باب 4- عصمة الأنبياء عليهم السلام و تأويل ما يوهم خطأهم و سهوهم

عد، ]العقائد[ اعتقادنا في الأنبياء و الرسل و الأئمة و الملائكة صلوات الله عليهم أنهم معصومون مطهرون من كل دنس و أنهم لا يذنبون ذنبا صغيرا و لا كبيرا و لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ و من نفى عنهم العصمة في شي‏ء من أحوالهم فقد جهلهم و اعتقادنا فيهم أنهم موصوفون بالكمال و التمام و العلم من أوائل أمورهم إلى أواخرها لا يوصفون في شي‏ء من أحوالهم بنقص و لا جهل

 1-  لي، ]الأمالي للصدوق[ الهمداني عن علي بن إبراهيم عن القاسم بن محمد البرمكي عن أبي الصلت الهروي قال لما جمع المأمون لعلي بن موسى الرضا ع أهل المقالات من أهل الإسلام و الديانات من اليهود و النصارى و المجوس و الصابئين و سائر أهل المقالات فلم يقم أحد إلا و قد ألزم حجته كأنه قد ألقم حجرا فقام إليه علي بن محمد بن الجهم فقال له يا ابن رسول الله أ تقول بعصمة الأنبياء قال بلى قال فما تعمل في قول الله عز و جل وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى و قوله عز و جل وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ و قوله في يوسف وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها و قوله عز و جل في داود وَ ظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ و قوله في نبيه محمد ص وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَ تَخْشَى النَّاسَ وَ اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فقال مولانا الرضا ع ويحك يا علي اتق الله و لا تنسب إلى أنبياء الله الفواحش و لا تتأول كتاب الله برأيك فإن الله عز و جل يقول وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ أما قوله عز و جل في آدم ع وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى فإن الله عز و جل خلق آدم حجة في أرضه و خليفته في بلاده لم يخلقه للجنة و كانت المعصية من آدم في الجنة لا في الأرض لتتم مقادير أمر الله عز و جل فلما أهبط إلى الأرض و جعل حجة و خليفة عصم بقوله عز و جل إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ  و أما قوله عز و جل وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ أنما ظن أن الله عز و جل لا يضيق عليه رزقه أ لا تسمع قول الله عز و جل وَ أَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ أي ضيق عليه و لو ظن أن الله لا يقدر عليه لكان قد كفر و أما قوله عز و جل في يوسف وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها فإنها همت بالمعصية و هم يوسف بقتلها إن أجبرته لعظم ما داخله فصرف الله عنه قتلها و الفاحشة و هو قوله كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ يعني القتل وَ الْفَحْشاءَ يعني الزنا و أما داود فما يقول من قبلكم فيه فقال علي بن الجهم يقولون إن داود كان في محرابه يصلي إذ تصور له إبليس على صورة طير أحسن ما يكون من الطيور فقطع صلاته و قام ليأخذ الطير فخرج إلى الدار فخرج في أثره فطار الطير إلى السطح فصعد في طلبه فسقط الطير في دار أوريا بن حنان فاطلع داود في أثر الطير فإذا بامرأة أوريا تغتسل فلما نظر إليها هواها و كان أوريا قد أخرجه في بعض غزواته فكتب إلى صاحبه أن قدم أوريا أمام الحرب فقدم فظفر أوريا بالمشركين فصعب ذلك على داود فكتب الثانية أن قدمه أمام التابوت فقتل أوريا رحمه الله و تزوج داود بامرأته فضرب الرضا ع بيده على جبهته و قال إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ لقد نسبتم نبيا من أنبياء الله إلى التهاون بصلاته حتى خرج في أثر الطير ثم بالفاحشة ثم بالقتل فقال يا ابن رسول الله فما كانت خطيئته فقال ويحك إن داود إنما ظن أن ما خلق الله عز و جل خلقا هو أعلم منه فبعث الله عز و جل إليه الملكين فتسورا المحراب فقالا خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَ لا تُشْطِطْ وَ اهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً وَ لِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَ عَزَّنِي فِي الْخِطابِ فعجل داود ع على المدعى عليه فقال لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ فلم يسأل المدعي البينة على ذلك و لم يقبل على المدعى عليه فيقول ما تقول فكان هذا خطيئة حكمه لا ما ذهبتم إليه أ لا تسمع قول الله عز و جل يقول يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ إلى آخر الآية فقلت يا ابن رسول الله فما قصته مع أوريا فقال الرضا ع إن المرأة

  في أيام داود كانت إذا مات بعلها أو قتل لا تتزوج بعده أبدا و أول من أباح الله عز و جل له أن يتزوج بامرأة قتل بعلها داود فذلك الذي شق على أوريا و أما محمد نبيه ص و قول الله عز و جل له وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَ تَخْشَى النَّاسَ وَ اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فإن الله عز و جل عرف نبيه أسماء أزواجه في دار الدنيا و أسماء أزواجه في الآخرة و أنهن أمهات المؤمنين و أحد من سمي له زينب بنت جحش و هي يومئذ تحت زيد بن حارثة فأخفى ص اسمها في نفسه و لم يبد له لكيلا يقول أحد من المنافقين إنه قال في امرأة في بيت رجل إنها أحد أزواجه من أمهات المؤمنين و خشي قول المنافقين قال الله عز و جل وَ اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ في نفسك و إن الله عز و جل ما تولى تزويج أحد من خلقه إلا تزويج حواء من آدم و زينب من رسول الله ص و فاطمة من عليع قال فبكى علي بن الجهم و قال يا ابن رسول الله أنا تائب إلى الله عز و جل أن أنطق في أنبياء الله عز و جل بعد يومي هذا إلا بما ذكرته

 ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ الهمداني و المكتب و الوراق جميعا عن علي بن إبراهيم إلى آخر الخبر بيان قوله ع و كانت المعصية من آدم في الجنة ظاهره يوهم تجويز الخطيئة عليه على بعض الجهات إما لأنها كانت في الجنة و إنما تجب عصمتهم في الدنيا أو لأنها كانت قبل البعثة و إنما تجب عصمتهم بعد النبوة و كلاهما خلاف ما أجمعت عليه الإمامية رضوان الله عليهم من وجوب عصمتهم على جميع الأحوال و دلت عليه الأخبار المستفيضة على ما سيأتي في هذا الكتاب و كتاب الإمامة و غيرهما فيمكن أن يحمل كلامه ع على أن المراد بالخطيئة ارتكاب المكروه و يكونون بعد البعثة معصومين عن مثلها أيضا و يكون ذكر الجنة لبيان كون النهي تنزيهيا و إرشاديا إذ لم تكن دار تكليف حتى يتصور فيها النهي التحريمي. و يحتمل أن يكون إيراد الكلام على هذا النحو لنوع من التقية مماشاة مع العامة لموافقة بعض أقوالهم كما سنشير إليه أو على سبيل التنزل و الاستظهار ردا على من جوز  الذنب مطلقا عليهم صلوات الله عليهم و في تنزيه يونس ع في العيون زيادة و هي قوله إنما ظن بمعنى استيقن أن الله لن يضيق عليه رزقه ففي تفسير الظن باليقين فائدتان إحداهما أنه لو لم يستيقن ذلك لما خرج من بين القوم و إن كان مغاضبا لهم الثانية أن لا يتوهم فيه نسبة خطاء و منقصة على هذا التفسير أيضا بأنه لم يستيقن رزاقيته تعالى لا سيما بالنسبة إلى أوليائه و أما ظن داود ع فيحتمل أن يكون ع ظن أنه أعلم أهل زمانه و هذا و إن كان صادقا إلا أنه لما كان مصادفا لنوع من العجب نبهه الله تعالى بإرسال الملكين و على تقدير أن يكون المراد ظن أنه أعلم من السابقين أيضا فيحتمل أن يكون المراد التجويز و الاحتمال بأن يقال لم يكن ظهر عليه بعد أعلميتهم بالنسبة إليه أو يخص بعلم المحاكمة أو يكون ذلك الظن كناية عن نهاية الإعجاب بعلمه و أما تعجيله ع في حال الترافع فليس المراد أنه حكم بظلم المدعى عليه قبل البينة إذ المراد بقوله لَقَدْ ظَلَمَكَ أنه لو كان كما تقول فقد ظلمك بل كان الأصوب و الأولى أن لا يقول ذلك أيضا إلا بعد وضوح الحكم

 2-  ل، ]الخصال[ أبي عن أحمد بن إدريس و محمد العطار معا عن الأشعري رفعه إلى أبي عبد الله ع قال ثلاث لم يعر منها نبي فمن دونه الطيرة و الحسد و التفكر في الوسوسة في الخلق

 قال الصدوق رحمه الله معنى الطيرة في هذا الموضع هو أن يتطير منهم قومهم فأما هم ع فلا يتطيرون و ذلك كما قال عز و جل عن قوم صالح قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَ بِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ و كما قال آخرون لأنبيائهم إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ الآية و أما الحسد في هذا الموضع هو أن يحسدوا لا أنهم يحسدون غيرهم و ذلك كما قال الله عز و جل أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً و أما التفكر في الوسوسة في الخلق فهو بلواهم ع بأهل الوسوسة لا غير ذلك و ذلك كما حكى الله عن  الوليد بن المغيرة المخزومي إِنَّهُ فَكَّرَ وَ قَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ يعني قال للقرآن إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ. بيان ما ذكره رحمه الله توجيه وجيه لكن في الكافي و غيره ورد فيه تتمة تأبى عنه و هي لكن المؤمن لا يظهر الحسد و يمكن أن يكون المراد بالحسد أعم من الغبطة أو يقال القليل منه مع عدم إظهاره ليس بمعصية و الطيرة هي التشؤم بالشي‏ء و انفعال النفس بما يراه أو يسمعه مما يتشأم به و لا دليل على أنه لا يجوز ذلك على الأنبياء و المراد بالتفكر في الوسوسة في الخلق التفكر فيما يحصل في نفس الإنسان من الوساوس في خالق الأشياء و كيفية خلقها و خلق أعمال العباد و التفكر في الحكمة في خلق بعض الشرور في العالم من غير استقرار في النفس و حصول شك بسببها و يحتمل أن يكون المراد بالخلق المخلوقات و بالتفكر في الوساوس التفكر و حديث النفس بعيوبهم و تفتيش أحوالهم و يؤيد كلا من الوجهين بعض الأخبار كما سيأتي في أبواب المكارم و بعض أفراد هذا الأخير أيضا على الوجهين لا يستبعد عروضها لهم ع

 3-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ فيما كتب الرضا ع للمأمون من دين الإمامية لا يفرض الله طاعة من يعلم أنه يضلهم و يغويهم و لا يختار لرسالته و لا يصطفي من عباده من يعلم أنه يكفر به و بعبادته و يعبد الشيطان دونه

 4-  مع، ]معاني الأخبار[ أبي عن محمد العطار عن الأشعري عن إبراهيم بن هاشم عن صالح بن سعيد عن رجل من أصحابنا عن أبي عبد الله ع قال سألته عن قول الله عز و جل في قصة إبراهيم ع قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ قال ما فعله كبيرهم و ما كذب إبراهيم ع فقلت و كيف ذاك قال إنما قال إبراهيم ع فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ إن نطقوا فكبيرهم فعل و إن لم ينطقوا فلم يفعل كبيرهم شيئا فما نطقوا و ما كذب إبراهيم ع فقلت قوله عز و جل في يوسف أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ  قال إنهم سرقوا يوسف من أبيه أ لا ترى أنه قال لهم حين قال ما ذا تَفْقِدُونَ قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ و لم يقل سرقتم صواع الملك إنما عنى سرقتم يوسف من أبيه فقلت قوله إِنِّي سَقِيمٌ قال ما كان إبراهيم سقيما و ما كذب إنما عنى سقيما في دينه مرتادا و قد روي أنه عنى بقوله إِنِّي سَقِيمٌ أي سأسقم و كل ميت سقيم و قد قال الله عز و جل لنبيه ص إِنَّكَ مَيِّتٌ أي ستموت و قد روي أنه عنى إني سقيم بما يفعل بالحسين بن علي ع

 ج، ]الإحتجاج[ مرسلا مثله إلى قوله مرتادا بيان قوله و كل ميت سقيم لعل المراد أنه عند الإشراف على الموت يعرض السقم لا محالة بوجه إما بمرض أو بجرح

 5-  فس، ]تفسير القمي[ سئل أبو عبد الله ع عن قول إبراهيم هذا رَبِّي لغير الله هل أشرك في قوله هذا رَبِّي فقال من قال هذا اليوم فهو مشرك و لم يكن من إبراهيم شرك و إنما كان في طلب ربه و هو من غيره شرك

 6-  فس، ]تفسير القمي[ وَ ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ قال إبراهيم لأبيه إن لم تعبد الأصنام استغفرت لك فلما لم يدع الأصنام تبرأ منه

 7-  فس، ]تفسير القمي[ فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ فقال أبو عبد الله ع و الله ما كان سقيما و ما كذب و إنما عنى سقيما في دينه مرتادا

   -8  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ تميم القرشي عن أبيه عن حمدان بن سليمان عن علي بن محمد بن الجهم قال حضرت مجلس المأمون و عنده الرضا علي بن موسى ع فقال له المأمون يا ابن رسول الله أ ليس من قولك إن الأنبياء معصومون قال بلى قال فما معنى قول الله عز و جل وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى فقال ع إن الله تبارك و تعالى قال لآدم اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَ كُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ و أشار لهما إلى شجرة الحنطة فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ و لم يقل لهما لا تأكلا من هذه الشجرة و لا مما كان من جنسها فلم يقربا تلك الشجرة و إنما أكلا من غيرها لما أن وسوس الشيطان إليهما وَ قالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ و إنما نهاكما أن تقربا غيرها و لم ينهكما عن الأكل منها إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ وَ قاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ و لم يكن آدم و حواء شاهدا قبل ذلك من يحلف بالله كاذبا فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ فأكلا منها ثقة بيمينه بالله و كان ذلك من آدم قبل النبوة و لم يكن ذلك بذنب كبير استحق به دخول النار و إنما كان من الصغائر الموهوبة التي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي عليهم فلما اجتباه الله و جعله نبيا كان معصوما لا يذنب صغيرة و لا كبيرة قال الله عز و جل وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَ هَدى و قال عز و جل إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ فقال له المأمون فما معنى قول الله عز و جل فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فقال الرضا ع إن حواء ولدت لآدم خمسمائة بطن في كل بطن ذكرا و أنثى و إن آدم و حواء عاهدا الله عز و جل و دعواه و قالا لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فلما آتاهما صالحا من النسل خلقا سويا بريئا من الزمانة و العاهة كان ما آتاهما صنفين صنفا ذكرانا و صنفا إناثا فجعل الصنفان لله تعالى ذكره شركاء فيما آتاهما و لم يشكراه كشكر أبويهما له عز و جل قال الله عز و جل فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ فقال المأمون أشهد أنك ابن رسول الله حقا فأخبرني عن قول الله عز و جل في

  إبراهيم ع فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فقال الرضا ع إن إبراهيم ع وقع إلى ثلاثة أصناف صنف يعبد الزهرة و صنف يعبد القمر و صنف يعبد الشمس و ذلك حين خرج من السرب الذي أخفى فيه فلما جن عليه الليل فرأى الزهرة فقال هذا ربي على الإنكار و الاستخبار فَلَمَّا أَفَلَ الكوكب قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ لأن الأفول من صفات الحدث لا من صفات القدم فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي على الإنكار و الاستخبار فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ يقول لو لم يهدني ربي لكنت من القوم الضالين فَلَمَّا أصبح و رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ من الزهرة و القمر على الإنكار و الاستخبار لا على الإخبار و الإقرار فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ للأصناف الثلاثة من عبدة الزهرة و القمر و الشمس يا قَوْمِ إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ و إنما أراد إبراهيم بما قال أن يبين لهم بطلان دينهم و يثبت عندهم أن العبادة لا تحق لما كان بصفة الزهرة و القمر و الشمس و إنما تحق العبادة لخالقها و خالق السماوات و الأرض و كان ما احتج به على قومه بما ألهمه الله عز و جل و آتاه كما قال عز و جل وَ تِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ فقال المأمون لله درك يا ابن رسول الله فأخبرني عن قول إبراهيم رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قال الرضا ع إن الله تبارك و تعالى كان أوحى إلى إبراهيم ع أني متخذ من عبادي خليلا إن سألني إحياء الموتى أجبته فوقع في نفس إبراهيم ع أنه ذلك الخليل فقال رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي على الخلة قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فأخذ إبراهيم ع نسرا و بطا و طاوسا و ديكا فقطعهن و خلطهن ثم جعل على كل جبل من الجبال التي حوله و كانت عشرة منهن جزء و جعل  مناقيرهن بين أصابعه ثم دعاهن بأسمائهن و وضع عنده حبا و ماء فتطايرت تلك الأجزاء بعضها إلى بعض حتى استوت الأبدان و جاء كل بدن حتى انضم إلى رقبته و رأسه فخلى إبراهيم ع عن مناقيرهن فطرن ثم وقعن فشربن من ذلك الماء و التقطن من ذلك الحب و قلن يا نبي الله أحييتنا أحياك الله فقال إبراهيم ع بل الله يحيي و يميت وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ قال المأمون بارك الله فيك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله عز و جل فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ قال الرضا ع إن موسى ع دخل مدينة من مدائن فرعون على حين غفلة من أهلها و ذلك بين المغرب و العشاء فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَ هذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فقضى موسى ع على العدو بحكم الله تعالى ذكره فَوَكَزَهُ فمات قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ يعني الاقتتال الذي كان وقع بين الرجلين لا ما فعله موسى ع من قتله إِنَّهُ يعني الشيطان عَدُوٌّ مُضِلٌّ قال المأمون فما معنى قول موسى رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي قال يقول إني وضعت نفسي غير موضعها بدخولي هذه المدينة فَاغْفِرْ لِي أي استرني من أعدائك لئلا يظفروا بي فقتلوني فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ قالَ موسى رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ من القوة حتى قتلت رجلا بوكزة فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ بل أجاهد في سبيلك بهذه القوة حتى ترضى فَأَصْبَحَ موسى فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ على آخر قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ قاتلت رجلا بالأمس و تقاتل هذا اليوم لأؤدبنك و أراد أن يبطش به فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما و هو من شيعته قالَ يا مُوسى أَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَ ما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ قال المأمون جزاك الله خيرا يا أبا الحسن فما معنى قول موسى لفرعون فَعَلْتُها إِذاً وَ أَنَا مِنَ الضَّالِّينَ قال الرضا ع إن فرعون قال لموسى لما أتاه وَ فَعَلْتَ فَعْلَتَكَ  الَّتِي فَعَلْتَ وَ أَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ

لي قالَ موسى فَعَلْتُها إِذاً وَ أَنَا مِنَ الضَّالِّينَ عن الطريق بوقوعي إلى مدينة من مدائنك فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَ جَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ و قد قال الله عز و جل لنبيه محمد ص أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى يقول أ لم يجدك وحيدا فآوى إليك الناس وَ وَجَدَكَ ضَالًّا يعني عند قومك فَهَدى أي هداهم إلى معرفتك وَ وَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى يقول أغناك بأن جعل دعاءك مستجابا قال المأمون بارك الله فيك يا ابن رسول الله فما معنى قول الله عز و جل وَ لَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَ كَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي الآية كيف يجوز أن يكون كليم الله موسى بن عمران لا يعلم أن الله تعالى ذكره لا تجوز عليه الرؤية حتى يسأله هذا السؤال فقال الرضا ع إن كليم الله موسى بن عمران ع علم أن الله تعالى أعز من أن يرى بالأبصار و لكنه لما كلمه الله عز و جل و قربه نجيا رجع إلى قومه فأخبرهم أن الله عز و جل كلمه و قربه و ناجاه فقالوا لن نؤمن لك حتى نسمع كلامه كما سمعت و كان القوم سبعمائة ألف رجل فاختار منهم سبعين ألفا ثم اختار منهم سبعة آلاف ثم اختار منهم سبعمائة ثم اختار منهم سبعين رجلا لميقات ربه فخرج بهم إلى طور سيناء فأقامهم في سفح الجبل و صعد موسى ع إلى الطور و سأل الله تبارك و تعالى أن يكلمه و يسمعهم كلامه فكلمه الله تعالى ذكره و سمعوا كلامه من فوق و أسفل و يمين و شمال و وراء و أمام لأن الله عز و جل أحدثه في الشجرة و جعله منبعثا منها حتى سمعوه من جميع الوجوه فقالوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ بأن هذا الذي سمعناه كلام الله حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فلما قالوا هذا القول العظيم و استكبروا و عتوا بعث الله عز و جل عليهم صاعقة فأخذتهم بظلمهم فماتوا فقال موسى يا رب ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم و قالوا إنك ذهبت بهم فقتلتهم لأنك لم تكن صادقا فيما ادعيت من مناجات الله إياك فأحياهم الله و بعثهم معه فقالوا إنك لو سألت الله أن يريك تنظر إليه لأجابك و كنت تخبرنا كيف هو نعرفه حق معرفته فقال موسى ع يا قوم إن الله لا يرى بالأبصار

  و لا كيفية له و إنما يعرف بآياته و يعلم بإعلامه فقالوا لن نؤمن لك حتى تسأله فقال موسى ع يا رب إنك قد سمعت مقالة بني إسرائيل و أنت أعلم بصلاحهم فأوحى الله جل جلاله إليه يا موسى سلني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم فعند ذلك قال موسى رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَ لكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ و هو يهوي فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ بآية من آياته جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ يقول رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ منهم بأنك لا ترى فقال المأمون لله درك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله عز و جل وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ فقال الرضا ع لقد همت به و لو لا أن رأى برهان ربه لهم بها كما همت لكنه كان معصوما و المعصوم لا يهم بذنب و لا يأتيه و لقد حدثني أبي عن أبيه الصادق ع أنه قال همت بأن تفعل و هم بأن لا يفعل فقال المأمون لله درك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله عز و جل وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ قال الرضا ع ذاك يونس بن متى ع ذَهَبَ مُغاضِباً لقومه فَظَنَّ بمعنى استيقن أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ أن لن نضيق عليه رزقه و منه قول الله عز و جل وَ أَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ أي ضيق و قتر فَنادى فِي الظُّلُماتِ ظلمة الليل و ظلمة البحر و ظلمة بطن الحوت أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ بتركي مثل هذه العبادة التي قد فرغتني لها في بطن الحوت فاستجاب الله له و قال عز و جل فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فقال المأمون لله درك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله عز و جل حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا قال الرضا ع يقول عز و جل حتى إذا استيأس الرسل من قومهم و ظن قومهم أن الرسل قد كذبوا جاء الرسل نصرنا

  فقال المأمون لله درك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله عز و جل لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ قال الرضا ع لم يكن أحد عند مشركي أهل مكة أعظم ذنبا من رسول الله ص لأنهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة و ستين صنما فلما جاءهم ص بالدعوة إلى كلمة الإخلاص كبر ذلك عليهم و عظم و قالوا أَ جَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْ‏ءٌ عُجابٌ وَ انْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَ اصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْ‏ءٌ يُرادُ ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ فلما فتح الله عز و جل على نبيه مكة قال له يا محمد إِنَّا فَتَحْنا لَكَ مكة فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ عند مشركي أهل مكة بدعائك إلى توحيدالله فيما تقدم و ما تأخر لأن مشركي مكة أسلم بعضهم و خرج بعضهم عن مكة و من بقي منهم لم يقدر على إنكار التوحيد عليه إذا دعا الناس إليه فصار ذنبه عندهم في ذلك مغفورا بظهوره عليهم فقال المأمون لله درك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله عز و جل عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ قال الرضا ع هذا مما نزل بإياك أعني و اسمعي يا جارة خاطب الله عز و جل بذلك نبيه ص و أراد به أمته فكذلك قوله عز و جل لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ و قوله عز و جل وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا قال صدقت يا ابن رسول الله فأخبرني عن قول الله عز و جل وَ إِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَ اتَّقِ اللَّهَ وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَ تَخْشَى النَّاسَ وَ اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ قال الرضا ع إن رسول الله ص قصد دار زيد بن حارثة بن شراجيل الكلبي في أمر أراده فرأى امرأته تغتسل فقال لها سبحان الذي خلقك و إنما أراد بذلك تنزيه الله تبارك و تعالى عن قول من زعم أن الملائكة بنات الله فقال الله عز و جل أَ فَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَ اتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً فقال النبي ص لما رآها تغتسل سبحان الذي خلقك أن يتخذ ولدا يحتاج إلى هذا التطهير و الاغتسال فلما عاد زيد إلى منزله أخبرته امرأته بمجي‏ء رسول الله ص و قوله لها سبحان الذي خلقك فلم يعلم زيد ما أراد بذلك و ظن

  أنه قال ذلك لما أعجبه من حسنها فجاء إلى النبي ص فقال له يا رسول الله إن امرأتي في خلقها سوء و إني أريد طلاقها فقال له النبي ص أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَ اتَّقِ اللَّهَ و قد كان الله عز و جل عرفه عدد أزواجه و أن تلك المرأة منهن فأخفى ذلك في نفسه و لم يبده لزيد و خشي الناس أن يقولوا إن محمدا يقول لمولاه إن امرأتك ستكون لي زوجة فيعيبونه بذلك فأنزل الله عز و جل وَ إِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ يعني بالإسلام وَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ يعني بالعتق أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَ اتَّقِ اللَّهَ وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَ تَخْشَى النَّاسَ وَ اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ ثم إن زيد بن حارثة طلقها و اعتدت منه فزوجها الله عز و جل من نبيه محمد ص و أنزل بذلك قرآنا فقال عز و جل فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَ كانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ثم علم عز و جل أن المنافقين سيعيبونه بتزويجها فأنزل ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ فقال المأمون لقد شفيت صدري يا ابن رسول الله و أوضحت لي ما كان ملتبسا علي فجزاك الله عن أنبيائه و عن الإسلام خيرا قال علي بن محمد بن الجهم فقام المأمون إلى الصلاة و أخذ بيد محمد بن جعفر بن محمد و كان حاضر المجلس و تبعتهما فقال له المأمون كيف رأيت ابن أخيك فقال عالم و لم نره يختلف إلى أحد من أهل العلم فقال المأمون إن ابن أخيك من أهل بيت النبي الذين قال ص فيهم ألا إن أبرار عترتي و أطايب أرومتي أحلم الناس صغارا و أعلم الناس كبارا لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم لا يخرجونكم من باب هدى و لا يدخلونكم فيباب ضلال و انصرف الرضا ع إلى منزله فلما كان من الغد غدوت عليه و أعلمته ما كان من قول المأمون و جواب عمه محمد بن جعفر له فضحك ع ثم قال يا ابن الجهم لا يغرنك ما سمعته منه فإنه سيغتالني و الله ينتقم لي منه

   قال الصدوق رحمه الله هذا الحديث عجيب من طريق علي بن محمد بن الجهم مع نصبه و بغضه و عداوته لأهل البيت ع ج، ]الإحتجاج[ مرسلا مثله بيان أقول ما ذكره في خطيئة آدم ع قريب مما ذكره بعض العامة من أنه تعالى أشار لهما حين نهاهما إلى شجرة واحدة و كان المراد نوع تلك الشجرة فوسوس إليهما الشيطان أن المراد كان ذلك الشخص من الشجرة فقبلا ذلك منه و هذا مثل ما ورد في الخبر السابق في مخالفة الأصول و التوجيه مشترك و لعل ذكر هذا الوجه لبيان علة ارتكاب ترك الأولى لا أن يكون جوابا مستقلا و الضمير في قوله عن الأكل منها راجع إلى غيرها و يحتمل أن يكون راجعا إلى هذه الشجرة بأن يكون الاستثناء منقطعا أي ليست هذه الشجرة منهية بل هي سبب لكونكما ملكين أو خالدين إذا أكلتما منها و قال الجوهري يقال في المدح لله دره أي عمله و قال الشيخ الرضي رضي الله عنه الدر في الأصل ما يدر أي ينزل من الضرع من اللبن و من الغيم من المطر و هو هاهنا كناية عن فعل الممدوح الصادر عنه و إنما نسب فعله إليه تعالى قصدا للتعجب و إن الله منشئ العجائب فكل شي‏ء عظيم يريدون التعجب منه ينسبونه إليه تعالى نحو قولهم لله أنت و لله أبوك فمعنى لله دره ما عجب فعله. قوله تعالى وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قال الشيخ أمين الدين الطبرسي قرأ أهل الكوفة و أبو جعفر كُذِبُوا بالتخفيف و هي قراءة علي و زين العابدين و محمد بن علي و جعفر بن محمد ع و زيد بن علي و ابن عباس و ابن مسعود و سعيد بن جبير و عكرمة و الضحاك و الأعمش و قرأ الباقون كذبوا بالتشديد و هي قراءة عائشة و الحسن و عطاء و الزهري و قتادة ثم قال و المعنى أنا أخرنا العقاب عن الأمم السالفة المكذبة لرسلنا كما أخرناه عن أمتك يا محمد حتى إذا بلغوا إلى حالة يأس الرسل عن إيمانهم و تحقق يأسهم بإخبار الله تعالى إياهم و ظنوا أنهم قد كذبوا أي تيقن الرسل أن  قومهم قد كذبوهم تكذيبا عاما حتى أنه لا يصلح واحد منهم عن عائشة و الحسن و قتادة و أبي علي الجبائي و من خفف فمعناه ظن الأمم أن الرسل كذبوهم فيما أخبروهم به من نصر الله تعالى إياهم و إهلاك أعدائهم عن ابن عباس و ابن مسعود و ابن جبير و مجاهد و ابن زيد و الضحاك و أبي مسلم و قيل يجوز أن يكون الضمير في ظنوا راجعا إلى الرسل أيضا و يكون معناه و علم الرسل أن الذين وعدوهم الإيمان من قومهم أخلفوهم أو كذبوا فيما أظهروه من الإيمان و روي أن سعيد بن جبير و الضحاك اجتمعا في دعوة فسئل سعيد بن جبير عن هذه الآية كيف تقرؤها فقال وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا بالتخفيف بمعنى و ظن المرسل إليهم أن الرسل كذبوهم فقال الضحاك ما رأيت كاليوم قط لو رحلت في هذه إلى اليمن كان قليلا. و روى ابن أبي مليكة عن ابن عباس قالكانوا بشرا فضعفوا و يئسوا و ظنوا أنهم أخلفوا ثم أخلفوا ثم تلا قوله تعالى حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ الآية و هذا باطل لا يجوز أن ينسب مثله إلى الأنبياء انتهى. أقول ما ذكره ع غير تلك الوجوه و توجيهه واضح و يمكن إرجاعه إلى أول وجهي التخفيف كما روي عن ابن عباس بأن يقرأ كذبوا على المعلوم فيكون بيانا لحاصل المعنى لكنه بعيد. و أما ما ذكره ع في قوله تعالى لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ فالظاهر أن الغفر فيه بمعنى الستر كما هو معناه في أصل اللغة و سيأتي الكلام فيه و في غيره في مواضعها مفصلا إن شاء الله تعالى و سيجي‏ء بعض أخبار هذا الباب في ذكر أحوال الأنبياء ع و سيجي‏ء خبر آدم و أنه وهب عمره لداود في خبر الثمالي و يدل على جواز السهو على بعض الأنبياء ع و سنتكلم عليه

 9-  فس، ]تفسير القمي[ قوله حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال وكلهم الله إلى أنفسهم فظنوا أن الشيطان قد تثمل لهم في صورة الملائكة

   بيان لعل هذا الخبر محمول على التقية كما عرفت أو المراد بالظن محض خطور البال أو المراد أن النصر تأخر عنهم حتى كان مظنة أن يتوهموا ذلك و إرجاع الضمير المنصوب في وكلهم و المرفوع في فظنوا إلى الأمم بعيد جدا

 10-  شي، ]تفسير العياشي[ عن محمد بن مسلم عن أحدهما ع قال في إبراهيم ع إذ رأى كوكبا قال إنما كان طالبا لربه و لم يبلغ كفرا و إنه من فكر من الناس في مثل ذلك فإنه بمنزلته

 11-  شي، ]تفسير العياشي[ عن أبان بن عثمان عمن ذكره عنهم أنه كان من حديث إبراهيم ع أنه ولد ولد في زمان نمرود بن كنعان و كان قد ملك الأرض أربعة مؤمنان و كافران سليمان بن داود و ذو القرنين و نمرود بن كنعان و بخت‏نصر و أنه قيل لنمرود إنه يولد العام غلام يكون هلاكك و هلاك دينك و هلاك أصنامك على يديه و إنه وضع القوابل على النساء و أمر أن لا يولد هذه السنة ذكر إلا قتلوه و إن إبراهيم ع حملته أمه في ظهرها و لم تحمله في بطنها و إنه لما وضعته أدخلته سربا و وضعت عليه غطاء إنه كان يشب شبا لا يشبه الصبيان و كانت تعاهده فخرج إبراهيم ع من السرب فرأى الزهرة فلم ير كوكبا أحسن منها فقال هذا رَبِّي فلم يلبث أن طلع القمر فلما رآه قال هذا أعظم هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ فلما رأى النهار و طلعت الشمس قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ مما رأيت فَلَمَّا أَفَلَقالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً مسلما وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ

 12-  شي، ]تفسير العياشي[ عن حجر قال أرسل العلاء بن سيابة يسأل أبا عبد الله ع عن قول إبراهيم ع هذا رَبِّي و قال إنه من قال هذا اليوم فهو عندنا مشرك قال ع لم يكن من إبراهيم شرك إنما كان في طلب ربه و هو من غيره شرك

   -13  شي، ]تفسير العياشي[ عن محمد بن حمران قال سألت أبا عبد الله ع عن قول الله فيما أخبر عن إبراهيم هذا رَبِّي قال لم يبلغ به شيئا أراد غير الذي قال

 بيان لم يبلغ به شيئا أي لا كفرا و لا فسقا بل أراد غير الذي كان ظاهر كلامه إما بأنه كان في مقام النظر و التفكر و إنما قال ذلك على سبيل الفرض ليتفكر في أنه هل يصلح لذلك أم لا أو قال ذلك على سبيل الإنكار أو على سبيل الاستفهام و سيأتي تمام القول فيه

 14-  شي، ]تفسير العياشي[ عن إبراهيم بن أبي البلاد عن بعض أصحابه قال قال أبو عبد الله ع ما يقول الناس في قول الله وَ ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ قلت يقولون إبراهيم وعد أباه ليستغفر له قال ليس هو هكذا و إن إبراهيم وعده أن يسلم فاستغفر له فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ

 15-  شي، ]تفسير العياشي[ عن أبي إسحاق الهمذاني عن رجل قال صلى رجل إلى جنبي فاستغفر لأبويه و كانا ماتا في الجاهلية فقلت تستغفر لأبويك و قد ماتا في الجاهلية فقال قد استغفر إبراهيم لأبيه فلم أدر ما أرد عليه فذكرت ذلك للنبي ص فأنزل الله وَ ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ قال لما مات تبين أنه عدو لله فلم يستغفر له

 بيان قال الشيخ الطبرسي رضي الله عنه أي لم يكن استغفار له إلا صادرا عن موعدة وعدها إياه و اختلف في صاحب هذه الموعدة هل هو إبراهيم أو أبوه فقيل إن الموعدة كانت من الأب وعد إبراهيم أنه يؤمن أن يستغفر له فاستغفر له لذلك فلما تبين له أنه عدو الله و لا يفي بما وعد تبرأ منه و ترك الدعاء له و هو المروي عن ابن عباس و مجاهد و قتادة إلا أنهم قالوا إنما تبين عداوته لما مات على كفره و قيل إن الموعدة كانت من إبراهيم قال لأبيه إني لأستغفر لك ما دمت حيا و كان يستغفر له مقيدا  بشرط الإيمان فلما آيس من إيمانه تبرأ منه و هذا يوافق قراءة الحسن إلا عن موعدة وعدها أباه بالباء و يقويه قوله إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ

 16-  شي، ]تفسير العياشي[ عن سلمان بن عبد الله الطلحي قال قلت لأبي عبد الله ع ما حال بني يعقوب فهل خرجوا من الإيمان قال نعم قلت له فما تقول في آدم قال دع آدم

 بيان أقول لما أوردنا بعض الأخبار الدالة على عصمة الأنبياء المتضمنة لتأويل ما يوهم صدور الذنب و الخطاء عنهم فلنتكلم عليها جملة إذ تفصيل القول في ذلك يوجب الإطناب و يكثر حجم الكتاب. اعلم أن الاختلاف الواقع في هذا الباب بين علماء الفريقين يرجع إلى أقسام أربعة أحدها ما يقع في باب العقائد و ثانيها ما يقع في التبليغ و ثالثها ما يقع في الأحكام و الفتيا و رابعها في أفعالهم و سيرهم ع و أما الكفر و الضلال في الاعتقاد فقد أجمعت الأمة على عصمتهم عنهما قبل النبوة و بعدها غير أن الأزارقة من الخوارج جوزوا عليهم الذنب و كل ذنب عندهم كفر فلزمهم تجويز الكفر عليهم بل يحكى عنهم أنهم قالوا يجوز أن يبعث الله نبيا علم أنه يكفر بعد نبوته. و أما النوع الثاني و هو ما يتعلق بالتبليغ فقد اتفقت الأمة بل جميع أرباب الملل و الشرائع على وجوب عصمتهم عن الكذب و التحريف فيما يتعلق بالتبليغ عمدا و سهوا إلا القاضي أبو بكر فإنه جوز ما كان من ذلك على سبيل النسيان و فلتات  اللسان و أما النوع الثالث و هو ما يتعلق بالفتيا فأجمعوا على أنه لا يجوز خطاؤهم فيه عمدا و سهوا إلا شرذمة قليلة من العامة و أما النوع الرابع و هو الذي يقع في أفعالهم فقد اختلفوا فيه على خمسة أقوال. الأول مذهب أصحابنا الإمامية و هو أنه لا يصدر عنهم الذنب لا صغيرة و لا كبيرة و لا عمدا و لا نسيانا و لا لخطاء في التأويل و لا للإسهاء من الله سبحانه و لم يخالف فيه إلا الصدوق و شيخه محمد بن الحسن بن الوليد رحمهما الله فإنهما جوزا الإسهاء لا السهو الذي يكون من الشيطان و كذا القول في الأئمة الطاهرين ع. الثاني أنه لا يجوز عليهم الكبائر و يجوز عليهم الصغائر إلا الصغائر الخسيسة المنفرة كسرقة حبة أو لقمة و كل ما ينسب فاعله إلى الدناءة و الضعة و هذا قول أكثر المعتزلة. الثالث أنه لا يجوز أن يأتوا بصغيرة و لا كبيرة على جهة العمد لكن يجوز على جهة التأويل أو السهو و هو قول أبي علي الجبائي. الرابع أنه لا يقع منهم الذنب إلا على جهة السهو و الخطاء لكنهم مأخوذون بما يقع منهم سهوا و إن كان موضوعا عن أممهم لقوة معرفتهم و علو رتبتهم و كثرة دلائلهم و أنهم يقدرون من التحفظ على ما لا يقدر عليه غيرهم و هو قول النظام و جعفر بن مبشر و من تبعهما. الخامس أنه يجوز عليهم الكبائر و الصغائر عمدا و سهوا و خطأ و هو قول الحشوية و كثير من أصحاب الحديث من العامة. ثم اختلفوا في وقت العصمة على ثلاثة أقوال. الأول أنه من وقت ولادتهم إلى أن يلقوا الله سبحانه و هو مذهب أصحابنا الإمامية.

   الثاني أنه من حين بلوغهم و لا يجوز عليهم الكفر و الكبيرة قبل النبوة و هو مذهب كثير من المعتزلة. الثالث أنه وقت النبوة و أما قبله فيجوز صدور المعصية عنهم و هو قول أكثر الأشاعرة و منهم الفخر الرازي و به قال أبو هذيل و أبو علي الجبائي من المعتزلة. إذا عرفت هذا فاعلم أن العمدة فيما اختاره أصحابنا من تنزيه الأنبياء و الأئمة ع من كل ذنب و دناءة و منقصة قبل النبوة و بعدها قول أئمتنا سلام الله عليهم بذلك المعلوم لنا قطعا بإجماع أصحابنا رضوان الله عليهم مع تأيده بالنصوص المتظافرة حتى صار ذلك من قبيل الضروريات في مذهب الإمامية. و قد استدل عليه أصحابنا بالدلائل العقلية و قد أوردنا بعضها في شرح كتاب الحجة و من أراد تفصيل القول في ذلك فليراجع إلى كتاب الشافي و تنزيه الأنبياء و غيرهما من كتب أصحابنا و الجواب مجملا عما استدل به المخطئون من إطلاق لفظ العصيان و الذنب فيما صدر عن آدم ع هو أنه لما قام الدليل على عصمتهم نحمل هذه الألفاظ على ترك المستحب و الأولى أو فعل المكروه مجازا و النكتة فيه كون ترك الأولى و مخالفة الأمر الندبي و ارتكاب النهي التنزيهي منهم مما يعظم موقعه لعلو درجتهم و ارتفاع شأنهم و لنذكر بعض ما احتج به المنزهون من الفريقين على سبيل الإجمال و لهم في ذلك مسالك. الأول ما أورده السيد المرتضى قدس الله سره في كتاب تنزيه الأنبياء حيث قال اعلم أن جميع ما ننزه الأنبياء ع عنه و نمنع من وقوعه منهم يستند إلى دلالة العلم المعجز إما بنفسه أو بواسطة و تفسير هذه الجملة أن العلم المعجز إذا كان واقعا موقع التصديق لمدعي النبوة و الرسالة و جاريا مجرى قوله تعالى له صدقت في أنك رسولي و مؤد عني فلا بد من أن يكون هذا المعجز مانعا من كذبه على الله تعالى فيما يؤديه لأنه تعالى لا يجوز أن يصدق الكذاب لأن تصديق الكذاب قبيح كما أن الكذب قبيح فأما الكذب في غير ما يؤديه و سائر الكبائر فإنما دل المعجز على نفيها من حيث كان دالا  على وجوب اتباع الرسول و تصديقه فيما يؤديه و قبوله منه لأن الغرض في بعثة الأنبياء ع و تصديقهم بالأعلام المعجزة هو أن يمتثل بما يأتون به فما قدح في الامتثال و القبول و أثر فيهما يجب أن يمنع المعجز منه فلهذا قلنا إنه يدل على نفي الكذب و الكبائر عنهم في غير ما يؤدونه بواسطة و في الأول يدل بنفسه. فإن قيل لم يبق إلا أن يدلوا على أن تجويز الكبائر يقدح فيما هو الغرض بالبعثة من القبول و الامتثال قلنا لا شبهة في أن من نجوز عليه كبائر المعاصي و لا نأمن منه الإقدام على الذنوب لا تكون أنفسنا ساكنة إلى قبول قوله و استماع وعظه سكونها إلى من نجوز عليه شيئا من ذلك و هذا هو معنى قولنا إن وقوع الكبائر ينفر عن القبول و المرجع فيما ينفر و لا ينفر إلى العادات و اعتبار ما يقتضيه و ليس ذلك مما يستخرج بالأدلة و المقاييس و من رجع إلى العادة علم ما ذكرناه و أنه من أقوى ما ينفر عن قبول القول و إن حظ الكبائر في هذا الباب إن لم يزد عن حظ السخف و المجون و الخلاعة لم ينقص منه. فإن قيل أ ليس قد جوز كثير من الناس على الأنبياء ع الكبائر مع أنهم لم ينفروا عن قبول أقوالهم و العمل بما شرعوه من الشرائع و هذا ينقض قولكم إن الكبائر منفرة قلنا هذا سؤال من لم يفهم ما أوردنا لأنا لم نرد بالتنفير ارتفاع التصديق و أن لا يقع امتثال الأمر جملة و إنما أردنا ما فسرناه من أن سكون النفس إلى قبول قول من يجوز ذلك عليه لا يكون على حد سكونها إلى من لا نجوز ذلك عليه و إنا مع تجويز الكبائر نكون أبعد من قبول القول كما أنا مع الأمان من الكبائر نكون أقرب إلى القبول و قد يقرب من الشي‏ء ما لا يحصل الشي‏ء عنده كما يبعد عنه ما لا يرتفع عنده. أ لا ترى أن عبوس الداعي للناس إلى طعامه و تضجره و تبرمه منفر في العادة

   عن حضور دعوته و تناول طعامه و قد يقع مع ما ذكرناه الحضور و التناول و لا يخرجه من أن يكون منفرا و كذلك طلاقة وجهه و استبشاره و تبسمه يقرب من حضور دعوته و تناول طعامه و قد يرتفع الحضور مع ما ذكرناه و لا يخرجه من أن يكون مقربا فدل على أن المعتبر في باب المنفر و المقرب ما ذكرناه دون وقوع الفعل المنفر عنه أو ارتفاعه. فإن قيل فهذا يقتضي أن الكبائر لا تقع منهم في حال النبوة فمن أين أنها لا تقع منهم قبل النبوة و قد زال حكمها بالنبوة المسقطة للعقاب و الذم و لم يبق وجه يقتضي التنفير قلنا الطريقة في الأمرين واحدة لأنا نعلم أن من نجوز عليه الكفر و الكبائر في حال من الأحوال و إن تاب منه و خرج من استحقاق العقاب به لا نسكن إلى قبول قوله مثل سكوننا إلى من لا نجوز ذلك عليه في حال من الأحوال و لا على وجه من الوجوه و لهذا لا يكون حال الواعظ لنا الداعي إلى الله تعالى و نحن نعرفه مقارفا للكبائر مرتكبا لعظيم الذنوب و إن كان قد فارق جميع ذلك و تاب منه عندنا و في نفوسنا كحال من لم يعهد منه إلا النزاهة و الطهارة و معلوم ضرورة الفرق بين هذين الرجلين فيما يقتضي السكون و النفور و لهذا كثيرا ما يعير الناس من يعهدون منه القبائح المتقدمة بها و إن وقعت التوبة منها و يجعلون ذلك عيبا و نقصا و قادحا و مؤثرا و ليس إذا كان تجويز الكبائر قبل النبوة منخفضا عن تجويزها في حال النبوة و ناقصا عن رتبته في باب التنفير وجب أن لا يكون فيه شي‏ء من التنفير لأن الشيئين قد يشتركان في التنفير و إن كان أحدهما أقوى من صاحبه أ لا ترى أن كثير السخف و المجون و الاستمرار عليه و الانهماك فيه منفر لا محالة و أن القليل من السخف الذي لا يقع إلا في الأحيان و الأوقات المتباعدة منفر أيضا و إن فارق الأول في قوة التنفير و لم يخرجه نقصانه في هذا الباب عن الأول من أن يكون منفرا في نفسه. فإن قيل فمن أين أن الصغائر لا تجوز على الأنبياء ع في حال النبوة و قبلها قلنا الطريقة في نفي الصغائر في الحالين هي الطريقة في نفي الكبائر في الحالين عند التأمل لأنا كما نعلم أن من نجوز كونه فاعلا لكبيرة متقدمة قد تاب منها و أقلع عنها و لم يبق معه شي‏ء من استحقاق عقابها و ذمها لا يكون سكوننا إليه سكوننا إلى من لا نجوز ذلك

   عليه فكذلك أن من نجوز عليه من الأنبياء ع أن يكون مقدما على القبائح مرتكبا للمعاصي في حال نبوته أو قبلها و إن وقعت مكفرة لا يكون سكوننا إليه سكوننا إلى من نأمن منه كل القبائح و لا نجوز عليه فعل شي‏ء منها انتهى ما أردنا إيراده من كلامه قدس الله روحه. أقول لا يخفى عليك أن من جوز صدور الصغائر عن الأنبياء و لو نفى صدور الخسيسة منها يلزمه تجويز أكثر الذنوب و عظائمها عليهم بل لا فرق كثيرا بينه و بين من يجوز جميعها إذ الكبائر على ما رووه عن النبي ص سبع و رووا عن ابن عمر أنه زاد فيها اثنتين و عن ابن مسعود أنه زاد على قول ابن عمر ثلاثة و لا شك أن كثيرا من عظائم الذنوب التي سوى ما ذكروه ليست من الصغائر الخسيسة كسرقة درهم و التطفيف بحبة فيلزمهم تجويز ما لم يكن من الصنفين المذكورين كالاشتغال بأنواع المعازف و الملاهي و ترك الصلاة و أصناف المعاصي التي تقارفها ملوك الجور على رءوس الأشهاد و في الخلوات فهؤلاء أيضا مخطئون للأنبياء و لكن في لباس التنزيه و لا يرتاب عاقل في أن من هذا شأنه لا يصلح لرئاسة الدين و الدنيا و أن النفوس تتنفر عنه بل لا يجوز أحد أن يكون مثله صالحا لأن يكون واعظا و هاديا للخلق في أدنى قرية فكيف يجوز أن يكون ممن قال تعالى فيهم اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَ مِنَ النَّاسِ و إذا ثبت بطلان هذا النوع من التنزيه أمكن التمسك في إثبات ما ذهب إليه أصحابنا من تنزههم صلوات الله عليهم عن كل منقصة و لو على سبيل السهو و النسيان من حين الولادة إلى الوفاة بالإجماع المركب و لا يضر خروج شاذ من المعروفين من أصحابنا بعد تحقيق الإجماع. الثاني أنه لو صدر عن النبي ذنب لزم اجتماع الضدين و هما وجوب متابعته و مخالفته أما الأول فللإجماع و لقوله تعالى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ و إذا ثبت في حق نبينا ص ثبت في حق باقي الأنبياء لعدم

   القائل بالفرق و أن الثاني فلأن متابعة المذنب حرام الثالث أنه لو صدر عنه ذنب لوجب منعه و زجره و الإنكار عليه لعموم أدلة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و لكنه حرام لاستلزام إيذائه المحرم بالإجماع و لقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ. الرابع أنه لو أقدم على الفسق لزم أن يكون مردود الشهادة لقوله تعالى إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا و للإجماع على عدم قبول شهادة الفاسق فيلزم أن يكون أدون حالا من آحاد الأمة مع أن شهادته تقبل في الدين القويم و هو شاهد على الكل يوم القيامة قال الله تعالى لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً. الخامس أنه يلزم أن يكونوا أقل درجة من عصاة الأمة فإن درجاتهم في غاية الرفعة و الجلالة و نعم الله سبحانه بالاصطفاء على الناس و جعلهم أمناء على وحيه و خلفاء في عباده و بلاده و غير ذلك عليهم أتم و أبلغ فارتكابهم المعاصي و الإعراض عن أوامر ربهم و نواهيه للذة فانية أفحش و أشنع من عصيان هؤلاء و لا يلتزمه عاقل. السادس أنه يلزم استحقاقه العذاب و اللعن و استيجابه التوبيخ و اللوم لعموم قوله تعالى وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَ لَهُ عَذابٌ مُهِينٌ و قوله تعالى أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ و هو باطل بالضرورة و الإجماع. السابع أنهم كانوا يأمرون الناس بطاعة الله فهم لو لم يطيعوا لدخلوا تحت قوله تعالى أَ تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَ أَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ و اللازم باطل بالإجماع و لكونه من أعظم المنفرات فإن كل واعظ لم يعمل بما يعظ الناس به لا يرغب الناس في الاستماع منه و حضور مجلسه و لا يعبئون بقوله. الثامن أنه تعالى حكى عن إبليس قوله فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا  عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ فلو عصى نبي لكان ممن أغواه الشيطان و لم يكن من المخلصين مع أن الأنبياء من المخلصين للإجماع و لأنه تعالى قال وَ اذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَ الْأَبْصارِ إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ وَ إِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ و إذا ثبت وجوب العصمة في البعض ثبت في الكل لعدم القائل بالفرق. التاسع أنه يلزم أن يكون من حزب الشيطان و قال الله تعالى أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ و لا يقول به إلا الخاسرون. العاشر أن الرسول أفضل من الملك لقوله تعالى إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ و أفضلية البعض يدل على أفضلية الكل للإجماع المركب و لو صدرت المعصية عنه لامتنع كونه أفضل لقوله تعالى أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ الحادي عشر النبي لو كان غاصبا لكان من الظالمين و قد قال الله تعالى لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ. قال الرازي في تفسيره المراد بهذا العهد إما عهد النبوة أو عهد الإمامة فإن كان المراد عهد النبوة ثبت المطلوب و إن كان المراد عهد الإمامة فكذلك لأن كل نبي لا بد أن يكون إماما يؤتم به و يقتدى به فالآية على جميع التقديرات تدل على أن النبي لا يكون مذنبا. الثاني عشر أنه تعالى قال وَ لَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ و الأنبياء من ذلك الفريق بالاتفاق و قد ذكروا وجوها أخر و فيما ذكرناه كفاية لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَ هُوَ شَهِيدٌ و أما الجواب عن حجج المخطئة فسنذكر في كل باب ما يناسبه إن شاء الله تعالى