باب 4- بدء خلق الإنسان في الرحم إلى آخر أحواله

الآيات آل عمران هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ النساء يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَ خَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَ بَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَ نِساءً   الأنعام هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ هود هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ اسْتَعْمَرَكُمْ فِيها الرعد اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَ ما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَ ما تَزْدادُ وَ كُلُّ شَيْ‏ءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ النحل خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ مريم أَ وَ لا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ يَكُ شَيْئاً الحج يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَ غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَ نُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَ مِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً المؤمنون وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ الروم وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ لقمان حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَ فِصالُهُ فِي عامَيْنِ التنزيل الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلَقَهُ وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ وَ نَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ   فاطر وَ اللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَ ما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَ لا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَ ما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَ لا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ يس أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ الزمر 6-  يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ المؤمن هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَ مِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَ لِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ حمعسق لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَ إِناثاً وَ يَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ النجم هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ إلى قوله تعالى وَ أَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَ الْأُنْثى مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى الواقعة أَ فَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ أَ أَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ التغابن وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ الملك قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ نوح ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً وَ قَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً إلى قوله تعالى وَ اللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَ يُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً

    القيامة أَ لَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَ الْأُنْثى أَ لَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى الدهر هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً المرسلات أَ لَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ النبأ وَ خَلَقْناكُمْ أَزْواجاً عبس قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْ‏ءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ الانفطار ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ الطارق فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ تفسير هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ قال الطبرسي رحمه الله أي يخلق صوركم فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ على أي صورة شاء و على أي صفة شاء من ذكر و أنثى أو صبيح أو دميم أو طويل أو قصير لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ في سلطانه الْحَكِيمُ في أفعاله و دلت الآية على وحدانية الله سبحانه و تمام قدرته و كمال حكمته حيث صور الولد في رحم الأم على هذه الصفة و ركب فيه أنواع البدائع من غير آلة و لا كلفة و قد تقرر في عقل كل عاقل أن العالم لو اجتمعوا أن يجعلوا من الماء بعوضة و يصوروا منه صورة في حال ما يشاهدونه و يعرفونه لم يقدروا على ذلك و لا وجدوا إليه   سبيلا فكيف يقدرون على الخلق في الأرحام فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ و هذا الاستدلال مروي عن جعفر بن محمد ع مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ أي آدم وَ خَلَقَ مِنْها زَوْجَها حواء كما مر وَ بَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَ نِساءً أي نشر و فرق من هاتين النفسين على وجه التناسل رجالا كثيرا و نساء و قال البيضاوي و اكتفى بوصف الرجال بالكثرة عن وصف النساء بها إذ الحكمة تقتضي أن يكن أكثر و ذكر كثيرا حملا على الجمع. خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ قيل أي ابتدأ خلقكم منه فإنه المادة الأولى أو إن آدم الذي هو أصل البشر خلق منه أو خلق أباكم فحذف المضاف إليه انتهى و يحتمل أن يكون المراد الطين الذي سيأتي في الأخبار أنه يذر في النطفة هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ قيل أي هو كونكم منها لا غيره فإنه خلق آدم و مواد النطف التي خلق نسله منها من الأرض وَ اسْتَعْمَرَكُمْ فِيها قيل أي عمركم فيها و استبقاكم من العمر أو أقدركم على عمارتها و أمركم بها و قيل هو من العمري بمعنى أعمركم فيها دياركم و يرثها منكم بعد انصرام أعماركم أو جعلكم معمرين دياركم تسكنونها مدة عمركم ثم تتركونها لغيركم. اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى قال الطبرسي رحمه الله يعلم ما في بطن كل حامل من ذكر أو أنثى تام أو غير تام و يعلم لونه و صفاته وَ ما تَغِيضُ الْأَرْحامُ أي يعلم الوقت الذي تنقصه الأرحام من المدة التي هي تسعة أشهر وَ ما تَزْدادُ على ذلك عن أكثر المفسرين و قيل ما تغيض الولد الذي تأتي به المرأة لأقل من ستة أشهر و ما تزداد الولد الذي تأتي به لأقصى مدة الحمل و قيل معناه ما تنقص الأرحام من دم الحيض و هو انقطاع الحيض و ما تزداد بدم النفاس بعد الوضع.

    و قال البيضاوي أي و ما تنقصه و ما تزداد في الجنة و المدة و العدد و قيل المراد نقصان دم الحيض و ازدياده و غاض جاء لازما و متعديا و كذا ازداد. وَ كُلُّ شَيْ‏ءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ قيل أي بقدر لا يجاوزه و لا ينقص عنه و في الأخبار أي بتقدير خلق الإنسان من نطفة قال البيضاوي من جماد لا حس بها و لا حراك سيالة لا تحفظ الوضع و الشكل فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ منطيق مجادل مُبِينٌ للحجة أو خصيم مكافح لخالقه قائل مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ وَ لَمْ يَكُ شَيْئاً بل كان عدما صرفا فإنه أعجب من جميع المواد بعد التفريق الذي ينكر منكر البعث. فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ قال البيضاوي من إمكانه و كونه مقدورا فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ أي فانظروا في بدء خلقكم فإنه يزيح ريبكم فإنا خلقناكم مِنْ تُرابٍ بخلق آدم منها و الأغذية التي يتكون منها المني ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ أي من مني من النطف و هو الصب ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ قطعة من الدم جامدة ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ قطعة من اللحم بقدر ما يمضغ مُخَلَّقَةٍ وَ غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ مسواة لا نقص فيها و لا عيب و غير مسواة أو تامة و ساقطة أو مصورة و غير مصورة لِنُبَيِّنَ لَكُمْ بهذا التدريج قدرتنا و حكمتنا فإن ما قبل التغير و الفساد و التكون مرة قبلها أخرى و إن من قدر على تغييره و تصويره أولا قدر على ذلك ثانيا و حذف المفعول إيماء إلى أن الأفعال هذه يتبين بها من قدرته و حكمته ما لا يحيط به الذكر وَ نُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ أن نقره إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى هو وقت الوضع و قرئ و نقر بالنصب و كذا قوله ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ عطفا على نبين كان خلقهم مدرج لغرضين تبيين القدرة و تقريرهم في الأرحام حتى يولدوا و ينشئوا أو يبلغوا حد التكليف و طِفْلًا حال أجريت على تأويل كل واحد أو للدلالة على الجنس أو لأنه في الأصل مصدر ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ   أي كمالكم في القوة و العقل جمع شدة وَ مِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى عند بلوغ الأشد أو قبله وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ أي الهرم و الخرف لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً أي ليعود كهيئته الأولى في أوان الطفولية من سخافة العقل و قلة الفهم فينسى ما علمه و ينكر من عرفه و أنه استدلال ثان على إمكان البعث بما يعتري الإنسان في أسنانه من الأمور المختلفة و الأحوال المتضادة فإن من قدر على ذلك قدر على نظائره. مِنْ سُلالَةٍ من خلاصة سلت من بين الكدر مِنْ طِينٍ متعلق بمحذوف لأنه صفة لسلالة أو بمعنى سلالة لأنها في معنى مسلولة فتكون ابتدائية كالأول و الإنسان آدم خلق من صفوة سلت من الطين أو الجنس فإنهم خلقوا من سلالات جعلت نطفا بعد أدوار و قيل المراد بالطين آدم لأنه خلق منه و السلالة نطفته ثُمَّ جَعَلْناهُ أي ثم جعلنا نسله فحذف المضاف نُطْفَةً بأن خلقناه منها أو ثم جعلنا السلالة نطفة و تذكير الضمير على تأويل الجوهر أو المسلول أو الماء فِي قَرارٍ مَكِينٍ أي مستقر حصين يعني الرحم ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً بأن أحلنا النطفة البيضاء علقة حمراء فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً أي فصيرناها قطعة لحم فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً بأن صلبناها فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً مما بقي من المضغة أو مما أنبتنا عليها مما يصل إليها و اختلاف العواطف لتفاوت الاستحالات و الجمع لاختلافها في الهيئة و الصلابة ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ هو صورة البدن و الروح و القوى بنفخة فيه أو المجموع و ثم لما بين الخلقتين من التفاوت أَحْسَنُ الْخالِقِينَ أي المقدرين تقديرا ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ أي ثم فاجأتم وقت كونكم بشرا منتشرين في الأرض وَهْناً أي ذات وهن أو تهن وهنا عَلى وَهْنٍ أي تضعف ضعفا فوق ضعف فإنها لا تزال يتضاعف ضعفها و الجملة في موضع الحال وَ فِصالُهُ فِي عامَيْنِ أي و فطامه في انقضاء عامين. الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلَقَهُ أي خلقه موفرا عليه ما يستعده و يليق به على وفق الحكمة و المصلحة و خلقه بدل من كل بدل الاشتمال و قيل علم كيف يخلقه و قرأ نافع و الكوفيون بفتح اللام على الوصف وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ يعني آدم

    مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ أي ذريته سميت به لأنها تنسل منه أي تنفصل مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ أي ممتهن و قال الطبرسي رحمه الله أي ضعيف و قيل حقير مهان أشار إلى أنه من شي‏ء حقير لا قيمة له و إنما يصير ذا قيمة بالعلم و العمل. ثُمَّ سَوَّاهُ قال البيضاوي أي قومه بتصوير أعضائه ما ينبغي وَ نَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ أضافه إلى نفسه تشريفا و إظهارا بأنه خلق عجيب و أن له شأنا له مناسبة إلى الحضرة الربوبية و لأجله من عرف نفسه فقد عرف ربه وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ خصوصا لتسمعوا و تبصروا و تعقلوا قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ أي تشكرون شكرا قليلا. مِنْ تُرابٍ بخلق آدم منه ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ بخلق ذريته منها ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً ذكرانا و إناثا إِلَّا بِعِلْمِهِ أي إلا معلومة له وَ ما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ أي و ما يمد في عمر من مصيره إلى الكبر وَ لا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ من عمر المعمر لغيره بأن يعطى له عمر ناقص من عمره أو لا ينقص من عمر المنقوص عمره بجعله ناقصا و الضمير له و إن لم يذكر لدلالة مقابله عليه أو للمعمر على التسامح فيه ثقة بفهم السامع كقولهم لا يثيب الله عبدا و لا يعاقبه إلا بحق و قيل الزيادة و النقصان في عمر واحد باعتبار أسباب مختلفة أثبتت في اللوح مثل أن يكون فيه إن حج و اعتمر فعمره ستون سنة و إلا فأربعون و قيل المراد بالنقصان ما يمر من عمره و ينقص فإنه يكتب في صحيفة عمره يوما فيوما إِلَّا فِي كِتابٍ هو علم الله أو اللوح أو الصحيفة إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ إشارة إلى الحفظ أو الزيادة و النقص.    يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ بيان لكيفية خلق ما ذكر من الأناسي و الأنعام إظهارا لما فيه من عجائب القدرة غير أنه غلب أولي العقل أو خصهم بالخطاب لأنهم المقصودون خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ حيوانا سويا من بعد عظام مكسوة لحما من بعد عظام عارية من بعد مضغ من بعد علق من بعد نطف فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ظلمة البطن و الرحم و المشيمة أو الصلب و الرحم و البطن. أقول الأول رواه الطبرسي رحمه الله عن أبي جعفر ع. ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أي ثم يبقيكم لتبلغوا و كذا قوله تعالى ثُمَّ لِتَكُونُوا مِنْ قَبْلُ أي من قبل الشيخوخة أو بلوغ الأشد وَ لِتَبْلُغُوا قيل أي و يفعل ذلك لتبلغوا أَجَلًا مُسَمًّى هو وقت الموت أو يوم القيامة وَ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ما في ذلك من الحجج و العبر. يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً قال البيضاوي المعنى يجعل أحوال العباد في الأولاد مختلفة على مقتضى المشية فيهب لبعض إما صنفا واحدا من ذكر أو أنثى أو الصنفين جميعا و يعقم آخرين و لعل تقديم الإناث لأنه أكثر لتكثير النسل أو لأن مساق الآية للدلالة على أن الواقع ما يتعلق به مشية الله تعالى لا مشية الإنسان و الإناث كذلك أو لأن الكلام في البلاء و العرب تعدهن بلاء أو لتطييب قلوب آبائهن أو للمحافظة على الفواصل. هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ أي أعلم بأحوالكم منكم إِذْ أَنْشَأَكُمْ أي علم أحوالكم و مصارف أموركم حين ابتدأ خلقكم من التراب بخلق آدم و حين ما صوركم في الأرحام مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى أي تدفن في الرحم أو تخلق أو يقدر منها الولد من مني إذا قدر أَ فَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ أي تقذفونه في الأرحام من النطف أَ أَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أي تجعلونه   بشرا سويا وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ قيل أي فصوركم من جملة ما خلق في السماوات و الأرض بأحسن صورة حيث زينكم بصفوة أوصاف الكائنات و خصكم بخلاصة خصائص المبدعات و جعلكم أنموذج جميع المخلوقات وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ فأحسنوا سرائركم حتى لا يمسخ بالعذاب ظواهركم وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ لتسمعوا المواعظ وَ الْأَبْصارَ لتنظروا صنائعه وَ الْأَفْئِدَةَ لتعتبروا و تتفكروا قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ باستعمالها في ما خلقت لأجلها. لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً قيل أي لا تأملون له توقيرا أي تعظيما لمن عبده و أطاعه فتكونوا على حال تأملون فيها تعظيمه إياكم وَ قَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً حال مقدرة للإنكار من حيث إنها موجبة للرجاء فإن خلقهم أطوارا أي تارات إذ خلقهم أولا عناصر ثم مركباه يغذي الإنسان ثم أخلاطا ثم نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم عظاما و لحوما ثم أنشأهم خلقا آخر فإنه يدل على أنه يمكن أن يعيدهم تارة أخرى فيعظمهم بالثواب و على أنه تعالى عظيم القدرة تام الحكمة

 و قال علي بن إبراهيم في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً يقول لا تخافون لله عظمة

 و قال علي بن إبراهيم في قوله وَ قَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً قال على اختلاف الأهواء و الإرادات و المشيات

 وَ اللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً قيل أي أنشأكم منها فاستعير الإنبات للإنشاء لأنه أدل على الحدوث و التكوين من الأرض و أصله أنبتكم إنباتا فنبتم نباتا فاختصر اكتفاء بالدلالة الالتزامية ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها مقبورين وَ يُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً بالحشر و أكده بالمصدر كما أكد به الأول دلالة على أن الإعادة محققة كالابتداء و أنها تكون لا محالة و قال علي بن إبراهيم من الأرض أي على الأرض فَخَلَقَ فَسَوَّى قيل أي قدره فعدله فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ أي الصنفين. هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ قال البيضاوي استفهام تقرير و تقريب و لذلك فسر   بقد و أصله أهل حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ طائفة محدودة من الزمان الممتد الغير المحدود لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً بل كان نسيا منسيا غير مذكور بالإنسانية كالعنصر و النطفة و الجملة حال من الإنسان أو وصف لحين بحذف الراجع و المراد بالإنسان الجنس لقوله إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أو آدم بين أولا خلفه ثم ذكر خلق بنيه من نطفة أَمْشاجٍ أي أخلاط جمع مشيج أو مشج من مشجت الشي‏ء إذا خلطته و جمع النطفة به لأن المراد بها مجموع مني الرجل و المرأة و كل منهما مختلفة الأجزاء في الرقة و القوام و الخواص و لذلك يصير كل جزء منهما مادة عضو و قيل مفرد كأعشار و قيل ألوان فإن ماء الرجل أبيض و ماء المرأة أصفر فإذا اختلطا أخضرا أو أطوار فإن النطفة تصير علقة ثم مضغة إلى تمام الخلقة نَبْتَلِيهِ في موضع الحال أي مبتلين له بمعنى مريدين اختباره أو ناقلين له من حال إلى حال فاستعار له الابتلاء فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً ليتمكن من مشاهدة الدلائل و استماع الآيات فهو كالمسبب من الابتلاء و لذلك عطف بالفاء على الفعل المقيد به و رتب عليه قوله إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ. و قال الطبرسي رحمه الله قد كان شيئا إلا أنه لم يكن مذكورا لأنه كان ترابا و طينا إلى أن نفخ فيه الروح و قيل إنه أتى على آدم أربعون سنة لم يكن شيئا مذكورا لا في السماء و لا في الأرض بل كان جسدا ملقى من طين قبل أن ينفخ فيه الروح و روي عن ابن عباس أنه تم خلقه بعد عشرين و مائة سنة.

 و روى العياشي بإسناده عن عبد الله بن بكير عن زرارة قال سألت أبا جعفر ع عن قوله لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً قال كان شيئا و لم يكن مذكورا

    و بإسناده عن شعيب الحداد عن أبي جعفر ع قال كان مذكورا في العلم و لم يكن مذكورا في الخلق

 و عن عبد الأعلى مولى آل سام عن أبي عبد الله ع مثله

 و عن حمران بن أعين قال سألته عنه فقال كان شيئا مقدرا و لم يكن مكونا

و في هذا دلالة على أن المعدوم معلوم و إن لم يكن مذكورا و أن المعدوم يسمى شيئا فإذا حمل الإنسان على الجنس فالمراد أنه قبل الولادة لا يعرف و لا يذكر و لا يدرى من هو و ما يراد به بل يكون معدوما ثم يوجد في صلب أبيه ثم في رحم أمه إلى وقت الولادة أَمْشاجٍ أي أخلاط من ماء الرجل و ماء المرأة في الرحم فأيهما علا صاحبه كان الشبه له عن ابن عباس و غيره و قيل أمشاج أطوار و قيل أراد اختلاف الألوان فنطفة الرجل بيضاء و حمراء و نطفة المرأة خضراء و حمراء فهي مختلفة الألوان و قيل نطفة مشجت بدم الحيض فإذا حبلت ارتفع الحيض و قيل هي العروق التي تكون في النطفة و قيل أخلاط من الطبائع التي تكون في الإنسان من الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة جعلها الله في النطفة ثم بناه البنية الحيوانية المعدلة الأخلاط ثم جعل فيه الحياة ثم شق له السمع و البصر فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ انتهى. و أقول على سبيل الاحتمال لا يبعد أن يكون كونه أمشاجا إشارة إلى   الشئون المختلفة التي جعلها الله في الإنسان بتبعية ما جعل فيه من العناصر المختلفة و الصفات المتضادة و المواد المتباينة. مِنْ ماءٍ مَهِينٍ نطفة قذرة ذليلة و قال علي بن إبراهيم منتن فِي قَرارٍ مَكِينٍ قال في الرحم إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ أي إلى قدر معلوم من الوقت قدره الله للولادة فَقَدَرْنا على ذلك أو فقدرناه و يدل عليه قراءة نافع و الكسائي بالتشديد فَنِعْمَ الْقادِرُونَ نحن ف وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ بقدرتنا على ذلك أو على الإعادة وَ خَلَقْناكُمْ أَزْواجاً أي ذكرا و أنثى قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ قيل دعاء عليه بأشنع الدعوات و تعجب من إفراطه في الكفران مِنْ أَيِّ شَيْ‏ءٍ خَلَقَهُ بيان لما أنعم عليه خصوصا من مبدإ حدوثه و استفهام للتحقير و لذلك أجاب عنه بقوله مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ أي فهيأه لما يصلح له من الأعضاء و الأشكال أو فقدر أطوارا إلى أن تم خلقه ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ أي ثم سهل مخرجه من بطن أمه بأن فتح فوهة الرحم و ألهمه أن ينتكس أو ذلل له سبيل الخير و الشر و فيه على المعنى الأخير إيماء بأن الدنيا طريق و المقصد غيرها و لذا عقبه بقوله ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ عد الإماتة و الإقبار في النعم لأن الإماتة وصلة في الجملة إلى الحياة الأبدية و اللذات الخالصة و الأمر بالقبر تكرمة و صيانة عن السباع. ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ أي أي شي‏ء خدعك و جرأك على عصيانه قيل ذكر الكريم للمبالغة في المنع عن الاغترار و الإشعار بما به يغره الشيطان فإنه يقول له افعل ما شئت فإن ربك كريم لا يعذب أحدا و قيل إنما قال سبحانه الكريم دون سائر أسمائه و صفاته لأنه كأنه لقنه الجواب حتى يقول غرني كرم الكريم

 و في مجمع البيان روي أن النبي ص لما تلا هذه الآية قال غره جهله

    فَسَوَّاكَ أي جعل أعضاءك سليمة مسواة معدة لمنافعها فعدَّلك قيل التعديل جعل البنية معتدلة متناسبة الأعضاء أو معدلة بما يستعدها من القوى و قرأ الكوفيون فَعَدَلَكَ بالتخفيف أي عدل بعض أعضائك ببعض حتى اعتدلت أو فصرفك عن خلقه غيرك و ميزك بخلقة فارقت خلقة سائر الحيوانات فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ أي ركبك في أي صورة شاءها و ما مزيدة و قيل شرطية و ركبك جوابها و الظرف صفة عدلك و إنما لم يعطف الجملة على ما قبلها لأنها بيان لعدلك. فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ قيل ليعلم صحة إعادته فلا يملي على حافظيه إلا ما ينفعه في عاقبته خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ قال الرازي الدفق صب الماء يقال دفقت الماء إذا صببته فهو مدفوق و مندفق و اختلف في أنه كيف وصف بأنه دافق الأول أن معناه ذو اندفاق كما يقال دارع و تارس و لابن و تامر أي ذو درع و ترس و لبن و تمر. الثاني أنهم يسمون المفعول باسم الفاعل قال الفراء و أهل الحجاز أجعل لهذا من غيرهم يجعلون الفاعل مفعولا إذا كان في مذهب النعت كقولهم سر كاتم و هم ناصب و ليل قائم و كقوله تعالى فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ. الثالث ذكر الخليل دفق الماء دفقا و دفوقا إذا انصب. الرابع صاحب الماء لما كان دافقا أطلق ذلك على المجاز. بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ قال الجوهري التريبة واحدة الترائب و هي عظام الصدر ما بين الترقوة إلى الشذوة انتهى و قال الرازي ترائب المرأة عظام صدرها حيث تكون القلادة و كل عظم من ذلك تريبة و هذا قول جميع أهل اللغة ثم قال في هذه الآية قولان أحدهما أن الولد مخلوق من الماء الذي يخرج من صلب الرجل و ترائب المرأة و قال آخرون إنه مخلوق من الماء الذي يخرج من صلب الرجل و ترائبه و احتج صاحب القول الثاني على مذهبه بوجهين الأول أن ماء   الرجل خارج من الصلب فقط و ماء المرأة خارج من ترائب المرأة فقط و على هذا التقدير لا يحصل هناك ماء خرج من بين الصلب و الترائب و ذلك على خلاف الآية الثاني أنه تعالى بين أن الإنسان مخلوق من ماء دافق و الذي وصف بذلك هو ماء الرجل ثم وصفه بأنه يخرج هذا الدافق من بين الصلب و الترائب و ذلك يدل على أن الولد مخلوق من ماء الرجل فقط و أجاب القائلون بالقول الأول عن الحجة الأولى أنه يجوز أن يقال للشيئين المتباينين أنه يخرج من بين هذين خير كثير و لأن الرجل و المرأة عند اجتماعها يصيران كالشي‏ء الواحد فحسن هذا اللفظ هناك و عن الثانية بأن هذا من باب إطلاق اسم البعض على الكل فلما كان أحد قسمي المني دافقا أطلق هذا الاسم على المجموع ثم قالوا و الذي يدل على أن الولد مخلوق منهم أن مني الرجل وحده صغير و لا يكفي

 و روي أنه ص قال إذا غلب ماء الرجل يكون ذكرا و يعود شبهه إليه و إلى أقاربه و إذا غلب ماء المرأة فإليها و إلى أقاربها يعود الشبه

و ذلك يقتضي صحة القول الأول. ثم قال و اعلم أن الملحدين طعنوا في هذه الآية فقالوا إن كان المراد من قوله يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ أن المني إنما ينفصل من تلك المواضع فليس الأمر كذلك لأنه إنما يتولد عن فضله الهضم الرابع و ينفصل عن جميع أجزاء البدن حتى يأخذ من كل عضو طبيعة و خاصية فيصير مستعدا لأن يتولد منه مثل تلك الأعضاء و لذلك قيل إن المفرط في الجماع يستولي الضعف عليه في جميع أعضائه و إذا كان المراد أن معظم المني يتولد هناك فهو ضعيف بل معظم أجزائه إنما يتولد في الدماغ و الدليل عليه أنه في صورته يشبه الدماغ و لأن المكثر منه يظهر الضعف أولا في عينيه و إن كان المراد أن مستقر المني هناك فهو ضعيف لأن مستقر المني هو أوعية المني و هي عروق تلتف بعضها ببعض عند الأنثيين و إن كان المراد أن مخرج   المني هناك فهو ضعيف فإن الحس يدل على أنه ليس كذلك. و الجواب لا شك أن معظم الأعضاء معونة في توليد المني هو الدماغ و للدماغ خليفة و هي النخاع في الصلب و شعب كثيرة نازلة إلى مقدم البدن و هو التريبة فلهذا السبب خصص الله هذين العضوين بالذكر على أن كلامكم في كيفية تولد المني و كيفية تولد الأعضاء عن المني محض الوهم و الظن الضعيف و كلام الله أولى بالقبول انتهى. و قال البيضاوي مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ بين صلب الرجل و ترائب المرأة و هي عظام صدرها و لو صح أن النطفة تتولد من فضله الهضم الرابع و تنفصل عن جميع الأعضاء حتى يستعد أن يتولد منها مثل تلك الأعضاء و مقرها عروق التف بعضها ببعض عند البيضتين فالدماغ أعظم الأعضاء معونة في توليدها و لذلك تشبهه و يسرع الإفراط في الجماع بالضعف فيه و له خليفة و هي النخاع و هو في الصلب و شعب كثيرة نازلة إلى الترائب و هما أقرب إلى أوعية المني فلذلك خصا بالذكر انتهى. و أقول على تقدير تسليم ما ذكره الأطباء في ذلك يمكن أن يكون المراد خروج المني من الرجل و المرأة من أعضاء محصورة بين الصلب من جهة الخلف و الترائب من جهة القدام بأن يكون الصلب و الترائب مقصودين في كل من الرجل و المرأة و يكون هذا التعبير لبيان كثرة مدخلية الصلب و الترائب فيهما و كون ماء المرأة غير دافق ممنوع بل الظاهر أن له أيضا دفقا لكنه لما كان في داخل الرحم لا يظهر كثيرا و ما ورد في الأخبار من تخصيص الصلب بالرجل و الترائب بالمرأة لكون الصلب أدخل

    في مني الرجل و الترائب في مني المرأة و يؤيده أن الأطباء ذكروا من آداب الجماع دغدغة ثدي المرأة لتهييج شهوتها و عللوه بأن الثدي شديد المشاركة للرحم

1-  المناقب، أبو جعفر الطوسي في الأمالي و أبو نعيم في الحلية و صاحب الروضة بالإسناد عن محمد الصيرفي و عبد الرحمن بن سالم قال دخل أبو حنيفة على الصادق ع فقال ع له البول أقذر أم المني قال البول قال يجب على قياسك أن يجب الغسل من البول دون المني و قد أوجب الله الغسل من المني دون البول ثم قال لأن المني اختيار و يخرج من جميع الجسد و يكون في الأيام و البول ضرورة و يكون في اليوم مرات قال أبو حنيفة كيف يخرج من جميع الجسد و الله يقول مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ قال أبو عبد الله ع فهل قال لا يخرج من غير هذين الموضعين ثم قال ع لم لا تحيض المرأة إذا حبلت قال لا أدري قال ع حبس الله الدم فجعله غذاء للولد إلى آخر الخبر بطوله

2-  تفسير النعماني، بإسناده عن الصادق ع قال سئل أمير المؤمنين ع عن مشابه الخلق فقال هو على ثلاثة أوجه فمنه خلق الاختراع كقوله سبحانه خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ و خلق الاستحالة قوله تعالى يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ و قوله هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ الآية و أما خلق التقدير فقوله لعيسى وَ إِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ الآية

3-  الكافي، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن أحمد   بن أشيم عن بعض أصحابه قال أصاب رجل غلامين في بطن فهنأه أبو عبد الله ع ثم قال أيهما أكبر فقال الذي خرج أولا فقال أبو عبد الله ع الذي خرج آخرا هو أكبر أ ما تعلم أنها حملت بذاك أولا و أن هذا دخل على ذاك فلم يمكنه أن يخرج حتى خرج هذا فالذي يخرج آخرا هو أكبرهما

 المناقب، مرسلا مثله بيان لم أر قائلا به و لعله ليس غرضه ع الكبر الذي هو مناط الأحكام الشرعية

4-  الكافي، عن العدة عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن وهب عن أبي عبد الله ع قال أمير المؤمنين ع يعيش الولد لستة أشهر و لسبعة أشهر و لتسعة أشهر و لا يعيش لثمانية أشهر

5-  و منه، عن علي بن محمد عن صالح بن أبي حماد عن يونس بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن سيابة عمن حدثه عن أبي جعفر ع قال سألته عن غاية الحمل بالولد في بطن أمه كم هو فإن الناس يقولون ربما يبقى في بطنها سنين فقال كذبوا أقصى حد الحمل تسعة أشهر لا يزيد لحظة و لو زاد ساعة لقتل أمه قبل أن يخرج

6-  و منه، عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسن عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن محمد بن مسلم قال كنت جالسا عند أبي عبد الله ع إذ دخل يونس بن يعقوب فرأيته يئن فقال له أبو عبد الله ع ما لي أراك تئن قال طفل لي تأذيت به الليل أجمع فقال له أبو عبد الله ع يا يونس حدثني أبي محمد بن علي عن آبائه ع عن جدي رسول الله ص أن جبرئيل نزل عليه و رسول الله و علي   يئنان فقال جبرئيل يا حبيب الله ما لي أراك تئن فقال رسول الله ص من أجل طفلين لنا تأذينا ببكائهما فقال جبرئيل مه يا محمد فإنه سيبعث لهؤلاء القوم شيعة إذا بكى أحدهم فبكاؤه لا إله إلا الله إلى أن يأتي عليه سبع سنين فإذا جاز السبع فبكاؤه استغفار لوالديه إلى أن يأتي عليه الحد فإذا جاز الحد فما أتى من حسنة فلوالديه و ما أتى من سيئة فلا عليهما

 بيان فبكاؤه لا إله إلا الله لعل المعنى أنه يعطي والداه ببكائه ثواب التهليل

7-  العلل، و العيون، عن محمد بن الحسن بن الوليد عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن حمزة الأشعري عن ياسر الخادم قال سمعت أبا الحسن الرضا ع يقول إن أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن يوم يلد و يخرج من بطن أمه فيرى الدنيا و يوم يموت و يعاين الآخرة و أهلها و يوم يبعث فيرى أحكاما لم يرها في دار الدنيا و قد سلم الله عز و جل على يحيى ع في هذا المواطن الثلاثة و آمن روعته فقال وَ سَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَ يَوْمَ يَمُوتُ وَ يَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا و قد سلم عيسى ابن مريم ع على نفسه في هذه المواطن الثلاثة فقال وَ السَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَ يَوْمَ أَمُوتُ وَ يَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا

8-  المناقب، قال عمران الصابي للرضا ع ما بال الرجل إذا كان مؤنثا و المرأة إذا كانت مذكرة قال ع علة ذلك أن المرأة إذا حملت و صار الغلام منها في الرحم موضع الجارية كان مؤنثا و إذا صارت الجارية موضع الغلام كانت مذكرة و ذلك أن موضع الغلام في الرحم مما يلي ميامنها و الجارية مما يلي مياسرها   و ربما ولدت المرأة ولدين في بطن واحد فإن عظم ثدياها جميعا تحمل توأمين و إن عظم أحد ثدييها كان ذلك دليلا على أنه تلد واحدا إلا أنه إذا كان الثدي الأيمن أعظم كان المولد ذكرا و إذا كان الأيسر أعظم كان المولود أنثى و إذا كانت حاملا فضمر ثديها الأيمن فإنها تسقط غلاما و إذا ضمر ثديها الأيسر فإنها تسقط أنثى و إذا ضمرا جميعا تسقطهما جميعا قال من أي شي‏ء الطول و القصر في الإنسان فقال من قبل النطفة إذا خرجت من الذكر فاستدارت جاء القصر و إن استطالت جاء الطول

9-  تفسير الإمام، و الاحتجاج، بالإسناد إلى أبي محمد العسكري ع عن جابر بن عبد الله قال سأل ابن صوريا النبي ص فقال أخبرني يا محمد الولد يكون من الرجل أو من المرأة فقال النبي ص أما العظام و العصب و العروق فمن الرجل و أما اللحم و الدم و الشعر فمن المرأة قال صدقت يا محمد ثم قال يا محمد فما بال الولد يشبه أعمامه ليس فيه من شبه أخواله شي‏ء و يشبه أخواله ليس فيه من شبه أعمامه شي‏ء فقال رسول الله ص أيهما علا ماؤه ماء صاحبه كان الشبه له قال صدقت يا محمد فأخبرني عمن لا يولد له و من يولد له فقال إذا مغرت النطفة لم يولد له أي إذا احمرت و كدرت و إذا كانت صافية ولد له الخبر

10-  الاحتجاج، عن ثوبان قال إن يهوديا جاء إلى النبي ص فقال يا محمد أسألك عن شي‏ء لا يعلمه إلا نبي قال و ما هو قال عن شبه الولد أباه و أمه قال ماء الرجل أبيض غليظ و ماء المرأة أصفر رقيق فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة كان الولد ذكرا بإذن الله عز و جل و من قبل ذلك يكون الشبه و إذا علا ماء المرأة ماء الرجل خرج الولد أنثى بإذن الله تعالى و من قبل ذلك يكون الشبه الخبر

 العلل، عن علي بن أحمد بن محمد عن حمزة بن القاسم العلوي عن علي بن   الحسين بن الجنيد البزاز عن إبراهيم بن موسى الفراء عن محمد بن ثور عن معمر بن يحيى عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن مرة عن ثوبان مثله أقول سيأتي أخبار الخضر في هذا المعنى في باب النفس و أحوالها

11-  تفسير علي بن إبراهيم، عن أبيه عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله ع قال إذا بلغ الولد أربعة أشهر فقد صار فيه الحياة الخبر

12-  و منه، قال علي بن إبراهيم في قوله فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ قال النطفة التي تخرج بقوة يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ قال الصلب الرجل و الترائب المرأة و هي صدرها

13-  الكافي، عن علي بن محمد بن عبد الله عن إبراهيم بن إسحاق عن محمد بن سليمان الديلمي عن أبيه عن أبي عبد الله عن أبيه ع قال إن الله عز و جل خلق خلاقين فإذا أراد أن يخلق خلقا أمرهم فأخذوا من التربة التي قال في كتابه مِنْها خَلَقْناكُمْ وَ فِيها نُعِيدُكُمْ وَ مِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى فعجن النطفة بتلك التربة التي يخلق منها بعد أن أسكنها الرحم أربعين ليلة فإذا تمت له أربعة أشهر قالوا يا رب تخلق ما ذا فيأمرهم بما يريد من ذكر و أنثى أبيض أو أسود فإذا خرجت الروح من البدن خرجت هذه النطفة بعينها منه كائنا ما كان صغيرا أو كبيرا ذكرا أو أنثى فلذلك يغسل الميت غسل الجنابة

 بيان خلاقين أي ملائكة خلاقين و الخلق هنا بمعنى التقدير لا الإيجاد و ظاهره خروج المني الأول بعينها من فيه أو عينه و يمكن أن يحفظ الله تعالى جزء من تلك النطفة مدة حياته و يحتمل أن يكون المراد أن هذا الماء من جنس النطفة فعلة الغسل مشتركة

    -14  الكافي، عن العدة عن سهل عن الحجال عن ابن بكير عن أبي منهال عن الحارث بن المغيرة قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن النطفة إذا وقعت في الرحم بعث الله عز و جل ملكا فأخذ من التربة التي يدفن فيها فماثها في النطفة فلا يزال قلبه يحن إليها حتى يدفن فيها

 بيان الموث الخلط و الحنين الشوق

15-  العلل، عن علي بن أحمد بن محمد بن يعقوب عن علي بن محمد بإسناده رفعه قال أتى علي بن أبي طالب يهودي فسأله عن مسائل فكان في ما سأله أخبرني عن شبه الولد أعمامه و أخواله و من أي النطفتين يكون الشعر و اللحم و العظم و العصب فقال ع أما شبه الولد أعمامه و أخواله فإذا سبق نطفة الرجل نطفة المرأة إلى الرحم خرج شبه الولد إلى أعمامه و من نطفة الرجل يكون العظم و العصب و إذا سبق نطفة المرأة نطفة الرجل إلى الرحم خرج شبه الولد إلى أخواله و من نطفتها يكون الشعر و الجلد و اللحم لأنها صفراء رقيقة الخبر

16-  و منه، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله ع فقلت له إن الرجل ربما أشبه أخواله و ربما أشبه عمومته فقال إن نطفة الرجل بيضاء غليظة و نطفة المرأة صفراء رقيقة فإن غلبت نطفة الرجل نطفة المرأة أشبه الرجل أباه و عمومته و إن غلبت نطفة المرأة نطفة الرجل أشبه الرجل أخواله

17-  و منه، عن علي بن حاتم في ما كتب إلي عن القاسم بن محمد عن حمدان بن الحسين عن الحسين بن الوليد عن ابن بكير عن عبد الله بن سنان عن   أبي عبد الله ع قال قلت له المولود يشبه أباه و عمه قال إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة فالولد يشبه أباه و عمه و إذا سبق ماء المرأة ماء الرجل يشبه الولد أمه و خاله

18-  و منه، عن العباس بن محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني عن محمد بن يوسف الخلال عن محمد بن خليل المحرمي عن عبد الله بن بكر المسمعي عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال سأل عبد الله بن سلام النبي ص فقال ما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه قال ص إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد إليه الخبر

 بيان في القاموس نزع أباه و إليه أشبهه و أقول يحتمل أن يكون المراد بالسبق الغلبة ليوافق خبر أبي بصير أو العلو ليطابق رواية ثوبان و غيره و يمكن كون كل منها سببا لذلك و أقول مضامين تلك الأخبار مروية من طرق العامة أيضا و في كتبهم

 و رووا أيضا أن حبرا من أحبار اليهود سأل النبي ص عن الولد فقال ماء الرجل أبيض و ماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكر بإذن الله تعالى

و قال بعضهم معنى العلو الغلبة على الآخر و معنى السبق الخروج أولا و زعم بعضهم أن العلو علة شبه الأعمام و الأخوال و السبق علة الإذكار و الإيناث و رد ذلك التفصيل بأنه جعل في حديث الحبر العلو علة الإذكار و الإيناث و أجاب عنه بعضهم بأن العلو في حديث الحبر بمعنى السبق إلى الرحم لأن ما علا سبق و يتعين تفسيره بذلك فإنه في حديث آخر جعل العلو علة شبه الأعمام و الأخوال و جعله في حديث الحبر علة الإذكار و الإيناث فلو أبقينا العلو في حديث الحبر على   بابه لزم بمقتضى الحديث أن يكون العلو علة في شبه الأعمام و الأخوال و في الإذكار و الإيناث و لا يصح لأن الحس يكذبه لأنا نشاهد الولد ذكرا و يشبه الأخوال و وجه الجمع بين أحاديث الباب أن يكون الشبه المذكور في هذا الحديث يعني به الشبه الأعم من كونه في التذكير و التأنيث و شبه الأعمام و الأخوال و السبق إلى الرحم علة للتذكير و التأنيث و يخرج من مجموع ذلك أن الأقسام أربعة إن سبقه ماء الرجل و علا أذكر و أشبه الولد أعمامه و إن سبق ماء المرأة و علا ماؤه أنث و أشبه الولد أعمامه انتهى

19-  العلل، عن أبيه عن أحمد بن إدريس عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن جعفر بن بشير عن رجل عن أبي عبد الله ع قال إن الله تبارك و تعالى إذا أراد أن يخلق خلقا جمع كل صورة بينه و بين أبيه إلى آدم ثم خلقه على صورة أحدهم فلا يقولن أحد هذا لا يشبهني و لا يشبه شيئا من آبائي

20-  و منه، عن المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي عن جعفر بن محمد بن مسعود العياشي عن أبيه عن علي بن الحسن عن محمد بن عبد الله بن زرارة عن علي بن عبد الله عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين ع قال تعتلج النطفتان في الرحم فأيتهما كانت أكثر جاءت تشبهها فإن كانت نطفة المرأة أكثر جاءت تشبه أخواله و إن كانت نطفة الرجل أكثر جاءت تشبه أعمامه و قال تحول النطفة في الرحم أربعين يوما فمن أراد أن يدعو الله عز و جل ففي تلك الأربعين قبل أن تخلق ثم يبعث الله عز و جل ملك الأرحام فيأخذها فيصعد بها إلى الله عز و جل فيقف منه ما شاء الله فيقول يا إلهي أ ذكر أم أنثى فيوحي الله عز و جل إليه من ذلك ما يشاء و يكتب الملك ثم يقول إلهي أ شقي أم سعيد فيوحي الله عز و جل إليه من ذلك ما يشاء و يكتب الملك   فيقول اللهم كم رزقه و ما أجله ثم يكتبه و يكتب كل شي‏ء يصيبه في الدنيا بين عينيه ثم يرجع به فيرده في الرحم فذلك قول الله عز و جل ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها

 بيان في القاموس اعتلجوا اتخذوا صراعا و قتالا و الأرض طال نباتها و الأمواج التطمت

21-  العلل، عن أبيه عن محمد بن أبي القاسم عن محمد بن علي الكوفي عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم عن الهيثم بن واقد عن مقرن عن أبي عبد الله ع قال سأل سلمان رضي الله عنه عليا ع عن رزق الولد في بطن أمه فقال إن الله تبارك و تعالى حبس عليها الحيضة فجعلها رزقه في بطن أمه

22-  و منه، عن الحسين بن أحمد عن أبيه عن ابن عيسى عن البزنطي عن عبد الرحمن بن حماد قال سألت أبا إبراهيم ع عن الميت لم يغسل غسل الجنابة قال إن الله تبارك و تعالى أعلى و أخلص من أن يبعث الأشياء بيده إن لله تبارك و تعالى ملكين خلاقين فإذا أراد أن يخلق خلقا أمر أولئك الخلاقين فأخذوا من التربة التي قال الله في كتابه مِنْها خَلَقْناكُمْ وَ فِيها نُعِيدُكُمْ وَ مِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى فعجنوها بالنطفة المسكنة في الرحم فإذا عجنت النطفة بالتربة قالا يا رب ما تخلق قال فيوحي الله تبارك و تعالى ما يريد من ذلك ذكرا أو أنثى مؤمنا أو كافرا أسود أو أبيض شقيا أو سعيدا فإن مات سالت منه تلك النطفة بعينها لا غيرها فمن   ثم صار الميت يغسل غسل الجنابة

 بيان أمر أولئك الخلاقين كان الجمعية على المجاز أو المراد بالملكين نوعين من الملك لكل امرأة شخصان فيجري فيهما التثنية و الجمع باعتبارين

23-  المحاسن، عن أبيه عن هارون بن الجهم عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله ع قال إن الله تبارك و تعالى يقول في كتابه لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ يعني منتصبا في بطن أمه مقاديمه إلى مقاديم أمه و مواخيره إلى مواخير أمه غذاؤه مما تأكل أمه و يشرب مما تشرب تنسمه تنسيما و ميثاقه الذي أخذ الله عليه بين عينيه فإذا دنا ولادته أتاه ملك يسمى الزاجر فيزجره فينقلب فيصير مقاديمه إلى مواخر أمه و مواخيره إلى مقدم أمه ليسهل الله على المرأة و الولد أمره و يصيب ذلك جميع الناس إلا إذا كان عاتيا فإذا زجره فزع و انقلب و وقع إلى الأرض باكيا من زجرة الزاجر و نسي الميثاق

 أقول تمامه و شرحه في باب جوامع أحوال الدواب و الأنعام

24-  العياشي، عن عبد الملك بن أعين قال إذا زنى الرجل أدخل الشيطان ذكره ثم عملا جميعا ثم تختلف النطفتان فيخلق الله منهما فيكون شرك الشيطان

25-  و منه، عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر ع قال سألته عن شرك الشيطان قوله وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ قال ما كان من مال حرام فهو شرك الشيطان قال و يكون مع الرجل حتى يجامع فيكون من نطفته و نطفة الرجل إذا كان حراما

26-  العلل، لمحمد بن علي بن إبراهيم العلة في تحويل آدم لحما و دما بعد أربعين سنة أنه لم يكن في رحم و لا بطن و كان ظاهرا بارزا فتحول لحما و دما بعد أربعين سنة

27-  المناقب، عن سلام بن المستنير عن أبي جعفر في خبر طويل يذكر   فيه خلق الولد في بطن أمه قال و يبعث الله ملكا يقال له الزاجر فيزجره زجرة فيفزع الولد منها و ينقلب فتصير رجلاه أسفل البطن ليسهل الله عز و جل على المرأة و على الولد الخروج قال فإن احتبس زجره زجرة أخرى شديدة فيفزع منها فيسقط إلى الأرض فزعا باكيا من الزجر

28-  الكافي، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد و علي بن إبراهيم عن أبيه جميعا عن الحسن بن محبوب عن محمد بن النعمان عن سلام بن المستنير قال سألت أبا جعفر ع عن قول الله عز و جل مُخَلَّقَةٍ وَ غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ فقال المخلقة هم الذر الذين خلقهم الله في صلب آدم ع أخذ عليهم الميثاق ثم أجراهم في أصلاب الرجال و أرحام النساء و هم الذين يخرجون إلى الدنيا حتى يسألوا عن الميثاق و أما قوله وَ غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ فهم كل نسمة لم يخلقهم الله في صلب آدم ع حين خلق الذر و أخذ عليهم الميثاق و هم النطف من العزل و السقط قبل أن ينفخ فيه الروح و الحياة و البقاء

 بيان على تأويله ع يحتمل أن يكون الخلق بمعنى التقدير أي ما قدر في الذر أن ينفخ فيه الروح و ما لم يقدر

29-  الكافي، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى عن حريز عمن ذكره عن أحدهما ع في قول الله عز و جل يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَ ما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَ ما تَزْدادُ قال الغيض كل حمل دون تسعة أشهر و ما يزداد كل شي‏ء يزداد على تسعة أشهر فكلما رأت المرأة الدم الخالص في حملها فإنها تزداد بعدد الأيام التي رأت في حملها من الدم

30-  و منه، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن الحسن بن الجهم قال سمعت أبا الحسن الرضا ع يقول قال أبو جعفر ع إن النطفة تكون في الرحم أربعين يوما ثم تصير علقة أربعين يوما ثم تصير مضغة أربعين يوما   فإذا كمل أربعة أشهر بعث الله عز و جل ملكين خلاقين فيقولان يا رب ما تخلق ذكرا أو أنثى فيؤمران فيقولان يا رب شقيا أو سعيدا فيؤمران فيقولان يا رب ما أجله و ما رزقه و ما كل شي‏ء من حاله و عدد من ذلك أشياء و يكتبان الميثاق بين عينيه فإذا أكمل الله الأجل بعث الله ملكا فزجره زجرة فيخرج و قد نسي الميثاق و قال الحسن بن الجهم فقلت له أ فيجوز أن يدعو الله عز و جل فيحول الأنثى ذكرا أو الذكر أنثى فقال إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ

 بيان قيل كتابة الميثاق كناية عن مفطوريته على خلقه قابلة للتوحيد و سائر المعارف و نسيان الميثاق كناية عن دخوله في عالم الأسباب المشتمل على موانع تعقل ما فطر عليه. أقول قد مر بسط القول في تلك الأخبار في كتاب العدل

31-  الكافي، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد و علي بن إبراهيم عن أبيه جميعا عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن زرارة عن أبي جعفر ع قال إن الله عز و جل إذا أراد أن يخلق النطفة التي أخذ عليها الميثاق في صلب آدم أو ما يبدو له فيه و يجعلها في الرحم حرك الرجل للجماع و أوحى إلى الرحم أن افتحي بابك حتى يلج فيك خلقي و قضائي النافذ و قدري فتفتح الرحم بابها فتصل النطفة إلى الرحم فتردد فيه أربعين يوما ثم تصير علقة أربعين يوما ثم تصير مضغة أربعين يوما ثم تصير لحما تجري فيه عروق مشتبكة ثم يبعث الله ملكين خلاقين يخلقان في الأرحام ما يشاء يقتحمان في بطن المرأة من فم المرأة فيصلان إلى الرحم و فيها الروح القديمة المنقولة في أصلاب الرجال و أرحام النساء فينفخان فيها روح الحياة و البقاء و يشقان له السمع و البصر و جميع الجوارح و جميع ما في البطن بإذن الله تعالى ثم يوحي الله إلى الملكين اكتبا عليه قضائي و قدري و نافذ أمري و اشترطا لي البداء في ما تكتبان   فيقولان يا رب ما نكتب قال فيوحي الله عز و جل إليهما أن ارفعا رءوسكما إلى رأس أمه فيرفعان رءوسها فإذا اللوح يقرع جبهة أمه فينظران فيه فيجدان في اللوح صورته و رؤيته و أجله و ميثاقه شقيا أو سعيدا و جميع شأنه قال فيملي أحدهما على صاحبه فيكتبان جميع ما في اللوح و يشترطان البداء في ما يكتبان ثم يختمان الكتاب و يجعلانه بين عينيه ثم يقيمانه قائما في بطن أمه قال فربما عتا فانقلب و لا يكون ذلك إلا في كل عات أو مارد فإذا بلغ أوان خروج الولد تاما أو غير تام أوحى الله عز و جل إلى الرحم أن افتحي بابك حتى يخرج خلقي إلى أرضي و ينفذ فيه أمري فقد بلغ أوان خروجه قال فيفتح الرحم باب الولد فيبعث الله عز و جل إليه ملكا يقال له زاجر فيزجره زجرة فيفزع منها الولد فينقلب فيصير رجلاه فوق رأسه و رأسه في أسفل البطن ليسهل الله على المرأة و على الولد الخروج قال فإذا احتبس زجره الملك زجرة أخرى فيفزع منها فيسقط الولد إلى الأرض باكيا فزعا من الزجرة

 بيان قوله أو ما يبدو له فيه من البداء و قد مر معناه في محله و المعنى لم يؤخذ عليه الميثاق أولا في صلب آدم و لكن بدا له ثانيا بعد خروجه من صلبه أن يأخذ عليها الميثاق و يحتمل أن يكون المراد به ما فسر به غير المخلقة في الخبر السابق فيكون مشاركا للأول في بعض ما سيذكر كما أن القسم الأول أيضا قد يسقط قبل كماله فلا يجري فيه جميع ما في الخبر و يحتمل أيضا أن يراد بالأول من يصل إلى حد التكليف و يؤخذ بما أخذ عليه من الميثاق و بالثاني من يموت قبل ذلك حرك الرجل بإلقاء الشهوة عليه و الإيحاء كأنه على سبيل الأمر التكويني لا التكليفي أي تنفتح بقدرته و إرادته تعالى أو كناية عن فطرة إياها على الإطاعة طمعا كما قيل فتردد بحذف إحدى التاءين أي تتحول من حال إلى حال و قد مر أن الخلق   المنسوب إلى الملك بمعنى التقدير و التصوير و التخطيط كما هو معناه المعروف في أصل اللغة فيقتحمان أي يدخلان من غير اختيار لها و إذن منها و فيها الروح القديمة أي الروح المخلوق في الزمان المتقادم قبل خلق جسده و كثيرا ما يطلق القديم في اللغة و العرف على هذا المعنى كما لا يخفى على من تتبع كتب اللغة و موارد الاستعمالات و المراد بها النفس النباتية أو الروح الحيوانية أو الإنسانية قوله رؤيته أي ما يرى منه و يمكن أن يقرأ بالتشديد بمعنى التفكر و الفهم و العتو مجاوزة الحد و الاستكبار. ثم اعلم أن للعلماء في أمثال هذا الخبر مسالك فمنهم من آمن بظاهرها و وكل علمها إلى من صدرت عنه و هذا سبيل المتقين و منهم من يقول ما يفهم من ظاهره حق و لا عبرة باستبعاد الأوهام في ما صدر عن أئمة الأنام ع و منهم من قال هذا على سبيل التمثيل كأنه ع شبه ما يعلمه سبحانه من حاله و طينته و ما يستحقه من الكمالات و ما أودع فيه من درجات الاستعدادات بمجي‏ء الملكين و كتابتهما على جبهته و غير ذلك و قال بعضهم قرع اللوح جبهة أمه كأنه كناية عن ظهور أحوال أمه و صفاتها و أخلاقها من ناصيتها و صورتها التي خلقت عليها كأنها جميعا مكتوبة عليها و إنما يستنبط الأحوال التي ينبغي أن يكون الولد عليها من ناصية أمه و يكتب ذلك على وفق ما ثمة للمناسبة التي تكون بينه و بينها و ذلك لأن جوهر الروح إنما يفيض على البدن بحسب استعداده و قبوله إياه و استعداد البدن تابع لاستعداد نفس الأبوين و صفاتهما و أخلاقهما لا سيما الأم المربية له على وفق ما جاء به من ظهر أبيه فهي حينئذ مشتملة على أحواله الأبوية و الأمية و جعل الكتاب المختوم بين عينيه كناية عن ظهور صفاته و أخلاقه من ناصيته و صورته. أقول الأحوط و الأولى عدم التعرض لأمثال هذه التأويلات الواهية و التسليم لما ورد عن الأئمة الهادية ع

31-  الكافي، عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل أو   غيره قال قلت لأبي جعفر ع جعلت فداك الرجل يدعو للحبلى أن يجعل الله ما في بطنها ذكرا سويا فقال يدعو ما بينه و بين أربعة أشهر فإنه أربعين ليلة نطفة و أربعين ليلة علقة و أربعين ليلة مضغة فذلك تمام أربعة أشهر ثم يبعث الله ملكين خلاقين فيقولان يا رب ما تخلق ذكرا أو أنثى شقيا أو سعيدا فيقولان يا رب ما رزقه و ما أجله و ما مدته فيقال ذلك و ميثاقه بين عينيه ينظر إليه فلا يزال منتصبا في بطن أمه حتى إذا دنا خروجه بعث الله عز و جل إليه ملكا فزجره زجرة فيخرج و ينسى الميثاق

32-  و منه، عن محمد بن يحيى و غيره عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن إسماعيل بن عمرو عن شعيب العقرقوفي عن أبي عبد الله ع قال إن للرحم أربعة سبل في أي سبيل سلك فيه الماء كان منه الولد واحد أو اثنان و ثلاثة و أربعة و لا يكون إلى سبيل أكثر من واحد

33-  و منه، عن علي بن محمد رفعه عن محمد بن حمران عن أبي عبد الله ع قال إن الله عز و جل خلق للرحم أربعة أوعية فما كان في الأول فللأب و ما كان في الثاني فللأم و ما كان في الثالث فللعمومة و ما كان في الرابع فللخئولة

 بيان فللأب أي يشبه الولد إذا وقعت فيه و كذا البواقي فسياق هذا الخبر غير سياق الخبر المتقدم من بيان أكثر ما يمكن من أن تلد المرأة و إن كان يظهر ذلك منه إيماء و تلويحا و لذا أوردهما الكليني ره في باب أكثر ما تلد المرأة

34-  النهج، ]نهج البلاغة[ قال أيها المخلوق السوي و المنشأ المرعي في ظلمات الأرحام   و مضاعفات الأستار بدئت مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ و وضعت فِي قَرارٍ مَكِينٍ إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ و أجل مقسوم تمور في بطن أمك جنينا لا تحير دعاء و لا تسمع نداء ثم أخرجت من مقرك إلى دار لم تشهدها و لم تعرف سبل منافعها فمن هداك لاجترار الغذاء من ثدي أمك و عرفك عند الحاجة مواضع طلبك و إرادتك هيهات إن من يعجز عن صفات ذي الهيئة و الأدوات فهو عن صفات خالقه أعجز و من تناوله بحدود المخلوقين أبعد

 توضيح السوي العدل و الوسط و رجل سوي أي مستوي الخلقة غير ناقص و أنشأ الخلق ابتدأ خلقهم و الرعاية الحفظ و المرعي من شمله حفظ الراعي و مضاعفات الأستار أي الأستار المضاعفة و الحجب بعضها فوق بعض بدئت من سلالة إشارة إلى قوله تعالى وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ و قد مر وجوه التفسير فيه و هي جارية هاهنا و المكين المتمكن و هو في الأصل صفة للمستقر وصف به المحل مبالغة أو المراد تمكن الرحم في مكانها مربوطة برباطات كما سيأتي و المعنى في مستقر حصين هي الرحم إلى قدر معلوم أي مقدار معين من الزمان قدره الله للولادة و قسمه كضربه و قسمه بالتشديد أي جزأه و فرقه و قسم أمره أي قدره و الأجل المقسوم المدة المقدرة لحياة كل أحد فالظرف متعلق بمحذوف أي منتهيا إلى أجل مقسوم أو يقال الوضع في الرحم غايته ابتداء الأجل أي مدة حياة الدنيا و يحتمل أن يكون تأكيدا للقدر المعلوم و مار الشي‏ء كقال تحرك أو بسرعة و اضطراب و الجنين الولد في البطن لاستتاره من جن أي استتر فإذا ولد فهو منفوس و المحاورة الجواب و مراجعة النطق و يقال كلمته فما أحار إلي جوابا أي لم يجبني و دعوته دعاء ناديته و طلبت إقباله لم تشهدها أي لم تحضرها قبل ذلك و لم تعلم بحالها و الاجترار الجذب مواضع طلبك قيل أي حلمة الثدي و الجمع   باعتبار أن الطفل يمتص من غير ثدي أمه أيضا أو عرفك عند الحاجة إلى كل شي‏ء في دار الدنيا مواضع طلبك و في بعض النسخ و حرك عند الحاجة فالمراد بمواضع الطلب القوى و الآلات التي يحصل بها اجترار الغذاء هيهات أي بعد أن يحيط علما بصفات خالقه الذي هو أبعد الأشياء منه من حيث الحقيقة لعدم المشابهة و المجانسة و ليس له حدود المخلوقين من لا يقدر على وصف نفسه مع أنه أقرب الأشياء إليه و غيره من ذوي الهيئة و الأدوات المجانس له في الذات و الصفات المتصف بحدود المخلوقين

35-  النهج، ]نهج البلاغة[ جعل لكم أسماعا لتعي ما عناها و أبصارا لتجلو عن عشاها و أشلاء جامعة لأعضائها ملاءمة لأحنائها في تركيب صورها و مدد عمرها بأبدان قائمة بأرفاقها و قلوب رائدة لأرزاقها في مجللات نعمه و موجبات مننه و حواجز بليته و جوائز عافيته و قدر لكم أعمارا سترها عنكم و خلف لكم عبرا من آثار الماضين قبلكم إلى قوله ع أم هذا الذي أنشأه في ظلمات الأرحام و شغف الأستار نطفة دهاقا و علقة محاقا و جنينا و راضعا و وليدا و يافعا ثم منحه قلبا حافظا و لسانا لافظا و بصرا لاحظا ليفهم معتبرا و يقصر مزدجرا حتى إذا قام اعتداله و استوى مثاله نفر مستكبرا إلى آخر الخطبة

 توضيح وعاه يعيه حفظه و جمعه و عناه الأمر يعنيه و يعنوه أهمه و العشا بالفتح و القصر سوء البصر بالليل و النهار أو بالليل أو العمى و تجلو بمعنى تكشف قيل أقيم المجلو مقام المجلو عنه و التقدير لتجلو عن قواها عشاها و قيل كلمة عن زائدة أو بمعنى بعد و المفعول محذوف و التقدير لتجلو الأذى بعد عشاها و هو بعيد و المراد جلاء العشا عن البصر الظاهر بأن ينظر إلى ما يعتبر به أو عن بصر القلب بأن يفرق بين الضار و النافع و الأشلاء جمع شلو بالكسر و هو العضو و فسره في القاموس بالجسد أيضا و جمعها للأعضاء على   الثاني واضح و على الأول يمكن حملها على الأعضاء الظاهرة الجامعة للباطنة كما قيل. و أقول يمكن أن يكون المراد بالأعضاء أجزاء الأعضاء و الملاءمة الموافقة و الأحناء جمع حنو بالكسر و هو الجانب و في النهاية لأحنائها أي معاطفها و الغرض الإشارة إلى الحكم و المصالح المرعية في تركيب الأعضاء و ترتيبها و جعل كل منها في موضع يليق بها كما بين بعضها في علم التشريح و كتب منافع الأعضاء و الظرف متعلق بالملاءمة و قيل كأنه قال مركبة و مصورة فأتى بلفظة في كما تقول ركب في سلاحه أو بسلاحه أي متسلحا و الأرفاق جمع رفق بالكسر و هو المنفعة و في القاموس هو ما أستعين به و الأرفاق على هذا عبارة عن الأعضاء و سائر ما يستعين به الإنسان و الباء للاستعانة أو السببية بخلاف الأول و روي بأرماقها و الرمق بقية الروح و الرود الطلب في مجللات نعمه بصيغة الفاعل أي النعم التي تجلل الناس أي تغطيهم كما يتجلل الرجل بالثوب و قيل أي التي تجلل الناس و تعمهم من قولهم سحاب مجلل أي يطبق الأرض و الظرف متعلق بمحذوف و الموضع نصب على الحال و المراد بموجبات المنن على صيغة الفاعل النعم التي توجب الشكر و يروى على صيغة المفعول أي النعم التي أوجبها الله على نفسه لكونه الجواد المطلق و قيل أي ما سقط من نعمه و أفيض على العباد من الوجوب بمعنى السقوط. و حواجز العافية ما يدفع المضار و يروى حواجز بليته أي ما يمنعها و الامتنان بستر الأعمار لكون الاطلاع عليها و اشتغال الخاطر بخوف الموت مما يبطل نظام الدنيا و الغرض تنبيه الغافل عن انقضاء العمر لستر حده و انتهائه و خلف العبر إبقاؤها بعد ارتحال الماضين كأنها خليفة لهم. أم هذا الذي قيل أم هاهنا إما استفهامية على حقيقتها كأنه قال أعظكم و أذكركم بحال الشيطان و إغوائه أم بحال الإنسان من ابتداء وجوده إلى حين مماته و إما أن تكون منقطعة بمعنى بل كأنه قال عادلا و تاركا لما وعظهم به

    بل أتلو عليكم بناء هذا الإنسان الذي حاله كذا و الشغف بضمتين جمع شغاف بالفتح و هو في الأصل غلاف القلب و حجابه استعير هنا لوضع الولد و الدهاق بكسر الدال الذي أدهق أي أفرغ إفراغا شديدا و قيل الدهاق المملوءة من قولهم دهق الكأس كجعله ملأها و يروى دفاقا من دفقت الماء أي صببته و المحق المحو و الإبطال و النقص و سميت ثلاث ليال من آخر الشهر محاقا لأن القمر يقرب من الشمس فتمحقه و استعير للعلقة لأنها لم تتصور بعد فأشبهت ما أبطلت صورته و في الأوصاف تحقير للإنسان كما أومئ إليه بالإشارة و الراضع الطفل يرضع أمه كيسمع أي يمتص ثديها و الأم مرضعة و الوليد المولود و كأن المراد به الفطيم و اليافع الغلام الذي شارف الاحتلام و لما يحتلم يقال أيفع الغلام فهو يافع و هو من النوادر. قال في سر الأدب في ترتيب أحوال الإنسان هو ما دام في الرحم جنين فإذا ولد فوليد ثم ما دام يرضع فرضيع ثم إذا قطع منه اللبن فهو فطيم ثم إذا دب و نمى فهو دارج فإذا بلغ طوله خمسة أشبار فهو خماسي فإذا سقطت رواضعه فهو مثغور فإذا نبتت أسنانه بعد السقوط فهو مثغر فإذا تجاوز العشر أو جاوزها فهو مترعرع و ناشئ فإذا كاد يبلغ الحلم أو بلغه فهو يافع و مراهق فإذا احتلم و اجتمعت قوته فهو حرور و اسمه في جميع هذه الأحوال غلام فإذا اخضر شاربه قيل قد بقل وجهه فإذا صار ذا فتاء فهو فتى و شارخ فإذا اجتمعت لحيته و بلغ غاية شبابه فهو مجتمع ثم ما دام بين الثلاثين و الأربعين فهو شاب ثم هو كهل إلى أن يستوفي الستين و قيل إذا جاوز أربعا و ثلاثين إلى إحدى و خمسين فإذا جاوزها فهو شيخ. ثم منحه أي أعطاه و اللافظ الناطق و يقال لحظ إذا نظر بمؤخر عينيه و كأن المراد هنا مطلق النظر و يقصر على بناء الإفعال أي ينتهي و المعنى أعطاه القوى الثلاثة ليعتبر بحال الماضين و ما نزل بساحة العاصين و ينتهي عما يفضيه إلى أليم النكال و شديد الوبال أو ليفهم دلائل الصنع و القدرة و يستدل بشواهد

    الربوبية على وجوب الطاعة و الانتهاء عن المعصية فينزجر عن الخلاف و العصيان و يتخلص عن الخيبة و الخسران و الاعتدال التناسب و الاستقامة و التوسط بين الحالين في كم أو كيف و قيام الاعتدال تمام الخلقة و الصورة و تناسب الأعضاء و خلوها عن النقص و الزيادة و كمال القوى المحتاج إليها في تحصيل المآرب و استوى أي اعتدل و المثال بالكسر المقدار وصفه الشي‏ء و يقال استوى الرجل إذا بلغ أشده أي قوته و هو ما بين ثمانية عشر إلى ثلاثين و نفرت الدابة كضرب أي فر و ذهب

36-  الفقيه، عن محمد بن علي الكوفي عن إسماعيل بن مهران عن مرازم عن جابر بن يزيد عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال قال رسول الله ص إذا وقع الولد في جوف أمه صار وجهه قبل ظهر أمه إن كان ذكرا و إن كان أنثى صار وجهها قبل بطن أمها يداه على وجنتيه و ذقنه على ركبتيه كهيئة الحزين المهموم فهو كالمصرور منوط بمعاء من سرته إلى سرة أمه فبتلك السرة يغتذي من طعام أمه و شرابها إلى الوقت المقدر لولادته فيبعث الله تعالى ملكا فيكتب على جبهته شقي أو سعيد مؤمن أو كافر غني أو فقير و يكتب أجله و رزقه و سقمه و صحته فإذا انقطع الرزق المقدر له من سرة أمه زجره الملك زجرة فانقلب فزعا من الزجرة و صار رأسه قبل المخرج فإذا وقع إلى الأرض دفع إلى هول عظيم و عذاب أليم إن أصابته ريح أو مشقة أو مسته يد وجد لذلك من الألم ما يجده المسلوخ عند جلده يجوع فلا يقدر على استطعام و يعطش فلا يقدر على استسقاء و يتوجع فلا يقدر على الاستغاثة فيوكل الله تعالى به الرحمة و الشفقة عليه و المحبة له أمه فتقيه الحر و البرد بنفسها و تكاد تفديه بروحها و تصير من التعطف عليه بحال لا   تبالي أن تجوع إذا شبع و تعطش إذا روي و تعرى إذا كسي و جعل الله تعالى ذكره رزقه في ثدي أمه في إحداهما طعامه و في الأخرى شرابه حتى إذا رضع آتاه الله في كل يوم بما قدر له فيه من الرزق و إذا أدرك فهمه الأهل و المال و الشره و الحرص ثم هو مع ذلك بعرض الآفات و العاهات و البليات من كل وجه و الملائكة تهديه و ترشده و الشياطين تضله و تغويه فهو هالك إلا أن ينجيه الله تعالى و قد ذكر الله تعالى ذكره نسبة الإنسان في محكم كتابه فقال عز و جل وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ قال جابر بن عبد الله الأنصاري فقلت يا رسول الله هذه حالنا فكيف حالك و حال الأوصياء بعدك في الولادة فسكت رسول الله ص مليا ثم قال يا جابر لقد سألت عن أمر جسيم لا يحتمله إلا ذو حظ عظيم إن الأنبياء و الأوصياء مخلوقون من نور عظمة الله جل ثناؤه يودع الله أنوارهم أصلابا طيبة و أرحاما طاهرة يحفظها بملائكته و يربيها بحكمته و يغذوها بعلمه فأمرهم يجل عن أن يوصف و أحوالهم تدق عن أن تعلم لأنهم نجوم الله في أرضه و أعلامه في بريته و خلفاؤه على عباده و أنواره في بلاده و حججه على خلقه يا جابر هذا من مكنون العلم و مخزونه فاكتمه إلا من أهله

 بيان في القاموس الوجنة مثلثة و ككلمة و محركة ما ارتفع من الخدين و المصرور الأسير لأنه مجموع اليدين من صررت جمعت و قال صر الناقة شد ضرعها و قال ناطه نوطا علقه و الشره بالتحريك غلبة الحرص

    -37  الكافي، عن العدة عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن فضال و محمد بن عيسى عن يونس قالا عرضنا كتاب الفرائض عن أمير المؤمنين ع على أبي الحسن الرضا ع و مما فيه أن أمير المؤمنين ع جعل دية الجنين مائة دينار و جعل مني الرجل إلى أن يكون جنينا خمسة أجزاء فإذا كان جنينا قبل أن تلجه الروح مائة دينار و ذلك أن الله عز و جل خلق الإنسان من سلالة و هي النطفة فهذا جزء ثم علقة فهو جزءان ثم مضغة فهو ثلاثة أجزاء ثم عظما فهو أربعة أجزاء ثم يكسى لحما فحينئذ تم جنينا فكملت له خمسة أجزاء مائة دينار إلى قوله فإذا أنشئ فيه خلق آخر و هو الروح فهو حينئذ نفس فيه ألف دينار كاملة إن كان ذكرا و إن كان أنثى فخمسمائة دينار

38-  و منه، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن محبوب عن أبي أيوب الخزاز عن محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر ع عن الرجل يضرب المرأة فتطرح النطفة فقال عليه عشرون دينارا فقلت فيضربها فتطرح العلقة فقال أربعون دينارا قلت فيضربها فتطرح المضغة قال عليه ستون دينارا قلت فيضربها فتطرحه و قد صار له عظم فقال عليه الدية كاملة بهذا قضى أمير المؤمنين ع قلت فما صفة خلقة النطفة التي تعرف بها فقال النطفة تكون بيضاء مثل النخامة الغليظة فتمكث في الرحم إذا صارت فيه أربعين يوما ثم تصير إلى علقة قلت فما صفة خلقة العلقة التي تعرف بها فقال هي علقة كعلقة الدم المحجمة الجامدة تمكث في الرحم بعد تحويلها عن النطفة أربعين يوما ثم تصير مضغة قلت فما صفة المضغة و خلقتها التي تعرف بها قال هي مضغة لحم حمراء فيها عروق خضر مشتبكة ثم تصير إلى عظم قلت فما صفة خلقته إذا كان عظما فقال إذا كان عظما شق له السمع و البصر و رتبت جوارحه فإذا كان كذلك فإن فيه الدية كاملة

    -39  و منه، عن صالح بن عقبة عن يونس الشيباني قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام فإن خرج في النطفة قطرة دم قال القطرة عشر النطفة فيها اثنان و عشرون دينارا قلت فإن قطرت قطرتين قال أربعة و عشرون دينارا قال قلت فإن قطرت بثلاث قال فست و عشرون دينارا قلت فأربع قال فثمانية و عشرون دينارا و في خمس ثلاثون و ما زاد على النصف فعلى حساب ذلك حتى تصير علقة فإذا صارت علقة ففيها أربعون دينارا فقال له أبو شبل و أخبرنا أبو شبل قال حضرت يونس و أبو عبد الله ع يخبره بالديات قال قلت فإن النطفة خرجت متخضخضة بالدم قال فقال لي فقد علقت إن كان دما صافيا ففيها أربعون دينارا و إن كان دما أسود فلا شي‏ء عليه إلا التعزير لأنه ما كان من دم صاف فذلك للولد و ما كان من دم أسود فذلك من الجوف قال أبو شبل فإن العلقة صار فيها شبه العرق من لحم قال اثنان و أربعون العشر قال قلت فإن عشر الأربعين أربعة قال لا إنما هو عشر المضغة لأنه إنما ذهب عشرها فكلما زادت زيد حتى تبلغ الستين قال قلت فإن رأيت في المضغة شبه العقدة عظما يابسا قال فذلك عظم كذلك أول ما يبتدئ العظم فيبتدئ بخمسة أشهر ففيه أربعة دنانير فإن زاد فزاد أربعة أربعة حتى تتم الثمانين قال قلت و كذلك إذا كسي العظم لحما قال كذلك قلت فإذا وكزها فسقط الصبي فلا يدرى أ حيا كان أم لا قال هيهات يا با شبل إذا مضت الخمسة أشهر فقد صارت فيه الحياة و قد استوجب الدية

 بيان الخضخضة تحريك الماء و نحوه إنما هو عشر المضغة أي عشر الدية التي زيدت لصيرورتها مضغة و الوكز كالوعد الدفع و الطعن و الضرب بجمع الكف ثم إن الخبر يدل على أن ولوج الروح بعد الخمسة أشهر و هو خلاف المشهور و ما   دل عليه غيره من الأخبار من أن ولوج الروح بعد الأربعة أشهر و لعل المراد أنه قد يكون كذلك

40-  الكافي، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن عبد الله بن غالب عن أبيه عن سعيد المسيب قال سألت علي بن الحسين ع عن رجل ضرب امرأته حاملا برجله فطرحت ما في بطنها ميتا فقال إن كان نطفة فإن عليه عشرين دينارا قلت فما حد النطفة فقال هي التي إذا وقعت في الرحم فاستقرت فيه أربعين يوما قال و إن طرحته و هو علقة فإن عليه أربعين دينارا قلت فما حد العلقة فقال هي التي إذا وقعت في الرحم فاستقرت فيه ثمانين يوما قال و إن طرحته و هو مضغة فإن عليه ستين دينارا قلت فما حد المضغة فقال هي التي إذا وقعت في الرحم فاستقرت فيه مائة و عشرين يوما قال و إن طرحته و هو نسمة مخلقة له عظم و لحم مرتب الجوارح قد نفخ فيه روح العقل فإن عليه دية كاملة قلت له أ رأيت تحوله في بطنها إلى حال أ بروح كان ذلك أو بغير روح قال بروح عدا الحياة القديم المنقول في أصلاب الرجال و أرحام النساء و لو لا أنه كان فيه روح عدا الحياة ما تحول من حال إلى حال في الرحم و ما كان إذن على من يقتلانه دية و هو في تلك الحال

 توضيح مرتب الجوارح في بعض النسخ مزيل الجوارح أي امتازت و افترقت جوارحه بعضها عن بعض كما قال تعالى لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا و في بعضها مربل بالراء المهملة و الباء الموحدة قال الجوهري تربلت المرأة كثر لحمها بروح غذاء الحياة المراد إما روح الوالدين أو القوة النامية و في بعضها عدا بالمهملتين من غير مدة فالمراد به أن تحوله بروح غير الروح الذي خلق لأجله قبل   خلق الأجساد لأنه لم يتعلق به بعد فالمراد بالروح الأول القوة النامية أو روح الوالدين و على النسختين المنقول صفة روح لا الحياة و المراد بالقديم ما تقادم زمانه لأنه خلق قبل خلق الأجساد كما سيأتي إن شاء الله و إطلاق القتل على الإسقاط قبل تعلق الروح مجاز

41-  الكافي، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن أبي نصر عن الحسين بن خالد قال قلت لأبي الحسن ع إنا روينا عن النبي ص أنه قال من شرب الخمر لم يحتسب صلاته أربعين يوما قال فقال صدقوا قلت و كيف لا يحتسب صلاته أربعين صباحا لا أقل من ذلك و لا أكثر فقال إن الله جل و عز قدر خلق الإنسان فصيره نطفة أربعين يوما ثم نقلها فصيرها علقة أربعين يوما ثم نقلها فصيرها مضغة أربعين يوما فهو إذا شرب الخمر بقي في مشاشته أربعين يوما على قدر انتقال خلقته ثم قال ع كذلك جميع غذاء أكله و شربه يبقى في مشاشته أربعين يوما

42-  و منه، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن عمرو بن عثمان عن علي بن عيسى رفعه في ما ناجى الله به موسى ع قال يا موسى أنا السيد الكبير إني خلقتك من نطفة مِنْ ماءٍ مَهِينٍ من طينة أخرجتها من أرض ممشوجة فكانت بشرا فأنا صانعها خلقا الخبر

43-  و منه، عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن أحمد بن الحسن عن   عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله ع قال سئل عن الميت يبلى جسده قال نعم حتى لا يبقى لحم و لا عظم إلا طينته التي خلق منها فإنها لا تبلى تبقى في القبر مستديرة حتى يخلق الله منها كما خلق أول مرة

44-  و منه، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن إبراهيم بن مسلم الحلواني عن أبي إسماعيل الصيقل الرازي عن أبي عبد الله ع قال إن في الجنة لثمرة تسمى المزن فإذا أراد الله أن يخلق مؤمنا أقطر منها قطرة فلا تصيب بقلة و لا ثمرة أكل منها مؤمن أو كافر إلا أخرج الله من صلبه مؤمنا

45-  العلل، عن علي بن حاتم عن القاسم بن محمد عن إبراهيم بن مخلد عن أحمد بن إبراهيم عن محمد بن بشير عن محمد بن سنان عن أبي عبد الله القزويني قال سألت أبا جعفر محمد بن علي ع فقلت لأي علة يولد الإنسان هاهنا و يموت في موضع آخر قال إن الله تبارك و تعالى لما خلق خلقه خلقهم من أديم الأرض فيرجع كل إنسان إلى تربته

46-  تفسير الإمام، قال ع في سياق قصة ذبح البقرة ثم ذبحوها و أخذوا قطعة و هي عجب الذنب الذي منه خلق ابن آدم و عليه يركب إذا أراد خلقا جديدا فضربوه بها القصة

47-  البصائر، عن الحسن بن محبوب عن صالح بن سهل الهمداني و غيره عن يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله ع قال إذا أراد الله أن يقبض روح إمام و يخلق من بعده إماما أنزل قطرة من ماء تحت العرش إلى الأرض فيلقيها على ثمرة أو بقلة فيأكل تلك الثمرة أو تلك البقلة الإمام الذي يخلق الله منه نطفة الإمام الذي يقوم من بعده قال فيخلق الله من تلك القطرة نطفة في الصلب ثم يصير إلى الرحم   فيمكث فيها أربعين ليلة فإذا مضى له أربعون ليلة سمع الصوت فإذا مضى له أربعة أشهر كتب على عضده الأيمن وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فإذا خرج إلى الأرض أوتي الحكمة و زين بالعلم و الوقار و ألبس الهيبة و جعل له مصباح من نور يعرف به الضمير و يرى به أعمال العباد

 أقول قد مضت الأخبار في بدء خلق الإمام و خواصه في المجلدات السابقة المتعلقة بالإمامة فلا نعيدها حذرا من التكرار

48-  العلل، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد البرقي عن أبي هاشم الجعفري عن أبي جعفر الثاني ع في حديث طويل ذكر فيه إتيان الخضر أمير المؤمنين ع و سؤاله عن مسائل و أمره ع الحسن بجوابه فقال الحسن ع في سياق الأجوبة و أما ما ذكرت من أمر الرجل يشبه أعمامه و أخواله فإن الرجل إذا أتى أهله بقلب ساكن و عروق هادئة و بدن غير مضطرب استكنت تلك النطفة في تلك الرحم فخرج الولد يشبه أباه و أمه و إن أتاها بقلب غير ساكن و عروق غير هادئة و بدن مضطرب اضطربت تلك النطفة في جوف تلك الرحم فوقعت على عرق من العروق فإن وقعت على عرق من عروق الأعمام أشبه الولد أعمامه و إن وقعت على عرق من عروق الأخوال أشبه أخواله إلى آخر ما سيأتي من الخبر الطويل

 بيان في القاموس هدأ كمنع هدءا و هدوءا سكن و أقول يحتمل أن يكون المراد أنه إذا لم تضطرب النطفة تحصل المشابهة التامة لأن المني يخرج من جميع البدن فيقع كل جزء موقعه و إذا اضطربت حصلت المشابهة الناقصة فيشبه الأعمام إذا كان الأغلب مني الرجل لأنهم أيضا يشبهون الأب مشابهة ناقصة و إن غلب مني الأم أشبه الأخوال كذلك و يمكن أن يكون بعض العروق في بدن الأب منسوبا إلى   الأعمام و في بدن الأم منسوبا إلى الأخوال ففي الاضطراب يعلو المني الخارج من ذلك العرق فالمراد بالعرق مني العرق و هذا لا يخلو من بعد

49-  تفسير الإمام، قال ع في قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ من نطفة مِنْ ماءٍ مَهِينٍ فجعله فِي قَرارٍ مَكِينٍ إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ فقدره فنعم القادر رب العالمين قال رسول الله ص إن النطفة تثبت في الرحم أربعين يوما نطفة ثم يصير علقة أربعين يوما ثم مضغة أربعين يوما ثم يجعل بعده عظما ثم يكسى لحما ثم يلبس الله بعده جلدا ثم ينبت عليه شعرا ثم يبعث الله عز و جل ملك الأرحام فيقال له اكتب أجله و عمله و رزقه و شقيا يكون أو سعيدا فيقول الملك يا رب أنى لي بعلم ذلك فيقال له استمل ذلك من قراء اللوح المحفوظ فيستمليه منهم

50-  الكافي، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أبي محمد المدائني عن عائذ بن حبيب بياع الهروي عن عيسى بن زيد رفعه إلى أبي عبد الله ع قال يثغر الغلام لسبع سنين و يؤمر بالصلاة لتسع و يفرق بينهم في المضاجع لعشر و يحتلم لأربع عشرة و ينتهي طوله إلى اثنتين و عشرين سنة و ينتهي عقله إلى ثمان و عشرين سنة إلا التجارب

 بيان قال المطرزي ثغر الصبي فهو مثغور سقطت رواضعه و أما إذا نبت بعد السقوط فهو مثغر بالتاء و الثاء و قد اثغر على افتعل

51-  الكافي، عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن موسى بن عمر عن علي بن الحسين عن الحسن الضرير عن حماد بن عيسى عن أبي عبد الله ع قال قال أمير المؤمنين ع يشب الصبي كل سنة أربع أصابع بأصابع نفسه

52-  و منه، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني   عن أبي عبد الله عن أبيه ع قال الغلام لا يلقح بتفلك ثدياه و بسطح ريح إبطيه

 بيان لا يلقح لا يجامع و هو كناية عن البلوغ و في القاموس فلك ثديها و تفلك استدار

53-  الكافي، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد و علي بن إبراهيم عن أبيه جميعا عن ابن محبوب عن خليل بن عمرو اليشكري عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله ع قال كان أمير المؤمنين ع يقول إذا كان الغلام ملتاث الأدرة صغير الذكر ساكن النظر فهو ممن يرجى خيره و يؤمن شره قال و إذا كان الغلام شديد الأدرة كبير الذكر حاد النظر فهو ممن لا يرجى خيره و لا يؤمن شره

 توضيح في أكثر النسخ ملتاث الأدرة بالتاء المثناة ثم الثاء المثلثة من اللوثة بالضم و هي الاسترخاء و الأدرة نفخة في الخصية و كأن المراد بها هنا نفس الخصية أي مسترخي الخصية متدليها و في بعضها الإزرة بالزاي أي هيئة الائتزار و التياثة كناية عن أنه لا يجود شد الإزار و المنطقة بحيث يرى منه حسن الائتزار فعجب به كما هو عادة الظرفاء و في بعضها ملثاث بالثاءين المثلثتين و اللث و الإلثاث و اللثلثة الإلحاح و الإقامة و دوام المطر و اللثلثة الضعف و الحبس و التردد في الأمر ذكرها الفيروزآبادي و الأول أنسب

54-  الكافي، عن علي بن محمد بن بندار عن أبيه عن محمد بن علي الهمداني عن أبي سعيد الشامي عن صالح بن عقبة قال سمعت العبد الصالح يقول تستحب   عرامة الغلام في صغره ليكون حليما في كبره ثم قال ما ينبغي إلا أن يكون هكذا و روي أن أكيس الصبيان أشدهم بغضا للكتاب

 بيان العرامة سوء الخلق و الفساد و المرح و الأشرار و المراد ميله إلى اللعب و بغضه للكتاب أي عرامته في صغره علامة عقله و حلمه في كبره و ينبغي أن يكون الطفل هكذا فأما إذا كان منقادا ساكنا حسن الخلق في صغره يكون بليدا في كبره كما هو المجرب و الكتاب بالتشديد المكتب

55-  الدر المنثور، عن محمد بن كعب القرطي قال قرأت في التوراة أو قال في صحف إبراهيم فوجدت فيها يقول الله تعالى يا ابن آدم ما أنصفتني خلقتك و لم تك شيئا و جعلتك بشرا سويا خلقتك مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثم جعلتك نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ثم خلقت النُّطْفَةَ عَلَقَةً فخلقت الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فخلقت الْمُضْغَةَ عِظاماً فكسوت الْعِظامَ لَحْماً ثم أنشأتك خَلْقاً آخَرَ يا ابن آدم هل يقدر على ذلك غيري ثم خففت ثقلك على أمك حتى لا تتبرم بك و لا تتأذى ثم أوحيت إلى الأمعاء أن اتسعي و إلى الجوارح أن تفرقي فاتسعت الأمعاء من بعد ضيقها و تفرقت الجوارح من بعد تشبيكها ثم أوحيت إلى الملك الموكل بالأرحام أن يخرجك من بطن أمك فاستخلصك على ريشة من جناحه فاطلعت عليك فإذا أنت خلق ضعيف ليس لك سن يقطع و لا ضرس يطحن فاستخلصت لك في صدر أمك ثديا يدر لك لبنا باردا في الصيف حارا في الشتاء و استخلصته من بين جلد و لحم و دم و عروق و قذفت لك في قلب والدتك الرحمة و في قلب أبيك التحنن فيهما يكدان و يجهدان و يربيانك و يغذيانك و لم يناما حتى ينومانك ابن آدم أنا فعلت ذلك بك لا بشي‏ء استأهلته به مني أو لحاجة استعنت على قضائها ابن آدم فلما قطع   سنك و طلع ضرسك أطعمتك فاكهة الصيف و فاكهة الشتاء في أوانهما فلما عرفت أني ربك عصيتني فالآن إذ عصيتني فادعني و إني قَرِيبٌ مُجِيبٌ و ادعني فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ

56-  الكافي، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن بعض أصحابه رواه عن رجل من العامة قال كنت أجالس أبا عبد الله ع فلا و الله ما رأيت مجلسا أنيل من مجالسه قال فقال لي ذات يوم من أين تخرج العطسة فقلت من الأنف فقال لي أصبت الخطأ فقلت جعلت فداك من أين تخرج فقال من جميع البدن كما أن النطفة تخرج من جميع البدن و مخرجها من الإحليل ثم أ ما رأيت الإنسان إذا عطس نفض جميع أعضائه و صاحب العطسة يأمن الموت سبعة أيام

57-  الكافي، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة قال سألت أبا جعفر ع عن الخلق فقال إن الله تعالى لما خلق الخلق من طين أفاض بها كإفاضة القداح فأخرج المسلم فجعله سعيدا و جعل الكافر شقيا فإذا وقعت النطفة تلقتها الملائكة فصوروها ثم قالوا يا رب أ ذكر أو أنثى فيقول الرب جل جلاله أي ذلك شاء فيقولان فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ثم يوضع في بطنها فتردد تسعة أيام و في كل عرق و مفصل منها و للرحم ثلاثة أقفال قفل في أعلاها مما يلي أعلى السرة من جانب الأيمن و القفل الآخر في وسطها أسفل من الرحم فيوضع بعد تسعة أيام في القفل الأعلى فيمكث فيه ثلاثة   أشهر فعند ذلك يصيب المرأة خبث النفس و التهوع ثم ينزل إلى القفل الأوسط فيمكث فيه ثلاثة أشهر و سرة الصبي فيها مجمع العروق و عروق المرأة كلها منها يدخل طعامه و شرابه من تلك العروق ثم ينزل إلى القفل الأسفل فيمكث فيه ثلاثة أشهر فذلك تسعة أشهر ثم تطلق المرأة فكلما طلقت انقطع عرق من سرة الصبي فأصابها ذلك الوجع و يده على سرته حتى يقع على الأرض و يده مبسوطة فيكون رزقه حينئذ من فيه

 بيان أفاض بها كإفاضة القداح قال الجوهري إفاضة القداح الضرب بها و القداح جمع القدح بالكسر و هو السهم قبل أن يراش و ينصل فإنهم كانوا يخلطونها و يقرعون بها بعد ما يكتبون عليها أسماءهم و في التشبيه إشارة لطيفة إلى اشتباه خير بني آدم بشرهم إلى أن يميز الله الخبيث من الطيب كذا ذكره بعض الأفاضل. أقول يمكن أن يقرأ القداح بفتح القاف و تشديد الدال و هو صانع القدح أي أفاض و شرع في بريها و نحتها كالقداح فيراهم مختلفة كالقداح قوله فتردد لعل ترددها كناية عما يؤثر فيها من مزاج الأم أو ما يختلط بها من نطفة الأم الخارجة من جميع عروقها ثم إنه يحتمل أن يكون نزولها إلى الأوسط و الأسفل ببعضها لعظم جثتها لا بكلها قوله أسفل من الرحم أي هو أسفل موضع منها و في القاموس الطلق وجع الولادة و قد طلقت المرأة طلقا على ما لم يسم فاعله و يده أي يد الصبي

58-  الكافي، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد و علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن زرارة بن أعين قال سمعت أبا جعفر ع يقول إذا وقعت النطفة في الرحم استقرت فيها أربعين يوما و تكون علقة أربعين يوما و تكون مضغة أربعين يوما ثم يبعث الله ملكين خلاقين فيقال لهما اخلقا كما يريد الله ذكرا أو أنثى صوراه و اكتبا أجله و رزقه و منيته و شقيا أو سعيدا و اكتبا لله   الميثاق الذي أخذه في الذر بين عينيه فإذا دنا خروجه من بطن أمه بعث الله إليه ملكا يقال له زاجر فيزجره فيفزع فزعا فينسى الميثاق و يقع إلى الأرض و يبكي من زجرة الملك

59-  قرب الإسناد، عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال سألت الرضا ع أن يدعو الله عز و جل لامرأة من أهلنا بها حمل فقال قال أبو جعفر ع الدعاء ما لم يمض أربعة أشهر فقلت له إنما لها أقل من هذا فدعا لها ثم قال إن النطفة تكون في الرحم ثلاثين يوما و تكون علقة ثلاثين يوما و تكون مضغة ثلاثين يوما و تكون مخلقة و غير مخلقة ثلاثين يوما فإذا تمت الأربعة أشهر بعث الله تعالى إليها ملكين خلاقين يصورانه و يكتبان رزقه و أجله و شقيا أو سعيدا الخبر

60-  تفسير علي بن إبراهيم، لَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ أي خلقناكم في الأصلاب و صورناكم في أرحام النساء ثم قال و صور ابن مريم في الرحم دون الصلب و إن كان مخلوقا في أصلاب الأنبياء و رفع و عليه مدرعة من صوف

 حدثنا أحمد بن محمد عن جعفر بن عبد الله المحمدي عن كثير بن عياش عن أبي جعفر ع في قوله وَ لَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ قال أما خَلَقْناكُمْ فنطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم لحما و أما صَوَّرْناكُمْ فالعين و الأنف و الأذنين و الفم و اليدين و الرجلين صور هذا و نحوه ثم جعل الدميم و الوسيم و الجسيم و الطويل و القصير و أشباه هذا

    -61  و منه، خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها يعني آدم و زوجته حواء فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ قال البطن و الرحم و المشيمة

62-  و منه، أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ يعني الظلمات الثلاث التي ذكرها الله و هي المشيمة و الرحم و البطن

63-  الكافي، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن إسماعيل بن مرار عن يونس قال إنما جعلت المواريث من ستة أسهم على خلقة الإنسان لأن الله عز و جل بحكمته خلق الإنسان من ستة أجزاء فوضع المواريث على ستة أسهم و هو قوله عز و جل وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ففي النطفة دية ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً ففي العلقة دية فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً و فيها دية فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً و فيها دية فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً و فيه دية أخرى ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ و فيه دية أخرى فهذا ذكر آخر المخلوق

64-  قصص الراوندي، بإسناده عن الصدوق بإسناده عن شهر بن حوشب قال لما قدم رسول الله ص المدينة أتاه رهط من اليهود فسألوه عن مسائل منها قالوا كيف يكون الشبه من المرأة و إنما النطفة للرجل فقال أنشدكم بالله أ تعلمون أن نطفة الرجل بيضاء غليظة و أن نطفة المرأة حمراء رقيقة فأيتها غلب على صاحبتها كان لها الشبه قالوا اللهم نعم الخبر

65-  و منه، بإسناده عن الصدوق عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد بن يحيى عن السياري عن إسحاق بن إبراهيم عن الرضا ع قال إن الملك قال لدانيال أشتهي أن يكون لي ابن مثلك فقال ما محلي من قبلك قال أجل محل و أعظمه   قال دانيال فإذا جامعت فاجعل همتك في قال ففعل الملك ذلك فولد له ابن أشبه خلق الله بدانيال

 بيان أقول ذكر الأطباء أيضا أن للتخيل في وقت الجماع مدخلا في كيفية تصوير الجنين قال ابن سينا في القانون قد قال قوم من العلماء و لم يعدوا عن حكم الجواز إن من أسباب الشبه ما يتمثل حال العلوق في وهم المرأة أو الرجل من الصور الإنسانية تمثلا متمكنا انتهى و قال بعضهم تصور رجل عند الجماع صورة حية فتولد منه طفل كان رأسه رأس إنسان و بدنه بدن حية

66-  قرب الإسناد، عن السندي بن محمد عن أبي البختري عن وهب القرشي عن جعفر عن أبيه ع أن رجلا أتى علي بن أبي طالب ع فقال إن امرأتي هذه جارية حدثة و هي عذراء و هي حامل في تسعة أشهر و لا أعلم إلا خيرا و أنا شيخ كبير ما افترعتها و إنها لعلى حالها فقال له علي ع نشدتك بالله هل كنت تهريق على فرجها قال نعم فقال علي ع إن لكل فرج ثقبتين ثقب يدخل فيه ماء الرجل و ثقب يخرج منه البول و أفواه الرحم تحت الثقب الذي يدخل منه ماء الرجل فإذا دخل الماء في فم واحدة من أفواه الرحم حملت المرأة بولد واحد و إذا دخل في اثنين حملت باثنين و إذا دخل من ثلاثة حملت بثلاثة و إذا دخل من أربعة حملت بأربعة و ليس هناك غير ذلك و قد ألحقت بك ولدها فشق عنها القوابل فجاءت بغلام فعاش

67-  التهذيب، بإسناده عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن ع قال قلت تلزمني المرأة أو الجارية من خلفي و أنا متكئ على جنب فتتحرك على ظهري فتأتيها الشهوة و تنزل الماء أ فعليها غسل أم لا قال نعم إذا جاءت الشهوة و أنزلت الماء   وجب عليها الغسل

68-  و منه، بسند موثق عن معاوية بن حكيم قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إذا أمنت المرأة و الأمة من شهوة جامعها الرجل أو لم يجامعها في نوم كان ذلك أو في يقظة فإن عليها الغسل

69-  و منه، بإسناده عن يحيى بن أبي طلحة أنه سأل عبدا صالحا عن رجل مس فرج امرأته أو جاريته يعبث بها حتى أنزلت عليها غسل أم لا قال أ ليس قد أنزلت من شهوة قلت بلى قال عليها غسل

70-  و منه، بسند صحيح عن ابن بزيع قال سألت الرضا ع عن الرجل يجامع المرأة في ما دون الفرج فتنزل المرأة هل عليها غسل قال نعم

 تبيان أقول الأخبار في هذا المعنى كثيرة و هي تدل مع ما مر من الأخبار في شبه الأعمام و الأخوال على أن للمرأة منيا كالرجل كما ذهب إليه جالينوس و أكثر الأطباء و ذهب أرسطو و جماعة من الحكماء إلى أنه ليس للمرأة مني و إنما تنفصل من بيضتها رطوبة شبيهة بالمني يقال لها المني مجازا إذ عندهم أن المني ما اجتمع فيه خمس صفات بياض اللون و حصول اللذة عند الخروج و القوة العاقدة و الدفق و رائحة شبيهة برائحة الطلع و إذا امتزج مني الرجل بتلك الرطوبة تتولد منه مادة الجنين و مني الرجل هي العاقدة و الفاعلة و رطوبة المرأة هي المنعقدة و المنفعلة و قال جالينوس و أتباعه في كل منهما قوة عاقدة و منعقدة و الحق أن النزاع في إطلاق المني على رطوبة المرأة و عدمه لفظي لا طائل تحته و قد مر في الأخبار الكثيرة أن الولد يتكون من المنيين معا و سيأتي بعض القول فيه أيضا في آخر الباب إن شاء الله

71-  تفسير علي بن إبراهيم، قوله سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ مِمَّا لا يَعْلَمُونَ

 قال فإنه حدثني أبي عن النضر   بن سويد عن الحلبي عن أبي عبد الله ع قال إن النطفة تقع من السماء إلى الأرض على النبات و الثمر و الشجر فتأكل الناس منه و البهائم فيجري فيهم

72-  العلل، عن محمد بن موسى بن المتوكل عن علي بن الحسين السعدآبادي عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن محمد بن يحيى عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله ع قال ابن آدم منتصب في بطن أمه و ذلك قول الله عز و جل لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ و ما سوى ابن آدم فرأسه في دبره و يداه بين يديه

73-  تفسير علي بن إبراهيم، وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ قال السلالة الصفوة من الطعام و الشراب الذي يصير نطفة و النطفة أصلها من السلالة و السلالة هو من صفوة الطعام و الشراب و الطعام من أصل الطين فهذا معنى قوله مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ أي في الأنثيين ثم في الرحم ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً إلى قوله أَحْسَنُ الْخالِقِينَ و هذه استحالة أمر إلى أمر فحد النطفة إذا وقعت في الرحم أربعين يوما ثم يصير علقة

74-  و منه، قوله وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ إلى قوله ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فهي ستة أجزاء و ستة استحالات و في كل جزء و استحالة دية محدودة ففي النطفة عشرون دينارا و في العلقة أربعون دينارا و في المضغة ستون دينارا و في العظم ثمانون دينارا و إذا كسي لحما فمائة دينار حتى يستهل فإذا استهل فالدية كاملة

75-  و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فهو نفخ الروح فيه

    -76  و منه، وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ قال هو آدم ع ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ أي ولده مِنْ سُلالَةٍ و هو الصفوة من الطعام و الشراب مِنْ ماءٍ مَهِينٍ قال النطفة المني ثُمَّ سَوَّاهُ أي استحاله من نطفة إلى علقة و من العلقة إلى مضغة ثم نفخ فيه الروح

77-  و منه، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً يعني ليس معهن ذكر وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ يعني ليس معهم أنثى أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَ إِناثاً أي يهب لمن يشاء ذكرانا و إناثا جميعا يجمع له البنين و البنات

78-  و منه، عن أبيه عن المحمودي و محمد بن عيسى بن عبيد عن محمد بن إسماعيل الدارمي عن محمد بن سعيد أن يحيى بن أكثم سأل موسى بن علي بن محمد عن مسائل و فيها أخبرنا عن قول الله أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَ إِناثاً فهل يزوج الله عباده الذكران و قد عاقب قوما فعلوا ذلك فسأل موسى أخاه أبا الحسن العسكري ع فكان من جواب أبي الحسن ع أما قوله أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَ إِناثاً فإن الله تعالى زوج ذكران المطيعين إناثا من الحور العين و إناث المطيعات من الإنس ذكران المطيعين و معاذ الله أن يكون الجليل عني ما لبست على نفسك تطلبا للرخصة لارتكاب المأثم

 بيان لا يخفى بعد ما ذكر في الخبر من سياق الآية و كأنه على سبيل التنزل   أي لو كان المراد بالتزويج ما زعمت لاحتمل محملا صحيحا أيضا أو يكون هذا بطنا من بطون الآية و يمكن تصحيحه بوجه لا يأبى عن سياق الآية بأن يكون الغرض بيان أحوال جميع أفراد البشر أو المؤمنين في الأزواج و الأولاد فإنهم إما أن يكونوا تزوجوا في الدنيا أم لا فعلى الأول إما يهب لهم إناثا مع الذكران أو بدونهم أو يهب لهم ذكرانا مع الإناث و بدونهن على سبيل منع الخلو أو يجعلهم عقيما لا يولد لهم و على الثاني يزوج المؤمنين و المؤمنات في الآخرة

79-  التهذيب، عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن العباس بن موسى الوراق عن يونس بن عبد الرحمن عن أبي جرير القمي قال سألت العبد الصالح ع عن النطفة ما فيها من الدية و ما في العلقة و ما في المضغة المخلقة و ما يقر في الأرحام قال إنه يخلق في بطن أمه خلقا من بعد خلق يكون نطفة أربعين يوما ثم يكون علقة أربعين يوما ثم مضغة أربعين يوما ففي النطفة أربعون دينارا و في العلقة ستون دينارا و في المضغة ثمانون دينارا فإذا اكتسى العظام لحما ففيه مائة دينار قال الله عز و جل ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ فإن كان ذكرا ففيه الدية و إن كانت أنثى ففيها ديتها

80-  معاني الأخبار، عن أبيه عن محمد بن يحيى العطار عن أحمد بن محمد عن علي بن السندي عن محمد بن عمرو بن سعيد عن أبيه قال كنت عند أبي عبد الله ع حيث دخل عليه داود الرقي فقال له جعلت فداك إن الناس يقولون إذا مضى للحمل ستة أشهر فقد فرغ الله من خلقته فقال أبو الحسن ع يا داود ادع و لو بشق الصفا فقلت و أي شي‏ء الصفا قال ما يخرج مع الولد فإن   الله عز و جل يفعل ما يشاء

81-  الإقبال، عن الحسين بن علي ع في دعاء يوم عرفة ابتدأتني بنعمتك قبل أن أكون شيئا مذكورا و خلقتني من التراب ثم أسكنتني الأصلاب أمنا لريب المنون و اختلاف الدهور فلم أزل ظاعنا من صلب إلى رحم في تقادم الأيام الماضية و القرون الخالية لم تخرجني لرأفتك بي و لطفك لي و إحسانك إلي في دولة أيام الكفرة الذين نقضوا عهدك و كذبوا رسلك لكنك أخرجتني رأفة منك و تحننا علي للذي سبق لي من الهدى الذي يسرتني و فيه أنشأتني و من قبل ذلك رؤفت بي بجميل صنعك و سوابغ نعمتك فابتدعت خلقي مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى ثم أسكنتني فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ بين لحم و جلد و دم لم تشهرني بخلقي و لم تجعل إلي شيئا من أمري ثم أخرجتني إلى الدنيا تاما سويا و حفظتني في المهد طفلا صبيا و رزقتني من الغذاء لبنا مريئا و عطفت على قلوب الحواضن و كفلتني الأمهات الرحائم و كلأتني من طوارق الجان و سلمتني من الزيادة و النقصان فتعاليت يا رحيم يا رحمان حتى إذا استهللت ناطقا بالكلام أتممت على سوابغ الإنعام فربيتني زائدا في كل عام حتى إذا كملت فطرتي و اعتدلت سريرتي أوجبت علي حجتك بأن ألهمتني معرفتك و روعتني بعجائب فطرتك و أنطقتني لما ذرأت لي في سمائك و أرضك من بدائع خلقك و نبهتني لذكرك و شكرك و واجب طاعتك و عبادتك و فهمتني ما جاءت به رسلك و يسرت لي تقبل مرضاتك و مننت علي في جميع ذلك بعونك و لطفك ثم إذ خلقتني من حر الثرى لم ترض لي يا إلهي نعمة دون أخرى و رزقتني من أنواع المعاش و صنوف الرياش بمنك العظيم علي و إحسانك القديم إلي حتى إذا أتممت علي جميع النعم و صرفت عني كل النقم لم يمنعك جهلي و جرأتي عليك إن دللتني على ما يقربني إليك و وفقتني لما يزلفني لديك إلى آخر الدعاء

    بيان ثم أسكنتني الأصلاب أي جعلت مادة وجودي مودعة في أصلاب آبائي فإن نطفة كل ولد كانت في صلب والده و كلهم كانوا من علل وجوده و ريب المنون حوادث الدهر ذكره الجوهري و أمنا مفعول له أي حفظت مادة وجودي في الأصلاب لأكون آمنا من حوادث الدهر و اختلاف الدهور و هو معطوف على ريب أو المنون و الظاعن السائر و قال الجوهري قدم الشي‏ء بالضم قدما فهو قديم و تقادم مثله انتهى فهو من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف أي الأيام المتقادمة و الخالية الماضية للذي متعلق بقوله أخرجتني و يحتمل أن يكون اللام للظرفية و للعلة الذي يسرتني أي جعلتني قابلا له كما قال تعالى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى بين لحم و جلد و دم الظاهر أنه ليس تفسيرا للظلمات الثلاث أي كونتني أو حال كوني بين لحم الرحم و جلدها و الدم الذي فيها أو كنت بين تلك الأجزاء من بدني و الأول أظهر لم تشهرني بخلقي أي لم تجعل تلك الحالات الخسيسة ظاهرة للخلق في ابتداء خلقي لأصير محقرا مهينا عندهم بل سترت تلك الأحوال عنهم و أخرجتني بعد اعتدال صورتي و خروجي عن تلك الأحوال الدنية و الطفل المولود و الصبي الغلام و هما متقاربان في المعنى فالصبي إما تأكيد أو إشارة إلى اختلاف مراتب المولود بأن يكون الطفولية قبل الصبا و الأول أظهر إذ يطلق على المولود حين كونه في المهد طفلا و صبيا فيكون الجمع بينهما إشارة إلى حالتي المولود فباعتبار نعومة بدنه طفل و باعتبار قلة عقله صبي فلذا قال تعالى كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا و ما قيل من أن الصبي أعم من الطفل لأن المولود إذا فطم لا يسمى طفلا يضعفه قوله تعالى أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ. قال الراغب الصبي من لم يبلغ الحلم قال تعالى كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ   صَبِيًّا و قال الطفل الولد ما دام ناعما و قد يقع على الجمع قال تعالى ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا و قال أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ و قد يجمع على أطفال قال عز و جل وَ إِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ و باعتبار النعمة قيل امرأة طفلة انتهى. و الغذاء ما يتغذى به من الطعام و الشراب و المري إما من المهموز أي الموافق للطبع فخفف أو من المعتل من قولهم مريت الناقة مريا إذا مسحت ضرعها لتدر و المري على فعيل الناقة الكثيرة اللبن و العطف الشفقة و الإمالة يقال عطف العود أي ميله و على الأول يكون على بناء التفعيل و الحواضن النساء اللاتي يقمن بتربية الصبيان و الحضن ما دون الإبط إلى الكشح و حضن الطير بيضه لأنه يضمه إلى نفسه تحت جناحه و لما كانت الأمهات يحضن الأولاد سمين حواضن و الكافل الحافظ لغيره قال تعالى وَ كَفَّلَها زَكَرِيَّا و كلأتني أي حفظتني من طوارق الجان أي جماعة من الجن يطرقون بشر على الأطفال كأم الصبيان و الطارق في الأصل الذي يأتي بالليل لاحتياجه إلى طرق الباب ثم استعمل في كل شر نزل سواء كان بالليل أو بالنهار و المراد بالزيادة و النقصان ما يصير منهما سببا لتشويه الخلقة و ضعف البنية و الاستهلال رفع الصوت و استهلال الصبي صياحه عند الولادة و كمال الفطرة إشارة إلى قوة الأعضاء و القوى الظاهرة و اعتدال السريرة إلى كمال القوى الباطنة أوجبت أي ألزمت و أتممت و روعتني أي أفزعتني و خوفتني و العلم بعجائب الفطرة يصير سببا للخوف للعلم بعظمة الرب سبحانه و وفور نعمه و تقصير المكلف في أداء شكره كما قال تعالى إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ و قال إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ أو المعنى   ألقيت في روعي أي قلبي عجائب الفطرة لكنه بعيد عن الشائع في إطلاق هذا اللفظ بحسب اللغة و قال الفيروزآبادي الحر بالضم خيار كل شي‏ء و من الطين و الرمل الطيب و من الرمل وسطه و الثرى التراب الندي. أقول سيأتي شرح تلك الفقرات مستوفى عند ذكر الدعاء بتمامه في محله إن شاء الله تعالى

82-  تفسير علي بن إبراهيم، خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ قال خلقه من قطرة من ماء منتن فيكون خصيما متكلما بليغا

83-  و منه، أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ قال أي ناطق عالم بليغ

84-  و منه، هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ قال يعني ذكرا و أنثى أسود و أبيض و أحمر صحيحا و سقيما

85-  و منه، ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ قال عرق في الظهر يكون منه الولد

86-  و منه، إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ أي مستقرين قوله مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى قال تتحول النطفة إلى الدم فتكون أولا دما ثم تصير نطفة و تكون في الدماغ في عرق يقال له الوريد و تمر في فقار الظهر فلا تزال تجوز فقرا فقرا حتى تصير إلى الحالبين فتصير أبيض و أما نطفة المرأة فإنها تنزل من صدرها

    بيان قال الجوهري الحالبان عرقان مكتنفان بالسرة

87-  التفسير، لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً قال لم يكن في العلم و لا في الذكر

88-  و في حديث آخر كان في العلم و لم يكن في الذكر نَبْتَلِيهِ أي نختبره

89-  و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله أَمْشاجٍ قال ماء الرجل و ماء المرأة اختلطا جميعا

 بيان لم يكن في العلم أي علم الملائكة

90-  التفسير، مُخَلَّقَةٍ وَ غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ قال المخلقة إذا صارت دما و غير المخلقة قال السقط

91-  و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع لِنُبَيِّنَ لَكُمْ أنكم كنتم كذلك في الأرحام وَ نُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ فلا يخرج سقطا

92-  حدثنا محمد بن جعفر عن محمد بن أحمد عن العباس عن ابن أبي نجران عن محمد بن القاسم عن علي بن المغيرة عن أبي عبد الله عن أبيه ع قال إذا بلغ العبد مائة سنة فذلك أرذل العمر

 بيان لا يبعد أن يكون دما تصحيف تاما

93-  التفسير، إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ قال مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ

94-  و منه، خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ قال من دم

    -95  مجمع البيان، روي أن ابن صوريا و جماعة من يهود أهل فدك لما قدموا النبي ص إلى المدينة سألوه فقالوا يا محمد كيف نومك فقد أخبرنا عن نوم النبي الذي يأتي في آخر الزمان فقال تنام عيناي و قلبي يقظان قالوا صدقت يا محمد فأخبرنا عن الولد يكون من الرجل أو المرأة فقال أما العظام و العصب و العروق فمن الرجل و أما اللحم و الدم و الظفر و الشعر فمن المرأة قالوا صدقت يا محمد فما بال الولد يشبه أعمامه ليس فيه من شبه أخواله شي‏ء أو يشبه أخواله و ليس فيه من شبه أعمامه شي‏ء فقال أيهما علا ماؤه كان الشبه له قالوا صدقت يا محمد قالوا أخبرنا عن ربك ما هو فأنزل الله قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ إلى آخر السورة الخبر

96-  الكافي، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع قال قلت له رجل ذهبت إحدى بيضتيه فقال إن كانت اليسار ففيها الدية قلت و لم أ ليس قلت ما كان في الجسد اثنان ففيه نصف الدية قال لأن الولد من البيضة اليسرى

97-  الفقيه، بإسناده عن أبي يحيى الواسطي رفعه إلى أبي عبد الله ع قال الولد يكون من البيضة اليسرى فإذا قطعت ففيها ثلثا الدية و في اليمنى ثلث الدية

 بيان قال الشهيد الثاني قدس سره انحصار التولد في الخصية اليسرى قد أنكره بعض الأطباء و نسبه الجاحظ في حياة الحيوان إلى العامة و لو صح نسبته إليهم ع لم يلتفت إلى إنكار منكره انتهى. و أقول هذا شي‏ء لا يمكن العلم به غالبا إلا من طريق الوحي و الإلهام و التجربة قاصرة عنه مع أنه يمكن أن يحمل على أن اليسرى أدخل في ذلك

98-  توحيد المفضل، نبتدئ يا مفضل بذكر خلق الإنسان فاعتبر به فأول   ذلك ما يدبر به الجنين في الرحم و هو محجوب فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ظلمة البطن و ظلمة الرحم و ظلمة المشيمة حيث لا حيلة عنده في طلب غذاء و لا دفع أذى و لا استجلاب منفعة و لا دفع مضرة فإنه يجري إليه من دم الحيض ما يغذوه كما يغذو الماء النبات فلا يزال ذلك غذاءه حتى إذا كمل خلقه و استحكم بدنه و قوي أديمه على مباشرة الهواء و بصره على ملاقاة الضياء هاج الطلق بأمه فأزعجه أشد إزعاج و أعنفه حتى يولد و إذا ولد صرف ذلك الدم الذي كان يغذوه من دم أمه إلى ثدييها فانقلب الطعم و اللون إلى ضرب آخر من الغذاء و هو أشد موافقة للمولود من الدم فيوافيه في وقت حاجته إليه فحين يولد قد تلمظ و حرك شفتيه طلبا للرضاع فهو يجد ثديي أمه كالإداوتين المعلقتين لحاجته فلا يزال يغتذي باللبن ما دام رطب البدن رقيق الأمعاء لين الأعضاء حتى إذا تحرك و احتاج إلى غذاء فيه صلابة ليشتد و يقوى بدنه طلعت له الطواحن من الأسنان و الأضراس ليمضغ به الطعام فيلين عليه و يسهل له إساغته فلا يزال كذلك حتى يدرك فإذا أدرك و كان ذكرا طلع الشعر في وجهه فكان ذلك علامة الذكر و عز الرجل الذي يخرج به عن حد الصبا و شبه النساء و إن كانت أنثى يبقى وجهها نقيا من الشعر لتبقى لها البهجة و النضارة التي تحرك الرجال لما فيه دوام النسل و بقاؤه اعتبر يا مفضل في ما يدبر به الإنسان في هذه الأحوال المختلفة هل ترى يمكن أن يكون بالإهمال أ فرأيت لو لم يجر إليه ذلك الدم و هو في الرحم أ لم يكن سيذوى و يجف كما يجف النبات إذا فقد الماء و لو لم يزعجه المخاض عند استحكامه أ لم يكن سيبقى في الرحم كالموءود في الأرض و لو لم يوافقه اللبن مع ولادته أ لم يكن سيموت جوعا أو يغتذي بغذاء لا يلائمه و لا يصلح عليه بدنه و لو لم تطلع عليه الأسنان في وقتها أ لم يكن سيمتنع عليه مضغ الطعام و إساغته أو يقيمه على الرضاع فلا يشتد بدنه و لا يصلح لعمل ثم كان تشتغل أمه بنفسه عن تربية غيره من الأولاد و لو لم يخرج الشعر في وجهه في وقته أ لم يكن سيبقى في هيئة الصبيان و النساء فلا ترى له جلالة و لا وقار

   فقال المفضل فقلت يا مولاي فقد رأيت من يبقى على حالته و لا ينبت الشعر في وجهه و إن بلغ حال الكبر فقال ذلك بما قدمت أيديهم وَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ فمن هذا الذي يرصده حتى يوافيه بكل شي‏ء من هذه المآرب إلا الذي أنشأه خلقا بعد أن لم يكن ثم توكل له بمصلحته بعد أن كان فإن كان الإهمال يأتي بمثل هذا التدبير فقد يجب أن يكون العمد و التقدير يأتيان بالخطإ و المحال لأنهما ضد الإهمال و هذا فظيع من القول و جهل من قائله لأن الإهمال لا يأتي بالصواب و التضاد لا يأتي بالنظام تعالى الله عما يقول الملحدون علوا كبيرا و لو كان المولود يولد فهما عاقلا لأنكر العالم عند ولادته و لبقي حيران تائه العقل إذا رأى ما لم يعرف و ورد عليه ما لم ير مثله من اختلاف صور العالم من البهائم و الطير إلى غير ذلك مما يشاهده ساعة بعد ساعة و يوما بعد يوم و اعتبر ذلك بأن من سبي من ولد إلى بلد و هو عاقل يكون كالواله الحيران فلا يسرع في تعلم الكلام و قبول الأدب كما يسرع الذي يسبي صغيرا غير عاقل ثم لو ولد عاقلا كان يجد غضاضة إذا رأى نفسه محمولا مرضعا معصبا بالخرق مسجى في المهد لأنه لا يستغني عن هذا كله لرقة بدنه و رطوبته حتى يولد ثم كان لا يوجد له من الحلاوة و الوقع من القلوب ما يوجد للطفل فصار يخرج إلى الدنيا غبيا غافلا عما فيه أهله فيلقى الأشياء بذهن ضعيف و معرفة ناقصة ثم لا يزال يتزيد في المعرفة قليلا قليلا و شيئا بعد شي‏ء و حالا بعد حال حتى يألف الأشياء و يتمرن و يستمر عليها فيخرج من حد التأمل بها و الحيرة فيها إلى التصرف و الاضطراب إلى المعاش بعقله و حيلته و إلى الاعتبار و الطاعة و السهو و الغفلة و المعصية و في هذا أيضا وجوه أخر فإنه لو كان يولد تام العقل مستقلا بنفسه لذهب موضع حلاوة تربية الأولاد و ما قدر أن يكون للوالدين في الاشتغال بالولد من المصلحة و ما يوجب التربية للآباء على الأبناء من المكافاة بالبر و العطف عليهم عند حاجتهم   إلى ذلك منهم ثم كان الأولاد لا يألفون آباءهم و لا يألف الآباء أبناءهم لأن الأولاد كانوا يستغنون عن تربية الآباء و حياطتهم فيتفرقون عنهم حين يولدون فلا يعرف الرجل أباه و أمه و لا يمتنع من نكاح أمه و أخته و ذوات المحارم منه إذ كان لا يعرفهن و أقل ما في ذلك من القباحة بل هو أشنع و أعظم و أفظع و أقبح و أبشع لو خرج المولود من بطن أمه و هو يعقل أن يرى منها ما لا يحل له و لا يحسن به أن يراه أ فلا ترى كيف أقيم كل شي‏ء من الخلقة على غاية الصواب و خلا من الخطاء دقيقة و جليلة اعرف يا مفضل ما للأطفال في البكاء من المنفعة و اعلم أن في أدمغة الأطفال رطوبة إن بقيت فيها أحدثت عليهم أحداثا جليلة و عللا عظيمة من ذهاب البصر و غيره فالبكاء يسيل تلك الرطوبة من رءوسهم فيعقبهم ذلك الصحة في أبدانهم و السلامة في أبصارهم أ فليس قد جاز أن يكون الطفل ينتفع بالبكاء و والداه لا يعرفان ذلك فهما دائبان ليسكتانه و يتوخيان في الأمور مرضاته لئلا يبكي و هما لا يعلمان أن البكاء أصلح له و أجمل عاقبة فهكذا يجوز أن يكون في كثير من الأشياء منافع لا يعرفها القائلون بالإهمال و لو عرفوا ذلك لم يقضوا على الشي‏ء أنه لا منفعة فيه من أجل أنهم لا يعرفونه و لا يعلمون السبب فيه فإن كل ما لا يعلمه المنكرون يعلمه العارفون و كثيرا ما يقصر عنه علم المخلوقين محيط به علم الخالق جل قدسه و علت كلمته فأما ما يسيل من أفواه الأطفال من الريق ففي ذلك خروج الرطوبة التي لو بقيت في أبدانهم لأحدثت عليهم الأمور العظيمة كمن تراه قد غلبت عليه الرطوبة فأخرجته إلى حد البله و الجنون و التخليط إلى غير ذلك من الأمراض المتلفة كالفالج و اللقوة و ما أشبههما فجعل الله تلك الرطوبة تسيل من أفواههم في صغرهم لما لهم في ذلك من الصحة في كبرهم فتفضل على خلقه بما جهلوه و نظر لهم بما لم يعرفوه و لو عرفوا نعمه عليهم لشغلهم ذلك عن التمادي في معصيته فسبحانه ما أجل نعمته و أسبغها على المستحقين و غيرهم من خلقه و تعالى عما يقول المبطلون علوا كبيرا

 أقول قد مر شرحه و تمامه في كتاب التوحيد

    -99  العلل، عن علي بن حاتم عن إسماعيل بن علي بن قدامة عن أحمد بن علي بن ناصح عن جعفر بن محمد الأرمني عن الحسن بن عبد الوهاب عن علي بن حديد المدائني عمن حدثه عن المفضل بن عمر قال سألت جعفر بن محمد ع عن الطفل يضحك من غير عجب و يبكي من غير ألم فقال يا مفضل ما من طفل إلا و هو يرى الإمام و يناجيه فبكاؤه لغيبة الإمام عنه و ضحكه إذا أقبل إليه حتى إذا أطلق لسانه أغلق ذلك الباب عنه و ضرب على قلبه بالنسيان

 بيان لا استبعاد في ظاهر الخبر مع صحته و يحتمل أن يكون المراد برؤية الإمام و مناجاته توجه و شمول شفاعته و لطفه و دعائه له فإن لهم تصرفا في العوالم يقصر العقل عن إدراكه

100-  التوحيد، عن القاسم بن محمد السراج عن جعفر بن محمد بن موسى عن محمد بن عبد الله بن هارون الرشيد عن محمد بن أكرم بن أبي أياس عن ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله ص لا تضربوا أطفالكم على بكائهم فإن بكاءهم أربعة أشهر شهادة أن لا إله إلا الله و أربعة أشهر الصلاة على النبي و آله و أربعة أشهر الدعاء لوالديه

 بيان يحتمل أن يكون المراد بالخبر مع ضعفه أن لوالديه ثواب هذه الأذكار و الأدعية فينبغي أن لا يملوا و لا يضربوهم و قال بعض المحققين السر فيه أن الطفل أربعة أشهر لا يعرف سوى الله عز و جل الذي فطر على معرفته و توحيده فبكاؤه توسل إليه و التجاء به سبحانه خاصة دون غيره فهو شهادة له بالتوحيد و أربعة أخرى يعرف أمه من حيث إنها وسيلة لاغتذائه فقط لا من حيث إنها أمه و لهذا يأخذ   اللبن من غيرها أيضا في هذه المدة غالبا فلا يعرف فيها بعد الله إلا من كان وسيلة بين الله و بينه في ارتزاقه الذي هو مكلف به تكليفا طبيعيا من حيث كونها وسيلة لا غير و هذا معنى الرسالة فبكاؤه في هذه المدة بالحقيقة شهادة بالرسالة و أربعة أخرى يعرف أبويه و كونه محتاجا إليهما في الرزق فبكاؤه فيها دعاء لهما بالسلامة و البقاء في الحقيقة

101-  الدر المنثور، عن ابن عباس قال حضرت عصابة من اليهود نبي الله ص فسألوه عن مسائل فكان في ما سألوه كيف ماء الرجل من ماء المرأة و كيف الأنثى منه و الذكر فقال إن ماء الرجل أبيض غليظ و إن ماء المرأة أصفر رقيق فأيهما علا كان له الولد و الشبه بإذن الله تعالى إن علا ماء الرجل كان ذكرا بإذن الله و إن علا ماء المرأة كان أنثى بإذن الله تعالى

102-  و عن أنس قال سأل عبد الله بن سلام النبي ص فقال ما ينزع الولد إلى أبيه و إلى أمه قال أخبرني جبرئيل أنه إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع إليه الولد و إذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع إليها

103-  و عن ابن عباس في قوله تعالى وَ لَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ قال خلقوا في ظهر آدم ثم صوروا في الأرحام

104-  و في رواية أخرى عنه خلقوا في أصلاب الرجال ثم صوروا في أرحام النساء

105-  و في رواية أخرى عنه قال أما قوله خَلَقْناكُمْ فآدم و أما صَوَّرْناكُمْ فذريته

106-  و عن أبي سعيد الخدري قال سمعت النبي ص سئل عن العزل فقال لا عليكم أن تفعلوا إن يكن مما أخذ الله منها الميثاق فكانت على الصخرة نفخ   فيه الروح

107-  و عن ابن مسعود أنه سئل عن العزل فقال لو أخذ الله ميثاق نسمة من صلب رجل ثم أفرغه على صفا لأخرجه من ذلك الصفا فإن شئت فاعزل و إن شئت لا تعزل

108-  و عن ابن عباس في قوله تعالى مِنْ سُلالَةٍ قال السلالة صفر الماء الرقيق الذي يكون منه الولد

109-  و عن ابن عباس مرفوعا النطفة التي يخرج منها الولد ترعد لها الأعضاء و العروق كلها إذا خرجت وقعت في الرحم

110-  و عن علي ع قال إذا تمت النطفة أربعة أشهر بعث إليها ملك فنفخ فيها الروح في الظلمات الثلاث فذلك قوله ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ يعني نفخ الروح

111-  و عن ابن عباس في قوله ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ يقول خرج من بطن أمه بعد ما خرج فكان من بدء خلقه الآخر أن استهل ثم كان من خلقه أن دل على ثدي أمه ثم كان من خلقه أن علم كيف يبسط رجليه إلى أن قعد إلى أن حبا إلى أن قام على رجليه إلى أن مشى إلى أن فطم فعلم كيف يشرب و يأكل من الطعام إلى أن بلغ الحلم إلى أن بلغ إلى أن يتقلب في البلاد

112-  و عن قتادة ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ قال يقول بعضهم هو نبات الشعر و بعضهم يقول هو نفخ الروح

113-  و عن حذيفة بن أسيد قال قال رسول الله ص يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربع أو بخمس و أربعين ليلة أي رب أ شقي أم سعيد أ ذكر أم أنثى فيقول الله و يكتبان ثم يكتب عمله و رزقه و أجله و أثره و مصيبته   ثم تطوى الصحيفة فلا يزاد فيها و لا ينقص منها

114-  و عن أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله ص إذا مكث المني في الرحم أربعين ليلة أتاه ملك النفوس فعرج به إلى الرب فيقول يا رب أ ذكر أم أنثى فيقضي الله ما هو قاض فيقول أ شقي أم سعيد فيكتب ما هو لاق و قرأ أبو ذر من فاتحة التغابن خمس آيات إلى قوله وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ

115-  و عن عبد الله بن مسعود قال إذا جئناكم بحديث أتيناكم بتصديقه من كتاب الله إن النطفة تكون في الرحم أربعين ثم تكون علقة أربعين ثم تكون مضغة أربعين فإذا أراد الله أن يخلق الخلق نزل الملك فيقول له اكتب فيقول ما ذا أكتب فيقول شقيا أو سعيدا ذكرا أو أنثى و ما رزقه و أثره و أجله فيوحي الله بما يشاء و يكتبه الملك ثم قرأ عبد الله إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ ثم قال عبد الله أمشاجها عروقها

116-  و عن ابن عباس في قوله مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ قال ماء الرجل و ماء المرأة حين يختلطان

117-  و عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له أخبرني عن قوله مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ قال اختلاط ماء الرجل و ماء المرأة إذا وقع في الرحم قال و هل تعرف العرب ذلك قال نعم أ ما سمعت أبا ذويب و هو يقول

كأن الريش و الفوقين منه خلال النسل خالطه مشيج

118-  و عن ابن عباس في قوله مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ قال مختلفة الألوان

    -119  و عن مجاهد مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ قال ألوان نطفة الرجل بيضاء و حمراء و نطفة المرأة خضراء و حمراء

120-  و عن قتادة إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ قال طورا نطفة و طورا علقة و طورا مضغة و طورا عظاما ثم كسونا الْعِظامَ لَحْماً و ذلك أشد ما يكون إذا كسي اللحم ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ قال أنبت له الشعر فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ فأنبأه الله مما خلقه و أبناه إنما بين ذلك ليبتليه بذلك ليعلم كيف شكره و معرفته لحقه فبين الله له ما أحل له و ما حرم عليه ثم قال إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً لنعم الله وَ إِمَّا كَفُوراً بها

121-  و عن عكرمة في قوله أَمْشاجٍ قال الظفر و العظم و العصب من الرجل و اللحم و الدم و الشعر من المرأة

122-  و عن مالك بن الحويرث قال قال رسول الله ص إذا أراد الله أن يخلق النسمة فجامع الرجل المرأة طار ماؤه في كل عرق و عصب منها فإذا كان اليوم السابع أحضر الله له كل عرق بينه و بين آدم ثم قرأ فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ

123-  و عن مجاهد فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ قال إما قبيحا و إما حسنا و شبه أب أو أم أو خال أو عم

124-  و عن علي بن رياح عن أبيه عن جده أن النبي ص قال له ما ولد لك قال يا رسول الله ما عسى أن يولد لي إما غلام و إما جارية قال فمن يشبه قال يا رسول الله ما عسى أن يشبه إما أباه و إما أمه فقال لا تقولن هذا إن النطفة إذا استقرت في الرحم أحضرها الله كل نسب بينها و بين آدم فركب خلقه في صورة من تلك الصور أ ما قرأت هذه الآية في كتاب الله فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ من نسبك ما بينك و بين آدم

    -125  و عن ابن أبي حاتم في قوله يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ قال صلب الرجل و ترائب المرأة لا يكون الولد إلا منهما

126-  و عن ابن أبزى قال الصلب من الرجل و الترائب من المرأة

127-  و عن ابن عباس يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ قال ما بين الجيد و النحر

128-  و عن مجاهد قال الترائب أسفل من التراقي

129-  و عن ابن عباس في قوله وَ التَّرائِبِ قال تريبة المرأة و هو موضع القلادة

130-  و عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له أخبرني عن قوله عز و جل يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ قال الترائب موضع القلادة من المرأة قال و هل تعرف العرب ذلك قال نعم أ ما سمعت قول الشاعر

و الزعفران على ترائبها شرقا به اللبات و النحر

131-  و عن عكرمة أنه سئل عن قوله يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ قال صلب الرجل و ترائب المرأة أ ما سمعت قول الشاعر

نظام اللؤلؤ على ترائبها شرقا به اللبات و النحر

132-  و عن ابن عباس قال الترائب بين ثديي المرأة

133-  و عن سعيد بن جبير قال الترائب الصدر

 و عن عكرمة و ابن عياض مثله

134-  و عن ابن عباس قال الترائب أربعة أضلاع من كل جانب من أسفل الأضلاع

    -135  و عن الأعمش قال يخلق العظام و العصب من ماء الرجل و يخلق اللحم و الدم من ماء المرأة

136-  و عن قتادة في قوله يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ قال يخرج من بين صلبه و نحره إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ قال إن الله على بعثه و إعادته لقادر يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ قال إن هذه السرائر مختبرة فأسروا خيرا و أعلنوه فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ يمتنع بها وَ لا ناصِرٍ ينصره من الله

137-  و عن ابن عباس في قوله إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ قال أن يجعل الشيخ شابا و الشاب شيخا

138-  و عن مجاهد إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ قال على رجع النطفة في الإحليل

 بيان قوله كأن الريش أقول أورد الجوهري البيت هكذا

كأن النصل و الفوقين منها. خلال الريش سيط به المشيج.

فائدة

 قال بعض المحققين مبدأ عقد الصورة في مني الذكر و مبدأ انعقادها في مني الأنثى و هما بالنسبة إلى الجنين كالإنفحة و اللبن بالقياس إلى الجبن و قيل إن لكل من المنيين قوة عاقدة و قابلة و إن كانت العاقدة في الذكوري أقوى و المنعقدة في الأنوثي أقوى و رجح ذلك بأنه لو لم يكن كذلك لم يمكن أن يتحدا شيئا واحدا و لم ينعقد مني الذكر حتى يصير جزء من الولد و قال بعضهم و لهذا إذا كان مزاج الأنثى قويا ذكوريا كما تكون أمزجة النساء الشريفة النفس القوية القوى و كان مزاج كبدها حارا كان المني المنفصل من الكلية اليمنى مقام مني الرجل في شدة قوة العقد و المنفصل من اليسرى مقام مني الأنثى في قوة الانعقاد فينخلق الولد بإذن الله و خصوصا إذا كانت النفس متأيدة بروح القدس متقومة به بحيث يسري اتصالها به إلى الطبيعة و البدن و يغير المزاج و يمد جميع القوى في أفعالها بالمدد الروحاني   فتصير أقدر على أفعالها بما لا ينضبط بالقياس كما وقع للصديقة مريم بنت عمران على نبينا و آله و على ابنها و عليها السلام حيث تمثل لها روح القدس بشرا سوي الخلق حسن الصورة فتأثر نفسها به فتحركت على مقتضى الجبلة و سري الأثر من الخيال في الطبيعة فتحركت شهوتها فأنزلت كما يقع في المنام من الاحتلام انتهى. و أقول قد مر أن نفوذ إرادة الله سبحانه و قدرته في أمر لا يتوقف على حصول تلك الأسباب العادية حتى يتكلف أمثال تلك التكلفات التي ربما انتهى القول به إلى نسبة أمور إلى النساء المقدسات المطهرات لا يرضى الله بها و الكف عنها أحوط و أحرى. ثم قالوا ابتداء خلقه الجنين هو حصول الماء في الرحم و شبه بالعجين إذا ألصق بالتنور ثم يتغير عن حاله قليلا و يشبه بالبذر إذا طرح في الأرض و يسمى نطفة ثم تحصل فيه نقط دموية من دم الحيض و يسمى علقة ثم يظهر فيه حمرة ظاهرة منه فيصير شبيها بالدم الجامد و يعظم قليلا و يهيج فيه ريح حارة و يسمى مضغة ثم يتم و يتميز فيه الأعضاء الرئيسة الثلاثة و يظهر لسائر الأعضاء رسوم خفية و يسمى جنينا ثم يظهر فيه رسوم سائر الأعضاء و يقوى و يصلب و يجري فيه الروح و يتحرك و يسمى صبيا ثم تنفصل الرسوم و تظهر الصورة و ينبت الشعر ثم ينفتح لسانه و تتم خلقته و تكمل خلقة الذكر قبل خلقة الأنثى و إذا كمل لم يكتف بما   يجيئه من الغذاء من دم الحيض فيتحرك حركات صعبة قوية و انتهكت رباطات الرحم فكانت الولادة. و قال بعضهم الرحم موضوعة في ما بين المثانة و المعى المستقيم و هي مربوطة برباطات على هيئة السلسلة و جسمها عصبي ليمكن امتدادها و اتساعها وقت الولادة و الحاجة إلى ذلك و تنضم إذا استغنت و لها بطنان ينتهيان إلى فم واحد و زائدتان تسميان قرني الرحم و خلف هاتين الزائدتين بيضتا المرأة و هما أصغر من بيضتي الرجل و أشد تفرطحا و المفرطح العريض و منهما ينصب مني المرأة إلى تجويف الرحم و للرحم رقبة منتهية إلى فرج المرأة و تلك الرقبة من المرأة بمنزلة الذكر من الرجل فإذا امتزج مني الرجل بمني المرأة من تجويف الرحم كان العلوق ثم ينمي من دم الطمث و يتصل بالجنين عروق تأتي إلى الرحم فتغذوه حتى يتم و يكمل فإذا لم يكتف بما يجيئه من تلك العروق يتحرك حركات قوية طلبا للغذاء فيهتك أربطة الرحم التي قلنا إنها على هيئة السلسلة و يكون منها الولادة انتهى. و اعلم أنهم اتفقوا على أن المني يتولد من فضلة الهضم الرابع في الأعضاء قال بقراط في كتابه في المني إن جمهور مادة المني هو من الدماغ فإنه ينزل منه إلى العرقين اللذين خلف الأذنين ثم منهما إلى النخاع لئلا يبعد من الدماغ و ما يشبهه مسافة طويلة فيغير مزاجه ثم منه إلى الكليتين بعد نفوذه في العرقين الطالعين المتشعبين من الأجوف إلى العروق التي تأتي الأنثيين و لهذا قيل إن قطعهما يقطع النسل. و نقل الطبري عن بقراط أن الصقالبة إذا أرادوا أن يرتبوا أولادهم للدعوة أو للناموس بتروا منهم هذين العرقين فينقطع هذا المقطوع العرق عن الجماع و يصير بصورة النساء فيتبركون به و يتوسلون به إلى الله تعالى و يرون أن دعاءه مستجاب و أن الله قد اصطفاه و اختاره و طهره من الخبائث و جالينوس أنكر ذلك و خطأ قول بقراط.

    و قال الشيخ أنا أرى أن المني ليس يجب أن يكون من الدماغ وحده و إن كانت خميرته منه و صح ما يقوله بقراط من أمر العرقين بل يجب أن يكون له من كل عضو رئيس عين و من الأعضاء الأخرى ترشح أيضا إلى هذه الأصول. و قال القرشي في شرح القانون إنما يكون تولد المني من الرطوبة المبثوثة على الأعضاء كالطل و معلوم أنه ليس في كل عضو من الأعضاء مجرى يسيل فيه ما هناك من تلك الرطوبة إلى الأنثيين ثم إلى القضيب فلا يمكن أن يكون وصولها إلى هناك إلا بأن تتبخر تلك الرطوبة من الأعضاء حتى تتصعد إلى الدماغ و هناك تفارقها الحرارة المتبخرة فتبرد و تتكاثف و تعود إلى قوامها قبل التبخر ثم من هناك ينزل إلى العروق التي خلف الأذنين و ينفذ إلى النخاع في عروق هناك لئلا يتغير عن التعدل الذي أفاده الدماغ فلا يتبخر بالحرارة كرة أخرى فإذا نزلت من هناك حتى وصلت إلى قرب الأنثيين صادف هناك عروقا واصلة من الكليتين إلى الأنثيين و تلك العروق مملوءة من الدم فتتسخن في الكليتين و تعدل فيحيله ذلك النازل من الدماغ إلى مشابهة بعض استحالة ثم بعد ذلك ينفذ إلى الأنثيين و يكمل فيهما تعدله و بياضه و نضجه و منهما يندفع إلى أوعيته. و أيد ذلك بما نقل من كتاب منسوب إلى هرمس في سر الخليقة قد فسره بليناس و هو أن المني إذا خرج من معادنه عند الجماع ائتلف بعضه إلى بعض و سما إلى الدماغ و أخذ الصورة منه ثم نزل في الذكر و خرج منه. و قال شارح الأسباب مادة المني يأتي من الكبد إلى الكليتين في شعب من الأجوف النازل و يتصفى فيهما من المائية ثم منهما إلى المجرى الذي بينهما و بين الأنثيين و هو عرق كثير المعاطف و الاستدارات ليطول المسافة بينهما فينضج فيه المني و يبيض بعد احمراره ثم منه إلى الأنثيين فهما يعينان على تمام تكون المني بإسخانها الدم النافذ في هذه العروق انتهى. و قالوا و نبت من الأنثيين وعاءان مثل البربخين شبيهين بجوهر الأنثيين يصعدان أولا إلى العانة و إلى معلق البيضتين ثم ينزلان متوربين إلى عنق المثانة أسفل من

    مجرى البول ثم يتصلان إلى المجرى الذي في أصل القضيب و يسمى هذان الوعاءان أوعية المني و هذان في الرجال أطول و أوسع منهما في النساء و في القضيب مجار ثلاثة مجرى المني و مجرى البول و مجرى الودي كذا ذكر الشيخ في القانون و قال صاحب ترويح الأرواح في القضيب مجريان أحدهما مجرى البول و الودي و الآخر مجرى المني و كلامهم في ذلك كثير اكتفينا بذلك لتطلع في الجملة على بعض مصطلحاتهم فتستعملها في فهم ما مر و سيأتي من الآيات و الأخبار و الله يعلم حقائق الأمور. و في القاموس البربخ منفذ الماء و مجراه و هو الأردبة و البالوعة من الخزف