باب 10- ما به قوام بدن الإنسان و أجزائه و تشريح أعضائه و منافعها و ما يترتب عليها من أحوال النفس

1-  العلل، عن محمد بن شاذان بن عثمان بن أحمد البراوذي عن محمد بن محمد بن الحرث بن سفيان السمرقندي عن صالح بن سعيد الترمذي عن عبد المنعم بن إدريس عن أبيه عن وهب بن منبه أنه وجد في التوراة صفة خلق آدم ع حين خلقه الله عز و جل و ابتدعه قال الله تبارك و تعالى إني خلقت آدم و ركبت جسده من أربعة أشياء ثم جعلتها وراثة في ولده تنمى في أجسادهم و ينمون عليها إلى يوم القيامة و ركبت جسده حين خلقته من رطب و يابس و سخن و بارد و ذلك أني خلقته من تراب و ماء ثم جعلت فيه نفسا و روحا فيبوسة كل جسد من قبل التراب و رطوبته من قبل الماء و حرارته من قبل النفس و برودته من قبل الروح ثم خلقت في الجسد بعد هذا الخلق الأول أربعة أنواع و هن ملاك الجسد و قوامه بإذني لا يقوم الجسد إلا بهن و لا تقوم منهم واحدة إلا بالأخرى منها المرة السوداء و المرة الصفراء و الدم و البلغم ثم أسكن بعض هذا الخلق في بعض فجعل مسكن اليبوسة في المرة   السوداء و مسكن الرطوبة في المرة الصفراء و مسكن الحرارة في الدم و مسكن البرودة في البلغم فأيما جسد اعتدلت به هذه الأنواع الأربع التي جعلتها ملاكه و قوامه و كانت كل واحدة منهن أربعا لا تزيد و لا تنقص كملت صحته و اعتدل بنيانه فإن زاد منهن واحدة عليهن فقهرتهن و مالت بهن و دخل على البدن السقم من ناحيتها بقدر ما زادت و إذا كانت ناقصة نقل عنهن حتى تضعف من طاقتهن و تعجز عن مقارنتهن و جعل عقله في دماغه و شرهه في كليته و غضبه في كبده و صرامته في قلبه و رغبته في رئته و ضحكه في طحاله و فرحه و حزنه و كربه في وجهه و جعل فيه ثلاثمائة و ستين مفصلا قال وهب فالطبيب العالم بالداء و الدواء يعلم من حيث يأتي السقم من قبل زيادة تكون في إحدى هذه الفطر الأربع أو نقصان منها و يعلم الدواء الذي به يعالجهن فيزيد في الناقصة منهن أو ينقص من الزائدة حتى يستقيم الجسد على فطرته و يعتدل الشي‏ء بأقرانه ثم تصير هذه الأخلاق التي ركب عليها الجسد فطرا عليه تبنى أخلاق بني آدم و بها توصف فمن التراب العزم و من الماء اللين و من الحرارة الحدة و من البرودة الأناة فإن مالت به اليبوسة كان عزمه القسوة و إن مالت به الرطوبة كانت لينه مهانة و إن مالت به الحرارة كانت حدته طيشا و سفها و إن مالت به البرودة كانت أناته ريبا و بلدا فإن اعتدلت أخلاقه و كن سواء و استقامت فطرته كان حازما في أمره لينا في عزمه حادا في لينه متأنيا في حدته لا يغلبه خلق من أخلاقه و لا يميل به من أيها شاء استكثر

   و من أيها شاء أقل و من أيها شاء عدل و يعلم كل خلق منها إذا علا عليه بأي شي‏ء يمزجه و يقومه فأخلاقه كلها معتدلة كما يجب أن يكون فمن التراب قسوته و بخله و حصره و فظاظته و برمه و شحه و بأسه و قنوطه و عزمه و إصراره و من الماء كرمه و معروفه و توسعه و سهولته و توسله و قربه و قبوله و رجاؤه و استبشاره فإذا خاف ذو العقل أن يغلب عليه أخلاق التراب و يميل به ألزم كل خلق منها خلقا من أخلاق الماء يمزجه به بلينة يلزم القسوة اللين و الحصر التوسع و البخل العطاء و الفظاظة الكرم و البرم الترسل و الشح السماح و اليأس الرجاء و القنوط الاستبشار و العزم القبول و الإصرار القرب ثم من النفس حدته و خفته و شهوته و لهوه و لعبه و ضحكه و سفهه و خداعه و عنفه و خوفه و من الروح حلمه و وقاره و عفافه و حياؤه و بهاؤه و فهمه و كرمه و صدقه و رفقه و كبره و إذا خاف ذو العقل أن تغلب عليه أخلاق النفس و تميل به ألزم كل خلق منها خلقا من أخلاق الروح يقومه به يلزم الحدة الحلم و الخفة الوقار و الشهوة العفاف و اللعب الحياء و الضحك الفهم و السفه الكرم و الخداع الصدق و العنف الرفق و الخوف الصبر ثم بالنفس سمع ابن آدم و أبصر و أكل و شرب و قام و قعد و ضحك و بكى و فرح و حزن و بالروح عرف الحق من الباطل و الرشد من الغي و الصواب من الخطاء و به علم و تعلم و حكم و عقل و استحيا و تكرم و تفقه و تفهم و تحذر و تقدم ثم يقرن إلى أخلاقه عشرة خصال أخرى الإيمان و الحلم و العقل و العلم و العمل و اللين و الورع و الصدق و الصبر و الرفق ففي هذه الأخلاق العشر جميع الدين كله و لكل خلق منها عدو فعدو الإيمان الكفر و عدو الحلم الحمق و عدو العقل الغي و عدو العلم الجهل و عدو العمل الكسل و عدو اللين العجلة و عدو الورع الفجور

   و عدو الصدق الكذب و عدو الصبر الجزع و عدو الرفق العنف فإذا وهن الإيمان تسلط عليه الكفر و تعبده و حال بينه و بين كل شي‏ء يرجو منفعته و إذا صلب الإيمان وهن له الكفر و تعبد و استكان و اعترف الإيمان و إذا ضعف الحلم علا الحمق و حاطه و ذبذبه و ألبسه الهوان بعد الكرامة و إذا استقام الحلم فضح الحمق و تبين عورته و أبدى سوأته و كشف ستره و أكثر مذمته فإذا استقام اللين تكرم من الخفة و العجلة و اطردت الحدة و ظهر الوقار و العفاف و عرفت السكينة و إذا ضعف الورع تسلط عليه الفجور و ظهر الإثم و تبين العدوان و كثر الظلم و نزل الحمق و عمل بالباطل و إذا ضعف الصدق كثر الكذب و فشت الفرية و جاء الإفك بكل وجه البهتان و إذا حصل الصدق اختسأ الكذب و ذل و صمت للإفك و أميتت الفرية و أهين البهتان و دنا البر و اقترب الخير و طردت الشره و إذا وهن الصبر وهن الدين و كثر الحزن و رهق الجزع و أميتت الحسنة و ذهب الأجر و إذا صلب الصبر خلص الدين و ذهب الحزن و أخر الجزع و أحييت الحسنة و عظم الأجر و تبين الحزم و ذهب الوهن و إذا ترك الرفق ظهر الغش و جاءت الفظاظة و اشتدت الغلظة و كثر الغشم و ترك العدل و فشا المنكر و ترك المعروف و ظهر السفه و رفض الحلم و ذهب العقل و ترك العلم و فتر العمل و مات اللين و ضعف الصبر و غلب الورع و وهن الصدق و بطل تعبد أهل الإيمان فمن أخلاق العقل عشرة أخلاق صالحة الحلم و العلم و الرشد و العفاف و الصيانة و الحياء و الرزانة و المداومة على الخير و كراهة الشر و طاعة الناصح فهذه عشرة أخلاق صالحة ثم يتشعب كل خلق منها عشر خصال فالحلم يتشعب منه حسن العواقب و المحمدة في الناس و تشرف المنزلة و السلب عن السفلة و ركوب   الجميل و صحبة الأبرار و الارتداع عن الضيعة و الارتفاع عن الخساسة و شهرة اللين و القرب من معالي الدرجات و يتشعب من العلم الشرف و إن كان دنيا و العز و إن كان مهينا و الغنى و إن كان فقيرا و القوة و إن كان ضعيفا و النيل و إن كان حقيرا و القرب و إن كان قصيا و الجود و إن كان بخيلا و الحياء و إن كان صلفا و المهابة و إن كان وضيعا و السلامة و إن كان سفيها و يتشعب من الرشد السداد و الهدى و البر و التقوى و العبادة و القصد و الاقتصاد و القناعة و الكرم و الصدق و يتشعب من العفاف الكفاية و الاستكانة و المصادقة و المراقبة و الصبر و النصر و اليقين و الرضا و الراحة و التسليم و يتشعب من الصيانة الكف و الورع و حسن الثناء و التزكية و المروءة و الكرم و الغبطة و السرور و المنالة و التفكر و يتشعب من الحياء اللين و الرأفة و الرحمة و المداومة و البشاشة و المطاوعة و ذل النفس و النهى و الورع و حسن الخلق و يتشعب من المداومة على الخير الصلاح و الاقتدار و العز و الإخبات و الإنابة و السؤدد و الأمن و الرضا في الناس و حسن العاقبة و يتشعب من كراهة الشر حسن الأمانة و ترك الخيانة و اجتناب السوء و تحصين الفرج و صدق اللسان و التواضع و التضرع لمن هو فوقه و الإنصاف لمن هو دونه و حسن الجوار و مجانبة إخوان السوء و يتشعب من الرزانة التوقر و السكون و التأني و العلم و التمكين و الحظوة و المحبة و الفلح و الزكاية و الإنابة و يتشعب من طاعة الناصح زيادة العقل و كمال اللب و محمدة الناس و الامتعاض من اللوم و البعد من البطش و استصلاح الحال و مراقبة ما هو نازل و الاستعداد للعدو و الاستقامة على المنهاج و المداومة على الرشاد فهذه مائة خصلة من أخلاق العاقل

 بيان الصرامة بالصاد المهملة الشجاعة و الحدة و العزم و في بعض النسخ   بالمعجمة من ضرم كفرح اشتد جوعه أو من ضرم عليه احتد غضبا في وجهه أي تظهر فيه و في القاموس التبلد التجلد بلد ككرم و فرح فهو بليد و أبلد و قال الحصر كالنصر و الضرب التضييق و بالتحريك ضيق الصدر و البخل و العي في المنطق و قال الفظ الغليظ الجانب السيئ الخلق القاسي الخشن الكلام فظ بين الفظاظة و الفظاظ بالكسر. قوله يلزم القسوة اللين إلخ أي يختار الوسط بينهما و يكسر سورة كل منهما بالآخر و هي العدالة المطلوبة في الأخلاق أو يستعمل كلا منها في موقعه كما قال تعالى في وصف أمير المؤمنين ع و أضرابه أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ و هو التخلق بأخلاق رب العالمين كما قال سبحانه نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَ أَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ. و البرم التوسل أي التقرب إلى الناس أو إلى الله بالصبر على أخلاق الناس و لعله كان بالراء و هو الاستئناس فإنه أنسب و العزم بالقبول أي إذا عزم في أمر فنصحه صادق يقبل منه و الإصرار القرب أي من الله بالتوبة أو الأعم قوله و كبره أي على أعداء الدين و الظاهر صبره كما يظهر من قوله و الخوف الصبر و يحتمل أن يكون التصحيف في ما سيأتي و يكون المراد بالكبر الشجاعة لمقابلة الخوف. ثم الظاهر أن المراد بالنفس في هذا الحديث الروح الحيواني و بالروح الناطقة و نسبة البرد إليها لأنه يلزم تعلقها تحرك النفس الذي يحصل البرد بسببه و تقدم أي إلى الخير و السعادة و الكمال و في القاموس الذبذبة تردد الشي‏ء المعلق في الهواء و حماية الجوار و الأهل و إيذاء الخلق و التحريك و قال تكرم عنه تنزه و قال الطرد الإبعاد و قال خسأ الكلب طرده و صمت للإفك أي عنه و شرة الشباب بالكسر نشاطه و الرزانة الوقار و الارتداع الانزجار و لا يبعد أن يكون مكان الضيعة الضعة كما مر في كتاب العقل و في القاموس الصلف بالتحريك التكلم بما يكرهه صاحبك   و التمدح بما ليس عندك أو مجاوزة حد الظرف و الادعاء فوق ذلك تكبرا انتهى و المنالة لعل المراد بها الدرجة التي تنال بها أشرف المقاصد من القرب و الفوز و السعادة من النيل الإصابة و الإخبات الخشوع و الخضوع للرب تعالى و الحظوة بالضم و الكسر المكانة و المنزلة و الفلح بالمهملة محركة و الفلاح الفوز و النجاة و البقاء في الخير و بالمعجمة بالفتح الظفر و الفوز و الاسم بالضم و الزكاية النمو و الطهارة و في بعض النسخ الركانة بالراء المهملة و النون و هي العلو و الرفعة و الوقار و لعله أصوب و في القاموس معض من الأمر كفرح غضب و شق عليه فهو ماعض و معض و أمعضه و معضه تمعيضا فامتعض. أقول إنما لم نعط شرح هذا الخبر حقه لأنه من الأخبار العامية المنسوبة إلى أهل الكتاب و قد مر قريب منه في كتاب العقل و شرحناه هناك بما ينفع في هذا المقام

2-  الخصال، عن محمد بن موسى بن المتوكل عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد الأشعري عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي عن علي بن الحسن الطاطري عن سعيد بن محمد عن درست عن أبي الأصبغ عن أبي عبد الله ع قال بني الجسد على أربعة أشياء الروح و العقل و الدم و النفس فإذا خرج الروح تبعه العقل فإذا رأى الروح شيئا حفظه عليه العقل و بقي الدم و النفس

 بيان كأن المراد بالروح النفس الناطقة و بالعقل الحالات و الصفات الحالة فيها و لا بد لها منها في العلوم و الإدراكات فإذا فارق الروح البدن تبعتها تلك الأحوال لأنها في البرزخ لا تفارقها العلوم و المعارف بل تترقى فيها كما يظهر من الأخبار و بالنفس الروح الحيوانية فهي مع الدم الحامل لها تبقيان في البدن و تضمحلان و قوله فإذا رأى الروح أي بعد مفارقة البدن و الرؤية بمعنى العلم أو بعين الجسد المثالي

    -3  الخصال، عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن سنان عن المفضل عن أبي عبد الله ع قال قوام الإنسان و بقاؤه بأربعة بالنار و النور و الريح و الماء فبالنار يأكل و يشرب و بالنور يبصر و يعقل و بالريح يسمع و يشم و بالماء يجد لذة الطعام و الشراب فلو لا النار في معدته لما هضمت الطعام و الشراب و لو لا النور في بصره لما أبصر و لا عقل و لو لا الريح لما التهبت نار المعدة و لو لا الماء لم يجد لذة الطعام و الشراب قال و سألته عن النيران فقال النيران أربعة نار تأكل و تشرب و نار تأكل و لا تشرب و نار تشرب و لا تأكل و نار لا تأكل و لا تشرب فالنار التي تأكل و تشرب فنار ابن آدم و جميع الحيوان و التي تأكل و لا تشرب فنار الوقود و التي تشرب و لا تأكل فنار الشجرة و التي لا تأكل و لا تشرب فنار القداحة و الحباحب

 بيان فبالنار يأكل و يشرب أي بالحرارة الغريزية التي تتولد من النار و يسمونها نار الله و المراد بالنور إما نور البصر أو الأعم منه و من سائر القوى و المشاعر فإن النور ما يصير سببا لظهور الأشياء كما عرفت مرارا و بالريح يسمع و يشم لأن الهواء حامل للصوت و الكيفيات المشمومة و بالماء يجد لذة الطعام و الشراب أي الماء الذي في الفم فإنه الموصل للكيفيات المذوقة إلى الذائقة كما مر فلو لا النار في معدته أي الحرارة المفرطة فنار ابن آدم أي الحرارة الغريزية فإنها الداعية إلى الأكل و الشرب و تحيل المأكول و المشروب فنار الوقود أي النيران التي توقدها الناس فإنها تأكل الحطب و كل ما تقع فيه أي تحيلها و تكسرها و لا تشرب لأن الماء غالبا يطفئها و التي تشرب و لا تأكل فنار الشجرة أي النار التي تورى من الشجر الأخضر كما مر في تفسير قوله تعالى الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فإنها تشرب الماء الذي يسقي الشجر و لا تأكل أي لا يحيل شيئا ترد عليه بحرارتها   و قد مر الكلام فيها و في القاموس قدح بالزند رام الإيراء به كاقتدح و المقدح و القداح و المقداح حديدته و القداح و القداحة حجره و قال الجوهري الحباحب اسم رجل بخيل كان لا يوقد إلا نارا ضعيفة مخافة الضيفان فضربوا بها المثل حتى قالوا نار الحباحب لما تقدحه الخيل بحوافرها انتهى و لعل المعنى أنها لما كانت تخرج من بين الحديد و الحجر و لا ينفذ الماء فيهما و لا يحيلان شيئا فكأنهما لا تأكل و لا تشرب و قد مر الكلام فيه من باب النار

4-  العيون، عن هاني بن محمد بن محمود العبدي عن أبيه بإسناده رفعه أن موسى بن جعفر ع دخل على الرشيد فقال له الرشيد يا ابن رسول الله أخبرني عن الطبائع الأربع فقال موسى ع أما الريح فإنه ملك يداري و أما الدم فإنه عبد عارم و ربما قتل العبد مولاه و أما البلغم فإنه خصم جدل إن سددته من جانب انفتح من آخر و أما المرة فإنها أرض إذا اهتزت رجفت بما فوقها فقال له هارون يا ابن رسول الله تنفق على الناس من كنوز الله و رسوله

 بيان يحتمل أن يكون المراد بالريح المرة الصفراء لحدتها و لطافتها و سرعة تأثيرها فينبغي أن يدارى لئلا تغلب و تهلك أو المراد بها الروح الحيوانية و بالمرة الصفراء و السوداء معا فإنه تطلق عليهما المرة فيكون اصطلاحا آخر في الطبائع و تقسيما آخر لها و العارم سيئ الخلق الشديد يقال عرم الصبي علينا أي أشر و مرح أو بطر أو فسد و لعل المعنى أنه خادم للبدن نافع له لكن ربما كانت غلبته سببا للهلاك فينبغي أن يصلح و يكون الإنسان على حذر منه فإنه خصم جدل كناية عن بطء علاجه و عدم اندفاعه بسهولة إذا اهتزت أي غلبت و تحركت رجفت بما فوقها كما في حمى النائبة من الغب و الربع و غيرهما فإنها تزلزل البدن و تحركها و رأيت مثل هذا الكلام في كتب الأطباء و الحكماء الأقدمين

    -5  العيون، و العلل، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن غير واحد عن أبي طاهر بن أبي حمزة عن أبي الحسن الرضا ع قال الطبائع أربع فمنهن البلغم و هو خصم جدل و منهن الدم و هو عبد و ربما قتل العبد سيده و منهن الريح و هو ملك يدارى و منهن المرة و هيهات و هيهات هي الأرض إذا ارتجت ارتجت بما عليها

6-  العلل، عن علي بن أحمد عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي عن موسى بن عمران النخعي عن عمه الحسين بن يزيد عن إسماعيل بن أبي زياد السكوني قال قال أبو عبد الله ع إنما صار الإنسان يأكل و يشرب بالنار و يبصر و يعمل بالنور و يسمع و يشم بالريح و يجد لذة الطعام و الشراب بالماء و يتحرك بالروح و لو لا أن النار في معدته ما هضمت أو قال حطمت الطعام و الشراب في جوفه و لو لا الريح ما التهبت نار المعدة و لا خرج الثفل من بطنه و لو لا الروح ما تحرك و لا جاء و لا ذهب و لو لا برد الماء لاحترقه نار المعدة و لو لا النور ما أبصر و لا عقل فالطين صورته و العظم في جسده بمنزلة الشجر في الأرض و الدم في جسده بمنزلة الماء في الأرض و لا قوام للأرض إلا بالماء و لا قوام لجسد الإنسان إلا بالدم و المخ دسم الدم و زبده فهكذا الإنسان خلق من شأن الدنيا و شأن الآخرة فإذا جمع الله بينهما صارت حياته في الأرض لأنه نزل من شأن السماء إلى الدنيا فإذا فرق الله بينهما صارت تلك الفرقة الموت ترد شأن الأخرى إلى السماء فالحياة في الأرض و الموت في السماء   و ذلك أنه يفرق بين الأرواح و الجسد فردت الروح و النور إلى القدرة الأولى و ترك الجسد لأنه من شأن الدنيا و إنما فسد الجسد في الدنيا لأن الريح تنشف الماء فييبس فيبقى الطين فيصير رفاتا و يبلى و يرجع كل إلى جوهره الأول و تحركت الروح بالنفس حركتها من الريح فما كان من نفس المؤمن فهو نور مؤيد بالعقل و ما كان من نفس الكافر فهو نار مؤيد بالنكراء فهذه صورة نار و هذه صورة نور و الموت رحمة من الله عز و جل لعباده المؤمنين و نقمة على الكافرين و لله عقوبتان إحداهما من أمر الروح و الأخرى تسليط بعض الناس على بعض فما كان من قبل الروح فهو السقم و الفقر و ما كان من تسليط فهو النقمة و ذلك قوله تعالى وَ كَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ من الذنوب فما كان من ذنب الروح من ذلك سقم و فقر و ما كان من تسليط فهو النقمة و كل ذلك للمؤمن عقوبة له في الدنيا و عذاب له فيها و أما الكافر فنقمة عليه في الدنيا و سوء العذاب في الآخرة و لا يكون ذلك إلا بذنب و الذنب من الشهوة و هي من المؤمن خطأ و نسيان و أن يكون مستكرها و ما لا يطيق و ما كان في الكافر فعمد و جحود و اعتداء و حسد و ذلك قول الله عز و جل كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ

 بيان أو قال الترديد من الراوي و الحطم الكسر و لو لا الريح أي التي تدخل المعدة مع الطعام و الشراب أو المتولدة في المعدة أو الالتهاب من الأولى و خروج الثفل من الثانية كما ذكر الأطباء أن الرياح المتولدة فيها تعين على إحدار الثفل فالطين صورته أي مادته التي تقبل صورته و قال الفيروزآبادي و تستعمل الصورة بمعنى النوع و الصفة خلق من شأن الدنيا أي البدن و شأن الآخرة أي الروح فإذا جمع الله بينهما أي بين النشأتين صارت حياته في الأرض أي تعلقت روحه السماوية   بالجسد الأرضي فتدخل فيه على الجسمية أو تظهر آثارها في الأرض بتوسط البدن على التجرد ترد شأن الآخرة أي الروح إلى السماء فالحياة في الأرض أي بسبب كون الروح أو تعلقها في الأرض و الموت في السماء أي بسبب عروج الروح إلى السماء أو الروح في حال الحياة في الأرض و بعد الموت في السماء فردت الروح و النور إلى القدرة الأولى أي إلى عالم الأرواح التي هي أولى مخلوقاته تعالى و في بعض النسخ إلى القدس الأولى أي إلى عوالم القدس الأولى و يرجع كل أي من العناصر إلى جوهره الأول قبل الامتزاج أو كل من الروح و البدن إلى الجوهر الأول و تحركت الروح بالنفس كأن المراد بالروح هنا الحيوانية و بالنفس الناطقة أي عند الموت تتحرك الروح إلى السماء بسبب حركة النفس أو قطع تعلقها كحركة الروح في حال الحياة في البدن من الريح التي هي النفس أو المراد حركتها في حال الحياة أي الروح الحيوانية إنما تتحرك و تجري في مجاري البدن بسبب النفس حركتها التي بسبب الريح و التنفس و يمكن أن يقرأ بالنفس بالتحريك أي حركة الروح الحيوانية تابعة للنفس كما أن النفس و تحركه تابع للريح فيرتكب تأويل في تأنيث الضمير كالأنفاس و نحوه و على هذا يحتمل وجها آخر بأن يكون المراد خروج الحيوانية بالنفس و خروجه كحركة الروح بالريح إلى السماء بعد خروجها و الروح في قوله فردت الروح يمكن أيضا حملها على الحيوانية فالمراد بالنور الناطقة و يدل عليه قوله فهو نور مؤيد بالعقل و إذا حملناها على الناطقة فالمراد بالنور كمالاتها و علمها و إدراكاتها و الأول في أكثر أجزاء الخبر أظهر و النكراء بالفتح الحيل و الخداع و الفطنة في الباطل قال في القاموس النكر و النكارة و النكراء و النكر بالضم الدهاء و الفتنة و المنكر و قد مر في الحديث أنها شبهة بالعقل و ليست به. قوله إحداهما من الروح أي ما يصيب روحه من الآلام الجسمانية و الروحانية

    بلا توسط أحد و الأخرى ما يصيبه بسبب تسلط الغير عليه فهو النقمة أي ينتقم الله منه بغيره و عقوبة المؤمن منحصرة فيهما و أما الكافر فيجتمع عليه عقاب الدنيا و عذاب الآخرة و يحتمل أن تكون أن مخففة و كان المعنى إنما يفعله باستكراه الشهوة و عدم طاقته لمقاومتها لعسر تركها عليه لا بسبب اختياره و خروجه عن التكليف و أما الكافر فيفعلها عمدا و اعتداء و استهانة بأمر الله و نهيه كما ورد في خبر آخر فإذا وقع الاستخفاف فهو الكفر. حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ الآية في سورة البقرة هكذا وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً قال البيضاوي علة ود مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ يجوز أن يتعلق بود أي تمنوا ذلك من عند أنفسهم و تشهيهم لا من قبل التدين و الميل مع الحق أو بحسدا أي حسدا بالغا منبعثا من أصل نفوسهم انتهى و ظاهر الخبر أن الاستشهاد بقوله مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ أي باختيارهم لا باستكراه و اضطرار و خطإ و نسيان فيدل على أن المؤمن لا يرتكب المعصية إلا على أحد هذه الوجوه فالمراد بالمؤمن الكامل و هو الذي لا يخاف عليه العذاب في الآخرة و على ما أولنا يشمل غيره أيضا و لا يخفى ما في الخبر من التشويش و كأنه من الرواة و هو مع ذلك مشتمل على رموز خفية و أسرار غيبية و حكم ربانية و حقائق إيمانية لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَ هُوَ شَهِيدٌ

7-  العلل، عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن عمرو بن أبي المقدام عن جابر عن أبي عبد الله ع قال قال أمير المؤمنين ع إن الله تبارك و تعالى لما أحب أن يخلق خلقا بيده و ذلك بعد ما مضى من الجن و النسناس في الأرض سبعة آلاف سنة قال و لما كان من شأن الله أن يخلق آدم للذي أراد من التدبير و التقدير لما هو مكونه في السماوات و الأرض و علمه لما أراد من ذلك كله كشط عن أطباق السماوات ثم قال للملائكة انظروا إلى أهل   الأرض من خلقي من الجن و النسناس فلما رأوا ما يعملون فيها من المعاصي و سفك الدماء و الفساد في الأرض بغير الحق عظم ذلك عليهم و غضبوا لله و أسفوا على أهل الأرض و لم يملكوا غضبهم أن قالوا يا رب أنت العزيز القادر الجبار القاهر العظيم الشأن و هذا خلقك الضعيف الذليل في أرضك يتقلب في قبضتك و يعيشون برزقك و يستمتعون بعافيتك و هم يعصونك بمثل هذه الذنوب العظام لا تأسف و لا تغضب و لا تنتقم لنفسك لما تسمع منهم و ترى و قد عظم ذلك علينا و أكبرناه فيك فلما سمع الله عز و جل من الملائكة قال إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً لي عليهم فيكون حجة لي عليهم في أرضي على خلقي فقالت الملائكة سبحانك أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ قالوا فاجعله منا فإنا لا نفسد في الأرض و لا نسفك الدماء قال الله جل جلاله يا ملائكتي إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ إني أريد أن أخلق خلقا بيدي أجعل ذريته أنبياء مرسلين و عبادا صالحين و أئمة مهتدين أجعلهم خلفائي على خلقي في أرضي ينهونهم عن معاصي و ينذرونهم عذابي و يهدونهم إلى طاعتي و يسلكون بهم طريق سبيلي و أجعلهم حجة لي عُذْراً أَوْ نُذْراً و أبين النسناس من أرضي فأطهرها منهم و أنقل مردة الجن العصاة عن بريتي و خلقي و خيرتي و أسكنهم في الهواء و في أقطار الأرض لا يجاورون نسل خلقي و أجعل بين الجن و بين خلقي حجابا و لا يرى نسل خلقي الجن و لا يؤانسونهم و لا يخالطونهم فمن عصاني من نسل خلقي الذين اصطفيتهم لنفسي أسكنتهم مساكن العصاة و أوردتهم مواردهم و لا أبالي   فقالت الملائكة يا ربنا افعل ما شئت لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ فقال الله جل جلاله للملائكة إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ و كان ذلك من أمر الله عز و جل تقدم إلى الملائكة في آدم من قبل أن يخلقه احتجاجا منه عليهم قال فاغترف تبارك و تعالى غرفة من الماء العذب الفرات فصلصلها فجمدت ثم قال لها منك أخلق النبيين و المرسلين و عبادي الصالحين و الأئمة المهتدين الدعاة إلى الجنة و أتباعهم إلى يوم القيامة و لا أبالي و لا أسأل عما أفعل وَ هُمْ يُسْئَلُونَ يعني بذلك خلقه أنه سيسألهم ثم اغترف غرفة من الماء المالح الأجاج فصلصلها فجمدت ثم قال لها منك أخلق الجبارين و الفراعنة و العتاة إخوان الشياطين و الدعاة إلى النار يوم القيامة و أتباعهم و لا أبالي و لا أسأل عما أفعل وَ هُمْ يُسْئَلُونَ قال و شرط في ذلك البداء و لم يشترط في أصحاب اليمين البداء ثم خلط الماءين فصلصلهما ثم ألقاهما قدام عرشه و هما ثلة من طين ثم أمر الملائكة الأربعة الشمال و الدبور و الصبا و الجنوب أن جولوا على هذه السلالة الطين و أبرءوها و أنشئوها ثم جزءوها و فصلوها و أجروا فيها الطبائع الأربعة الريح و المرة و الدم و البلغم قال فجالت الملائكة عليها و هي الشمال و الصبا و الجنوب و الدبور فأجروا فيها الطبائع الأربعة قال و الريح في الطبائع الأربعة في البدن من ناحية الشمال قال و البلغم في الطبائع الأربعة في البدن من ناحية الصبا قال و المرة في الطبائع الأربعة في البدن من ناحية الدبور قال و الدم في الطبائع الأربعة في البدن من ناحية الجنوب قال فاستقلت النسمة و كمل البدن قال فلزمه

   من ناحية الريح حب الحياة و طول الأمل و الحرص و لزمه من ناحية البلغم حب الطعام و الشراب و اللين و الرفق و لزمه من ناحية المرة الغضب و السفه و الشيطنة و التجبر و التمرد و العجلة و لزمه من ناحية الدم حب النساء و اللذات و ركوب المحارم و الشهوات قال عمرو أخبرني جابر أن أبا جعفر ع قال وجدناه في كتاب من كتب علي ع

 تفسير علي بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن محبوب عن عمرو بن أبي المقدام عن ثابت الحداد عن جابر الجعفي عن أبي جعفر ع مثله بأدنى تغيير و قد أوردناه بلفظ التفسير في باب خلق آدم ع بيان لما هو مكونه متعلق بالتقدير و التدبير على التنازع و علمه معطوف على الذي أو على شأن الله أو علمه بصيغة الماضي عطفا على هو مكونه و لما أراد بالتشديد تأكيد لقوله لما أحب لبعد العهد بين الشرط و الجزاء و قال الجوهري كشطت الجل عن ظهر الفرس و الغطاء عن الشي‏ء إذا كشفته عنه و في المصباح أسف غضب وزنا و معنى أن قالوا أي إلى أن قالوا و أن ليس في التفسير و فيه يتقلبون و هو أظهر و ما هنا لرعاية إفراد لفظ الخلق و فيه خليفة يكون حجة لي في أرضي على خلقي بيدي أي بقدرتي و أبين النسناس أي أخرجهم و في بعض النسخ أبير أي أهلك و في التفسير أبيد بمعناه و المردة جمع المارد و هو العاتي و في الصحاح الصلصال الطين الحر خلط بالرمل فصار يتصلصل إذا جف و الحمأ الطين الأسود و المسنون المتغير المنتن و قال ثلة البئر ما أخرج من ترابها و الثلة بالضم الجماعة من الناس انتهى و في التفسير سلالة من طين و سلالة الشي‏ء ما استل منه أن جولوا من الجولان و في التفسير أن يجولوا و أبروها من البري بمعنى النحت أو بالهمز أي اجعلوها مستعدة لأن أبرأها و أنشئها مجازا و البر التراب و يمكن   أن يكون من التأبير و في القاموس أبر النخل و الزرع كأبره أصلحه و لعل المراد بالريح المرة الصفراء و بالمرة السوداء كما مر أو بالعكس أو المراد بالريح الروح الحيواني و بالمرة المرتان و في التفسير الصغير لعلي بن إبراهيم و أجروا فيها الطبائع الأربع المرتين و الدم و البلغم إلى قوله فالدم من ناحية الصبا و البلغم من ناحية الشمال و المرة الصفراء من ناحية الجنوب و المرة السوداء من ناحية الدبور

8-  العلل، عن محمد بن موسى بن المتوكل عن عبد الله بن جعفر الحميري عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن بعض أصحابنا رفعه قال قال أبو عبد الله ع عرفان المرء نفسه أن يعرفها بأربع طبائع و أربع دعائم و أربعة أركان و طبائعه الدم و المرة و الريح و البلغم و دعائمه العقل و من العقل الفطنة و الفهم و الحفظ و العلم و أركانه النور و النار و الروح و الماء فأبصر و سمع و عقل بالنور و أكل و شرب بالنار و جامع و تحرك بالروح و وجد طعم الذوق و الطعم بالماء فهذا تأسيس صورته فإذا كان عالما حافظا ذكيا فطنا فهما عرف في ما هو و من أين تأتيه الأشياء و لأي شي‏ء هو هاهنا و لما هو صائر بإخلاص الوحدانية و الإقرار بالطاعة و قد جرى فيه النفس و هي حارة و تجري فيه و هي باردة فإذا حلت به الحرارة أشر و بطر و ارتاح و قتل و سرق و نصح و استبشر و فجر و زنى و اهتز و بذخ و إذا كانت باردة اهتم و حزن و استكان و ذبل و نسي و أيس فهي العوارض التي تكون منها الأسقام فإنه سبيلها و لا يكون أول ذلك إلا لخطيئة عملها فيوافق ذلك مأكل أو مشرب في إحدى ساعات لا تكون تلك الساعة موافقة لذلك المأكل و المشرب بحال الخطيئة فيستوجب الألم من ألوان الأسقام و قال جوارح الإنسان و عروقه و أعضاؤه جنود لله   مجندة عليه فإذا أراد الله به سقما سلطها عليه فأسقمه من حيث يريد به ذلك السقم

 بيان قوله و الفهم عطف على العقل أو عد العقل أربعا باعتبار شعبه و الأول أظهر و قال الراغب في مفرداته النور الضوء المنتشر الذي يعين على الإبصار و ذلك ضربان دنيوي و أخروي فالدنيوي ضربان ضرب معقول بعين البصيرة و هو ما انتشر من الأمور الإلهية كنور العقل و نور القرآن و محسوس بعين البصر و هو ما انتشر من الأجسام النيرة كالقمر و النجوم و النيران فمن النور الإلهي قوله عز و جل قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَ كِتابٌ مُبِينٌ و قال وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ و قال وَ لكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا و قال فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ و قال نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ ثم قال و من النور الأخروي قوله يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ و قوله انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ و سمى الله نفسه نورا فقال اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ انتهى. عرف في ما هو أي فناء الدنيا و دناءتها و أحوال نفسه و ضعفه و عجزه و من أين تأتيه الأشياء أي يؤمن بالقضاء و القدر و يعلم أسباب الخير و الشر و السعادة و الشقاوة و لأي شي‏ء هو هاهنا أي في الدنيا للمعرفة و الطاعة و إلى ما هو صائر من الآخرة و قوله بإخلاص الطاعة إما حال عن فاعل عرف أي متلبسا به أو متعلق بصائر أي يعلم أن مصيره إلى الجنة إذا أخلص الوحدانية أو متعلق بالمعرفة علة لها   و الارتياح النشاط و البذخ الكبر بذخ كفرح و ذبل ذوي و ضمر بحال الخطيئة أي تلك الموافقة بسبب الخطيئة و قال الجوهري الجند الأنصار و الأعوان و فلان جند الجنود

9-  العلل، عن محمد بن موسى البرقي عن علي بن محمد ماجيلويه عن أحمد بن محمد البرقي عن أبيه عن محمد بن سنان عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله ع قال سمعته يقول لرجل اعلم يا فلان إن منزلة القلب من الجسد بمنزلة الإمام من الناس الواجب الطاعة عليهم أ لا ترى أن جميع جوارح الجسد شرط للقلب و تراجمة له مؤدية عنه الأذنان و العينان و الأنف و الفم و اليدان و الرجلان و الفرج فإن القلب إذا هم بالنظر فتح الرجل عينيه و إذا هم بالاستماع حرك أذنيه و فتح مسامعه فسمع و إذا هم القلب بالشم استنشق بأنفه فأدى تلك الرائحة إلى القلب و إذا هم بالنطق تكلم باللسان و إذا هم بالحركة سعت الرجلان و إذا هم بالشهوة تحرك الذكر فهذه كلها مؤدية عن القلب بالتحريك و كذلك ينبغي الإمام أن يطاع للأمر منه

 بيان الشرط كصرد طائفة من أعوان الولاة

10-  العلل، عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن أبي جميلة عمن ذكره عن أبي جعفر ع قال إن الغلظة في الكبد و الحياء في الريح و العقل مسكنه القلب

11-  الكافي، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن أبي نصر و الحسن بن   فضال عن أبي جميلة عن أبي عبد الله ع قال الحزم في القلب و الرحمة و الغلظة في الكبد و الحياء في الرئة و في حديث آخر لأبي جميلة العقل مسكنه في القلب

 بيان الحزم ضبط الأمر و الأخذ فيه بالثقة و نسبته إلى القلب إما لأن المراد بالقلب النفس و هو ظاهر و إما لأن لقوة القلب مدخلا في حسن التدبير و الرحمة و الغلظة منسوبتان إلى الأخلاط المتولدة في الكبد فلذا نسبهما إليه و يحتمل أن يكون لبعض صفاته مدخلا فيهما كما هو المعروف بين الناس و كذا الرئة و لا يبعد أن يكون الريح في الخبر السابق تصحيف الرئة لاتحاد الراوي و على تقدير صحته المراد المرة السوداء أو الصفراء و الأول أنسب

12-  العلل، عن محمد بن موسى بن المتوكل عن عبد الله الحميري عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن ابن محبوب عن بعض أصحابنا رفع الحديث قال لما خلق الله عز و جل طينة آدم أمر الرياح الأربع فجرت عليها فأخذت من كل ريح طبيعتها

13-  النصوص، عن علي بن الحسن عن هارون بن موسى عن علي بن محمد بن مخلد عن الحسن بن علي بن بزيع عن يحيى بن الحسن بن فرات عن علي بن هاشم البريد عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد الله ع في صغره عند أبيه ع يا ابن رسول الله من أين الضحك قال يا محمد العقل من القلب و الحزن من الكبد و النفس من الرئة و الضحك من الطحال فقمت و قبلت رأسه

14-  الكافي، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن سنان قال سمعت   أبا الحسن ع يقول طبائع الجسم على أربعة فمنها الهواء الذي لا تحيا النفس إلا به و بنسيمه و يخرج ما في الجسم من داء و عفونة و الأرض التي قد تولد اليبس و الحرارة و الطعام و منه يتولد الدم أ لا يرى أنه يصير إلى المعدة فيغذيه حتى يلين ثم يصفو فيأخذ الطبيعة صفوه دما ثم ينحدر الثفل و الماء و هو يولد البلغم

 بيان طبائع الجسم على أربعة أي مبنى طبائع جسد الإنسان و صلاحها على أربعة أشياء و يحتمل أن يكون المراد بالطبائع ما له مدخل في قوام البدن و إن كان خارجا عنه فالمراد أنها على أربعة أقسام و يخرج ما في الجسم يدل على أن لتحرك النفس مدخلا في دفع الأدواء و رفع العفونات عن الجسد كما هو الظاهر و الأرض أي الثانية منها الأرض و هي تولد اليبس بطبعها و الحرارة بانعكاس أشعة الشمس و الكواكب عنها فلها مدخل في تولد المرة الصفراء و المرة السوداء و الطعام هذا هو الثالثة و إنما نسب الدم فقط إليها لأنها أدخل في قوام البدن من سائر الأخلاط مع عدم مدخلية الأشياء الخارجة كثيرا فيها و الماء هو الرابعة و مدخليتها في تولد البلغم ظاهرة

15-  الإختصاص، عن المعلى بن محمد عن بعض أصحابنا يرفعه إلى أبي عبد الله ع قال إن أول من قاس إبليس فقال خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ و لو علم إبليس ما خلق الله في آدم لم يفتخر عليه ثم قال إن الله عز و جل خلق الملائكة من نور و خلق الجان من النار و خلق الجن صنفا من الجان من الريح و خلق الجن صنفا من الجن من الماء و خلق آدم من صفحة الطين ثم أجرى في آدم النور   و النار و الريح و الماء فبالنور أبصر و عقل و فهم و بالنار أكل و شرب و لو لا أن النار في المعدة لم يطحن المعدة الطعام و لو لا أن الريح في جوف آدم تلهب نار المعدة لم تلتهب و لو لا أن الماء في جوف ابن آدم يطفئ حر نار المعدة لأحرقت النار جوف ابن آدم فجمع الله ذلك في آدم الخمس الخصال و كانت في إبليس خصلة فافتخر بها

16-  نهج، ]نهج البلاغة[ قال ع اعجبوا لهذا الإنسان ينظر بشحم و يتكلم بلحم و يسمع بعظم و يتنفس من خرم

17-  العلل، لمحمد بن علي بن إبراهيم رفعه قال سألته عن الموت مما هو و من أي شي‏ء هو فقال هو من الطبائع الأربع التي هي مركبة في الإنسان و هي المرتان و الدم و الريح فإذا كان يوم القيامة نزعن هذه الطبائع من الإنسان فيخلق منها الموت فيؤتى به في صورة كبش أملح أي أغبر فيذبح بين الجنة و النار فلا يكون في الإنسان هذه الطبائع الأربع فلا يموت أبدا

18-  الخصال، و العلل، عن محمد بن إبراهيم الطالقاني عن الحسن بن علي العدوي عن عباد بن صهيب عن أبيه عن جده عن الربيع صاحب المنصور قال حضر أبو عبد الله ع مجلس المنصور يوما و عنده رجل من الهند يقرأ كتب الطب فجعل أبو عبد الله ع ينصت لقراءته فلما فرغ الهندي قال له يا أبا عبد الله أ تريد مما معي شيئا قال لا فإن معي ما هو خير مما معك قال و ما هو قال أداوي الحار بالبارد و البارد بالحار و الرطب باليابس و اليابس بالرطب و أرد الأمر كله إلى الله عز و جل و أستعمل ما قاله رسول الله ص و أعلم أن المعدة بيت الداء و أن الحمية هي الدواء و أعود البدن ما اعتاد فقال الهندي و هل الطب إلا هذا فقال الصادق ع أ فتراني من كتب   الطب أخذت قال نعم قال لا و الله ما أخذت إلا عن الله سبحانه فأخبرني أنا أعلم بالطب أم أنت قال الهندي لا بل أنا قال الصادق ع فأسألك شيئا قال سل قال الصادق ع أخبرني يا هندي لم كان في الرأس شئون قال لا أعلم قال فلم جعل الشعر عليه من فوق قال لا أعلم قال فلم خلت الجبهة من الشعر قال لا أعلم قال فلم كان لها تخاطيط و أسارير قال لا أعلم قال فلم كان الحاجبان من فوق العينين قال لا أعلم قال فلم جعل العينان كاللوزتين قال لا أعلم قال فلم جعل الأنف بينهما قال لا أعلم قال فلم كان ثقب الأنف في أسفله قال لا أعلم قال فلم جعلت الشفة و الشارب من فوق الفم قال لا أعلم قال فلم احتد السن و عرض الضرس و طال الناب قال لا أعلم قال فلم جعلت اللحية للرجال قال لا أعلم قال فلم خلت الكفان من الشعر قال لا أعلم قال فلم خلا الظفر و الشعر من الحياة قال لا أعلم قال فلم كان القلب كحب الصنوبر قال لا أعلم قال فلم كانت الرئة قطعتين و جعل حركتها في موضعها قال لا أعلم قال فلم كانت الكبد حدباء قال لا أعلم قال فلم كانت الكلية كحب اللوبيا قال لا أعلم قال فلم جعل طي الركبة إلى خلف قال لا أعلم قال فلم انخصرت القدم قال لا أعلم فقال الصادق ع لكني أعلم قال فأجب فقال الصادق ع كان في الرأس شئون لأن المجوف إذا كان بلا فصل أسرع إليه الصداع فإذا جعل ذا فصول كان الصداع منه أبعد و جعل الشعر من فوقه ليوصل بوصوله الأدهان إلى الدماغ و   يخرج بأطرافه البخار منه و يرد الحر و البرد الواردين عليه و خلت الجبهة من الشعر لأنها مصب النور إلى العينين و جعل فيها التخاطيط و الأسارير ليحبس العرق الوارد من الرأس عن العين قدر ما يميطه الإنسان عن نفسه كالأنهار في الأرض التي تحبس المياه و جعل الحاجبان من فوق العينين ليردا عليهما من النور قدر الكفاية أ لا ترى يا هندي أن من غلبه النور جعل يده على عينيه ليرد عليهما قدر كفايتهما منه و جعل الأنف في ما بينهما ليقسم النور قسمين إلى كل عين سواء و كانت العين كاللوزة ليجري فيها الميل بالدواء و يخرج منها الداء و لو كانت مربعة أو مدورة ما جرى فيها الميل و ما وصل إليها دواء و لا خرج منها داء و جعل ثقب الأنف في أسفله لينزل منه الأدواء المنحدرة من الدماغ و يصعد فيها الأراييح إلى المشام و لو كان في أعلاه لما نزل داء و لا وجد رائحة و جعل الشارب و الشفة فوق الفم لحبس ما ينزل من الدماغ عن الفم لئلا يتنغص على الإنسان طعامه و شرابه فيميطه عن نفسه و جعلت اللحية للرجال ليستغنى بها عن الكشف في المنظر و يعلم بها الذكر من الأنثى و جعل السن حادا لأن به يقع العض و جعل الضرس عريضا لأن به يقع الطحن و المضغ و كان الناب طويلا ليشد الأضراس و الأسنان كالأسطوانة في البناء و خلا الكفان من الشعر لأن بهما يقع اللمس فلو كان بهما شعر ما درى الإنسان ما يقابله و يلمسه و خلا الشعر و الظفر من الحياة لأن طولهما سمج يقبح و قصهما حسن فلو كان فيهما حياة لألم الإنسان لقصهما و كان القلب كحب الصنوبر لأنه منكس فجعل

   رأسه دقيقا ليدخل في الرئة فيتروح عنه ببردها لئلا يشيط الدماغ بحره و جعلت الرئة قطعتين ليدخل بين مضاغطها فتروح عنه بحركتها و كانت الكبد حدباء لتثقل المعدة و تقع جميعها عليها فتعصرها فيخرج ما فيها من البخار و جعلت الكلية كحب اللوبيا لأن عليها مصب المني نقطة بعد نقطة فلو كانت مربعة أو مدورة لاحتبست النقطة الأولى الثانية فلا يلتذ بخروجها الحي إذا المني ينزل من فقار الظهر إلى الكلية فهي كالدودة تنقبض و تنبسط ترميه أولا فأولا إلى المثانة كالبندقة من القوس و جعل طي الركبة إلى خلف لأن الإنسان يمشي إلى ما بين يديه فتعتدل الحركات و لو لا ذلك لسقط في المشي و جعلت القدم متخصرة لأن الشي‏ء إذا وقع على الأرض جميعه ثقل ثقل حجر الرحى إذا كان على حرفه دفعه الصبي و إذا وقع على وجهه صعب ثقله على الرجل فقال الهندي من أين لك هذا العلم فقال ع أخذته عن آبائي ع عن رسول الله ص عن جبرئيل ع عن رب العالمين جل جلاله الذي خلق الأجساد و الأرواح فقال الهندي صدقت و أنا أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله و عبده و أنك أعلم أهل زمانك

 بيان قال في القاموس المعدة ككلمة و بالكسر موضع الطعام و قال الجوهري الشأن واحد الشئون و هي مواصل قبائل الرأس و ملتقاها و منها تجي‏ء الدموع و قال السرر أيضا واحد أسرار الكف و الجبهة و هي خطوطها و جمع الجمع أسارير و الذي يظهر من كلام اللغويين أن السن و الضرس مترادفان و يظهر من إطلاقات الأخبار و غيرها اختصاص السن بالمقاديم الحداد و الضرس بالمآخير العراض و في المصباح حدب الإنسان من باب تعب إذا خرج ظهره و ارتفع عن الاستواء و الرجل أحدب و المرأة حدباء و قال الجوهري رجل مخصر القدمين إذا كانت قدمه تمس الأرض من مقدمها   و عقبها و تخوى أخمصها مع دقة فيه قوله ع ليوصل بوصوله أي بسبب وصول الشعر إلى الدماغ تصل إليه الأدهان أو هو جمع الوصل إلى منابته و أصوله و لا يبعد أن يكون في الأصل بأصوله فصحف بقرينة مقابلة أطرافه قوله ع لأنها مصب النور و ذلك لأن طول الشعر من الجانب الأعلى إليهما و أكثر الأنوار السماوية ترد من الجهة العليا أو أن الأعصاب التي ترد منها الروح إليهما في باطن الجبهة و مع نبات الشعر تصل منابتها إلى تلك الأعصاب فتمنع ورود الروح التي هي محل النور أو أنه مزاج الروح الحامل للنور حار رطب و الشعر يتولد من المواد الباردة اليابسة فلا يتوافقان و الأول أظهر و يقال ماطه يميطه و أماطه أي نحاه و أبعده و في القاموس الريح معروف و الجمع أرواح و أرياح و رياح و ريح كعنب و جمع الجمع أراويح و أراييح قوله ع فيميطه عن نفسه أي فيحتاج إلى أن يميط ما ينزل من الدماغ في أثناء الأكل و الشرب عن نفسه أو فيميط الشارب و الشفة ما ينزل عنه و هو بعيد ليستغنى بها عن الكشف أي عن كشف العورة لاستعلام كونه ذكرا أم أنثى و قوله في المنظر متعلق بقوله يستغنى لا بالكشف ليشد الأضراس و في بعض النسخ ليسند و في المصباح السند بفتحتين ما استندت إليه من حائط و غيره يقال أسندته إلى الشي‏ء فسند هو انتهى و على التقديرين لعل وجه كونه سندا من بين سائر الأسنان أنه لطوله يمنع وقوع الأسنان بعضه على بعض في بعض الأحوال كما أن الأسطوانة تمنع السقف من السقوط أو أنها لطولها و قوتها تكون أثبت من غيرها فتمنعها من التزلزل و السقوط لاتصالها كالأسطوانة التي تنصب في الأرض و يجعل بينها التخاتج فتمسكها و يؤيده أن هذا السن يسقط غالبا بعد سائرها فهو أقوى منها و أثبت. ما يقابله كأنه كان يعامله فصحف مع أن أكثر ما يلمس يكون مقابلا ليدخل أي القلب بين مضاغطها أي بين قطعتي الرئة فتروح أي الرئة عنه أي القلب و في القاموس شاط يشيط شيطا احترق و فلان هلك انتهى و استعيرت   النقطة هنا للشي‏ء القليل و القطرة و الاحتباس يكون لازما و متعديا إلى الثانية أي منضمة إليها و هذا موافق لما مر من مذهب جالينوس في ذلك و كأنه كان مكان المثانة الأنثيين لأنهم لم يذكروا مرور المني على المثانة كما عرفت إلا أن يكون المراد رميه قريبا من المثانة كما مر و قال الشيخ في القانون في ذكر أوعية المني و هذه الأوعية تصعد أولا ثم تتصل برقبة المثانة أسفل من مجرى البول مع أن أكثر ما ذكره مبني على الظن و التخمين فإن صح الخبر و ضبطه كان قولهم في ذلك باطلا قوله ع يمشي إلى ما بين يديه أي يميل في المشي إلى قدامه فلو كان طي الركبة من القدام لانثنى أيضا من هذا الجانب فيسقط قوله إذا وقع على الأرض جميعه و ذلك لامتناع الخلأ لأنه إذا لم يكن بين السطحين هواء أصلا و انطبقتا لم يكن رفع أحدهما عن الآخر فيرتفعان معا و لو كان بينهما هواء قليل يرتفع لكن يعسر لتوقفه على تخلخل هذا الهواء و دخول الهواء من خارج أيضا فتخصر القدم يوجب وجود هواء كثير تحت القدم فإذا رفع القدم يدخل تحت ما لصق بالأرض من قدام القدم و عقبه الهواء من الأطراف بسرعة و سهولة فلا يعسر رفعه

19-  العلل، عن الحسين بن أحمد عن أبيه عن محمد بن أحمد عن أبي عبد الله الداري عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن سفيان الحريري عن معاذ عن بشر بن يحيى العامري عن ابن أبي ليلى قال دخلت على أبي عبد الله ع و معي نعمان فقال أبو عبد الله ع من الذي معك فقلت جعلت فداك هذا رجل من أهل الكوفة له نظر و نفاذ رأي يقال له نعمان قال فلعل هذا   الذي يقيس الأشياء برأيه فقلت نعم قال يا نعمان هل تحسن أن تقيس رأسك فقال لا فقال ما أراك تحسن شيئا و لا فرضك إلا من عند غيرك فهل عرفت كلمة أولها كفر و آخرها إيمان قال لا قال فهل عرفت ما الملوحة في العينين و المرارة في الأذنين و البرودة في المنخرين و العذوبة في الشفتين قال لا قال ابن أبي ليلى فقلت جعلت فداك فسر لنا جميع ما وصفت قال حدثني أبي عن آبائه عن رسول الله ص أن الله تبارك و تعالى خلق عيني ابن آدم من شحمتين فجعل فيهما الملوحة و لو لا ذلك لذابتا فالملوحة تلفظ ما يقع في العين من القذى و جعل المرارة في الأذنين حجابا من الدماغ فليس من دابة تقع فيه إلا التمست الخروج و لو لا ذلك لوصلت إلى الدماغ و جعلت العذوبة في الشفتين منا من الله عز و جل على ابن آدم يجد بذلك عذوبة الريق و طعم الطعام و الشراب و جعل البرودة في المنخرين لئلا تدع في الرأس شيئا إلا أخرجته قلت فما الكلمة التي أولها كفر و آخرها إيمان قال قول الرجل لا إله إلا الله أولها كفر و آخرها إيمان ثم قال يا نعمان إياك و القياس فقد حدثني أبي عن آبائه عن رسول الله ص أنه قال من قاس شيئا بشي‏ء قرنه الله عز و جل مع إبليس في النار فإنه أول من قاس على ربه فدع الرأي و القياس فإن الدين لم يوضع بالقياس و بالرأي

 بيان أقول قد مرت أخبار كثيرة في هذا المعنى في باب البدع و المقاييس و في بعضها جعل الأذنين مرتين لئلا يدخلها شي‏ء إلا مات لو لا ذلك لقتل ابن آدم الهوام و جعل الشفتين عذبتين ليجد ابن آدم طعم الحلو و المر و جعل العينين مالحتين لأنهما شحمتان و لو لا ملوحتهما لذابتا و جعل الأنف باردا سائلا لئلا يدع في الرأس داء إلا أخرجه و لو لا ذلك لثقل الدماغ و تدود و في بعضها و جعل الماء في المنخرين   ليصعد منه النفس و ينزل و يجد منه الريح الطيبة من الخبيثة قوله ع و لا فرضك أي ما أراك تحسن ما افترض الله عليك إلا إذا أخذته من غيرك و قوله فالملوحة تلفظ علة أخرى و جعل البرودة أي الماء البارد فإن السيلان علة لإخراج ما في الرأس لا البرودة و هي علة لعدم سيلان الدماغ كما أشير إليه في الخبر الآخر

20-  العلل، عن علي بن أحمد بن محمد عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي عن محمد بن إسماعيل البرمكي عن علي بن العباس عن عمر بن عبد العزيز قال حدثنا هشام بن الحكم قال سألت أبا عبد الله ع فقلت ما العلة في بطن الراحة لا ينبت فيه الشعر و ينبت في ظاهرها فقال لعلتين أما إحداهما فلأن الناس يعلمون الأرض التي تداس و يكثر عليها المشي لا تنبت شيئا و العلة الأخرى لأنها جعلت من الأبواب التي تلاقي الأشياء فتركت لا ينبت عليها الشعر لتجد مس اللين و الخشن و لا يحجبها الشعر عن وجود الأشياء و لا يكون بقاء الخلق إلا على ذلك

 بيان الأرض التي تداس كأنه علة لعدم نبات الشعر بعد الكبر لا ابتداء و الدوس الوطء بالرجل من الأبواب التي تلاقي الأشياء أي من أسباب العلم التي تدرك بها الأشياء بالملاقاة أو من الأعضاء التي تلاقي الأشياء كثيرا عن وجود الأشياء أي وجدان كيفياتها في القاموس وجد المطلوب كوعد وجدا و وجودا و وجدانا و إجدانا بكسرهما أدركه

21-  العلل، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن محمد بن علي عن عيسى بن عبد الله القرشي رفعه قال دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله ع فقال له يا أبا حنيفة بلغني أنك تقيس قال نعم أنا أقيس فقال ويلك لا تقس فإن أول من قاس إبليس قال خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ قاس   ما بين النار و الطين و لو قاس نورية آدم بنور النار عرف فضل ما بين النورين و صفاء أحدهما على الآخر و لكن قس لي رأسك مع جسدك أخبرني عن أذنيك ما لهما مرتان و عن عينيك ما لهما مالحتان و عن شفتيك ما لهما عذبتان و عن أنفك ما له بارد فقال لا أدري فقال له أنت لا تحسن تقيس رأسك تقيس الحلال و الحرام فقال يا ابن رسول الله أخبرني كيف ذلك فقال إن الله عز و جل جعل الأذنين مرتين لئلا يدخلهما شي‏ء إلا مات و لو لا ذلك لقتلت الدواب ابن آدم و جعل العينين مالحتين لأنها شحمتان و لو لا ملوحتهما لذابتا و جعل الشفتين عذبتين ليجد ابن آدم طعم الحلو و المر و جعل الأنف باردا سائلا لئلا يدع في الرأس داء إلا أخرجه و لو لا ذلك لثقل الدماغ و تدود

 و قال البرقي و روى بعضهم أنه قال في الأذنين لامتناعهما من العلاج و قال في موضع ذكر الشفتين الريق فإنما عذب الريق ليميز به بين الطعام و الشراب و قال في ذكر الأنف لو لا برد ماء الأنف و إمساكه الدماغ لسال الدماغ من حرارته

 و منه عن أبيه عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن إبراهيم بن هاشم عن أحمد بن عبد الله العقيلي عن عيسى بن عبد الله القرشي رفع الحديث و ذكر مثله إلى قوله و تدود

بيان و تدود أي تولد فيه الدود لامتناعهما من العلاج أي لتكونا بطبعهما آبيتين ممتنعتين عن أن تعالج الدواب فيهما بعد دخولهما بل تموت أو تخرج أو لأنهما لكونهما غائرتين في الرأس يشكل علاجهما إذا لذعتهما هامة أو دابة فينفذ السم سريعا إلى الدماغ فيهلك

    -22  المناقب، مما أجاب الرضا ع بحضرة المأمون لضباع بن نصر الهندي و عمران الصابي عن مسائلهما قالا فما بال الرجل يلتحي دون المرأة قال ع زين الله الرجال باللحى و جعلها فصلا يستدل بها على الرجال و النساء

23-  مجالس الشيخ، عن جماعة عن أبي المفضل عن جعفر بن محمد الموسوي عن عبيد الله بن أحمد بن نهيك عن محمد بن أبي عمير عن سبرة بن يعقوب بن شعيب عن أبيه عن الصادق عن آبائه ع قال قال رسول الله ص في ابن آدم ثلاثمائة و ستون عرقا منها مائة و ثمانون متحركة و مائة و ثمانون ساكنة فلو سكن المتحرك لم يبق الإنسان و لو تحرك الساكن لهلك الإنسان الخبر

 المكارم، عن علي ع عنه ص مثله

24-  العلل، لمحمد بن علي بن إبراهيم العلة في زيادة ضلع المرأة على ضلع الرجل لمكان الجنين كي يتسع جوفها للولد

25-  الكافي، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبي الحسن الأنباري عن أبي عبد الله ع قال كان رسول الله ص يحمد الله في كل يوم ثلاثمائة و ستين مرة عدد عروق الجسد يقول الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ كثيرا على كل حال

26-  و منه، عن علي بن إبراهيم عن أبيه و حميد بن زياد عن الحسن بن محمد جميعا عن أحمد بن الحسن الميثمي عن يعقوب بن شعيب قال سمعت أبا عبد الله ع يقول قال رسول الله ص إن في ابن آدم ثلاثمائة و ستين عرقا منها مائة و ثمانون متحركة   و منها مائة و ثمانون ساكنة فلو سكن المتحرك لم ينم و لو تحرك الساكن لم ينم و كان رسول الله ص إذا أصبح قال الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ كثيرا على كل حال ثلاثمائة و ستين مرة و إذا أمسى قال مثل ذلك

 العلل، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن الميثمي مثله

27-  المناقب لابن شهرآشوب، عن سالم الضرير أن نصرانيا سأل الصادق ع عن أسرار الطب ثم سأله عن تفصيل الجسم فقال ع إن الله خلق الإنسان على اثني عشر وصلا و على مائتين و ثمانية و أربعين عظما و على ثلاثمائة و ستين عرقا فالعروق هي التي تسقي الجسد كله و العظام تمسكها و اللحم يمسك العظام و العصب يمسك اللحم و جعل في يديه اثنين و ثمانية عظما في كل يد أحد و أربعون عظما منها في كفه خمسة و ثلاثون عظما و في ساعده اثنان و في عضده واحد و في كتفه ثلاثة فذلك أحد و أربعون عظما و كذلك في الأخرى و في رجله ثلاثة و أربعون عظما منها في قدمه خمسة و ثلاثون عظما و في ساقه اثنان و في ركبته ثلاثة و في فخذه واحد و في وركه اثنان و كذلك في الأخرى و في صلبه ثماني عشرة فقارة و في كل واحد من جنبيه تسعة أضلاع و في وقصته ثمانية و في رأسه ستة و ثلاثون عظما و في فيه ثمانية و عشرون أو اثنان و ثلاثون عظما

 تبيين يمكن أن يكون المراد وصل الأعضاء العظيمة بعضها ببعض كالرأس و العنق العضدين و الساعدين و الوركين مع الفخذين و الساقين و الأضلاع من اليمين و الأضلاع   من الشمال و كأن المراد بالوقصة العنق قال الفيروزآبادي وقص عنقه كوعد كسرها و الوقص بالتحريك قصر العنق انتهى فعدها ثمانية باعتبار ضم بعض فقرات الظهر إليها لقربها منها و انحنائها و يحتمل أن يكون في الأصل و في وقيصته و هي عظام وسط الظهر و هي على المشهور سبعة فتكون الثمانية بضم الترقوة إليها و في بعض النسخ في أول الخبر و ستة و أربعين عظما و هو تصحيف لأنه لا يستقيم الحساب و الأسنان غير داخلة في عدد العظام فيدل على أنها ليست بعظم و قد اختلف الأطباء في ذلك اختلافا عظيما فمنهم من ذهب إلى أنها عظم و قيل هو عصب و قيل عضو مركب. و ظاهر الأخبار أنها نوع آخر غير العظم و العصب لأنهم ع عدوها في ما لا تحله الحياة من الحيوان مقابلا للقرن و العظم و الظلف و الحافر و غيرها و هو لا ينافي المذهب الأخير كثيرا و ظاهر الأخبار أنه لا حس لها و لم تحلها الحياة كما ذهب إليه بعض الأطباء و قال بعضهم لها حس قال في القانون ليس لشي‏ء من العظام حس البتة إلا للأسنان فإن جالينوس قال بل التجربة تشهد أن لها حسا أعينت به بقوة تأتيها من الدماغ ليميز أيضا بين الحار و البارد و قال القرشي قال جالينوس ليس بشي‏ء من العظام حس إلا للأسنان لأن قوة الحس تأتيها في عصب لين و هذا عجب فإنه كيف جعل لينا و هو مخالط للعظام و ينبغي أن يكون شبيها بجرمها فيكون صلبا لئلا تتضرر بمماستها و قال بقي هاهنا بحث و هو أن الأسنان عظام أو ليس بعظام و قد شنع جالينوس على من لا يجعلها عظاما و جعلهم سوفسطائية و استدل على أنها عظام بما هو عين السفسطة و ذلك لأنه قال ما هذا معناه لأنها لو لم تكن عظاما لكانت إما أن تكون عروقا أو شرايين أو لحما أو عصبا و معلوم أنها ليست كذلك و هذا غير لازم فإن القائلين بأنها ليست بعظام يجعلونها من الأعضاء المؤلفة لا من هذه المفردة و يستدلون على تركيبها بما يشاهد فيها من الشظايا و تلك رباطية و عصبية قالوا و هذا يوجد في أسنان الحيوانات الكبار ظاهرا.   و قوله ع و في فيه ثمانية و عشرون أي في بدء الإنبات ثم ينبت في قريب من العشرين أربعة أخرى تسمى أسنان الحلم بالكسر بمعنى العقل أو بالضم بمعنى الاحتلام يعني البلوغ و لذا قال ع بعده و اثنان و ثلاثون و يحتمل أن يكون باعتبار اختلافها في الأشخاص قال في القانون الأسنان اثنتان و ثلاثون سنا و ربما عدمت النواجد منها في بعض الناس و هي الأربعة الطرفانية فكانت ثماني و عشرين سنا فمن الأسنان ثنيتان و رباعيتان من فوق و مثلهما من أسفل للقطع و نابان من فوق و نابان من تحت للكسر و أضراس للطحن في كل جانب فوقاني و سفلاني أربعة أو خمسة فكل ذلك اثنتان و ثلاثون سنا أو ثماني و عشرون و النواجد تنبت في الأكثر في وسط زمان النمو و هو بعد البلوغ إلى الوقف و ذلك أن الوقوف قريب من ثلاثين سنة و لذلك تسمى أسنان الحلم

28-  الكافي، عن محمد عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن عبد الرحمن بن العزرمي عن أبي عبد الله ع قال قال أمير المؤمنين ع إن لله عبادا في أصلابهم أرحام كأرحام النساء قال فسئل فما لهم لا يحملون فقال إنها منكوسة و لهم في أدبارهم غدة كغدة الجمل أو البعير فإذا هاجت هاجوا و إذا سكنت سكنوا

29-  و منه، عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل عن صالح بن عقبة عن رفاعة قال قلت لأبي عبد الله ع ما تقول في رجل ضرب رجلا فنقص بعض نفسه بأي شي‏ء يعرف ذلك قال ذلك بالساعات قلت و كيف الساعات قال إن النفس يطلع الفجر و هو في الشق الأيمن من الأنف فإذا مضت الساعة صار إلى الشق الأيسر فتنظر ما بين نفسك و نفسه ثم يحسب فيؤخذ بحساب ذلك منه

    بيان كأن المراد به أنه في أول اليوم يكون النفس في الشق الأيمن أكثر و لعل هذا إنما ذكر استطرادا فإن استعلام عدد النفس لا يتوقف عليه و لم أر من عمل به سوى الشيخ يحيى بن سعيد في جامعه و قال العلامة ره في التحرير في انقطاع النفس الدية و في بعضه بحسب ما يراه

30-  التهذيب، بإسناده عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص يوم بدر لا تواروا إلا كميشا يعني به من كان ذكره صغيرا و قال لا يكون ذلك إلا في كرام الناس

31-  توحيد المفضل، فكر يا مفضل كيف جعلت آلات الجماع في الذكر و الأنثى جميعا على ما يشاكل ذلك فجعل للذكر آلة ناشرة تمتد حتى تصل النطفة إلى الرحم إذ كان محتاجا إلى أن يقذف ماءه في غيره و خلق للأنثى وعاء قعر ليشتمل على الماءين جميعا و يحتمل الولد و يتسع له و يصونه حتى يستحكم أ ليس ذلك من تدبير حكيم لطيف سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ فكر يا مفضل في أعضاء البدن أجمع و تدبير كل منها للإرب فاليدان للعلاج و الرجلان للسعي و العينان للاهتداء و الفم للاغتذاء و المعدة للهضم و الكبد للتخليص و المنافذ لتنفيذ الفضول و الأوعية لحملها و الفرج لإقامة النسل و كذلك جميع الأعضاء إذا تأملتها و أعملت فكرك فيها و نظرك وجدت كل شي‏ء منها قد قدر لشي‏ء على صواب و حكمة قال المفضل فقلت يا مولاي إن قوما يزعمون أن هذا من فعل الطبيعة فقال سلهم عن هذه الطبيعة أ هي شي‏ء له علم و قدرة على مثل هذه الأفعال أم ليست كذلك فإن أوجبوا لها العلم و القدرة فما يمنعهم من إثبات الخالق فإن هذه صفته و إن زعموا أنها تفعل هذه الأفعال بغير علم و لا عمد و كان في أفعالها ما قد تراه من   الصواب و الحكمة علم أن هذا الفعل للخالق الحكيم و أن الذي سموه طبيعة هو سنة في خلفه الجارية على ما أجراها عليه فكر يا مفضل في وصول الغذاء إلى البدن و ما فيه من التدبير فإن الطعام يصير إلى المعدة فتطبخه و تبعث بصفوه إلى الكبد في عروق رقاق واشجة بينهما قد جعلت كالمصفي للغذاء لكيلا يصل إلى الكبد منه شي‏ء فينكأها و ذلك أن الكبد رقيقة لا تحتمل العنف ثم إن الكبد ثقيلة فيستحيل بلطف التدبير دما و ينفذ إلى البدن كله في مجاري مهيأة لذلك بمنزلة المجاري التي تهيأ للماء حتى يطرد إلى الأرض كلها و ينفذ ما يخرج منه من الخبث و الفضول إلى مغايض قد أعدت لذلك فما كان منه من جنس المرة الصفراء جرى إلى المرارة و ما كان من جنس السوداء جرى إلى الطحال و ما كان من البلة و الرطوبة جرى إلى المثانة فتأمل حكمة التدبير في تركيب البدن و وضع هذه الأعضاء منه مواضعها و إعداد هذه الأوعية فيه لتحمل تلك الفضول لئلا تنتشر في البدن فتسقمه و تنهكه فتبارك من أحسن التقدير و أحكم التدبير و له الحمد كما هو أهله و مستحقه قال المفضل فقلت صف نشوء الأبدان و نموها حالا بعد حال حتى تبلغ التمام و الكمال فقال ع أول ذلك تصوير الجنين في الرحم حيث لا تراه عين و لا تناله يد و يدبره حتى يخرج سويا مستوفيا جميع ما فيه قوامه و صلاحه من الأحشاء و الجوارح و العوامل إلى ما في تركيب أعضائه من العظام و اللحم و الشحم و المخ و العصب و العروق و الغضاريف فإذا خرج إلى العالم تراه كيف ينمى بجميع أعضائه و هو ثابت على شكله و هيئته لا تتزايد و لا تنقص إلى أن يبلغ أشده إن مد في عمره أو يستوفي مدته قبل ذلك هل هذا إلا من لطيف التدبير و الحكمة يا مفضل انظر إلى ما خص به الإنسان في خلقه تشريفا و تفضيلا على البهائم فإنه

   خلق ينتصب قائما و يستوي جالسا ليستقبل الأشياء بيديه و جوارحه و يمكنه العلاج و العمل بهما فلو كان مكبوبا على وجهه كذات الأربع لما استطاع أن يعمل شيئا من الأعمال انظر الآن يا مفضل إلى هذه الحواس التي خص بها الإنسان في خلقه و شرف بها على غيره كيف جعلت العينان في الرأس كالمصابيح فوق المنارة ليتمكن من مطالعة الأشياء و لم تجعل في الأعضاء التي تحتهن كاليدين و الرجلين فتعرضها الآفات و تصيبها من مباشرة العمل و الحركة ما يعللها و يؤثر فيها و ينقص منها و لا في الأعضاء التي وسط البدن كالبطن و الظهر فيعسر تقلبها و اطلاعها نحو الأشياء فلما لم يكن لها في شي‏ء من هذه الأعضاء موضع كان الرأس أسنى المواضع للحواس و هو بمنزلة الصومعة لها فجعل الحواس خمسا تلقى خمسا لكيلا يفوتها شي‏ء من المحسوسات فخلق البصر ليدرك الألوان فلو كانت الألوان و لم يكن بصر يدركها لم يكن فيها منفعة و خلق السمع ليدرك الأصوات فلو كانت الأصوات و لم يكن سمع يدركها لم يكن فيها إرب و كذلك سائر الحواس ثم هذا يرجع متكافئا فلو كان بصرا و لم يكن ألوانا لما كان للبصر معنى و لو كان سمع و لم يكن أصوات لم يكن للسمع موضع فانظر كيف قدر بعضها يلقى بعضا فجعل لكل حاسة محسوسا يعمل فيه و لكل محسوس حاسة تدركه و مع هذا فقد جعلت أشياء متوسطة بين الحواس و المحسوسات لا يتم الحواس إلا بها كمثل الضياء و الهواء فإنه لو لم يكن ضياء يظهر اللون للبصر لم يكن البصر يدرك اللون و لو لم يكن هواء يؤدي الصوت إلى السمع لم يكن السمع يدرك الصوت فهل يخفى على من صح نظره و أعمل فكره أن مثل هذا الذي وصفت من تهيئة الحواس و المحسوسات بعضها يلقى بعضا و تهيئة أشياء أخر بها تتم الحواس لا يكون إلا بعمد و تقدير من لطيف خبير فكر يا مفضل في من عدم البصر من الناس و ما يناله من الخلل في أموره فإنه لا يعرف موضع قدمه و لا يبصر ما بين يديه فلا يفرق بين الألوان و بين المنظر الحسن و القبيح و لا يرى حفرة إن هجم عليها و لا عدوا إن أهوى إليه بسيف و لا يكون له   سبيل إلى أن يعمل شيئا من هذه الصناعات مثل الكتابة و التجارة و الصياغة حتى أنه لو لا نفاذ ذهنه لكان بمنزلة الحجر الملقى و كذلك من عدم السمع يختل في أمور كثيرة فإنه يفقد روح المخاطبة و المحاورة و يعدم لذة الأصوات و اللحون الشجية المطربة و يعظم المئونة على الناس في محاورته حتى يتبرموا به و لا يسمع شيئا من أخبار الناس و أحاديثهم حتى يكون كالغائب و هو شاهد أو كالميت و هو حي فأما من عدم العقل فإنه يلحق بمنزلة البهائم بل يجهل كثيرا مما يهتدي إليه البهائم أ فلا ترى كيف صارت الجوارح و العقل و سائر الخلال التي بها صلاح الإنسان و التي لو فقد منها شيئا لعظم ما يناله في ذلك من الخلل يوافي خلقه على التمام حتى لا يفقد شيئا منها فلم كان كذلك إلا لأنه خلق بعلم و تقدير قال المفضل فقلت فلم صار بعض الناس يفقد شيئا من هذه الجوارح فيناله في ذلك مثل ما وصفته يا مولاي قال ع ذلك للتأديب و الموعظة لمن يحل ذلك به و لغيره بسببه كما قد يؤدب الملوك الناس للتنكيل و الموعظة فلا ينكر ذلك عليهم بل يحمد من رأيهم و يصوب من تدبيرهم ثم إن للذين تنزل بهم هذه البلايا من الثواب بعد الموت إن شكروا و أنابوا لما يستصغرون معه ما ينالهم منها حتى أنهم لو خيروا بعد الموت لاختاروا أن يردوا إلى البلايا ليزدادوا من الثواب فكر يا مفضل في الأعضاء التي خلقت أفرادا و أزواجا و ما في ذلك من الحكمة و التقدير و الصواب في التدبير فالرأس مما خلق فردا و لم يكن للإنسان صلاح في أن يكون أكثر من واحد أ لا ترى أنه لو أضيف إلى رأس الإنسان رأس آخر لكان ثقلا عليه من غير حاجة إليه لأن الحواس التي يحتاج إليها مجتمعة في رأس واحد ثم كان الإنسان ينقسم قسمين لو كان له رأسان فإن تكلم من أحدهما كان الآخر معطلا لا إرب فيه و لا حاجة إليه و إن تكلم منهما جميعا بكلام واحد كان أحدهما فضلا لا يحتاج إليه و إن تكلم بأحدهما بغير الذي تكلم به من الآخر لم يدر السامع بأي

   ذلك يأخذ و كان أشباه هذا من الاختلاط و اليدان مما خلق أزواجا و لم يكن للإنسان خير في أن يكون له يد واحدة لأن ذلك كان يخل به في ما يحتاج إلى معالجته من الأشياء أ لا ترى أن النجار و البناء لو شلت إحدى يديه لا يستطيع أن يعالج صناعته و إن تكلف ذلك لم يحكمه و لم يبلغ منه ما يبلغه إذا كانت له يدان يتعاونان على العمل أطل الفكر يا مفضل في الصوت و الكلام و تهيئة آلاته في الأسنان فالحنجرة كالأنبوبة لخروج الصوت و اللسان و الشفتان و الأسنان لصياغة الحروف و النغم أ لا ترى أن من سقطت أسنانه لم يقم السين و من سقطت شفته لم يصحح الفاء و من ثقل لسانه لم يفصح الراء و أشبه شي‏ء بذلك المزمار الأعظم فالحنجرة يشبه قصبة المزمار و الرئة يشبه الزق الذي ينفخ فيه لتدخل الريح و العضلات التي تقبض على الرئة ليخرج الصوت كالأصابع التي تقبض على الزق حتى تجري الريح في المزمار و الشفتان و الأسنان التي تصوغ الصوت حروفا و نغما كالأصابع التي تختلف في فم المزمار فتصوغ صفيره ألحانا غير أنه و إن كان مخرج الصوت يشبه المزمار بالدلالة و التعريف فإن المزمار بالحقيقة هو المشبه بمخرج الصوت قد أنبأتك بما في الأعضاء من الغناء في صنعة الكلام و إقامة الحروف و فيها مع الذي ذكرت لك مآرب أخرى فالحنجرة ليسلك فيها هذا النسيم إلى الرئة فتروح عن الفؤاد بالنفس الدائم المتتابع الذي لو حبس شيئا يسيرا لهلك الإنسان و باللسان تذاق الطعوم فيميز بينها و يعرف كل واحد منها حلوها من مرها و حامضها من مزها و مالحها من عذبها و طيبها من خبيثها و فيه مع ذلك معونة على إساغة الطعام و الشراب و الأسنان تمضغ الطعام حتى يلين و يسهل إساغته و هي مع ذلك   كالسند للشفتين تمسكهما و تدعمهما من داخل الفم و اعتبر ذلك بأنك ترى من سقطت أسنانه مسترخى الشفة و مضطربها و بالشفتين يترشف الشراب حتى يكون الذي يصل إلى الجوف منه بقصد و قدر لا يثج ثجا فيغص به الشارب أو ينكي في الجوف ثم هما بعد ذلك كالباب المطبق على الفم يفتحهما الإنسان إذا شاء و يطبقهما إذا شاء ففي ما وصفنا من هذا بيان أن كل واحد من هذه الأعضاء يتصرف و ينقسم إلى وجوه من المنافع كما تتصرف الأداة الواحدة في أعمال شتى و ذلك كالفأس يستعمل في النجارة و الحفر و غيرهما من الأعمال لو رأيت الدماغ إذا كشف عنه لرأيته قد لف بحجب بعضها فوق بعض لتصونه من الأعراض و تمسكه فلا يضطرب و لرأيت عليه الجمجمة بمنزلة البيضة كيما يفته هد الصدمة و الصكة التي ربما وقعت في الرأس ثم قد جللت الجمجمة بالشعر حتى صار بمنزلة الفرو للرأس تستره من شدة الحر و البرد فمن حصن الدماغ هذا التحصين إلا الذي خلقه و جعله ينبوع الحس و المستحق للحيطة و الصيانة لعلو منزلته من البدن و ارتفاع درجته و خطر مرتبته تأمل يا مفضل الجفن على العين كيف جعل كالغشاء و الأشفار كالأشراج و أولجها في هذا الغار و أظلها بالحجاب و ما عليه من الشعر فكر يا مفضل من غيب الفؤاد في جوف الصدر و كساه المدرعة التي هي غشاؤه و حصنه بالجوانح و ما عليها من اللحم و العصب لئلا يصل إليه ما ينكؤه من جعل في الحلق منفذين أحدهما لمخرج الصوت و هو الحلقوم المتصل بالرئة و الآخر منفذ للغذاء و هو المري‏ء المتصل بالمعدة الموصل الغذاء إليها و جعل على الحلقوم طبقا يمنع الطعام أن يصل إلى الرئة فيقتل من جعل الرئة مروحة الفؤاد لا تفتر و لا تخل لكيلا

   تتحيز الحرارة في الفؤاد فتؤدي إلى التلف من جعل لمنافذ البول و الغائط أشراجا تضبطهما لئلا يجريا جريانا دائما فيفسد على الإنسان عيشه فكم عسى أن يحصي المحصي من هذا بل الذي لا يحصى منه و لا يعلمه الناس أكثر من جعل المعدة عصبانية شديدة و قدرها لهضم الطعام الغليظ و من جعل الكبد رقيقة ناعمة لقبول الصفو اللطيف من الغذاء و لتهضم و تعمل ما هو ألطف من عمل المعدة إلا الله القادر أ ترى من الإهمال يأتي بشي‏ء من ذلك كلا بل هو تدبير من مدبر حكيم قادر عليم بالأشياء قبل خلقه إياها لا يعجزه شي‏ء وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ فكر يا مفضل لم صار المخ الرقيق محصنا في أنابيب العظام هل ذلك إلا ليحفظه و يصونه لم صار الدم السائل محصورا في العروق بمنزلة الماء في الظروف إلا لتضبطه فلا يفيض لم صارت الأظفار على أطراف الأصابع إلا وقاية لها و معونة على العمل لم صار داخل الأذن ملتويا كهيئة اللولب إلا ليطرد فيه الصوت حتى ينتهي إلى السمع و ليكسر حمة الريح فلا ينكي في السمع لم حمل الإنسان على فخذيه و أليتيه هذا اللحم إلا ليقيه من الأرض فلا يتألم من الجلوس عليها كما يألم من نحل جسمه و قل لحمه إذا لم يكن بينه و بين الأرض حائل يوقيه صلابتها من جعل الإنسان ذكرا و أنثى إلا من خلقه متناسلا و من خلقه متناسلا إلا من خلقه مؤملا و من أعطاه آلات العمل إلا من خلقه عاملا و من خلقه عاملا إلا من جعله محتاجا و من جعله محتاجا إلا من ضربه بالحاجة و من ضربه بالحاجة إلا من توكل بتقويمه من خصه بالفهم إلا من أوجب له الجزاء من وهب له الحيلة إلا من ملكه الحول و من ملكه الحول إلا من ألزمه الحجة من يكفيه ما لا تبلغه حيلته إلا من لم يبلغ مدى شكره فكر   و تدبر ما وصفته هل تجد الإهمال على هذا النظام و الترتيب تبارك الله عما يصفون أصف لك الآن يا مفضل الفؤاد اعلم أن فيه ثقبا موجهة نحو الثقب التي في الرئة تروح عن الفؤاد حتى لو اختلفت تلك الثقب فتزايل بعضها عن بعض لما وصل الروح إلى الفؤاد و لهلك الإنسان فيستجيز ذو فكر و روية أن يزعم أن مثل هذا يكون بالإهمال و لا يجد شاهدا من نفسه ينزعه عن هذا القول لو رأيت فردا من مصراعين فيه كلوب أ كنت تتوهم أنه جعل كذلك بلا معنى بل كنت تعلم ضرورة أنه مصنوع يلقى فردا آخر فتبرزه ليكون في اجتماعهما ضرب من المصلحة و هكذا تجد الذكر من الحيوان كأنه فرد من زوج مهيأ من فرد أنثى فيلتقيان لما فيه من دوام النسل و بقائه فتبا و خيبة و تعسا لمنتحلي الفلسفة كيف عميت قلوبهم عن هذه الخلقة العجيبة حتى أنكروا التدبير و العمد فيها لو كان فرج الرجل مسترخيا كيف كان يصل إلى قعر الرحم حتى يفرغ النطفة فيه و لو كان منعظا أبدا كيف كان الرجل يتقلب في الفراش و يمشي بين الناس و شي‏ء شاخص أمامه ثم يكون في ذلك مع قبح المنظر تحريك الشهوة في كل وقت من الرجال و النساء جميعا فقدر الله جل اسمه أن يكون أكثر ذلك لا يبدو للبصر في كل وقت و لا يكون على الرجال منه مئونة بل جعل فيه القوة على الانتصاب وقت الحاجة إلى ذلك لما قدر أن يكون فيه من دوام النسل و بقائه اعتبر الآن يا مفضل بعظم النعمة على الإنسان في مطعمه و مشربه و تسهيل خروج الأذى أ ليس من حسن التقدير في بناء الدار أن يكون الخلاء في أستر موضع فيها فهكذا جعل الله سبحانه المنفذ المهيأ للخلاء من الإنسان في أستر موضع منه فلم يجعله بارزا من خلقه و لا ناشرا من بين يديه بل هو مغيب في موضع غامض من البدن مستور محجوب يلتقي

   عليه الفخذان و تحجبه الأليتان بما عليهما من اللحم فيواريانه فإذا احتاج الإنسان إلى الخلاء و جلس تلك الجلسة ألفى ذلك المنفذ منه منصبا مهيأ لانحدار الثفل فتبارك الله من تظاهرت آلاؤه و لا تحصى نعماؤه فكر يا مفضل في هذه الطواحن التي جعلت للإنسان فبعضها حداد لقطع الطعام و قرضه و بعضها عراض لمضغه و رضه فلم ينقص واحد من الصفتين إذ كان محتاجا إليهما جميعا تأمل و اعتبر بحسن التدبير في خلق الشعر و الأظفار فإنهما لما كانا مما يطول و يكثر حتى يحتاج إلى تخفيفه أولا فأولا جعلا عديمي الحسن لئلا يؤلم الإنسان الأخذ منهما و لو كان قص الشعر و تقليم الأظفار مما يوجد له مس ذلك لكان الإنسان من ذلك بين مكروهين إما أن يدع كل واحد منهما حتى يطول فيتثقل عليه و إما أن يخففه بوجع و ألم يتألم منه قال المفضل فقلت فلم لم يجعل ذلك خلقة لا تزيد فيحتاج الإنسان إلى النقصان منه فقال ع إن لله تبارك و تعالى في ذلك على العبد نعما لا يعرفها فيحمد عليها اعلم أن آلام البدن و أدواءه تخرج بخروج الشعر في مسامه و بخروج الأظفار من أناملها و لذلك أمر الإنسان بالنورة و حلق الرأس و قص الأظفار في كل أسبوع ليسرع الشعر و الأظفار في النبات فتخرج الآلام و الأدواء بخروجهما و إذا طالا تحيزا و قل خروجهما فاحتبست الآلام و الأدواء في البدن فأحدثت عللا و أوجاعا و منع مع ذلك الشعر من المواضع التي يضر بالإنسان و يحدث عليه الفساد و الضرر لو نبت الشعر في العين أ لم يكن سيعمى البصر و لو نبت في الفم أ لم يكن سينغص على الإنسان طعامه و شرابه و لو نبت في باطن الكف أ لم يكن سيعوقه عن صحة اللمس و بعض الأعمال و لو نبت في فرج المرأة و على ذكر الرجل أ لم يكن سيفسد عليهما لذة الجماع فانظر كيف تنكب الشعر هذه المواضع لما في ذلك من المصلحة ثم ليس هذا في الإنسان فقط بل تجده في البهائم و السباع و سائر المتناسلات فإنك ترى أجسامهن مجللة بالشعر و ترى هذه   المواضع خالية منه لهذا السبب بعينه فتأمل الخلقة كيف تتحرز وجوه الخطاء و المضرة و تأتي بالصواب و المنفعة إن المنانية و أشباههم حين اجتهدوا في عيب الخلقة و العمد عابوا الشعر النابت على الركب و الإبطين و لم يعلموا أن ذلك من رطوبة تنصب إلى هذه المواضع فينبت فيها الشعر كما ينبت العشب في مستنقع المياه أ فلا ترى إلى هذه المواضع أستر و أهيأ لقبول تلك الفضلة من غيرها ثم إن هذه تعد مما يحمل الإنسان من مئونة هذا البدن و تكاليفه لما له في ذلك من المصلحة فإن اهتمامه بتنظيف بدنه و أخذ ما يعلوه من الشعر مما يكسر به شرته و يكف عاديته و يشغله عن بعض ما يخرجه إليه الفراغ من الأشر و البطالة تأمل الريق و ما فيه من المنفعة فإنه جعل يجري جريانا دائما إلى الفم ليبل الحلق و اللهوات فلا يجف فإن هذه المواضع لو جعلت كذلك كان فيه هلاك الإنسان ثم كان لا يستطيع أن يسيغ طعاما إذا لم يكن في الفم بلة تنفذه تشهد بذلك المشاهدة و اعلم أن الرطوبة مطية الغذاء و قد تجري من هذه البلة إلى موضع آخر من المرة فيكون في ذلك صلاح تام للإنسان و لو يبست المرة لهلك الإنسان و لقد قال قوم من جهلة المتكلمين و ضعفة المتفلسفين بقلة التمييز و قصور العلم لو كان بطن الإنسان كهيئة القباء يفتحه الطبيب إذا شاء فيعاين ما فيه و يدخل يده فيعالج ما أراد علاجه أ لم يكن أصلح من أن يكون مصمتا محجوبا عن البصر و اليد لا يعرف ما فيه إلا بدلالات غامضة كمثل النظر إلى البول و حس العرق و ما أشبه ذلك مما يكثر فيه الغلط و الشبهة حتى ربما كان ذلك سببا للموت فلو علم هؤلاء الجهلة أن هذا لو كان هكذا كان أول ما فيه أنه كان يسقط عن الإنسان الوجل من الأمراض و الموت و كان يستشعر البقاء و يغتر بالسلامة فيخرجه ذلك إلى العتو و الأشر ثم كانت الرطوبات التي في البطن تترشح و تتحلب فيفسد على الإنسان مقعده و مرقده و ثياب بذلته و زينته بل كان يفسد عليه عيشه

   ثم إن المعدة و الكبد و الفؤاد إنما تفعل أفعالها بالحرارة الغريزية التي جعلها الله محتبسة في الجوف فلو كان في البطن فرج ينفتح حتى يصل البصر إلى رؤيته و اليد إلى علاجه لوصل برد الهواء إلى الجوف فمازج الحرارة الغريزية و بطل عمل الأحشاء فكان في ذلك هلاك الإنسان أ فلا ترى أن كل ما تذهب إليه الأوهام سوى ما جاءت به الخلقة خطأ و خطل

 أقول قد مر شرح الجميع في كتاب التوحيد من أراد ذلك فليرجع إليه

32-  الدر المنثور، عن وهب بن منبه قال خلق الله ابن آدم كما شاء و بما شاء فكان كذلك فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ خلق من التراب و الماء فمنه لحمه و دمه و شعره و عظامه و جسده فهذا بدء الخلق الذي خلق الله منه ابن آدم ثم جعلت فيه النفس فبها يقوم و يقعد و يسمع و يبصر و يعلم ما تعلم الدواب و يتقي ما تتقي ثم جعلت فيه الروح فبه عرف الحق من الباطل و الرشد من الغي و به حذر و تقدم و استتر و تعلم و دبر الأمور كلها فمن التراب يبوسته و من الماء رطوبته فهذا بدء الخلق الذي خلق الله منه ابن آدم كما أحب أن يكون ثم جعل فيه من هذه الفطر الأربع أنواعا من الخلق في جسد ابن آدم فهي قوام جسده و ملاكه بإذن الله و هي المرة السوداء و المرة الصفراء و الدم و البلغم فيبوسته و حرارته من قبل النفس و مسكنها في الدم و رطوبته و برودته من قبل الروح و مسكنه في البلغم فإذا اعتدلت هذه الفطر في الجسد فكان من كل واحد ربع كان جلدا كاملا و جسما صحيحا و إن كثر واحد منها على صاحبه علاها و قهرها و أدخل عليها السقم من ناحيته و إن قل عنها واحد منها غلبت عليه و قهرته و مالت به فضعف عن قوتها و عجز عن طاقتها   و أدخل عليها السقم من ناحيته فالطبيب العالم بالداء و الدواء يعلم من الجسد حيث أتى سقمه أ من نقصان أو من زيادة

33-  و عن ابن عباس قال إن الله أوحى إلى داود أن يسأل سليمان عن أربع عشرة كلمة فإن أجاب ورثه العلم و النبوة قال أخبرني يا بني أين موضع العقل منك قال الدماغ قال أين موضع الحياء منك قال العينان قال أين موضع الباطل منك قال الأذنان قال أين باب الخطيئة منك قال اللسان قال أين طريق الريح منك قال المنخران قال أين موضع الأدب و البيان منك قال الكلوتان قال أين باب الفظاظة و الغلظة منك قال الكبد قال أين بيت الريح منك قال الرئة قال أين باب الفرح منك قال الطحال قال أين باب الكسب منك قال اليدان قال أين باب النصب منك قال الرجلان قال أين باب الشهوة منك قال الفرج قال أين باب الذرية منك قال قال الصلب قال أين باب العلم و الفهم و الحكمة قال القلب إذا صلح القلب صلح ذلك كله و إذ فسد القلب فسد ذلك كله