باب 23- علل الشرائع و الأحكام

الآيات المائدة ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ الأعراف قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ حمعسق اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَ الْمِيزانَ الرحمن وَ السَّماءَ رَفَعَها وَ وَضَعَ الْمِيزانَ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ تفسير قد فسر جماعة من المفسرين الميزان في الآيتين بالشرع و بعضهم بالعدل و بعضهم بالميزان المعروف و أما الأخبار ففيها ثلاثة فصول.

الفصل الأول العلل التي رواها الفضل بن شاذان

 1-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ ع، ]علل الشرائع[ حدثني عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار بنيسابور في شعبان سنة اثنتين و خمسين و ثلاث مائة قال حدثني أبو الحسن علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري قال قال أبو محمد الفضل بن شاذان و حدثنا الحاكم أبو جعفر محمد بن نعيم بن شاذان رحمه الله عن عمه أبي عبد الله محمد بن شاذان قال قال الفضل بن شاذان النيسابوري إن سأل سائل فقال أخبرني هل يجوز أن يكلف الحكيم عبده فعلا من الأفاعيل لغير علة و لا معنى قيل له لا يجوز ذلك لأنه حكيم غير عابث و لا جاهل فإن قال فأخبرني لم كلف الخلق قيل لعلل فإن قال فأخبرني من تلك العلل معروفة موجودة هي أم غير معروفة و لا موجودة قيل بل هي معروفة و موجودة عند أهلها فإن قال أ تعرفونها أنتم أم لا تعرفونها قيل لهم منها ما نعرفه و منها ما لا نعرفه فإن قال فما أول الفرائض قيل الإقرار باللهعز و جل و برسوله و حجته ع و بما جاء من عند الله عز و جل  فإن قال لم أمر الله الخلق بالإقرار بالله و برسله و حججه و بما جاء من عند الله عز و جل قيل لعلل كثيرة منها أن من لم يقر بالله عز و جل لم يجتنب معاصيه و لم ينته عن ارتكاب الكبائر و لم يراقب أحدا فيما يشتهي و يستلذ من الفساد و الظلم فإذا فعل الناس هذه الأشياء و ارتكب كل إنسان ما يشتهي و يهواه من غير مراقبة لأحد كان في ذلك فساد الخلق أجمعين و وثوب بعضهم على بعض فغصبوا الفروج و الأموال و أباحوا الدماء و النساء و السبي و قتل بعضهم بعضا من غير حق و لا جرم فيكون في ذلك خراب الدنيا و هلاك الخلق و فساد الحرث و النسل و منها أن الله عز و جل حكيم و لا يكون الحكيم و لا يوصف بالحكمة إلا الذي يحظر الفساد و يأمر بالصلاح و يزجر عن الظلم و ينهى عن الفواحش و لا يكون حظر الفساد و الأمر بالصلاح و النهي عن الفواحش إلا بعد الإقرار بالله عز و جل و معرفة الآمر و الناهي فلو ترك الناس بغير إقرار بالله و لا معرفته لم يثبت أمر بصلاح و لا نهي عن فساد إذ لا آمر و لا ناهي و منها أنا وجدنا الخلق قد يفسدون بأمور باطنة مستورة عن الخلق فلو لا الإقرار بالله عز و جل و خشيته بالغيب لم يكن أحد إذا خلا بشهوته و إرادته يراقب أحدا في ترك معصية و انتهاك حرمة و ارتكاب كبيرة إذا كان فعله ذلك مستورا عن الخلق غير مراقب لأحد و كان يكون في ذلك هلاك الخلق أجمعين فلم يكن قوام الخلق و صلاحهم إلا بالإقرار منهم بعليم خبير يعلم السر و أخفى آمر بالصلاح ناه عن الفساد لا تخفى عليه خافية ليكون في ذلك انزجار لهم عما يخلون به من أنواع الفساد فإن قال فلم وجب عليهم معرفة الرسل و الإقرار بهم و الإذعان لهم بالطاعة قيل لأنه لما لم يكن في خلقهم و قولهم و قواهم ما يكملون لمصالحهم و كان

  الصانع متعاليا عن أن يرى و كان ضعفهم و عجزهم عن إدراكه ظاهرا لم يكن بد من رسول بينه و بينهم معصوم يؤدي إليهم أمره و نهيه و أدبه و يقفهم على ما يكون به إحراز منافعهم و دفع مضارهم إذ لم يكن في خلقهم ما يعرفون به ما يحتاجون إليه من منافعهم و مضارهم فلو لم يجب عليهم معرفته و طاعته لم يكن لهم في مجي‏ء الرسول منفعة و لا سد حاجة و لكان يكون إتيانه عبثا لغير منفعة و لا صلاح و ليس هذا من صفة الحكيم الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ فإن قال فلم جعل أولي الأمر و أمر بطاعتهم قيل لعلل كثيرة منها أن الخلق لما وقعوا على حد محدود و أمروا أن لا يتعدوا ذلك الحد تلك الحدود لما فيه من فسادهم لم يكن يثبت ذلك و لا يقوم إلا بأن يجعل عليهم فيه أمينا يمنعهم من التعدي و الدخول فيما حظر عليهم لأنه لو لم يكن ذلك كذلك لكان أحد لا يترك لذته و منفعته لفساد غيره فجعل عليهم قيما يمنعهم من الفساد و يقيم فيهم الحدود و الأحكام و منها أنا لا نجد فرقة من الفرق و لا ملة من الملل بقوا و عاشوا إلا بقيم و رئيس لما لا بد لهم منه في أمر الدين و الدنيا فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق مما يعلم أنه لا بد لهم منه و لا قوام لهم إلا به فيقاتلون به عدوهم و يقسمون به فيئهم و يقيم لهم جمعتهم و جماعتهم و يمنع ظالمهم من مظلومهم و منها أنه لو لم يجعل لهم إماما قيما أمينا حافظا مستودعا لدرست الملة و ذهب الدين و غيرت السنة و الأحكام و لزاد فيه المبتدعون و نقص منه الملحدون و شبهوا ذلك على المسلمين لأنا قد وجدنا الخلق منقوصين محتاجين  غير كاملين مع اختلافهم و اختلاف أهوائهم و تشتت أنحائهم فلو لم يجعل لهم قيما حافظا لما جاء به الرسول ص لفسدوا على نحو ما بينا و غيرت الشرائع و السنن و الأحكام و الإيمان و كان في ذلك فساد الخلق أجمعين فإن قيل فلم لا يجوز أن يكون في الأرض إمامان في وقت واحد أو أكثر من ذلك قيل لعلل منها أن الواحد لا يختلف فعله و تدبيره و الاثنين لا يتفق فعلهما و تدبيرهما و ذلك أنا لم نجد اثنين إلا مختلفي الهم و الإرادة فإذا كانا اثنين ثم اختلف همهما و إرادتهما و تدبيرهما و كانا كلاهما مفترضي الطاعة لم يكن أحدهما أولى بالطاعة من صاحبه فكان يكون في ذلك اختلاف الخلق و التشاجر و الفساد ثم لا يكون أحد مطيعا لأحدهما إلا و هو عاص للآخر فتعم المعصية أهل الأرض ثم لا يكون لهم مع ذلك السبيل إلى الطاعة و الإيمان و يكونون إنما أتوا في ذلك من قبل الصانع الذي وضع لهم باب الاختلاف و التشاجر إذ أمرهم باتباع المختلفين و منها أنه لو كانا إمامين كان لكل من الخصمين أن يدعو إلى غير ما يدعو إليه صاحبه في الحكومة ثم لا يكون أحدهما أولى بأن يتبع من صاحبه فتبطل الحقوق و الأحكام و الحدود و منها أنه لا يكون واحد من الحجتين أولى بالنطق و الحكم و الأمر و النهي من الآخر فإذا كان هذا كذلك وجب عليهما أن يبتدئا بالكلام و ليس لأحدهما أن يسبق صاحبه بشي‏ء إذا كانا في الإمامة شرعا واحدا فإن جاز لأحدهما السكوت جاز السكوت للآخر مثل ذلك و إذا جاز لهما السكوت بطلت الحقوق و الأحكام و عطلت الحدود و صارت الناس كأنهم لا إمام لهم

  فإن قال فلم لا يجوز أن يكون الإمام من غير جنس الرسول ع قيل لعلل منها أنه لما كان الإمام مفترض الطاعة لم يكن بد من دلالة تدل عليه و يتميز بها من غيره و هي القرابة المشهورة و الوصية الظاهرة ليعرف من غيره و يهتدى إليه بعينه و منها أنه لو جاز في غير جنس الرسول لكان قد فضل من ليس برسول على الرسل إذ جعل أولاد الرسل أتباعا لأولاد أعدائه كأبي جهل و ابن أبي معيط لأنه قد يجوز بزعمه أن ينتقل ذلك في أولادهم إذا كانوا مؤمنين فيصير أولاد الرسول تابعين و أولاد أعداء الله و أعداء رسوله متبوعين و كان الرسول أولى بهذه الفضيلة من غيره و أحق و منها أن الخلق إذا أقروا للرسول بالرسالة و أذعنوا له بالطاعة لم يتكبر أحد منهم عن أن يتبع ولده و يطيع ذريته و لم يتعاظم ذلك في أنفس الناس و إذا كان في غير جنس الرسول كان كل واحد منهم في نفسه أنه أولى به من غيره و دخلهم من ذلك الكبر و لم تسخ أنفسهم بالطاعة لمن هو عندهم دونهم فكان يكون في ذلك داعية لهم إلى الفساد و النفاق و الاختلاف فإن قال فلم وجب عليهم الإقرار و المعرفة بأن الله تعالى واحد أحد قيل لعلل منها أنه لو لم يجب عليهم الإقرار و المعرفة لجاز أن يتوهموا مدبرين أو أكثر من ذلك و إذا جاز ذلك لم يهتدوا إلى الصانع لهم من غيره لأن كل إنسان منهم كان لا يدري لعله إنما يعبد غير الذي خلقه و يطيع غير الذي أمره فلا يكونون على حقيقة من صانعهم و خالقهم و لا يثبت عندهم أمر آمر و لا نهي ناه إذ لا يعرف الآمر بعينه و لا الناهي من غيره و منها أنه لو جاز أن يكون اثنين لم يكن أحد الشريكين أولى بأن يعبد و يطاع من الآخر و في إجازة أن يطاع ذلك الشريك إجازة أن لا يطاع الله و في أن لا يطاع

  الله عز و جل الكفر بالله و بجميع كتبه و رسله و إثبات كل باطل و ترك كل حق و تحليل كل حرام و تحريم كل حلال و الدخول في كل معصية و الخروج من كل طاعة و إباحة كل فساد و إبطال لكل حق و منها أنه لو جاز أن يكون أكثر من واحد لجاز لإبليس أن يدعي أنه ذلك الآخر حتى يضاد الله تعالى في جميع حكمه و يصرف العباد إلى نفسه فيكون في ذلك أعظم الكفر و أشد النفاق فإن قال فلم وجب عليهم الإقرار لله بأنه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ قيل لعلل منها أن يكونوا قاصدين نحوه بالعبادة و الطاعة دون غيره غير مشتبه عليهم أمر ربهم و صانعهم و رازقهم و منها أنهم لو لم يعلموا أنه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ لم يدروا لعل ربهم و صانعهم هذه الأصنام التي نصبتها لهم آباؤهم و الشمس و القمر و النيران إذا كان جائزا أن يكون عليهم مشبهة و كان يكون في ذلك الفساد و ترك طاعاته كلها و ارتكاب معاصيه كلها على قدر ما يتناهى إليهم من أخبار هذه الأرباب و أمرها و نهيها و منها أنه لو لم يجب عليهم أن يعرفوا أن لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ لجاز عندهم أن يجري عليه ما يجري على المخلوقين من العجز و الجهل و التغيير و الزوال و الفناء و الكذب و الاعتداء و من جازت عليه هذه الأشياء لم يؤمن فناؤه و لم يوثق بعدله و لم يحقق قوله و أمره و نهيه و وعده و وعيده و ثوابه و عقابه و في ذلك فساد الخلق و إبطال الربوبية فإن قال لم أمر الله تعالى العباد و نهاهم قيل لأنه لا يكون بقاؤهم و صلاحهم إلا بالأمر و النهي و المنع عن الفساد و التغاصب فإن قال فلم تعبدهم قيل لئلا يكونوا ناسين لذكره و لا تاركين لأدبه و لا لاهين عن أمره و نهيه إذ كان فيه صلاحهم و قوامهم فلو تركوا بغير تعبد لطال عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ  فإن قال فلم أمروا بالصلاة قيل لأن في الصلاة الإقرار بالربوبية و هو صلاح عام لأن فيه خلع الأنداد و القيام بين يدي الجبار بالذل و الاستكانة و الخضوع و الاعتراف و طلب الإقالة من سالف الذنوب و وضع الجبهة على الأرض كل يوم و ليلة ليكون العبد ذاكرا لله تعالى غير ناس له و يكون خاشعا وجلا متذللا طالبا راغبا في الزيادة للدين و الدنيا مع ما فيه من الانزجار عن الفساد و صار ذلك عليه في كل يوم و ليلة لئلا ينسى العبد مدبره و خالقه فيبطر و يطغى و ليكون في ذكر خالقه و القيام بين يدي ربه زاجرا له عن المعاصي و حاجزا و مانعا عن أنواع الفساد فإن قال فلم أمروا بالوضوء و بدئ به قيل لأن يكون العبد طاهرا إذا قام بين يدي الجبار عند مناجاته إياه مطيعا له فيما أمره نقيا من الأدناس و النجاسة مع ما فيه من ذهاب الكسل و طرد النعاس و تزكية الفؤاد للقيام بين يدي الجبار فإن قال لم وجب ذلك على الوجه و اليدين و الرأس و الرجلين قيل لأن العبد إذا قام بين يدي الجبار فإنما ينكشف من جوارحه و يظهر ما وجب فيه الوضوء و ذلك أنه بوجهه يسجد و يخضع و بيده يسأل و يرغب و يرهب و يتبتل و ينسك و برأسه يستقبل في ركوعه و سجوده و برجليه يقوم و يقعد

  فإن قال فلم وجب الغسل على الوجه و اليدين و جعل المسح على الرأس و الرجلين و لم يجعل ذلك غسلا كله أو مسحا كله قيل لعلل شتى منها أن العبادة العظمى إنما هي الركوع و السجود و إنما يكون الركوع و السجود بالوجه و اليدين لا بالرأس و الرجلين و منها أن الخلق لا يطيقون في كل وقت غسل الرأس و الرجلين و يشتد ذلك عليهم في البرد و السفر و المرض و أوقات من الليل و النهار و غسل الوجه و اليدين أخف من غسل الرأس و الرجلين و إنما وضعت الفرائض على قدر أقل الناس طاقة من أهل الصحة ثم عم فيها القوي و الضعيف و منها أن الرأس و الرجلين ليسا هما في كل وقت باديين ظاهرين كالوجه و اليدين لموضع العمامة و الخفين و غير ذلك فإن قال فلم وجب الوضوء مما خرج من الطرفين خاصة و من النوم دون سائر الأشياء قيل لأن الطرفين هما طريق النجاسة و ليس للإنسان طريق تصيبه النجاسة من نفسه إلا منهما فأمروا بالطهارة عند ما تصيبهم تلك النجاسة من أنفسهم و أما النوم فإن النائم إذا غلب عليه النوم يفتح كل شي‏ء منه و استرخى و كان أغلب الأشياء عليه في الخروج منه الريح فوجب عليه الوضوء لهذه العلة فإن قال فلم لم يؤمروا بالغسل من هذه النجاسة كما أمروا بالغسل من الجنابة قيل لأن هذا شي‏ء دائم غير ممكن للخلق الاغتسال منه كلما يصيب ذلك و لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها و الجنابة ليس هي أمرا دائما إنما هي شهوة يصيبها إذا أراد و يمكنه تعجيلها و تأخيرها الأيام الثلاثة و الأقل و الأكثر و ليس ذلك هكذا فإن قال فلم أمروا بالغسل من الجنابة و لم يؤمروا بالغسل من الخلاء و هو أنجس من الجنابة و أقذر قيل من أجل أن الجنابة من نفس الإنسان و هو شي‏ء يخرج من جميع جسده و الخلاء ليس هو من نفس الإنسان إنما هو غذاء يدخل من باب و يخرج من باب

   أقول في بعض نسخ علل الشرائع زيادة هي هذه

فإن قال فلم صار الاستنجاء فرضا قيل لأنه لا يجوز للعبد أن يقوم بين يدي الجبار و شي‏ء من ثيابه و جسده نجس

 قال مصنف هذا الكتاب غلط الفضل و ذلك لأن الاستنجاء به ليس بفرض و إنما هو سنة رجعنا إلى كلام الفضل انتهى. و لنرجع إلى المشترك بين الكتابين

فإن قال أخبرني عن الأذان لم أمروا به قيل لعلل كثيرة منها أن يكون تذكيرا للساهي و تنبيها للغافل و تعريفا لمن جهل الوقت و اشتغل عن الصلاة و ليكون ذلك داعيا إلى عبادة الخالق مرغبا فيها مقرا له بالتوحيد مجاهرا بالإيمان معلنا بالإسلام مؤذنا لمن نسيها و إنما يقال مؤذن لأنه يؤذن بالصلاة فإن قال فلم بدئ فيه بالتكبير قبل التسبيح و التهليل و التحميد قيل لأنه أراد أن يبدأ بذكره و اسمه لأن اسم الله تعالى في التكبير في أول الحرف و في التسبيح و التهليل و التحميد اسم الله في آخر الحرف فبدئ بالحرف الذي اسم الله في أوله لا في آخره فإن قال فلم جعل مثنى مثنى قيل لأن يكون مكررا في آذان المستمعين مؤكدا عليهم إن سها أحد عن الأول لم يسه عن الثاني و لأن الصلاة ركعتان ركعتان فلذلك جعل الأذان مثنى مثنى فإن قال فلم جعل التكبير في أول الأذان أربعا قيل لأن أول الأذان إنما يبدوا غفلة و ليس قبله كلام يتنبه المستمع له فجعل ذلك تنبيها للمستمعين لما بعده في الأذان فإن قال فلم جعل بعد التكبير شهادتين قيل لأن أول الإيمان التوحيد و الإقرار بالله عز و جل بالوحدانية و الثاني الإقرار بالرسول بالرسالة و أن طاعتهما  و معرفتهما مقرونتان و أن أصل الإيمان إنما هو الشهادة فجعل شهادتين في الأذان كما جعل في سائر الحقوق شهادتين فإذا أقر لله بالوجدانية و أقر للرسول بالرسالة فقد أقر بجملة الإيمان لأن أصل الإيمان إنما هو الإقرار بالله و برسوله فإن قال فلم جعل بعد الشهادتين الدعاء إلى الصلاة قيل لأن الأذان إنما وضع لموضع الصلاة و إنما هو نداء إلى الصلاة فجعل النداء إلى الصلاة في وسط الأذان فقدم المؤذن قبلها أربعا التكبيرتين و الشهادتين و أخر بعدها أربعا يدعو إلى الفلاح حثا على البر و الصلاة ثم دعا إلى خير العمل مرغبا فيها و في عملها و في أدائها ثم نادى بالتكبير و التهليل ليتم بعدها أربعا كما أتم قبلها أربعا و ليختم كلامه بذكر الله تعالى كما فتحه بذكر الله تعالى فإن قال فلم جعل آخرها التهليل و لم يجعل آخرها التكبير كما جعل في أولها التكبير قيل لأن التهليل اسم الله في آخره فأحب الله تعالى أن يختم الكلام باسمه كما فتحه باسمه فإن قال فلم لم يجعل بدل التهليل التسبيح أو التحميد و اسم الله في آخرهما قيل لأن التهليل هو إقرار لله تعالى بالتوحيد و خلع الأنداد من دون الله و هو أول الإيمان و أعظم التسبيح و التحميد فإن قال فلم بدئ في الاستفتاح و الركوع و السجود و القيام و القعود بالتكبير قيل للعلة التي ذكرناها في الأذان فإن قال فلم جعل الدعاء في الركعة الأولى قبل القراءة و لم جعل في الركعة الثانية القنوت بعد القراءة قيل لأنه أحب أن يفتح قيامه لربه و عبادته بالتحميد و التقديس و الرغبة و الرهبة و يختمه بمثل ذلك ليكون في القيام عند القنوت طول

  فأحرى أن يدرك المدرك الركوع فلا تفوته الركعة في الجماعة فإن قال فلم أمروا بالقراءة في الصلاة قيل لئلا يكون القرآن مهجورا مضيعا و ليكون محفوظا فلا يضمحل و لا يجهل فإن قال فلم بدئ بالحمد في كل قراءة دون سائر السور قيل لأنه ليس شي‏ء من القرآن و الكلام جمع فيه من جوامع الخير و الحكمة ما جمع في سورة الحمد و ذلك أن قوله الْحَمْدُ لِلَّهِ إنما هو أداء لما أوجب الله تعالى على خلقه من الشكر و شكر لما وفق عبده للخير رَبِّ الْعالَمِينَ تمجيد له و تحميد و إقرار بأنه هو الخالق المالك لا غيره الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ استعطاف و ذكر لآلائه و نعمائه على جميع خلقه مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إقرار بالبعث و الحساب و المجازاة و إيجاب له ملك الآخرة كما أوجب له ملك الدنيا إِيَّاكَ نَعْبُدُ رغبة و تقرب إلى الله عز و جل و إخلاص بالعمل له دون غيره وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ استزادة من توفيقه و عبادته و استدامة لما أنعم عليه و نصره اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ استرشاد لأدبه و اعتصام بحبله و استزادة في المعرفة بربه و بعظمته و كبريائه صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ توكيد في السؤال و الرغبة و ذكر لما قد تقدم من نعمه على أوليائه و رغبة في ذلك النعم غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ استعاذة من أن يكون من المعاندين الكافرين المستخفين به و بأمره و نهيه وَ لَا الضَّالِّينَ اعتصام من أن يكون من الضالين الذين ضلوا عن سبيله من غير معرفة وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً فقد اجتمع فيه من جوامع الخير و الحكمة في أمر الآخرة و الدنيا ما لا يجمعه شي‏ء من الأشياء فإن قال فلم جعل التسبيح في الركوع و السجود قيل لعلل منها أن يكون  العبد مع خضوعه و خشوعه و تعبده و تورعه و استكانته و تذلله و تواضعه و تقربه إلى ربه مقدسا له ممجدا مسبحا معظما شاكرا لخالقه و رازقه و ليستعمل التسبيح و التحميد كما استعمل التكبير و التهليل و ليشغل قلبه و ذهنه بذكر الله فلا يذهب به الفكر و الأماني إلى غير الله فإن قال فلم جعل أصل الصلاة ركعتين و لم زيد على بعضها ركعة و على بعضها ركعتان و لم يزد على بعضها شي‏ء قيل لأن أصل الصلاة إنما هي ركعة واحدة لأن أصل العدد واحد فإذا نقصت من واحد فليست هي صلاة فعلم الله عز و جل أن العباد لا يؤدون تلك الركعة الواحدة التي لا صلاة أقل منها بكمالها و تمامها و الإقبال عليها فقرن إليها ركعة ليتم بالثانية ما نقص من الأولى ففرض الله عز و جل أصل الصلاة ركعتين ثم علم رسول الله ص أن العباد لا يؤدون هاتين الركعتين بتمام ما أمروا به و كماله فضم إلى الظهر و العصر و العشاء الآخرة ركعتين ركعتين ليكون فيهما تمام الركعتين الأوليين ثم علم أن صلاة المغرب يكون شغل الناس في وقتها أكثر للانصراف إلى الأوطان و الأكل و الوضوء و التهيئة للمبيت فزاد فيها ركعة واحدة ليكون أخف عليهم و لأن تصير ركعات الصلاة في اليوم و الليلة فردا ثم ترك الغداة على حالها لأن الاشتغال في وقتها أكثر و المبادرة إلى الحوائج فيها أعم و لأن القلوب فيها أخلى من الفكر لقلة معاملات الناس بالليل و لقلة الأخذ و الإعطاء فالإنسان فيها أقبل على صلاته منه في غيرها من الصلوات لأن الفكر أقل لعدم العمل من الليل فإن قال فلم جعل التكبير في الاستفتاح سبع مرات قيل لأن الفرض

  منها واحد و سائرها سنة و إنما جعل ذلك لأن التكبير في الركعة الأولى التي هي الأصل كله سبع تكبيرات تكبيرة الاستفتاح و تكبيرة الركوع و تكبيرتي السجود و تكبيرة أيضا للركوع و تكبيرتين للسجود فإذا كبر الإنسان أول الصلاة سبع تكبيرات فقد أحرز التكبير كله فإن سها في شي‏ء منها أو تركها لم يدخل عليه نقص في صلاته أقول و في العلل كما قال أبو جعفر و أبو عبد الله ع من كبر أول صلاته سبع تكبيرات أجزأه و يجزي تكبيرة واحدة ثم إن لم يكبر في شي‏ء من صلاته أجزأه عنه ذلك و إنما عنى بذلك إذا تركها ساهيا أو ناسيا قال مصنف هذا الكتاب غلط الفضل أن تكبيرة الافتتاح فريضة و إنما هي سنة واجبة رجعنا إلى كلام الفضل أقول رجعنا إلى المشترك فإن قال فلم جعل ركعة و سجدتين قيل لأن الركوع من فعل القيام و السجود من فعل القعود و صلاة القاعد على النصف من صلاة القيام فضوعف السجود ليستوي بالركوع فلا يكون بينهما تفاوت لأن الصلاة إنما هي ركوع و سجود فإن قال فلم جعل التشهد بعد الركعتين قيل لأنه كما قدم قبل الركوع و السجود الأذان و الدعاء و القراءة فكذلك أيضا أمر بعدها بالتشهد و التحميد و الدعاء فإن قال فلم جعل التسليم تحليل الصلاة و لم يجعل بدله تكبيرا أو تسبيحا أو ضربا آخر قيل لأنه لما كان في الدخول في الصلاة تحريم الكلام للمخلوقين و التوجه إلى الخالق كان تحليلها كلام المخلوقين و الانتقال عنها و ابتداء المخلوقين بالكلام إنما هو بالتسليم  فإن قال فلم جعل القراءة في الركعتين الأوليين و التسبيح في الأخريين قيل للفرق بين ما فرضه الله عز و جل من عنده و ما فرضه من عند رسوله فإن قال فلم جعلت الجماعة قيل لأن لا يكون الإخلاص و التوحيد و الإسلام و العبادة لله إلا ظاهرا مكشوفا مشهودا لأن في إظهاره حجة على أهل الشرق و الغرب لله عز و جل و ليكون المنافق المستخف مؤديا لما أقر به يظهر الإسلام و المراقبة و لتكون شهادات الناس بالإسلام بعضهم لبعض جائزة ممكنة مع ما فيه من المساعدة على البر و التقوى و الزجر عن كثير من معاصي الله عز و جل فإن قال فلم جعل الجهر في بعض الصلاة و لم يجعل في بعض قيل لأن الصلوات التي يجهر فيها إنما هي صلوات تصلى في أوقات مظلمة فوجب أن يجهر فيها لأن يمر المار فيعلم أن هاهنا جماعة فإن أراد أن يصلي صلى و لأنه إن لم ير جماعة تصلي سمع و علم ذلك من جهة السماع و الصلاتان اللتان لا يجهر فيهما فإنهما بالنهار و في أوقات مضيئة فهي تدرك من جهة الرؤية فلا يحتاج فيها إلى السماع فإن قال فلم جعلت الصلوات في هذه الأوقات و لم تقدم و لم تؤخر قيل لأن الأوقات المشهورة المعلومة التي تعم أهل الأرض فيعرفها الجاهل و العالم أربعة غروب الشمس معروف تجب عنده المغرب و سقوط الشفق مشهور تجب عنده العشاء الآخرة و طلوع الفجر مشهور معلوم تجب عنده الغداة و زوال الشمس مشهور معلوم تجب عنده الظهر و لم يكن للعصر وقت معروف مشهور مثل هذه الأوقات الأربعة فجعل وقتها عند الفراغ من الصلاة التي قبلها و علة أخرى أن الله عز و جل أحب أن

  يبدأ الناس في كل عمل أولا بطاعته و عبادته فأمرهم أول النهار أن يبدءوا بعبادته ثم ينتشروا فيما أحبوا من مرمة دنياهم فأوجب صلاة الغداة عليهم فإذا كان نصف النهار و تركوا ما كانوا فيه من الشغل و هو وقت يضع الناس فيه ثيابهم و يستريحون و يشتغلون بطعامهم و قيلولتهم فأمرهم أن يبدءوا أولا بذكره و عبادته فأوجب عليهم الظهر ثم يتفرغوا لما أحبوا من ذلك فإذا قضوا وطرهم و أرادوا الانتشار في العمل لآخر النهار بدءوا أيضا بعبادته ثم صاروا إلى ما أحبوا من ذلك فأوجب عليهم العصر ثم ينتشرون فيما شاءوا من مرمة دنياهم فإذا جاء الليل و وضعوا زينتهم و عادوا إلى أوطانهم ابتدءوا أولا بعبادة ربهم ثم يتفرغون لما أحبوا من ذلك فأوجب عليهم المغرب فإذا جاء وقت النوم و فرغوا مما كانوا به مشتغلين أحب أن يبدءوا أولا بعبادته و طاعته ثم يصيرون إلى ما شاءوا أن يصيروا إليه من ذلك فيكونوا قد بدءوا في كل عمل بطاعته و عبادته فأوجب عليهم العتمة فإذا فعلوا ذلك لم ينسوه و لم يغفلوا عنه و لم تقس قلوبهم و لم تقل رغبتهم فإن قال فلم إذا لم يكن للعصر وقت مشهور مثل تلك الأوقات أوجبها بين الظهر و المغرب و لم يوجبها بين العتمة و الغداة أو بين الغداة و الظهر قيل لأنه ليس وقت على الناس أخف و لا أيسر و لا أحرى أن يعم فيه الضعيف و القوي بهذه الصلاة من هذا الوقت و ذلك أن الناس عامتهم يشتغلون في أول النهار بالتجارات و المعاملات و الذهاب في الحوائج و إقامة الأسواق فأراد أن لا يشغلهم عن طلب معاشهم و مصلحة دنياهم و ليس يقدر الخلق كلهم على قيام الليل و لا يشعرون به و لا ينتبهون لوقته لو كان واجبا و لا يمكنهم ذلك فخفف الله تعالى عنهم و لم يجعلها في أشد الأوقات عليهم و لكن جعلها في أخف الأوقات عليهم كما قال الله عز و جل يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ  فإن قال فلم يرفع اليدان في التكبير قيل لأن رفع اليدين هو ضرب من الابتهال و التبتل و التضرع فأوجب الله عز و جل أن يكون العبد في وقت ذكره متبتلا متضرعا مبتهلا و لأن في وقت رفع اليدين إحضار النية و إقبال القلب على ما قال و قصد

 أقول في العلل لأن الفرض من الذكر إنما هو الاستفتاح و كل سنة فإنما تؤدى على جهة الفرض فلما أن كان في الاستفتاح الذي هو الفرض رفع اليدين أحب أن يؤدوا السنة على جهة ما يؤدون الفرض و لنرجع إلى المشترك

فإن قال فلم جعل صلاة السنة أربعا و ثلاثين ركعة قيل لأن الفريضة سبع عشرة ركعة فجعلت السنة مثلي الفريضة كمالا للفريضة فإن قال فلم جعل صلاة السنة في أوقات مختلفة و لم تجعل في وقت واحد قيل لأن أفضل الأوقات ثلاثة عند زوال الشمس و بعد المغرب و بالأسحار فأحب أن يصلى له في كل هذه الأوقات الثلاثة لأنه إذا فرقت السنة في أوقات شتى كان أداؤها أيسر و أخف من أن تجمع كلها في وقت واحد فإن قال فلم صارت صلاة الجمعة إذا كانت مع الإمام ركعتين و إذا كانت بغير إمام ركعتين و ركعتين قيل لعلل شتى منها أن الناس يتخطون إلى الجمعة من بعد فأحب الله عز و جل أن يخفف عنهم لموضع التعب الذي صاروا إليه و منها أن الإمام يحبسهم للخطبة و هم منتظرون للصلاة و من انتظر الصلاة فهو في صلاة في حكم التمام و منها أن الصلاة مع الإمام أتم و أكمل لعلمه و فقهه و عدله و فضله و منها أن الجمعة عيد و صلاة العيد ركعتان و لم تقصر لمكان الخطبتين فإن قال فلم جعلت الخطبة قيل لأن الجمعة مشهد عام فأراد أن يكون الإمام سببا لموعظتهم و ترغيبهم في الطاعة و ترهيبهم من  المعصية و توفيقهم على ما أراد من مصلحة دينهم و دنياهم و يخبرهم بما ورد عليهم من الآفات و من الأهوال التي لهم فيها المضرة و المنفعة فإن قال فلم جعلت خطبتين قيل لأن يكون واحدة للثناء و التمجيد و التقديس لله عز و جل و الأخرى للحوائج و الإعذار و الإنذار و الدعاء و ما يريد أن يعلمهم من أمره و نهيه ما فيه الصلاح و الفساد فإن قال فلم جعلت الخطبة يوم الجمعة قبل الصلاة و جعلت في العيدين بعد الصلاة قيل لأن الجمعة أمر دائم و تكون في الشهر مرارا و في السنة كثيرا فإذا كثر ذلك على الناس ملوا و تركوا و لم يقيموا عليه و تفرقوا عنه فجعلت قبل الصلاة ليحتبسوا على الصلاة و لا يتفرقوا و لا يذهبوا و أما العيدين فإنما هو في السنة مرتين و هو أعظم من الجمعة و الزحام فيه أكثر و الناس فيه أرغب فإن تفرق بعض الناس بقي عامتهم و ليس هو بكثير فيملوا و يستخفوا به

 قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله جاء هذا الخبر هكذا

و الخطبتان في الجمعة و العيدين بعد الصلاة لأنهما بمنزلة الركعتين الأخراوين و أول من قدم الخطبتين عثمان بن عفان لأنه لما أحدث ما أحدث لم يكن الناس يقفون على خطبته و يقولون ما نصنع بمواعظه و قد أحدث ما أحدث فقدم الخطبتين ليقف الناس انتظارا للصلاة فلا يتفرقوا عنه فإن قال فلم وجبت الجمعة على من يكون على فرسخين لا أكثر من ذلك  قيل لأن ما يقصر فيه الصلاة بريدان ذاهبا أو بريد ذاهبا و جائيا و البريد أربعة فراسخ فوجبت الجمعة على من هو على نصف البريد الذي يجب فيه التقصير و ذلك أنه يجي‏ء فرسخين و يذهب فرسخين فذلك أربعة فراسخ و هو نصف طريق المسافر فإن قال فلم زيد في صلاة السنة يوم الجمعة أربع ركعات قيل تعظيما لذلك اليوم و تفرقة بينه و بين سائر الأيام فإن قال فلم قصرت الصلاة في السفر قيل لأن الصلاة المفروضة أولا إنما هي عشر ركعات و السبع إنما زيدت فيها بعد فخفف الله عنه تلك الزيادة لموضع سفره و تعبه و نصبه و اشتغاله بأمر نفسه و ظعنه و إقامته لئلا يشتغل عما لا بد له من معيشته رحمة من الله تعالى و تعطفا عليه إلا صلاة المغرب فإنها لم تقصر لأنها صلاة مقصرة في الأصل فإن قال فلم يجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقل من ذلك و لا أكثر قيل لأن ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامة و القوافل و الأثقال فوجب التقصير في مسيرة يوم فإن قال فلم وجب التقصير في مسيرة يوم قيل لأنه لو لم يجب في مسيرة يوم لما وجب في مسيرة سنة و ذلك أن كل يوم يكون بعد هذا اليوم فإنما هو نظير هذا اليوم فلو لم يجب في هذا اليوم لما وجب في نظيره إذا كان نظيره مثله لا فرق بينهما فإن قال قد يختلف السير فلم جعلت أنت مسيرة يوم ثمانية فراسخ قيل لأن ثمانية فراسخ هي مسير الجمال و القوافل و هو السير الذي يسيره الجمالون و المكارون  فإن قال فلم ترك تطوع النهار و لا يترك تطوع الليل قيل لأن كل صلاة لا تقصير فيها فلا تقصير في تطوعها و ذلك أن المغرب لا تقصير فيها فلا تقصير فيما بعدها من التطوع و كذلك الغداة لا تقصير فيما قبلها من التطوع فإن قال فما بال العتمة مقصرة و ليس تترك ركعتاها قيل إن تلك الركعتين ليستا من الخمسين و إنما هي زيادة في الخمسين تطوعا ليتم بها بدل كل ركعة من الفريضة ركعتين من النوافل فإن قال فلم جاز للمسافر و المريض أن يصليا صلاة الليل في أول الليل قيل لاشتغاله و ضعفه ليحرز صلاته فيستريح المريض في وقت راحته و يشتغل المسافر بأشغاله و ارتحاله و سفره فإن قال فلم أمروا بالصلاة على الميت قيل ليشفعوا له و يدعوا له بالمغفرة لأنه لم يكن في وقت من الأوقات أحوج إلى الشفاعة فيه و الطلب و الاستغفار من تلك الساعة فإن قال فلم جعلت خمس تكبيرات دون أن يكبر أربعا أو ستا قيل إن الخمس إنما أخذت من الخمس الصلوات في اليوم و الليلة

 أقول في العلل و ذلك أنه ليس في الصلاة تكبيرة مفروضة إلا تكبيرة الافتتاح فجمعت التكبيرات المفروضات في اليوم و الليلة فجعلت صلاة على الميت و لنرجع على المشترك

فإن قال فلم لم يكن فيها ركوع و سجود قيل لأنه إنما يريد بهذه الصلاة الشفاعة لهذا العبد الذي قد تخلى مما خلف و احتاج إلى ما قدم  فإن قال فلم أمر بغسل الميت قيل لأنه إذا مات كان الغالب عليه النجاسة و الآفة و الأذى فأحب أن يكون طاهرا إذا باشر أهل الطهارة من الملائكة الذين يلونه و يماسونه فيما بينهم نظيفا موجها به إلى الله عز و جل و ليس من ميت يموت إلا خرجت منه الجنابة فلذلك أيضا وجب الغسل فإن قال فلم أمروا بكفن الميت قيل ليلقى ربه عز و جل طاهر الجسد و لئلا تبدو عورته لمن يحمله و يدفنه و لئلا يظهر الناس على بعض حاله و قبح منظره و لئلا يقسو القلب من كثرة النظر إلى مثل ذلك للعاهة و الفساد و ليكون أطيب لأنفس الأحياء و لئلا يبغضه حميم فيلقي ذكره و مودته فلا يحفظه فيما خلف و أوصاه و أمر به و أحب فإن قال فلم أمروا بدفنه قيل لئلا يظهر الناس على فساد جسده و قبح منظره و تغير ريحه و لا يتأذى به الأحياء بريحه و بما يدخل عليه من الآفة و الفساد و ليكون مستورا عن الأولياء و الأعداء فلا يشمت عدو و لا يحزن صديق فإن قال فلم أمر من يغسله بالغسل قيل لعلة الطهارة مما أصابه من نضح الميت لأن الميت إذا خرج منه الروح بقي منه أكثر آفته فإن قال فلم لم يجب الغسل على من مس شيئا من الأموات غير الإنسان كالطير و البهائم و السباع و غير ذلك قيل لأن هذه الأشياء كلها ملبسة ريشا و صوفا و شعرا و وبرا و هذا كله ذكي و لا يموت و إنما يماس منه الشي‏ء الذي هو ذكي من الحي و الميت

   أقول في العلل الذي قد ألبسه و علاه فإن قال فلم جوزتم الصلاة على الميت بغير وضوء قيل لأنه ليس فيها ركوع و لا سجود و إنما هي دعاء و مسألة و قد يجوز أن تدعو الله عز و جل و تسأله على أي حال كنت و إنما يجب الوضوء في الصلاة التي فيها ركوع و سجود و لنرجع إلى المشترك

فإن قال فلم جوزتم الصلاة عليه قبل المغرب و بعد الفجر قيل لأن هذه الصلاة إنما تجب في وقت الحضور و العلة و ليست هي موقتة كسائر الصلوات و إنما هي صلاة تجب في وقت حدوث الحدث ليس للإنسان فيه اختيار و إنما هو حق يؤدي و جائز أن يؤدي الحقوق في أي وقت كان إذا لم يكن الحق موقتا فإن قال فلم جعلت للكسوف صلاة قيل لأنه آية من آيات الله عز و جل لا يدرى أ لرحمة ظهرت أم لعذاب فأحب النبي ص أن تفزع أمته إلى خالقها و راحمها عند ذلك ليصرف عنهم شرها و يقيهم مكروهها كما صرف عن قوم يونس حين تضرعوا إلى الله عز و جل فإن قال فلم جعلت عشر ركعات قيل لأن الصلاة التي نزل فرضها من السماء إلى الأرض أولا في اليوم و الليلة فإنما هي عشر ركعات فجمعت تلك الركعات هاهنا و إنما جعل فيها السجود لأنه لا يكون صلاة فيها ركوع إلا و فيها سجود و لأن يختموا صلاتهم أيضا بالسجود و الخضوع و إنما جعلت أربع سجدات لأن كل صلاة نقص سجودها من أربع سجدات لا تكون صلاة لأن أقل الفرض من السجود في الصلاة لا يكون إلا على أربع سجدات فإن قال فلم لم يجعل بدل الركوع سجودا قيل لأن الصلاة قائما أفضل من الصلاة قاعدا و لأن القائم يرى الكسوف و الانجلاء و الساجد لا يرى فإن قال فلم غيرت عن أصل الصلاة التي افترضها الله قيل لأنه صلى لعلة  تغير أمر من الأمور و هو الكسوف فلما تغيرت العلة تغير المعلول فإن قال فلم جعل يوم الفطر العيد قيل لأن يكون للمسلمين مجمعا يجتمعون فيه و يبرزون إلى الله عز و جل فيحمدونه على ما من عليهم فيكون يوم عيد و يوم اجتماع و يوم فطر و يوم زكاة و يوم رغبة و يوم تضرع و لأنه أول يوم من السنة يحل فيه الأكل و الشرب لأن أول شهور السنة عند أهل الحق شهر رمضان فأحب الله عز و جل أن يكون لهم في ذلك اليوم مجمع يحمدونه فيه و يقدسونه فإن قال فلم جعل التكبير فيها أكثر منه في غيرها من الصلوات قيل لأن التكبير إنما هو تعظيم لله و تمجيد على ما هدى و عافى كما قال الله عز و جل وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ فإن قال فلم جعل فيها اثنتا عشرة تكبيرة قيل لأنه يكون في ركعتين اثنتا عشرة تكبيرة فلذلك جعل فيها اثنتا عشرة تكبيرة فإن قال فلم جعل سبع في الأولى و خمس في الآخرة و لم يسو بينهما قيل لأن السنة في صلاة الفريضة أن يستفتح بسبع تكبيرات فلذلك بدئ هاهنا بسبع تكبيرات و جعل في الثانية خمس تكبيرات لأن التحريم من التكبير في اليوم و الليلة خمس تكبيرات و ليكون التكبير في الركعتين جميعا وترا وترا فإن قال فلم أمروا بالصوم قيل لكي يعرفوا ألم الجوع و العطش فيستدلوا على فقر الآخرة و ليكون الصائم خاشعا ذليلا مستكينا مأجورا محتسبا عارفا صابرا لما أصابه من الجوع و العطش فيستوجب الثواب مع ما فيه من الانكسار عن الشهوات و ليكون ذلك واعظا لهم في العاجل و رائضا لهم على أداء

  ما كلفهم و دليلا في الآجل و ليعرفوا شدة مبلغ ذلك على أهل الفقر و المسكنة في الدنيا فيؤدوا إليهم ما افترض الله تعالى لهم في أموالهم فإن قال لم جعل الصوم في شهر رمضان خاصة دون سائر الشهور قيل لأن شهر رمضان هو الشهر الذي أنزل الله تعالى فيه القرآن و فيه فرق بين الحق و الباطل كما قال الله تعالى شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَ بَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَ الْفُرْقانِ و فيه نبئ محمد ص و فيه ليلة القدر التي هي خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ و فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ و هي رأس السنة يقدر فيها ما يكون في السنة من خير أو شر أو مضرة أو منفعة أو رزق أو أجل و لذلك سميت ليلة القدر فإن قال فلم أمروا بصوم شهر رمضان لا أقل من ذلك و لا أكثر قيل لأنه قوة العباد التي يعم فيها القوي و الضعيف و إنما أوجب الله تعالىالفرائض على أغلب الأشياء و أعم القوى ثم رخص لأهل الضعف و رغب أهل القوة في الفضل و لو كانوا يصلحون على أقل من ذلك لنقصهم و لو احتاجوا إلى أكثر من ذلك لزادهم فإن قال فلم إذا حاضت المرأة لا تصوم و لا تصلي قيل لأنها في حد النجاسة فأحب أن لا تعبد إلا طاهرا و لأنه لا صوم لمن لا صلاة له فإن قال فلم صارت تقضي الصيام و لا تقضي الصلاة قيل لعلل شتى فمنها أن الصيام لا يمنعها من خدمة نفسها و خدمة زوجها و إصلاح بيتها و القيام بأمورها و الاشتغال بمرمة معيشتها و الصلاة تمنعها من ذلك كله لأن الصلاة تكون في اليوم و الليلة مرارا فلا تقوى على ذلك و الصوم ليس كذلك و منها أن الصلاة فيها عناء و تعب و اشتغال الأركان و ليس في الصوم شي‏ء من ذلك و إنما هو الإمساك عن الطعام و الشراب و ليس فيه اشتغال الأركان  و منها أنه ليس من وقت يجي‏ء إلا تجب عليها فيه صلاة جديدة في يومها و ليلتها و ليس الصوم كذلك لأنه ليس كلما حدث يوم وجب عليها الصوم و كلما حدث وقت الصلاة وجب عليها الصلاة فإن قال فلم إذا مرض الرجل أو سافر في شهر رمضان فلم يخرج من سفره أو لم يفق من مرضه حتى يدخل عليه شهر رمضان آخر وجب عليه الفداء للأول و سقط القضاء فإذا أفاق بينهما أو أقام و لم يقضه وجب عليه القضاء و الفداء قيل لأن ذلك الصوم إنما وجب عليه في تلك السنة في ذلك الشهر فأما الذي لم يفق فإنه لما أن مر عليه السنة كلها و قد غلب الله عليه فلم يجعل له السبيل إلى أدائه سقط عنه و كذلك كلما غلب الله تعالى عليه مثل المغمى الذي يغمى عليه يوما و ليلة فلا يجب عليه قضاء الصلاة كما قال الصادق ع كلما غلب الله على العبد فهو أعذر له لأنه دخل الشهر و هو مريض فلم يجب عليه الصوم في شهره و لا سنته للمرض الذي كان فيه و وجب عليه الفداء لأنه بمنزلة من وجب عليه صوم فلم يستطع أداءه فوجب عليه الفداء كما قال الله عز و جل فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ... فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً و كما قال الله عز و جل فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فأقام الصدقة مقام الصيام إذا عسر عليه فإن قال فإن لم يستطع إذ ذاك فهو الآن يستطيع قيل له لأنه لما أن دخل عليه شهر رمضان آخر وجب عليه الفداء للماضي لأنه كان بمنزلة من وجب عليه صوم في كفارة فلم يستطعه فوجب عليه الفداء و إذا وجب الفداء سقط الصوم و الصوم ساقط و الفداء لازم فإن أفاق فيما بينهما و لم يصمه وجب عليه الفداء لتضييعه و الصوم لاستطاعته فإن قال فلم جعل صوم السنة قيل ليكمل به صوم الفرض فإن قال فلم جعل في كل شهر ثلاثة أيام و في كل عشرة أيام يوما قيل لأن الله تبارك و تعالى يقول مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها فمن صام في كل

  عشرة أيام يوما فكأنما صام الدهر كله كما قال سلمان الفارسي رحمة الله عليه صوم ثلاثة أيام في الشهر صوم الدهر كله فمن وجد شيئا غير الدهر فليصمه فإن قال فلم جعل أول خميس من العشر الأول و آخر خميس من العشر الآخر و أربعاء في العشر الأوسط قيل أما الخميس فإنه قال الصادق ع يعرض كل خميس أعمال العباد إلى الله فأحب أن يعرض عمل العبد على الله تعالى و هو صائم فإن قال فلم جعل آخر خميس قيل لأنه إذا عرض عمل ثمانية أيام و العبد صائم كان أشرف و أفضل من أن يعرض عمل يومين و هو صائم و إنما جعل أربعاء في العشر الأوسط لأن الصادق ع أخبر أن الله عز و جل خلق النار في ذلك اليوم و فيه أهلك الله القرون الأولى و هو يوم نحس مستمر فأحب أن يدفع العبد عن نفسه نحس ذلك اليوم بصومه فإن قال فلم وجب في الكفارة على من لم يجد تحرير رقبة الصيام دون الحج و الصلاة و غيرهما قيللأن الصلاة و الحج و سائر الفرائض مانعة للإنسان من التقلب في أمر دنياه و مصلحة معيشته مع تلك العلل التي ذكرناها في الحائض التي تقضي الصيام و لا تقضي الصلاة فإن قال فلم وجب عليه صوم شهرين متتابعين دون أن يجب عليه شهر واحد أو ثلاثة أشهر قيل لأن الفرض الذي فرضه الله عز و جل على الخلق هو شهر واحد فضوعف هذا الشهر في الكفارة توكيدا و تغليظا عليه فإن قال فلم جعلت متتابعين قيل لئلا يهون عليه الأداء فيستخف به لأنه إذا قضاه متفرقا هان عليه القضاء فإن قال فلم أمر بالحج قيل لعلة الوفادة إلى الله عز و جل و طلب الزيادة و الخروج من كل ما اقترف العبد تائبا مما مضى مستأنفا لما يستقبل مع  ما فيه من إخراج الأموال و تعب الأبدان و الاشتغال عن الأهل و الولد و حظر الأنفس عن اللذات شاخصا في الحر و البرد ثابتا ذلك عليه دائما مع الخضوع و الاستكانة و التذلل مع ما في ذلك لجميع الخلق من المنافع

أقول في العلل كل ذلك لطلب الرغبة إلى الله و الرهبة منه و ترك قساوة القلب و خسارة الأنفس و نسيان الذكر و انقطاع الرجاء و الأمل و تجديد الحقوق و حظر الأنفس عن الفساد مع ما في ذلك من المنافع لجميع من المشترك

في شرق الأرض و غربها و من في البر و البحر ممن يحج و ممن لا يحج من بين تاجر و جالب و بائع و مشتري و كاسب و مسكين و مكاري و فقير و قضاء حوائج أهل الأطراف في المواضع الممكن لهم الاجتماع فيها مع ما فيه من التفقه و نقل أخبار الأئمة ع إلى كل صقع و ناحية كما قال الله عز و جل فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ و لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ فإن قال فلم أمروا بحجة واحدة لا أكثر من ذلك قيل لأن الله عز و جل وضع الفرائض على أدنى القوم قوة كما قال عز و جل فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ يعني شاة ليسع له القوي و الضعيف و كذلك سائر الفرائض إنما وضعت على أدنى القوم قوة و كان من تلك الفرائض الحج المفروض واحدا ثم رغب بعد أهل القوة بقدر طاقتهم فإن قال فلم أمروا بالتمتع إلى الحج قيل ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ رَحْمَةٌ لأن يسلم الناس من إحرامهم و لا يطول ذلك عليهم فيدخل عليهم الفساد و أن يكون الحج و العمرة واجبين جميعا فلا تعطل العمرة و لا تبطل و لا يكون الحج مفردا من العمرة و يكون بينهما فصل و تمييز و قال النبي ص دخلت العمرة في الحج  إلى يوم القيامة و لو لا أنه ص كان ساق الهدي و لم يكن له أن يحل حتى يبلغ الهدي محله لفعل كما أمر الناس و لذلك قال لو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما أمرتكم و لكني سقت الهدي و ليس لسائق الهدي أن يحل حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فقام إليه رجل فقال يا رسول الله نخرج حجاجا و رءوسنا تقطر من ماء الجنابة فقال إنك لن تؤمن بهذا أبدا

أقول ليس في العلل قوله و قال النبي ص إلى قوله لن تؤمن بهذا و هو موجود في العيون و في العلل مكانه زيادة ليست فيه و هي هذه و يكون بينهما فصل و تمييز و أن لا يكون الطواف بالبيت محظورا لأن المحرم إذا طاف بالبيت قد أحل إلا لعلة فلو لا التمتع لم يكن للحاج أن يطوف لأنه إن طاف أحل و فسد إحرامه و يخرج منه قبل أداء الحج و لأن يجب على الناس الهدي و الكفارة فيذبحون و ينحرون و يتقربون إلى الله جل جلاله فلا تبطل هراقة الدماء و الصدقة على المسلمين و لنرجع إلى المشترك بين الكتابين

فإن قال فلم جعل وقتها عشر ذي الحجة قيل لأن الله تعالى أحب أن يعبد بهذه العبادة في أيام التشريق فكان أول ما حجت إليه الملائكة و طافت به في هذا الوقت فجعله سنة و وقتا إلى يوم القيامة فأما النبيون آدم و نوح و إبراهيم و موسى و عيسى و محمد صلوات الله عليهم و غيرهم من الأنبياء إنما حجوا في هذا الوقت فجعلت سنة في أولادهم إلى يوم القيامة فإن قال فلم أمروا بالإحرام قيل لأن يخشعوا قبل دخول حرم الله عز و جل و أمنه و لئلا يلهوا و يشتغلوا بشي‏ء من أمر الدنيا و زينتها و لذاتها و يكونوا جادين فيما فيه قاصدين نحوه مقبلين عليه بكليتهم مع ما فيه من التعظيم لله عز و جل و لنبيه و التذلل لأنفسهم عند قصدهم إلى الله عز و جل و وفادتهم إليه راجين ثوابه  راهبين من عقابه ماضين نحوه مقبلين إليه بالذل و الاستكانة و الخضوع و الله الموفق و صلى الله على محمد و آله و سلم

 2-  ع، ]علل الشرائع[ ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار رضي الله عنه قال حدثني علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري قال قلت للفضل بن شاذان لما سمعت منه هذه العلل أخبرني عن هذه العلل أ ذكرتها عن الاستنباط و الاستخراج و هي من نتائج العقل أو هي مما سمعته و رويته فقال لي ما كنت لأعلم مراد الله عز و جل بما فرض و لا مراد رسول الله ص بما شرع و سن و لا علل ذلك من ذات نفسي بل سمعتها من مولاي أبي الحسن علي بن موسى الرضا ع المرة بعد المرة و الشي‏ء بعد الشي‏ء فجمعتها فقلت فأحدث بها عنك عن الرضا ع قال نعم

 3-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ و حدثنا الحاكم أبو محمد جعفر بن نعيم بن شاذان النيسابوري رضي الله عنه عن عمه أبي عبد الله محمد بن شاذان عن الفضل بن شاذان أنه قال سمعت هذه العلل من مولاي أبي الحسن علي بن موسى الرضا ع متفرقة فجمعتها و ألفتها

بيان قوله منها أن من لم يقر أقول لعل الفرق بين الوجه الأول و الثاني هو أن المحذور في الوجه الأول عدم تحقق الأفعال الحسنة و عدم ترك الأفعال القبيحة و في ذلك فساد الخلق و عدم بقائهم و اختلال نظامهم و في الثاني المحذور عدم تحقق الأمر و النهي الذين هما مقتضى حكمة الحكيم فلو فرض الإتيان بالأفعال الحسنة و الانتهاء عن الأعمال الفاحشة بدون أمر الله تعالى و نهيه أيضا لتم الوجه الثاني بدون الأول و الفرق بين الأول و الثالث هو أن الأول جار في الأمور الظاهرة بخلاف الثالث فإنه مختص بالأمور الباطنة فلو فرض أن يكون للناس حياء يردعهم عن إظهار الفواحش و الظلم و الفساد لتم الوجه الثالث أيضا بخلاف الأول. قوله فلو لم يجب عليهم معرفته أي الرسول قوله ثم اختلف همهما أقول لعل المقصود نفي إمامة من كان في عصر الأئمة ع من أئمة الضلال إذ كانت آراؤهم مخالفة لآراء أئمتنا و أفعالهم مناقضة لأفعالهم و يحتمل أن يكون إلزاما على المخالفين  إذ هم قائلون باجتهاد النبي و الإمام في الأحكام و الاجتهاد مظنة الاختلاف كما يقولون في أمير المؤمنين ع و معاوية ثم اعلم أن المراد بالإمامين الأميران على طائفة واحدة أو اللذان تكون لهما الرئاسة العامة و إلا فينتقض باجتماع الأنبياء الكثيرين في عصر واحد في زمن بني إسرائيل قوله منها أن يكونوا قاصدين أقول لعل المنظور في الوجه الأول عدم تعيين شي‏ء للعبادة لأنه يحتمل أن يكون كل شي‏ء ربهم حتى الأشياء التي لم يعبدها أحد و في الثاني إضلال الناس بعبادة الأصنام و أشباهها باحتمال أن تكون هي ربهم و يحتمل أن يكون المراد بالوجه الأول هو أنه لا بد لهم من معرفة ربهم لتصح العبادة له و لا يمكنهم المعرفة بالكنه و أقرب الوجوه التي تصل إليها عقول الخلق هو معرفته تعالى بأنه لا يشبه شيئا من الأشياء في ذاته و صفاته و يحتمل أن يكون غرض السائل من الإقرار بأنه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ الإقرار بجميع الصفات الثبوتية و السلبية فإن جميعها راجعة إليه داخلة فيه إجمالا و لعل هذا أظهر. قوله لأن في الصلاة الإقرار بالربوبية أقول إما لأنها مشتملة على الإقرار بالربوبية في رب العالمين و على التوحيد في التشهد و على الإخلاص في إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ و إما لأن أصل عبادته تعالى دون غيره خلع للأنداد و إقرار بالربوبية و أما الزجر عن الفساد فلأن من خواص الصلاة أنها تصلح صاحبها و تزجره عن الفساد كما قال تعالى إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ و لا أقل أنه في حال الصلاة ينزجر عن المعاصي و بعدها يستحيي عن ارتكاب كثير منها و اسم كان الضمير الراجع إلى المصلي و خبره الظرف و زاجرا و حاجزا منصوبان بالحالية. قوله ع ليسا هما في كل وقت باديين أي لا يحصل فيهما الكثافة و القذارة مثل ما يحصل في الوجه و اليدين قوله و ذلك لأن الاستنجاء به ليس بفرض أقول لم يقيد الفضل الاستنجاء بالماء حتى يرد عليه إيراد الصدوق مع أنه يمكن تخصيصه

  بالمتعدي أو يقال إن مراده الأعم من الوجوب التخييري و يمكن توجيه كلامه بأن الفرض في عرف الحديث ما ثبت وجوبه بالقرآن و الاستنجاء لم يثبت وجوبه بنص القرآن حتى يكون فرضا و يرد عليه أن استعمال الفرض في الوجوب بالمعنى الأعم أيضا شائع و غاية الأمر أن يكون مجازا في عرفهم و ارتكابه لتوجيه الكلام مجوز. قوله و تعريفا لمن جهل الوقت يمكن تخصيصه بمن لا يمكنه العلم بدخول الوقت و يحتمل أن يكون المراد أنه يتنبه لاحتمال دخول الوقت فيحصل العلم به مع أنه سيأتي كثير من الأخبار الدالة على جواز الاعتماد على المؤذنين في دخول الوقت. قوله مجاهرا بالإيمان أي الصلاة كما قال الله تعالى وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ أو للتكلم بالكلمتين قوله فجعل الأولين يفهم منه أن التكبيرتين الأوليين ليستا من الأذان و إنما هما من المقدمات الخارجة عنه و به يمكن الجمع بين الأخبار المختلفة في ذلك قوله ليكون لعل الأظهر و ليكون. قوله إنما هو أداء أي علمهم طريق الشكر أو حمد نفسه بدلا عن خلقه و قوله و شكر تخصيص بعد التعميم قوله و إقرار بأنه هو الخالق لأن المراد بالعالم ما يعلم به الصانع و هو كل ما سوى الله و جمع ليدل على جميع أنواعه فإذا كان تعالى خالق الجميع و مدبرهم فيكون هو الواجب تعالى و غيره آثاره. قوله ع إستعطاف لأن ذكره تعالى بالرحمانية و الرحيمية نوع من طلب الرحمة بل أكمل أفراده. قوله لأن التكبير في الركعة الأولى في العلل في الصلوات الأول و هو الصواب أي التكبيرات الافتتاحية إذ الأولى افتتاح للقراءة و الثانية افتتاح للركوع و الثالثة للسجود الأول و الرابعة للسجود الثاني و هكذا إلى تمام الركعتين و ليست التكبيرات التي للرفع من الركوع و السجود بافتتاحية.  قوله غلط الفضل أقول بل اشتبه على الصدوق رحمه الله إذ الظاهر أن تكبيرة الافتتاح فريضة لقوله تعالى وَ رَبَّكَ فَكَبِّرْ و لذا تبطل الصلاة بتركها عمدا و سهوا على أنه يحتمل أن يكون مراده بالفرض الواجب كما مر و العجب من الصدوق أنه مع ذكره في آخر الخبر أن هذا العلل كلها مأخوذة عن الرضا ع و تصريحه في سائر كتبه بأنها مروية عنه ع كيف يجتري على الاعتراض عليها و لعله ظن أن الفضل أدخل بينها بعض كلامه فما لا يوافق مذهبه يحمله على أنه من كلام الفضل و يعترض عليه و فيه أيضا ما لا يخفى. قوله إلى أن يصير في كل شي‏ء أربعة أضعافه أقول هذه العبارة غير موجودة في العيون و فيه أنه لا يوافق شيئا من الأخبار المختلفة الواردة في آخر وقت العصر فإنه لم يرد في شي‏ء من الأخبار أكثر من المثلين و لعل فيه تصحيفا و لذا أسقطه في العيون. قوله و لأن في وقت رفع اليدين أقول لعل المعنى أن في وقت ذكر الله تعالى يناسب التضرع و الابتهال خصوصا في وقت هذا الذكر المخصوص لأنه وقت إحضار النية و إقبال القلب فيكون التضرع و الابتهال أنسب و لما كان هذا الوجه إنما يناسب تكبيرة الاستفتاح ذكر لاطراده في سائر التكبيرات وجها آخر على ما في العلل و لعل التضرع و الابتهال في رفع اليدين إنما هو لدلالته على اختصاص الكبرياء بالله و نفيه عما سواه و أنه تعالى لا يدرك بالأخماس و الحواس الظاهرة و الباطنة كما سيأتي في علل الصلاة. قوله ع فجعلت السنة مثلي الفريضة قال الوالد العلامة رحمه الله لأن الغالب في أحوال الناس أنهم لا يمكنهم لتشبثهم بعلائقهم إحضار القلب في أكثر من ثلث الصلاة فلما صارت النافلة مثلي الفريضة أمكن تحصيل ثلث المجموع و هو يساوي عدد الفريضة. قوله ع و لم تقصر لمكان الخطبتين الأظهر أنه لا يختص بالوجه الأخير بل الغرض دفع توهم أنها صلاة مقصورة كصلاة السفر و ذلك لأن الخطبتين فيها بمنزلة الركعتين فليست بمقصورة أو الغرض بيان عدم جواز إيقاعها في السفر بتوهم

  أنها صلاة مقصورة إذ الخطبة من شرائطها فلا يتحقق بدونها و معها ليست بمقصورة لأنها بمنزلة الركعتين و يمكن أن يقرأ لم بكسر اللام استفهاما أي إنما تقصر العيد لمكان خطبتيه. قوله ع و المنفعة أقول كأنها معطوفة على الأهوال و لا يبعد أن يكون الأهوال تصحيف الأحوال و بعد ذلك في نسخ العلل زيادة ليست في العيون و هي هذه و لا يكون الصائر في الصلاة منفصلا و ليس بفاعل غيره ممن يؤم الناس في غير يوم الجمعة و لعله لإغلاقه و عدم وضوح معناه أسقطه عن العيون و يمكن توجيهه بوجوه. الأول أن يكون المراد بيان كون حالة الخطبة حالة متوسطة بين حالة الصلاة و غيرها فيكون تقدير الكلام أنه لا يكون الصائر في الصلاة أي المتلبس بها منفصلا عنها في غير يوم الجمعة و في يوم الجمعة في حال الخطبة كذلك لأنه كالداخل في الصلاة لاشتراط كثير من أحكام الصلاة فيها و كونها عوضا عن الركعتين و ليس بداخل حقيقة فيها و ليس فاعل غير الصلاة يؤم الناس في غير يوم الجمعة و يوم الجمعة كذلك لأن الإمام في الخطبة يؤم الناس من حيث يلزمهم الاجتماع إليه و الاستماع لكلامه كالاستماع لقراءته حال الصلاة و ليست الخطبة بصلاة حقيقة فالباء في قوله بفاعل زائدة و الضمير في غيره راجع إلى الصلاة بتأويل الفعل. الثاني أن يرجع المعنى إلى الأول و يوجه العبارة بوجه آخر بأن يكون و ليس بفاعل عطف تفسير لقوله منفصلا و يكون قوله و غيره حالا للصائر و قوله ممن يؤم صفة لغيره أو حالا أخرى للصائر و حاصل المعنى أن الصائر في الصلاة الذي يكون غير إمام الجمعة و يؤم الناس في غير يوم الجمعة لا يكون منفصلا عن الصلاة غير فاعل لها بخلاف يوم الجمعة فإنه كذلك في حال الخطبة و ليس في هذا الوجه شي‏ء من التكليفين السابقين. الثالث أن يكون ممن يؤم خبر كان و قوله منفصلا و قوله ليس بفاعل غيره حالين للصائر فيكون لبيان علة أخرى للخطبة و الحاصل أنه إنما جعلت الخطبة لئلا يكون الصائر في صلاة الجمعة حال كونه منفصلا ممتازا عن سائر الأئمة و لا يفعلها  غيره ممن يؤم الناس في غير الجمعة إذ يشترط في الخطبة العلم بما يعظ الناس و يأمرهم به و العمل بها و لا يشترك ذلك في سائر الأئمة و هذا وجه قريب و إن كان فيه بعد ما لفظا بل الأظهر عندي أنه كان في الأصل ليكون أي إنما جعلت الخطبة ليكون الإمام في تلك الصلاة منفصلا ممتازا و لا يفعل تلك الصلاة غيره من أئمة الصلوات في سائر الأيام و في هذا الوجه و في قوله فأراد أن يكون للأمير إشعار بأن هذه الصلاة إنما يفعلها الأمراء أو المنصوبون من قبل الإمام ع. الرابع أن يكون قوله ممن يؤم متعلقا بقوله منفصلا و يكون قوله و ليس بفاعل غيره تفسيرا لقوله منفصلا و يكون حاصل الكلام أنه إنما جعلت الخطبة لئلا يكون المصلي في يوم الجمعة منفصلا عن المصلي في غيره بأن يكون صلاته ركعتين فإنها مع الخطبتين بمنزلة أربع ركعات. قوله و الخطبتان في الجمعة و العيدين بعد الصلاة أقول لم يذهب إلى هذا القول فيما علمنا أحد من علمائنا غيره في هذين الكتابين و سيأتي القول في ذلك في بابه قوله فوجبت الجمعة على من هو على نصف البريد في مناسبة هذا الأصل الحكم خفاء و لعله مبني على ما لا يصل إليه علمنا من المناسبات الواقعية و يمكن أن يقال لما كان الغالب في المسافرين الركبان و القوافل المحملة المثقلة إنما تقطع في بياض الأيام القصار ثمانية فراسخ و التكليف بحضور صلاة الجمعة يتعلق بالركبان و المشاة و الغالب فيهم المشاة و الماشي يسير غالبا نصف الراكب فلذا جعل هنا نصف ما جعل للمسافر أو أن ليوم الجمعة أعمالا أخرى غير الصلاة فجعل نصفه للصلاة و نصفه لسائر الأعمال فلو وجب عليهم المسير أكثر من فرسخين لم يتيسر له سائر الأعمال و الله يعلم. قوله ليلقى ربه طاهر الجسد أي لا يصير جسده كثيفا من تراب القبر و غيره و المراد بملاقاة الرب ملاقاة ملائكته و رحمته قوله لأن هذه الأشياء كلها ملبسة لعل المعنى أنه لما كان غالب المماسة فيها هكذا فلذا رفع الغسل من رأس فلا يتوهم منه وجوب الغسل بمس ما تحله الحياة منها قوله ع يرى الكسوف أي آثاره من ضوء الشمس و القمر.

  قوله ع فلما تغيرت العلة أي المناسب لهذا العلة الدالة على نزول العذاب زيادة تضرع و استكانة ليست في سائر الصلوات فلذا زيد في ركوعاتها قوله لأن أول شهور السنة علة للتقييد بسنة الأكل قوله لأنه يكون في ركعتين اثنتا عشرة تكبيرة أي مع تكبيرة القنوت. قوله فلذلك جعل فيها أي في القيام فقط و إلا فالمجموع أزيد بعدد ما زيد فيها و يقال راض الفرس رياضا و رياضة ذلله فهو رائض قوله و فيه فرق أي في شهر رمضان بسبب نزول القرآن و يحتمل إرجاع الضمير إلى القرآن. قوله ع و فيه نبئ محمد ص لعل النبوة و الوحي كان في شهر رمضان و الرسالة و الأمر بالتبليغ كان في شهر رجب. قوله ع لأنه كان بمنزلة من وجب عليه صوم أقول لعل التعليل مبني على أن وقت القضاء هو ما بين الرمضانين إذ لا يجوز له التأخير اختيارا عنه فلما كان فيما بين ذلك معذورا سهل الله عليه و قبل منه الفداء و لم يكن الله ليجمع عليه العوض و المعوض فلذا أسقط القضاء عنه بعد القدرة لانتقال فرضه إلى شي‏ء آخر قوله لأنه إذا عرض عمل ثمانية أيام كذا في العيون و في العلل ثلاثة أيام و على التقديرين يشكل فهمه أما على الأول فيمكن توجيهه بوجهين الأول أن يقال العرض غير مختص بعمل الأسبوع بل يعرض عمل ما مر من الشهر في كل خميس و إذا لم يكن في العشر الآخر خميسان فليس مورد هذه العلة و إذا كان فيه خميسان ففيه ثلاثة احتمالات الأول أن يكون الخميس الأول الحادي و العشرين و الخميس الثاني الثامن و العشرين الثاني أن يكون الخميس الثاني التاسع و العشرين الثالث أن يكون الخميس الثاني الثلاثين و هذا الأخير أيضا ليس بداخل في المفروض لأن المفروض هو ما على دخول خمسين فيه أولا و هاهنا غير معلوم لاحتمال أن لا يكون للشهر سلخ فبقي الاحتمالان الأولان و في الثاني منهما يكون استيعاب الخميس الأول لأعمال الشهر أكثر كالثاني فلذا خصه بالذكر فنقول دخول أعمال الشهر إلى العشرين معلوم فيهما فأما بعده فما يدخل في عرض الخميس الأول منه يومان أي يوم و بعض يوم و يدخل في  الثاني زائدا على هذا ثمانية أيام أي سبعة أيام و بعض يوم فبعض الخميس الأول حسب من اليومين و بعضه من الثمانية فالمراد بقوله إذا عرض عمل ثمانية أيام أي زائدا على ما سيأتي من اليومين و على ما هو المعلوم دخوله فيهما من العشرين على أنه يحتمل أن يكون المعروض في الخميس عمل العشر فلا يحتاج إلى إضافة العشرين و يمكن أن يقال أخذ في الخميس الأول أكثر محتملاته و في الخميس الثاني أقل محتملاته استظهارا و تأكيدا إذ على ما قررنا أكثر محتملات الخميس الأول أن يدخل فيه عرض عمل يومين من العشر بأن يكون في الثاني و العشرين أقل محتملات الثاني أن يدخل فيه ثمانية بأن يكون الأول في الحادي و العشرين و على هذا يندفع و يرتفع أكثر التكلفات. الثاني أن يكون المعروض في الخميس عمل الأسبوع فقط لكن لما خص كل عشر بصوم يوم كان الأنسب أن يكون ما يعرض في خميس العشر الآخر أكثر استيعابا لأيامه فإذا عرض في الخميس الأول فما هو من احتماليه أكثر استيعابا هو أن يشمل يومين منه كما مر بيانه و إذا عرض في الخميس الثاني يستوعب ثمانية أيام من ذلك العشر على كل احتمال من الاحتمالات فيكون أولى بالصوم و أما على الثاني فيمكن توجيهه أيضا بوجهين الأول أنه إذا لزمه صوم الخميس الثاني ففي بعض الشهور أي ما يكون سلخه الخميس يلزمه احتياطا صوم خميسين كما ورد في أخبار أخر فيعرض عمله في ثلاثة أيام و هو صائم في بعض الأحيان بخلاف ما إذا كان المستحب صوم الخميس الأول من العشر الآخر فإنه يكون دائما عرض العمل في الشهر في يومين و هو صائم. الثاني أن يكون المقصود من السؤال بيان علة جعل الخميس الثاني بعد الأربعاء سواء كان في العشر الوسط أو في العشر الأخير و سواء كان الخميس الأول من العشر الأخير أو الثاني منه فالمراد بالجواب أنه إنما جعل هذا الخميس بعد الأربعاء لأن يعرض فيه صوم ثلاثة أيام في هذا الشهر مع أنه يكون في يوم العرض صائما أيضا و على التقادير لا يخلو من تكلف. قوله ع و استخف بالإيمان أي بأعماله و المراد هنا الصوم و سائر ما تلزم فيه

  الكفارة و يحتمل أن يكون بفتح الهمزة بناء على إطلاق اليمين على النذر و أن كفارته كذلك. قوله ع لعلة الوفادة الوفد القوم يجتمعون و يردون البلاد الواحد وافد و كذا من يقصد الأمراء بالزيادة و الاسترفاد و الانتجاع يقال وفد يفد وفادة قوله ثابتا ذلك عليه دائما أي في مدة مديدة زائدا على أزمنة سائر الطاعات قوله ع و لأن يجب على الناس الهدي لعله مبني على أن هدي التمتع جبران لا نسك فيكون قوله و الكفارة عطف تفسير

الفصل الثاني ما ورد من ذلك برواية ابن سنان

 1-  ع، ]علل الشرائع[ علي بن أحمد عن محمد بن أبي عبد الله عن محمد بن إسماعيل عن علي بن العباس عن القاسم بن الربيع الصحاف عن محمد بن سنان أن أبا الحسن علي بن موسى الرضا ع كتب إليه بما في هذا الكتاب جواب كتابه إليه يسأله عنه جاءني كتابك تذكر أن بعض أهل القبلة يزعم أن الله تبارك و تعالى لم يحل شيئا و لم يحرمه لعلة أكثر من التعبد لعباده بذلك قد ضل من قال ذلك ضلالا بعيدا و خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً لأنه لو كان كذلك لكان جائزا أن يستعبدهم بتحليل ما حرم و تحريم ما أحل حتى يستعبدهم بترك الصلاة و الصيام و أعمال البر كلها و الإنكار له و لرسله و كتبه و الجحود بالزنا و السرقة و تحريم ذوات المحارم و ما أشبه ذلك من الأمور التي فيها فساد التدبير و فناء الخلق إذ العلة في التحليل و التحريم التعبد لا غيره فكان كما أبطل الله عز و جل به قول من قال ذلك أنا وجدنا كل ما أحل الله تبارك و تعالى ففيه صلاح العباد و بقاؤهم و لهم إليه الحاجة التي لا يستغنون عنها و وجدنا المحرم من الأشياء لا حاجة للعباد إليه و وجدناه مفسدا داعيا إلى الفناء و الهلاك ثم رأيناه تبارك و تعالى قد أحل بعض ما حرم في وقت الحاجة لما فيه من الصلاح في ذلك الوقت نظير ما أحل من الميتة و الدم و لحم الخنزير  إذا اضطر إليه المضطر لما في ذلك الوقت من الصلاح و العصمة و دفع الموت فكيف دل الدليل على أنه لم يحل إلا لما فيه من المصلحة للأبدان و حرم ما حرم لما فيه من الفساد و كذلك وصف في كتابه و أدت عنه رسله و حججه كما قال أبو عبد الله ع لو يعلم العباد كيف كان بدء الخلق ما اختلف اثنان و قوله ع ليس بين الحلال و الحرام إلا شي‏ء يسير يحوله من شي‏ء إلى شي‏ء فيصير حلالا و حراما

 بيان قوله بما في هذا الكتاب جواب كتابه إليه هذا كلام الصدوق و لما فرق في كتاب العلل هذه العلل الواردة في هذا الخبر على الأبواب المناسبة لها ذكر صدر الخبر و أشار إلى أن ما فرقه كلها من تتمة هذا الخبر و لعله أسقط هذا مما رواه في العيون اختصارا أو لم يكن هذا في بعض ما أورده هناك من الأسانيد. قوله ع فكان كما أبطل الله يحتمل أن يكون أنا وجدنا اسم كان و كما أبطل الله خبره أي يبطل ذلك وجداننا كما يبطله صريح الآيات الدالة على أن الأحكام الشرعية معللة بالحكم الكاملة و يحتمل أن يكون إنا وجدنا استئنافا. قوله ع كيف كان بدء الخلق أي لأي علة خلقهم و لأي حكمة كلفهم لم يختلفوا في أمثال تلك المسائل المتعلقة بذلك قوله ع يحوله من شي‏ء إلى شي‏ء أي اختلاف الأحوال و الأوقات و الأزمان يوجب تغير الحكم لتبدل الحكمة كحرمة الميتة في حال الاختيار و حليتها في حال الاضطرار و كحرمة الأجنبية بدون الصيغة و حليتها معها فظهر أن دقائق الحكم مرعية في كل حكم من الأحكام

 2-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ ماجيلويه عن عمه عن محمد بن علي الكوفي عن محمد بن سنان و حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق و محمد بن أحمد السناني و علي بن عبد الله الوراق و الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب رضي الله عنهم قالوا حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي عن محمد بن إسماعيل عن علي بن العباس قال حدثنا القاسم بن الربيع الصحاف عن محمد بن سنان و حدثنا علي بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي و علي بن عيسى المجاور في مسجد الكوفة و أبو جعفر محمد بن موسى البرقي  بالري رضي الله عنهم قالوا حدثنا محمد بن علي ماجيلويه عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن محمد بن سنان أن أبا الحسن علي بن موسى الرضا ع كتب إليه في جواب مسائله علة غسل الجنابة النظافة و تطهير الإنسان نفسه مما أصابه من أذاه و تطهير سائر جسده لأن الجنابة خارجة من كل جسده فلذلك وجب عليه تطهير جسده كله و علة التخفيف في البول و الغائط لأنه أكثر و أدوم من الجنابة فرضي فيه بالوضوء لكثرته و مشقته و مجيئه بغير إرادة منه و لا شهوة و الجنابة لا تكون إلا بالاستلذاذ منهم و الإكراه لأنفسهم و علة غسل العيد و الجمعة و غير ذلك من الأغسال لما فيه من تعظيم العبد ربه و استقباله الكريم الجليل و طلب المغفرة لذنوبه و ليكون لهم يوم عيد معروف يجتمعون فيه على ذكر الله عز و جل فجعل فيه الغسل تعظيما لذلك اليوم و تفضيلا له على سائر الأيام و زيادة في النوافل و العبادة و ليكون تلك طهارة له من الجمعة إلى الجمعة و علة غسل الميت أنه يغسل لأنه يطهر و ينظف من أدناس أمراضه و ما أصابه من صنوف علله لأنه يلقى الملائكة و يباشر أهل الآخرة فيستحب إذا ورد على الله و لقي أهل الطهارة و يماسونه و يماسهم أن يكون طاهرا نظيفا موجها به إلى الله عز و جل ليطلب به و يشفع له و علة أخرى أنه يخرج منه الأذى الذي منه خلق فيجنب فيكون غسله له و علة اغتسال من غسله أو مسه فظاهرة لما أصابه من نضح الميت لأن الميت إذا خرجت الروح منه بقي أكثر آفة فلذلك يتطهر منه و يطهر و علة الوضوء التي من أجلها صار غسل الوجه و الذراعين و مسح الرأس و الرجلين فلقيامه بين يدي الله عز و جل و استقباله إياه بجوارحه الظاهرة و ملاقاته بها الكرام الكاتبين فغسل الوجه للسجود و الخضوع و غسل اليدين ليقلبهما و يرغب بهما و يرهب و يتبتل و مسح الرأس و القدمين لأنهما ظاهران مكشوفان يستقبل بهما في حالاته و ليس فيهما من الخضوع و التبتل ما في الوجه و الذراعين

  و علة الزكاة من أجل قوت الفقراء و تحصين أموال الأغنياء لأن الله تبارك و تعالى كلف أهل الصحة القيام بشأن أهل الزمانة و البلوى كما قال عز و جل لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ بإخراج الزكاة وَ أَنْفُسِكُمْ بتوطين الأنفس على الصبر مع ما في ذلك من أداء شكر نعم الله عز و جل و الطمع في الزيادة مع ما فيه من الرحمة و الرأفة لأهل الضعف و العطف على أهل المسكنة و الحث لهم على المواساة و تقوية الفقراء و المعونة لهم على أمر الدين و هم عظة لأهل الغنى و عبرة لهم ليستدلوا على فقر الآخرة بهم و ما لهم من الحث في ذلك على الشكر لله عز و جل لما خولهم و أعطاهم و الدعاء و التضرع و الخوف من أن يصيروا مثلهم في أمور كثيرة من أداء الزكاة و الصدقات و صلة الأرحام و اصطناع المعروف و علة الحج الوفادة إلى الله عز و جل و طلب الزيادة و الخروج من كل ما اقترف و ليكون تائبا مما مضى مستأنفا لما يستقبل و ما فيه من استخراج الأموال و تعب الأبدان و حظرها عن الشهوات و اللذات و التقرب بالعبادة إلى الله عز و جل و الخضوع و الاستكانة و الذل شاخصا في الحر و البرد و الخوف و الأمن دائبا في ذلك دائما و ما في ذلك لجميع الخلق من المنافع و الرغبة و الرهبة إلى الله عز و جل و منه ترك قساوة القلب و جسارة الأنفس و نسيان الذكر و انقطاع الرجاء و الأمل و تجديد الحقوق و حظر النفس عن الفساد و منفعة من في شرق الأرض و غربها و من في البر و البحر ممن يحج و من لا يحج من تاجر و جالب و بائع و مشتري و كاسب و مسكين و قضاء حوائج أهل الأطراف و المواضع الممكن لهم الاجتماع فيها كذلك لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ و علة فرض الحج مرة واحدة لأن الله عز و جل وضع الفرائض على أدنى القوم قوة فمن تلك الفرائض الحج المفروض واحد ثم رغب أهل القوة على قدر طاقتهم  و علة وضع البيت وسط الأرض أنه الموضع الذي من تحته دحيت الأرض و كل ريح تهب في الدنيا فإنها تخرج من تحت الركن الشامي و هي أول بقعة وضعت في الأرض لأنها الوسط ليكون الفرض لأهل الشرق و الغرب في ذلك سواء و سميت مكة مكة لأن الناس كانوا يمكون فيها و كان يقال لمن قصدها قد مكا و ذلك قول الله عز و جل وَ ما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَ تَصْدِيَةً فالمكاء الصفير و التصدية صفق اليدين و علة الطواف بالبيت أن الله عز و جل قال للملائكة إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ فردوا على الله عز و جل هذا الجواب فندموا فلاذوا بالعرش و استغفروا فأحب الله عز و جل أن يتعبد بمثل ذلك العباد فوضع في السماء الرابعة بيتا بحذاء العرش يسمى الضراح ثم وضع في السماء الدنيا بيتا يسمى المعمور بحذاء الضراح ثم وضع هذا البيت بحذاء البيت المعمور ثم أمر آدم ع فطاف به فتاب الله عز و جل عليه فجرى ذلك في ولده إلى يوم القيامة و علة استلام الحجر أن الله تبارك و تعالى لما أخذ ميثاق بني آدم التقمه الحجر فمن ثم كلف الناس تعاهد ذلك الميثاق و من ثم يقال عند الحجر أمانتي أديتها و ميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة و منه قول سلمان رحمه الله ليجيئن الحجر يوم القيامة مثل أبي قبيس له لسان و شفتان يشهد لمن وافاه بالموافاة و العلة التي من أجلها سميت منى منى أن جبرئيل ع قال هناك لإبراهيم عليه السلام تمن على ربك ما شئت فتمنى إبراهيم ع في نفسه أن يجعل الله مكان ابنه إسماعيل كبشا يأمره بذبحه فداء له فأعطي مناه و علة الصوم لعرفان مس الجوع و العطش ليكون العبد ذليلا مستكينا مأجورا محتسبا صابرا و يكون ذلك دليلا له على شدائد الآخرة مع ما فيه من الانكسار له عن الشهوات واعظا له في العاجل دليلا على الآجل ليعلم شدة مبلغ ذلك من أهل الفقر و المسكنة في الدنيا و الآخرة و حرم قتل النفس لعلة فساد الخلق في تحليله لو أحل و فنائهم و فساد التدبير

  و حرم الله عز و جل عقوق الوالدين لما فيه من الخروج عن التوقير لطاعة الله عز و جل و التوقير للوالدين و تجنب كفر النعمة و إبطال الشكر و ما يدعو من ذلك إلى قلة النسل و انقطاعه لما في العقوق من قلة توقير الوالدين و العرفان بحقهما و قطع الأرحام و الزهد من الوالدين في الولد و ترك التربية لعلة ترك الولد برهما و حرم الزنا لما فيه من الفساد من قتل الأنفس و ذهاب الأنساب و ترك التربية للأطفال و فساد المواريث و ما أشبه ذلك من وجوه الفساد و حرم أكل مال اليتيم ظلما لعلل كثيرة من وجوه الفساد أول ذلك أنه إذا أكل الإنسان مال اليتيم ظلما فقد أعان على قتله إذ اليتيم غير مستغن و لا محتمل لنفسه و لا عليم بشأنه و لا له من يقوم عليه و يكفيه كقيام والديه فإذا أكل ماله فكأنه قد قتله و صيره إلى الفقر و الفاقة مع ما خوف الله تعالى و جعل من العقوبة في قوله عز وجل وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ و كقول أبي جعفر ع إن الله وعد في أكل مال اليتيم عقوبتين عقوبة في الدنيا و عقوبة في الآخرة ففي تحريم مال اليتيم استغناء اليتيم و استقلاله بنفسه و السلامة للعقب أن يصيبه ما أصابه لما وعد الله تعالى فيه من العقوبة مع ما في ذلك من طلب اليتيم بثاره إذا أدرك و وقوع الشحناء و العداوة و البغضاء حتى يتفانوا و حرم الله تعالى الفرار من الزحف لما فيه من الوهن في الدين و الاستخفاف بالرسل و الأئمة العادلة ع و ترك نصرتهم على الأعداء و العقوبة لهم على إنكار ما دعوا إليه من الإقرار بالربوبية و إظهار العدل و ترك الجور و إماتة الفساد لما في ذلك من جرأة العدو على المسلمين و ما يكون في ذلك من السبي و القتل و إبطال دين الله عز و جل و غيره من الفساد و حرم التعرب بعد الهجرة للرجوع عن الدين و ترك المؤازرة للأنبياء و الحجج عليهم السلام و ما في ذلك من الفساد و إبطال حق كل ذي حق لا لعلة سكنى البدو  و كذلك لو عرف الرجل الدين كاملة لم يجز له مساكنة أهل الجهل و الخوف عليه لأنه لا يؤمن أن يقع منه ترك العلم و الدخول مع أهل الجهل و التمادي في ذلك و حرم ما أهل به لغير الله عز و جل للذي أوجب الله عز و جل على خلقه من الإقرار به و ذكر اسمه على الذبائح المحللة و لئلا يسوى بين ما تقرب به إليه و بين ما جعل عبادة للشياطين و الأوثان لأن في تسمية الله عز و جل الإقرار بربوبيته و توحيده و ما في الإهلال لغير الله من الشرك به و التقرب به إلى غيره ليكون ذكر الله تعالى و تسميته على الذبيحة فرقا بين ما أحل الله و بين ما حرم الله و حرم سباع الطير الوحش كلها لأكلها من الجيف و لحوم الناس و العذرة و ما أشبه ذلك فجعل الله عز و جل دلائل ما أحل من الوحش و الطير و ما حرم كما قال أبي ع كل ذي ناب من السباع و ذي مخلب من الطير حرام و كلما كانت له قانصة من الطير فحلال و علة أخرى يفرق بين ما أحل من الطير و ما حرم قوله ع كل ما دف و لا تأكل ما صف و حرم الأرنب لأنها بمنزلة السنور و لها مخاليب كمخاليب السنور و سباع الوحش فجرت مجراها مع قذرها في نفسها و ما يكون منها من الدم كما يكون من النساء لأنها مسخ و عليه تحريم الربا إنما نهى الله عنه لما فيه من فساد الأموال لأن الإنسان إذا اشترى الدرهم بالدرهمين كان ثمن الدرهم درهما و ثمن الآخر باطلا فبيع الربا و شراه وكس على كل حال على المشتري و على البائع فحظر الله عز و جل الربا لعلة فساد الأموال كما حظر على السفيه أن يدفع إليه ماله لما يتخوف عليه من إفساده حتى يؤنس منه رشد فلهذه العلة حرم الله الربا و بيع الدرهم بالدرهمين يدا بيد و علة تحريم الربا بعد البينة لما فيه من الاستخفاف بالحرام المحرم و هي كبيرة بعد البيان و تحريم الله لها و لم يكن ذلك منه إلا استخفافا بالمحرم للحرام و الاستخفاف بذلك دخول في الكفر

  و علة تحريم الربا بالنسية لعلة ذهاب المعروف و تلف الأموال و رغبة الناس في الربح و تركهم القرض و القرض من صنائع المعروف و لما في ذلك من الفساد و الظلم و فناء الأموال و حرم الخنزير لأنه مشوه جعله الله عز و جل عظة للخلق و عبرة و تخويفا و دليلا على ما مسخ على خلقته و لأن غذاءه أقذر الأقذار مع علل كثيرة و كذلك حرم القرد لأنه مسخ مثل الخنزير و جعل عظة و عبرة للخلق و دليلا على ما مسخ على خلقته و صورته و جعل فيه شيئا من الإنسان ليدل على أنه من الخلق المغضوب عليه و حرمت الميتة لما فيها من فساد الأبدان و الآفة و لما أراد الله عز و جل أن يجعل التسمية سببا للتحليل و فرقا بين الحلال و الحرام و حرم الله عز و جل الدم كتحريم الميتة لما فيه من فساد الأبدان و لأنه يورث الماء الأصفر و يبخر الفم و ينتن الريح و يسيئ الخلق و يورث القسوة للقلب و قلة الرأفة و الرحمة حتى لا يؤمن أن يقتل ولده و والده و صاحبه و حرم الطحال لما فيه من الدم و لأن علته و علة الدم و الميتة واحدة لأنه يجري مجراها في الفساد و علة المهر و وجوبه على الرجال و لا يجب على النساء أن يعطين أزواجهن لأن على الرجل مئونة المرأة لأن المرأة بائعة نفسها و الرجل مشتر و لا يكون البيع إلا بثمن و لا الشراء بغير إعطاء الثمن مع أن النساء محظورات عن التعامل و المجي‏ء مع علل كثيرة و علة تزويج الرجل أربع نسوة و تحريم أن تتزوج المرأة أكثر من واحد لأن الرجل إذا تزوج أربع نسوة كان الولد منسوبا إليه و المرأة لو كان لها زوجان أو أكثر من ذلك لم يعرف الولد لمن هو إذ هم مشتركون في نكاحها و في ذلك فساد الأنساب و المواريث و المعارف  و علة تزويج العبد اثنتين لا أكثر منه لأنه نصف رجل حر في الطلاق و النكاح لا يملك نفسه و لا له مال إنما ينفق عليه مولاه و ليكون ذلك فرقا بينه و بين الحر و ليكون أقل لاشتغاله عن خدمة مواليه و علة الطلاق ثلاثا لما فيه من المهلة فيما بين الواحدة إلى الثلاث لرغبة تحدث أو سكون غضب إن كان و ليكون ذلك تخويفا و تأديبا للنساء و زجرا لهن عن معصية أزواجهن فاستحقت المرأة الفرقة و المباينة لدخولها فيما لا ينبغي من معصية زوجها و علة تحريم المرأة بعد تسع تطليقات فلا تحل له أبدا عقوبة لئلا يتلاعب بالطلاق و لا تستضعف المرأة و ليكون ناظرا في أمره متيقظا معتبرا و ليكون يأسا لهما من الاجتماع بعد تسع تطليقات و علة طلاق المملوك اثنتين لأن طلاق الأمة على النصف فجعله اثنتين احتياطا لكمال الفرائض و كذلك في الفرق في العدة للمتوفى عنها زوجها و علة ترك شهادة النساء في الطلاق و الهلال لضعفهن عن الرؤية و محاباتهن النساء في الطلاق فلذلك لا يجوز شهادتهن إلا في موضع ضرورة مثل شهادة القابلة و ما لا يجوز للرجال أن ينظروا إليه كضرورة تجويز شهادة أهل الكتاب إذا لم يوجد غيرهم و في كتاب الله عز و جل اثنان ذوا عدل منكم مسلمين أو آخران من غيركم كافرين و مثل شهادة الصبيان على القتل إذا لم يوجد غيرهم و العلة في شهادة أربعة في الزنا و اثنين في سائر الحقوق لشدة حد المحصن لأن فيه القتل فجعلت الشهادة فيه مضاعفة مغلظة لما فيه من قتل نفسه و ذهاب نسب ولده و لفساد الميراث و علة تحليل مال الولد لوالده بغير إذنه و ليس ذلك للولد لأن الولد موهوب للوالد في قول الله عز و جل يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ مع أنه المأخوذ بمئونته صغيرا و كبيرا و المنسوب إليه و المدعو له لقول الله عز و جل ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ و قول النبي ص أنت و مالك لأبيك و ليست الوالدة كذلك

  لا تأخذ من ماله إلا بإذنه أو بإذن الأب لأن الأب مأخوذ بنفقة الولد و لا تؤخذ المرأة بنفقة ولدها و العلة في أن البينة في جميع الحقوق على المدعي و اليمين على المدعى عليه ما خلا الدم لأن المدعى عليه جاحد و لا يمكن إقامة البينة على الجحود لأنه مجهول و صارت البينة في الدم على المدعى عليه و اليمين على المدعي لأنه حوط يحتاط به المسلمون لئلا يبطل دم امرئ مسلم و ليكون ذلك زاجرا و ناهيا للقاتل لشدة إقامة البينة عليه لأن من يشهد على أنه لم يفعل قليل و أما علة القسامة أن جعلت خمسين رجلا فلما في ذلك من التغليظ و التشديد و الاحتياط لئلا يهدر دم امرئ مسلم و علة قطع اليمين من السارق لأنه يباشر الأشياء غالبا بيمينه و هي أفضل أعضائه و أنفعها له فجعل قطعها نكالا و عبرة للخلق لئلا يبتغوا أخذ الأموال من غير حلها و لأنه أكثر ما يباشر السرقة بيمينه و حرم غصب الأموال و أخذها من غير حلها لما فيه من أنواع الفساد و الفساد محرم لما فيه من الفناء و غير ذلك من وجوه الفساد و حرم السرقة لما فيها من فساد الأموال و قتل الأنفس لو كانت مباحة و لما يأتي في التغاصب من القتل و التنازع و التحاسد و ما يدعو إلى ترك التجارات و الصناعات في المكاسب و اقتناء الأموال إذا كان الشي‏ء المقتنى لا يكون أحد أحق به من أحد و علة ضرب الزاني على جسده بأشد الضرب لمباشرته الزنا و استلذاذ الجسد كله به فجعل الضرب عقوبة له و عبرة لغيره و هو أعظم الجنايات و علة ضرب القاذف و شارب الخمر ثمانين جلدة لأن في القذف نفي الولد و قطع النسل و ذهاب النسب و كذلك شارب الخمر لأنه إذا شرب هذى و إذا هذى افترى فوجب حد المفتري و علة القتل بعد إقامة الحد في الثالثة على الزاني و الزانية لاستخفافهما و قلة مبالاتهما بالضرب حتى كأنهما مطلق لهما ذلك الشي‏ء و علة أخرى أن المستخف بالله و بالحد كافر فوجب عليه القتل لدخوله في الكفر  و علة تحريم الذكران للذكران و الإناث للإناث لما ركب في الإناث و ما طبع عليه الذكران و لما في إتيان الذكران الذكران و الإناث للإناث من انقطاع النسل و فساد التدبير و خراب الدنيا و أحل الله تعالى البقر و الغنم و الإبل لكثرتها و إمكان وجودها و تحليل بقر الوحش و غيرها من أصناف ما يؤكل من الوحش المحللة لأن غذاءها غير مكروه و لا محرم و لا هي مضرة بعضها ببعض و لا مضرة بالإنس و لا في خلقها تشويه و كره أكل لحوم البغال و الحمير الأهلية لحاجة الناس إلى ظهورها و استعمالها و الخوف من قلتها لا لقذر خلقها و لا قذر غذائها و حرم النظر إلى شعور النساء المحجوب بالأزواج و إلى غيرهن من النساء لما فيه من تهييج الرجال و ما يدعو التهييج إليه من الفساد و الدخول فيما لا يحل و لا يجمل و كذلك ما أشبه الشعور إلا الذي قال الله عز و جل وَ الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ أي غير الجلباب فلا بأس بالنظر إلى شعور مثلهن و علة إعطاء النساء نصف ما يعطى الرجال من الميراث لأن المرأة إذا تزوجت أخذت و الرجل يعطي فلذلك وفر على الرجال و علة أخرى في إعطاء الذكر مثلي ما تعطى الأنثى لأن الأنثى في عيال الذكر إن احتاجت و عليه أن يعولها و عليه نفقتها و ليس على المرأة أن تعول الرجل و لا تؤخذ بنفقته إذا احتاج فوفر الله تعالى على الرجال لذلك و ذلك قول الله عز و جل الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ و علة المرأة أنها لا ترث من العقار شيئا إلا قيمة الطوب و النقض لأن العقار لا يمكن تغييره و قلبه و المرأةيجوز أن ينقطع ما بينها و بينه من العصمة و يجوز تغييرها و تبديلها و ليس الولد و الوالد كذلك لأنه لا يمكن التفصي منهما و المرأة يمكن الاستبدال بها فما يجوز أن يجي‏ء و يذهب كان ميراثه فيما يجوز تبديله و تغييره إذ أشبهه و كان الثابت المقيم على حاله لمن كان مثله في الثبات و القيام

   توضيح قوله ع لأنه أكثر الضمير راجع إلى كل واحد من البول و الغائط و قوله و أدوم عطف تفسير لقوله أكثر قوله ع و مشقته لأنه اشتغال بفعل لا استلذاذ فيه. قوله ع و الإكراه لأنفسهم أي بإرادتهم كأن المريد لشي‏ء يكره نفسه عليه و الأظهر أنه تصحيف و لا إكراه ثم اعلم أن الاختيار في الجنابة مبني على الغالب إذ الاحتلام يقع بغير اختيار. قوله لما فيه من تعظيم العبد الضمير راجع إلى العيد أو إلى الغسل قوله ع و زيادة في النوافل أي ثوابها أو هو نفسه زيادة فيها. قوله ع ليطلب به أي ليطلب الناس الأجر بسببه للصلاة عليه و تشييعه و دفنه و يؤيده ما في العلل ليطلب وجهه إلى وجه الله و رضاه و في بعض نسخ العيون ليطالب فيه فيكون قوله و يشفع له عطفا تفسيريا له. قوله ع لأنهما ظاهران مكشوفان علة لأصل المسح و قوله و ليس فيهما علة للاكتفاء به بدون الغسل. قوله ع و تحصين أموال الأغنياء أي حفظها من الضياع فإن أداء الزكاة يوجب عدم تلفها و ضياعها قوله ع و الحث لهم أي للأغنياء على المواساة بإعطاء أصل الزكاة أو لأن إعطاء الزكاة يوجب تزكية النفس عن البخل و هذا أنسب بلفظ المواساة إذ هي المساهمة و المساواة في المال بأن يعطي الفقراء مثل ما يأخذ لنفسه قوله عليه السلام من الحث في ذلك أي في الاستدلال و العبرة قوله ع في أمور كثيرة متعلق بقوله الشكر لله أو بمقدر أي تحصل تلك الفضائل في أمور كثيرة. قوله ع و منه متعلق بالرهبة كما أن إلى الله متعلق بالرغبة قوله ع و تجديد الحقوق عطف على الترك كما أن ما قبله معطوف على مدخوله. قوله ع و علة وضع البيت وسط الأرض أي لم يقال إنه وضع وسط الأرض لأن الأرض دحيت من تحته إلى أطراف الأرض فلذا يقال إنه الوسط أو المراد  بالوسط وسط المعمورة تقريبا لكون بعض العمارة في العرض الجنوبي أيضاو يحتمل على بعد أن يكون الوسط بمعنى الأشرف و على الاحتمال الأول يمكن أن يكون هبوب الريح أيضا علة أخرى لكونه وسطا قوله ع كانوا يمكون فيها هذا لا يساعده الاشتقاق إلا أن يقال كان أصل مكة مكوة فصارت بكثرة الاستعمال هكذا أو يقال كان أصل المكاء المك فقلبت الكاف الثانية من باب أمليت و أمللت أو يقال إن بيان ذلك ليس لبيان مبدإ الاشتقاق بل لبيان أن الذين كان ذلك فعالهم أهلكهم و نقصهم يقال مكة أهلكه و نقصه و يمكن أن يكون مبنيا على الاشتقاق الكبير. قوله ع ليعلم فيه لف و نشر فإن العلم بحال أهل الفقر في الدنيا علة لكونه واعظا و العلم بحال أهل الفقر في الآخرة علة لكونه دليلا. قوله ع من قتل الأنفس أي للتغاير قوله ع و العقوبة لهم لعلها معطوفة على نصرتهم أو على الأعداء و على التقديرين ضمير الجمع راجع إلى الأعداء أو إلى الرسول و الأئمة و دعوا على المعلوم أو على المجهول. قوله ع و كذلك لو عرف الرجل أي أن التعرب بعد الهجرة إنما يحرم لتضمنه ترك نصرة الأنبياء و الحجج ع و ترك الحقوق اللازمة بين المسلمين و الرجوع إلى الجهل لا لخصوص كونه في الأصل من أهل البادية إذ يحرم على من كمل علمه من غير أهل البادية أيضا أن يساكنهم لتلك العلة أو المعنى أنه ليس لخصوص سكنى البادية مدخل في ذلك بل لا يجوز لمن كمل علمه أن يساكن أهل الجهل من أهل القرى و البلاد أيضا و في العلل و لذلك و هو أظهر قوله ع و الخوف عليه كأنه معطوف على الجهل أي مساكنة جماعة يخاف عليه من مجالستهم الضلال و ترك الحق و يحتمل أن يكون معطوفا على ذلك إذا كان لذلك و على التقديرين المراد عدم جواز مساكنة من يخاف عليه في مجالستهم ترك الدين أو الوقوع في المحرمات. قوله ع فجعل الله عز و جل المفعول الثاني لجعل قوله كل ذي ناب أي لما كانت العلة في حرمتها أكلها اللحوم و افتراسها الحيوانات جعل ضابط الحكم ما

   يدل عليه من الناب و المخلب و قوله و علة أخرى يمكن أن يكون لبيان قاعدة أخرى ذكرها استطرادا و يكون المراد بالعلة القاعدة و يحتمل أن يكون الصفيف أيضا من علامات الجلادة و السبعية و لا يبعد أن يكون و علة أخرى كلام ابن سنان أدخلها بين كلامه ع بقرينة تغيير الأسلوب و أما عدم القانصة فمن لوازم سباع الطير غالبا. قوله ع وكس أي نقص قوله ع على المشتري متعلق بالبيع و قوله ع على البائع متعلق بالشراء على اللف و النشر قوله ع بالحرام المحرم أي المبين حرمته. قوله ع و لما أراد الله لما كانت الميتة نوعين الأول أن يكون موتها بغير الذبح فيجمد الدم في بدنها و يورث أكلها فساد الأبدان و الآفة و الثاني أن يكون ترك التسمية أو الاستقبال فقوله لما أراد الله لهذا الفرد منها أي العلة فيها أمر آخر يرجع إلى صلاح أديانهم لا أبدانهم. قوله ع احتياطا لكمال الفرائض أي ليس لثلاث تطليقات نصف لعدم تنصف الطلاق فإما أن يؤخذ واحد أو اثنان فاختير الاثنان لرعاية الاحتياط. قوله ع و لا تؤخذ المرأة أي مع وجود الوالد و قدرته على الإنفاق قوله ع لما ركب في الإناث أي من الميل إلى الرجال أو من العضو الذي يناسب وطي الرجال لهن. و قال في النهاية الجلباب الإزار و الرداء و قيل الملحفة و قيل هو كالمقنعة تغطي به المرأة رأسها و ظهرها و صدرها و قيل ثوب أوسع من الخمار و دون الرداء انتهى و قد ورد في الأخبار المعتبرة أنها تضع من الثياب الجلباب و هذا الخبر يدل على أنه لا تضعه و لعل لفظ غير زيد من النساخ كما هو في بعض النسخ أو المراد بالجلباب ما يكشف بوضعه سائر الجسد غير الشعر و ما يجوز لهن كشفه إذ قد فسر بالقميص أيضا. قوله ع و عليه نفقتها لعل المراد أنه يجبر الرجال على نفقة النساء كالبنت  و الأم و إن كان فقيرا إذا كان قادرا على الكسب بخلاف العكس و الطوب بالضم الآجر و سيأتي توضيح تلك العلل في الأبواب المناسبة لها

 3-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ ابن المتوكل عن السعدآبادي عن البرقي عن أبيه عن محمد بن سنان قال سمعت أبا الحسن علي بن موسى بن جعفر ع يقول حرم الله الخمر لما فيها من الفساد و من تغييرها عقول شاربيها و حملها إياهم على إنكار الله عز و جل و الفرية عليه و على رسله و سائر ما يكون منهم من الفساد و القتل و القذف و الزنا و قلة الاحتجاز من شي‏ء من الحرام فبذلك قضينا على كل مسكر من الأشربة أنه حرام محرم لأنه يأتي من عاقبتها ما يأتي من عاقبة الخمر فليجتنب من يؤمن بالله و اليوم الآخر و يتولانا و ينتحل مودتنا كل شراب مسكر فإنه لا عصمة بيننا و بين شاربيها

الفصل الثالث في نوادر العلل و متفرقاتها

 1-  ع، ]علل الشرائع[ ابن المتوكل عن السعدآبادي عن البرقي عن إسماعيل بن مهران عن أحمد بن محمد بن جابر عن زينب بنت علي ع قالت قالت فاطمة ع في خطبتها في معنى فدك لله فيكم عهد قدمه إليكم و بقية استخلفها عليكم كتاب الله بينة بصائره و آي منكشفة سرائره و برهان متجلية ظواهره مديم للبرية استماعه و قائد إلى الرضوان أتباعه و مؤد إلى النجاة أشياعه فيه تبيان حجج الله المنيرة و محارمه المحرمة و فضائله المدونة و جمله الكافية و رخصه الموهوبة و شرائعه المكتوبة و بيناته الجالية ففرض الإيمان تطهيرا من الشرك و الصلاة تنزيها من الكبر و الزكاة زيادة في الرزق و الصيام تثبيتا للإخلاص و الحج تسلية للدين و العدل مسكا للقلوب و الطاعة نظاما للملة و الإمامة لما من الفرقة و الجهاد عزا للإسلام و الصبر معونة على الاستيجاب و الأمر بالمعروف مصلحة للعامة و بر الوالدين وقاية عن السخط و صلة الأرحام منماة للعدد و القصاص حقنا للدماء و الوفاء للنذر  تعرضا للمغفرة و توفية المكاييل و الموازين تغييرا للبخسة و اجتناب قذف المحصنات حجبا عن اللعنة و اجتناب السرقة إيجابا للعفة و مجانبة أكل أموال اليتامى إجارة من الظلم و العدل في الأحكام إيناسا للرعية و حرم الله عز و جل الشرك إخلاصا للربوبية ف اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ فيما أمركم به و انتهوا عما نهاكم عنه

 قال الصدوق رحمه الله أخبرنا علي بن حاتم عن محمد بن أسلم عن عبد الجليل الباقطاني عن الحسن بن موسى الخشاب عن عبد الله بن محمد العلوي عن رجال من أهل بيته عن زينب بنت علي عن فاطمة ع بمثله

 و أخبرني علي بن حاتم أيضا عن محمد بن أبي عمير عن محمد بن عمارة عن محمد بن إبراهيم المصري عن هارون بن يحيى الناشب عن عبيد الله بن موسى العبسي عن عبيد الله بن موسى المعمري عن حفص الأحمر عن زيد بن علي عن عمته زينب بنت علي عن فاطمة ع بمثله و زاد بعضهم على بعض في اللفظ

بيان قولها و بقية أي من رحمته أقامها مقام نبيكم قولها بصائره أي دلائله المبصرة الواضحة. قولها ع مديم للبرية استماعه أي ما دام القرآن بينهم لا ينزل عليهم العذاب كما ورد في الأخبار هذا إذا قرئ استماعه بالرفع و إذا قرئ بالنصب فالمعنى أنه يجب على الخلائق استماعه و العمل به إلى يوم القيامة أو لا يكرر بتكرر الاستماع و لا يخلق بكثرة التلاوة. قولها اتباعه بصيغة المصدر ليناسب ما تقدمه أو الجمع ليوافق ما بعده و في الفقيه المنورة مكان المنيرة و المحدودة مكان المحرمة و المندوبة مكان المدونة. قولها و شرائعها المكتوبة أي الواجبة أو المقررة و الجالية الواضحة قولها تثبيتا للإخلاص لأنه أمر عدمي ليس فيه رياء و السناء الرفعة قولها مسكا للقلوب أي يمسكها عن الخوف و القلق و الاضطراب أو عن الجور و الظلم. قولها ع و الطاعة أي طاعة الله و النبي و الإمام و اللم الاجتماع قولها  ع معونة على الاستيجاب أي طلب إيجاب المطلوب و الظفر به و في بعض النسخ الاستنجاب أي طلب نجابة النفس. قولها ع منماة للعدد أي إذا وصلهم أحبوه و أعانوه فيكثر عدد أتباعه و أحبائه بهم أو يزيد الله أولاده و أحفاده و سيأتي شرح تمام الخطبة مفصلا في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى

 2-  ع، ]علل الشرائع[ علي بن حاتم عن أحمد بن علي العبدي عن الحسن بن إبراهيم الهاشمي عن إسحاق بن إبراهيم الديري عن عبد الوراق بن حاتم عن معمر بن قتادة عن أنس بن مالك قال قال رسول الله ص جاءني جبرئيل فقال لي يا أحمد الإسلام عشرة أسهم و قد خاب من لا سهم له فيها أولها شهادة أن لا إله إلا الله و هي الكلمة و الثانية الصلاة و هي الطهر و الثالثة الزكاة و هي الفطرة و الرابعة الصوم و هي الجنة و الخامسة الحج و هي الشريعة و السادسة الجهاد و هو العز و السابعة الأمر بالمعروف و هو الوفاء و الثامنة النهي عن المنكر و هو الحجة و التاسعة الجماعة و هي الألفة و العاشرة الطاعة و هي العصمة قال قال حبيبي جبرئيل إن مثل هذا الدين كمثل شجرة ثابتة الإيمان أصلها و الصلاة عروقها و الزكاة ماؤها و الصوم سعفها و حسن الخلق ورقها و الكف عن المحارم ثمرها فلا تكمل شجرة إلا بالثمر كذلك الإيمان لا يكمل إلا بالكف عن المحارم

إيضاح قوله ص و هي الكلمة أي هي الكلمة الجامعة التامة التي تستحق أن تسمى كلمة أو هي مع الشهادة بالرسالة التي هي قرينتها كلمة بها يحكم بالإسلام. قوله ص و هي الطهر أي مطهرة من الذنوب قوله ص و هي الفطرة تطلق الفطرة على دين الإسلام لأن الناس مفطورون عليه و الحمل هنا للمبالغة في بيان اشتراط الإيمان بالزكاة. قوله ص و هي الشريعة أي من أعظم الشرائع و لذا سمى الله تعالى تركه  كفرا قوله ص و هو العز أي يوجب عز الدين و غلبته على سائر الأديان قوله ص و هو الوفاء أي بعهد الله حيث أخذ عهدهم على الأمر بالمعروف قوله ص و هو الحجة أي إتمام الحجة لله على الخلق قوله ص الجماعة أي في الصلاة أو الاجتماع على الحق قوله ص و هي العصمة أي تعصم الناس عن الذنوب و عن استيلاء الشيطان و السعف بالتحريك أغصان النخيل

 3-  ع، ]علل الشرائع[ أبي و ابن الوليد عن سعد عن إبراهيم بن هاشم عن ابن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد الله ع أنه سأله عن شي‏ء من الحلال و الحرام فقال إنه لم يجعل شي‏ء إلا لشي‏ء

بيان أي لم يشرع الله تعالى حكما من الأحكام إلا لحكمة من الحكم و لم يحلل الحلال إلا لحسنه و لم يحرم الحرام إلا لقبحه لا كما تقوله الأشاعرة من نفي الغرض و إنكار الحسن و القبح العقليين و يمكن أن يعم بحيث يشمل الخلق و التقدير أيضا فإنه تعالى لم يخلق شيئا أيضا إلا لحكمة كاملة و علة باعثة و على نسخة الباء أيضا يرجع إلى ما ذكرنا بأن تكون سببية و يحتمل أن تكون للملابسة أي لم يخلق و لم يقدر شيئا في الدنيا إلا متلبسا بحكم من الأحكام يتعلق به و هو مخزون عند أهله من الأئمة ع

 4-  شي، ]تفسير العياشي[ عن علي بن أبي حمزة قال سمعت أبا عبد الله ع يقول قال رسول الله ص ما من أحد أغير من الله تبارك و تعالى و من أغير ممن حرم الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ

 5-  نهج، ]نهج البلاغة[ قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ قال أمير المؤمنين ع فرض الله تعالى الإيمان تطهيرا من الشرك و الصلاة تنزيها عن الكبر و الزكاة تسبيبا للرزق و الصيام ابتلاء لإخلاص المحق و الحج تقوية للدين و الجهاد عزا للإسلام و الأمر بالمعروف مصلحة للعوام و النهي  عن المنكر ردعا للسفهاء و صلة الأرحام منماة للعدد و القصاص حقنا للدماء و إقامة الحدود إعظاما للمحارم و ترك شرب الخمر تحصينا للعقل و مجانبة السرقة إيجابا للعفة و ترك الزنا تحقيقا للنسب و ترك اللواط تكثيرا للنسل و الشهادات استظهارا على المجاحدات و ترك الكذب تشريفا للصدق و السلم أمانا من المخاوف و الإمامة نظاما للأمة و الطاعة تعظيما للسلطان

 6-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ مما أجاب الرضا ع بحضرة المأمون لصباح بن نصر الهندي و عمران الصابي عن مسائلهما قال عمران العين نور مركبة أم الروح تبصر الأشياء من منظرها قال ع العين شحمة و هو البياض و السواد و النظر للروح دليله أنك تنظر فيه فترى صورتك في وسطه و الإنسان لا يرى صورته إلا في ماء أو مرآة و ما أشبه ذلك قال صباح فإذا عميت العين كيف صارت الروح قائمة و النظر ذاهب قال كالشمس طالعة يغشاها الظلام قالا أين تذهب الروح قال أين يذهب الضوء الطالع من الكوة في البيت إذا سدت الكوة قال أوضح لي ذلك قال الروح مسكنها في الدماغ و شعاعها منبث في الجسد بمنزلة الشمس دارتها في السماء و شعاعها منبسط على الأرض فإذا غابت الدارة فلا شمس و إذا قطعت الرأس فلا روح قالا فما بال الرجل يلتحي دون المرأة قال ع زين الله الرجال باللحى و جعلها فصلا يستدل بها على الرجال من النساء  قال عمران ما بال الرجل إذا كان مؤنثا و المرأة إذا كانت مذكرة قال ع علة ذلك أن المرأة إذا حملت و صار الغلام منها في الرحم موضع الجارية كان مؤنثا و إذا صارت الجارية موضع الغلام كانت مذكرة و ذلك أن موضع الغلام في الرحم مما يلي ميامنها و الجارية مما يلي مياسرها و ربما ولدت المرأة ولدين في بطن واحد فإن عظم ثدياها جميعا تحمل توأمين و إن عظم أحد ثدييها كان ذلك دليلا على أنها تلد واحدا إلا أنه إذا كان الثدي الأيمن أعظم كان المولود ذكرا و إذا كان الأيسر أعظم كان المولود أنثى و إذا كانت حاملا فضمر ثديها الأيمن فإنها تسقط غلاما و إذا ضمر ثديها الأيسر فإنها تسقط أنثى و إذا ضمرا جميعا تسقطهما جميعا قالا من أي شي‏ء الطول و القصر في الإنسان فقال من قبل النطفة إذا خرجت من الذكر فاستدارت جاء القصر و إن استطالت جاء الطول قال صباح ما أصل الماء قال ع أصل الماء خشية الله بعضه من السماء و يسلكه في الأرض ينابيع و بعضه ماء عليه الأرضون و أصله واحد عذب فرات قال فكيف منها عيون نفط و كبريت و قار و ملح و أشباه ذلك قال غيره الجوهر و انقلبت كانقلاب العصير خمرا و كما انقلبت الخمر فصارت خلا و كما يخرج من بين فرث و دم لبنا خالصا قال فمن أين أخرجت أنواع الجواهر قال انقلب منها كانقلاب النطفة علقة ثم مضغة ثم خلقة مجتمعة مبنية على المتضادات الأربع قال عمران إذا كانت الأرض خلقت من الماء و الماء بارد رطب فكيف صارت الأرض باردة يابسة قال سلبت النداوة فصارت يابسة قال الحر أنفع أم البرد قال بل الحر أنفع من البرد لأن الحر من أحر الحياة و البرد من برد الموت و كذلك السموم القاتلة الحار منها أسلم و أقل ضررا من السموم الباردة  و سألاه عن علة الصلاة فقال طاعة أمرهم بها و شريعة حملهم عليها و في الصلاة توقير له و تبجيل و خضوع من العبد إذا سجد و الإقرار بأن فوقه ربا يعبده و يسجد له و سألاه عن الصوم فقال ع امتحنهم بضرب من الطاعة كيما ينالوا بها عنده الدرجات ليعرفهم فضل ما أنعم عليهم من لذة الماء و طيب الخبز و إذا عطشوا يوم صومهم ذكروا يوم العطش الأكبر في الآخرة و زادهم ذلك رغبة في الطاعة و سألاه لم حرم الزنا قال لما فيه من الفساد و ذهاب المواريث و انقطاع الأنساب لا تعلم المرأة في الزنا من أحبلها و لا المولود يعلم من أبوه و لا أرحام موصولة و لا قرابة معروفة

بيان الدارة الحلقة و الشعر المستدير على قرن الإنسان أو موضع الذؤابة أطلقت هنا على جرم الشمس مجازا قوله ع خشية الله أي لما نظر الله بالهيبة في الدرة صارت ماء كما ورد في الخبر و النظر مجاز فلذا نسب الماء إلى الخشية و يحتمل أن يكون تصحيف خلقة الله

 7-  ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ فضالة عن أبان عن زياد بن أبي رجاء عن أبي عبيدة عن أبي سخيلة عن سلمان قال بينا أنا جالس عند رسول الله ص إذا قصد له رجل فقال  يا رسول الله المملوك فقال رسول الله ص ابتلي بك و بليت به لينظر الله عز و جل كيف تشكر و ينظر كيف يصبر

 8-  ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ ابن أبي عمير عن منصور بن يونس عن الثمالي عن أحدهما ع قال إن الله تبارك و تعالى يقول إن من عبادي من يسألني الشي‏ء من طاعتي لأحبه فأصرف ذلك عنه لكي لا يعجبه عمله

 9-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ جماعة عن أبي المفضل عن عبيد الله بن الحسين بن إبراهيم عن علي بن عبد الله بن الحسين بن علي بن الحسين عن علي بن القاسم بن الحسين بن زيد عن أبيه عن جده الحسين عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عن آبائه عن علي ع قال قال رسول الله ص لو لا أن الذنب خير للمؤمن من العجب ما خلى الله عز و جل بين عبده المؤمن و بين ذنب أبدا

 ع، ]علل الشرائع[ أبي عن سعد عن ابن عيسى عن علي بن الحكم عن ابن أسباط رفعه إلى أبي عبد الله ع مثله

 10-  نهج، ]نهج البلاغة[ قال أمير المؤمنين ع إن الله سبحانه وضع الثواب على طاعته و العقاب على معصيته زيادة لعباده عن نقمته و حياشة لهم إلى الجنة

 11-  و قال ع في القاصعة و كلما كانت البلوى و الاختيار أعظم كانت المثوبة و الجزاء أجزل أ لا ترون أن الله سبحانه اختبر الأولين من لدن آدم صلوات الله عليه إلى الآخرين من هذا العالم بأحجار لا تضر و لا تنفع و لا تبصر و لا تسمع فجعلها بيته الحرام الذي جعله للناس قياما ثم وضعه بأوعر بقاع الأرض حجرا و أقل نتائق الدنيا مدرا إلى قوله و لكن الله يختبر عباده بأنواع الشدائد و  يتعبدهم بألوان المجاهد و يبتليهم بضروب المكاره إخراجا للتكبر من قلوبهم و إسكانا للتذلل في نفوسهم و ليجعل ذلك أبوابا فتحا إلى فضله و أسبابا ذللا لعفوه فالله الله في عاجل البغي و آجل وخامة الظلم و سوء عاقبة الكبر إلى قوله ع و عن ذلك ما حرس الله عباده المؤمنين بالصلوات و الزكوات و مجاهدة الصيام في الأيام المفروضات تسكينا لأطرافهم و تخشيعا لأبصارهم و تذليلا لنفوسهم و تخفيضا لقلوبهم و إذهابا للخيلاء عنهم لما في ذلك من تعفير عتاق الوجوه بالتراب تواضعا و إلصاق كرائم الجوارح بالأرض تصاغرا و لحوق البطون بالمتون من الصيام تذللا مع ما في الزكاة من صرف ثمرات الأرض و غير ذلك إلى أهل المسكنة و الفقر انظروا إلى ما في هذه الأفعال من قمع نواجم الفخر و قدع طوالع الكبر