باب 5- الماء و أنواعه و البحار و غرائبها و ما ينعقد فيها و علة المد و الجزر و الممدوح من الأنهار و المذموم منها

الآيات إبراهيم وَ سَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَ سَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ النحل وَ هُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَ تَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَ تَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَ أَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَ أَنْهاراً الفرقان وَ هُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَ جَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَ حِجْراً مَحْجُوراً النمل وَ جَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَ جَعَلَ لَها رَواسِيَ وَ جَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً فاطر وَ ما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَ مِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَ تَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَ تَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ حمعسق وَ مِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَ يَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ   وَ يَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ الجاثية اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ الطور وَ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ الرحمن مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ وَ لَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ الملك قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ المرسلات وَ أَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً تفسير وَ سَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ إنما نسب إليه سبحانه مع أنه من أعمال العباد لأنه لو لا أنه تعالى خلق الأشجار الصلبة التي منها يمكن تركيب السفن و لو لا خلقة الحديد و سائر الآلات و لو لا تعريفه العباد كيف يتخذونها و لو لا أنه تعالى خلق الماء على صفة السلاسة التي باعتبارها يصح جري السفينة فيه و لو لا خلقه تعالى الرياح و خلق الحركات القوية فيها و لو لا أنه وسع الأنهار و جعل لها من العمق ما يجوز جري السفن فيها لما وقع الانتفاع بالسفن فصار لأجل أنه تعالى هو الخالق لهذه الأحوال و هو المدبر لهذه الأمور و المسخر لها حسنت إضافته إليه و قيل لما كان يجري على وجه الماء كما يشتهيه الملاح صار كأنه حيوان مسخر له بِأَمْرِهِ أي بقدرته و إرادته.    سَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ لما كان ماء البحر قلما ينتفع به في الزراعات لا جرم ذكر تعالى إنعامه على الخلق بتفجير الأنهار و العيون حتى ينبعث الماء منها إلى مواضع الزروع و النبات و أيضا ماء البحر لا يصلح للشرب و الصالح لهذا مياه الأنهار. وَ هُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ أي جعلها بحيث يتمكنون من الانتفاع به بالركوب و الاصطياد و الغوص لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا هو السمك و وصفه بالطراوة لأنه أرطب اللحوم فيسرع إليه الفساد فيسارع إلى أكله و لإظهار قدرته في خلقه عذبا طريا في ماء زعاق حِلْيَةً تَلْبَسُونَها كاللؤلؤ و المرجان وَ تَرَى الْفُلْكَ أي السفن مَواخِرَ فِيهِ أي جواري فيه يشقه بخرومها من المخر و هو شق الماء و قيل صوت جري الفلك وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ أي من سعة رزقه بركوبها للتجارة وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أي تعرفون نعم الله فتقومون بحقها. وَ هُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ قال البيضاوي خلاهما متجاورين متلاصقين بحيث لا يتمازجان من مرج دابته إذا خلاها هذا عَذْبٌ فُراتٌ قامع للعطش من فرط عذوبته وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ بليغ الملاحة وَ جَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً حاجزا من قدرته وَ حِجْراً مَحْجُوراً و تنافرا بليغا كان كلا منهما يقول للآخر ما يقوله المتعوذ عليه و قيل حدا محدودا و ذلك كدجلة يدخل البحر فيشقه فيجري في خلاله فراسخ لا يتغير طعمهما و قيل المراد بالبحر العذب النهر العظيم مثل النيل و بالبحر الملح البحر الكبير و بالبرزخ ما يحول بينهما من الأرض فتكون القدرة في الفصل و اختلاف الصفة مع أن مقتضى طبيعة أجزاء كل عنصر أن تضامت و تلاصقت و تشابهت في الكيفية انتهى و يقال إن نهر آمل تدخل بحر الخزر و يبقى على عذوبته و لا يختلط بالمالح و يأخذون منه الماء العذب في وسط البحر فيمكن على تقدير صحته أن يكون داخلا تحت الآية أيضا.

    وَ ما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ ضرب مثل للمؤمن و الكافر و الفرات الذي يكسر العطش و السائغ الذي يسهل انحداره و الأجاج الذي يحرق بملوحته وَ مِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ استطراد في صفة البحرين و ما فيهما أو تمام التمثيل و المعنى كما أنهما و إن اشتركا في بعض الفوائد لا يتساويان من حيث إنهما لا يتساويان في ما هو المقصود بالذات من الماء فإنه خالط أحدهما ما أفسده و غيره عن كمال فطرته لا يساوي المؤمن و الكافر و إن اتفق اشتراكهما في بعض الصفات كالشجاعة و السخاوة لاختلافهما في ما هو الخاصية العظمى و بقاء أحدهما على الفطرة الأصلية دون الآخر أو تفضيل للأجاج على الكافر بما يشارك العذب من المنافع و المراد بالحلية اللآلي و اليواقيت. مِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ قرأ نافع و أبو عمرو الجواري بياء في الوصل و الوقف و الباقون بحذفها على التخفيف كَالْأَعْلامِ أي كالجبال فهذه السفن العظيمة التي تكون كأنها الجبال تجري على وجه الماء عند هبوب الرياح على أسرع الوجوه و عند سكونها تقف ففيه دلالة على وجود الصانع المسبب لتلك الأسباب و قدرته الكاملة و حكمته التامة لأنه تعالى خص كل جانب من جوانب الأرض بنوع من الأمتعة و إذا نقل متاع هذا الجانب إلى ذلك الجانب في السفن و بالعكس حصلت المنافع العظيمة في التجارة فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ أي فيبقين ثوابت عَلى ظَهْرِهِ أي ظهر البحر لِكُلِّ صَبَّارٍ أي لكل من وكل همته و حبس نفسه على النظر في آيات الله و التفكر في آلائه أو لكل مؤمن كامل فإنه روي أن الإيمان نصفان نصف صبر و نصف شكر أَوْ يُوبِقْهُنَّ أي يهلكهن بإرسال الريح العاصفة المغرفة و المراد إهلاك أهلها لقوله بِما كَسَبُوا و أصله أو يرسلها فيوبقهن لأنه قسيم يُسْكِنِ الرِّيحَ فاقتصر فيه على المقصود كما في قوله وَ يَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ إذ المعنى أو يرسلها عاصفة فيوبق ناسا بذنوبهم و ينجي ناسا على العفو منهم و قرئ يعفوا على الاستئناف. وَ يَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا عطف على علة مقدرة مثل لينتقم منهم و يعلم أو على الجزاء و نصب نصب الواقع جوابا للأشياء الستة لأنه أيضا غير واجب و قرأ نافع و ابن عامر بالرفع على الاستئناف و قرئ بالجزم عطفا على يَعْفُ فيكون   المعنى أو يجمع بين إهلاك و إنجاء قوم و تحذير آخرين ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ من محيد من العذاب. اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ بأن جعله أملس السطح يطفو عليه ما يتخلخل كالأخشاب و لا يمنع الغوص فيه لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ أي بتسخيره و أنتم راكبوها وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ بالتجارة و الغوص و الصيد و غيرها وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ هذه النعم. وَ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ أي المملو و هو المحيط أو الموقد من قوله وَ إِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ كما روي أن الله تعالى يجعل يوم القيامة البحار نارا يسجر بها جهنم أو المختلط من السجير و هو الخليط و قيل هو بحر معروف في السماء يسمى بحر الحيوان. مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ أي أرسلهما و المعنى أرسل البحر الملح و البحر العذب يَلْتَقِيانِ أي يتجاوران و تتماس سطوحهما أو بحري فارس و الروم يلتقيان في المحيط لأنهما خليجان يتشعبان منه بَيْنَهُما بَرْزَخٌ أي حاجز من قدرة الله تعالى أو من الأرض لا يَبْغِيانِ أي لا يبغي أحدهما على الآخر بالممازجة و إبطال الخاصية أو لا يتجاوزان حديهما أو بإغراق ما بينهما و قال الطبرسي ره قيل المراد بالبحرين بحر السماء و بحر الأرض فإن في السماء بحرا يمسكه الله بقدرته ينزل منه المطر فيلتقيان في كل سنة و بينهما حاجز يمنع بحر السماء من النزول و بحر الأرض من الصعود عن ابن عباس و غيره و قيل إنهما بحر فارس و بحر الروم فإن آخر طرف هذا يتصل بآخر طرف ذلك و البرزخ بينهما الجزائر و قيل مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ خلط طرفيهما عند التقائهما من غير أن يختلط جملتهما لا يَبْغِيانِ أي لا يطلبان أن يختلطا. يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ أي كبار الدر و صغاره و قيل المرجان الخرر

    الأحمر و إن صح أن الدر يخرج من المالح فعلى الأول إنما قال منهما لأنه يخرج من مجتمع المالح و العذب أو لأنهما لما اجتمعا صارا كالشي‏ء الواحد و كان المخرج من أحدهما كالمخرج منها ذكره البيضاوي و قال الرازي اللؤلؤ لا يخرج إلا من المالح فكيف قال منهما نقول الجواب عنه من وجوه الأول ظاهر كلام الله أولى بالاعتبار من كلام بعض الناس الذي لا يوثق بقوله و من علم أن اللؤلؤ لا يخرج من الماء العذب غاية علمكم أن الغواصين ما أخرجوه إلا من المالح و لكن لم قلتم إن الصدف لا يخرج اللؤلؤ بأمر الله من الماء العذب إلى الماء المالح و كيف يمكن الجزم به و الأمور الأرضية الظاهرة خفيت عن التجار الذين قطعوا المفاوز و داروا البلاد فكيف لا يخفى عليهم ما في قعور البحور الثاني أن نقول إن صح قولهم إنه لا يخرج إلا من الماء المالح فنقول فيه وجوه أحدها أن الصدف لا يتولد فيه اللؤلؤ إلا من ماء المطر و هو بحر السماء ثانيها أنه يتولد في ملتقاهما ثم يدخل الصدف في البحر المالح عند انعقاد الدر فيه لحال الملوحة كالمتوخمة التي تشتهي في أوائل الحمل فتثقل هناك فلا يمكنه الدخول في العذب ثم ذكر بعض الوجوه المتقدمة. و قال الطبرسي ره قيل يخرج منهما أي من ماء السماء و ماء البحر فإن القطر إذا جاء من السماء تفتحت الأصداف فكان من ذلك القطر اللؤلؤ عن ابن عباس و لذلك حمل البحرين على بحر السماء و بحر الأرض و قيل إن العذب و الملح يلتقيان فيكون العذب كاللقاح للملح و لا يخرج اللؤلؤ إلا من الموضع الذي يلتقي   فيه العذب و الملح و ذلك معروف عند الملاحين انتهى. أقول وَ لَهُ الْجَوارِ أي السفن جمع جارية الْمُنْشَآتُ أي المرفوعات الشرع أو المصنوعات و قرأ حمزة و أبو بكر بكسر الشين أي الرافعات الشرع أو اللاتي ينشئن الأمواج أو السير كَالْأَعْلامِ جمع علم و هو الجبل الطويل فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ من خلق مواد السفن و الإرشاد إلى أخذها و كيفية تركيبها و إجرائها في البحر بأسباب لا يقدر على خلقها و جمعها غيره تعالى. إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً أي غائرا في الأرض بحيث لا تناله الدلاء مصدر وصف به بِماءٍ مَعِينٍ أي جار أو ظاهر سهل المأخذ وَ أَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً بخلق الأنهار و المنافع فيها

1-  العلل، و العيون، عن محمد بن عمرو بن علي البصري عن محمد بن عبد الله بن أحمد الواعظ عن عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي عن أبيه عن أبي الحسن الرضا عن آبائه ع قال سأل رجل من أهل الشام أمير المؤمنين ع عن المد و الجزر ما هما فقال ملك موكل بالبحار يقال له رومان فإذا وضع قدميه في البحر فاض و إذا أخرجهما غاض

2-  العلل، عن محمد بن علي ماجيلويه عن عمه محمد بن أبي القاسم عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن خلف بن حماد عن أبي الحسن العبدي عن سليمان بن مهران عن عباية بن ربعي عن ابن عباس أنه سئل عن المد و الجزر فقال إن الله عز و جل وكل ملكا بقاموس البحر فإذا وضح رجليه فيه فاض و إذا أخرجهما غاض

    بيان قال الجزري قاموس البحر وسطه و معظمه و منه حديث ابن عباس و سئل عن المد و الجزر و ذكر الخبر ثم قال أي زاد و نقص و هو فاعول من القمس انتهى و أقول اختلف الحكماء في سبب المد و الجزر على أقوال شتى و ليس شي‏ء منها مما يسمن أو يغني من جوع أو يروي من عطش و ما ذكر في الخبر أظهرها و أصحها عقلا أيضا و قد سمعت من بعض الثقات أنه قال إني رأيت شيئا عظيما يمتد من الجو إلى البحر فيمتد ماؤه ثم إذا ذهب ذلك شرع في الجزر و أما ما ذكره الحكماء في ذلك ففي رسائل إخوان الصفا أما علة هيجان البحار و ارتفاع مياهها و مدودها على سواحلها و شدة تلاطم أمواجها و هبوب الرياح في وقت هيجانها إلى الجهات في أوقات مختلفة من الشتاء و الصيف و الربيع و الخريف و أوائل الشهور و أواخرها و ساعات الليل و النهار فهي من أجل أن مياهها إذا حميت من قرارها و سكنت و لطفت و تخلخلت و طلبت مكانا أوسع مما كان فيه فتدافعت بعض أجزائها بعضا إلى الجهات الخمس فوقا و شرقا و غربا و جنوبا و شمالا للاتساع فيكون في الوقت الواحد على سواحلها أمواج مختلفة في جهات مختلفة و أما علة هيجانها في وقت دون وقت فهو بحسب تشكل الفلك و الكواكب و مطارح شعاعاتها على سطوح تلك البحار في الآفاق و الأوتاد الأربعة و اتصالات القمر بها عند حلوله في منازله الثمانية و العشرين كما هو المذكور في كتب أحكام النجوم و أما علة مدود بعض البحار في وقت طلوعات القمر و مغيبه دون غيرها من البحار فهو من أجل أن تلك البحار   في قرارها صخور صلبة و أحجار صلدة فإذا أشرق القمر على سطح ذلك البحر وصلت مطارح شعاعاته إلى تلك الصخور و الأحجار التي في قرارها ثم انعكست من هناك راجعة فسخنت تلك المياه و حمت و لطفت و طلبت مكانا أوسع و ارتفع إلى فوق و دفع بعضها بعضا إلى فوق و تموجت إلى سواحلها و فاضت على سطوحها و رجعت مياه تلك الأنهار التي كانت تنصب إليها إلى خلف راجعة فلا يزال ذلك دأبها ما دام القمر مرتفعا إلى وتد سمائه فإذا انتهى إلى هناك و أخذ ينحط سكن عند ذلك غليان تلك المياه و بردت و انضمت تلك الأجزاء و غلظت فرجعت إلى قرارها و جرت الأنهار على عادتها فلا يزال ذلك دأبها إلى أن يبلغ القمر إلى الأفق الغربي من تلك البحار ثم يبتدئ المد على عادته و هو في الأفق الشرقي فلا يزال ذلك دأبه حتى يبلغ القمر إلى وتد الأرض فينتهي المد من الرأس ثم إذا زال القمر من وتد الأرض أخذ المد راجعا إلى أن يبلغ القمر إلى أفقه الشرقي من الرأس فإن قيل لم لا يكون المد و الجزر عند طلوعات الشمس و إشرافاتها على سطح هذه البحار فقد بينا علل ذلك في رسالة العلل و المعلولات انتهى. و قال المسعودي في مروج الذهب المد هو مضي الماء بسجيته و سنن جريه و الجزر هو رجوع الماء على ضد سنن مضيه و انعكاس ما يمضي عليه في نهجه و هما يكونان في البحر الحبشي الذي هو الصيني و الهندي و بحر البصرة و فارس و ذلك أن البحار على ثلاثة أصناف منها ما يأتي فيه الجزر و المد و يظهر ظهورا بينا و منها ما لا يتبين فيه الجزر و المد و يكون خفيا مستترا و منها ما لا يجزر و لا يمد و قد تنازع الناس في علتهما فمنهم من ذهب إلى أن علة ذلك القمر لأنه مجانس للماء و هو يسخنه فيبسط و شبهوا ذلك بالنار إذا سخنت ما في القدر و أغلته و إن الماء يكون فيها على قدر النصف أو الثلثين فإذا غلى الماء انبسط في القدر و ارتفع و تدافع حتى يفور فتتضاعف كميته في الحس لأن من شرط الحرارة أن تبسط الأجسام و من شرط

    البرودة أن تضغطها و ذلك أن قعور البحار تحمى فتتولد في أرضها عذوبة و تستحيل و تحمى كما يعرض ذلك في البلاليع و الآبار فإذا حمى ذلك الماء انبسط و إذا انبسط زاد و إذا زاد دفع كل جزء منه صاحبه فطفر عن سطحه و بان عن قعره و احتاج إلى أكثر من وهدته و إن القمر إذا امتلأ أحمى الجو حميا شديدا فظهر زيادة الماء فسمي ذلك المد الشهري و قالت طائفة أخرى لو كان الجزر و المد بمنزلة النار إذا أسخنت الماء الذي في القدر و بسطته فيطلب أوسع منه فيفيض حتى إذا خلا قعره من الماء طلب الماء بعد خروجه منه عمق الأرض بطبعه فيرجع اضطرارا بمنزلة رجوع ما يغلي من الماء في المرجل و القمقم إذا فاض لكان بالشمس أشد سخونة و لو كانت الشمس علة مده لكان بدؤه مع بدء طلوع الشمس و الجزر عند غيبوبتها و زعم هؤلاء أن علة المد و الجزر الأبخرة التي تتولد في بطن الأرض فإنها لا تزال تتولد و تكثف و تكثر فتدفع حينئذ ماء هذا البحر لكثافتها فلا تزال على ذلك حتى تنقص موادها من أسفل فإذا انقطعت موادها من أسفل تراجع الماء حينئذ إلى قعور البحر و كان الجزر من أجل ذلك و المد ليلا و نهارا و شتاء و صيفا و في غيبوبة القمر و طلوعه و في غيبوبة الشمس و طلوعها قالوا و هذا يدرك بحس البصر لأنه ليس يستكمل الجزر آخره حتى يبدو أول المد و لا يفنى آخر المد حتى يبدو أول الجزر لأنه لا يفتر تولد تلك البخارات حتى إذا خرجت تولد مكانها غيرها و ذلك أن البحر إذا غارت مياهه و رجعت إلى قعره تولدت تلك الأبخرة لمكان ما يتصل منها من الأرض بمائه فكلما عاد تولدت و كلما فاض تنفست   و ذهب آخرون من أهل الديانات أن كل ما لا يعلم له في الطبيعة مجرى و لا يوجد له فيها قياس فله فعل إلهي يدل على توحيد الله عز و جل و حكمته و ليس للمد و الجزر علة في الطبيعة البتة و لا قياس و قال آخرون ما هيجان ماء البحر إلا كهيجان بعض الطبائع فإنك ترى صاحب الصفراء و صاحب الدم و غيرهما تهتاج طبيعته و تسكن و لذلك مواد تمدها حالا بعد حال فإذا قويت هاجت ثم تسكن قليلا قليلا حتى تعود و ذهب طائفة إلى إبطال سائر ما وصفنا من القول و زعموا أن الهواء المطل على البحر يستحيل دائما فإذا استحال عظم ماء البحر و فار عند ذلك فإذا فار فاض و إذا فاض فهو المد فعند ذلك يستحيل ماؤه و يتفشى و استحال هواء فعاد إلى ما كان عليه و هو الجزر و هو دائم لا يفتر متصل مترادف متعاقب لأن الماء يستحيل هواء و الهواء يستحيل ماء و قد يجوز أن يكون ذلك عند امتلاء القمر أكثر لأن القمر إذا امتلأ استحال ماء أكثر مما كان يستحيل قبل ذلك و إنما القمر علة لكثرة المد لا للمد نفسه لأنه قد يكون و القمر في محاقه و المد و الجزر في بحر فارس يكون على مطالع الفجر في أغلب الأوقات و قد ذهب أكثر من أرباب السفن ممن يقطع هذا البحر و يختلف إلى جزائره أن المد و الجزر لا يكون في معظم هذا البحر إلا مرتين في السنة مرة يمد في شهور الصيف شرقا بالشمال ستة أشهر فإذا كان ذلك طما الماء في مشارق البحر و الصين و ما والى ذلك الصقع و مرة يمد في شهور الشتاء غربا بالجنوب ستة أشهر و إذا كان ذلك طما الماء في مغارب البحر و الجزر بالصين و قد يتحرك البحر بتحريك الرياح فإن الشمس إذا كانت في الجهة الشمالية تحرك الهواء إلى الجهة الجنوبية فلذلك تكون البحار في جهة الجنوب في الصيف لهبوب الشمال طامية عالية و تقل المياه في جهة البحور الشمالية و كذلك إذا كانت الشمس في الجنوب و سار الهواء من الجنوب إلى جهة الشمال فسأل معه ماء البحر من الجهة الجنوبية إلى الجهة الشمالية

    قلت المياه في الجهة الجنوبية و تنقل ماء البحر في هذين الميلين أعني في جهة الشمال و الجنوب يسمى جزرا و مدا و ذلك أن مد الجنوب جزر الشمال و مد الشمال جزر الجنوب فإن وافق القمر بعض الكواكب السيارة في أحد الميلين تزايد الفعلان و قوي الحر و اشتد لذلك انقلاب ماء البحر إلى الجهة المخالفة للجهة التي فيها الشمس و هذا رأي الكندي و أحمد بن الخصيب السرخسي في ما حكي عنهما أن البحر يتحرك بتحرك الرياح انتهى. و جملة القول فيه أن نهر البصرة و الأنهار المقاربة له يمد في كل يوم و ليلة مرتين و يدور ذلك في اليوم و الليلة و لا يخص وقتا كطلوع الشمس و غروبها و ارتفاعها و انخفاضها و يسمى ذلك بالمد اليومي و يكون المد عند زيادة نور القمر أشد و يسمى ذلك بالمد الشهري و هذا المد يمكن استناده إلى القمر لكونه تابعا له في الغالب بمعنى أنه يحصل في أيام زيادة نور القمر لكن الظاهر أنه لو كانت العلة زيادة نوره لكان هذا المد مقارنا لها أو بعدها بزمان يتم فيه فعل القمر و تأثيره في البحر و الظاهر أنه ليس تابعا له بهذا المعنى و على تقدير صحة استناده إليه فلا ريب في بطلان ما جعله القائل الأول مناطا له من سخونة البحر بنور القمر لأنه مجانس للماء و كذا سخونة الجو به بل ربما يدعى أن نور القمر يبرد الجو و الأجسام كما هو المجرب نعم ربما يجوز العقل تأثير القمر في المد لنوع من المناسبة و الارتباط بين نوره و بين الماء و إن لم نعلمها بخصوصها لكن يقدح فيه ما ذكرناه من عدم انضباط المقارنة و التأخر على الوجه المذكور و أما المد اليومي فبطلان استناده إلى القمر واضح و استناده   إلى الكواكب على انفرادها أو بمشاركة القمر بعيد غاية البعد و كون الكواكب عللا له من حيث الحرارة ظاهر الفساد و ما ذكره الطائفة الثانية من أنه للأبخرة الحادثة في باطن الأرض فيرد عليه أن الأبخرة الكثيرة الكثيفة التي تفور البحر مع عظمته لخروجها لو اجتمعت و احتبست في باطن الأرض ثم خرجت دفعة كما هو الظاهر من كلامه لزم انشقاق الأرض منها انشقاقا فاحشا ثم التئامها في كل يوم و ليلة لعله مما لا يرتاب أحد في أنه خلاف الواقع و لا يظهر للعقل سبب لالتئام الأرض بعد الانشقاق و كون كل التئام مستندا إلى انشقاق حادث في موضع آخر من الأرض قريب من موضع الأول في غاية البعد و لو خرجت تدريجا لاستلزمت غلبانا و فورانا في البحر دائما لا هذا النوع من الحركة و الامتلاء و هو واضح و ما ذكره الطائفة الثالثة من أنه كهيجان الطبائع فيرد عليه أنه لو كان المراد أنه و الطبائع تهيج بلا سبب فباطل و لو قيل بأن ذلك مقتضى الطبيعة فذلك مما لم يقل به أحد و لو أريد أنه بسبب و لو لم يكن معلوما لنا فذلك مما لا ثمرة له إذ الكلام في خصوص السبب و ما ذكره الطائفة الرابعة من أنه للانقلاب فلا يظهر له وجه و لا ينطبق على تلك الخصوصيات فالأوجه أن يقال إنها بقدرة الله و تدبيره و حكمته إما بتوسط الملك إن صح الخبر أو بما رأى المصلحة فيه من العلل و الأسباب فإنه تعالى المسبب لها و المقدر لأوقاتها و لم نكلف بالخوض في عللها و إن أمكنت مدخلية بعض تلك الوجوه التي تقدم ذكرها و العالم بها هو المدبر لها و يكفينا ما ظهر لنا من منافعها و فوائدها

3-  الخصال، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن هلال عن عيسى بن عبد الله الهاشمي عن أبيه عن آبائه قال قال رسول الله ص أربعة أنهار من الجنة الفرات و النيل و سيحان و جيحان فالفرات الماء في الدنيا و الآخرة   و النيل العسل و سيحان الخمر و جيحان اللبن

 بيان الفرات أفضل الأنهار بحسب الأخبار و قد أوردتها في كتاب المزار و النيل بمصر معروف و سيحان و جيحان قال في النهاية هما نهران بالعواصم عند المصيصة و الطرسوس و في القاموس سيحان نهر بالشام و آخر بالبصرة و سيحون نهر بما وراء النهر و نهر بالهند و قال جيحون نهر خوارزم و جيحان نهر بالشام و الروم معرب جهان انتهى و ذكر المولى عبد العلي البرجندي في بعض رسائله أن نهر الفرات يخرج من جبال أرزن الروم ثم يسيل نحو المشرق إلى ملطية ثم إلى سميساط حتى ينتهي إلى الكوفة ثم تمر حتى ينصب في البطائح و قال النيل أفضل الأنهار لبعد منبعه و مروره على الأحجار و الحصيات و ليس فيه وحل و لا يخضر الحجر فيه كغيره و يمر من الجنوب إلى الشمال و هو سريع الجري و زيادته في أيام نقص سائر المياه و منبعه مواضع غير معمورة في جنوب خط الإستواء و لذا لم يعلم منبعه على التحقيق و نقل عن بعض حكماء اليونان أن ماءه يجتمع من عشرة أنهار بين كل نهرين منها اثنان و عشرون فرسخا فتنصب تلك الأنهار في بحيرة ثم منها يخرج نهر مصر متوجها إلى الشمال حتى ينتهي إلى مصر فإذا جازها و بلغ شنطوف انقسم قسمين ينصبان في البحر و قال سيحان منبعه من موضع طوله ثمان و خمسون درجة و عرضه أربع و أربعون درجة و يمر في بلاد الروم من الشمال إلى الجنوب إلى بلاد أرمن ثم إلى قرب مصيصة ثم يجتمع مع جيحان و ينصبان في بحر الروم فيما بين أياس و طرسوس و نهر جيحان منبعه من موضع طوله ثمان و خمسون درجة و عرضه ست و أربعون درجة و هو قريب من نهر الفرات في العظمة و يمر من الشمال إلى الجنوب بين جبال في حدود الروم إلى أن يمر إلى شمال مصيصة و ينصب في البحر انتهى. ثم اعلم أن هذه الرواية مروية في طرق المخالفين أيضا إلا أنه ليس فيها

    فالفرات إلى آخر الخبر و اختلفوا في تأويله قال الطيبي في شرح المشكاة في شرح هذا الخبر سيحان و جيحان غير سيحون و جيحون و هما نهران عظيمان جدا و خص الأربعة لعذوبة مائها و كثرة منافعها كأنها من أنهار الجنة أو يراد أنها أربعة أنهار هي أصول أنهار الجنة سماها بأسامي الأنهار العظام من أعذب أنهار الدنيا و أفيدها على التشبيه فإن ما في الدنيا من المنافع فنموذات لما في الآخرة و كذا مضارها و قال القاضي معنى كونها من أنهار الجنة أن الإيمان يعم بلادها و أن شاربيها صائرة إليها و الأصح أنه على ظاهرها و أن لها مادة من الجنة و في معالم التنزيل أنزلها الله تعالى من الجنة و استودعها الجبال لقوله تعالى فَأَسْكَنَّاهُ أقول المشبه في الوجه الأول أنهار الدنيا و وجه الشبه العذوبة و الهضم و البركة و في الثاني أنهار الجنة و وجهه الشهرة و الفائدة و العذوبة و في الثالث وجهه المجاورة و الانتفاع انتهى و أقول ظاهر الخبر مع التتمة التي في الخصال اشتراك الاسم و إنما سميت بأسماء أنهار الجنة لفضلها و بركتها و كثرة الانتفاع بها و يحتمل أن يكون المعنى أن أصل هذه الأنهار و مادتها من الجنة فلما صارت في الدنيا انقلبت ماء و لا ينافي ذلك معلومية منابعها إذ يمكن أن يكون أول حدوثها بسبب ماء الجنة أو يصب فيها بحيث لا نعلم أو يكون المراد بالجنة جنة الدنيا كما مر في كتاب المعاد و تجري من تحت الأرض إلى تلك المنابع ثم يظهر منها و يؤيد تلك الوجوه في الجملة

 ما رواه الكليني بسند كالموثق عن أبي عبد الله ع قال يدفق في الفرات في كل يوم دفقات من الجنة

 و بسند آخر رفعه إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال نهركم هذا يعني ماء الفرات يصب فيه ميزابان من ميازيب الجنة

 و عن علي بن الحسين صلوات الله عليهما قال إن ملكا يهبط من السماء في كل ليلة معه ثلاثة مثاقيل مسك من مسك الجنة فيطرحها في الفرات و ما من نهر في شرق الأرض و لا غربها أعظم بركة   منه

و أما التأويل بكون أهلها و شاربيها صائرين إلى الجنة فهو في خصوص الفرات ظاهر إذ أكثر القرى و البلاد الواقعة عليه و بقربه من الإمامية و المحبين لأهل البيت ع كما تشهد به التجربة

 و قد روى الكليني بإسناده عن أبي عبد الله ع قال ما إخال أحدا يحنك بماء الفرات إلا أحبنا أهل البيت

 و قال ع ما سقي أهل الكوفة ماء الفرات إلا لأمر ما و قال يصب فيه ميزابان من الجنة

أقول قوله ع لأمر ما أي لرسوخ ولاية أهل البيت ع في قلوب أهلها

 و عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال أما إن أهل الكوفة لو حنكوا أولادهم بماء الفرات لكانوا لنا شيعة

و أما الأنهار الثلاثة الأخرى فلم أر لها في غير هذا الخبر فضلا بل

 روى الكليني عن أمير المؤمنين ع أنه قال ماء نيل مصر يميت القلب

4-  الدر المنثور، عن ابن عباس عن النبي ص قال أنزل الله من الجنة إلى الأرض خمسة أنهار سيحون و هو نهر الهند و جيحون و هو نهر بلخ و دجلة و الفرات و هما نهرا العراق و النيل و هو نهر مصر أنزلها الله من عين واحدة من عيون الجنة من أسفل درجة من درجاتها على جناحي جبرائيل فاستودعها الجبال و أجراها في الأرض و جعلها منافع للناس في أصناف معايشهم فذلك قوله وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ فإذا كان عند خروج يأجوج و مأجوج أرسل الله جبرئيل فرفع من الأرض القرآن و العلم كله و الحجر من ركن البيت و مقام إبراهيم و تابوت موسى بما فيه و هذه الأنهار الخمسة فيرفع كل ذلك إلى السماء فذلك قوله تعالى وَ إِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ فإذا رفعت هذه الأشياء من الأرض فقد أهلها خير الدنيا و الآخرة

    -5  شرح النهج، ]نهج البلاغة[ لابن ميثم قال لما فرغ أمير المؤمنين ع من حرب الجمل خطب الناس فحمد الله و أثنى عليه و صلى على النبي ص و استغفر للمؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات ثم قال يا أهل البصرة يا أهل المؤتفكة ائتفكت بأهلها ثلاثا و على الله تمام الرابعة و ساق الخطبة كما مر في كتاب الفتن و سيأتي إلى قوله عليه السلام سخر لكم الماء يغدو عليكم و يروح صلاحا لمعاشكم و البحر سببا لكثرة أموالكم

 بيان قوله ع الماء يغدو عليكم و يروح إشارة إلى المد و الجزر و قوله صلاحا لمعاشكم إلى فائدتهما إذ لو كان الماء دائما على حد النقصان و لم يصل إلى حد المد لما سقي زروعهم و نخيلهم و لو كان دائما على حد الزيادة لغرقت أراضيهم بأنهارهم و في نقص الأنهار بعد زيادتها فائدة أخرى هي غسل الأقذار و إزالة الخبائث عن شطوطها و ربما كان فيهما فوائد أخرى كتأثيرهما في حركة السفن و نحو ذلك

6-  إعلام الورى، بإسناده عن الكليني عن عدة من أصحابه عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن عبد الله بن القاسم عن حيان السراج عن داود بن سليمان الكسائي عن أبي الطفيل قال سأل في أول خلافة عمر يهودي من أولاد هارون أمير المؤمنين ع عن أول قطرة قطرت على وجه الأرض و أول عين فاضت على وجه الأرض و أول شجر اهتز على وجه الأرض فقال ع يا هاروني أما أنتم فتقولون أول قطرة قطرت على وجه الأرض حيث قتل أحد ابني آدم صاحبه و ليس كذلك و لكنه حيث طمثت حواء و ذلك قبل أن تلد ابنيها و أما أنتم فتقولون أول عين فاضت على وجه الأرض العين التي ببيت المقدس و ليس هو كذلك و لكنها   عين الحياة التي وقف عليها موسى و فتاه و معهما النون المالح فسقط فيها فحيي و هذا الماء لا يصيب ميتا إلا حيي و أما أنتم فتقولون أول شجر اهتز على وجه الأرض الشجرة التي كانت منها سفينة نوح و ليس كذلك و لكنها النخلة التي هبطت من الجنة و هي العجوة و منها تفرع كل ما ترى من أنواع النخل فقال صدقت و الله الذي لا إله إلا هو إني لأجد هذا في كتب أبي هارون ع كتابة يده و إملاء عمي موسى ع

7-  إكمال الدين، عن أبيه و محمد بن الحسن عن سعد بن عبد الله و محمد بن يحيى العطار و أحمد بن إدريس جميعا عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي و يعقوب بن يزيد و إبراهيم بن هاشم جميعا عن الحسن بن علي بن فضال عن أيمن بن محرز عن محمد بن سماعة عن إبراهيم بن أبي يحيى المدني عن أبي عبد الله ع مثله إلا أنه قال قال اليهودي أخبرني عن أول شجرة نبتت على وجه الأرض و عن أول عين نبعت على وجه الأرض و عن أول حجر وضع على وجه الأرض فقال أمير المؤمنين ع أما أول شجرة نبتت على وجه الأرض فإن اليهود يزعمون أنها الزيتونة و كذبوا و إنما هي النخلة من العجوة هبط بها آدم ع معه من الجنة فغرسها و أصل النخلة كله منها و أما أول عين نبعت على وجه الأرض فإن اليهود يزعمون أنها العين التي ببيت المقدس و تحت الحجر و كذبوا هي عين الحياة التي ما انتهى إليها أحد إلا حيي و كان الخضر على مقدمة ذي القرنين فطلب عين الحياة فوجدها الخضر ع و شرب منها و لم يجدها ذو القرنين و أما أول حجر وضع على وجه الأرض فإن اليهود يزعمون أنه الجحر الذي ببيت المقدس و كذبوا إنما هو الحجر الأسود هبط به آدم ع معه من الجنة فوضعه في الركن و الناس يستلمونه و كان أشد بياضا من الثلج فاسود من خطايا بني آدم

    أقول الخبران طويلان أوردتهما بأسانيدهما في باب نص أمير المؤمنين ع على الاثني عشر ع في المجلد التاسع. كتاب الأقاليم و البلدان و الأنهار للفرات فضائل كثيرة

8-  روي أن أربعة من أنهار الجنة سيحون و جيحون و النيل و الفرات

9-  و عن علي ع قال يا أهل الكوفة نهركم هذا ينصب إليه ميزابان من الجنة

10-  و روي عن جعفر الصادق ع أنه شرب من ماء الفرات ثم استزاد و حمد الله تعالى قال ما أعظم بركته لو علم الناس ما فيه من البركة لضربوا على حافتيه القباب ما انغمس فيه ذو عاهة إلا برئ

 و عن السدي أن الفرات مد في زمن عمر فألقى رمانة عظيمة منها كرمان الحب فأمر المسلمين أن يقسموها بينهم فكانوا يزعمون أنها من الجنة

11-  و قال قال رسول الله ص النيل يخرج من الجنة و لو التمستم فيه حين يخرج لوجدتم من ورقها

 و قال في وصف بعض البحار نقلا عن صاحب كتاب عجائب الأخبار هذا البحر فيه طائر مكرم لأبويه فإنهما إذا كبرا و عجزا عن القيام بأمر أنفسهما يجتمع عليهما فرخان من فراخهما فيحملانهما على ظهورهما إلى مكان حصين و يبنيان لهما عشا و يتعاهدنهما الزاد و الماء إلى أن يموتا فإن مات الفرخان قبلهما يأتي إليهما فرخان آخران من فراخهما و يفعلان بهما كما فعل الفرخان الأولان و هلم جرا و هذا دأبهما

12-  قرب الإسناد، عن السندي بن محمد عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه ع قال يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ قال من ماء السماء و من ماء البحر فإذا أمطرت ففتحت الأصداف أفواهها في البحر فيقع فيها من ماء المطر   فتخلق اللؤلؤة الصغيرة من القطرة الصغيرة و اللؤلؤة الكبيرة من القطرة الكبيرة

13-  كامل الزيارة، عن أبيه عن الحسن بن متيل عن عمران بن موسى عن الجاموراني عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال نهران مؤمنان و نهران كافران نهران كافران نهر بلخ و دجلة و المؤمنان نيل مصر و الفرات فحنكوا أولادكم بماء الفرات

 بيان قال الجزري في النهاية فيه نهران مؤمنان و نهران كافران أما المؤمنان فالنيل و الفرات و أما الكافران فدجلة و نهر بلخ جعلهما مؤمنين على التشبيه لأنهما يفيضان على الأرض فيسقيان الحرث بلا مئونة و جعل الآخرين كافرين لأنهما لا يسقيان و لا ينتفع بهما إلا بمئونة و كلفة فهذان في الخير و النفع كالمؤمنين و هذان في قلة النفع كالكافرين انتهى و أقول ربما يومئ التفريع بقوله فحنكوا إلى أن المراد أن للأولين مدخلا في الإيمان و للآخرين في الكفر و هو في الفرات ظاهر كما عرفت و أما في النيل فلعل شقاوة أهله لسوء تربة مصر كما ورد في الأخبار فلو جرى في غيره لم يكن كذلك و نهر بلخ هو نهر جيحون و قال البرجندي و يخرج عموده من حدود بدخشان من موضع طوله أربع و تسعون درجة و عرضه سبع و ثلاثون درجة ثم يجتمع معه أنهار كثيرة و يذهب إلى جهة المغرب و الشمال إلى حدود بلخ ثم يجاوزه إلى ترمد ثم يذهب إلى المغرب و الجنوب إلى ولاية زم و طوله تسع و ثمانون درجة و عرضه سبع و ثلاثون ثم يمر إلى المغرب و الشمال إلى موضع   طوله ثمان و ثمانون درجة و عرضه تسع و ثلاثون ثم يمر إلى أن ينصب في بحيرة خوارزم و نهر دجلة مشهور و يخرج من بلاد الروم من شمال ميارقين من تحت حصار ذي القرنين و يذهب من جهة الشمال و المغرب إلى جهة الجنوب و المشرق و يمر بمدينة آمد و الموصل و سرمن‏رأى و بغداد ثم إلى واسط ثم ينصب في بحر فارس

14-  العياشي، عن إبراهيم بن أبي العلا عن غير واحد عن أحدهما ع قال لما قال الله يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَ يا سَماءُ أَقْلِعِي قال الأرض إنما أمرت أن أبلع مائي أنا فقط و لم أومر أن أبلع ماء السماء قال فبلعت الأرض ماءها و بقي ماء السماء فصير بحرا حول الدنيا

15-  الكافي، عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان و علي بن إبراهيم عن أبيه جميعا عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله ع قال إن جبرئيل ع كرى برجله خمسة أنهار و لسان الماء يتبعه الفرات و دجلة و نيل مصر و مهران و نهر بلخ فما سقت أو سقي منها فللإمام و البحر المطيف بالدنيا

 بيان قال البرجندي نهر مهران هو نهر السند يمر أولا في ناحية ملتان ثم يميل إلى الجنوب و يمر بالمنصورة ثم يمر حتى ينصب في بحر ديبل من جانب المشرق و هو نهر عظيم و ماؤه في غاية العذوبة و شبيه بنيل مصر و يكون فيه التمساح كالنيل و قيل إذا وصل إلى موضع طوله مائة و سبع درجات و عرضه ثلاث و عشرون درجة ينقسم إلى شعبتين ينصب إحداهما في بحر الهند و الأخرى تمر و تنصب فيه بعد مسافة أيضا فما سقت أي بأنفسها أو سقي منها أي سقي الناس منها و هذا الخبر رواه في الفقيه بسند صحيح عن أبي البختري و زاد في آخره   و هو أفسبكون و لعله من الصدوق فصار سببا للإشكال لأن أفسبكون معرب آبسكون و هو بحر الخزر و يقال له بحر جرجان و بحر طبرستان و بحر مازندران و طوله ثمانمائة ميل و عرضه ستمائة ميل و ينصب فيه أنهار كثيرة منها نهر آتل و هذا البحر غير محيط بالدنيا بل محاط بالأرض من جميع الجوانب و لا يتصل بالمحيط و لعله إنما تكلف ذلك لأنه لا يحصل من المحيط شي‏ء و هو غير مسلم و قرأ بعض الأفاضل المطيف بضم الميم و سكون الطاء و فتح الياء اسم مفعول أو اسم المكان من الطواف و لا يخفى ضعفه فإن اسم المفعول منه مطاف بالضم أو مطوف و اسم المكان كالأول أو مطاف بالفتح و ربما يقرأ مطيف بتشديد الياء المفتوحة و هو أيضا غير مستقيم لأنه بالمعنى المشهور واوي فالمفعول من باب التفعيل مطوف و أيضا كان ينبغي أن يقال المطيف به الدنيا نعم قال في القاموس طيف تطييفا و طوف أكثر الطواف انتهى لكن حمله على هذا أيضا يحتاج إلى تكلف شديد و ما في الكافي أظهر و أصوب و المعنى أن البحر المحيط بالدنيا أيضا للإمام ع

16-  نوادر الراوندي، بإسناده عن أبي جعفر عن آبائه ع قال قال رسول الله ص شر اليهود يهود بيسان و شر النصارى نصارى نجران و خير ماء نبع على وجه الأرض ماء زمزم و شر ماء نبع على وجه الأرض ماء برهوت واد بحضرموت يرد عليه هام الكفار و صداهم

 بيان في القاموس بيسان قرية بالشام و قرية بمرو و موضع باليمامة و لعل الأول هنا أظهر و نجران موضع باليمن و في النهاية فيه لا عدوى و لا هامة الهامة الرأس و اسم طائر و هو المراد في الحديث و ذلك أنهم كانوا يتشاءمون بها و هي من طير الليل و قيل هي البومة و قيل إن العرب كانت تزعم أن روح القتيل الذي لا يدرك بثأره تصير هامة فتقول اسقوني اسقوني فإذا أدرك بثأره طارت و قيل كانوا يزعمون أن عظام الميت و قيل روحه تصير هامة فتطير و يسمونه الصدى فنفاه الإسلام و نهاهم عنه و في القاموس الصدى الجسد من الآدمي بعد موته و   طائر يخرج من رأس المقتول إذا بلي بزعم الجاهلية

17-  كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي رفعه عن الأصبغ بن نباتة قال سئل أمير المؤمنين ع عن أول شي‏ء ضج على الأرض قال واد باليمن هو أول واد فار منه الماء

18-  كتاب النوادر، لعلي بن أسباط عن عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جده قال قال ع لو عدل في الفرات لسقي ما على الأرض كله

 بيان يحتمل أن يكون المراد بها الأراضي التي على شطه و بالقرب منه

19-  الدر المنثور، عن جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله ص يقول ماء زمزم لما شرب له من شربة لمرض شفاه الله أو لجوع أشبعه الله أو لحاجة قضاها الله

 قال الحكيم الترمذي و حدثني أبي قال دخلت الطواف في ليلة ظلماء فأخذني من البول ما شغلني فجعلت أعتصر حتى آذاني و خفت إن خرجت من المسجد أن أطأ بعض تلك الأقذار و ذلك أيام الحاج فذكرت هذا الحديث فدخلت زمزم فتبلعت منه فذهب عني إلى الصبا

20-  و منه، عن ابن عباس مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ قال أرسل البحرين بَيْنَهُما بَرْزَخٌ قال حاجز لا يَبْغِيانِ قال لا يختلطان

 و روي أيضا عنه قال بحر السماء و بحر الأرض يلتقيان كل عام يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ قال إذا مطرت السماء فتحت الأصداف في البحر أفواهها فما وقع فيها من قطر السماء فهو اللؤلؤ

21-  و عن ابن جبير قال إذا نزل القطر من السماء تفتحت له الأصداف فكان لؤلؤا

22-  و عن علي بن أبي طالب قال المرجان عظام اللؤلؤ

 و عن ابن عباس مثله

    -23  و في رواية أخرى عنه المرجان اللؤلؤ الصغار

24-  و عن ابن مسعود المرجان الخزر الأحمر

25-  و عن عمير بن سعد قال كنا مع علي على شط الفرات فمرت سفينة فقرأ هذه الآية وَ لَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ

26-  مجمع البيان، روى مقاتل عن عكرمة و عن ابن عباس عن النبي ص قال إن الله تعالى أنزل من الجنة خمسة أنهار سيحون و هو نهر الهند و جيحون و هو نهر بلخ و دجلة و الفرات و هما نهرا العراق و النيل و هو نهر مصر أنزلها الله تعالى من عين واحدة و أجراها في الأرض و جعل فيها منافع للناس في أصناف معايشهم و ذلك قوله وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَ إِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ

27-  الكافي، عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن محمد بن عبد الله بن أحمد عن علي بن النعمان عن صالح بن حمزة عن أبان بن مصعب عن يونس بن ظبيان أو المعلى بن خنيس قال قلت لأبي عبد الله ع ما لكم من هذه الأنهار فتبسم و قال إن الله تعالى بعث جبرئيل و أمره أن يخرق بإبهامه ثمانية أنهار في الأرض منها سيحان و جيحان و هو نهر بلخ و الخشوع و هو نحر الشاش و مهران و هو نهر الهند و نيل مصر و دجلة و الفرات فما سقت أو استقت فهو لنا و ما كان لنا فهو لشيعتنا و ليس لعدونا منه شي‏ء إلا ما غصب عليه و إن ولينا لفي أوسع مما بين ذه إلى ذه يعني بين السماء و الأرض ثم تلا هذه الآية قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا المغصوبين عليها خالِصَةً لهم يَوْمَ الْقِيامَةِ بلا غصب

 توضيح لعل التبسم لأجل من التبعيضية يخرق كينصر و يضرب أي   يشق و يحفر و منهم من حمل الكلام على الاستعارة التمثيلية لبيان أن حدوث الأنهار و نحوها مستندة إلى قدرة الله تعالى ردا على الفلاسفة الذين يسندونها إلى الطبائع و في أكثر النسخ هنا جيحان بالألف و في بعضها بالواو و هو أصوب لما عرفت أن نهر بلخ بالواو و على الأول إن كان التفسير من بعض الرواة فيمكن أن يكون اشتباها منه و لو كان من الإمام ع و صح الضبط كان الاشتباه من اللغويين و الشاش بلد بما وراء النهر كما في القاموس و نهره على ما ذكره البرجندي بقدر ثلثي الجيحون و منبعه من بلاد الترك من موضع عرضه اثنتان و أربعون درجة و طوله إحدى و سبعون درجة و يمر إلى المغرب مائلا إلى الجنوب إلى خجند ثم إلى فاراب ثم ينصب في بحيرة خوارزم و تسميته بالخشوع غير مذكور فيما رأينا من كتب اللغة و غيرها فما سقت أي سقته من الأشجار و الأراضي و الزروع أو استقت أي منه أي أخذت الأنهار منه و هو بحر المطيف بالدنيا أو بحر السماء فالمقصود أن أصلها و فرعها لنا أو ضمير استقت راجع إلى ما باعتبار تأنيث معناه و التقدير استقت منها و ضمير منها المقدر للأنهار فالمراد بما سقت ما جرت عليها من غير عمل و بما استقت ما شرب منها بعمل كالدولاب و شبهه و نسبة الاستسقاء إليها على المجاز كذا خطر بالبال و هو أظهر و قيل ضمير استقت راجع إلى الأنهار على الإسناد المجازي لأن الاستقاء فعل لمن يخرج الماء منها بالحفر و الدولاب يقال استقيت من البئر أي أخرجت الماء منها و بالجملة يعتبر في الاستقاء ما لا يعتبر في السقي من الكسب و المبالغة في الاعتمال إلا ما غصب عليه على بناء المعلوم و الضمير للعدو أي غصبنا عليه أو على بناء المجهول أي إلا شي‏ء صار مغصوبا عليه يقال غصبه على الشي‏ء أي قهره و الاستثناء منقطع إن كان اللام للاستحقاق و إن كان للانتفاع فالاستثناء متصل و ذه إشارة إلى المؤنث أصلها ذي قلبت الياء هاء المغصوبين عليها الحاصل أن خالصة حال مقدرة من قبيل قولهم جاءني زيد صائدا صقره غدا قال في مجمع البيان قال ابن عباس يعني أن المؤمنين يشاركون المشركين في الطيبات في الدنيا ثم يخلص الله   الطيبات في الآخرة للذين آمنوا و ليس للمشركين فيها شي‏ء انتهى. ثم اعلم أنه ع ذكر في الأول ثمانية و إنما ذكر في التفصيل سبعة فيحتمل أن يكون ترك واحدا منها لأنه لم يكن في مقام تفصيل الجميع بل قال منها سيحان الخبر و قيل لما كان سيحان اسما لنهرين نهر بالشام و نهر بالبصرة أراد هنا كليهما من قبيل استعمال المشترك في معنييه و هو بعيد و لعله سقط واحد منها من الرواة و كأنه كان جيحان و جيحون فظن بعض النساخ و الرواة زيادة أحدهما فأسقطه و حينئذ يستقيم التفسير أيضا. فائدة قال النيسابوري في تفسير قوله تعالى وَ الْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ قد سلف أن الماء المحيط بأكثر جوانب القدر المعمور من الأرض فذلك هو البحر المحيط و قد دخل في ذلك الماء من جانب الجنوب متصلا بالمحيط الشرقي و منقطعا عن الغربي إلى وسط العمارة أربعة خليجات الأول إذا ابتدأ من المغرب الخليج البربري لكونه في حدود بربر من أرض الحبشة طوله من الجنوب إلى الشمال مائة و ستون فرسخا و عرضه خمسة و ثلاثون فرسخا و على ضلعه الغربي بلاد كفار الحبشة و بعض الزنج و على الشرقي بلاد مسلمي الحبشة و الثاني الخليج الأحمر طوله من الجنوب إلى الشمال أربعمائة و ستون فرسخا و عرضه بقرب منتهاه ستون فرسخا و بين طرفه و فسطاط مصر الذي على شرق النيل مسيرة ثلاثة أيام على البر و على ضلعه الغربي بعض بلاد البربر و بعض بلاد الحبشة و على ضلعه الشرقي سواحل عليها فرضه مدينة الرسول ص لقوافل مصر و الحبشة إلى الحجاز ثم سواحل اليمن ثم عدن على الذؤابة الشرقية منه الثالث خليج فارس طوله من الجنوب إلى الشمال أربعمائة و ستون فرسخا و عرضه قريب من مائة و ثمانين فرسخا و على سواحل ضلعه الغربي بلاد عمان و لهذا ينسب البحر هناك إليها و جملة ولاية الغرب و إحيائهم من الحجاز و اليمن و الطائف و غيرها و بواديهم بين الضلع الغربي من هذا

    البحر و الشرقي من الخليج الأحمر فلهذا سميت العمارة الواقعة بينهما جزيرة العرب و فيها مكة زادها الله شرفا و على سواحل ضلعه الشرقي بلاد فارس ثم هرموز ثم مكران ثم سواحل السند الرابع الخليج الأخضر مثلث الشكل آخذ من الجنوب إلى الشمال ضلعه الشرقي بلاد فارس ثم هرموز ثم مكران متصل بالمحيط الشرقي و ضلعه الغربي خمسمائة فرسخ تقريبا و على سواحل هذا الضلع ولايات الصين و لهذا يسمى بحر الصين و من زاويته الغربية إلى زاوية من بحر فارس يسمى بحر الهند لكون بعض ولايتهم على سواحله و أيضا فقد دخل إلى العمارة من جانب الغرب خليج عظيم يمر من جانب الجنوب على كثير من بلاد المغرب و يحاذي أرض السودان و ينتهي إلى بلاد مصر و الشام و من جانب الشمال على بلاد الروس و الجلالقة و الصقالبة إلى بلاد الروم و الشام و يتشعب منه شعبة من شمال أرض الصقالبة إلى أرض مسلمي بلغار يسمى بحر ورنك طوله المعلوم مائة فرسخ و عرضه ثلاث و ثلاثون و إذا جاوز تلك النواحي امتد نحو المشرق عما وراء جبال غير مسلوكة و أرض غير مسكونة و تتشعب منه أيضا شعبة يسمى بحر طرابزون فهذه هي البحار المتصلة بالمحيط و أما غير المتصلة فأعظمها بحر طبرستان و جيلان و باب الأبواب و الخزر و أبسيكون لكون هذه الولايات على سواحله مستطيل الشكل آخذ من المشرق إلى المغرب بأكثر من مائتين و خمسين فرسخا و من الجنوب إلى الشمال بقرب من مائتين و من عجائب البحار الحيوانات المختلفة الأعظام و الأنواع و الأصناف و منها الجزائر الواقعة فيها فقد يقال في بحر الهند من الجزائر العامرة ألف و ثلاثمائة و سبعون منها جزيرة عظيمة في أقصى البحر مقابل أرض الهند في ناحية المشرق و عند بلاد الصين تسمى جزيرة سرانديب دورها ثلاثة آلاف ميل فيها جبال عظيمة و أنهار كثيرة و منها يخرج الياقوت الأحمر و حول هذه الجزيرة تسع عشرة جزيرة عامرة فيها مدائن

    و قرى كثيرة و من جزائر هذا البحر جزيرة كله التي يجلب منها الرصاص القلعي و جزيرة سريرة التي يجلب منها الكافور و غرائب البحر كثيرة و لهذا قيل حدث عن البحر و لا حرج و سئل بعض العقلاء ما رأيت من عجائب البحر قال سلامتي منه. تتمة قالت الحكماء في سبب انفجار العيون من الأرض أن البخار إذا احتبس في داخل من الأرض لما فيها من ثقب و فرج يميل إلى جهة فيبرد بها فينقلب مياها مختلطة بأجزاء بخارية فإذا كثر لوصول مدد متدافع إليه بحيث لا تسعه الأرض أوجب انشقاق الأرض و انفجرت منها العيون أما الجارية على الولاء فهي إما لدفع تاليها سابقها أو لانجذابه إليه لضرورة عدم الخلاء بأن يكون البخار الذي انقلب ماء و فاض إلى وجه الأرض ينجذب إلى مكانه ما يقوم مقامه لئلا يكون خلاء فينقلب هو أيضا ماء و يفيض و هكذا استتبع كل جزء منه جزء آخر و أما العيون الراكدة فهي حادثة من أبخرة لم تبلغ من كثرة موادها و قوتها أن يحصل منها معاونة شديدة أو يدفع اللاحق السابق و أما مياه القنى و الآبار فهي متولدة من أبخرة ناقصة القوة عن أن يشق الأرض فإذا أزيل ثقل الأرض عن وجهها صادفت منفذا تندفع إليه بأدنى حركة فإن لم يجعل هناك مسيل فهو البئر و إن جعل فهو القناة و نسبة القنى إلى الآبار كنسبة العيون السيالة إلى الراكدة و يمكن أن تكون هذه المياه متولدة كما قاله أبو البركات البغدادي من أجزاء مائية متولدة من أجزاء متفرقة في ثقب أعماق الأرض و منافذها إذا اجتمعت بل هذا أولى لكون مياه العيون و الآبار و القنوات تزيد بزيادة الثلوج و الأمطار قال الشيخ في النجاة و هذه الأبخرة إذا انبعثت عيونا أمدت البحار بصب الأنهار إليها ثم ارتفع من البحار و البطائح و الأنهار و بطون الجبال خاصة أبخرة أخرى ثم قطرت ثانيا إليها فقامت بدل ما يتحلل منها على الدور دائما