلم في غيرنا من الأجسام إذا حركناه بآلة على أن في الحوادث الحادثة فينا ما لا يجوز أن يفعل بآلة و لا يتولد عن سبب كالإرادات و الاعتقادات و أشياء كثيرة فكيف فعلت الكواكب ذلك فينا و هي لا تصح أن يكون مخترعة للأفعال لأن الجسم لا يجوز أن يكون قادرا إلا بقدرة و القدرة لا يجوز لأمر يرجع إلى نوعها أن تخترع بها الأفعال فأما الأدمة فليس تؤثرها الشمس على الحقيقة في وجوهنا و أبداننا و إنما الله تعالى هو المؤثر لها و فاعلها بتوسط حرارة الشمس كما أنه تعالى هو المحرق على الحقيقة بحرارة النار و الهاشم لما يهشمه الحجر بثقله و حرارة الشمس مسودة للأجساد من جهة معقولة مفهومة كما أن النار تحرق الأجسام على وجه معقول فأي تأثير للكواكب فينا يجري هذا المجرى في تمييزه و العلم بصحته فليشر إليه فإن ذلك مما لا قدرة عليه.   و مما يمكن أن يعتمد في إبطال أن تكون الكواكب فاعلة فينا و مصرفة لنا أن ذلك يقتضي سقوط الأمر و النهي و الذم عنا و نكون معذورين في كل إساءة تقع منا و نجنيها بأيدينا و غير مشكورين على شي‏ء من الإحسان و الإفضال و كل شي‏ء نفسد به قول المجبرة فهو مفسد لهذا المذهب و أما الوجه الآخر و هو أن يكون الله تعالى أجرى العادة بأن يفعل أفعالا مخصوصة عند طلوع الكوكب أو غروبه و اتصاله أو مفارقته و قد بينا أن ذلك ليس بمذهب المنجمين البتة و إنما يتجملون الآن بالتظاهر به و أنه قد كان جائزا أن يجري الله تعالى العادة بذلك لكن لا طريق إلى العلم بأن ذلك قد وقع و ثبت و من أين لنا بأن الله تعالى قد أجرى العادة بأن يكون زحل أو المريخ إذا كان في درجة الطالع كان نحسا و أن المشتري إذا كان كذلك كان سعدا و أي سمع مقطوع به جاء بذلك و أي نبي خبر به و استفيد من جهته فإن عولوا في ذلك على التجربة بأنا جربنا ذلك و من كان قبلنا فوجدناه على هذه الصفة و إذا لم يكن موجبا وجب أن يكون معتادا قلنا و من سلم لكم صحة هذه التجربة و انتظامها و اطرادها و قد رأينا خطاءكم أكثر من صوابكم فيها و صدقكم أقل من كذبكم فألا نسبتم الصحة إذا اتفقت منكم إلى الاتفاق الذي يقع من المخمن و المرجم فقد رأينا من يصيب من هؤلاء أكثر ممن يخطئ و هو على غير أصل معتمد و لا قاعدة صحيحة فإذا قلتم سبب خطاء المنجم زلل دخل عليه في أخذ الطالع أو تسير الكواكب قلنا و لم لا كانت إصابته سببها التخمين و إنما كان يصح لكم هذا التأويل و التخريج لو كان على صحة أحكام النجوم دليل قاطع هو غير إصابة المنجم فأما إذا كان دليل صحة الأحكام الإصابة فألا كان دليل فسادها الخطاء فما أحدهما في المقابلة إلا كصاحبه. و مما أفحم به القائلون بصحة الأحكام و لم يتحصل منهم عنه جواب أن قيل لهم في شي‏ء بعينه خذوا الطالع و احكموا هل يؤخذ أو يترك فإن حكموا

    إما بالأخذ أو الترك خولفوا و فعل خلاف ما خبروا به و قد أعضلتهم هذه المسألة و اعتذروا عنها بأعذار ملفقة لا يخفى على عاقل سمعها بعدها من الصواب فقالوا في هذه المسألة يجب أن يكتب هذا المبتلي بها ما يريد أن يفعل أو يخبر به غيره فإنا نخرج ما قد عزم عليه من أحد الأمرين و هذا التعليل منهم باطل لأنه إذا كان النظر في النجوم يدل على جميع الكائنات التي من جملتها ما يختاره أحدنا من أخذ هذا الشي‏ء أو تركه فأي فرق بين أن يطوي ذلك فلا يخبر به و لا يكتبه حتى يقول المنجم ما عنده و بين أن يخبره به و يكتبه قبل ذلك و إنما فزعوا إلى الكتابة و ما يجري مجراها حتى لا يخالف المنجم فيما يذكره و يحكم به من أخذ أو ترك و لو كانت الأحكام صحيحة و فيها دلالة على الكائنات لوجب أن يعرف المنجم ما اختاره من أحد الأمرين على كل حال و لو نزلنا تحت حكمهم و كتبنا ما نريد أن نفعله لما وجدنا إصابتهم في ذلك إلا أقل من خطائهم و لم يزيدوا فيه على ما يفعله المخمن المرجم من غير نظر في طالع و لا غارب و لا رجوع إلى أصل و إلا فالبلوى بيننا و بينهم. و كان بعض الرؤساء بل الوزراء ممن كان فاضلا في الأدب و الكتابة و مشغوفا بالنجوم عاملا عليها قال لي يوما و قد جرى حديث يتعلق بأحكام النجوم و رأى من مخائلي التعجب ممن يتشاغل بذلك و يفني زمانه به أريد أن أسألك عن شي‏ء في نفسي فقلت سل عما بدا لك قال أريد أن تعرفني هل بلغ بك التكذيب بأحكام النجوم إلى أن لا تختار يوما لسفر و لبس ثوب جديد و توجه في حاجة فقلت قد بلغت إلى ذلك و الحمد لله و زيادة عليه و ما في داري تقويم و لا أنظر فيه و ما رأيت مع ذلك إلا خيرا ثم أقبلت عليه فقلت ندع ما يدل على بطلان أحكام النجوم مما يحتاج إلى ظن دقيق و روية طويلة و هاهنا شي‏ء قريب لا يخفى على أحد ممن علت طبقته في الفهم أو انخفضت خبرني لو فرضنا جادة مسلوكة و طريقا يمشي فيه الناس ليلا و نهارا و في محجته آبار متقاربة و بين بعضها و بعض طريق يحتاج سالكه إلى تأمل و توقف حتى يتخلص من السقوط في بعض

    تلك الآبار هل يجوز أن تكون سلامة من يمشي في هذا الطريق من العميان كسلامة من يمشي فيه من البصراء و قد فرضنا أنه لا يخلو طرفة عين من المشاة فيه بصراء و عميان و هل يجوز أن يكون عطب البصراء يقارب عطب العميان أو سلامة العميان مقاربة لسلامة البصراء فقال هذا مما لا يجوز بل الواجب أن تكون سلامة البصراء أكثر من سلامة العميان و لا يجوز في مثل هذا التقارب فقلت إذا كان هذا محالا فأحيلوا نظيره و ما لا فرق بينه و بينه و أنتم تجيزون شبيه ما ذكرنا و عديله لأن البصراء هم الذين يعرفون أحكام النجوم و يميزون سعدها و نحسها و يتوقون بهذه المعرفة مضار الزمان و يتخطونها و يعتمدون منافعه و يقصدونها و مثال العميان كل من لا يحسن تعلم النجوم و لا يلتفت إليه من الفهماء و الفقهاء و أهل الديانات و العبادات ثم سائر العوام و الأعراب و الأكراد و هم أضعاف أضعاف من يراعي عدد النجوم و مثال الطريق الذي فيه الآبار الزمان الذي يمضي عليه الخلق أجمعون و مثال آباره مصائبه و نوائبه و محنه و قد كان يجب لو صح العلم بالنجوم و أحكامها أن تكون سلامة المنجمين أكثر و مصائبهم أقل لأنهم يتوقون المحن لعلمهم بها قبل كونها و تكون محن كل من ذكرناه من الطبقات الكثيرة أوفر و أظهر حتى تكون السلامة هي الطريفة الغريبة و قد علمنا خلاف ذلك و أن السلامة أو المحن في الجميع متقاربة غير متفاوتة فقال ربما اتفق مثل ذلك فقلت له فيجب أن نصدق من خبرنا في ذلك الطريق المسلوك الذي فرضناه بأن سلامة العميان كسلامة البصراء و نقول لعل ذلك اتفق و بعد فإن الاتفاق لا يستمر بل ينقطع و هذا الذي ذكرناه مستمر غير منقطع فلم يكن عنده عذر صحيح و مما يفسد مذهب المنجمين و يدل على أن ما لعله يتفق لهم من الإصابة على غير أصل أنا قد شاهدنا جماعة من الزراقين الذين لا يعرفون شيئا من علم النجوم و لا نظروا قط في شي‏ء منه يصيبون فيما يحكمون به إصابات مستطرفة و قد كان المعروف بالشعراني الذي شاهدناه و هو لا يحسن أن يأخذ الأسطرلاب للطالع و لا   نظر قط في زيج و لا تقويم غير أنه زكي حاضر الجواب فطن بالزرق معروف به كثير الإصابة و بلوغ الغاية فيما يخرجه من الأسرار و لقد اجتمع يوما بين يدي جماعة كانوا عندي و كنا قد اعتزمنا جهة نقصدها لبعض الأغراض فسأله أحدنا عما نحن بصدده فابتدأه من غير أخذ طالع و لا نظر في تقويم فأخبرنا بالجهة التي أردنا قصدها ثم عدل إلى كل واحد من الجماعة فأخبره عن كثير من تفصيل أمره و أغراضه حتى قال لأحدهم و أنت من بين الجماعة قد وعدك واعد بشي‏ء يوصله إليك و قلبك به متعلق و في كمك شي‏ء مما يدل على هذا و قد انقضت حاجتك و انتجزت و جذب يده إلى كمه فاستخرج ما فيه فاستحيا ذلك الرجل و وجم و منع من الوقوف على ما في كمه بجهده فلم ينفعه ذلك و أعان الحاضرون على إخراج ما في كمه لما أحسوا بالإصابة من الزرق فأخرج من كمه رقاع كثيرة في جملتها صك على دار الضرب بصلة من خليفة الوزارة في ذلك الوقت فعجبنا مما اتفق من إصابته مع بعده من صناعة النجوم و كان لنا صديق يقول أبدا من أدل دليل على بطلان أحكام النجوم إصابة الشعراني. و جرى يوما مع من يتعاطى علم النجوم هذا الحديث فقال عند المنجمين أن السبب في إصابة من لا يعلم شيئا من علم النجوم أن مولده و ما يتولاه و يقتضيه كواكبه اقتضى له ذلك فقلت له لعل بطلميوس و كل عالم من عامة المنجمين

    و مصيب في أحكامه عليها إنما سبب إصابته مولده و ما يقتضيه كواكبه من غير علم و لا فهم فلا يجب أن يستدل بالإصابة على العلم إذ كانت تقع من جاهل و يكون سببها المولد و إذا كانت الإصابة بالمواليد فالنظر في علم النجوم عبث و لعب لا يحتاج إليه لأن المولد إن اقتضى الإصابة أو الخطاء فالتعلم لا ينفع و تركه لا يضر و هذه علة تسري إلى كل صنعة حتى يلزم أن يكون كل شاعر مفلق و صانع حاذق و ناسج للديباج مونق لا علم له بتلك الصناعة و إنما اتفقت الصنعة بغير علم لما تقتضيه كواكب مولده و ما يلزم على هذا من الجهالات لا يحصى. و اعلم أن التعب بعلم مراكز الكواكب و أبعادها و أشكالها و تسيراتها متى لم يكن ثمرته العلم بالأحكام و الاطلاع على الحوادث قبل كونها لا معنى له و لا غرض فيه لأنه لا فائدة في أن يعلم ذلك كله و يختص نفس العلم به و ما يجري الاطلاع على ذلك إذا لم تتعد المعرفة إلى العلم بالأحكام إلا مجرى العلم بعدد الحصى و كيل النوى و معرفة أطوال الجبال و أوزانها و كما أن العناء في تعرف ذلك عبث و سفه لا يجدي نفعا فكذلك العلم بشكل الفلك و تسيرات كواكبها و أبعادها و المعرفة بزمان قطع كل كوكب للفلك و تفاصيلها فيه و ما شقي القوم بهذا الشأن و أفنوا أعمارهم إلا لتقديرهم أنه يفضي إلى معرفة الأحكام فلا تغتر بقول من يقول منهم إننا ننظر في ذلك لشرف نفوسنا بعلم الهيئة و لطيف ما فيها من الأعاجيب فإن ذلك تجمل منهم و تقرب إلى أهل الإسلام و لو لا أن غرضهم معرفة الأحكام لما تعنوا بشي‏ء من ذلك كله و لا كانت فيه فائدة و لا منه عائدة و من أدل الدليل على بطلان أحكام النجوم أنا قد علمنا أن من جملة معجزات الأنبياء ع الإخبار عن الغيوب و عد ذلك خارقا للعادات كإحياء الميت و إبراء الأكمه و الأبرص و لو كان العلم بما يحدث طريقا نجوميا لم يكن ما ذكرناه معجزا و لا خارقا للعادات فكيف يشتبه على مسلم بطلان أحكام النجوم و قد أجمع المسلمون قديما   و حديثا على تكذيب المنجمين و الشهادة بفساد مذاهبهم و بطلان أحكامهم و معلوم من دين الرسول ص ضرورة التكذيب بما يدعيه المنجمون و الإزراء عليهم و التعجيز لهم و في الروايات عنه ص من ذلك ما لا يحصى كثرة و كذا عن علماء أهل بيته ع و خيار أصحابه فما زالوا يبرءون من مذاهب المنجمين و يعدونها ضلالا و محالا و ما اشتهر هذه الشهرة في دين الإسلام كيف يغتر بخلافه منتسب إلى الملة و مصل إلى القبلة فأما إصابتهم في الإخبار عن الكسوفات و ما مضى في أثناء المسألة من طلب الفرق بين ذلك و بين سائر ما يخبرون به من تأثيرات الكواكب في أجسامنا فالفرق بين الأمرين أن الكسوفات و اقترانات الكواكب و انفصالها طريقة الحساب و تسير الكواكب و له أصول صحيحة و قواعد سديدة و ليس كذلك ما يدعونه من تأثيرات الكواكب في الخير و الشر و النفع و الضر و لو لم يكن في الفرق بين الأمرين إلا الإصابة الدائمة المتصلة في الكسوفات و ما يجري مجراها فلا يكاد يبين فيها خطاء البتة و إن الخطاء المعهود الدائم إنما هو في الأحكام الباقية حتى أن الصواب هو العزيز فيها و ما يتفق لعله فيها من الإصابة قد يتفق من المخمن أكثر منه فحمل أحد الأمرين على الآخر بهت و قلة دين انتهى كلامه ضاعف الله إنعامه. و نقل عنه السيد بن طاوس ره أنه كتب في أجوبة بعض ما سئل عنه قلنا إن الذي جاء بعلم النجوم من الأنبياء هو إدريس ع و إنما علم من جهته على الحد الذي ذكرناه و نعلم أنه لا يجوز كونها دلالة إلا على هذا الوجه فقط لأن الشي‏ء إنما يدل على هذا الحد أو على الوجه الذي يدل الدليل العقلي عليه و قد بينا تعذر ذلك في النجوم فلم يبق إلا ما ذكرناه و القطع على أن كيفية دلالتها معلوم الآن غير ممكن لأن شريعة إدريس ع و ما علم من قبله كالمندرس فلا نعلم الحال فيه فإن كان بعض تلك العلوم قد بقي محفوظا عند قوم

    تناقلوه و تداولوه لم نمنع أن يكون معلوما لهم إذا اتصل التواتر و إن لم يكن كذلك لم نمنع أن يكون العلم به و إن بطل و زال أن يكون أمارة يقتضي غالب الظن عند كثير منهم و هذا هو الأقرب فيما يتمسك به أهل النجوم لأنهم إذا تدبرت أحوالهم وجدتهم غير واثقين بما يحكمون و إنما يتقدم أحدهم في ذلك العلم كتقدم الطبيب في الطب فكما أن علوم الطب مبنية على الأمارات التي تقتضيها التجارب و غالب الظن فكذلك القول في علم النجوم إلا في أمور مخصوصة يمكن أن يعلم بضروب من الأخبار انتهى. و قال العلامة ره في كتاب منتهى المطلب التنجيم حرام و كذا تعلم النجوم مع اعتقاد أنها مؤثرة أو أن لها مدخلا في التأثير بالنفع و الضرر و بالجملة كل من يعتقد ربط الحركات النفسانية و الطبيعية بالحركات الفلكية و الاتصالات الكوكبية كافر و أخذ الأجرة على ذلك حرام و أما من يتعلم النجوم فيعرف قدر سير الكواكب و بعده و أحواله من التربيع و الكسف و غيرهما فإنه لا بأس به و نحوه قال في التحرير و القواعد. و قال الشيخ الشهيد ره في قواعده كل من اعتقد في الكواكب أنها مدبرة لهذا العالم و موجدة ما فيه فلا ريب أنه كافر و إن اعتقد أنها تفعل الآثار المنسوبة إليها و الله سبحانه هو المؤثر الأعظم كما يقوله أهل العدل فهو مخطئ إذ لا حياة لهذه الكواكب ثابتة بدليل عقلي و لا نقلي و بعض الأشعرية يكفرون هذا كما يكفرون الأول و أوردوا على أنفسهم عدم تكفير المعتزلة و كل من قال بفعل العبد و فرقوا بأن الإنسان و غيره من الحيوان يوجد فعله من أن التذلل ظاهر عليه فلا يحصل منه اهتضام لجانب الربوبية بخلاف الكواكب فإنها غائبة عنه فربما أدى ذلك إلى اعتقاد استقلالها و فتح باب الكفر و أما ما يقال من أن استناد الأفعال إليها كاستناد الإحراق إلى النار و غيرها من العاديات بمعنى أن الله تعالى أجرى عادته أنها إذا كانت على شكل مخصوص أو وضع مخصوص يفعل ما ينسب إليها و يكون ربط المسببات بها كربط مسببات الأدوية و الأغذية بها   مجازا باعتبار الربط العادي لا الفعل الحقيقي فهذا لا يكفر معتقده و لكنه مخطئ أيضا و إن كان أقل خطاء من الأول لأن وقوع هذه الآثار عندها ليس بدائم و لا أكثري. و قال ره في الدروس و يحرم اعتقاد تأثير النجوم مستقلة أو بالشركة و الإخبار عن الكائنات بسببها أما لو أخبر بجريان العادة أن الله تعالى يفعل كذا عند كذا لم يحرم و إن كره على أن العادة فيها لا تطرد إلا فيما قل و أما علم النجوم فقد حرمه بعض الأصحاب و لعله لما فيه من التعرض للمحظور من اعتقاد التأثير أو لأن أحكامه تخمينية و أما علم هيئة الأفلاك فليس حراما بل ربما كان مستحبا لما فيه من الاطلاع على حكم الله و عظم قدرته. و قال المحقق الشيخ علي أجزل الله تشريفه التنجيم الإخبار عن أحكام النجوم باعتبار الحركات الفلكية و الاتصالات الكوكبية التي مرجعها إلى القياس و التخمين إلى أن قال و قد ورد عن صاحب الشرع النهي عن تعلم النجوم بأبلغ وجوهه إذا تقرر ذلك فاعلم أن التنجيم مع اعتقاد أن للنجوم تأثيرا في الموجودات السفلية و لو على جهة المدخلية حرام و كذا تعلم النجوم على هذا الوجه بل هذا الاعتقاد كفر في نفسه نعوذ بالله أما التنجيم لا على هذا الوجه مع التحرز عن الكذب فإنه جائز فقد ثبت كراهية التزويج و سفر الحج في العقرب و ذلك من هذا القبيل نعم هو مكروه و لا ينجر إلى الاعتقاد الفاسد و قد ورد النهي عنه مطلقا حسما للمادة. و قال الشيخ البهائي ره ما يدعيه المنجمون من ارتباط بعض الحوادث السفلية بالأجرام العلوية إن زعموا أن تلك الأجرام هي العلة المؤثرة في تلك الحوادث بالاستقلال أو أنها شريكة في التأثير فهذا لا يحل للمسلم اعتقاده و علم النجوم المبتني على هذا كفر و العياذ بالله و على هذا حمل ما ورد في الحديث من التحذير عن علم النجوم و النهي عن اعتقاد صحته و إن قالوا إن اتصالات تلك

    الأجرام و ما يعرض لها من الأوضاع علامات على بعض حوادث هذا العالم مما يوجده الله سبحانه بقدرته و إرادته كما أن حركات النبض و اختلافات أوضاعه علامات يستدل بها الطبيب على ما يعرض للبدن من قرب الصحة أو اشتداد المرض و نحو ذلك و كما يستدل باختلاج بعض الأعضاء على بعض الأحوال المستقبلة فهذا لا مانع منه و لا حرج في اعتقاده و ما روي من صحة علم النجوم و جواز نقله محمول على هذا المعنى ثم قال ره الأمور التي يحكم بها المنجمون من الحوادث الاستقبالية أصول بعضها مأخوذة من أصحاب الوحي سلام الله عليهم و بعض الأصول يدعون فيها التجربة و بعضها مبتن على أمور متشعبة لا تفي القوة البشرية في الأغلب بضبطها و الإحاطة بها

 كما يومئ إليه قول الصادق ع كثيره لا يدرك و قليله لا ينتج

فلذلك وجد الاختلاف في كلامهم و تطرق الخطاء إلى بعض أحكامهم و من اتفق له الجري على الأصول الصحيحة صح كلامه و صدقت أحكامه لا محالة كما نطق به كلام الصادق ع في الرواية المذكورة قبيل هذا الفصل يعني رواية ابن سيابة و لكن هذا أمر عزيز المنال لا يظفر به إلا القليل و الله الهادي إلى سواء السبيل. و لابن سينا كلام في هذا الباب قال في فصل المبدإ و المعاد من إلهيات الشفاء لو أمكن إنسانا من الناس أن يعرف الحوادث التي في الأرض و السماء جميعا و طبائعها لفهم كيفية ما يحدث في المستقبل و هذا المنجم القائل بالأحكام مع أن أوضاعه الأولى و مقدماته ليست مستندة إلى برهان بل عسى أن يدعي فيها التجربة أو الوحي و ربما حاول قياسات شعرية أو خطابية في إثباتها فإنه إنما يعول على دلائل جنس واحد من أسباب الكائنات و هي التي في السماء على أنه لا يضمن الإحاطة بجميع الأحوال التي في السماء و لو ضمن لنا في ذلك و وفى به لم يمكنه أن يجعلنا بحيث نقف على وجود جميعها في كل وقت و إن كان جميعها من حيث فعله و طبعه معلوما عنده ثم قال في آخر كلامه فليس لنا إذن اعتماد على أقوالهم و إن سلمنا   متبرعين أن جميع ما يعطونا من مقدماتهم الحكمية صادقة انتهى. و قال الشيخ أبو الفتح محمد بن علي الكراجكي ره في كتاب كنز الفوائد في الرد على من قال إن الشمس و القمر و النجوم علل موجبات كلاما طويل الذيل يرجع حاصله إلى أن هذه الكواكب و الأوضاع إن كانت عللا للحوادث فما الحاجة إلى الاطلاع على الأحكام و أخذ الطوالع عند المواليد و عمل الزوائج و تحاويل السنين مع أن الإنسان لا يقدر على أن يزيد فيه في سعده و لا أن ينقص به من نحسه و ما أوجبه مولده فهو كائن لا مغير له مع أنه إذا علم حصول سعادة قبل وقوعها يكون قلق النفس منقسم الخاطر يستبعد قرب الساعات و يستطيل قصر الأوقات تشوقا إلى ما يرد و تطلعا إلى ما وعد و في ذلك ما يقطعه عن منافعه و يقصر به عن حركاته في مصالحه اتكالا على ما يأتيه و ربما أخلف الوعد و تأخر السعد فليس جميع أحكامكم تصيب و لا الغلط منكم بعجيب فتصير المنفعة مضرة و أما متوقع المنحسة فلا شك أنه قد تعجل الشدة رهبة من قدومها و عظم هلعه بهجومها و إن قلتم إن الإنسان يمكنه أن يحترز من المنحسة فيدفعها أو ينقص منها فقد أبطلتم دعواكم أنها مدبرة. ثم قال و أنا أخبرك بعد هذا بطرق من بطلان أفعالهم و نكت من فساد استدلالهم اعلم أن تسمية البروج الاثني عشر بالحمل و الثور و الجوزاء و غيرها لا أصل لها و لا حقيقة و إنما وضعها الراصدون لهم فحصل متعارفا بينهم و كذلك جميع الصور التي عن جنبي منطقة البروج و الجميع ثمان و أربعون صورة عندهم مشهورة و علماؤهم معترفون بأن ترتيب هذه الصور و تشبيهها و قسمة الكواكب عليها و تسميتها صنعها حذاقهم الراصدون لها و قد ذكر هذا أبو الحسين عبد الرحمن بن عمر الصوفي و هو من جملتهم و له مصنفات لم يعمل مثلها في عملهم و بينه في الجزء الأول من كتابه الذي عمله في الصور و قد ذكر رصد الأوائل منهم الكواكب و أنهم رتبوها في المقادير و العظم ست مراتب و بين أنهم الفاعلون لذلك و قال إنهم وجدوا من هذه الكواكب تسعمائة و سبعة عشر كوكبا ينتظم منها ثماني

    و أربعون صورة كل صورة منها تشتمل على كواكبها و هي الصور التي أثبتها بطلميوس في المجسطي بعضها في النصف الشمالي من الكرة و بعضها على منطقة البروج التي هي طريقة الشمس و القمر و الكواكب السريعة السير و بعضها في النصف الجنوبي منها فسموا كل صورة منها باسم الشي‏ء المشبه بها فبعضها على صورة الإنسان مثل كوكبة الجوزاء و كوكبة الجاثي على ركبتيه و كوكبة العواء و بعضها على صورة الحيوانات البرية و البحرية مثل الحمل و الثور و السرطان و الأسد و العقرب و الحوت و الدب الأكبر و الدب الأصغر و بعضها خارج عن شبه الإنسان و سائر الحيوانات مثل الإكليل و الميزان و إنما فعلوا ذلك ليكون لكل كوكب اسم يعرف به متى أشاروا إليه لمعرفة أوقات الليل و الطالع في كل وقت و أشياء عظيمة المنفعة انتهى. ثم قال الكراجكي و هو دليل واضح على أن الصور و الأشكال و الأسماء و الألقاب ليست على سبيل الواجب و الاستحقاق و إنما هي اصطلاح و اختيار و لو غيرت عن ذلك إلى تشبيه آخر لأمكن و جاز ثم إنهم بعد هذه الحال جعلوا كثيرا من الأحكام مستخرجا من هذه الصور و الأشكال و منتسبا إلى الأسماء الموضوعة و الألقاب حتى كأنها على ما ذكروه بنحو واجب و دليل عقل ثبت فقالوا إن الحكم على الكسوف على ما حكاه ابن هنبثي عن بطلميوس أنه إذا كان البرج الذي يقع فيه الكسوف من ذوات الأجنحة مثل العذراء و الرامي و الدجاجة و النسر و ما أشبهها كان الحادث في الطير الذي يأكله الناس و إن كان في صورة الحيوان مثل السرطان و الدلفين كان الحادث في الحيوانات البحرية أو النهرية و في هذه فضيحة عظيمة أ ما يعلم هؤلاء القوم أنهم الذين جعلوا ذوات الأجنحة بأجنحة و الصور البحرية بحرية و أنه لو لا ما فعلوه لم يكن شي‏ء مما ذكروه فكيف صارت أفعالهم التي ابتدعوها و تشبيهاتهم التي وضعوها موجبة لأن يكون حكم   الكسوف مستخرجا منها و صادرا عنها و هذا يؤدي إلى أنهم المدبرون للعالم إذ كانت أفعالهم سببا لما توجبه الكوكب. ثم أورد ره كثيرا من هذه الإلزامات المسكتة عليهم ثم قال و الصور عندهم لا تثبت في مواضعها و لا تستقر على أقسامها و صورة الحمل التي يقولون إنها أول البروج قد سفل إلى مكان البرج الثاني و الحمل في الحوت إذ الثوابت متحركة عندهم بحركة بطيئة خفية و لخفاء حركتها سموها الثابتة و إن وجدوها في الأرصاد مختلفة و قال الصوفي في كتاب الصور إن مواضع هذه الصور التي على منطقة فلك البروج كانت منذ ثلاثة آلاف سنة في غير هذه الأقسام و إن صورة الحمل كانت في القسم الأول و كان يسمى الأول من البروج الثور و الثاني الجوزاء و الثالث السرطان و لما جددوا الأرصاد في أيام طيموخارس وجدوا صورة الحمل قد انتقلت إلى القسم الأول من الأقسام الاثني عشر الذي هو بعد نقطة التقاطع غيروا أساميها فسموا القسم الأول الحمل و الثاني الثور و الثالث الجوزاء قال و لا يخالفنا أحد في أن هذه الصور تنتقل حركاتها على مر الدهور على أماكنها حتى تصير صورة الحمل في القسم التاسع الذي للميزان و صورة الميزان في القسم الأول الذي للحمل فيسمى أول البروج الميزان و الثاني العقرب ثم مر في كلامه موضحا عما ذكرناه من تنقلها الموجب لتغير أسماء بروجها و هم مجمعون على أن الكوكبين المتقاربين المعروفين بالشرطين على قرني الحمل و هما أول منازل القمر فيجب أن يكونا أول البروج الاثني عشر و من امتحنهما في وقتنا هذا و هو من سنة ثمان و عشرين و أربعمائة للهجرة الموافقة لسنة ألف و ثلاثمائة و ثمان و أربعين لذي القرنين وجد أحدهما في عشرين درجة من الحمل و الأخرى في إحدى و عشرين منه أعني من البرج الأول فأي برج من البروج الاثني عشر يبقى على صورة واحدة و كيف يثبت الحكم لأول البروج بأنه دال على الوحوش و على كل ذي ظلف و قد انتقلت إليه أكثر صورة الحوت و كذلك حال جميع البروج.

    ثم ذكر ره كثيرا من أغلاطهم و اشتباهاتهم إلى أن قال و أنا أذكر لك بعد هذا مقالتنا في النجوم و ما نعتقده فيها لتعرف الطريقة في ذلك فتعتمد عليها اعلم أيدك الله أن الشمس و القمر و النجوم أجسام محدثة من جنس أجسام العالم مؤتلفة من أجزاء تحلها الأعراض و ليست بفاعلة في الحقيقة و لا ناطقة و لا حية قادرة و قد قال شيخنا المفيد ره إنها أجسام نارية فأما حركتها فهي فعل الله تعالى فيها و هو المحرك لها و هي من آياته الباهرة في خلقه و زينة لسمائه و فيها منافع لعباده لا تحصى و بها يهتدي السائرون برا و بحرا قال الله تعالى وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ و فيها للخلق مصالح لا يعلمها إلا الله فأما التأثير المنسوب إليها فإنا لا ندفع كون الشمس و القمر مؤثرين في العالم و نحن نعلم أن الأجسام و إن كان لا يؤثر أحدها في الآخر إلا مع مماسة بينهما بأنفسهما أو بواسطة فإن للشمس و القمر شعاعا متصلا بالأرض و ما عليها يقوم مقام المماسة و تصح به التأثيرات الحادثة و من ذا الذي ينكر تأثير الشمس و القمر و هو موجود مشاهد و إن كان تأثير الشمس أظهر للحس و أبين من تأثير القمر في الأزمان و البلدان و النبات و الحيوان فأما غيرهما من الكواكب فلسنا نجد لها تأثيرا نحس و لا نقطع على وجوبه بالعقل و لا هو أيضا من الممتنع المستحيل بل من الجائز في العقول لأن لها شعاعا متصلا بالأرض و إن كان دون شعاع الشمس و القمر فغير منكر أن يكون لها تأثير يخفى عن الحس خارج عن أفعال الخلق فإن كان لها تأثير كما يقال كان تأثيرها مع تأثير الشمس و القمر في الحقيقة من أفعال الله عز و جل و ليس يصح إضافته إليها إلا على وجه التوسع و التجوز كما تقول أحرقت النار و برد الثلج و قطع السيف و شج الحجر و في الحقيقة أن النار أحرق بها و الثلج برد بها و قطع أيضا بالسيف و شج بالحجر و كذلك قولنا أحمت الشمس الأرض و نفعت الزرع و في الحقيقة أن الله تعالى أحمى بها و نفع و مما يدل على أن الله تعالى يستعمل شيئا بشي‏ء قوله عز و جل أَ لَمْ تَرَ   أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا و قوله تعالى وَ هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ و ليس فيما ذكرناه رجوع إلى قول أصحاب الأحكام و الإقرار بما أنكرناه عليهم في متقدم الكلام لأنا أنكرنا عليهم إضافتهم تأثيرات الشمس و القمر إليهما من دون الله سبحانه و قطعهم على ما جوزناه من تأثيرات الكواكب بغير حجة عقلية و لا سمعية و إضافتهم إلى جميع الأفعال في الحقيقة مع دعواهم لها بالحياة و القدرة فأنكرنا عليهم أن يكون الشمس و القمر أو شي‏ء من الكواكب فاعلا لأفعالنا أو تكون حركته شيئا موجبا لوقوع الأفعال عنا لشهادة العقل الصحيح بأن أفعالنا لو كانت مخترعة فينا أو كائنة عن سبب أوجبها من غيرنا لم تقع بحسب قصودنا و إراداتنا و كانت لا فرق بينها و بين جميع ما يفعل فينا من صحتنا و سقمنا و تأليف أجسامنا و في حصول الفرق دلالة على اختصاصها بنا و برهان واضح على أنها حدثت عن قدرتنا و أنه لا سبب لها غير اختيارنا و أنكرنا عليهم قولهم إن الله لا يفعل في العالم فعلا إلا و الكواكب دالة عليه فإن كل شي‏ء تدل عليه فلا بد من كونه و هذا باطل لأنه لو ثبت لها تأثير أو دلالة فإن الله تعالى أجرى بذلك العادة و ليس بمستحيل منه تغيير تلك العادة لما يراه من المصلحة و قد يصرف الله تعالى السوء عن عبده بدعوة و يزيد في أجله بصلة رحم أو صدقة هذا الذي ثبتت لنا عليه الأدلة و هو الموافق للشريعة و ليس هو بملائم لما يدعيه المنجمون و الحمد لله و أنكرنا عليهم اعتمادهم في الأحكام على أصول متناقضة و مقدمات مفتعلة و دعاو مظنونة و ليس لهم على شي‏ء منها بينة فإن كان لهذا العلم أصل صحيح على وجه يسوغ في العقل و يجوز فليس هو مما في أيديهم و لا من جملة دعاويهم و قد قال شيخنا المفيد

    رحمه الله إن الاستدلال بحركات النجوم على كثير مما سيكون لا يمنع العقل منه و لسنا نمنع أن يكون الله جل اسمه أعلمه بعض أنبيائه و جعله علما على صدقه انتهى كلام الكراجكي ره و قال شيخ المتكلمين محمود بن علي الحمصي ره في ذكر علم النجوم إنا لا نرد عليهم فيما يتعلق بالحساب في تسيير النجوم و اتصالاتها التي يذكرونها فإن ذلك مما لا يهمنا و لا هو مما يقابل بإنكار و رد ثم قال ره في إنكار كون النجوم عللا موجبة يبطل ذلك بكل ما يبطل به دعوة المجبرة بأننا غير مختارين. ثم قال فإن قيل كيف تنكرون الأحكام و قد علمنا أنهم يحكمون بالكسوف و الخسوف و رؤية الأهلة و يكون الأمر على ما يحكمون في ذلك و كذلك يخبرون عن أمور مستقبلة تجري على الإنسان و تجري تلك الأمور على ما أخبروا عنها فمع وضوح الأمر فيما ذكرناه كيف تدفع الأحكام. قلنا إن أخبارهم عن الكسوف و الخسوف و رؤية الأهلة فليس من الأحكام و إنما هو من باب الحساب إنما الحكم أن يقولوا إذا كان كسوف أو خسوف كان من الحوادث كذا و كذا. ثم قال فأما الأمور المستقبلة التي يخبرون عنها فأكثرها لا تقع على ما يخبرون عنه و إنما يقع قليل منه بالاتفاق و مثل ذلك يتفق لأصحاب الفال و الزجر الذين لا يعرفون النجوم بل للعواجز اللواتي يتفألن بالأحجار و الذي قد يخبر المصروع و كثير من ناقصي العقول عن أشياء فيتفق وقوع ما يخبرون عنه انتهى. و السيد الجليل النبيل علي بن طاوس ره لأنس قليل له بهذا العلم عمل في ذلك رسالة و بالغ في الإنكار على من اعتقد أن النجوم ذوات إرادة أو فاعلة أو مؤثرة و استدل على ذلك بدلائل كثيرة و أيده بكلام جم غفير من الأفاضل إلا أنه أنكر على السيد الأجل المرتضى ره في تحريمه و ذهب إلى أنه من العلوم المباحات و أن النجوم علامات و دلالات على الحادثات لكن يجوز للقادر   الحكيم أن يغيرها بالبر و الصدقة و الدعاء و غير ذلك من الأسباب و الدواعي على وفق إرادته و حكمته و جوز تعليم علم النجوم و تعلمه و النظر فيه و العمل به إذا لم يعتقد أنها مؤثرة و حمل أخبار النهي و الذم على ما إذا اعتقدت ذلك ثم ذكر ره تأييدا لصحة هذا العلم أسماء جماعة من الشيعة كانوا عارفين به فقال إن جماعة من بني نوبخت كانوا علماء بالنجوم و قدوة في هذا الباب و وقفت على عدة مصنفات لهم في النجوم و أنها دلالات على الحادثات منهم الحسن بن موسى النوبختي و من علماء المنجمين من الشيعة أحمد بن محمد بن خالد البرقي و ذكر النجاشي في كتبه كتاب النجوم و منهم أحمد بن محمد بن أحمد بن طلحة فقد عد الشيخ و النجاشي من كتبه كتاب النجوم و الشيخ النجاشي كان له تصنيف في النجوم و من المذكورين بعلم النجوم الجلودي البصري و منهم علي بن محمد بن العدوي الشمشاطي فإنه ذكر النجاشي أن له رسالة في إبطال أحكام النجوم و منهم علي بن محمد بن العباس فإن النجاشي ذكر في كتبه كتاب الرد على المنجمين و كتاب الرد على الفلاسفة و منهم محمد بن أبي عمير و استند إلى الخبر السابق و قد عرفت ما فيه قال و منهم محمد بن مسعود العياشي فإنه ذكر في تصانيفه كتاب النجوم و منهم موسى بن الحسن بن عباس بن إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت قال النجاشي كان حسن المعرفة بالنجوم و له مصنفات فيه و كان مع ذلك حسن العبادة و الدين و منهم الفضل بن أبي سهل بن نوبخت وصل إلينا من تصانيفه ما يدل على قوة معرفته بالنجوم

 و ذكر عن العيون ما أوردته في أبواب تاريخ الرضا ع من أنه أخبر المأمون بخطاء المنجمين في الساعة التي اختاروها لولاية العهد فزجره المأمون و نهاه أن يخبر به أحدا فعلم أنه تعمد ذلك

و منهم السيد الفاضل علي بن أبي الحسن العلوي المعروف بابن الأعلم و كان صاحب الزيج و منهم أبو الحسن النقيب الملقب أبا قيراط و منهم الشيخ الفاضل الشيعي علي بن الحسين بن علي المسعودي مصنف كتاب مروج الذهب و منهم أبو القاسم بن نافع من أصحابنا الشيعة و منهم إبراهيم الفزاري صاحب القصيدة في النجوم و كان منجما للمنصور   و منهم الشيخ الفاضل أحمد بن يوسف بن إبراهيم المصري كاتب آل طولون و منهم الشيخ الفاضل محمد بن عبد الله بن عمر البازيار القمي تلميذ أبي معشر و منهم الشيخ الفاضل أبو الحسين بن أبي الخضيب القمي و منهم أبو جعفر السقاء المنجم ذكره الشيخ في الرجال و منهم محمد بن أحمد بن سليم الجعفي مصنف كتاب الفاخر و منهم محمود بن الحسين بن السندي بن شاهك المعروف بكشاجم ذكر ابن شهرآشوب أنه كان شاعرا منجما متكلما و منهم العفيف بن قيس أخو الأشعث ذكره المبرد و قد مر أنه قيل هو الذي أشار إلى أمير المؤمنين ع بترك قتال الخوارج في الساعة التي أراد. ثم قال ره و ممن أدركته من علماء الشيعة العارفين بالنجوم و عرفت بعض إصاباته الفقيه العالم الزاهد الملقب خطير الدين محمود بن محمد و ممن رأيته الشيخ الفاضل أبو نصر الحسن بن علي القمي ثم عد ره من اشتهر بعلم النجوم و قيل إنه من الشيعة فقال منهم أحمد بن محمد السجزي و الشيخ الفاضل علي بن أحمد العمراني و الفاضل إسحاق بن يعقوب الكندي قال و ممن اشتهر بالنجوم من بني العباس محمد بن عبد العزيز الهاشمي و علي بن القاسم القصري و قال رحمه الله وجدت فيما وقفت عليه أن علي بن الحسين بن بابويه القمي كان ممن أخذ طالعه في النجوم و أن ميلاده بالسنبلة ثم قال السيد ره روى الشيخ في اختيار الكشي في بيان حال أبي خالد السجستاني حمدويه و إبراهيم عن محمد بن عثمان قال حدثنا أبو خالد السجستاني أنه لما مضى أبو الحسن ع وقف عليه ثم نظر في نجومه فزعم أنه قد مات فقطع على موته و خالف أصحابه. ثم قال ره ففي هذه عدة فوائد منها أن هذا أبو خالد كان واقفيا يعتقد أن أبا الحسن موسى ع ما مات فدله الله تعالى بعلم النجوم على موته و قد كان هذا العلم سبب هدايته و منها أنه كان من أصحاب الكاظم ع و لم يبلغنا أنه أنكر عليه علم النجوم و منها أنه لو علم أبو خالد أن علم النجوم منكر عند إمامه لما اعتمد عليه في عقيدته و منها اختيار جدي الطوسي لهذا الحديث و تصحيحه

    و قد تقدم ثناؤه ره على جماعة من العلماء بالنجوم ثم قال و ممن اشتهر بعلمه من بني نوبخت عبد الله بن أبي سهل و من العلماء بالنجوم محمد بن إسحاق النديم كان منجما للعلوي المصري و من المذكورين بالتصنيف في علم النجوم حسن بن أحمد بن محمد بن عاصم المعروف بالعاصمي المحدث الكوفي ثقة سكن بغداد فمن كتبه الكتب النجومية ذكر ذلك ابن شهرآشوب في كتاب معالم العلماء و ممن اشتهر بعلم النجوم من المنسوبين إلى مذهب الإمامية الفضل بن سهل وزير المأمون فروى محمد بن عبدوس الجمشاري و غيره ما معناه أنه لما وقع بين الأمين و المأمون ما وقع و اضطربت خراسان و طلب جند المأمون أرزاقهم و توجه علي بن عيسى بن ماهان من العراق لحرب المأمون و صعد المأمون إلى منظره للخوف على نفسه من جنده و معه الفضل و قد ضاق عليه مجال التدبير و عزم على مفارقة ما هو فيه أخذ الفضل طالعه و رفع أصطرلابا و قال ما تنزل من هذه المنزلة إلا خليفة غالبا لأخيك الأمين فلا تعجل و ما زال يسكنه و يثبته حتى ورد عليهم في تلك الساعة رأس علي بن عيسى و قد قتله طاهر و ثبت ملكه و زال ما كان يخافه و ظفر بالأمان و روي خبر آخر أيضا مثل ذلك. ثم قال و ممن كان عالما بالنجوم من المنسوبين إلى الشيعة الحسن بن سهل ثم ذكر ما أخرجنا من العيون في أبواب تاريخ الرضا ع من حديث الحمام و قتل الفضل فيه ثم قال رأيت في كتاب الوزراء جمع عبد الرحمن بن المبارك أنه ذكر محمد بن سعيد أنه وجد على كتاب من كتب ذي الرئاستين بخطه هذه السنة الفلانية التي تكون فيها النكبة و إلى الله نرغب في دفعها و إن صح من حساب الفلك شي‏ء فالأمر واقع فيها لا محالة و نسأل الله تعالى أن يختم لنا بخير بمنه و كان يعمل لذي الرئاستين تقويم في كل سنة فيوقع عليه هذا يوم يصلح لكذا و يجنب في هذا اليوم كذا فلما كان في السنة التي قتل فيها عرض عليه اليوم فجعل يوقع فيه ما يصلح حتى انتهى إلى اليوم الذي قتل فيه فقال أف لهذا اليوم ما أشره علي و رمى بالتقويم و روي عن أخت الفضل قالت دخل الفضل

    إلى أمه في الليلة التي قتل في صبيحتها فقعد إلى جانبها و أقبل يعظها و يعزيها عن نفسه و يذكرها حوادث الدهر و تقضي أمور العباد ثم قبل صدرها و ثديها و ودعها وداع المفارق ثم قام فخرج و هو قلق منزعج لما دله عليه الحساب فجعل ينتقل من موضع إلى موضع و من مجلس إلى مجلس و امتنع عليه النوم فلما كان في السحر قام إلى الحمام و قدر أن يجعل غمه و حرارته و كربه هو الذي دلت عليه النجوم و قدمت له بغلة فركبها و كان الحمام في آخر البستان فكبت به البغلة فسره ذلك و قدر أنها هي النكبة التي كان يتخوفها ثم مشى إلى الحمام و لم يزل حتى دخل الحمام فاغتسل فيه فقتل. قال و من المذكورين بعلم النجوم بوران بنت الحسن بن سهل وجدت في مجموع عتيق أن بوران كانت في المنزلة العليا بأصناف العلم لا سيما في النجوم فإنها برعت فيه و بلغت أقصى نهايته و كانت ترفع الأصطرلاب كل وقت و تنظر إلى مولد المعتصم فعثرت يوما يقطع عليه سببه خشب فقالت لوالدها الحسن انصرف إلى أمير المؤمنين و عرفه أن الجارية فلانة قد نظرت إلى المولد و رفعت الأصطرلاب فدل الحساب و الله أعلم أن قطعا يلحق أمير المؤمنين من خشب في الساعة الفلانية من يوم بعينه قال الحسن يا قرة العين يا سيدة الحرائر إن أمير المؤمنين قد تغير علينا و ربما أصغى إلى شيخك بخلاف ما يقتضيه وجه المشورة و النصيحة قالت يا أبت و ما عليك من نصيحة إمامك لأنه خطر بروح لا عوض منها فإن قبلها و إلا كنت قد أديت المفروض عليك قال فانصرف الحسن إلى المعتصم و عرفه ما قالت بوران قال المعتصم أيها الحسن أحسن الله جزاءها و جزاءك انصرف إليها و خصها عني بالسلام و اسألها ثانيا و احضر عندي اليوم الذي عينت عليه و لازمني حتى ينصرم اليوم و يذهب فلست أشاركك في هذه المشورة و التدبير أحدا من البشر قال فلما كان صباح ذلك اليوم دخل عليه الحسن فأمر المعتصم حتى خرج كل من في المجلس و خلا إليه و أشار عليه أن ينتقل عن المجلس السقفي إلى مجلس ابن أرخى لا يوجد فيه وزن درهم واحد من الخشب

    و ما زال الحسن يحدثه و المعتصم يمازحه و ينشطه حتى أظهر النهار و ضربت نوبة الصلاة فقام المعتصم ليتوضأ فقال الحسن لا تخرج أمير المؤمنين عن هذا المجلس و يكون الوضوء و الصلاة و كل ما تريده فيه حتى ينصرم اليوم فجاء خادم و معه المشط و السواك فقال الحسن للخادم امتشط بالمشط و استك بالسواك فامتنع و قال كيف أتناول آلة أمير المؤمنين قال المعتصم ويلك امتثل قول الحسن و لا تخالف ففعل فسقطت ثناياه و انتفخ دماغه و خر مغشيا عليه و رفع ميتا و قام الحسن ليخرج فاستدعاه المعتصم و احتضنه و لم يفارقه حتى قبل عينيه و رد على بوران أملاكا و ضياعا و كان ابن الزيات حلها عنها و ذكر مثله برواية أخرى و روي من كتاب الوزراء لمحمد بن عبدوس عن إسماعيل بن صبيح قال كنت أكتب يوما بين يدي يحيى بن خالد البرمكي فدخل عليه جعفر بن يحيى فلما رآه صاح و أعرض بوجهه عنه و قطب و كره رؤيته فلما انصرف قلت له أطال الله بقاءك تفعل هذا بابنك و حاله عند أمير المؤمنين حالة لا يقدم عليه ولدا و لا وليا فقال إليك عني أيها الرجل فو الله لا يكون هلاك أهل هذا البيت إلا بسببه فلما كان بعد مدة من ذلك دخل عليه أيضا جعفر و أنا بحضرته ففعل مثل ما فعل الأول و أكدت عليه القول فقال أدن مني الدواة فأدنيتها و كتب كلمات يسيرة في رقعة و ختمها و دفعها إلي و قال بلى ليكن عندك فإذا دخلت سنة سبع و ثمانين و مائة و مضى فانظر فيها فلما كان في صفر أوقع الرشيد بهم فنظرت في الرقعة فكان الوقت الذي ذكره قال إسماعيل و كان يحيى أعلم الناس بالنجوم و روي أيضا عن محمد بن عبدوس من كتاب الوزراء عن موسى بن نصر الوصيف عن أبيه قال غدوت إلى يحيى بن خالد في آخر أمرهم أريد عيادته من علة كان يجدها فوجدت في دهليزه بغلا مسرجا فدخلت إليه فكان يأنس بي و يفضي إلي بسره فوجدته مفكرا مهموما و رأيته مستخليا مشتغلا بحساب النجوم و هو ينظر فيه فقلت له إني لما رأيت بغلا مسرجا سرني لأني قدرت انصراف العلة و إن عزمك الركوب ثم قد غمني ما أراه من همك قال فقال لي إن   لهذا البغل قصة إني رأيت البارحة في النوم كأني راكبه حتى وافيت رأس الجسر من الجانب الأيسر فوقفت فإذا صائح يصيح من الجانب الآخر شعر.

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا . أنيس و لم يسمر بمكة سامر.

 قال فضربت يدي على قربوس السرج و قلت شعر.

بلى نحن كنا أهلها فأبادنا. صروف الليالي و الجدود العواثر.

 ثم انتبهت فلجأت إلى أخذ الطالع فأخذته و ضربت الأمر ظهر البطن فوقفت على أنه لا بد من انقضاء مدتنا و زوال أمرنا قال فما كان يكاد يفرغ من كلامه حتى دخل عليه مسرور الخادم بخوان مغطاة و فيها رأس جعفر بن يحيى و قال له يقول لك أمير المؤمنين كيف رأيت نقمة الله في الفاجر فقال له يحيى قل له يا أمير المؤمنين أرى أنك أفسدت عليه دنياه و أفسد عليك آخرتك. ثم قال و ممن رأيت ذكره في علماء النجوم و إن لم أعلم مذهبه إبراهيم بن السندي بن شاهك و كان منجما طبيبا متكلما و من العلماء بالنجوم عضد الدولة بن بويه و كان منسوبا إلى التشيع و لعله كان يرى مذهب الزيدية و منهم الشيخ المعظم محمود بن علي الحمصي ره كما حكينا عنه و منهم جابر بن حيان صاحب الصادق ع و ذكره ابن النديم في رجال الشيعة و ممن ذكر بعلم النجوم من الوزراء أبو أيوب سليمان بن مخلد المورياني و ممن ظهر منه العمل على النجوم البرامكة ذكر عبد الرحمن بن المبارك أن جعفرا لما عزم على الانتقال إلى قصره الذي بناه و جمع المنجمين لاختيار وقت ينتقل فيه فاختاروا له وقتا من الليل فلما حضر الوقت خرج على حمار من الموضع الذي ينزله إلى قصره و الطرق خالية و الناس ساكنون فلما وصل إلى سوق يحيى رأى رجلا يقول شعر.

يدبر بالنجوم و ليس يدري. و رب النجم يفعل ما يريد.

 فاستوحش و وقف و دعا بالرجل فقال له أعد علي ما قلت فأعاده فقال ما أردت بهذا قال و الله ما أردت به معنى من المعاني لكنه عرض لي و جاء على لساني فأمر له بدنانير.   ثم ذكر ره إصابات كثيرة من المنجمين نقلا من كتبهم و نقل من كتاب ربيع الأبرار أن رجلا أدخل إصبعيه في حلقتي مقراض و قال للمنجم أيش ترى في يدي فقال خاتمي حديد و قال فقدت في دار بعض الرؤساء مشربة فضة فوجه إلى ابن ماهان يسأله فقال المشربة سرقت نفسها فضحكت منه و اغتاظ و قال هل في الدار جارية اسمها فضة أخذت الفضة فكان كما قال و قال سعي بمنجم فأمر بصلبه فقيل له هل رأيت هذا في نجومك فقال رأيت ارتفاعا و لكن لم أعلم أنه فوق خشبة. و قال و من الملوك المشهورين بعلم النجوم و تقريب أهله المأمون و ذكر محمد بن إسحاق أنه كان سبب نقل كتب النجوم و أمثالها من بلاد الروم و نشرها بين المسلمين و ذكر المسعودي في حديث وفاة المأمون قال فأمرنا بإحضار جماعة من أهل الموضع فسألهم ما تفسير النديون فقالوا تفسيره مد رجليك فلما سمع المأمون بذلك اضطرب و تطير بهذا الاسم و قال سلوهم ما اسم هذا الموضع بالعربية قالوا اسمه بالعربية الرقة و كان فيما عمل من مولد المأمون أنه يموت بالرقة فلما سمع اسم الرقة عرف أنه الموضع الذي ذكر في مولده و أنه لا يموت إلا بالرقة فمات به كما اقتضت دلالة النجوم في طالعه. و ذكر محمد بن بابويه في دلائل النبوة أن بخت‏نصر لما رأى رؤياه أحضر من جملة العلماء أصحاب النجوم و ذكر التنوخي في كتابه قال حدثني الصوفي المنجم قال و كان أبو الحسين حاضرا و عضد الدولة يحدثني قال اعتللت علة صعبة أيس مني فيها الطبيب و أيست من نفسي و كان تحويل سنتي تلك في النجوم رديا جدا نحسا موحشا ثم زادت العلة علي فأمرت أن يحجب الناس كلهم لا يدخل إلي أحد بوجه و لا سبب إلا حاجب البويه في أوقات حتى منعت الطبيب عن الوصول ضجرا بهم بل بنفسي و يأسا من العافية فأقمت كذلك أياما ثلاثة و أربعة و أنا أبكي في خلوتي على نفسي إذ جاءني حاجب البويه فقال في الدار أبو الحسين الصوفي من الغداة يطلب الوصول و قد اجتهدنا به في الانصراف بكل رفق و جميل

    فما فعل و قال لا بد من أن أصل و لم أحب أن أحدثه في الانصراف على أي وجه كان إلا بأمرك و قد عرفته بأنه قد رسم لي أن لا يصل إليه أحد من خلق الله أجمعين فقال الذي حضرت له بشارة و لا يجوز أن يتأخر وقوفه عليها فعرفه هذا عني و استأذنه لي في الوصول إليه فقلت له بضعيف صوت و كلام خفيف يريد أن يقول لي قد بلغ الكوكب الفلاني الموضع الفلاني و يهدي إلي من هذا الجنس ما يضيق به صدري و يزيد به همي و ما أقدر على سماع كلامك فانصرف فخرج الحاجب و رجع إلي مستعجلا و قال إما أن يكون أبو الحسين الصوفي قد جن أو معه أمر عظيم فإني قد عرفته بما قال مولانا فقال ارجع إليه و قل له و الله لو أمرت بضرب عنقي ما انصرفت أو أصل إليك و و الله ما أكلمك في معنى النجوم بكلمة واحدة فعجبت من ذلك عجبا شديدا مع علمي بعقل أبي الحسين و أنه مما لا يخرق معي في شي‏ء و تطلعت نفسي إلى ما يقوله فقلت أدخله فلما دخل إلي قبل الأرض و بكى و قال أنت و الله في عافية لا بأس عليك و اليوم تبرأ و معي معجزة في ذلك فقلت له ما هي فقال رأيت البارحة في منامي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع و الناس يهرعون إليه يسألونه حوائجهم و كان قد تقدمت إليه و قلت يا أمير المؤمنين أنا رجل غريب في هذا البلد تركت نعمتي بالري و تجارتي و تعلقت بحب هذا الأمير الذي أنا معه و قد بلغ إلى حد الإياس من العلة و قد أشفقت أن أهلك بهلاكه فادع الله تعالى بالعافية له فقال تعني فناخسرو بن الحسن بن بويه قلت نعم يا أمير المؤمنين فقال امض إليه غدا و قل له أ نسيت ما أخبرتك به أمك عني في المنام الذي رأته و هي حامل بك أ ليس قد أخبرتك بمدة عمرك و أنك ستعتل إذا بلغت كذا و كذا سنة علة ييأس منها أطباؤك و أهلك ثم تبرأ منها و أنت تصلح من هذه العلة غدا و تبرأ و أرى صلاحك أن تركب و تعاود عاداتك كلها في كذا و كذا يوما و لا قطع عليك قبل الأجل الذي خبرتك به أمك عني قال لي عضد الدولة و قد   كنت أنسيت أن أمي قالت لي في المنام إذا بلغت هذه السنة اعتللت العلة التي قد ذكرتها حتى قال لي أبو الحسين الصوفي فحين سمعت الكلام حدثت لي في نفسي في الحال قوة لم يكن من قبل فقلت أقعدوني فجاء الغلمان فأمسكوني حتى جلست على الفراش و قلت لأبي الحسين اجلس و أعد الحديث فقد قويت نفسي فأعاده فتولدت لي شهوة الطعام فاستدعيت الأطباء فأشاروا بتناول غذاء وصفوه عمل في الحال و أكلته و لم تنقض الحال في اليوم حتى بان لي في الصلاح أمر عظيم و أقبلت العافية فركبت و عاودت عاداتي في اليوم الذي قال أبو الحسين في المنام أن أركب فيه و كان عضد الدولة يحدثني و أبو الحسين يقول كذا و الله كان و كذا قلت لمولانا و أعيد بالله ما أحسن حفظه و ذكر ما جرى حرفا بحرف ثم قال ما فاتني في نفسي من هذا المنام شي‏ء كنت أشتهي الأشياء كنت أشتهي أن يكون فيه مثبتا و شيئا كنت أشتهي أن لا يكون فيه فقلت يبلغ الله مولانا آماله و يحدث له كل ما يسر به و يصرف عنه كل ما لا يؤثر كونه و لم أزد على الدعاء فعلم غرضي و قال أما الذي كنت أشتهي أن لا يكون فيه فهو أنه وقف على أني أملك حلبا و لو كان عنده أني أملك شيئا مما تجاوز حلبا لقاله و كأني أخاف أن يكون هذا غاية حدي من تلك الناحية حتى أنه جاءني الخبر بأن سيف الدولة أظهر الدعوة لي بحلب و أعماله و دخل تحت طاعتي فذكرت المنام فتنغص علي لأجل هذا الاعتقاد و أما الذي كنت أشتهي أن يكون فيه فهو أني أعلم من هذا الذي يملك من ولدي و يستقل الملك على يديه فدعوت له و قطعت الحديث بعدها بنحو سنتين و ما تجاوزت دعوته أعمال حلب بوجه و لا سبب. قال

 و روى الحاكم النيسابوري في تاريخه بإسناده عن النبي ص قال بعث تبع إلى مكة لنقل البيت إليه قال فابتلي بجسده فقال لمنجميه انظروا فنظروا فقالوا لعلك أردت بيت الله بشي‏ء قال نعم أردت أن ينقل إلي قالوا إذا لا يكون و لكن اكسه و ردهم من ذلك فردهم عن ذلك و كساه فبرأ

انتهى   ما أردت إيراده من كلام السيد ره. و سأل السيد مهنان بن سنان العلامة ره ما يقول سيدنا فيما يقال إن كسوف الشمس بسبب حيلولة جرم القمر بينه و بين الشمس و إن سبب خسوف القمر حيلولة الأرض و يدل على ذلك ما يخبر به أهل التقويم فيطابق أخبارهم و إذا كان الأمر على هذه الصورة فلم أمرنا بالخوف عند ذلك و الفزع إلى الدعاء و الصلاة في المساجد فأجاب ره استناد الكسوف و الخسوف إلى ما ذكره أدام الله أيامه مستند إلى الرصد و هو أمر ظني غير يقيني و لو سلم لم يضر في التكليف بالصلاة و سؤال الله في رد النور و يجوز أن يكون هذا الحادث سببا لتجدد حادث في الأرض من خير أو شر فجاز أن يكون العبادة رافعة لما نيط بذلك الحادث من الشر و الخوف بسبب ذلك ثم سأل عن إخبار المنجمين و أصحاب الرمل بالأشياء المغيبة فأجاب بأن هذا كله تخمين لا حقيقة له و ما يوافق قولهم من الحوادث فإنه يقع على سبيل الاتفاق و علم الرمل ينسب إلى إدريس ع و ليس بمحقق و لكنه جرى لنا وقائع غريبة عجيبة و امتحانات طابقت حكمه لكن لا يثمر ذلك علما محققا انتهى. و أقول إذا أحطت خبرا بما تلونا عليك من الأخبار و الأقوال لا يخفى عليك أن القول باستقلال النجوم في تأثيرها بل القول بكونها علة فاعلية بالإرادة و الاختيار و إن توقف تأثيرها على شرائط كفر و مخالفة لضرورة الدين و القول بالتأثير الناقص يحتمل وجهين الأول تأثيرها بالكيفية كحرارة الشمس و إضاءتها و سائر الكواكب و تبريد القمر فلا سبيل إلى إنكار ذلك لكن الكلام في أنها   مؤثرات أو معدات لتأثير الرب سبحانه أو أنه تعالى أجرى العادة بخلق الحرارة أو الضوء عقيب محاذاة الشمس مثلا و الأكثر على الأخير و الثاني كون حركاتها و أوضاعها و مقارناتها و اتصالاتها مؤثرة ناقصة في خلق الحوادث على أحد الوجوه الثلاثة المتقدمة فلا ريب أن القول به فسق و قول بما لا يعلم و لا دليل يدل عليه من عقل و لا نقل بل ظواهر الآيات و الأخبار خلافه و القول به جرأة على الله. و أما أنه ينتهي إلى حد الكفر فيشكل الحكم به و إن لم يكن مستبعدا و الكراجكي ره لم يفرق فيما مر بين هذا الوجه و الوجه الأول و إنما النزاع في الثاني دون الأول و أما كونها أمارات و علامات جعلها الله دلالة على حدوث الحوادث في عالم الكون و الفساد فغير بعيد عن السداد و قد عرفت أن كثيرا من الأخبار تدل على ذلك و هي إما مفيدة للعلم العادي لكنه مخصوص ببعض الأنبياء و الأئمة ع و من أخذها منهم لأن الطريق إلى العلم بعدم ما يرفع دلالتها من وحي أو إلهام و الإحاطة بجميع الشرائط و الموانع و القوابل مختصة بهم أو مفيدة للظن و وقوع مدلولاتها مشروط بتحقق شروط و رفع موانع و ما في أيدي الناس ليس ذلك العلم أصلا أو بعضه منه لكنه غير معلوم بخصوصه و لا يفيد العلم قطعا و إفادته نوعا من الظن مشكوك فيه. و أما تعليمه و تعلمه و العمل به فأقسام منها استخراج التقاويم و الإخبار بالأمور الخفية أو المستقبلة و أخذ الطوالع و الحكم بها على الأعمار و الأحوال و الظاهر حرمة ذلك لشمول النهي له و ما ورد أنها دلالات و علامات لا يدل على التجويز لغير من أحاط علمه بجميع ذلك من المعصومين ع و ما دل على الجواز فأخبار أكثرها ضعيفة و يمكن حمل بعضها على التقية بشيوع العمل بها في زمن خلفاء الجور و السلاطين في أكثر الأعصار و تقرب المنجمين عندهم و ربما يومئ بعض الأخبار إليه و يمكن حمل أخبار النهي على الكراهة الشديدة و الجواز على الإباحة أو حمل أخبار النهي على ما إذا اعتقد التأثير و الجواز على عدمه كما فعله السيد بن طاوس ره و غيره لكن الأول أظهر و أحوط.

    و منها الاعتناء بالساعات المسعودة و المنحوسة و اختيار الأولة لارتكاب الأعمال و الشروع فيها و الاحتراز عن الثانية و هذا أيضا يحتمل الكراهة و الحرمة و ما ورد من رعاية العقرب و المحاق في التزويج و السفر فلا دلالة فيه على العموم مع أنك قد عرفت أن اصطلاح البروج في الأخبار الظاهر أنه غير اصطلاح المنجمين و أما سعادة الكواكب و البروج و نحوستها فتحتمل الأخبار الواردة فيها أمرين أحدهما أن يكون لها سعادة و نحوسة واقعية لكن ترتفع النحوسة بالتوكل و الدعاء و الصدقة و التوسل بالله تعالى و نحن إنما أمرنا بتلك الأمور لا برعاية الساعات و ثانيهما أن يكون تأثيرها من جهة الطيرة لما اشتهر بين الناس من نحوسة تلك الساعات و إنما يتأثر بها من يتأثر من الطيرة ممن ضعف توكلهم و اعتمادهم على ربهم و لهم عقول ضعيفة و نفوس دنية يتأثرون بأدنى شي‏ء و يومئ إليه قول أمير المؤمنين ع عند خبر المنجم اللهم لا طير إلا طيرك فعلى الوجهين الأولى لمن قويت نفسه و صدق في توكله على ربه أن لا يلتفت إلى أمثال ذلك و يتوسل بجنابه تعالى في جميع أموره و يطلب منه الخيرة

 و قد روي عن الصادق ع أن الطيرة على ما تجعلها إن هونتها تهونت و إن شددتها تشددت و إن لم تجعلها شيئا لم تكن شيئا

 و عنه عن آبائه ع قال قال النبي ص أوحى الله عز و جل إلى داود ع كما لا تضيق الشمس على من جلس فيها كذلك لا تضيق رحمتي على من دخل فيها و كما لا تضر الطيرة من لا يتطير منها كذلك لا ينجو من الفتنة المتطيرون

و سيأتي القول فيها في الباب الآتي. و منها تعليم هذا العلم بوجهيه المتقدمين و تعلمه و النظر و التفكر فيه و هو أيضا يحتمل الحرمة و الكراهة و احتمال الكراهة هنا أقوى مما سبق. و منها علم الهيئة و النظر في هيئات الأفلاك و حركاتها و جوازه لا يخلو من قوة إذا لم يعتقد فيه ما يخالف الآيات و الأخبار كتطابق الأفلاك و لم يجزم بما لا برهان عليه و إنما قال به على سبيل الاحتمال و أما ما ذكره الشهيد ره من استحباب النظر في علم الهيئة فإنما هو إذا ثبتت مطابقة قواعده لما هي عليها في   نفس الأمر و عدم اشتماله على قاعدة مخالفة لما ظهر من الشريعة و إلا فيكون بعضها داخلا في القول بغير علم أو فيما حرم اتباعه لمخالفة الشريعة و أما الآيات الدالة على التفكر في خلق السماوات و الأرض فالظاهر أن المراد بها التفكر فيها من جهة دلالتها على وجود الصانع و علمه و قدرته و حكمته لا من جهة نضدها و ترتيبها و كيفيات حركاتها و إن احتمل شمولها لها أيضا. و منها الحكم بالكسوف و الخسوف و أوائل الأهلة و المحاق و أشباه ذلك فالظاهر جوازه و إن كان الأحوط اجتناب ذلك أيضا فإن الأحكام الشرعية فيها مبتنية على الرؤية لا على أحكام المنجمين بذلك و بالجملة ينبغي للمتدين المتبع لأهل بيت العصمة ع المدعي لكونه شيعة لهم مقتديا لآثارهم أن لا يتعرض لشي‏ء من ذلك إلا في قليل منه يتعلق بمعرفة أوقات الصلوات و سائر العبادات و تعيين جهة القبلة و أشباه ذلك و لو كانت هذه العلوم و الأعمال مما له مدخلية في صلاح الدين لأمر أئمتنا ع شيعتهم بذلك و رغبوهم فيها و حثوهم عليها و علموهم قواعدها و لم ينقل من عادة أهل البيت ع و سيرتهم الرجوع إلى الساعات و استعلامها أو بيانها لشيعتهم و احترازهم عن ساعة بسبب أنها نحس بحسب النجوم بل كانوا يأمرونهم بالصدقة و الدعاء و التضرع و التوسل إلى الله سبحانه في الاحتراز عن البلايا و الآفات و المنحوسة من الساعات و في هذه الأزمان تركوا جميع ذلك و اكتفوا بالرجوع إلى التقاويم و أصحاب النجوم و اتكلوا عليها و أيضا لعلمهم بإخبار المنجمين بأوقات الكسوفات و الخسوفات لا يحصل لهم في وقوعها فزع و لا يتضرعون إلى الله في رفعها و دفع شرها مع أنه يصير في أكثر الناس سببا للقول بتأثير النجوم و حياتها و تدبيرها في العالم أعاذنا الله و سائر المؤمنين من ذلك و إنما أطنبنا الكلام قليلا في هذا المقام لكثرة ولوع الناس بهذا العلم و العمل به و تقربهم إلى الملوك بذلك فيوقعون الناس به في المهالك و الله العاصم من فتن المبتدعين و الهادي إلى الحق و اليقين