باب 17- تطاير الكتب و إنطاق الجوارح و سائر الشهداء في القيامة

الآيات النساء فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ عَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَ لا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً النحل وَ يَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَ لا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ و قال تعالى وَ يَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ جِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ الإسراء وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً و قال تعالى إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا الحج لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَ تَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ النور وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ  يس الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ السجدة وَ يَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَ أَبْصارُهُمْ وَ جُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ وَ قالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ وَ هُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَ لا أَبْصارُكُمْ وَ لا جُلُودُكُمْ وَ لكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ وَ ذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَ إِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ. تفسير قال الطبرسي رحمه الله في قوله سبحانه فَكَيْفَ أي فكيف حال الأمم و كيف يصنعون إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ من الأمم بِشَهِيدٍ وَ جِئْنا بِكَ يا محمد عَلى هؤُلاءِ يعني قومه شَهِيداً و معنى الآية أن الله تعالى يستشهد يوم القيامة كل نبي على أمته فيشهد لهم و عليهم و يستشهد نبينا على أمته يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ عَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ معناه لو يجعلون و الأرض سواء كما قال سبحانه وَ يَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً و روي عن ابن عباس أن معناه يودون أن يمشي عليهم أهل الجمع يطئونهم بأقدامهم كما يطئون الأرض و على القول الأول المراد أن الكفار يوم القيامة يودون أنهم لن يبعثوا و أنهم كانوا و الأرض سواء لعلمهم بما يصيرون إليه من العذاب و الخلود في النار و روي أيضا أن البهائم يصيرون ترابا فيتمنى عند ذلك الكفار أنهم صاروا كذلك ترابا وَ لا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً قيل فيه أقوال أحدها أنه عطف على قوله لَوْ تُسَوَّى أي و يودون أن لو لم يكتموا الله حديثا لأنهم إذا سئلوا قالوا وَ اللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ فتشهد عليهم جوارحهم بما عملوا فيقولون يا ليتنا كنا ترابا و يا ليتنا لم نكتم الله شيئا و هذا قول ابن عباس. و ثانيها أنه كلام مستأنف و المراد به أنهم لا يكتمون الله شيئا من أمور الدنيا

   و كفرهم بل يعترفون به فيدخلون النار باعترافهم و إنما لا يكتمون لعلمهم بأنه لا ينفعهم الكتمان و إنما يقولون وَ اللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ في بعض الأحوال فإن للقيامة مواطن و أحوالا ففي موطن لا يسمع كلامهم إلا همسا و في موطن ينكرون ما فعلوه من الكفر و المعاصي ظنا منهم أن ذلك ينفعهم و في موطن يعترفون بما فعلوه عن الحسن. و ثالثها أن المراد أنهم لا يقدرون على كتمان شي‏ء من الله تعالى لأن جوارحهم تشهد عليهم بما فعلوه فالتقدير لا تكتمه جوارحهم و إن كتموه هم. و رابعها أن المراد ودوا لو تسوى بهم الأرض و أنهم لم يكونوا كتموا أمر محمد ص و بعثه عن عطا. و خامسها أن الآية على ظاهرها فالمراد و لا يكتمون الله شيئا لأنهم ملجئون إلى ترك القبائح و الكذب و قولهم وَ اللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ عند أنفسنا لأنهم كانوا يظنون في الدنيا أن ذلك ليس بشرك من حيث تقربهم إلى الله عن البلخي و في قوله تعالى وَ يَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً يعني يوم القيامة بين سبحانه أنه يبعث فيه من كل أمة شهيدا و هم الأنبياء و العدول من كل عصر يشهدون على الناس بأعمالهم

 و قال الصادق ع لكل زمان و أمة إمام تبعث كل أمة مع إمامها

و فائدة بعث الشهداء مع علم الله سبحانه بذلك أن ذلك أهول في النفس و أعظم في تصور الحال و أشد في الفضيحة إذا قامت الشهادة بحضرة الملإ مع جلالة الشهود و عدالتهم عند الله تعالى و لأنهم إذا علموا أن العدول عند الله يشهدون عليهم بين يدي الخلائق فإن ذلك يكون زجرا لهم عن المعاصي و تقديره و اذكر يوم نبعث ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا أي لا يؤذن لهم في الكلام و الاعتذار أو لا يؤذن لهم في الرجوع إلى الدنيا أو لا يسمع منهم العذر يقال أذنت له أي استمعت وَ لا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ أي لا يسترضون و لا يستصلحون لأن الآخرة ليست بدار تكليف و معناه لا يسألون أن يرضوا الله بالكف عن معصية يرتكبونها.  و في قوله سبحانه وَ يَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أي من أمثالهم من البشر و يجوز أن يكون ذلك الشهيد نبيهم الذي أرسل إليهم و يجوز أن يكون المؤمنون العارفون يشهدون عليهم بما فعلوه من المعاصي و في هذا دلالة على أن كل عصر لا يجوز أن يخلو ممن يكون قوله حجة على أهل عصره و هو عدل عند الله تعالى و هو قول الجبائي و أكثر أهل العدل و هذا يوافق ما ذهب إليه أصحابنا و إن خالفوهم في أن ذلك العدل و الحجة من هو وَ جِئْنا بِكَ يا محمد شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ يريد على قومك و أمتك. و في قوله تعالى وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ معناه و ألزمنا كل إنسان عمله من خير أو شر في عنقه كالطوق لا يفارقه و إنما قيل للعمل طائر على عادة العرب في قولهم جرى طائره بكذا و قيل طائره يمنه و شؤمه و هو ما يتطير به و قيل طائره حظه من الخير و الشر و خص العنق لأنه محل الطوق الذي يزين المحسن و الغل الذي يشين المسي‏ء و قيل طائره كتابه و قيل معناه جعلنا لكل إنسان دليلا من نفسه لأن الطائر عندهم يستدل به على الأمور الكائنة فيكون معناه كل إنسان دليل نفسه و شاهد عليها إن كان محسنا فطائره ميمون و إن أساء فطائره مشوم وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً و هو ما كتبه الحفظة عليهم من أعمالهم يَلْقاهُ أي يرى ذلك الكتاب مَنْشُوراً أي مفتوحا معروضا عليه ليقرأ و يعلم ما فيه و الهاء في له عائد إلى الإنسان أو إلى العمل و يقال له اقْرَأْ كِتابَكَ قال قتادة و يقرأ يومئذ من لم يكن قارئا في الدنيا كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً أي محاسبا و إنما جعله محاسبا لنفسه لأنه إذا رأى أعماله يوم القيامة كلها مكتوبة و رأى جزاء أعماله مكتوبا بالعدل أذعن عند ذلك و خضع و اعترف و لم يتهيأ له حجة و لا إنكار و ظهر لأهل المحشر أنه لا يظلم. و في قوله تعالى كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا معناه أن السمع يسأل عما سمع و البصر عما رأى و القلب عما عزم عليه و المراد أن أصحابها هم المسئولون و لذلك قال كُلُّ أُولئِكَ و قيل بل المعنى كل أولئك الجوارح يسأل عما

   فعل بها قال الوالبي عن ابن عباس يسأل العباد فيما استعملوها. و في قوله لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ أي بالطاعة و القبول فإذا شهد لكم صرتم به عدولا تستشهدون على الأمم الماضية بأن الرسل قد بلغوهم الرسالة و أنهم لم يقبلوا و قيل معناه لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ في إبلاغ رسالة ربه إليكم وَ تَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ بعده بأن تبلغوا إليهم ما بلغه الرسول إليكم. و في قوله عز و جل يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ بين سبحانه أن ذلك العذاب يكون في يوم تشهد ألسنتهم فيه عليهم بالقذف و سائر أعضائهم بمعاصيهم و في كيفية شهادة الجوارح أقوال أحدها أن الله يبنيها ببينة يمكنها النطق و الكلام من جهتها فتكون ناطقة و الثاني أن الله تعالى يفعل فيها كلاما يتضمن الشهادة فيكون المتكلم هو الله تعالى دون الجوارح و أضيف إليها الكلام على التوسع لأنها محل الكلام و الثالث أن الله تعالى يجعل فيها علامة تقوم مقام النطق بالشهادة و يظهر فيها أمارات دالة على كون أصحابها مستحقين للنار فسمي ذلك شهادة مجازا كما يقال عيناك تشهدان بسهرك و أما شهادة الإنس فبأن يشهدوا بألسنتهم إذا رأوا أنه لا ينفعهم الجحود و أما قوله الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ فإنه يجوز أن يخرج الألسنة و يختم على الأفواه و يجوز أن يكون الختم على الأفواه في حال شهادة الأيدي و الأرجل يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ أي يتمم الله لهم جزاءهم الحق فالدين بمعنى الجزاء و يجوز أن يكون المراد جزاء دينهم الحق و في قوله الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ هذا حقيقة الختم فيوضع على أفواه الكفار يوم القيامة فلا يقدرون على الكلام و النطق. و في قوله تعالى فَهُمْ يُوزَعُونَ أي يحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا و لا يتفرقوا حَتَّى إِذا ما جاؤُها أي جاءوا النار التي حشروا إليها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ بما قرعه من الدعاء إلى الحق فأعرضوا عنه وَ أَبْصارُهُمْ بما رأوا من الآيات الدالة على وحدانية الله فلم يؤمنوا و سائر جلودهم بما باشروه من المعاصي و الأعمال القبيحة و قيل المراد بالجلود هنا الفروج على طريق الكناية عن ابن عباس و  المفسرين وَ قالُوا يعني الكفار لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا أي يعاتبون أعضاءهم فيقولون لم شهدتم علينا قالُوا أي فيقول جلودهم في جوابهم أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ أي مما ينطق و المعنى أعطانا الله آلة النطق و القدرة عليه و تم الكلام ثم قال سبحانه وَ هُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ في الآخرة وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ أي من أن يشهد عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَ لا أَبْصارُكُمْ وَ لا جُلُودُكُمْ أي لم يكن مهيأ لكم أن تستتروا أعمالكم عن هذه الأعضاء لأنكم كنتم بها تعملون فجعلها الله شاهدة عليكم في القيامة و قيل معناه و ما كنتم تتركون المعاصي حذرا أن تشهد عليكم جوارحكم بها لأنكم ما كنتم تظنون ذلك وَ لكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ لجهلكم بالله تعالى فهان عليكم ارتكاب المعاصي لذلك و روي عن ابن مسعود أنها نزلت في ثلاثة نفر تساروا فقالوا أ ترى أن الله يسمع تسارنا و يجوز أن يكون المعنى أنكم عملتم عمل من ظن أن عمله يخفى على الله و قيل إن الكفار كانوا يقولون إن الله لا يعلم ما في أنفسنا و لكنه يعلم ما نظهر وَ ذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ ذلكم مبتدأ و ظنكم خبره و أرديكم خبر ثان و يجوز أن يكون ظنكم بدلا من ذلكم و المعنى و ظنكم الذي ظننتم بربكم أنه لا يعلم كثيرا مما تعملون أهلككم إذ هون عليكم أمر المعاصي و أدى بكم إلى الكفر فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ أي و ظللتم من جملة من خسرت تجارته لأنكم خسرتم الجنة و حصلتم في النار.

 و قال الصادق ع ينبغي للمؤمن أن يخاف الله خوفا كأنه يشرف على النار و يرجوه رجاء كأنه من أهل الجنة إن الله تعالى يقول وَ ذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ الآية ثم قال إن الله عند ظن عبده به إن خيرا فخيرا و إن شرا فشرا

 فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ أي فإن يصبر هؤلاء على النار و الإمهال و ليس المراد به الصبر المحمود و لكنه الإمساك عن إظهار الشكوى و عن الاستغاثة  فالنار مسكن لهم وَ إِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ أي و إن يطلبوا العتبى و سألوا الله أن يرضى عنهم فليس لهم طريق إلى الإعتاب فما هم ممن يقبل عذرهم و يرضى عنهم و تقدير الآية أنهم إن صبروا و سكتوا و جزعوا فالنار مأواهم كما قال سبحانه اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ و المتعب هو الذي يقبل عتابه و يجاب إلى ما سأل

 1-  فس، ]تفسير القمي[ في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ يقول خيره و شره معه حيث كان لا يستطيع فراقه حتى يعطى كتابه يوم القيامة بما عمل

 2-  فس، ]تفسير القمي[ قال علي بن إبراهيم في قوله وَ إِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ قال صحف الأعمال

 3-  فس، ]تفسير القمي[ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ إلى قوله بِما كانُوا يَكْسِبُونَ قال إذا جمع الله الخلق يوم القيامة دفع إلى كل إنسان كتابه فينظرون فيه فينكرون أنهم عملوا من ذلك شيئا فيشهد عليهم الملائكة فيقولون يا رب ملائكتك يشهدون لك ثم يحلفون أنهم لم يعملوا من ذلك شيئا و هو قوله يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ فإذا فعلوا ذلك ختم على ألسنتهم و ينطق جوارحهم بما كانوا يكسبون

 4-  فس، ]تفسير القمي[ حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَ أَبْصارُهُمْ وَ جُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ فإنها نزلت في قوم يعرض عليهم أعمالهم فينكرونها فيقولون ما عملنا منها شيئا فيشهد عليهم الملائكة الذين كتبوا عليهم أعمالهم فقال الصادق ع فيقولون لله يا رب هؤلاء ملائكتك يشهدون لك ثم يحلفون بالله ما فعلوا من ذلك شيئا و هو قول الله يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ و هم الذين غصبوا أمير المؤمنين فعند ذلك يختم الله على ألسنتهم و ينطق جوارحهم فيشهد السمع بما سمع مما حرم الله و يشهد البصر بما نظر به إلى ما حرم الله و تشهد  اليدان بما أخذتا و تشهد الرجلان بما سعتا مما حرم الله و تشهد الفرج بما ارتكبت مما حرم الله ثم أنطق الله ألسنتهم فيقولون هم لجلودهم لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا فيقولون أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ وَ هُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أي من الله أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَ لا أَبْصارُكُمْ وَ لا جُلُودُكُمْ و الجلود الفروج وَ لكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ

 5-  شي، ]تفسير العياشي[ عن أبي معمر السعدي قال قال علي بن أبي طالب ع في صفة يوم القيامة يجتمعون في موطن يستنطق فيه جميع الخلق فلا يتكلم أحد إلا من أذن له الرحمن و قال صوابا فيقام الرسل فيسأل فذلك قوله لمحمد ص فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً و هو الشهيد على الشهداء و الشهداء هم الرسل ع

 6-  شي، ]تفسير العياشي[ عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن جده قال قال أمير المؤمنين ع في خطبة يصف هول يوم القيامة ختم على الأفواه فلا تكلم و قد تكلمت الأيدي و شهدت الأرجل و نطقت الجلود بما عملوا ف لا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً

 7-  شي، ]تفسير العياشي[ عن أبي معمر السعدي قال أتى عليا ع رجل فقال يا أمير المؤمنين إني شككت في كتاب الله المنزل فقال له علي ع ثكلتك أمك و كيف شككت في كتاب الله المنزل فقال له الرجل لأني وجدت الكتاب يكذب بعضه بعضا و ينقض بعضه بعضا قال فهات الذي شككت فيه فقال لأن الله يقول يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ قالَ صَواباً و يقول حيث استنطقوا قالُوا وَ اللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ و يقول يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَ يَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً و يقول إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ و يقول لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ و يقول الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ فمرة يتكلمون و مرة لا يتكلمون و مرة ينطق الجلود و الأيدي و الأرجل و مرة لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ قالَ صَواباً فأنى ذلك يا أمير المؤمنين فقال له علي ع إن ذلك ليس في موطن واحد هي في مواطن في ذلك  اليوم الذي مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ فجمع الله الخلائق في ذلك اليوم في موطن يتعارفون فيه فيكلم بعضهم بعضا و يستغفر بعضهم لبعض أولئك الذين بدت منهم الطاعة من الرسل و الأتباع و تعاونوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى في دار الدنيا و يلعن أهل المعاصي بعضهم بعضا الذين بدت منهم المعاصي في دار الدنيا و تعاونوا على الظلم و العدوان في دار الدنيا و المستكبرون منهم و المستضعفون يلعن بعضهم بعضا و يكفر بعضهم بعضا ثم يجمعون في مواطن يفر بعضهم من بعض و ذلك قوله يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَ أُمِّهِ وَ أَبِيهِ وَ صاحِبَتِهِ وَ بَنِيهِ إذا تعاونوا على الظلم و العدوان في دار الدنيا لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ثم يجمعون في موطن يبكون فيه فلو أن تلك الأصوات بدت لأهل الدنيا لأذهلت جميع الخلائق عن معايشهم و صدعت الجبال إلا ما شاء الله فلا يزالون يبكون حتى يبكون الدم ثم يجتمعون في موطن يستنطقون فيه فيقولون وَ اللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ و لا يقرون بما عملوا فيختم على أفواههم و يستنطق الأيدي و الأرجل و الجلود فتنطق فتشهد بكل معصية بدت منهم ثم يرفع الخاتم عن ألسنتهم فيقولون لجلودهم و أيديهم و أرجلهم لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا فتقول أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ ثم يجمعون في موطن يستنطق فيه جميع الخلائق فلا يتكلم أحد إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ قالَ صَواباً و يجتمعون في موطن يختصمون فيه و يدان لبعض الخلائق من بعض و هو القول و ذلك كله قبل الحساب فإذا أخذ بالحساب شغل كل بما لديه نسأل الله بركة ذلك اليوم

 8-  شي، ]تفسير العياشي[ عن محمد بن مسلم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده ع قال قال أمير المؤمنين ع في خطبته فلما وقفوا عليها قالوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَ لا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَ نَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ إلى قوله وَ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ

 9-  شي، ]تفسير العياشي[ عن خالد بن يحيى عن أبي عبد الله ع في قوله اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ قال يذكر العبد جميع ما عمل و ما كتب عليه حتى كأنه فعله  تلك الساعة فلذلك قوله يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها

 10-  شي، ]تفسير العياشي[ عن خالد بن نجيح عن أبي عبد الله ع قال إذا كان يوم القيامة دفع إلى الإنسان كتابه ثم قيل له اقرأ قلت فيعرف ما فيه فقال إن الله يذكره فما من لحظة و لا كلمة و لا نقل قدم و لا شي‏ء فعله إلا ذكره كأنه فعله تلك الساعة فلذلك قالوا يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها

 11-  م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ قال رسول الله ص أما إن الله عز و جل كما أمركم أن تحتاطوا لأنفسكم و أديانكم و أموالكم باستشهاد الشهود العدول عليكم فكذلك قد احتاط على عباده و لكم في استشهاد الشهود عليهم فلله عز و جل على كل عبد رقباء من كل خلقه و مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ و يحفظون عليه ما يكون منه من أعماله و أقواله و ألفاظه و ألحاظه و البقاع التي تشتمل عليه شهود ربه له أو عليه و الليالي و الأيام و الشهور شهوده عليه أو له و سائر عباد الله المؤمنين شهوده عليه أو له و حفظته الكاتبون أعماله شهود له أو عليه فكم يكون يوم القيامة من سعيد بشهادتها له و كم يكونوا يوم القيامة من شقي بشهادتها عليه إن الله عز و جل يبعث يوم القيامة عباده أجمعين و إماءه فيجمعهم في صعيد واحد ينفذهم البصر و يسمعهم الداعي و يحشر الليالي و الأيام و يستشهد البقاع و الشهور على أعمال العباد فمن عمل صالحا شهدت له جوارحه و بقاعه و شهوره و أعوامه و ساعاته و أيامه و ليالي الجمع و ساعاتها و أيامها فيسعد بذلك سعادة الأبد و من عمل سوءا شهدت عليه جوارحه و بقاعه و شهوره و  أعوامه و ساعاته و ليالي الجمع و ساعاتها و أيامها فيشقى بذلك شقاء الأبد فاعملوا ليوم القيامة و أعدوا الزاد ليوم الجمع يَوْمَ التَّنادِ و تجنبوا المعاصي فبتقوى الله يرجى الخلاص فإن من عرف حرمة رجب و شعبان و وصلهما بشهر رمضان شهر الله الأعظم شهدت له هذه الشهور يوم القيامة و كان رجب و شعبان و شهر رمضان شهوده بتعظيمه لها و ينادي مناد يا رجب و يا شعبان و يا شهر رمضان كيف عمل هذا العبد فيكم و كيف كانت طاعته لله عز و جل فيقول رجب و شعبان و شهر رمضان يا ربنا ما تزود منا إلا استعانة على طاعتك و استمدادا لمواد فضلك و لقد تعرض بجهده لرضاك و طلب بطاقته محبتك فقال للملائكة الموكلين بهذه الشهور ما ذا تقولون في هذه الشهادة لهذا العبد فيقولون يا ربنا صدق رجب و شعبان و شهر رمضان ما عرفناه إلا متلقيا في طاعتك مجتهدا في طلب رضاك صائرا فيه إلى البر و الإحسان و لقد كان بوصوله إلى هذه الشهور فرحا مبتهجا أمل فيها رحمتك و رجا فيها عفوك و مغفرتك و كان مما منعته فيها ممتنعا و إلى ما ندبته إليه فيها مسرعا لقد صام ببطنه و فرجه و سمعه و بصره و سائر جوارحه و لقد ظمئ في نهارها و نصب في ليلها و كثرت نفقاته فيها على الفقراء و المساكين و عظمت أياديه و إحسانه إلى عبادك صحبها أكرم صحبة و ودعها أحسن توديع أقام بعد انسلاخها عنه على طاعتك و لم يهتك عند إدبارها ستور حرماتك فنعم العبد هذا فعند ذلك يأمر الله تعالى بهذا العبد إلى الجنة فتلقاه ملائكة الله بالحباء و الكرامات و يحملونه على نجب النور و خيول البرق و يصير إلى نعيم لا ينفد و دار لا تبيد لا يخرج سكانها و لا يهرم شبانها و لا يشيب ولدانها و لا ينفد سرورها و حبورها و لا يبلى جديدها و لا

  يتحول إلى الغموم سرورها و لا يمسهم فيها نصب و لا يمسهم فيها لغوب قد أمنوا العذاب و كفوا سوء الحساب و كرم منقلبهم و مثواهم و ساق الحديث إلى أن قال ما من امرأتين احترزتا في الشهادة فذكرت إحداهما الأخرى حتى تقيما الحق و تتقيا الباطل إلا و إذا بعثهما الله يوم القيامة عظم ثوابهما و لا يزال يصب عليهما النعيم و يذكرهما الملائكة ما كان من طاعتهما في الدنيا و ما كانتا فيه من أنواع الهموم فيها و ما أزاله الله عنهما حتى خلدهما في الجنان و إن فيهن لمن تبعث يوم القيامة فيؤتى بها قبل أن تعطى كتابها فترى السيئات بها محيطة و ترى حسناتها قليلة فيقال لها يا أمة الله هذه سيئاتك فأين حسناتك فتقول لا أذكر حسناتي فيقول الله لحفظتها يا ملائكتي تذاكروا حسناتها و ذكروا خيراتها فيتذاكرون حسناتها يقول الملك الذي على اليمين للملك الذي على الشمال أ ما تذكر من حسناتها كذا و كذا فيقول بلى و لكني أذكر من سيئاتها كذا و كذا فيعدد و يقول الملك الذي على اليمين له أ فما تذكر توبتها منها قال لا أذكر قال أ ما تذكر أنها و صاحبتها تذكرتا الشهادة التي كانت عندهما حتى أيقنتا و شهدتاها و لم تأخذهما في الله لومة لائم فيقول بلى فيقول الملك الذي على اليمين للذي على الشمال أ ما تلك الشهادة منهما توبة ماحية لسالف ذنوبهما ثم تعطيان كتابهما بأيمانهما فتوجد حسناتهما كلها مكتوبة و سيئاتهما كلها ثم تجدان في آخرهما يا أمتي أقمت الشهادة بالحق للضعفاء على المبطلين و لم تأخذك فيها لومة اللائمين فصيرت لك ذلك كفارة لذنوبك الماضية و محوا لخطيئاتك السالفة

 12-  كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن ابن عيسى عن ابن محبوب عن معاوية بن وهب قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إذا تاب العبد توبة نصوحا أحبه الله فستر عليه  في الدنيا و الآخرة فقلت كيف يستر عليه قال ينسي ملكيه ما كتبا عليه من الذنوب و يوحي إلى جوارحه اكتمي عليه ذنوبه و يوحي إلى بقاع الأرض اكتمي عليه ما كان يعمل عليك من الذنوب فيلقى الله حين يلقاه و ليس شي‏ء يشهد عليه بشي‏ء من الذنوب

 13-  تفسير النعماني، فيما رواه عن أمير المؤمنين ع في أنواع آيات القرآن قال ثم نظم تعالى ما فرض على السمع و البصر و الفرج في آية واحدة فقال ما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَ لا أَبْصارُكُمْ وَ لا جُلُودُكُمْ وَ لكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ يعني بالجلود هاهنا الفروج و قال تعالى وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا و ساق الحديث إلى أن قال ثم أخبر أن الرجلين من الجوارح التي تشهد يوم القيامة حتى يستنطق بقوله سبحانه الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ

 14-  كا، ]الكافي[ علي بن محمد عن بعض أصحابه عن آدم بن إسحاق عن عبد الرزاق بن مهران عن الحسين بن ميمون عن محمد بن سالم عن أبي جعفر ع و ساق الحديث إلى أن قال و ليست تشهد الجوارح على مؤمن إنما تشهد على من حقت عليه كلمة العذاب فأما المؤمن فيعطى كتابه بيمينه الخبر

 15-  ع، ]علل الشرائع[ أبي عن سعد عن ابن أبي الخطاب عن الحكم بن مسكين عن عبد الله بن علي الزراد قال سأل أبو كهمس أبا عبد الله ع فقال يصلي الرجل نوافله في موضع أو يفرقها قال لا بل هاهنا و هاهنا فإنها تشهد له يوم القيامة

   -16  كا، ]الكافي[ علي بن محمد عن علي بن العباس عن الحسين بن عبد الرحمن عن سفيان الجريري عن أبيه عن سعد الخفاف عن أبي جعفر ع أنه قال يا سعد تعلموا القرآن فإن القرآن يأتي يوم القيامة في أحسن صورة نظر إليه الخلق و الناس صفوف عشرون و مائة ألف صف ثمانون ألف صف أمة محمد ص و أربعون ألف صف من سائر الأمم فيأتي على صف المسلمين في صورة رجل فيسلم فينظرون إليه ثم يقولون لا إله إلا الله الحليم الكريم إن هذا الرجل من المسلمين نعرفه بنعته و صفته غير أنه كان أشد اجتهادا منا في القرآن فمن هناك أعطي من البهاء و الجمال و النور ما لم نعطه ثم يجاوز حتى يأتي على صف الشهداء فينظر إليه الشهداء ثم يقولون لا إله إلا الله الرب الرحيم إن هذا الرجل من الشهداء نعرفه بسمته و صفته غير أنه من شهداء البحر فمن هناك أعطي من البهاء و الفضل ما لم نعطه قال فيجاوز حتى يأتي على صف شهداء البحر في صورة شهيد فينظر إليه شهداء البحر فيكثر تعجبهم و يقولون إن هذا من شهداء البحر نعرفه بسمته و صفته غير أن الجزيرة التي أصيب فيها كانت أعظم هولا من الجزيرة التي أصبنا فيها فمن هناك أعطي من البهاء و الجمال و النور ما لم نعطه ثم يجاوز حتى يأتي صف النبيين و المرسلين في صورة نبي مرسل فينظر النبيون و المرسلون إليه فيشتد لذلك تعجبهم و يقولون لا إله إلا الله الحليم الكريم إن هذا لنبي مرسل نعرفه بصفته و سمته غير أنه أعطي فضلا كثيرا قال فيجتمعون فيأتون رسول الله ص فيسألونه و يقولون يا محمد من هذا فيقول أ و ما تعرفونه فيقولون ما نعرفه هذا ممن لم يغضب الله عليه فيقول رسول الله ص هذا حجة الله على خلقه فيسلم ثم يجاوز حتى يأتي صف الملائكة في صورة ملك مقرب فينظر إليه الملائكة فيشتد تعجبهم و يكبر ذلك عليهم لما رأوا من فضله و يقولون تعالى ربنا و تقدس إن هذا العبد من الملائكة نعرفه بسمته و صفته غير أنه كان أقرب الملائكة من الله عز و جل مقاما من هناك ألبس من النور و الجمال  ما لم نلبس ثم يجاوز حتى ينتهي إلى رب العزة تبارك و تعالى فيخر تحت العرش فيناديه تبارك و تعالى يا حجتي في الأرض و كلامي الصادق الناطق ارفع رأسك و سل تعط و اشفع تشفع فيرفع رأسه فيقول الله تبارك و تعالى كيف رأيت عبادي فيقول يا رب منهم من صانني و حافظ علي و لم يضيع شيئا و منهم من ضيعني و استخف بحقي و كذب و أنا حجتك على جميع خلقك فيقول الله تبارك و تعالى و عزتي و جلالي و ارتفاع مكاني لأثيبن عليك اليوم أحسن الثواب و لأعاقبن عليك اليوم أليم العقاب قال فيرفع القرآن رأسه في صورة أخرى قال فقلت له يا أبا جعفر في أي صورة يرجع قال في صورة رجل شاحب متغير ينكره أهل الجمع فيأتي الرجل من شيعتنا الذي كان يعرفه و يجادل به أهل الخلاف فيقوم بين يديه فيقول ما تعرفني فينظر إليه الرجل فيقول ما أعرفك يا عبد الله قال فيرجع في صورته التي كانت في الخلق الأول فيقول ما تعرفني فيقول نعم فيقول القرآن أنا الذي أسهرت ليلك و أنصبت عيشك و سمعت الأذى و رجمت بالقول في ألا و إن كل تاجر قد استوفى تجارته و أنا وراءك اليوم قال فينطلق به إلى رب العزة تبارك و تعالى فيقول يا رب عبدك و أنت أعلم به قد كان نصبا بي مواظبا علي يعادي بسببي و يحب في و يبغض في فيقول الله عز و جل أدخلوا عبدي جنتي و اكسوه حلة من حلل الجنة و توجوه بتاج فإذا فعل به ذلك عرض على القرآن فيقال له هل رضيت بما صنع بوليك فيقول يا رب إني أستقل هذا له فزده مزيد الخير كله فيقول و عزتي و جلالي و علوي و ارتفاع مكاني لأنحلن له اليوم خمسة أشياء مع المزيد له و لمن كان بمنزلته ألا إنهم شباب لا يهرمون و أصحاء لا يسقمون و أغنياء لا يفتقرون و فرحون لا يحزنون و أحياء لا يموتون ثم تلا هذه الآية لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى

  قلت جعلت فداك يا أبا جعفر و هل يتكلم القرآن فتبسم ثم قال رحم الله الضعفاء من شيعتنا إنهم أهل تسليم ثم قال نعم يا سعد و الصلاة تتكلم و لها صورة و خلق تأمر و تنهى قال سعد فتغير لذلك لوني و قلت هذا شي‏ء لا أستطيع أتكلم به في الناس فقال أبو جعفر ع و هل الناس إلا شيعتنا فمن لم يعرف بالصلاة فقد أنكر حقنا ثم قال يا سعد أسمعك كلام القرآن قال سعد فقلت بلى صلى الله عليك فقال إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ لَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ فالنهي كلام و الفحشاء و المنكر رجال و نحن ذكر الله و نحن أكبر

 بيان قوله ع إن هذا الرجل من المسلمين لما توجه إلى صفهم ظنوا أنه منهم و أما قولهم نعرفه بنعته و صفته فيحتمل وجوها الأول أن يكون يأتيهم بصورة من يعرفونه من حملة القرآن الثاني أن يكون المراد أنا إنما نعرف أنه من المسلمين لكون نعته و صفته شبيهة بهم و لعل زيادة نوره لقراءته القرآن أكثر من سائر المسلمين  الثالث أنهم لما كانوا يتلون القرآن و يأنسون به و قد تصور بصورة لها مناسبة واقعية للقرآن فهم لأنسهم بما يناسبه واقعا يعرفونه و يأنسون به و لعدم علمهم بأن هذه صورة القرآن ظنوا أنه رجل و ذهب عن بالهم اسمه و قيل لما كان المؤمن فيه نيته أن يعبد الله حق عبادته و يتلو كتابه حق تلاوته إلا أنه لا يتيسر له ذلك كما يريد و بالجملة لا يوافق عمله ما في نيته كما ورد في الحديث نية المؤمن خير من عمله فالقرآن يتجلى لكل طائفة بصورة من جنسهم إلا أنه أحسن في الجمال و البهاء و هي الصورة التي لو كانوا بما في نيتهم من العمل بالقرآن لكان لهم تلك الصورة و إنما لا يعرفونه كما ينبغي لأنهم لم يأتوا بذلك كما ينبغي و إنما يعرفونه بنعته و وصفه لأنهم كانوا يتلونه و إنما وصفوا الله بالحلم و الكرم و الرحمة حين رؤيتهم لما رأوا في أنفسهم في جنبه من النقص و القصور الناشئين من تقصيرهم يرجون من الله العفو و الكرم و الرحمة. قوله ع في صورة رجل شاحب يقال شحب جسمه أي تغير و لعل ذلك لغضب على المخالفين أو للاهتمام بشفاعة المؤمنين كما ورد أن السقط يقوم محبنطئا على باب الجنة و قيل لسماعه الوعيد الشديد و هو و إن كان لمستحقيه إلا أنه لا يخلو من تأثير لمن يطلع عليه قوله ع إنهم أهل تسليم أي يقبلون كل ما يسمعون من المعصومين ع و لا يرتابون و لا يتبعون الشبه و وساوس الشيطان قوله ع يا سعد أسمعك كلام القرآن هذا يحتمل وجوها الأول أن يقال تكلم القرآن عبارة عن إلقائه إلى السمع ما يفهم منه المعنى و هذا هو معنى حقيقة الكلام لا يشترط فيه أن يصدر من لسان لحمي و كذا تكلم الصلاة فإن من أتى بالصلاة بحقها و حقيقتها نهته الصلاة عن متابعة أعداء الدين و غاصبي حقوق الأئمة الراشدين الذين من عرفهم عرف الله و من ذكرهم ذكر الله. الثاني أن لكل عبادة صورة و مثالا تترتب عليها آثار تلك العبادة و هذه الصورة تظهر للناس في القيامة فالمراد بقولهم ع في موضع آخر الصلاة رجل أنها في القيامة يتشكل بإزائها رجل يشفع لمن رعاها حق رعايتها و في الدنيا أيضا لا يبعد أن يخلق الله بإزائها ملكا أو خلقا آخر من الروحانيين يسدد من أتى  بالصلاة حق إتيانها و يهديه إلى مراشده و كذا في القرآن و سائر العبادات. الثالث ما أفيض علي ببركات الأئمة الطاهرين و به ينحل كثير من غوامض أخبار الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين و هو أنه كما أن الجسد الإنساني له حياة ظاهرية من جهة الروح الحيوانية المنبعثة عن القلب الظاهري و بها يسمع و يبصر و يمشي و ينطق و يحس فكذا له حياة معنوية من جهة العلم و الإيمان و الطاعات فالإيمان ينبعث من القلب المعنوي و يسري في سائر الأعضاء فينور العين بنور آخر

 كما قال النبي ص المؤمن ينظر بنور الله و يسمع بسمع آخر

و بالجملة يتصرف الإيمان في بدنه و عقله و نفسه و يملكه بأسره فلا يرى إلا الحق و لا يسمع إلا ما ينفعه و لا يسمع شيئا من الحق إلا فهمه و صدقه و لا ينطق إلا بالحق و لا يمشي إلا للحق فالإيمان روح لذلك الجسد و لذا قال تعالى في وصف الكفار أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ و قال صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ و ما ذلك إلا لذهاب نور الإيمان من قلوبهم و جوارحهم و كذا الصلاة إذا كملت في شخص و أتى بها كما هو حقها تصرف في بدنه و نورت قلبه و بصره و سمعه و لسانه و منعته عن اتباع الشهوات و حثته على الطاعات و كذا سائر العبادات. ثم إن القرآن ليس تلك النقوش بل هو يدل عليه تلك النقوش و إنما صار الخط و ما ينقش عليه محترما لدلالته على ذلك الكلام و الكلام إنما صار مكرما لدلالته على المعاني التي أرادها الله الملك العلام فمن انتقش في قواه ألفاظ القرآن و في عقله معانيه و اتصف بصفاته الحسنة على ما هي فيه و احترز عما نهى الله عنه فيه و اتعظ بمواعظه و صير القرآن خلقه و داوى به أدواءه فهو أولى بالتعظيم و الإكرام و لذا ورد أن المؤمن أعظم حرمة من الكعبة و القرآن فإذا عرفت ذلك فاعلم أنه كما يطلق على الجسد لتعلق الروح و النفس به أنه إنسان فكذا يجوز أن يطلق على  البدن الذي كمل فيه الإيمان و تصرف فيه و صار روحه أنه إيمان و كذا الصلاة و الزكاة و سائر الطاعات و هذا في القرآن أظهر لأنه قد انتقش بلفظه و معناه و اتصف بصفاته و مؤداه و احتوى عليه و تصرف في بدنه و قواه فبالحري أن يطلق عليه القرآن فإذا عرفت ذلك ظهر لك سر الأخبار الواردة في أن أمير المؤمنين ع هو كلام الله و هو الإيمان و الإسلام و الصلاة و الزكاة و قس على ذلك حال أعدائه و ما ورد أنهم الكفر و الفسوق و العصيان و شرب الخمر و الزنا و سائر المحارم لاستقرار تلك الصفات فيهم بحيث صارت أرواحهم الخبيثة فلا يبعد أن يكون المراد بالصورة التي يأتي في القيامة هو أمير المؤمنين ع فيشفع لمن قرأ القرآن لأنه روحه و لا يعمل بالقرآن إلا من يتولاه و ينادي القرآن بلعن من عاداه ثم ذكر ع لرفع الاستبعاد أن الصلاة رجل و هو أمير المؤمنين فهو ينهى الناس عن متابعة من كمل فيه الفحشاء و المنكر يعني أبا بكر و عمر على هذا لا يبعد أن يكون قوله ع أسمعك كلام القرآن أشار به إلى أنه ع أيضا القرآن و كلامه كلام القرآن و سيأتي مزيد توضيح لهذا التحقيق في كتاب الإمامة و أنت إذا أحطت بذلك و فهمته انكشف لك كثير من الأسرار المطوية في أخبار الأئمة الأطهار ع فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَ كُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ

 17-  ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ القاسم بن محمد عن علي قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن الله تبارك و تعالى إذا أراد أن يحاسب المؤمن أعطاه كتابه بيمينه و حاسبه فيما بينه و بينه فيقول عبدي فعلت كذا و كذا و عملت كذا و كذا فيقول نعم يا رب قد فعلت ذلك فيقول قد غفرتها لك و أبدلتها حسنات فيقول الناس سبحان الله أ ما كان لهذا العبد سيئة واحدة و هو قول الله عز و جل فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ  حِساباً يَسِيراً وَ يَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً قلت أي أهل قال أهله في الدنيا هم أهله في الجنة إن كانوا مؤمنين قال و إذا أراد بعبد شرا حاسبه على رءوس الناس و بكته و أعطاه كتابه بشماله و هو قول الله عز و جل وَ أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً وَ يَصْلى سَعِيراً إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً قلت أي أهل قال أهله في الدنيا قلت قوله إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ قال ظن أنه لن يرجع

 18-  ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ القاسم عن علي عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن المؤمن يعطى يوم القيامة كتابا منشورا مكتوب فيه كتاب الله العزيز الحكيم أدخلوا فلانا الجنة

 19-  كتاب فضائل الشيعة، للصدوق رحمه الله بإسناده عن الثمالي قال قال أبو عبد الله ع نحن الشهداء على شيعتنا و شيعتنا شهداء على الناس و بشهادة شيعتنا يجزون و يعاقبون

 20-  محاسبة النفس، للسيد علي بن طاوس قدس الله روحه بإسناده إلى محمد بن علي بن محبوب من كتابه بإسناده إلى أبي عبد الله ع قال ما من يوم يأتي على ابن آدم إلا قال ذلك اليوم يا ابن آدم أنا يوم جديد و أنا عليك شهيد فافعل بي خيرا و اعمل في خيرا أشهد لك يوم القيامة فإنك لن تراني بعدها أبدا و في نسخة أخرى فقل في خيرا و اعمل في خيرا

 21-  قال و رأيت في كتاب مسعدة بن زياد الربعي، فيما رواه عن أبي عبد الله عن أبيه ع قال الليل إذا أقبل نادى مناد بصوت يسمعه الخلائق إلا الثقلين يا ابن آدم إني على ما في شهيد فخذ مني فإني لو طلعت الشمس لم تزدد في حسنة و لم تستعتب في من سيئة و كذلك يقول النهار إذا أدبر الليل

 22-  كا، ]الكافي[ بإسناده إلى أبي عبد الله ع قال إن النهار إذا جاء قال يا ابن آدم اعمل في يومك هذا خيرا أشهد لك به عند ربك يوم القيامة فإني لم آتك فيما مضى و لا آتيك فيما بقي و إذا جاء الليل قال مثل ذلك