باب 6- الأرض و كيفيتها و ما أعد الله للناس فيها و جوامع أحوال العناصر و ما تحت الأرضين

الآيات البقرة يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَ السَّماءَ بِناءً وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ الرعد وَ هُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَ جَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَ أَنْهاراً وَ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَ فِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَ جَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَ زَرْعٌ وَ نَخِيلٌ صِنْوانٌ وَ غَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَ نُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ إبراهيم اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَ سَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَ سَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ وَ سَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَ سَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ وَ آتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ الحجر وَ الْأَرْضَ مَدَدْناها وَ أَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ مَوْزُونٍ وَ جَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَ مَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ النحل هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَ مِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ   يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَ الزَّيْتُونَ وَ النَّخِيلَ وَ الْأَعْنابَ وَ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَ سَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ النُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ وَ ما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ وَ هُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَ تَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَ تَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَ أَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَ أَنْهاراً وَ سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ إلى قوله تعالى وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ الكهف إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا طه لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما وَ ما تَحْتَ الثَّرى و قال تعالى الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَ سَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى كُلُوا وَ ارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى مِنْها خَلَقْناكُمْ وَ فِيها نُعِيدُكُمْ وَ مِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى الأنبياء وَ جَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَ جَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ الشعراء أَ وَ لَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ و قال تعالى أَ تُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ فِي جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ وَ زُرُوعٍ وَ نَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ وَ تَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ

    النمل أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَ جَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَ جَعَلَ لَها رَواسِيَ وَ جَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ لقمان خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَ أَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ هذا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ فاطر أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَ حُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَ غَرابِيبُ سُودٌ وَ مِنَ النَّاسِ وَ الدَّوَابِّ وَ الْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ يس وَ آيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَ أَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ وَ جَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَ أَعْنابٍ وَ فَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَ ما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَ فَلا يَشْكُرُونَ سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ مِمَّا لا يَعْلَمُونَ المؤمن اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَ السَّماءَ بِناءً السجدة وَ مِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ حمعسق وَ مِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَ هُوَ عَلى   جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ الزخرف الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَ جَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ الجاثية وَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ق وَ الْأَرْضَ مَدَدْناها وَ أَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَ ذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ الذاريات وَ الْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ وَ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ الرحمن وَ الْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ فِيها فاكِهَةٌ وَ النَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ وَ الْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَ الرَّيْحانُ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ الحديد اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ الطلاق اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ وَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عِلْماً الملك هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَ كُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَ إِلَيْهِ النُّشُورُ   نوح وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجاً المرسلات أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَ أَمْواتاً وَ جَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَ أَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ النبأ أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً وَ الْجِبالَ أَوْتاداً وَ خَلَقْناكُمْ أَزْواجاً وَ جَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً وَ جَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً وَ بَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً وَ جَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً وَ أَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَ نَباتاً وَ جَنَّاتٍ أَلْفافاً الطارق وَ الْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ الغاشية أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَ إِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَ إِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَ إِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ الشمس 6-  وَ الْأَرْضِ وَ ما طَحاها تفسير الَّذِي خَلَقَكُمْ قيل إنه تعالى عدد في هذا المقام عليهم خمسة دلائل اثنين من الأنفس و هما خلقهم و خلق أصولهم و ثلاثة من الآفاق بجعل الأرض فراشا و السماء بناء و الأمور الحاصلة من مجموعهما و هي إنزال الماء من السماء و إخراج الثمرات بسببه و سبب هذا الترتيب ظاهر لأن أقرب الأشياء إلى الإنسان نفسه ثم مأمنه و منشؤه و أصله ثم الأرض التي هي مكانه و مستقره يقعدون عليها و ينامون و يتقلبون كما يتقلب أحدهم على فراشه ثم السماء التي كالقبة المضروبة و الخيمة المبنية على هذا القرار ثم ما يحصل من شبه الازدواج بين المقلة و المظلة من إنزال الماء عليها و الإخراج به من بطنها أشباه النسل من الحيوان ألوان الغذاء

    و أنواع الثمار رزقا لبني آدم و أيضا خلق المكلفين أحياء قادرين أصل لجميع النعم و أما خلق الأرض و السماء فذلك إنما ينتفع به بشرط حصول الخلق و الحياة و القدرة و الشهوة و ذكر الأصول مقدم على ذكر الفروع و أيضا كل ما كان في السماء و الأرض من الدلائل على وجود الصانع فهو حاصل في الإنسان بزيادة الحياة و القدرة و الشهوة و العقل و لما كانت وجوه الدلالة فيه أتم كان تقديمه في الذكر أهم. و الفراش اسم لما يفرش كالبساط لما يبسط و ليس من ضرورات الافتراش أن يكون سطحا مستويا كالفراش على ما ظن فسواء كانت كذلك و على شكل الكرة فالافتراش غير مستنكر و لا مدفوع لعظم جرمها و تباعد أطرافها و لكنه لا يتم الافتراش عليها ما لم تكن ساكنة في حيزها الطبيعي و هو وسط الأفلاك لأن الأثقال بالطبع تميل إلى تحت كما أن الخفاف بالطبع تميل إلى فوق و الفوق من جميع الجوانب ما يلي السماء و التحت ما يلي المركز فكما أنه يستبعد حركة الأرض في ما يلينا إلى جهة السماء فكذلك يستبعد هبوطها في مقابلة ذلك لأن ذلك الهبوط صعود أيضا إلى السماء فإذن لا حاجة في سكون الأرض و قرارها في حيزها إلى علاقة من فوقها و لا إلى دعامة من تحتها بل يكفي في ذلك ما أعطاها خالقها و ركز فيها من الميل الطبيعي إلى الوسط الحقيقي بقدرته و اختياره إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَ لَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ و مما من الله على عباده في خلق الأرض أن لم تجعل في غاية الصلابة كالحجر و لا في غاية اللين و الانغمار كالماء ليسهل النوم و المشي عليها و أمكنت الزراعة و اتخاذ الأبنية منها و يتأتى حفر الآبار و إجراء الأنهار و منها أن لم تخلق في نهاية اللطافة و الشفيف لتستقر الأنوار عليها و تتسخن منها فيمكن جوازها. و منها أن جعلت بارزة بعضها من الماء مع أن طبعها الغوص فيها لتصلح لتعيش الحيوانات البرية عليها و سبب انكشاف ما برز منها و هو قريب من ربعها إن لم تخلق صحيحة الاستدارة بل خلقت هي و الماء بمنزلة كرة واحدة يدل على ذلك في ما بين الخافقين   تقدم طلوع الكواكب و غروبها للمشرقيين على طلوعها و غروبها للمغربيين و في ما بين الشمال و الجنوب ازدياد ارتفاع القطب الظاهر و انحطاط الخفي للواغلين في الشمال و بالعكس للواغلين في الجنوب و تركب الاختلافين لمن يسير على سمت بين السمتين إلى غير ذلك من الأعراض الخاصة بالاستدارة يستوي في ذلك راكب البر و راكب البحر و هذه الجبال و إن شمخت لا تخرجها عن أصل الاستدارة لأنها بمنزلة الخشونة القادحة في ملاسة الكرة لا في استدارتها. و منها الأشياء المتولدة فيها من المعادن و النبات و الحيوان و الآثار العلوية و السفلية و لا يعلم تفاصيلها إلا موجدها و منها اختلاف بقاعها في الرخاوة و الصلابة و الدماثة و الوعورة بحسب اختلاف الحاجات و الأغراض وَ فِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ و منها اختلاف ألوانها وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَ حُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَ غَرابِيبُ سُودٌ و منها انصداعها بالنبات وَ الْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ و منها جذبها للماء المنزل من السماء وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ و منها العيون و الأنهار العظام التي فيها وَ الْأَرْضَ مَدَدْناها و منها أن لها طبع الكرم و السماحة تأخذ واحدة و ترد سبعمائة كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ و منها حياتها و موتها وَ آيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها و منها الدواب المختلفة وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ و منها النباتات المتنوعة وَ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ فاختلاف ألوانها دلالة و اختلاف طعومها دلالة و اختلاف روائحها دلالة فمنها قوت البشر و منها قوت البهائم كُلُوا وَ ارْعَوْا أَنْعامَكُمْ و منها الطعام و منها الإدام و منها الدواء و منها الفواكه و منها كسوة البشر نباتية كالقطن و الكتان و حيوانية كالشعر و الصوف و الإبريسم و الجلود و منها الأحجار المختلفة بعضها للزينة و بعضها للأبنية فانظر إلى الحجر الذي تستخرج منه النار مع كثرته و انظر إلى الياقوت الأحمر مع عزته و انظر إلى كثرة النفع بذلك الحقير و قلة النفع بهذا الخطير و منها ما أودع الله تعالى فيها من المعادن الشريفة كالذهب و الفضة. ثم تأمل أن البشر استنبطوا الحرف الدقيقة و الصنائع الجليلة و استخرجوا

    السمك من قعر البحر و استنزلوا الطير من أوج الهواء و عجزوا عن اتخاذ الذهب و الفضة و السبب فيه أن معظم فائدتهما ترجع إلى الثمنية و هذه الفائدة لا تحصل إلا عند العزة و القدرة على اتخاذهما تبطل هذه الحكمة فلذلك ضرب الله دونهما بابا مسدودا و من هاهنا اشتهر في الألسنة من طلب المال بالكيمياء أفلس. و منها ما يوجد على الجبال و الأراضي من الأشجار الصالحة للبناء و السقف و الحطب و ما اشتد إليه الحاجة في الخبز و الطبخ و لعل ما تركناه من الفوائد أكثر مما عددناه فإذا تأمل العاقل في هذه الغرائب و العجائب اعترف بمدبر حكيم و مقدر عليم إن كان ممن يسمع و يبصر و يعتبر. و أما منافع السماء فإن الله تعالى زينها بمصابيح وَ لَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ و بالقمر وَ جَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً و بالشمس وَ جَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً و بالعرش رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ و بالكرسي وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ و باللوح فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ و بالقلم ن وَ الْقَلَمِ وَ ما يَسْطُرُونَ و سماها سقفا محفوظا و سبعا طباقا و سبعا شدادا و ذكر أن خلقها مشتمل على حكم بليغة و غايات صحيحة رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا و جعلها مصعد الأعمال و مهبط الأنوار و قبلة الدعاء و محل الضياء و الصفاء و جعل لونها أنقع الألوان و هو المستنير و شكلها أفضل الأشكال و هو المستدير و نجومها رجوما للشياطين و علامات يهتدى بها في ظلمات البر و البحر و قيض للشمس طلوعا و سهل معه التقلب لقضاء الأوطار في الأطراف و غروبا يصلح معه الهدء و القرار في الأكناف لتحصيل الراحة و انبعاث القوة الهاضمة و تنفيذ الغذاء إلى الأعضاء و أيضا لو لا الطلوع لانجمدت المياه و غلبت البرودة و الكثافة و أفضت إلى جمود الحرارة الغريزية و انكسار سورتها و لو لا الغروب لحميت الأرض حتى يحترق كل من عليها من حيوان و نبات فهي بمنزلة السراج يوضع لأهل بيت بمقدار حاجتهم ثم يرفع عنهم ليستقروا و يستريحوا فصار النور و الظلمة مع تضادهما متظاهرين على ما فيه صلاح قطان الأرض.   و أما ارتفاع الشمس و انحطاطها فقد جعله الله تعالى سببا لإقامة الفصول الأربعة ففي الشتاء تغور الحرارة في الشجر و النبات فيتولد منه مواد الثمار و يستكثف الهواء فيكثر السحاب و المطر و تقوى أبدان الحيوانات بسبب احتقان الحرارة الغريزية في البواطن و في الربيع تتحرك الطبائع و تظهر المواد المتولدة في الشتاء و ينور الشجر و يهيج الحيوان للسفاد و في الصيف يحتدم الهواء فتنضج الثمار و تتحلل فضول الأبدان و يجف وجه الأرض و يتهيأ للعمارة و الزراعة و في الخريف يظهر البرد و اليبس فتدرك الثمار و تستعد الأبدان قليلا قليلا للشتاء. و أما القمر فهو تلو الشمس و خليفتها و به يعلم عدد السنين و الحساب و تضبط المواقيت الشرعية و منه يحصل النماء و الرواء و قد جعل الله في طلوعه مصلحة و في غيبته مصلحة يحكى أن أعرابيا نام عن جمله ليلا ففقده فلما طلع القمر وجده فنظر إلى القمر و قال إن الله صورك و نورك و على البروج دورك فإذا شاء نورك و إذا شاء كورك فلا أعلم مزيدا أسأله لك فإن أهديت إلي سرورا فقد أهدى الله إليك نورا ثم أنشأ في ذلك أبياتا. و قال الجاحظ إذا تأملت في هذا العالم وجدته كالبيت المعد فيه كل ما يحتاج إليه فالسماء مرفوعة كالسقف و الأرض ممدودة كالبساط و النجوم منضودة كالمصابيح و الإنسان كما لك البيت المتصرف فيه و ضروب النبات مهيأة لمنافعه و صنوف الحيوان متصرفة في مصالحه فهذه جملة واضحة دالة على أن العالم مخلوق بتدبير كامل و تقدير شامل و حكمة بالغة و قدرة غير متناهية. ثم إنهم اختلفوا في أن السماء أفضل أم الأرض قال بعضهم السماء أفضل لأنها معبد الملائكة و ما فيها بقعة عصي الله فيها و لما أتى آدم بالمعصية أهبط من الجنة و قال الله لا يسكن في جواري من عصاني و قال تعالى وَ جَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً و قال تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً و ورد في الأكثر ذكر السماء مقدما على ذكر الأرض و السماوات مؤثرة و الأرضيات متأثرة و المؤثر أشرف من المتأثر.

    و قال آخرون بل الأرض أفضل لأنه تعالى وصف بقاعا من الأرض بالبركة إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً و فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَ مَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها يعني أرض الشام و وصف جملة الأرض بالبركة وَ بارَكَ فِيها وَ قَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فإن قيل أي بركة في المفاوز المهلكة قلت إنها مساكن الوحوش و مراعيها و مساكن الناس إذا احتاجوا إليها و مساكن خلق لا يعلمهم إلا الله تعالى فلهذه البركات قال فِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ تشريفا لهم لأنهم هم المنتفعون بها كما قال هُدىً لِلْمُتَّقِينَ و خلق الأنبياء منها مِنْها خَلَقْناكُمْ و أودعهم فيها وَ فِيها نُعِيدُكُمْ و أكرم نبيه المصطفى فجعل الأرض كلها له مسجدا و طهورا. و معنى إخراج الثمرات بالماء و إنما خرجت بقدرته و مشيته أنه جعل الماء سببا في خروجها و مادة لها كالنطفة في خلق الولد و هو قادر على إنشاء الأشياء بلا أسباب و مواد كما أنشأ نفوس الأسباب و المواد و لكن له في هذا التدريج و التسبيب حكما يتبصر بها من يستبصر و يتفطن لها من يعتبر و من في مِنَ الثَّمَراتِ للتبعيض كما أنه قصد بتنكير السَّماءَ و رِزْقاً معنى البعضية فكأنه قيل و أنزلنا من السماء بعض الماء فأخرجنا به بعض الثمرات ليكون بعض رزقكم و يجوز أن يكون للبيان كقولك أنفقت من الدراهم ألفا و الند المثل المناوي وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ حال من ضمير فَلا تَجْعَلُوا و مفعول تَعْلَمُونَ مطروح أي حالكم أنكم من أهل العلم و النظر و أصابه الرأي فلو تأملتم أدنى تأمل اضطر عقلكم إلى إثبات موجد للممكنات منفرد بوجود الذات متعال عن مشابهة المخلوقات أو منوي و هو أنها لا تماثله و لا تقدر على مثل ما يفعله. وَ هُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ قال الرازي أي جعل الأرض بذلك المقدار المعين الحاصل لا أزيد و لا أنقص و الدليل عليه هو أن كون الأرض أزيد مقدارا مما هو الآن أو أنقص منه أمر جائز فاختصاصه بذلك المقدار المعين لا بد و أن يكون   بتخصيص مخصص و بتقدير مقدر و قال أبو بكر الأصم المد البسط إلى ما يدرك منتهاه أي جعل حجمها عظيما و إلا لما كمل الانتفاع بها و قال قوم كانت الأرض مدورة فمدها و دحاها من مكة من تحت البيت فذهبت كذا و كذا و هذا إنما يتم إذا كانت الأرض مسطحة لا كرة و هو خلاف ما ثبت بالدليل و مد الأرض لا ينافي كونها كرة و لأن الكرة إذا كانت في غاية الكبر كان كل قطعة منها تشاهد كالسطح. وَ جَعَلَ فِيها رَواسِيَ أي جبالا ثابتة باقية في أحيازها غير منتقلة عن أمكنتها و الاستدلال بها على وجود الصانع القادر الحكيم من وجوه الأول أن طبيعة الأرض طبيعة واحدة فحصول الجبل في بعض جوانبها دون البعض لا بد و أن يكون بتخليق القادر الحكيم قال الفلاسفة هذه الجبال إنما تولدت لأن البحار كانت في هذا الجانب من العالم فكان يتولد من البحر طين لزج ثم يقوى تأثير الشمس فيها فينقلب حجرا كما نشاهد في كوز الفقاع ثم إن الماء كان يغور و يقل فيتحجر البقية فلهذا السبب تولدت هذه الجبال قالوا و إنما كانت البحار حاصلة في هذا الجانب من العالم لأن أوج الشمس و حضيضها متحركان ففي الدهر الأقدم كان حضيض الشمس في جانب الشمال و الشمس متى كانت في حضيضها كانت أقرب إلى الأرض فكان التسخين أقوى و شدة السخونة توجب انجذاب الرطوبات فحين كان الحضيض في جانب الشمال كانت البحار في جانب الشمال و الآن لما انتقل الأوج إلى جانب الشمال و الحضيض إلى جانب الجنوب انتقلت البحار إلى جانب الجنوب فبقيت هذه الجبال في الشمال هذا حاصل كلام القوم في هذا الباب و هو ضعيف من وجوه الأول أن حصول الطين في البحر أمر عام فلم حصل الجبل في بعض الجوانب دون بعض. الثاني هو أنا نشاهد في بعض الجبال كأن تلك الأحجار موضوعة سافا

    فسافا كان البناء بناه من لبنات كثيرة موضوع بعضها على بعض و يبعد حصول مثل هذا التركيب من السبب الذي ذكروه. الثالث أن أوج الشمس الآن قريب من أول السرطان فعلى هذا من الوقت الذي انتقل أوج الشمس إلى الجانب الشمالي مضى قريبا من تسعة آلاف سنة و بهذا التقدير إن الجبال كانت في هذه المدة الطويلة في التفتت فوجب أن لا يبقى من الأحجار شي‏ء لكن ليس الأمر كذلك فعلمنا أن السبب الذي ذكروه ضعيف. و الوجه الثاني من الاستدلال بأحوال الجبال على وجود الصانع ذي الجلال ما يحصل فيها من معادن الفلزات السبعة و مواضع الجواهر النفيسة و قد يحصل منها معادن الزاجات و الأملاح و قد تحصل معادن النفط و القير و الكبريت فكون الأرض واحدة في الطبيعة و كون الجبل واحدا في الطبيعة و كون تأثير الشمس واحدا في الكل يدل دلالة ظاهرة على أن الكل بتقدير قادر قاهر متعال عن مشابهة الممكنات و المحدثات. و الوجه الثالث أن بسببها تتولد الأنهار على وجه الأرض و ذلك لأن الحجر جسم صلب فإذا تصاعدت الأبخرة من قعر الأرض و وصلت إلى الجبل احتبست هناك و لا يزال يتكامل الأمر فيحصل تحت الجبال مياه كثيرة ثم إنها لكثرتها و قوتها تنقب و تخرج و تسيل على وجه الأرض فمنفعة الجبال في تولد الأنهار هو من هذا الوجه و لهذا السبب في أكثر الأمر أينما ذكر الله تعالى الجبال قرن بها ذكر الأنهار مثل هذه الآية و مثل قوله وَ جَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَ أَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً. ثم استدل سبحانه بعجائب خلقة النبات بقوله وَ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إلخ فإن الحبة إذا وقعت في أرض و أثرت فيها نداوة الأرض ربت و كبرت و بسبب   ذلك ينشق أعلاها و أسفلها فيخرج من الشق الأعلى الشجرة الصاعدة و من الشق الأسفل العروق الغائصة في أسفل الأرض و هذا من العجائب أن طبيعة تلك الحبة واحدة و تأثير الطبائع و الأفلاك و الكواكب فيها واحد ثم إنه خرج من الجانب الأعلى من تلك الحبة جرم صاعد إلى الهواء و من الجانب الأسفل منه جرم غائص في الأرض و من المحال أن يتولد من الطبيعة الواحدة طبيعتان متضادتان فعلمنا أن ذلك كان بسبب تدبير المدبر الحكيم و المقدر القديم لا بسبب الطبع و الخاصية. ثم إن الشجرة النابتة في تلك الحبة بعضها يكون خشبة و بعضها نورا و بعضها ثمرة ثم إن تلك الثمرة أيضا تحصل فيها أجسام مختلفة الطبائع فالجوز له أربعة أنواع من القشور القشر الأعلى و تحته القشرة الخشبية و تحته القشرة المحيطة باللب و تحت تلك القشرة قشرة أخرى في غاية الرقة تمتاز عما فوقها حال كون الجوز و اللوز رطبا و أيضا فقد تحصل في الثمرة الواحدة الطبائع المختلفة فالأترج قشره حار يابس و لحمه حار رطب و حماضه بارد يابس و بذره حار يابس و كذلك العنب قشره و عجمه باردان يابسان و لحمه و ماؤه حار رطب فتولد هذه الطبائع المختلفة من الحبة الواحدة مع تساوي تأثيرات الطبائع و تأثيرات الأنجم و الأفلاك لا بد و أن يكون لأجل الحكيم القديم. و المراد بزوجين اثنين صنفين اثنين و الاختلاف إما من حيث الطعم كالحلو و الحامض أو الطبيعة كالحار و البارد أو اللون كالأبيض و الأسود و فائدة قوله اثنين بيان أن كل نوع حصل من فردين كالإنسان من آدم و حواء و هكذا. إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ إنما قال ذلك لأن الفلاسفة يسندون الحوادث إلى اختلاف الأشكال الكوكبية فما لم تقم الدلالة على دفع هذا السؤال لا يتم المقصود و دفعه بوجهين الأول أنه إن سلمنا جواز ذلك فلا بد من استناد

    الأفلاك و أوضاعها إلى واجب الوجود بالذات القادر الحكيم و الثاني ما يذكر في الآيات الآتية حيث قال وَ فِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ الآية و تقريره من وجهين الأول أنه حصل في الأرض قطع مختلفة بالطبيعة و هي مع ذلك متجاورة فبعضها تكون سبخة و بعضها حرة و بعضها صلبة و بعضها حجرية أو رملية و بعضها طينا لزجا ثم إنها متجاورة و تأثير الشمس و سائر الكواكب في تلك القطع على السوية و دل هذا على اختلافها في صفاتها بتقدير المقدر العليم. و الثاني أن القطعة الواحدة من الأرض تسقى بماء واحد يكون تأثير الشمس فيها متشابها ثم إن تلك الثمار تجي‏ء مختلفة في الطعم و اللون و الطبيعة و الخاصية حتى إنك قد تأخذ عنقودا من العنب و تكون جميع حباته حلوة نضيجة إلا الحبة الواحدة فإنها بقيت حامضة يابسة و نحن نعلم بالضرورة أن نسبة الطبائع و الأفلاك إلى الكل على السوية بل نقول هاهنا ما يعد أعجب منه و هو أنه يوجد في بعض أنواع الورد ما يكون أحد وجهيه في غاية الحمرة و الوجه الثاني في غاية السواد مع أن ذلك الورد في غاية الرقة و النعومة فيستحيل أن يقال وصل تأثير الشمس إلى أحد طرفيه دون الثاني و هذا يدل دلالة قطعية على أن الكل بتقدير الفاعل المختار لا بسبب الاتصالات الفلكية و هو المراد من قوله تعالى يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَ نُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ فبهذا تمت الحجة فإن هذه الحوادث السفلية لا بد لها من مؤثر و بينا أن ذلك المؤثر ليس هو الكواكب و الأفلاك و الطبائع فعند هذا يجب القطع بأنه لا بد من فاعل مختار آخر سوى هذه الأشياء فعند هذا يتم الدليل و لا يبقى بعده للتفكر مقام فلهذا قال هاهنا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ لأنه لا دافع لهذه الحجة إلا أن يقال إنها حدثت لا لمؤثر و لا يقوله عاقل و الجنة البستان الذي يحصل فيه النخل و الكرم و الزرع و الصنوان جمع صنو مثل قنوان و قنو و الصنو أن يكون الأصل واحدا و تنبت منه النخلتان و الثلاثة و أكثر فكل واحد صنو و عن ابن الأعرابي الصنو المثل أي متشابهة و غير متشابهة و عن الزجاج الأكل الثمر الذي

    يؤكل و عن غيره الأكل المهيأ للأكل. و اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مبتدأ و خبر وَ سَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ امتن على عباده بتسخير الفلك لأن انتفاع العباد يتوقف عليها لأنه تعالى خص كل طرف من أطراف الأرض بنوع آخر من النعمة حتى أن نعمة هذا الطرف إذا نقلت إلى الجانب الآخر من الأرض أو بالعكس كثر الربح في التجارات و لا يمكن هذا إلا بسفن البر و هي الجمال أو بسفن البحر و هي الفلك و نسبة التسخير إلى نفسه لأنه سبحانه خلق الأشجار الصلبة التي منها يمكن تركيب السفن و لو لا خلقه الحديد و سائر الآلات و لو لا تعريفه العباد كيف يتخذونه و لو لا أنه تعالى خلق الماء على صفة السلاسة التي باعتبارها يصح جري السفينة و لو لا خلقه تعالى الرياح و خلق الحركات القوية فيها و لو لا أنه وسع الأنهار و جعل لها من العمق ما يجوز جري السفن فيها لما وقع الانتفاع بالسفن فصار لأجل أنه تعالى هو الخالق لهذه الأحوال و هو المدبر لهذه الأمور و المسخر لها حسنت إضافته إليه و أضاف التسخير إلى أمره لأن الملك العظيم قل ما يوصف أنه فعل و إنما يقال فيه إنه أمر بكذا تعظيما لشأنه. وَ سَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ لما كان ماء البحر قل ما ينتفع في الزراعات لعمقه و ملوحته ذكر تعالى إنعامه على الخلق بتفجير الأنهار و العيون حتى ينبعث الماء منها إلى مواضع الزروع و النباتات و أيضا ماء البحر لا يصلح للشرب وَ آتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ قيل أي بلسان حالكم بحسب استعداداتكم و قابلياتكم وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها قال الرازي اعلم أن الإنسان إذا أراد أن يعرف أن الوقوف على أقسام نعم الله ممتنع فعليه أن يتأمل في شي‏ء واحد ليعرف عجز نفسه و نحن نذكر منه مثالين المثال الأول أن الأطباء ذكروا أن الأعصاب قسمان منها دماغية و منها   نخاعية أما الدماغية فإنها سبعة ثم أتعبوا أنفسهم في معرفة الحكم الناشئة من كل واحد من تلك الأرواح السبعة ثم مما لا شك فيه أن كل واحد من تلك الأرواح السبعة تنقسم إلى شعب كثيرة و كل واحد من تلك الشعب أيضا إلى شعب دقيقة أدق من الشعر و لكل واحد منها ممر إلى الأعضاء و لو أن شعبة واحدة اختلت إما بسبب الكمية و الكيفية أو بسبب الوضع لاختلت مصالح البنية ثم إن تلك الشعب الدقيقة تكون كثيرة العدد جدا و لكل واحد منها حكمة مخصوصة فإذا نظر الإنسان في هذا المعنى عرف أن لله بحسب كل شظية من تلك الشظايا العصبية على العبد نعمة عظيمة لو فاتت لعظم الضرر عليه و عرف قطعا أنه لا سبيل له إلى الوقوف عليها و الاطلاع على أحوالها و عند هذا يقطع بصحة قوله تعالى وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها و كما اعتبرت هذا في الشظايا العصبية فاعتبر مثله في الشرايين و الأوردة في كل واحد من الأعضاء البسيطة و المركبة بحسب الكمية و الكيفية و الوضع و الفعل و الانفعال و أقسام هذا الباب بحر لا يساحل و إذا اعتبرت هذا في بدن الإنسان الواحد فاعرف أقسام نعم الله تعالى في نفسه و في روحه فإن عجائب عالم الأرواح أكثر من عجائب عالم الأجساد ثم لما اعتبرت حال الحيوان الواحد فعند ذلك اعتبر أحوال عالم الأفلاك و الكواكب و طبقات العناصر و عجائب البر و البحر و النبات و الحيوان و عند هذا تعرف أن عقول جميع الخلائق لو ركبت و جعلت عقلا واحدا ثم بذلك العقل يتأمل الإنسان في عجائب حكمة الله تعالى في أقل الأشياء لما أدرك منها إلا القليل فسبحانه و تقدس عن أوهام المتوهمين. المثال الثاني أنه إذا أخذت اللقمة الواحدة لتضعها في الفم فانظر إلى ما قبلها و ما بعدها أما الأمور التي قبلها إن تلك اللقمة من الخبز لا تتم و لا تكمل إلا إذا كان هذا العالم بكليته قائما على الوجه الأصوب لأن الحنطة لا بد منها و إنها لا تنبت إلا بمعونة الفصول الأربعة و تركيب الطبائع و ظهور الأرياح و الأمطار و لا يحصل شي‏ء منها إلا بعد دوران الأفلاك و اتصال بعض الكواكب ببعض على وجوه مخصوصة

    في الحركات و في كيفيتها في الجهة و في السرعة و البطء ثم بعد تكون الحنطة لا بد من آلات الطحن و الخبز و هي لا تحصل إلا عند تولد الحديد في أرحام الجبال ثم إن الآلات الحديدية لا يمكن إصلاحها إلا بآلات أخرى حديدية سابقة عليها و لا بد من انتهائها إلى آلة حديدية هي أول هذه الآلات فتأمل أنها كيف تكونت على الأشكال المخصوصة ثم إذا حصلت تلك الآلات فانظر أنه لا بد من اجتماع العناصر الأربعة و هي الأرض و الماء و الهواء و النار حتى يمكن طبخ الخبز من ذلك الدقيق فهذا هو النظر في ما تقدم على هذه اللقمة. أما النظر في ما بعد حدوثها فتأمل في تركيب بدن الحيوان و هو أنه تعالى كيف خلق هذه الأبدان حتى يمكنها الانتفاع بتلك اللقمة و أنه كيف يتضرر الحيوان في الأكل و في أي الأعضاء تحدث تلك المضار و لا يمكنك أن تعرف القليل من هذه الأشياء إلا بمعرفة علم التشريح و علم الطب بالكلية فظهر بما ذكرنا أن الانتفاع باللقمة الواحدة لا يمكن معرفته إلا بمعرفة جملة هذه الأمور و العقول قاصرة عن إدراك ذرة من هذه المباحث فظهر بالبراهين الباهرة صحة قوله تعالى وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها انتهى كلامه. و أقول يمكن سلوك طريق آخر في ذلك أدق و أوسع مما ذكره بأن يقال بعد أن عرفت النعم التي على إنسان واحد كزيد مثلا من السماوات و الكواكب و العرش و الكرسي و جميع الأرضيات فإن لها جميعا مدخلا في وجوده و بقائه و نموه فنقول جميع هذه النعم متعلقة بعمرو أيضا لمدخليتها في وجوده و بقائه أيضا و كل هذه أيضا نعمة لزيد لتوقف وجود زيد و بقائه على وجود عمرو لكون الإنسان مدنيا بالنوع و كذا بالنسبة إلى بكر و خالد و كذا كل نعمة لله على كل حيوان من الحيوانات التي لها مدخل في نظام أحوال الإنسان فهي نعمة على زيد مرة   بذاته و مرة باعتبار كونها نعمة على كل واحد واحد من أفراد البشر لمدخلية وجودهم في وجوده و نظام أحواله فيضرب عدد تلك النعم في عدد الأشخاص و الحيوانات مرات لا تتناهى. ثم لما كان وجود زيد موقوفا على وجود أبويه فكل نعمة على كل من أبويه و على كل من كان في عصر أبويه نعمة عليه و كذا كل نعمة على والدي بكر و خالد نعمة عليه لتوقف وجوده و بقائه و نظام أحواله على وجود بكر و وجوده متوقف على وجود والديه و وجودهما و بقاؤهما و سائر أمورهما متوقفة على جميع النعم على أهل عصرهما فمن هذه الجهة أيضا جميعها نعمة عليه فيضرب جميع هذه الأعداد الغير المتناهية في جميع تلك الأعداد الغير المتناهية مرات غير متناهية ثم ننقل الكلام في كل عصر من الأعصار و آباء كل منهم إلى أن ينتهي إلى آدم و حواء ع و يضرب كل من تلك المراتب في ما حصل من المراتب السابقة و هذا حساب لا يحيط به علم البشر و لو اجتمع جميع المحاسبين من الثقلين و أرادوا استيفاء حساب مرتبة من هذه المراتب لا يقدرون عليه مع أن كل قطرة من قطرات البحار و كل ذرة من ذرات الجو و الأرض نعمة على كل شخص من الأشخاص فسبحان من لا يقدر على إحصاء شعبة واحدة من شعب نعمة الغير المتناهية إلا هو و له الحمد بعدد كل نعمة له علينا و على كل خلق من مخلوقاته. إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ يظلم النعمة بإغفال شكرها أو يظلم نفسه بأن يعرضها للحرمان كَفَّارٌ شديد الكفران و قيل ظلوم في الشدة يشكو و يجزع كفار في النعمة يجمع و يمنع. مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ مَوْزُونٍ قيل أي بميزان الحكمة و مقدر بقدر الحاجة و ذلك أن الوزن سبب معرفة المقدار فأطلق اسم السبب على المسبب و قيل أي له وزن و قدر في أبواب النعمة و المنفعة و قيل أراد أن مقاديرها من العناصر معلومة و كذا مقدار تأثير الشمس و الكواكب فيها و قيل أي متناسب محكوم عليه عند العقول السليمة بالحسن و اللطافة يقال كلام موزون أي متناسب و فلان موزون الحركات و قيل أراد ما يوزن من نحو الذهب و الفضة و النحاس و غيرها من الموزونات كأكثر الفواكه و النبات.

    وَ جَعَلْنا لَكُمْ فِيها أي في الأرض أو في الجبال أو في تلك الموزونات مَعايِشَ ما يتوصل به إلى المعيشة وَ مَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ عطف على محل لكم أو على معايش أي و جعلنا لكم من لستم له برازقين و أراد بهم العيال و المماليك و الخدم الذين رازقهم في الحقيقة هو الله وحده لا الآباء و السادات و المخاديم و يدخل فيه بحكم التغليب غير ذوي العقول من الأنعام و الدواب و الوحوش و الطير كقوله وَ ما مِنْ دَابَّةٍ... إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ الذي هو الغذاء الأصلي وَ الزَّيْتُونَ الذي هو فاكهة من وجه و غذاء من وجه لكثرة ما فيه من الدهن وَ النَّخِيلَ وَ الْأَعْنابَ اللتين هما أشرف الفواكه ثم أشار إلى سائر الثمرات بقوله وَ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ قال الزمخشري إنما لم يقل و كل الثمرات لأن كلها لا تكون إلا في الجنة و قيل قدم الغذاء الحيواني في قوله سبحانه وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْ‏ءٌ وَ مَنافِعُ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ على الغذاء النباتي لأن النعمة فيه أعظم لأنه أسرع تشبها ببدن الإنسان و في ذكر الغذاء النباتي قدم غذاء الحيوان و هو الشجر على غذاء الإنسان و هو الزرع و غيره بناء على مكارم الأخلاق و هو أن يكون اهتمام الإنسان بحال من تحت يده أكمل من اهتمامه بحال نفسه. وَ ما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ أي خلق فيها من حيوان و شجر و ثمر و غير ذلك مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ فإن ذرء هذه الأشياء على حاله اختلاف الألوان و الأشكال مع تساوي الكل في الطبيعة الجسمية و في تأثير الفلكيات فيها آية على وجود الصانع تعالى شأنه. رَواسِيَ أي جبالا ثوابت أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ أي كراهة أن تميد بكم و تضطرب وَ أَنْهاراً أي و جعل فيها أنهارا لأن ألقى فيه معناه وَ سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ لمقاصدكم أو إلى معرفة الله وَ عَلاماتٍ أي معالم تستدل بها السابلة من جبل و منهل و ريح و نحو ذلك وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ بالليل في البراري و البحار إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ حيث يتجاوز عن تقصيركم في أداء شكرها رَحِيمٌ لا يقطعها لتفريطكم فيه و لا يعاجلكم   بالعقوبة على كفرانها. إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها قيل ما على الأرض المواليد الثلاثة المعادن و النباتات و الحيوانات و أشرفها الإنسان و قيل لا يدخل المكلف فيه لأن ما على الأرض ليس زينة لها على الحقيقة و إنما هو لأهلها لغرض الابتلاء فالذي له الزينة يكون خارجا عن الزينة لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا في تعاطيه و هو من زهد فيه و لم يغتر به و قنع منه بالكفاف. لَهُ ما فِي السَّماواتِ قال الرازي مالك لما في السماوات من ملك و نجم و غيرهما و مالك لما في الأرض من المعادن و الفلزات و مالك لما بينهما من الهواء و مالك لما تحت الثرى فإن قيل الثرى هو السطح الأخير من العالم فلا يكون تحته شي‏ء فكيف يكون الله تعالى مالكا له قلنا الثرى في اللغة هو التراب الندي فيحتمل أن تكون تحته شي‏ء فهو إما الثور أو الحوت أو الصخرة أو البحر أو الهواء على اختلاف الروايات انتهى. و قال الطبرسي ره الثرى التراب الندي يعني و ما وارى الثرى من كل شي‏ء و قيل يعني ما في ضمن الأرض من الكنوز و الأموات. الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً أي كالمهد تتمهدونها وَ سَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا أي و حصل لكم فيها سبلا بين الجبال و الأودية و البراري تسلكونها من أرض إلى أرض لتبلغوا منافعها وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً أي مطرا فَأَخْرَجْنا بِهِ قيل عدل من لفظ الغيبة إلى التكلم على الحكاية لكلام الله تعالى تنبيها على ظهور ما فيه من الدلالة على كمال القدرة و الحكمة و إيذانا بأنه مطاع تنقاد الأشياء المختلفة بمشيته أَزْواجاً أي أصنافا مِنْ نَباتٍ بيان و صفة لأزواجا و كذلك الشتى و يحتمل أن يكون صفة للنبات فإنه من حيث إنه مصدر في الأصل يستوي فيه الواحد و الجمع و هو جمع شتيت كمريض و مرضى أي متفرقات في الصور و الأعراض و المنافع   يصلح بعضها للناس و بعضها للبهائم فلذلك قال كُلُوا وَ ارْعَوْا أَنْعامَكُمْ و هو حال من ضمير فَأَخْرَجْنا على إرادة القول أي أخرجنا أصناف النبات قائلين كُلُوا وَ ارْعَوْا أَنْعامَكُمْ و المعنى معديها لانتفاعكم بالأكل و العلف آذنين فيه لِأُولِي النُّهى أي لذوي العقول الناهية عن اتباع الباطل و ارتكاب القبائح جمع نهيه

 و عن الصادق عليه السلام نحن أولو النهى

 و عن الباقر ع قال قال رسول الله ص خياركم أولو النهى قيل يا رسول الله و من أولو النهى قال هم أولو الأخلاق الحسنة و الأحلام الرزينة و صلة الأرحام و البررة بالأمهات و الآباء و المتعاهدون للفقراء و الجيران و اليتامى و يطعمون الطعام و يفشون السلام في العالم و يصلون و الناس نيام غافلون

 مِنْها خَلَقْناكُمْ فإن التراب أصل خلقه أول آبائكم و أول مواد أبدانكم و سيأتي وجه آخر في الخبر إن شاء الله وَ فِيها نُعِيدُكُمْ بالموت و تفكيك الأجزاء وَ مِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى بتأليف أجزائكم المتفتتة المختلطة بالتراب على الصور السابقة و رد الأرواح فيها. وَ جَعَلْنا فِيها أي في الأرض أو في الرواسي فِجاجاً سُبُلًا مسالك واسعة و إنما قدم فِجاجاً و هو وصف له ليصير حالا يدل على أنه حين خلقها كذلك أو ليبدل منها سُبُلًا فيدل ضمنا على أنه خلقها و وسعها للسابلة مع ما يكون فيه من التأكيد لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ إلى مصالحهم. أَ وَ لَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ أي أ و لم ينظروا في عجائبها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ أي محمود كثير المنفعة و هو صفة لكل ما يحمد و يرضى قيل و هاهنا يحتمل أن تكون مقيدة لما يتضمن الدلالة على القدرة و أن تكون مبينة منبهة على أنه ما من نبت إلا و له فائدة إما وحده أو مع غيره و كل لإحاطة الأزواج و كم لكثرتها إِنَّ فِي ذلِكَ أي في إثبات تلك الأصناف أو في كل واحد لَآيَةً على أن منبتها تام القدرة و الحكمة سابغ النعمة و الرحمة.    أَ تُتْرَكُونَ إنكار لأن يتركوا كذلك أو تذكير بالنعمة في تخلية الله إياهم و أسباب تنعمهم آمنين ثم فسر بقوله فِي جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ وَ زُرُوعٍ وَ نَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ أي لطيف لين للطف التمر أو لأن النخل أنثى و طلع إناث النخل ألطف و هو يطلع منها كنصل السيف في جوفه شماريخ القنو أو متدل منكسر من كثرة الحمل فارِهِينَ أي حاذقين أو بطرين حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ أي ذات منظر حسن يبتهج به من رآه و لم يقل ذوات بهجة لأنه أراد تأنيث الجماعة و لو أراد تأنيث الأعيان لقال ذوات قَوْمٌ يَعْدِلُونَ أي يشركون بالله غيره قَراراً أي مستقرا لا تميل و لا تميد بأهلها وَ جَعَلَ خِلالَها أي في وسط الأرض و في مسالكها و نواحيها أَنْهاراً جارية ينبت بها الزرع و يحيي به الخلق وَ جَعَلَ لَها رَواسِيَ أي ثوابت أثبتت بها الأرض وَ جَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أي مانعا من قدرته بين العذب و المالح فلا يختلط أحدهما بالآخر مُخْتَلِفاً أَلْوانُها قيل أي أجناسها أو أوصافها على أن كلا منها لها أصناف مختلفة أو هيأتها من الصفرة و الخضرة و نحوهما وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ أي ذو جدد و خطوط و طرائق يقال جدة الحمار للخطة السوداء على ظهره مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها بالشدة و الضعف وَ غَرابِيبُ سُودٌ عطف على بيض أو على جدد كأنه قيل و من الجبال ذو جدد مختلف اللون و منها غرابيب متحدة اللون و هو تأكيد مضمر يفسره فإن الغربيب تأكيد للأسود و حق التأكيد أن يتبع المؤكد مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ أي كاختلاف الثمار و الجبال إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إذ شرط الخشية معرفة المخشي و العلم بصفاته و أفعاله فمن كان أعلم به كان أخشى منه إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ تعليل لوجوب الخشية لدلالته على أنه معاقب للمصر على طغيانه غفور للتائب عن عصيانه. وَ أَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا المراد جنس الحب فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ قيل قدم الصلة للدلالة على أن الحب معظم ما يؤكل و يعاش به مِنْ نَخِيلٍ وَ أَعْنابٍ أي من أنواع النخل و العنب مِنَ الْعُيُونِ أي شيئا من العيون و من مزيدة عند الأخفش مِنْ ثَمَرِهِ أي من ثمر ما ذكر و هو الجنات و قيل الضمير لله على طريقة الالتفات و

    الإضافة إليه لأن الثمر مخلوقة وَ ما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ عطف على الثمر و المراد ما يتخذ منه العصير و الدبس و نحوهما و قيل ما نافية و المراد أن الثمر بخلق الله لا بفعلهم أَ فَلا يَشْكُرُونَ أمر بالشكر من حيث إنه إنكار لتركه خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها أي الأنواع و الأصناف مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ من النبات و الشجر وَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ الذكر و الأنثى وَ مِمَّا لا يَعْلَمُونَ أي و أزواجا مما لم يطلعهم الله عليه و لم يجعل لهم طريقا إلى معرفته. تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً أي يابسة متطأمنة مستعار من الخشوع بمعنى التذلل اهْتَزَّتْ أي تحركت بالنبات وَ رَبَتْ أي انتفخت و ارتفعت قبل أن تنبت و قيل اهتزت بالنبات و ربت بكثرة ريعها وَ ما بَثَّ عطف على السماوات أو الخلق مِنْ دابَّةٍ قيل أي من حي على إطلاق اسم السبب على المسبب أو مما يدب على الأرض و ما يكون في أحد الشيئين يصدق أنه فيهما في الجملة إِذا يَشاءُ أي في أي وقت يشاء قَدِيرٌ متمكن منه. وَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً بأن خلقها نافعة لكم مِنْهُ حال من ما أي سخر هذه الأشياء كائنة منه أو خبر لمحذوف أي هي جميعا منه أو لما في السماوات و سَخَّرَ لَكُمْ تكرير للتأكيد أو لما في الأرض مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ أي من كل صنف حسن لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ أي راجع إلى ربه متفكر في بدائع صنعه. وَ الْأَرْضَ فَرَشْناها أي مهدناها ليستقروا عليها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ أي نحن وَ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ أي نوعين لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فتعلموا أن التعدد من خواص الممكنات و أن الواجب بالذات لا يقبل الانقسام و التعدد

 و روي عن الرضا عليه السلام في خطبة طويلة قد تقدم في كتاب التوحيد مشروحا و بمضادته بين الأشياء عرف أن لا ضد له و بمقارنته بين الأشياء عرف أن لا قرين له ضاد النور بالظلمة و اليبس بالبلل و الخشن باللين و الصرد بالحرور مؤلفا بين متعادياتها مفرقا بين متدانياتها دالة بتفريقها على مفرقها و بتأليفها على مؤلفها و ذلك قوله وَ مِنْ كُلِّ   شَيْ‏ءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ

 وَ الْأَرْضَ وَضَعَها أي حفظها مدحوة لِلْأَنامِ للخلق و قيل الأنام كل ذي روح فِيها فاكِهَةٌ أي ضروب مما يتفكه به وَ النَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ هي أوعية التمر جمع كم أو كل ما يكم أي يغطى من ليف و سعف و كفرى فإنه ينتفع به كالمكموم و كالجذع وَ الْحَبُّ كالحنطة و الشعير سائر ما يتغذى به ذُو الْعَصْفِ هو ورق النبات اليابس كالتين وَ الرَّيْحانُ يعني المشموم أو الرزق من قولهم خرجت أطلب ريحان الله

 و عن الرضا ع وَ الْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ قال للناس فِيها فاكِهَةٌ وَ النَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ قال يكبر ثمر النخل في القمع ثم يطلع منه قوله وَ الْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَ الرَّيْحانُ قال الحب الحنطة و الشعير و الحبوب و العصف التين و الريحان ما يؤكل منه

 فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ المخاطبة للثقلين

 و في الحديث أنه في الباطن مخاطبة للأولين و المعنى فبأي النعمتين تكفران بمحمد أم بعلي و في خبر آخر بالنبي أم بالوصي

 وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ قال الطبرسي ره و في الأرض خلق مثلهن في العدد لا في الكيفية لأن كيفية السماء مخالفة لكيفية الأرض و ليس في القرآن آية تدل على أن الأرضين سبع مثل السماوات إلا هذه الآية و لا خلاف في السماوات أنها سماء فوق سماء و أما الأرضون فقال قوم إنها سبع أرضين طباقا بعضها فوق بعض كالسماوات لأنها لو كانت مصمتة لكانت أرضا واحدة و في كل أرض خلق خلقهم الله تعالى كيف شاء و روى أبو صالح عن ابن عباس أنها سبع أرضين ليس بعضها فوق بعض تفرق بينهن البحار و تظل جميعهن السماء و الله سبحانه أعلم بصحة ما استأثر بعلمه و اشتبه على خلقه

 و قد روى العياشي بإسناده عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن ع قال بسط كفيه ثم وضع اليمنى عليها فقال هذه الأرض الدنيا و السماء   الدنيا عليها قبة و الأرض الثانية فوق سماء الدنيا السماء الثانية فوقها قبة و الأرض الثالثة فوق السماء الثانية و السماء الثالثة فوقها قبة حتى ذكر الرابعة و الخامسة و السادسة فقال و الأرض السابعة فوق السماء السادسة و السماء السابعة فوقها قبة و عرش الرحمن فوق السماء السابعة و هو قوله سَبْعَ سَماواتٍ وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ و إنما صاحب الأمر النبي ص و هو على وجه الأرض و إنما ينزل الأمر من فوق من بين السموات و الأرضين

فعلى هذا يكون المعنى تتنزل الملائكة بأوامره إلى الأنبياء و قيل معناه ينزل الأمر بين السماوات و الأرضين من الله سبحانه بحياة بعض و موت بعض و سلامة حي و هلاك آخر و غنى إنسان و فقر آخر و تصريف الأمور على الحكمة انتهى. و قال الرازي قال الكلبي خلق سبع سماوات بعضها فوق بعض مثل القبة وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ في كونها طبقات متلاصقة كما هو المشهور أن الأرض ثلاث طبقات طبقة أرضية محضة و طبقة طينية و هي غير محضة و طبقة منكشفة بعضها في البر و بعضها في البحر و هي المعمورة و لا يبعد من قوله وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ كونها سبعة أقاليم على سبع سماوات و سبعة كواكب فيها و هي السيارة فإن لكل واحد من هذه الكواكب خواص تظهر آثار تلك الخواص في كل أقاليم الأرض فتصير سبعة بهذا الاعتبار فهذه هي الوجوه التي لا يأباها العقل و ما عداها من الوجوه المنقولة من أهل التفسير فمما يأباه العقل مثل ما يقال السماوات السبع أولها موج مكفوف و ثانيها سخر و ثالثها حديد و رابعها نحاس و خامسها فضة و سادسها ذهب و سابعها ياقوت و قول من قال بين كل واحدة منها و بين الأخرى مائة عام و غلظ   كل واحد منها كذلك فذلك غير معتبر عند أهل التحقيق و يمكن أن يكون أكثر من ذلك و الله أعلم بأنه ما هو و كيف هو انتهى. و أقول و قد مر بعض الوجوه في الأرضين السبع في باب الهواء. لِتَعْلَمُوا علة الخلق أو يتنزل أو يعمها فإن كلا منهما يدل على كمال قدرته و علمه. ذَلُولًا قيل أي لينة فسهل لكم السلوك فيها فَامْشُوا فِي مَناكِبِها أي في جوانبها و جبالها و هو مثل لفرط التذليل فإن منكب البعير ينبو عن أن يطأه الراكب و لا يتذلل له فإذا جعل الأرض في الذل بحيث يمشي في مناكبها لم يبق شي‏ء لم يتذلل وَ كُلُوا مِنْ رِزْقِهِ أي و التمسوا من نعم الله وَ إِلَيْهِ النُّشُورُ أي المرجع فيسألكم عن شكر ما أنعم عليكم بِساطاً أي مبسوطة ليمكنكم المشي عليها و الاستقرار فيها سُبُلًا فِجاجاً أي طرقا واسعة و قيل طرقا مختلفة عن ابن عباس و قيل سبلا في الصحاري و فجاجا في الجبال. كِفاتاً قال الطبرسي ره كفت الشي‏ء يكفته كفتا و كفاتا إذا ضمه و منه الحديث اكفتوا صبيانك أي ضموهم إلى أنفسكم و يقال للوعاء كفت و كفيت قال أبو عبيد كفاتا أي أوعية و المعنى جعلنا الأرض كفاتا للعباد تكفتهم أحياء على ظهرها في دورهم و منازلهم و تكفتهم أمواتا في بطنها أي تحوزهم و تضمهم

 و روي عن أمير المؤمنين ع أنه نظر إلى الجبانة فقال هذه كفات الأموات ثم نظر إلى البيوت فقال هذه كفات الأحياء

و قوله أَحْياءً وَ أَمْواتاً أي منها ما ينبت و منها ما لا ينبت فعلى هذا يكون أحياء و أمواتا نصبا على الحال و على القول الأول على المفعول به رَواسِيَ شامِخاتٍ أي جبالا ثابتة عالية وَ أَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً أي   و جعلنا لكم سقيا من الماء العذب عن ابن عباس وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ بهذه النعم و أنها من جهة الله. مِهاداً أي وطاء و قرارا و مهيأ للتصرف فيه من غير أذية و المصدر بمعنى المفعول أو الحمل على المبالغة أو المعنى ذات مهاد وَ خَلَقْناكُمْ أَزْواجاً أي أشكالا كل واحد شكل للآخر أو ذكرانا و إناثا حتى يصح منكم التناسل و يتمتع بعضكم ببعض أو أصنافا أبيض و أسود و صغيرا و كبيرا إلى غير ذلك وَ جَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً أي راحة و دعة لأجسادكم أو قطعا لأعمالكم و تصرفكم أي سباتا ليس بموت على الحقيقة و لا مخرج عن الحياة و الإدراك وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً أي غطاء و سترة يستر كل شي‏ء بظلمته و سواده وَ جَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً أي مطلب معاش أو وقت معاشكم وَ بَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً أي سبع سماوات محكمة أحكمنا صنعها و أوثقنا بناءها وَ جَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً يعني الشمس جعلها سبحانه سراجا للعالم وقادا متلألئا بالنور يستضيئون بها و قيل الوهج مجمع النور و الحر وَ أَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ أي من الرياح ذات الأعاصير و ذلك أن الريح يستدر المطر و قيل المعصرات السحائب إذا أعصرت أي شارفت أن تعصرها الرياح فتمطر كقولهم أحصد الزرع أي حان له أن يحصد ماءً ثَجَّاجاً أي منصبا بكثرة لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَ نَباتاً فالحب كل ما تضمنه كمام الزرع الذي يحصد و النبات الكلا من الحشيش و الزروع و نحوها قيل حبا يأكله الناس و نباتا تنبته الأرض مما تأكله الأنعام وَ جَنَّاتٍ أَلْفافاً أي بساتين ملتفة بالشجر أو بعضها ببعض و إنما سميت جنة لأن الشجر تجنها أي تسترها. ذاتِ الصَّدْعِ أي ما يتصدع عنه الأرض من النبات أو الشق بالنبات و العيون. أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ خلقا دالا على كمال قدرته و حسن   تدبيره حيث خلقها لجر الثقال إلى البلاد النائية فجعلها عظيمة باركة للحمل ناهضة به منقادة لمن اقتادها طوال الأعنان لتنوء بالأوقار ترعى كل نابت و تحمل العطش إلى عشر فصاعدا ليتأتى لها قطع البراري و المفاوز مع ما لها من منافع أخر فلذا خصت بالذكر و لأنها أعجب ما عند العرب من هذا النوع و قيل المراد بها السحاب على الاستعارة وَ إِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ بلا عمد وَ إِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ فهي راسخة لا تميل وَ إِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ أي بسطت حتى صارت مهادا وَ ما طَحاها أي و من طحيها أو مصدرية و طحوها تسطيحها و بسطها

1-  الاحتجاج، عن هشام بن الحكم قال سأل الزنديق في ما سأل أبا عبد الله عليه السلام فقال النهار قبل الليل فقال نعم خلق النهار قبل الليل و الشمس قبل القمر و الأرض قبل السماء و وضع الأرض على الحوت و الحوت في الماء و الماء في صخرة مجوفة و الصخرة على عاتق ملك و الملك على الثرى و الثرى على الريح و الريح على الهواء و الهواء تمسكه القدرة و ليس تحت الريح العقيم إلا الهواء و الظلمات و لا وراء ذلك سعة و لا ضيق و لا شي‏ء يتوهم ثم خلق الكرسي فحشاه السماوات و الأرض و الكرسي أكبر من كل شي‏ء خلق ثم خلق العرش فجعله أكبر من الكرسي

2-  تفسير علي بن إبراهيم، عن أبيه عن علي بن مهزيار عن علا المكفوف عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله ع قال سئل عن الأرض على أي شي‏ء هي قال الحوت فقيل له فالحوت على أي شي‏ء هو قال على الماء فقيل له فالماء على أي شي‏ء هو قال على الثرى قيل له فالثرى على أي شي‏ء هو قال عند ذلك انقضى علم العلماء

    -3  و منه، عن محمد بن أبي عبد الله عن سهل بن زياد عن ابن محبوب عن جميل بن صالح عن أبان بن تغلب قال سألت أبا عبد الله ع عن الأرض على أي شي‏ء هي قال على الحوت قلت فالحوت على أي شي‏ء هو قال على الماء قلت فالماء على أي شي‏ء هو قال على الصخرة قلت فالصخرة على أي شي‏ء هي قال على قرن ثور أملس قلت فعلى أي شي‏ء الثور قال على الثرى قلت فعلى أي شي‏ء الثرى فقال هيهات عند ذلك ضل علم العلماء

 الكافي، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب مثله بيان الأملس الصحيح الظهر و لعل المراد هنا أنه لم يلحقه من هذا الحمل دبر و جراحة في ظهره و في القاموس الثرى الندى و التراب الندي أو الذي إذا بل لم يصر طينا و الخير انتهى ضل علم العلماء أي غير المعصومين أو المراد بالعلماء هم و المعنى أنهم أمروا بكتمانه عن سائر الخلق فكأنه ضل علمهم عن الخلق و قد يقال المراد بالثرى هنا الخير الكامل يعني القدرة فإن استقرار جميع الأشياء على قدرة الله تعالى و قيل المراد بالثرى هنا ما هو منتهى الموجودات و لما كان تعقل النفي الصرف صعبا على الأفهام قال عند ذلك ضل علم العلماء لألف الناس بالأبعاد القارة و جسم خلف جسم و لذا ذهب بعض المتكلمين إلى أبعاد موهومة غير متناهية و قالوا بالخلاء

4-  التفسير، عن أبيه عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا ع قال قلت أخبرني عن قول الله وَ السَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ فقال هي محبوكة إلى الأرض و شبك بين أصابعه فقلت كيف تكون محبوكة إلى الأرض و الله يقول رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها فقال سبحان الله أ ليس يقول بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها قلت بلى فقال فثم عمد و لكن لا ترونها قلت كيف ذلك جعلني الله فداك قال فبسط   كفه اليسرى ثم وضع اليمنى عليها فقال هذه أرض الدنيا و السماء الدنيا عليها فوقها قبة و الأرض الثانية فوق السماء الدنيا و السماء الثانية فوقها قبة و الأرض الثالثة فوق السماء الثانية و السماء الثالثة فوقها قبة و الأرض الرابعة فوق السماء الثالثة و السماء الرابعة فوقها قبة و الأرض الخامسة فوق السماء الرابعة و السماء الخامسة فوقها قبة و الأرض السادسة فوق السماء الخامسة و السماء السادسة فوقها قبة و الأرض السابعة فوق السماء السادسة و السماء السابعة فوقها قبة و عرش الرحمن تبارك و تعالى فوق السماء السابعة و هو قول الله الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ فأما صاحب الأمر فهو رسول الله ص و الوصي بعد رسول الله ص قائم هو على وجه الأرض فإنما ينزل الأمر إليه من فوق السماء من بين السماوات و الأرضين قلت فما تحتنا إلا أرض واحدة فقال ما تحتنا إلا أرض واحدة و إن الست لهن فوقنا

 العياشي، عن الحسين بن خالد مثله بيان قال الفيروزآبادي الْحُبُكِ الشد و الإحكام و تحسين أثر الصنعة في الثوب يحبكه و يحبكه فهو حبيك و محبوك و الحبك من السماء طرائق النجوم و التحبيك التوثيق و التخطيط انتهى فالمراد بكونها محبوكة أنها متصلة بالأرض معتمدة عليها و أن كل سماء على كل أرض كالقبة الموضوعة عليها و لما كان هذا ظاهرا مخالفا للحس و العيان فيمكن تأويله بوجهين أولهما و هو أقربهما و أوفقهما للشواهد العقلية أن يكون المراد بالأرض ما سوى السماء من العناصر و يكون المراد نفي توهم أن بين السماء و الأرض خلا بل هو مملو من سائر العناصر و المراد بالأرضين السبع هذه الأرض و ستة من السماوات التي فوقنا فإن الأرض ما يستقر عليه   الحيوانات و سائر الأشياء و السماء ما يظلهم و يكون فوقهم فسطح هذه الأرض أرض لنا و السماء الأولى سماء لنا تظلنا و السطح المحدب للسماء الأولى أرض للملائكة المستقرين عليها و السماء الثانية سماء لهم و هكذا محدب كل سماء أرض لما فوقها و مقعر السماء الذي فوقها سماء بالنسبة إليها إلى السماء السابعة فإنها سماء و ليست بأرض و الأرض التي نحن عليها أرض و ليست بسماء و السماوات الستة الباقية كل منها سماء من جهة و أرض من جهة و ثانيهما أن يكون المعنى أن السماوات سبع كرات في جوف كل سماء أرض و ليست السماوات بعضها في جوف بعض كما هو المشهور بل بعضها فوق بعض معتمدا بعضها على بعض فالمراد بقوله إلى الأرض أي مع الأرض أو إلى أن ينتهي إلى هذه الأرض التي نحن عليها قوله ع فأما صاحب الأمر أي الذي ينزل هذا الأمر إليه

5-  العيون، و العلل، في خبر الشامي أنه سأل أمير المؤمنين ع عن الأرض مم خلق قال من زبد الماء

6-  العياشي، عن الخطاب الأعور رفعه إلى أهل العلم و الفقه من آل محمد عليهم السلام قال وَ فِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ يعني هذه الأرض الطيبة يجاورها هذه المالحة و ليست منها كما يجاور القوم القوم و ليسوا منهم

7-  الاختصاص، عن ابن عباس سأل ابن سلام النبي ص ما الستون قال الأرض لها ستون عرقا و الناس خلقوا على ستين لونا

8-  معاني الأخبار، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن القاسم بن محمد الأصبهاني عن سليمان بن داود المنقري عن حماد بن عيسى عن أبي عبد الله ع أنه نظر إلى المقابر فقال يا حماد هذه كفات الأموات و نظر إلى البيوت فقال هذه كفات الأحياء ثم تلا أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَ أَمْواتاً و روي أنه دفن الشعر و الظفر

    بيان لعل المعنى أن دفن الشعر و الظفر في الأرض لما كان مستحبا فهذا أيضا داخل في كفات الأحياء أو في كفات الأموات لعدم حلول الحياة فيهما و الأول أظهر

9-  العيون، عن المفسر بإسناده إلى أبي محمد العسكري عن آبائه عن علي بن الحسين ع في قوله عز و جل الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَ السَّماءَ بِناءً قال جعلها ملائمة لطبائعكم موافقة لأجسادكم و لم يجعلها شديدة الحمى و الحرارة فتحرقكم و لا شديدة البرودة فتجمدكم و لا شديدة طيب الريح فتصدع هاماتكم و لا شديدة النتن فتعطبكم و لا شديدة اللين كالماء فتغرقكم و لا شديدة الصلابة فتمتنع عليكم في دوركم و أبنيتكم و قبور موتاكم و لكنه عز و جل جعل فيها من المتانة ما تنتفعون به و تتماسك عليها أبدانكم و بنيانكم و جعل فيها ما تنقاد به لدوركم و قبوركم و كثير من منافعكم فذلك جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً ثم قال وَ السَّماءَ بِناءً سقفا محفوظا من فوقكم يدير فيها شمسها و قمرها و نجومها لمنافعكم ثم قال عز و جل وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً يعني المطر ينزله من علي ليبلغ قلل جبالكم و تلالكم و هضابكم و أوهادكم ثم فرقه رذاذا و وابلا و هطلا و طلا لتنشفه أرضوكم و لم يجعل ذلك المطر نازلا عليكم قطعة واحدة فيفسد أرضيكم و أشجاركم و زروعكم و ثماركم ثم قال عز و جل فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ يعني مما يخرجه من الأرض رزقا لكم فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً أي أشباها و أمثالا من الأصنام التي لا تعقل و لا تسمع و لا تبصر و لا تقدر على شي‏ء وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أنها لا تقدر على شي‏ء من هذه النعم الجليلة التي أنعمها عليكم ربكم تبارك و تعالى

 الاحتجاج، بالإسناد إلى أبي محمد ع مثله    تفسير الإمام، ع مثله بيان فتصدع على بناء التفعيل من الصداع و أعطبه أهلكه و الرذاذ كسحاب المطر الضعيف أو الساكن الدائم الصغار القطر كالغبار و الوابل المطر الشديد الضخم و الهطل المطر الضعيف الدائم و الطل المطر الضعيف أو أخف المطر و أضعفه و الندى أو فوقه و دون المطر كل ذلك ذكره الفيروزآبادي

10-  التوحيد، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن إبراهيم بن هاشم و غيره عن خلف بن حماد عن الحسن بن زيد الهاشمي عن أبي عبد الله ع قال جاءت زينب العطارة الحولاء إلى نساء رسول الله ص و بناته و كانت تبيع منهن العطر فدخل رسول الله ص و هي عندهن فقال إذا أتيتنا طابت بيوتنا فقالت بيوتك بريحك أطيب يا رسول الله فقال إذا بعت فاحشي و لا تغشي فإنه أتقى و أبقى للمال فقالت ما جئت لشي‏ء من بيعي و إنما جئتك أسألك عن عظمة الله قال جل جلاله سأحدثك عن بعض ذلك ثم قال إن هذه الأرض بمن فيها و من عليها عند التي تحتها كحلقة ملقاة في فلاة قي و هاتان و من فيهما و من عليهما عند التي تحتهما كحلقة في فلاة قي و الثالثة حتى انتهى إلى السابعة ثم تلا هذه الآية خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ و السبع و من فيهن و من عليهن على ظهر الديك كحلقة في فلاة قي و الديك له جناح بالمشرق و جناح بالمغرب و رجلاه في التخوم و السبع و الديك بمن فيه و من عليه على الصخرة كحلقة في فلاة قي و السبع و الديك و الصخرة بمن فيها و من عليها على ظهر الحوت كحلقة في فلاة قي و السبع و الديك و الصخرة و الحوت عند البحر المظلم كحلقة في فلاة   قي و السبع و الديك و الصخرة و الحوت و البحر المظلم عند الهواء كحلقة في فلاة قي و السبع و الديك و الصخرة و الحوت و البحر المظلم و الهواء عند الثرى كحلقة في فلاة قي ثم تلا هذه الآية لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما وَ ما تَحْتَ الثَّرى ثم انقطع الخبر و السبع و الديك و الصخرة و الحوت و البحر المظلم و الهواء و الثرى بمن فيه و من عليه عند السماء الأولى كحلقة في فلاة قي و هذا و السماء الدنيا و من فيها و من عليها عند التي فوقها كحلقة في فلاة قي و هذا و هاتان السماوان عند الثالثة كحلقة في فلاة قي و هذا و هذه الثلاث عند الرابعة بمن فيهن و من عليهن كحلقة في فلاة قي حتى انتهى إلى السابعة و هذه السبع و من فيهن و من عليهن عند البحر المكفوف عن أهل الأرض كحلقة في فلاة قي و السبع و البحر المكفوف عند جبال البرد كحلقة في فلاة قي ثم تلا هذه الآية وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ و هذه السبع و البحر المكفوف و جبال البرد عند حجب النور كحلقة في فلاة قي و هو سبعون ألف حجاب يذهب نورها بالأبصار و هذا و السبع و البحر المكفوف و جبال البرد و الهواء و الحجب عند الهواء الذي تحار فيه القلوب كحلقة في فلاة قي و السبع و البحر المكفوف و جبال البرد و الهواء و الحجب في الكرسي كحلقة في فلاة قي ثم تلا هذه الآية وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ لا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ و هذه السبع و البحر المكفوف و جبال البرد و الهواء و الحجب و الكرسي عند العرش كحلقة في فلاة قي   ثم تلا هذه الآية الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ما تحمله الأملاك إلا بقول لا إله إلا الله و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم

 الكافي، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن صفوان عن خلف بن حماد مثله بيان فإنه أتقى أي أقرب إلى التقوى و أنسب بها أو احفظ لصاحبه عن مفاسد الدنيا الآخرة و قال الجوهري الفلاة المفازة و قال القي بالكسر و التشديد فعل من القواء و هي الأرض القفر الخالية و قال التخم منتهى كل قرية أو أرض يقال فلان على تخم من الأرض و الجمع تخوم قوله ع ثم انقطع الخبر و في الكافي عند الثرى و المعنى أنا لم نخبر به أو لم نؤمر بالإخبار به قوله المكفوف عن أهل الأرض أي ممنوع عنهم لا ينزل منه ماء إليهم و في الكافي بعد قوله مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ هكذا و هذه السبع و البحر المكفوف و جبال البرد عند الهواء الذي تحار فيه القلوب كحلقة في فلاة قي و هذه السبع و البحر المكفوف و جبال البرد و الهواء عند حجب النور كحلقة في فلاة قي و هذه السبع و البحر المكفوف و جبال البرد و الهواء عند حجب النور كحلقة في فلاة قي و هذه السبع و البحر المكفوف و جبال البرد و الهواء و حجب النور عند الكرسي إلى قوله و تلا هذه الآية الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ثم قال و في رواية الحسن الحجب قبل الهواء الذي تحار فيه القلوب أي كانت الرواية في كتاب الحسن بن محبوب هكذا موافقا لما نقله الصدوق. ثم اعلم أن الخبر يدل على أن الأرضين طبقات بعضها فوق بعض و قد يستشكل فيما اشتمل عليه هذا الخبر من أن الأرضين السبع و الديك و الصخرة و الحوت و البحر المظلم و الهواء و الثرى عند السماء الأولى كحلقة في فلاة قي فيدل على أن جميع ذلك ليس لها قدر محسوس عند فلك القمر مع أن الأرض وحدها لها قدر محسوس   عنده بدلالة الخسوف و اختلاف المنظر و غير ذلك مما علم في الأبعاد و الأجرام و قد يجاب عن ذلك بأنه لما لم يمكن أن تحمل النسب التي ذكرت بين هذه الموجودات في هذا الحديث على النسب المقدارية التي اعتبر مثلها بين الحلقة و الفلاة اللتين هما المشبه بهما في جميع المراتب فإنه خلاف ما دل عليه العقول الصحيحة السليمة بعد التأمل في البراهين الهندسية و الحسابية التي لا يحوم حولها الشك أصلا و لا تعتريها الشبهة قطعا فيمكن أن يأول و يحمل على أن المعنى أن نسبة الحكم و المصالح المرعية في خلق كل من تلك المراتب إلى ما روعي فيما ذكر بعده كنسبة مقدار الحلقة إلى الفلاة ليدل على أن ما يمكننا أن نشاهد أو ندرك من آثار صنعه و عجائب حكمته في الشواهد ليس له نسبة محسوسة إلى أدنى ما هو محجوب عنا فكيف إلى ما فوقه و أجاب آخرون بأن المعنى ارتفاع ثقل كل من تلك الموجودات عما اتصل به فالطبقة الأولى من الأرض رفع الله ثقلها عن الطبقة الثانية فليس ثقلها عليها إلا كثقل حلقة على فلاة سواء كانت أكبر منها حجما أو أصغر و أقول على ما احتملنا سابقا من كون جميع الأفلاك أجزاء من السماء الدنيا داخلة فيها كما هو ظاهر الآية الكريمة يمكن حمل هذا التشبيه على ظاهره من غير تأويل و الله يعلم حقائق الموجودات

11-  توحيد المفضل، قال قال الصادق ع فكر يا مفضل فيما خلق الله عز و جل عليه هذه الجواهر الأربعة ليتسع ما يحتاج إليه منها فمن ذلك سعة هذه الأرض و امتدادها فلو لا ذلك كيف كانت تتسع لمساكن الناس و مزارعهم و مراعيهم و منابت أخشابهم و أحطابهم و العقاقير العظيمة و المعادن الجسيمة غناؤها و لعل من ينكر هذه الفلوات الخالية و القفار الموحشة يقول ما المنفعة فيها فهي مأوى هذه الوحوش و محالها و مرعاها ثم فيها بعد متنفس و مضطرب للناس إذا احتاجوا إلى الاستبدال بأوطانهم و كم بيداء و كم فدفد حالت قصورا و جنانا بانتقال الناس إليها و حلولهم فيها و لو لا سعة الأرض و فسحتها لكان الناس كمن هو في حصار ضيق لا يجد   مندوحة عن وطنه إذا أحزنه أمر يضطره إلى الانتقال عنه ثم فكر في خلق هذه الأرض على ما هي عليه حين خلقت راتبة راكنة فيكون موطنا مستقرا للأشياء فيتمكن الناس من السعي عليها في مآربهم و الجلوس عليها لراحتهم و النوم لهدوئهم و الإتقان لأعمالهم فإنها لو كانت رجراجة متكفئة لم يكونوا يستطيعون أن يتقنوا البناء و التجارة و الصناعة و ما أشبه ذلك بل كانوا لا يتهنئون بالعيش و الأرض ترتج من تحتهم و اعتبر ذلك بما يصيب الناس حين الزلازل على قلة مكثها حتى يصيروا إلى ترك منازلهم و الهرب عنها فإن قال قائل فلم صارت هذه الأرض تزلزل قيل له إن الزلزلة و ما أشبهها موعظة و ترهيب يرهب بها الناس ليرعوا عن المعاصي و كذلك ما ينزل بهم من البلاء في أبدانهم و أموالهم يجري في التدبير على ما فيه صلاحهم و استقامتهم و يدخر لهم إن صلحوا من الثواب و العوض في الآخرة ما لا يعدله شي‏ء من أمور الدنيا و ربما عجل ذلك في الدنيا إذا كان ذلك في الدنيا صلاحا للعامة و الخاصة ثم إن الأرض في طباعها الذي طبعها الله عليه باردة يابسة و كذلك الحجارة و إنما الفرق بينها و بين الحجارة فضل يبس في الحجارة أ فرأيت لو أن اليبس أفرط على الأرض قليلا حتى تكون حجرا صلدا أ كانت تنبت هذا النبات الذي به حياة الحيوان و كان يمكن بها حرث أو بناء أ فلا ترى كيف نقصت عن يبس الحجارة و جعلت على ما هي عليه من اللين و الرخاوة و ليتهيأ للاعتماد و من تدبير الحكيم جل و علا في خلقه الأرض أن مهب الشمال أرفع من مهب الجنوب فلم يجعل الله عز و جل كذلك إلا لتنحدر المياه على وجه الأرض فتسقيها و ترويها ثم يفيض آخر ذلك إلى البحر فكما يرفع أحد جانبي السطح و يخفض الآخر لينحدر الماء عنه و لا تقوم عليه كذلك جعل مهب الشمال أرفع من مهب الجنوب لهذه العلة بعينها و لو لا ذلك لبقي الماء متحيرا على وجه الأرض فكان يمنع الناس من أعمالها و يقطع الطرق و المسالك ثم الماء لو لا كثرته و تدفقه في العيون و الأودية و الأنهار لضاق عما يحتاج الناس

   إليه لشربهم و شرب أنعامهم و مواشيهم و سقي زروعهم و أشجارهم و أصناف غلاتهم و شرب ما يرده من الوحوش و الطير و السباع و تتقلب فيه الحيتان و دواب الماء و فيه منافع أخر أنت بها عارف و عن عظم موقعها غافل فإنه سوى الأمر الجليل المعروف من غنائه في إحياء جميع ما على الأرض من الحيوان و النبات يمزج بالأشربة فتلين و تطيب لشاربها و به تنظف الأبدان و الأمتعة من الدرن الذي يغشاها و به يبل التراب فيصلح للاعتمال و به نكف عادية النار إذا اضطرمت و أشرف الناس على المكروه و به يستحم المتعب الكال فيجد الراحة من أوصابه إلى أشباه هذا من المآرب التي تعرف عظم موقعها في وقت الحاجة إليها فإن شككت في منفعة هذا الماء الكثير المتراكم في البحار و قلت ما الإرب فيه فاعلم أنه مكتنف و مضطرب ما لا يحصى من أصناف السمك و دواب البحر و معدن اللؤلؤ و الياقوت و العنبر و أصناف شتى تستخرج من البحر و في سواحله منابت العود اليلنجوج و ضروب من الطيب و العقاقير ثم هو بعد مركب الناس و محمل لهذه التجارات التي تجلب من البلدان البعيدة كمثل ما يجلب من الصين إلى العراق و من العراق إلى العراق فإن هذه التجارات لو لم يكن لها محمل إلا على الظهر لبارت و بقيت في بلدانها و أيدي أهلها لأن أجر حملها كان يجاوز أثمانها فلا يتعرض أحد لحملها و كان يجتمع في ذلك أمران أحدهما فقد أشياء كثيرة تعظم الحاجة إليها و الآخر انقطاع معاش من يحملها و يتعيش بفضلها و هكذا الهواء لو لا كثرته و سعته لاختنق هذا الأنام من الدخان و البخار التي يتحير فيه و يعجز عما يحول إلى السحاب و الضباب أولا أولا و قد تقدم من صفته ما فيه كفاية و النار أيضا كذلك فإنها لو كانت مبثوثة كالنسيم و الماء كانت تحرق العالم و ما فيه و لم يكن بد من ظهورها في الأحايين لغنائها في كثير من المصالح فجعلت كالمخزونة في الأخشاب تلتمس عند الحاجة إليها و تمسك بالمادة و الحطب ما احتيج إلى بقائها لئلا تخبوا فلا هي تمسك بالمادة و الحطب فتعظم المئونة في ذلك و لا هي تظهر مبثوثة فتحرق كلما هي فيه بل هي على تهيئة و تقدير اجتمع فيها الاستمتاع بمنافعها   و السلامة من ضررها ثم فيها خلة أخرى و هي أنها مما خص به الإنسان دون جميع الحيوان لما له فيها من المصلحة فإنه لو فقد النار لعظم ما يدخل عليه من الضرر في معاشه فأما البهائم فلا تستعمل النار و لا تستمتع بها و لما قدر الله عز و جل أن يكون هذا هكذا خلق للإنسان كفا و أصابع مهيأة لقدح النار و استعمالها و لم يعط البهائم مثل ذلك لكنها أغنيت بالصبر على الجفاء و الخلل في المعاش لكيلا ينالها في فقد النار ما ينال الإنسان و أنبئك من منافع النار على خلة صغيرة عظيم موقعها و هي هذا المصباح الذي يتخذه الناس فيقضون به حوائجهم ما شاءوا من ليلهم و لو لا هذه الخلة لكان الناس تصرف أعمارهم بمنزلة من في القبور فمن كان يستطيع أن يكتب أو يحفظ أو ينسج في ظلمة الليل و كيف كانت حال من عرض له وجع في وقت من أوقات الليل فاحتاج إلى أن يعالج ضمادا أو سفوفا أو شيئا يستشفي به فأما منافعها في نضج الأطعمة و دف‏ء الأبدان و تجفيف أشياء و تحليل أشياء و أشباه ذلك فأكثر من أن تحصى و أظهر من أن تخفى

 تبيان العقاقير أصول الأدوية و الغناء بالفتح المنفعة و الخاوية الخالية و الفدفد الفلاة و المكان الصلب الغليظ و المرتفع و الأرض المستوية و الفسحة بالضم السعة و يقال لي عن هذا الأمر مندوحة و منتدح أي سعة و حزبه أمر أي أصابه و الراتبة الثابتة و الراكنة الساكنة و هدأ هدءا و هدوءا سكن و قوله ع رجراجة أي متزلزلة متحركة و التكفي الانقلاب و التمايل و التحريك و الارتجاج الاضطراب و الارعواء الرجوع عن الجهل و الكف عن القبيح و الصلد و يكسر الصلب الأملس قوله ع إن مهب الشمال أرفع أي بعد ما خرجت الأرض من الكروية الحقيقية صار ما يلي الشمال منها في أكثر المعمورة أرفع مما يلي الجنوب و لذا ترى أكثر الأنهار كدجلة و الفرات و غيرهما تجري من الشمال إلى الجنوب و لما كان الماء الساكن في جوف الأرض تابعا للأرض في ارتفاعه و انخفاضه فلذا صارت العيون المنفجرة تجري هكذا من الشمال إلى الجنوب حتى   تجري على وجه الأرض و لذا حكموا بفوقية الشمال على الجنوب في حكم اجتماع البئر و البالوعة و إذا تأملت فيما ذكرنا يظهر لك ما بينه ع من الحكم في ذلك و أنه لا ينافي كروية الأرض و التدفق التصبب قوله ع فإنه سوى الأمر الجليل الضمير راجع إلى الماء و هو اسم إن و يمزج خبره أي للماء سوى النفع الجليل المعروف و هو كونه سببا لحياة كل شي‏ء منافع أخرى منها أنه يمزج مع الأشربة و قال الجوهري الحميم الماء الحار و قد استحممت إذا اغتسلت به ثم صار كل اغتسال استحماما بأي ماء كان انتهى و الوصب محركة المرض و المكتنف بفتح النون من الكنف بمعنى الحفظ و الإحاطة و اكتنفه أي أحاط به و يظهر منه أن نوعا من الياقوت يتكون في البحر و قيل أطلق على المرجان مجازا و يحتمل أن يكون المراد ما يستخرج منه بالغوص و إن لم يتكون فيه و اليلنجوج عود البخور و من العراق أي البصرة إلى العراق أي الكوفة أو بالعكس قوله ع و يعجز أي لو لا كثرة الهواء لعجز الهواء عما يستحيل الهواء إليه من السحاب و الضباب التي تتكون من الهواء أولا أولا أي تدريجا أي كان الهواء لا يفي بذلك أو لا يتسع لذلك و الضباب بالفتح ندى كالغيم أو سحاب رقيق كالدخان و الأحايين جمع أحيان و هو جمع حين بمعنى الدهر و الزمان قوله ع فلا هي تمسك بالمادة و الحطب أي دائما بحيث إذا انطفت لم يمكن إعادتها و المادة الزيادة المتصلة و المراد هنا الدهر و مثله و دفاء الأبدان بالكسر دفع البرد عنها

12-  الدر المنثور، سئل عن ابن عباس هل تحت الأرض خلق قال نعم أ لا ترى إلى قوله تعالى خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ

    -13  و عن قتادة في قوله سَبْعَ سَماواتٍ وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ قال في كل سماء و كل أرض خلق من خلقه و أمر من أمره و قضاء من قضائه

14-  و عن مجاهد في قوله يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ قال من السماء السابعة إلى الأرض السابعة ملفوفة

15-  و عن الحسن في الآية قال بين كل سماء و أرض خلق و أمر

16-  و عن ابن جريح قال بلغني أن عرض كل سماء مسيرة خمسمائة سنة و أن بين كل أرضين مسيرة خمسمائة سنة و أخبرت أن الريح بين الأرض الثانية و الثالثة و الأرض السابعة فوق الثرى و اسمها تخوم و أن أرواح الكفار فيها فإذا كان يوم القيامة ألقتهم إلى برهوت و الثرى فوق الصخرة التي قال الله في صخرة و الصخرة على الثور له قرنان و له ثلاث قوائم يبتلع ماء الأرض كلها يوم القيامة و الثور على الحوت و ذنب الحوت عند رأسه مستدير تحت الأرض السفلى و طرفاه منعقدان تحت العرش و يقال الأرض السفلى عمد بين قرني الثور و يقال بل على ظهره و اسمها يهموت و أخبرت أن عبد الله بن سلام سأل النبي ص على ما الحوت قال على ماء أسود و ما أخذ منه الحوت إلا كما أخذ حوت من حيتانكم من بحر من هذه البحار و حدثت أن إبليس يغلغل إلى الحوت فيعظم له نفسه و قال ليس خلق بأعظم منك عزا و لا أقوى منك فوجد الحوت في نفسه فتحرك   فمنه تكون الزلزلة إذا تحرك فبعث الله حوتا صغيرا فأسكنه في أذنه فإذا ذهب يتحرك تحرك الذي في أذنه فيسكن

17-  و عن ابن عباس في قوله وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ قال سبع أرضين في كل أرض نبي كنبيكم و آدم كآدم و نوح كنوح و إبراهيم كإبراهيم و عيسى كعيسى

18-  و عن ابن عمر قال قال رسول الله ص إن الأرضين بين كل أرض و التي تليها مسيرة خمسمائة عام و العليا منها على ظهر حوت قد التقى طرفاه في السماء و الحوت على صخرة و صخرة بيد ملك و الثانية مسجن الريح فلما أراد الله أن يهلك عادا أمر خازن الريح أن يرسل عليهم ريحا يهلك عادا فقال يا رب أرسل عليهم من الريح قدر منخر الثور فقال له الجبار إذن تكفأ الأرض و من عليها و لكن أرسل عليهم بقدر خاتم فهي التي قال الله في كتابه ما تَذَرُ مِنْ شَيْ‏ءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ و الثالثة فيها حجارة جهنم و الرابعة فيها كبريت جهنم فقالوا يا رسول الله أ للنار كبريت قال نعم و الذي نفسي بيده إن فيها لأودية من كبريت لو أرسل فيها الجبال الرواسي لماعت و الخامسة فيها حيات جهنم إن أفواهها كالأودية تلسع الكافر اللسعة فلا يبقى منه لحم على وضم و السادسة فيها عقارب جهنم إن أدنى عقربة منها كالبغال المؤكفة تضرب الكافر ضربة ينسيه ضربها حر جهنم و السابعة فيها سقر و فيها إبليس مصفد بالحديد يد أمامه و يد خلفه فإذا أراد الله أن يطلقه لما يشاء أطلقه

19-  و عن أبي الدرداء قال قال رسول الله ص كنف الأرض مسيرة خمسمائة عام و الثانية مثل ذلك و ما بين كل أرض أرضين مثل ذلك

20-  و عن ابن عباس قال سيد السماوات السماء التي فيها العرش و سيد   الأرضين الأرض التي نحن فيها

21-  و عن كعب قال الأرضون السبع على صخرة و الصخرة في كف ملك و الملك على جناح الحوت و الحوت في الماء على الريح و الريح على الهواء ريح عقيم لا تلقح و إن قرونها معلقة بالعرش

22-  و عن أبي مالك قال الصخرة التي تحت الأرض منتهى الخلق على أرجائها أربعة أملاك رءوسهم تحت العرش

23-  و عنه قال الصخرة تحت الأرضين على حوت و السلسلة في أذن الحوت

24-  و عن ابن عباس قال إن أول شي‏ء خلقه الله القلم فقال له اكتب قال يا رب و ما أكتب قال اكتب القدر يجري من ذلك اليوم بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة ثم طوى الكتاب و رفع القلم و كان عرشه على الماء فارتفع بخار الماء ففتقت منه السماوات ثم خلق النون فبسطت عليه الأرض و الأرض على ظهر النون فاضطرب النون فمادت الأرض فأثبتت بالجبال فإن الجبال لتفخر على الأرض إلى يوم القيامة ثم قرأ ابن عباس ن وَ الْقَلَمِ وَ ما يَسْطُرُونَ

25-  و عن ابن عباس قال قال رسول الله ص إن أول ما خلق الله القلم و الحوت و قال ما أكتب قال كل شي‏ء كائن إلى يوم القيامة ثم قرأ ن وَ الْقَلَمِ فالنون الحوت

26-  و عنه قال قال رسول الله ص النون السمكة التي عليها قرار الأرضين و القلم الذي خط به ربنا عز و جل القدر خيره و شره و نفعه و ضرره وَ ما يَسْطُرُونَ قال الكرام الكاتبون

 بيان في القاموس ماع الشي‏ء يميع جرى على وجه الأرض منبسطا في هينة   و السمن ذاب و قال الوضم محركة ما وقيت به اللحم عن الأرض من خشب و حصير و قال إكاف الحمار ككتاب و غراب و وكافه برذعته و آكف الحمار إيكافا و أكفه تأكيفا شده عليه

27-  نوادر الراوندي، بإسناده عن جعفر بن محمد عن آبائه ع قال أقبل رجلان إلى رسول الله ص فقال أحدهما لصاحبه اجلس على اسم الله تعالى و البركة فقال رسول الله ص اجلس على استك فأقبل يضرب الأرض بعصا فقال رسول الله ص لا تضربها فإنها أمكم و هي بكم برة

28-  و بهذا الإسناد، قال رسول الله ص تمسحوا بالأرض فإنها أمكم و هي بكم برة

 بيان قال في النهاية في الحديث تمسحوا بالأرض فإنها بكم برة أي مشفقة عليكم كالوالدة البرة بأولادها يعني أن منها خلقكم و فيها معاشكم و إليها بعد الموت معادكم و التمسح أراد به التيمم و قيل أراد مباشرة ترابها بالجباه في السجود من غير حائل انتهى. و أقول يحتمل أن يراد به ما يشمل الجلوس على الأرض بغير حائل و الأكل على الأرض من غير مائدة بقرينة الخبر الأول

29-  العلل، لمحمد بن علي بن إبراهيم قال العلة في أن الأرض لا تقبل الدم إنه لما قتل قابيل أخاه هابيل غضب آدم على الأرض فلا تقبل الدم لهذه العلة

30-  العلل، عن علي بن أحمد الدقاق عن الكليني عن علان بإسناده رفعه قال أتى علي بن أبي طالب يهودي فسأله عن مسائل فكان فيما سأله أخبرني عن قرار هذه الأرض على ما هو فقال ع قرار هذه الأرض لا يكون إلا على عاتق ملك و قدما ذلك الملك على صخرة و الصخرة على قرن ثور و الثور قوائمه على ظهر الحوت في اليم الأسفل و اليم على الظلمة و الظلمة على العقيم و العقيم على الثرى و ما يعلم تحت الثرى إلا الله عز و جل الخبر

    -31  النهج، ]نهج البلاغة[ قال أمير المؤمنين ع في خطبة التوحيد لا يجري عليه السكون و الحركة و كيف يجري عليه ما هو أجراه و يعود فيه ما هو أبداه و يحدث فيه ما هو أحدثه إذا لتفاوتت ذاته و لتجزأ كنهه و لامتنع من الأزل معناه و لكان له وراء إذ وجد له أمام و لالتمس التمام إذ لزمه النقصان

 بيان قال بعض شراح النهج في قوله ع و لتجزأ كنهه إشارة إلى نفي الجوهر الفرد و قال قوله ع و لكان له وراء إذ كان له أمام يؤكد ذلك لأن من أثبته يقول يصح أن تحله الحركة و لا يكون أحد وجهيه غير الآخر

فائدة

 اعلم أن الطبيعيين و الرياضيين اتفقوا على أن الأرض كروية بحسب الحس و كذا الماء المحيط بها و صارا بمنزلة كرة واحدة فالماء ليس بتام الاستدارة بل هو على هيئة كرة مجوفة قطع بعض منها و ملئت الأرض على وجه صارت الأرض مع الماء بمنزلة كرة واحدة و مع ذلك ليس شي‏ء من سطحيه صحيح الاستدارة أما المحدب فلما فيه من الأمواج و أما المقعر فللتضاريس فيه من الأرض و قد أخرج الله تعالى قريبا من الربع من الأرض من الماء بمحض عنايته الكاملة أو لبعض الأسباب المتقدمة لتكون مسكنا للحيوانات المتنفسة و غيرها من المركبات المحوجة إلى غلبة العنصر اليابس الصلب لحفظ الصور و الأشكال و ربط الأعضاء و الأوصال و مما يدل على كروية الأرض ما أومأنا إليه سابقا من طلوع الكواكب و غروبها في البقاع الشرقية قبل طلوعها و غروبها في الغربية بقدر ما تقتضيه أبعاد تلك البقاع في الجهتين على ما علم من إرصاد كسوفات بعينها لا سيما القمرية في بقاع مختلفة فإن ذلك ليس في ساعات متساوية البعد من نصف النهار على الوجه المذكور و كون الاختلاف متقدرا بقدر الأبعاد دليل على الاستدارة المتشابهة السائرة بحدبتها المواضع التي يتلو بعضها بعضا على قياس واحد بين الخافقين و ازدياد ارتفاع القطب و الكواكب الشمالية و انحطاط الجنوبية للسائرين   إلى الشمال و بالعكس للسائرين إلى الجنوب بحسب سيرهما دليل على استدارتها بين الجنوب و الشمال و تركب الاختلافين يعطي الاستدارة في جميع الامتدادات و يؤيده مشاهدة استدارة أطراف المنكسف من القمر الدالة على أن الفصل المشترك بين المستضي‏ء من الأرض و ما ينبعث منه الظل دائرة و كذلك اختلاف ساعات النهر الطوال و القصار في مساكن متفقه الطول إلى غير ذلك و لو كانت أسطوانية قاعدتاها نحو القطبين لم يكن لساكني الاستدارة كوكب أبدى الظهور بل إما الجميع طالعة غاربة أو كانت كواكب يكون من كل واحد من القطبين على بعد تستره القاعدتان أبدية الخفاء و الباقية طالعة غاربة و ليس كذلك و أيضا فالسائر إلى الشمال قد يغيب عنه دائما كواكب كانت تظهر له و تظهر له كواكب كانت تغيب عنه بقدر إمعانه في السير و ذلك يدل على استدارتها في هاتين الجهتين أيضا و مما يدل على استدارة سطح الماء الواقف طلوع رءوس الجبال الشامخة على السائرين في البحر أولا ثم ما يلي رءوسها شيئا بعد شي‏ء في جميع الجهات و قالوا التضاريس التي على وجه الأرض من جهة الجبال و الأغوار لا تقدح في كرويتها الحسية إذ ارتفاع أعظم الجبال و أرفعها على ما وجدوه فرسخان و ثلث فرسخ و نسبتها إلى جرم الأرض كنسبة جرم سبع عرض شعيرة إلى كرة قطرها ذراع بل أقل من ذلك و يظهر من كلام أكثر المتأخرين أن عدم قدح تلك الأمور في كرويتها الحسية معناه أنها لا تخل بشكل جملتها كالبيضة ألزقت بها حبات شعير لم يقدح ذلك في شكل جملتها و اعترض عليه بأن كون الأرض أو البيضة حينئذ على الشكل الكروي أو البيضي عند الحس ممنوع و كيف يمكن دعوى ذلك مع ما يرى على كل منهما ما يخرج به الشكل مما اعتبروا فيه و عرفوه به و ربما يوجه بوجه آخر و هو أن الجبال و الوهاد الواقعة على سطح الأرض غير محسوسة عادة عند الإحساس بجملة كرة الأرض على ما هي عليه في الواقع بيانه أن رؤية الأشياء تختلف بالقرب و البعد فيرى القريب أعظم مما هو الواقع و البعيد أصغر منه و هو ظاهر و قد أطبق القائلون بالانطباع و بخروج الشعاع كلهم على أن هذا الاختلاف

    في رؤية المرئي بسبب القرب و البعد إنما هو تابع لاختلاف الزاوية الحاصلة عند مركز الجليدية في رأس المخروط الشعاعي بحسب التوهم أو بحسب الواقع عند انطباق قاعدته على سطح المرئي فكلما قرب المرئي عظمت تلك الزاوية و كلما بعد صغرت و قد تقرر أيضا بين محققيهم أن رؤية الشي‏ء على ما هو عليه إنما هو في حالة يكون البعد بين الرائي و المرئي على قدر يقتضي أن تكون الزاوية المذكورة قائمة فبناء على ذلك إذا فرضت الزاوية المذكورة بالنسبة إلى مرئي قائمة يجب أن يكون البعد بين رأس المخروط و قاعدته المحيطة بالمرئي بقدر نصف قطر قاعدته على ما تقرر في الأصول فلما كان قطر الأرض أزيد من ألفي فرسخ بلا شبهة لا تكون مرئية على ما هي عليه من دون ألف فرسخ و معلوم أن الجبال و الوهاد المذكورة غير محسوسة عادة عند هذا البعد من المسافة فلا يكون لها قدر محسوس عند الأرض بالمعنى الذي مهدنا. ثم إنهم استعلموا بزعمهم مساحة الأرض و أجزاءها و دوائرها في زمان المأمون و قبله فوجدوا مقدار محيط الدائرة العظمى من الأرض ثمانية آلاف فرسخ و قصرها ألفين و خمسمائة و خمسة و أربعين فرسخا و نصف فرسخ تقريبا و مضروب القطر في المحيط مساحة سطح الأرض و هي عشرون ألف ألف و ثلاثمائة و ستون ألف فرسخ و ربع ذلك مساحة الربع المسكون من الأرض و أما القدر المعمور من الربع المسكون و هو ما بين خط الاستواء و الموضع الذي عرضه بقدر تمام الميل الكلي فمساحته ثلاثة آلاف ألف و سبعمائة و خمسة و ستين ألفا و أربعمائة و عشرين فرسخا و هو قريب من سدس سطح جميع الأرض و سدس عشره و الفرسخ ثلاثة أميال بالاتفاق و كل ميل أربعة آلاف ذراع عند المحدثين و ثلاثة آلاف عند القدماء و كل ذراع أربع و عشرون إصبعا عند المحدثين و اثنان و ثلاثون عند القدماء و كل إصبع بالاتفاق مقدار ست شعيرات مضمومة بطون بعضها إلى ظهور بعض من الشعيرات المعتدلة. و ذكروا أن للأرض ثلاث طبقات الأولى الأرض الصرفة المحيط بالمركز   الثانية الطبقة الطينية و هي المجاورة للماء الثالثة الطبقة المنكشفة من الماء و هي التي تحتبس فيها الأبخرة و الأدخنة و تتولد منها المعادن و النباتات و الحيوانات و زعموا أن البسائط كلها شفافة لا تحجب عن أبصار ما وراءها ما عدا الكواكب و أن الأرض الصرفة المتجاورة للمركز أيضا شفافة و الطبقتان الأخريان ليستا بسيطتين فهما كثيفتان فالأرض جعل الله الطبقة الظاهرة منها ملونة كثيفة غبراء لتقبل الضياء و خلق ما فوقها من العناصر مشفة لطيفة بالطباع لينفذ فيها و يصل إلى غيرها ساطع الشعاع فإن الكواكب و سيما الشمس و القمر أكثر تأثيراتها في العوالم السفلى بوسيلة أشعتها المستقيمة و المنعطفة و المنعكسة بإذن الله تعالى و قالوا الأرض في وسط السماء كالمركز في الكرة فينطبق مركز حجمها على مركز العالم و ذلك لتساوي ارتفاع الكواكب و انحطاطها مدة ظهورها و ظهور النصف من الفلك دائما و تطابق أظلال الشمس في وقتي طلوعها و غروبها عند كونها على المدار الذي يتساوى فيه زمان ظهورها و خفائها على خط مستقيم أو عند كونها في جزءين متقابلين من الدائرة التي يقطعها بسيرها الخاص بها و انخساف القمر في مقاطراته الحقيقية للشمس فإن الأول يمنع ميلها إلى أحد الخافقين و الثاني إلى أحد السمتين الرأس و القدم و الثالث إلى أحد القطبين و الرابع إلى شي‏ء منها أو من غيرها من الجهات كما لا يخفى و كما أن مركز حجمها منطبق على مركز العالم فكذا مركز ثقلها و ذلك لأن الثقال تميل بطبعها إلى الوسط كما دلت عليه التجربة فهي إذن لا تتحرك عن الوسط بل هي ساكنة فيه متدافعة بأجزائها من جميع الجوانب إلى المركز تدافعا متساويا فلا محالة ينطبق مركز ثقلها الحقيقي المتحد بمركز حجمها التقريبي على مركز العالم و مستقرها عند وسط العالم لتكافؤ القوى بلا تزلزل و اضطراب يحدث فيها لثباتها بالسبب المذكور و لكون الأثقال المنتقلة من جانب منها إلى الآخر في غاية الصغر بالقياس إليها لا يوجب انتقال مركز ثقلها من نقطة إلى أخرى بحركة شي‏ء منها و كذا الأجزاء

    المباينة لها تهوي إليها و هي تقبلها من جميع نواحيها من دون اضطراب هذا ما ذكروه في هذا المقام و لا نعرف من ذلك إلا كون الجميع بقدرة القادر العليم و إرادة المدبر الحكيم كما ستعرف ذلك إن شاء الله تعالى و قال الشيخ المفيد قدس سره في كتاب المقالات أقول إن العالم هو السماء و الأرض و ما بينهما و فيهما من الجواهر و الأعراض و لست أعرف بين أهل التوحيد خلافا في ذلك أقول لعل مراده قدس سره بالسماوات ما يشمل العرش و الكرسي و الحجب و غرضه نفي الجواهر المجردة التي تقول بها الحكماء ثم قال رحمه الله و أقول إن الفلك هو المحيط بالأرض الدائر عليها و فيه الشمس و القمر و سائر النجوم و الأرض في وسطه بمنزلة النقطة في وسط الدائرة و هذا مذهب أبي القاسم البلخي و جماعة كثيرة من أهل التوحيد و مذهب أكثر القدماء و المنجمين و قد خالف فيه جماعة من بصرية المعتزلة و غيرهم من أهل النحل و أقول إن المتحرك من الفلك إنما يتحرك حركة دورية كما يتحرك الدائر على الكرة و إلى هذا ذهب البلخي و جماعة من أهل التوحيد و الأرض على هيئة الكرة في وسط الفلك و هي ساكنة لا تتحرك و علة سكونها أنها في المركز و هو مذهب أبي القاسم و أكثر القدماء و المنجمين و قد خالف فيه الجبائي و ابنه و جماعة غيرهما من أهل الآراء و المذاهب من المقلدة و المتكلمين ثم قال و أقول إن العالم مملوءة من الجواهر و إنه لا خلا فيه و لو كان فيه خلا لما صح فرق بين المجتمع و المتفرق من الجواهر و الأجسام و هو مذهب أبي القاسم خاصة من البغداديين و مذهب أكثر القدماء من المتكلمين و خالف فيه الجبائي و ابنه و جماعة متكلمي أهل الحشو و الجبر و التشبيه ثم قال و أقول إن المكان هو ما أحاط بالشي‏ء من جميع جهاته و لا يصح تحرك الجواهر إلا في الأماكن و الوقت هو ما جعله الموقت وقتا للشي‏ء و ليس بحادث مخصوص و الزمان اسم يقع على حركات الفلك فلذلك لم يكن الفعل محتاجا في وجوده إلى وقت و لا زمان و على هذا القول سائر الموحدين. و سئل السيد المرتضى رحمه الله الفراغ له نهاية و القديم تعالى يعلم   منتهى نهايته و هذا الفراغ أي شي‏ء هو و كذلك الطبقة الثامنة من الأرض و الثامنة من السماء نقطع أن هناك فراغا أم لا فإن قلت لا طالبتك بما وراء الملإ القديم تعالى يعلم أن هناك نهاية فإن قلت نعم طالبتك أي شي‏ء وراء النهاية. فأجاب رحمه الله أن الفراغ لا يوصف بأنه منته و لا أنه غير منته على وجه الحقيقة و إنما يوصف بذلك مجازا و اتساعا و أما قوله و هذا الفراغ أي شي‏ء هو فقد علمنا أنه لا جوهر و لا عرض و لا قديم و لا محدث و لا هو ذات و لا هو معلوم كالمعلومات و أما الطبقة الثامنة من الأرض فما نعرفها و الذي نطق به القرآن سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ فأما غير ذلك فلا سبيل للقطع به من عقل و لا شرع انتهى. و أقول بسط الكلام في هذه الأمور خروج عن مقصود الكتاب و محله علم الكلام