باب 7- في قسمة الأرض إلى الأقاليم و ذكر جبل قاف و سائر الجبال و كيفية خلقها و سبب الزلزلة و علتها

الآيات النحل وَ أَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ الكهف حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً إلى قوله وَ كانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا الأنبياء وَ جَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَ جَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلًا لَعَلَّهُمْ   يَهْتَدُونَ و قال تعالى حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَ مَأْجُوجُ وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ لقمان وَ أَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ فاطر وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَ حُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَ غَرابِيبُ سُودٌ ص إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَ الْإِشْراقِ ق 7-  وَ أَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ الطور وَ الطُّورِ و قال تعالى وَ تَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً المرسلات وَ جَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ النبأ أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً وَ الْجِبالَ أَوْتاداً الغاشية وَ إِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ التين وَ التِّينِ وَ الزَّيْتُونِ وَ طُورِ سِينِينَ تفسير أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ قال المبرد أي منع الأرض أن تميد و قيل لئلا تميد و قيل أي كراهة أن تميد و قال بعض المفسرين الميد الاضطراب في الجهات الثلاث و قيل إن الأرض كانت تميد و ترجف رجوف السقف بالوطء فثقلها الله بالجبال الرواسي ليمنع من رجوفها و رووا عن ابن عباس أنه قال إن الأرض بسطت على الماء فكانت تكفأ بأهلها كما تكفأ السفينة فأرساها الله تعالى بالجبال ثم إنهم   اختلفوا في أنه لما صارت الجبال سببا لسكون الأرض على أقوال و ذكروا لذلك وجوها و لنذكر بعضها. الأول ما ذكره الفخر الرازي في تفسيره أن السفينة إذا ألقيت على وجه الماء فإنها تميل من جانب إلى جانب و تضطرب فإذا وقعت الأجرام الثقيلة فيها استقرت على وجه الماء فكذلك لما خلق الله تعالى الأرض على وجه الماء اضطربت و مادت فخلق الله تعالى عليها هذه الجبال و وتدها بها فاستقرت على وجه الماء بسبب ثقل الجبال ثم قال لقائل أن يقول هذا يشكل من وجوه الأول أن هذا المعلل إما أن يقول بأن حركات الأجسام بطباعها أو يقول ليست بطباعها بل هي واقعة بإيجاد الفاعل المختار إياها فعلى التقدير الأول نقول لا شك أن الأرض أثقل من الماء و الأثقل يغوص في الماء و لا يبقى طافيا عليه فامتنع أن يقال إنها كانت تميد و تضطرب بخلاف السفينة فإنها متخذة من الخشب و في داخل الخشب تجويفات غير مملوءة فلذلك تميد و تضطرب على وجه الماء فإذا أرسيت بالأجسام الثقيلة استقرت و سكنت فظهر الفرق و أما على التقدير الثاني و هو أن يقال ليس للأرض و الماء طبائع توجب الثقل و الرسوب و الأرض إنما تنزل لأن الله تعالى أجرى عادته بجعلها كذلك و إنما صار الماء محيطا بالأرض لمجرد إجراء العادة ليس هاهنا طبيعة للأرض و لا للماء توجب حالة مخصوصة فنقول على هذا التقدير علة سكون الأرض هي أن الله تعالى يخلق فيها السكون و علة كونها مائدة مضطربة هو أن الله تعالى يخلق فيها الحركة فيفسد القول بأن الله تعالى خلق الجبال لتبقى الأرض ساكنة فثبت أن التعليل مشكل على كلا التقديرين. الإشكال الثاني أن إرساء الأرض بالجبال إنما يعقل لأجل أن تبقى الأرض على وجه الماء من غير أن تميد و تميل من جانب إلى جانب و هذا إنما يعقل إذا كان الذي استقرت الأرض على وجهه واقفا فنقول فما المقتضي لسكونه في ذلك الحيز

    المخصوص فإن قلت إن طبيعته توجب وقوفه في ذلك الحيز المعين فحينئذ يفسد القول بأن الأرض إنما وقفت بسبب أن الله تعالى أرساها بالجبال و إن قلت إن المقتضي لسكون الماء في حيزه المعين هو أن الله تعالى أسكن الماء بقدرته في ذلك الحيز المخصوص فنقول فلم لا تقول مثله في سكون الأرض و حينئذ يفسد هذا التعليل أيضا. الإشكال الثالث أن مجموع الأرض جسم واحد فبتقدير أن يميل بكليته و يضطرب على وجه البحر المحيط لم تظهر تلك الحالة للناس فإن قيل أ ليس أن الأرض تحركها البخارات المحتقنة في داخلها عند الزلازل و تظهر تلك الحركات للناس قلنا البخارات احتقنت في داخل قطعة صغيرة من الأرض فلما حصلت الحركة في تلك القطعة ظهرت تلك الحركة فإن ظهور الحركة في تلك القطعة المعينة يجري مجرى اختلاج عضو من بدن الإنسان أما لو تحركت كلية الأرض لم تظهر أ لا ترى أن الساكن في سفينة لا يحس بحركة كلية السفينة و إن كانت على أسرع الوجوه و أقواها انتهى كلامه. و يمكن أن يجاب عنها أما عن الإشكال الأول فبأن يختار أنها طالبة بطبعها للمركز لكن إذا كانت خفيفة كان الماء يحركها بأمواجه حركة قسرية و يزيلها عن مكانها الطبيعي بسهولة فكانت تميد و تضطرب بأهلها و تغوص قطعة منها و تخرج قطعة منها و لما أرساها الله تعالى بالجبال و أثقلها قاومت الماء و أمواجه بثقلها فكانت كالأوتاد مثبتة لها و منه يظهر الجواب عن الإشكال الثاني على أن توقف إرساء الأرض بالجبال على سكون الماء في حيز معين ممنوع و أما عن الإشكال الثالث فبأن يقال ليس الامتنان بمجرد عدم ظهور حركة الأرض حتى يقال أنه على تقدير حركتها بكليتها لا يظهر للناس بل بخروج البقاع من الماء و عدم غرقها بحركة الأرض و ميدانها بأهلها على أن الظاهر أن الحركة التي لا تحس إنما هي إذا كانت في جهة مخصوصة و على وضع واحد كحركة وضعية مستمرة أو حركة أينية على جهة

    واحدة كحركة السفينة إذا كانت سائرة من غير اضطراب و أما إذا تحركت في جهات مختلفة و اضطربت فيحس بها كحركة السفينة عند تلاطم البحر و اضطرابه و هذا هو الفرق بين حالة الزلزلة و بين حركة الأرض في الظهور و عدمه فإنا لو فرضنا قطعة منها سائرة غير مضطربة في سيرها لما أحس بها كما لا يحس بحركة كلها بل باضطراب الحركة و كونها في جهات مختلفة تحس الحركة سواء كان محلها كل الأرض أو بعضها الوجه الثاني ما ذكره الفاضل المقدم ذكره أيضا في تفسيره و اختاره حيث قال و الذي عندي في هذا الموضع المشكل أن يقال أنه ثبت بالدلائل اليقينية أن الأرض كره و أن هذه الجبال على سطح هذه الكرة جارية مجرى خشونات و تضريسات تحصل على وجه هذه الكرة إذا ثبت هذا فنقول إذا فرضنا أن هذه الخشونات ما كانت حاصلة بل كانت الأرض كرة حقيقية خالية عن هذه الخشونات و التضريسات لصارت بحيث تتحرك بالاستدارة بأدنى سبب لأن الجرم البسيط المستدير و إن لم يجب كونه متحركا بالاستدارة عقلا إلا أنه بأدنى سبب تتحرك على هذا الوجه أما إذا حصل على سطح كرة الأرض هذه الجبال و كانت كالخشونات الواقعة على وجه الكرة فكل واحد من هذه الجبال إنما يتوجه بطبعه إلى مركز العالم و توجه ذلك الجبل نحو مركز العالم بثقله العظيم و قوته الشديدة يكون جاريا مجرى الوتد الذي يمنع كرة الأرض من الاستدارة فكان تخليق هذه الجبال على الأرض كالأوتاد المغروزة في الكرة المانعة لها عن الحركة المستديرة و كانت مانعة للأرض عن الميد و الميل و الاضطراب بمعنى أنها منعت الأرض عن الحركة المستديرة فهذا ما وصل إليه خاطري في هذا الباب و الله أعلم انتهى. و اعترض عليه بأن كلامه لا يخلو عن تشويش و اضطراب و الذي يظهر من أوائل كلامه هو أنه جعل المناط في استقرار الأرض الخشونات و التضريسات من حيث إنها خشونات و تضريسات و ذلك إما لممانعة الأجزاء المائية الملاصقة لتلك التضريسات   لاستلزام حركة الأرض زوالها عن مواضعها و حينئذ يكون علة السكون هي الجبال الموجودة في الماء لا ما خلقت في الربع المكشوف من الأرض و لعله خلاف الظاهر في معرض الامتنان بخلق الجبال و هو خلاف الظاهر من قوله تعالى وَ جَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها و القول بأن ما في الماء أيضا فوقها فلعل المراد تلك الجبال لا يخلوا عن بعد مع أنها ربما كانت معاونة لحركة الأرض كما إذا تحركت كرة الماء بتموجها بأجمعها أو تموج أبعاضها المقاربة لتلك الخشونات و إنما يمانعها عن الحركة أحيانا عند حركة أبعاضها و إما لممانعة الأجزاء الهوائية المقارنة للجبال الكائنة على الربع الظاهر فكانت الأوتاد مثبتة لها في الهواء مانعة عن تحريك الماء بتموجه إياها كما يمانع الجبال المخلوقة في الماء عن تحريك الرياح إياها و حينئذ يكون وجود الجبال في كل منهما معاونا لحركة الأرض في بعض الصور معاوقا عنها في بعضها و لا مدخل حينئذ لثقل الجبال و تركبها في سكون الأرض و استقرارها و الذي يظهر من قوله لأن الجرم البسيط إلخ أن البساطة توجب حركة الأرض إما بانفرادها أو بمشاركة عدم الخشونة و لعله استند في ذلك إلى أن البسيط تتساوى نسبة أجزائه إلى أجزاء المكان و إنما الطبيعة تقتضي انطباق مركز الثقل من الأرض على مركز العالم على أي وضع كان و الماء لا يقوى على إخراج الكرة عن مكانها نعم يحركها بالحركة المستديرة بخلاف المركب فإنه ربما كان بعض أجزائه مقتضيا لوضع خاص كمحاذاة أحد القطبين مثلا حتى تكون الفائدة تحصل بتركب بعض أجزاء الأرض و إن لم يكن هناك جبل و ارتفاع فلا يكون الامتنان بخلق الجبل من حيث إنه جبل بل من حيث إنه مركب إلا على تقدير كون المراد أن المقتضي للسكون هو الحالة المركبة من التركب و التضريس و الظاهر من وصف الجبال بالشامخات في الآية مدخلية ارتفاعها في هذا المعنى إلا أن يكون الوصف لترتب فوائد أخر عليها و حينئذ لا مدخل لثقل الجبال في سكون الأرض كما يظهر من قوله أخيرا فكل واحد من هذه الجبال إنما يتوجه بطبعه إلى مركز العالم و توجه ذلك الجبل نحو مركز العالم بثقله العظيم و قوته الشديدة يكون جاريا مجرى الوتد الذي يمنع كرة الأرض من الاستدارة و مع ذلك لا ينفع في نفي

    الحركة المشرقية و المغربية بل يؤيدها و يمكن أن يكون مراده أن العلة هي المجموع من الأمور الثلاثة و لعله جعل الطبيعية الأرضية كافية في استقرارها في مكانها و إنما احتاج إلى المانع عن حركتها بالاستدارة حركة وضعية و لذا قال أخيرا و كانت مانعة للأرض عن الميد و الاضطراب بمعنى أنها منعت الأرض عن الحركة المستديرة. الوجه الثالث ما يخطر بالبال و هو أن يكون مدخلية الجبال لعدم اضطراب الأرض بسبب اشتباكها و اتصال بعضها ببعض في أعماق الأرض بحيث تمنعها عن تفتت أجزائها و تفرقها فهي بمنزلة الأوتاد المغروزة المثبتة في الأبواب المركبة من قطع الخشب الكثيرة بحيث تصير سببا لالتصاق بعضها ببعض و عدم تفرقها و هذا معلوم ظاهر لمن حفر الآبار في الأرض فإنها تنتهي عند المبالغة في حفرها إلى الأحجار الصلبة و أنت ترى أكثر قطع الأرض واقعة بين جبال محيطة بها فكأنها مع ما يتصل بها من القطعة الحجرية المتصلة بها من تحت تلك القطعات كالظرف لها تمنعها عن التفتت و التفرق و الاضطراب عند عروض الأسباب الداعية إلى ذلك. الوجه الرابع ما ذكره بعض المتعسفين من أنه لما كانت فائدة الوتد أن يحفظ الموتود في بعض المواضع عن الحركة و الاضطراب حتى يكون قارا ساكنا و كان من لوازم ذلك السكون في بعض الأشياء صحة الاستقرار على ذلك و التصرف عليه و كان من فائدة وجود الجبال و التضريسات الموجودة في وجه الأرض أن لا تكون مغمورة بالماء ليحصل للحيوان الاستقرار و التصرف عليها لا جرم كان بين الأوتاد و الجبال الخارجة من الماء في الأرض اشتراك في كونهما مستلزمين لصحة استقراره مانعين من عدمه لا جرم حسنت نسبة الإيتاد إلى الصخور و الجبال و أما إشعاره بالميدان فلأن الحيوان كما يكون صادقا عليه أنه غير مستقر على الأرض بسبب انغمارها في الماء لو لم يوجد الجبال كذلك يصدق على الأرض أنه غير مستقرة تحته و مضطربة بالنسبة إليه فثبت حينئذ أنه لو لا وجود الجبال في سطح الأرض لكانت مضطربة و مائدة بالنسبة إلى الحيوان لعدم تمكنه من الاستقرار عليها   الوجه الخامس أن يكون المراد بالجبال الرواسي الأنبياء و الأولياء و العلماء و بالأرض الدنيا أما وجه التجوز بالجبال عن الأنبياء و العلماء فلأن الجبال لما كانت على غاية من الثبات و الاستقرار مانعة لما يكون تحتها من الحركة و الاضطراب عاصمة لما يلتجئ إليها من الحيوان عما يوجب له الهرب فيسكن بذلك اضطرابه و قلقلته أشبهت الأوتاد من بعض هذه الجهات ثم لما كانت الأنبياء و العلماء هم السبب في انتظام أمور الدنيا و عدم اضطراب أحوال أهلها كانوا كالأوتاد للأرض فلا جرم صحت استعارة لفظ الجبال لهم و لذلك صح في العرف أن يقال فلان جبل منيع يأوي إليه كل ملهوف إذا كان يرجع إليه في المهمات و الحوائج و العلماء أوتاد الله في الأرض. الوجه السادس أن يكون المقصود من جعل الجبال كالأوتاد في الأرض أن يهتدى بها إلى طرقها و المقاصد فيها فلا تميد جهاتها المشتبهة بأهلها و لا تميل بهم فيتيهون فيها عن طرقهم و مقاصدهم و هذه الوجوه الثلاثة ذكرها بعض المتعسفين و هذا دأبه في أكثر الآيات و الأخبار حيث يئولها بلا ضرورة داعية و علة مانعة عن القول بظاهرها و هل هذا إلا اجتراء على مالك يوم الدين و افتراء على حجج رب العالمين. الوجه السابع أن يقال المراد بالأرض قطعاتها و بقاعها لا مجموع كرة الأرض و بكون الجبال أوتادا لها أنها حافظة لها عن الميدان و الاضطراب بالزلزلة و نحوها إما لحركة البخارات المحتقنة في داخلها بإذن الله تعالى أو لغير ذلك من الأسباب التي يعلمها مبدعها و منشئها و هذا وجه قريب و يؤيده ما سيأتي في باب الزلزلة من حديث ذي القرنين. أقول و أما حديث ذي القرنين و السد و غيره من أحواله فقد مضى في المجلد الخامس في باب أحواله و لنذكر هنا بعض ما مضى برواية أخرى قال الثعلبي في العرائس روى وهب بن منبه و غيره من أهل الكتب قالوا

    كان ذو القرنين رجلا من الروم ابن عوز من عجائزهم ليس لها ولد غيره و كان اسمه إسكندروس و يقال كان اسمه عياش و كان عبدا صالحا فلما استحكم ملكه و استجمع أمره أوحى الله إليه يا ذا القرنين إني بعثتك إلى جميع الخلق ما بين الخافقين و جعلتك حجتي عليهم و هذا تأويل رؤياك و إني باعثك إلى أمم الأرض كلهم و هم سبع أمم مختلفة ألسنتهم منهم أمتان بينهما عرض الأرض و أمتان بينهما طول الأرض و ثلاث أمم في وسط الأرض و هم الجن و الإنس و يأجوج و مأجوج فأما الأمتان اللتان بينهما طول الأرض فأمة عند المغرب يقال لها ناسك و أمة أخرى بحيالها عند مطلع الشمس يقال لها منسك و أما اللتان بينهما عرض الأرض فأمة في قطر الأرض الأيمن يقال لها هاويل و أمة في قطرة الأرض الأيسر يقال لها قاويل فلما قال الله سبحانه ذلك قال ذو القرنين إلهي إنك قد ندبتني إلى أمر عظيم لا يقدر قدره إلا أنت فأخبرني عن الأمم التي بعثتني إليها بأي قوة أكاثرهم أو بأي جمع و حيلة أكابرهم و بأي صبر أقاسيهم و بأي لسان أناطقهم و كيف لي بأن أفهم لغاتهم و بأي سمع أسمع أقوالهم و بأي بصر أنفذهم و بأي حجة أخاصمهم و بأي عقل أعقل عنهم و بأي قلب و حكمة أدبر أمورهم و بأي قسط أعدل بينهم و بأي حلم أصابرهم و بأي معرفة أفصل بينهم و بأي علم أتقن أمورهم و بأي يد أستطيل عليهم و بأي رجل أطأهم و بأي طاقة أحصيهم و بأي جند أقاتلهم و بأي رفق أتألفهم و ليس عندي يا إلهي شي‏ء مما ذكرت يقوم لهم و يقوى عليهم و أنت الرءوف الرحيم الذي لا تكلف نفسا إلا وسعها و لا تكلفها إلا طاقتها فقال الله عز و جل إني سأطوقك ما حملتك أشرح لك سمعك فتسمع كل شي‏ء و تعي كل شي‏ء و أشرح لك فهمك فتفقه كل شي‏ء و أبسط لك لسانك فتنطق بكل شي‏ء و أفتح لك بصرك فتنفذ كل شي‏ء و أحصي لك فلا يفوتك شي‏ء و أشد لك عضدك فلا يهولك شي‏ء و أشد لك ركنك فلا يغلبك شي‏ء و أشد لك قلبك فلا يفزعك شي‏ء و أشد لك يدك فتسطو فوق كل شي‏ء و أشد لك وطأتك فتهد على كل شي‏ء و ألبسك الهيبة فلا يروعك شي‏ء و أسخر الظلمة من ورائك فلما قيل له ذلك حدث نفسه بالمسير و ألح

    عليه قومه بالمقام فلم يفعل و قال لا بد من طاعة الله تعالى. ثم أمرهم أن يبنوا له مسجدا و أن يجعلوا طول المسجد أربعمائة ذراع و أمرهم أن لا ينصبوا فيه السواري قالوا كيف نصنع قال إذا فرغتم من بنيان الحائط فاكبسوها بالتراب حتى يستوي الكبس مع حيطان المسجد فإذا فرغتم فرضتم من الذهب على الموسر قدره و على المقتر قدره ثم قطعتموه مثل قلامة الظفر ثم خلطتموه بذلك الكبس و جعلتم خشبا من نحاس و وتدا من نحاس و صفائح من نحاس تذيبون ذلك و أنتم تمكنون من العمل كيف شئتم على أرض مستوية و جعلتم طول كل خشبة مائتي ذراع و أربعة و عشرين ذراعا مائتا ذراع في ما بين الحائطين لكل حائط اثنا عشر ذراعا ثم تدعون المساكين لنقل التراب فيتسارعون إليه لأجل ما فيه من الذهب و الفضة فمن حمل شيئا فهو له ففعلوا ذلك فأخرج المساكين التراب و استقر السقف بما عليه و استغنى المساكين فجندهم أربعين ألفا و جعلهم أربعة أجناد في كل جند عشرة آلاف ثم عرضهم فوجدهم في ما قيل ألف ألف و أربعمائة ألف رجل منهم من جنده ثمانمائة ألف و من جند دارا ستمائة ألف و من المساكين أربعين ألفا ثم انطلق يؤم الأمة التي عند مغرب الشمس فذلك قوله تعالى حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ أي ذات حمأة و من قرأ حامية بالألف من غير همز فمعناه حارة فلما بلغ مغرب الشمس وجد جمعا و عددا لا يحصيهم إلا الله تعالى و قوة و بأسا لا يطيقه إلا الله عز و جل و رأى ألسنة مختلفة و أهواء متشتتة و ذلك قول الله تعالى وَ وَجَدَ عِنْدَها قَوْماً يعني ناسا كثيرة يقال لها ناسك فلما رأى ذلك كاثرهم بالظلمة فضرب حولهم ثلاثة عساكر منها فأحاط بهم من كل مكان حتى جمعهم في مكان واحد ثم أخذ عليهم بالنور فدعاهم إلى الله عز و جل و عبادته فمنهم من آمن به و منهم من صد عنه فعمد إلى الذين تولوا عنه فأدخل عليهم الظلمة فدخلت في أفواههم و أنوفهم و آذانهم و أحداقهم و أجوافهم و دخلت في بيوتهم و دورهم و غشيهم من فوقهم و من كل جانب منهم فهاجوا فيه و تحيروا فلما أشفقوا أن يهلكوا فيها عجوا إليه بصوت واحد

    فكشفها عنهم و أخذهم عنوة فدخلوا في دعوته فجند من أهل المغرب أمما عظيمة فجعلهم جندا واحدا ثم انطلق بهم يقودهم و الظلمة تسوقهم من خلفهم و تحرسهم من خلفهم و النور أمامهم يقوده و يدله و هو يسير في ناحية الأرض اليمنى و هو يريد الأمة التي في قطر الأرض الأيمن التي يقال لها هاويل و سخر الله له قلبه و يده و رأيه و عقله و نظره فلا يخطئ إذا عمل عملا فانطلق يقود تلك الأمم و هي تتبعه فإذا هي أتت إلى بحر أو مخاضة بني سفنا من ألواح صغار أمثال البغال فنظمها في ساعة ثم حمل فيها جميع من معه من تلك الأمم و تلك الجنود فإذا هي قطع الأنهار و البحار فتقها ثم دفع إلى كل رجل منهم لوحا فلم يكرثه حمله فلم يزل ذلك دأبه حتى انتهى إلى هاويل فعمل فيها كفعله في ناسك فلما فرغ منها مضى على وجهه في ناحية الأرض اليمنى حتى انتهى إلى منسك عند مطلع الشمس فعمل فيها و جند جنودا كفعله في الأمتين قبلهما ثم كر مقبلا حتى أخذ ناحية الأرض اليسرى و هو يريد قاويل و هي الأمة التي بحيال هاويل و هما متقابلتان بينهما عرض الأرض كله فلما بلغها عمل فيها و جند فيها كفعله في ما قبلها فذلك قوله تعالى حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً يعني مسكنا قال قتادة لم يكن بينهم و بين الشمس ستر و ذلك أنهم كانوا في مكان لا يستقر عليه بناء و كانوا يكونون في أسراب لهم حتى إذا زالت الشمس عنهم خرجوا إلى معايشهم و حروثهم و قال الحسن كانت أرضهم أرضا لا تحتمل البناء فكانوا إذا طلعت عليهم الشمس هووا في الماء فإذا ارتفعت عنهم خرجوا فتراعوا كما تتراعى البهائم و قال ابن جريح و جاءهم جيش مرة و قال لهم أهلها لا يطلع عليكم الشمس و أنتم بها فقالوا ما نبرح حتى تطلع الشمس فنراها فماتوا و قيل فذهبوا بها هاربين في الأرض و قال الكلبي هم أمة يقال لها منسك حفاة عماة عن الحق قال و حدثنا عمرو بن مالك بن أمية قال وجدت رجلا بسمرقند يحدث الناس و هم يجتمعون حوله فسألت بعض من سمع فأخبرني أنه حدثهم عن القوم الذين تطلع عليهم الشمس   قال قال خرجت حتى إذا جاوزت الصين ثم سألت عنهم فقيل إن بينك و بينهم مسيرة يوم و ليلة فاستأجرت رجلا فسرت بقية عشيتي و ليلتي حتى صبحتهم فإذا أحدهم يفرش أذنه و يلبس الأخرى و كان صاحبي يحسن لسانهم فسألهم و قال جئنا ننظر كيف تطلع الشمس فبينا نحن كذلك إذ سمعنا كهيئة الصلصلة فغشي علي فأفقت و هم يمسحونني بالدهن فلما طلعت الشمس على الماء فإذا هو يغلي كهيئة الزيت و إذا طرف السماء كهيئة الفسطاط فلما ارتفعت أدخلوني في سرب لهم أنا و صاحبي فلما ارتفع النهار خرجوا إلى البحر فجعلوا يصطادون السمك و يطرحونه بالشمس فينضج. ثم قال الثعلبي قالت العلماء بأخبار القدماء لما فرغ ذو القرنين من أمر الأمم الذين هم بأطراف الأرض و طاف الشرق و الغرب عطف فيها إلى الأمم التي في وسط الأرض من الجن و الإنس و يأجوج و مأجوج فلما كان في بعض الطريق مما يلي منقطع الترك نحو المشرق قالت له أمة صالحة من الإنس يا ذا القرنين إن بين هذين الجبلين خلقا من خلق الله تعالى ليس فيهم مشابه الإنس و هم مشابه البهائم يأكلون العشب و يفترسون الدواب و الوحش كما تفترسها السباع و يأكلون حشرات الأرض كلها من الحيات و العقارب و كل ذي روح مما خلق الله تعالى في الأرض و ليست لله تعالى خلق ينمو نماءهم و لا يزداد كزيادتهم فإن أتت مدة على ما يرى من نمائهم و زيادتهم فلا شك أنهم سيملئون الأرض و يجلون أهلها منها و يظهرون عليها و يفسدون فيها و ليست تمر بنا سنة مذ جاوزناهم إلا و نحن نتوقعهم أن يطلع علينا أولهم من بين هذين الجبلين فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً أي جعلا و أجرا عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَ بَيْنَهُمْ سَدًّا حاجزا فلا يصلون إلينا فقال لهم ذو القرنين ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ أي ما قواني عليه خير من خرجكم و لكن فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ رَدْماً أي حاجزا كالحائط قالوا و ما تلك القوة قال فعله و صناع يحسنون البناء و العمل و آلة قالوا و ما تلك الآلة قال آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ يعني قطعا واحدتها

    زبرة و آتوني بالنحاس فقالوا و من أين لنا الحديد و النحاس ما يسع هذا العمل قال سأريكم على معادن الحديد و النحاس فضرب لهم في جبلين حتى فلقهما ثم استخرج منهما معدنين من الحديد و النحاس قالوا بأي قوة نقطع الحديد و النحاس فاستخرج لهم معدنا آخر من تحت الأرض يقال له السامور و هو أشد ما خلق الله تعالى بياضا و هو الذي قطع به سليمان أساطين بيت المقدس و صخوره و جواهره ثم قاس ما بين الجبلين ثم أوقد على جمع من الحديد و النحاس النار فصنع منه زبرا أمثال الصخور العظام ثم أذاب النحاس فجعله كالطين و الملاط لتلك الصخور من الحديد ثم بنى و كيفية بنائه على ما ذكر أهل السير هو أنه لما قاس ما بين الجبلين وجد ما بينهما مائة فرسخ فلما أنشأ في عمله حفر له الأساس حتى بلغ الماء ثم جعل عرضه خمسين فرسخا ثم وضع الحطب بين الجبلين ثم نسج عليه الحديد ثم نسج الحطب على الحديد فلم يزل يجعل الحديد على الحطب و الحطب على الحديد حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ و هما الجبلان ثم أمر بالنار فأرسلت فيه ثم قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً ثم جعل يفرغ القطر عليه و هو النحاس المذاب فجعلت النار تأكل الحطب فيصير النحاس مكان الحطب حتى لزم الحديد النحاس فصار كأنه برد حبرة من صفرة النحاس و حمرته و سواد الحديد و غبرته فصار سدا طويلا عظيما حصينا كما قال تعالى فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَ مَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً و قال قتادة ذكر لنا أن رجلا قال يا نبي الله قد رأيت سد يأجوج و مأجوج قال انعته لي قال كالبرد الحبر طريقة سوداء و طريقة حمراء قال قد رأيته و يقال إن موضع السد وراء ملاذجرد بقرب مشرق الصيف بينه و بين الخزرة مسيرة اثنين و سبعين يوما.

 و روي عن علي بن أبي طالب ع أنه قال كان ذو القرنين قد ملك ما بين المشرق و المغرب و كان له خليل من الملائكة اسمه رفائيل يأتيه و يزوره فبينما هما ذات يوم يتحدثان إذ قال ذو القرنين يا رفائيل حدثني عن عبادتكم في السماء   فبكى و قال يا ذا القرنين و ما عبادتكم عند عبادتنا إن في السماء من الملائكة من هو قائم أبدا لا يجلس و منهم الساجد لا يرفع رأسه أبدا و منهم الراكع لا يستوي قائما أبدا يقول سبحان الملك القدوس رب الملائكة و الروح ربنا ما عبدناك حق عبادتك فبكى ذو القرنين بكاء شديدا ثم قال إني لأحب أن أعيش فأبلغ من عبادة ربي حق طاعته فقال رفائيل أ و تحب ذلك يا ذا القرنين قال نعم فقال رفائيل فإن لله تعالى عينا في الأرض تسمى عين الحياة فيها من الله عز و جل عزيمة أنه من شرب منها لم يمت أبدا حتى يكون هو الذي يسأل ربه الموت فقال ذو القرنين هل تعلمون أنتم موضع تلك العين فقال لا غير أنا نتحدث في السماء إن لله تعالى في الأرض ظلمة لا يطؤها إنس و لا جان فنحن نظن أن تلك العين في تلك الظلمة فجمع ذو القرنين علماء أهل الأرض و أهل دراسة الكتب و آثار النبوة فقال لهم أخبروني هل وجدتم في ما قرأتم من كتب الله تعالى و ما جاءكم من أحاديث الأنبياء و من كان قبلكم من العلماء أن الله تعالى وضع في الأرض عينا سماها عين الحياة فقالت العلماء لا فقال عالم من العلماء و اسمه فتحيز إني قرأت وصية آدم فوجدت فيها إن الله خلق في الأرض ظلمة لم يطأها إنس و لا جان و وضع فيها عين الخلد فقال ذو القرنين صدقت ثم حشد إليه الفقهاء و الأشراف و الملوك و سار يطلب مطلع الشمس فسار اثنتي عشرة سنة إلى أن بلغ طرف الظلمة فإذا ظلمة تفور مثل الدخان ليست بظلمة ليل فعسكر هناك ثم جمع علماء عسكره فقال إني أريد أن أسلك هذه الظلمة فقال العلماء أيها الملك إنه من كان قبلك من الأنبياء و الملوك لم يطلبوا هذه الظلمة فلا تطلبها فإنا نخاف أن ينفتق عليك أمر تكرهه و يكون فيه فساد أهل الأرض فقال لا بد من أن أسلكها فقالوا أيها الملك كف عن هذه الظلمة و لا تطلبها فإنا لو نعلم أنك إن طلبتها ظفرت بما تريد و لم يسخط الله علينا لاتبعناك و لكنا نخاف العنت من الله تعالى و فسادا في الأرض و من عليها فقال

   ذو القرنين لا بد من أن أسلكها فقالت العلماء شأنك بها فقال ذو القرنين أي الدواب أبصر قالوا الخيل قال فأي الخيل أبصر قالوا الإناث قال فأي الإناث أبصر قالوا البكارة فأرسل ذو القرنين فجمع له ستة آلاف فرس أنثى بكارة ثم انتخب من عسكره أهل الجلد و العقل ستة آلاف رجل فدفع إليهم كل رجل فرسا و عقد للخضر على مقدمته على ألفين و بقي ذو القرنين في أربعة آلاف و قال ذو القرنين للناس لا تبرحوا من معسكركم هذا اثنتي عشرة سنة فإن نحن رجعنا إليكم و إلا فارجعوا إلى بلادكم فقال الخضر أيها الملك إنا نسلك ظلمة هو لا ندري كم السير فيها و لا يبصر بعضنا بعضا فكيف نصنع بالضلال إذا أصابنا فدفع ذو القرنين إلى الخضر خرزة حمراء فقال حيث يصيبكم الضلال فاطرح هذه في الأرض فإذا صاحت فليرجع أهل الضلال إليها أين صاحت فصار الخضر بين يدي ذي القرنين يرتحل الخضر و ينزل ذو القرنين فبينما الخضر يسير إذ عرض له واد فظن أن العين في الوادي و ألقي في قلبه ذلك فقام على شفير الوادي و قال لأصحابه قفوا و لا يبرحن رجل من موقفه فرمى بالخرزة فمكث طويلا ثم أجابته الخرزة فطلب صوتها فانتهى إليها فإذا هي على جانب العين فنزع الخضر ثيابه ثم دخل العين فإذا ماء أشد بياضا من اللبن و أحلى من الشهد فشرب و اغتسل و توضأ و لبس ثيابه ثم رمى بالخرزة نحو أصحابه فوقفت الخرزة فصاحت فرجع الخضر إلى صوتها و إلى أصحابه فركب و قال لأصحابه سيروا باسم الله و مر ذو القرنين فأخطأ الوادي فسلكوا تلك الظلمة أربعين يوما و ليلة ثم خرجوا إلى ضوء ليس بضوء شمس و لا قمر و لا أرض حمراء و رملة خشخاشة أي مصوتة فإذا هو بقصر مبني في تلك الأرض طوله فرسخ في فرسخ عليه باب فنزل ذو القرنين بعسكره ثم خرج وحده حتى دخل القصر فإذا حديدة قد وضعت طرفاها على جانب القصر من هاهنا و هاهنا و إذا بطائر أسود شبيه بالخطاف مزموم بأنفه إلى الحديدة معلق بين السماء و الأرض   فلما سمع الطائر خشخشة ذي القرنين قال من هذا قال أنا ذو القرنين فقال الطائر يا ذو القرنين أ ما كفاك ما وراك حتى وصلت إلي ثم قال الطائر يا ذا القرنين حدثني فقال ذو القرنين سل فقال هل كثر بناء الآجر و الجص في الأرض قال نعم فانتفض الطائر انتفاضة ثم انتفخ فبلغ ثلث الحديدة ثم قال يا ذا القرنين هل كثرت المعازف قال نعم فانتفض الطير و امتلأ حتى ملأ من الحديدة ثلثيها ثم قال هل كثرت شهادات الزور في الأرض قال نعم فانتفض الطائر انتفاضة فملأ الحديدة و سد ما بين جداري القصر فخشي و خاف ذو القرنين و فرق فرقا شديدا فقال الطائر يا ذا القرنين لا تخف حدثني قال سل قال هل يترك الناس شهادة أن لا إله إلا الله قال لا قال فانضم الطائر ثلثا ثم قال يا ذا القرنين هل ترك الناس الصلاة المفروضة بعد قال لا قال فانضم الطائر ثلثا ثم قال يا ذا القرنين هل ترك الناس غسل الجنابة بعد قال لا قال فصار الطائر كما كان ثم قال اسلك يا ذا القرنين هذه الدرجة درجة إلى أعلى القصر فسلكها ذو القرنين و هو خائف وجل لا يدري على م يهجم حتى استوى على صدر الدرج فإذا سطح ممدود عليه صورة رجل شاب قائم عليه ثياب بيض رافعا وجهه إلى السماء واضعا يديه على فيه فلما سمع خشخشة ذي القرنين قال ما هذا قال أنا ذو القرنين قال يا ذا القرنين إن الساعة قد اقتربت و أنا أنتظر أمر ربي يأمرني أن أنفخ فأنفخ ثم أخذ صاحب الصور شيئا من بين يديه كأنه حجر فقال خذها يا ذا القرنين فإن شبع هذا شبعت و إن جاع هذا جعت فأخذ ذو القرنين الحجر و نزل إلى أصحابه فحدثهم بأمر الطائر و ما قال له و ما رد عليه و ما قال صاحب الصور ثم جمع علماء عسكره فقال أخبروني عن هذا الحجر ما أمره فقالوا أيها الملك أخبرنا بما قال لك فيه صاحب الصور فقال ذو القرنين إنه قال لي إن شبع هذا شبعت و إن جاع جعت فوضعت العلماء ذلك الحجر في إحدى كفتي الميزان و أخذوا حجرا مثله فوضعوه في الكفة الأخرى ثم

   رفعوا الميزان فإذا الذي جاء به ذو القرنين يميل فوضعوا معه آخر و رفعوا الميزان فإذا هو يميل بهن فلم يزالوا يضعون حتى وضعوا ألف حجر فرفعوا الميزان فمال بالألف جميعا فقالت العلماء انقطع علمنا دون هذا لا ندري أ سحر هذا أم علم ما لا نعلمه فقال الخضر و كان قد وافاه نعم أنا أعلمه فأخذ الخضر الميزان بيده ثم أخذ الحجر الذي جاء به ذو القرنين فوضعه في إحدى الكفتين فأخذ حجرا من تلك الحجارة فوضعه في الكفة الأخرى ثم أخذ كفا من تراب فوضعه على الحجر الذي جاء به ذو القرنين ثم رفع الميزان فاستوى فخرت العلماء سجدا لله تعالى و قالوا سبحان الله هذا علم لا يبلغه علمنا و الله لقد وضعنا ألفا فما استقل به فقال الخضر أيها الملك إن سلطان الله عز و جل قاهر لخلقه و أمره نافذ فيهم و حكمه جار عليهم فإن الله تعالى ابتلى خلقه بعضهم ببعض فابتلى العالم بالعالم و الجاهل بالجاهل و العالم بالجاهل و الجاهل بالعالم و إنه ابتلاك بي و ابتلاني بك فقال ذو القرنين صدقت فأخبرنا عن هذا المثل فقال الخضر هذا مثل ضربه لك صاحب الصور إن الله عز و جل مكن لك في البلاد و أعطاك منها ما لم يعط أحدا و أوطأك منها ما لم يوطئ أحدا فلم تشبع فأبت نفسك شرها حتى بلغت من سلطان الله ما لم يطأه إنس و لا جان فهذا مثل ضربه لك صاحب الصور إن ابن آدم لا يشبع أبدا دون أن يحثى عليه التراب و لا ملأ جوفه إلا التراب فبكى ذو القرنين ثم قال صدقت يا خضر في ضرب هذا المثل لا جرم لا أطلب أثرا في البلاد بعد مسيري هذا حتى أموت ثم انصرف راجعا حتى إذا كان في وسط الظلمة وطأ الوادي الذي فيه الزبرجد فقال من معه لما سمعوا خشخشة تحت أقدامهم و أقدام دوابهم ما هذا تحتنا يا أيها الملك فقال ذو القرنين خذوا منه فإنه من أخذ ندم و من ترك ندم فمنهم من أخذ الشي‏ء و منهم من تركه فلما خرجوا من الظلمة إذا هو الزبرجد فندم الآخذ و التارك قال و كان رسول الله ص يقول رحم الله أخي ذا القرنين لو ظفر بوادي الزبرجد في مبتداه ما ترك منها شيئا حتى يخرجه إلى الناس لأنه كان راغبا في الدنيا و لكنه ظفر به و هو زاهد في الدنيا لا حاجة له فيها ثم رجع إلى العراق و ملك ملوك الطوائف   و مات في طريقه بشهرروز و قال علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ثم إنه رجع إلى دومة الجندل و كان منزله فأقام بها حتى مات

انتهى و قال الطبرسي ره في قوله تعالى إِنَّ يَأْجُوجَ وَ مَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فسادهم أنهم كانوا يخرجون فيقتلونهم و يأكلون لحومهم و دوابهم و قيل كانوا يخرجون أيام الربيع فلا يدعون شيئا أخضر إلا أكلوه و لا يابس إلا احتملوه عن الكلبي و قيل أراد أنهم سيفسدون في المستقبل عند خروجهم و ورد في الخبر عن حذيفة قال سألت رسول الله ص عن يأجوج و مأجوج فقال يأجوج أمة و مأجوج أمة كل أمة أربعمائة أمة لا يموت الرجل منهم حتى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه كل قد حمل السلاح قلت يا رسول الله صفهم لنا قال هم ثلاثة أصناف صنف منهم أمثال الآزر قلت يا رسول الله و ما الآزر قال شجر بالشام طويل و منهم طوله و عرضه سواء و هؤلاء الذين لا يقوم لهم جبل و لا حديد و صنف منهم يفترش أحدهم إحدى أذنيه و يلتحف بالأخرى و لا يمرون بفيل و لا وحش و لا جمل و لا خنزير إلا أكلوه من مات منهم أكلوه مقدمتهم بالشام و ساقتهم بخراسان يشربون أنهار المشرق و بحيرة طبرية قال وهب و مقاتل إنهم من ولد يافث بن نوح أبي الترك و قال السدي الترك سرية من يأجوج و مأجوج خرجت تغير فجاء ذو القرنين فضرب السد فبقيت خارجته و قال قتادة إن ذا القرنين بنى السد على إحدى و عشرين قبيلة و بقيت منهم قبيلة دون السد فهم الترك و قال كعب هم نادرة من ولد آدم و ذلك أن آدم احتلم ذات يوم و امتزجت نطفته بالتراب فخلق الله من ذلك الماء و التراب يأجوج و مأجوج فهم متصلون بنا من جهة الأب دون الأم و هذا بعيد. وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ قال ره أي من كل نشز من الأرض يسرعون يعني أنهم متفرقون في الأرض فلا ترى أكمة إلا و قوم منهم يهبطون منها   مسرعين و قال رحمه الله في ق قيل هو اسم الجبل المحيط بالأرض من زمردة خضراء خضرة السماء منها عن الضحاك و عكرمة و قال رحمه الله في و الطور أقسم سبحانه بالجبل الذي كلم عليه موسى بالأرض المقدسة و قيل هو الجبل أقسم به لما أودع فيه من أنواع نعمه و في قوله تعالى وَ إِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ أي أ فلا يتفكرون في خلق الله سبحانه الجبال أوتادا للأرض و مسكنة لها و إنه لولاها لمادت الأرض بأهلها

1-  الخصال، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أبي يحيى الواسطي بإسناده رفعه إلى الصادق ع قال الدنيا سبعة أقاليم يأجوج و مأجوج و الروم و الصين و الزنج و قوم موسى و أقاليم بابل

 بيان لعل المراد هنا بيان أقاليم الدنيا باعتبار أصناف الناس و اختلاف صورهم و ألوانهم و طبائعهم و الغرض إما حصرهم فيها فأقاليم بابل المراد بها ما يشمل أشباههم من العرب و العجم و الصين يشمل جميع الترك و الزنج يشمل الهنود أو بيان غرائب الأصناف من الخلق و هو أظهر و المراد بقوم موسى أهل جابلقا و جابرسا كما مر

2-  الخصال، عن القاسم بن محمد بن أحمد بن عبدويه السراج عن علي بن الحسن بن سعيد البزاز عن حميد بن زنجويه عن عبد الله بن يوسف عن خالد بن يزيد بن صبيح عن طلحة بن عمرو الحضرمي عن عطا عن ابن عباس عن النبي ص قال من الجبال التي تطايرت يوم موسى ع سبعة أجبل فلحقت بالحجاز و اليمن منها بالمدينة أحد و ورقان و بمكة ثور و ثبير و حري و   باليمن صبر و حضور

 توضيح قال الفيروزآبادي ورقان بكسر الراء جبل أسود بين العرج و الرويثة بيمين المصعد من المدينة إلى مكة حرسهما الله تعالى و قال ثور جبل بمكة و قال ثبير و الأثبرة و ثبير الخضراء و النصع و الزنج و الأعرج و الأحدب و غنياء جبال بظاهر مكة و قال حراء ككتاب و كعلى عن عياض يؤنث و يمنع جبل بمكة فيه غار تحنث فيه النبي ص أي تعبد و اعتزل و قال الصبر ككتف و لا يسكن إلا في ضرورة شعر جبل مطل على تعز و قال تعز كتقل قاعدة اليمن و قال حضور كصبور جبل و بلد باليمن

3-  الخصال، عن أبيه و محمد بن الحسن بن الوليد عن أحمد بن إدريس و محمد بن يحيى العطار معا عن محمد بن أحمد الأشعري عن محمد بن الحسين عن أحمد بن علي عن زيد بن مهران عن محمد بن عبد الجبار عن الحسين بن زيد قال بلغني أن الله عز و جل خلق الجبل من أربعة أشياء من البحر الأعظم المحدق بالدنيا و من النار و من دموع ملك يقال له إبراهيم و من بئر طيبة و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة

 بيان خلق الجبل كذا في بعض النسخ بالجيم و الباء الموحدة و في أكثر النسخ بالخاء المعجمة و الياء المثناة التحتانية و على التقديرين لعل فيه تجوزا و استعارة مع أن الخبر موقوف لم يسند إلى إمام و كان في البئر أيضا تحريفا

4-  تفسير علي بن إبراهيم، ق وَ الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ قال ق جبل محيط بالدنيا وراء يأجوج و مأجوج و هو قسم

5-  و منه، عن أحمد بن علي و أحمد بن إدريس معا عن محمد بن أحمد العلوي عن العمركي عن محمد بن الجمهور عن سليمان بن سماعة عن عبد الله بن القاسم   عن يحيى بن ميسرة الخثعمي عن أبي جعفر ع قال سمعته يقول عسق عداد سني القائم و ق جبل محيط بالدنيا من زمرد أخضر فخضرة السماء من ذلك الجبل و علم علي كله في عسق

6-  العيون، و العلل، في خبر الشامي سأل أمير المؤمنين ع مما خلقت الجبال قال من الأمواج

7-  البصائر، عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن عثمان بن عيسى عن سماعة بن مهران عن أبي بصير عن أبي جعفر ع أنه قال إن عليا ع ملك ما في الأرض و ما تحتها فعرضت له السحابان الصعب و الذلول فاختار الصعب فكان في الصعب ملك ما تحت الأرض و في الذلول ملك ما فوق الأرض و اختار الصعب على الذلول فدارت به سبع أرضين فوجد ثلاث خراب و أربع عوامر

8-  و منه، عن أحمد بن محمد عن ابن سنان عن أبي خالد و أبي سلام عن سورة عن أبي جعفر ع قال أما إن ذا القرنين قد خير بين السحابين فاختار الذلول و ذخر لصاحبكم الصعب قال قلت و ما الصعب قال ما كان من سحاب فيه رعد و صاعقة أو برق فصاحبكم يركبه أما إنه سيركب السحاب و يرقى في الأسباب أسباب السماوات السبع و الأرضين السبع خمس عوامر و اثنتان خرابان

 بيان لعل الخامسة عمارتها قليلة فعدت في الخبر السابق من الخراب لذلك

9-  البصائر للصفار، و منتخب البصائر لسعد بن عبد الله، عن سلمة عن أحمد بن عبد الرحمن عن محمد بن سليمان عن يقطين الجواليقي عن قلقلة عن أبي جعفر   عليه السلام قال إن الله خلق جبلا محيطا بالدنيا من زبرجد أخضر و إنما خضرة السماء من خضرة ذلك الجبل و خلق خلقا لم يفترض عليهم شيئا مما افترض على خلقه من صلاة و زكاة و كلهم يلعن رجلين من هذه الأمة و سماهما

10-  جامع الأخبار، سئل النبي ص عن القاف و ما خلفه قال خلفه سبعون أرضا من ذهب و سبعون أرضا من فضة و سبعون أرضا من مسك خلفه سبعون أرضا سكانها الملائكة لا يكون فيها حر و لا برد و طول كل أرض مسيرة عشرة ألف سنة قيل و ما خلف الملائكة قال حجاب من ظلمة قيل و ما خلفه قال حجاب من ريح قيل و ما خلفه قال حجاب من نار قيل و ما خلفه قال حية محيطة بالدنيا كلها تسبح الله إلى يوم القيامة و هي ملك الحيات كلها قيل و ما خلفه قال حجاب من نور قيل و ما خلفه قال علم الله و قضاؤه و سئل ص عن عرض قاف و طوله و استدارته فقال عرضه مسيرة ألف سنة من ياقوت أحمر قضيبه من فضة بيضاء و زجه من زمردة خضراء له ثلاث ذوائب من نور ذؤابة بالمشرق و ذؤابة بالمغرب و الأخرى في وسط السماء عليها مكتوب ثلاثة أسطر الأول بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الثاني الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الثالث لا إله إلا الله محمد رسول الله

11-  الدر المنثور، عن كعب في قوله حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ قال حجاب من ياقوت أخضر محيط بالخلائق فمنه اخضرت السماء التي يقال لها السماء الخضراء و اخضر البحر من السماء فمن ثم يقال البحر الأخضر

 و عن ابن مسعود أيضا مثله بيان الأخبار المنقولة من الكتابين ضعيفة عامية و قد مر أشباهها و بعض القول فيها في باب العوالم

    -12  كتاب الأقاليم و البلدان، قال قال رسول الله ص من قرأ فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَ حِينَ تُصْبِحُونَ إلى وَ كَذلِكَ تُخْرَجُونَ كتب له من الحسنات بعدد كل ورقة ثلج على جبل سيلان قيل و ما السيلان يا رسول الله قال جبل بأرمنية و آذربيجان عليه عين من عيون الجنة و فيه قبر من قبور الأنبياء

 قال أبو حامد الأندلسي على رأس هذا الجبل عين عظيمة مع غاية ارتفاعه ماؤه أبرد من ماء الثلج كأنما يشبه بالعسل لشدة عذوبته و بجوف هذا الجبل ماء يخرج من عين يصلق البيض لحرارته يقصدها الناس لمصالحهم و بحضيض هذا الجبل شجر كثير و مراع و شي‏ء من حشيش لا يتناوله إنسان و لا حيوان إلا مات لساعته. قال القزويني و لقد رأيت الخيل و الدواب ترعى في هذا الجبل فإذا قربت من ذلك الحشيش نفرت و ولت منهزمة كالمطرودة و قال قال القزويني في قرية من قرى قزوين جبل حدثني من صعده أن عليه صورة كل حيوان من الحيوان على اختلاف أجناسها و صور الآدميين على أنواع أشكالها عدد لا تحصى و قد مسخوا حجارة و فيه الراعي متكئا على عصاه و الماشية حوله كلها حجارة و امرأة تحلب بقرة و قد تحجر و الرجل يجامع امرأته و قد تحجر و امرأة ترضع ولدها و هلم جرا هكذا

13-  و قال حكي أنه دخل على جعفر الصادق ع رجل من همدان فقال له جعفر الصادق ع من أين أنت قال من همدان فقال له أ تعرف جبلها راوند قال له الرجل جعلت فداك إنه أروند قال نعم إن فيه عينا من عيون الجنة

 بيان كان الجبل مسمى بكلا الاسمين و الصحيح من اسمه راوند و إنما صدقه لأنه هكذا أعرف عندهم. و قال جبل قاف محيط بالأرض كإحاطة بياض العين بسوادها و ما وراء جبل قاف فهو من حكم الآخرة لا من حكم الدنيا و قال بعض المفسرين إن لله سبحانه و تعالى من وراء جبل قاف أرضا بيضاء كالفضة المجلوة طولها مسيرة أربعين يوما للشمس و بها ملائكة شاخصون إلى العرش لا يعرف الملك منهم من إلى جانبه من هيبة الله تعالى   و لا يعرفون ما آدم و ما إبليس هكذا إلى يوم القيامة و قيل إن يوم القيامة تبدل أرضنا هذه بتلك الأرض و الله أعلم. و قال السرنديب هو جبل بأعلى الصين في بحر الهند و هو الجبل الذي أهبط عليه آدم ع و عليه أثر قدمه غائص في الصخرة طوله سبعون شبرا و على هذا الجبل ضوء كالبرق و لا يتمكن أحد أن ينظر إليه و لا بد لكل يوم فيه من المطر فيغسل قدم آدم ع و حوله من أنواع اليواقيت و الأحجار النفيسة و أصناف العطر و الأدوية ما لا يوصف فإن آدم خطا من هذا الجبل إلى ساحل البحر خطوة واحدة و هو مسيرة يومين. و قال حكي عن عبادة بن الصامت قال أرسلني أبو بكر إلى ملك الروم رسولا لأدعوه إلى الإسلام فسرت حتى دخلت بلاد الروم فلاح لنا جبل يعرف بأهل الكهف فوصلنا إلى دير فيه و سألنا أهل الدير عنهم فأوقفونا على سرب في الجبل فوهبنا لهم شيئا و قلنا نريد أن ننظر إليهم فدخلوا و دخلنا معهم و كان عليهم باب من حديد ففتحوه لنا فانتهينا إلى بيت عظيم محفور في الجبل فيه ثلاثة عشر رجلا مضطجعين على ظهورهم كأنهم رقود و على كل واحد منهم جبة غبراء و كساء أغبر قد غطوا بها من رءوسهم إلى أقدامهم فلم ندر ما ثيابهم من صوف أو وبر إلا أنها كانت أصلب من الديباج فلمسناها فإذا هي تتقعقع من الصفاقة و على أرجلهم الخفاف إلى أنصاف سوقهم مستنعلين بنعال مخصوفة و خفافهم و نعالهم في جودة الخز و لين لجلود ما لم ير مثله قال فكشفنا عن وجوههم رجلا رجلا فإذا هم في وضاءة الوجوه و صفاء الألوان و حسن التخطيط و هم كالأحياء بعضهم في نضارة الشباب و بعضهم قد خطه الشيب و بعضهم شعورهم مظفورة و بعضهم شعورهم مضمومة و على زي المسلمين فانتهينا إلى آخرهم فإذا فيهم مضروب على وجهه بسيف كأنما ضرب في يومه فسألنا عن حالهم و ما يعلمون من أمورهم فذكروا أنهم يدخلون عليهم في كل عام يوما و يجتمع أهل تلك الناحية على الباب فيدخل عليهم من ينفض التراب عن وجوههم و أكسيتهم و يقلم أظفارهم   و يقص شواربهم و يتركهم على هيئتهم هذه قلنا لهم هل تعرفون من هم و كم مدة هم هاهنا فذكروا أنهم يجدون في كتبهم أنهم كانوا أنبياء بعثوا إلى هذه البلاد في زمان واحد قبل المسيح بأربعمائة سنة و عن ابن عباس أن أصحاب الكهف سبعة

14-  نوادر علي بن أسباط، عن إبراهيم بن علي المحمودي عن أبيه عن عبد الله بن موسى عن أبيه عن جده جعفر بن محمد عن محمد بن علي ع عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال خرج علينا رسول الله ص ذات يوم و نحن في مسجده فقال من هاهنا قلت أنا يا رسول الله و سلمان الفارسي فقال يا سلمان ادع لي مولاك عليا فقد جاءتني فيه عزيمة من رب العالمين قال جابر فذهب سلمان فاستخرج عليا من منزله فلما دنا من رسول الله ص خلا به فأطال مناجاته كل ذلك يسر إليه رسول الله ص سرا خفيا عنا و وجه رسول الله ص يقطر عرقا كنظم الدر يتهلل حسنا ثم قال له لما انصرف من مناجاته قد سمعت و وعيت فاحفظ يا علي ثم قال يا جابر ادع عمر و أبا بكر قال جابر فذهبت إليهما فدعوتهما فلما حضراه قال يا جابر ادع لي عبد الرحمن بن عوف قال جابر فدعوته فلما أتاه قال يا سلمان اذهب إلى بيت أم سلمة فأتني بالبساط الخيبري قال جابر فما لبثنا أن جاءنا سلمان بالبساط فأمره أن يبسط ثم أمر القوم فجلس كل واحد منهم على ركن من أركانه و كانوا ثلاثة ثم خلا رسول الله ص فأطال مناجاته و أسر إليه سرا خفيا ثم أمره أن يجلس على الركن الرابع من البساط ثم قال النبي ص يا علي اجلس متوسطا و قل ما أمرتك به فإنك لو قلته على الجبال لسارت أو قلته على الأرض لتقطعت من ورائك و لطويت كل من بين يديك و لو كلمت به الموتى لأجابوك بإذن الله فقال له بعض القوم يا رسول الله هذا لعلي خاصة قال نعم فاعرفوا ذلك له قال جابر فلما أخذ كل واحد مجلسه اختلج البساط فلم أره إلا ما بين السماء و الأرض فلما رجع سلمان خبرني أنهم ساروا ما بين السماء و الأرض لا يدرون أ شرقا أم غربا حتى انقض بهم البساط على كهف عظيم عليه باب من حجر واحد قال سلمان فقمت بالذي أمرني به رسول الله ص قال جابر فقلت لسلمان ما أمرك رسول الله ص قال

   أمرني إذا استقر البساط مكانه من الأرض و صرنا عند الكهف أن آمر أبا بكر بالسلام على أهل ذلك الكهف و على الجميع فأمرته فسلم عليهم بأعلى صوته فلم يردوا عليه شيئا ثم سلم أخرى فلم يجب فشهد أصحابه على ذلك و شهدت عليه ثم أمرت عمر فسلم عليهم بأعلى صوته فلم يردوا عليه شيئا ثم سلم أخرى فلم يجب فشهد أصحابه على ذلك و شهدت عليه ثم أمرت عبد الرحمن بن عوف فسلم عليهم فلم يجب فشهدوا أصحابه على ذلك و شهدت عليه ثم قمت أنا فأسمعت الحجارة و الأودية صوتي فلم أجب فقلت لعلي فداك أبي و أمي أنت بمنزلة رسول الله ص حتى نرجع لك و لك السمع و الطاعة و قد أمرني أن آمرك بالسلام على أهل هذا الكهف آخر القوم و ذلك لما يريد الله لك و بك الشرف من شرف الدرجات فقام علي فسلم بصوت خفي فانفتح الباب فسمعنا له صريرا شديدا و نظرنا إلى داخل الغار يتوقد نارا فملئنا رعبا و ولى القوم فرارا فقلت لهم مكانكم حتى نسمع ما يقال و إنه لا بأس عليكم فرجعوا فأعاد علي ع فقال السلام عليكم أيها الفتية الذين آمَنُوا بِرَبِّهِمْ فقالوا و عليك السلام يا علي و رحمة الله و بركاته و على من أرسلك بآبائنا و أمهاتنا أنت يا وصي محمد خاتم النبيين و قائد المرسلين و نذير العالمين و بشير المؤمنين أقرئه منا السلام و رحمة الله يا إمام المتقين قد شهدنا لابن عمك بالنبوة و لك بالولاية و الإمامة و السلام على محمد يوم ولد و يوم يموت و يوم يبعث حيا قال ثم أعاد علي ع فقال السلام عليكم أيها الفتية الذين آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَ زِدْناهُمْ هُدىً فقالوا عليك السلام و رحمة الله و بركاته يا مولانا و إمامنا الحمد لله الذي أرانا ولايتك و أخذ ميثاقنا بذلك و زادنا إيمانا و تثبيتا على التقوى قد سمع من بحضرتك أن الولاية لك دونهم وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ قال سلمان فلما سمعوا ذلك أقبلوا على علي ع و قالوا شهدنا و سمعنا فاشفع لنا إلى نبينا ليرضى عنا برضاك ثم تكلم علي ع بما أمره رسول الله ص ما درينا أ شرقا أم غربا حتى نزلنا كالطير الذي يهوي من مكان بعيد و إذا نحن على باب المسجد فخرج إلينا رسول الله ص فقال كيف رأيتم فقال القوم نشهد كما شهد أهل الكهف و نؤمن كما آمنوا فقال   إن تفعلوا تهتدوا وَ ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ فإن لم تفعلوا تختلفوا فمن وافى وافى الله له و من نكص فعلى عقبيه ينقلب أ فبعد المعرفة و الحجة و الذي نفسي بيده لقد أمرت أن آمركم ببيعته و طاعته فبايعوه و أطيعوه فقد نزل الوحي بذلك يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ قال جابر فبايعناه فقال رسول الله ص إن استقمتم على الطريقة لعلي في ولايته أسقيتم ماء غدقا و أكلتم من فوق رءوسكم و من تحت أرجلكم و إن لم تستقيموا اختلفت كلمتكم و شمت بكم عدوكم و لتتبعن بني إسرائيل شيئا شيئا لو دخلوا حجر ضب لتبعتموهم فيه و طوبى لمن تمسك بولاية علي من بعدي حتى يموت و بلغني و أنا عنه راض قال جابر و كان ذهابهم و مجيئهم من زوال الشمس إلى وقت العصر

15-  الدر المنثور، عن ابن عباس قال خلق الله تعالى من وراء هذه الأرض بحرا محيطا بها ثم خلق من وراء ذلك جبلا يقال له ق السماء الدنيا مترفرفة عليه ثم خلق من وراء ذلك الجبل أيضا مثل تلك الأرض سبع مرات ثم خلق من وراء ذلك بحرا محيطا بها ثم خلق من وراء ذلك جبلا يقال له ق السماء الثانية مترفرفة عليه حتى عد سبع أرضين و سبعة أبحر و سبعة أجبل قال و ذلك قوله وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ

16-  و عن عبد الله بن بريدة قال ق جبل من زمرد محيط بالدنيا عليه كنفا السماء

17-  و عن مجاهد قال ق جبل محيط بالأرض

    -18  و عن ابن عباس قال خلق الله جبلا يقال له ق محيط بالعالم و عروقه إلى الصخرة التي عليها الأرض فإذا أراد الله أن يزلزل قرية أمر ذلك الجبل فحرك العرق الذي يلي تلك القرية فيزلزلها و يحركها فمن ثم تحرك القرية دون القرية

19-  العلل، و المجالس، للصدوق عن محمد بن علي ماجيلويه عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد الأشعري عن عيسى بن محمد عن علي بن مهزيار عن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن حماد عن أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد ع قال إن ذا القرنين لما انتهى إلى السد جاوزه فدخل في الظلمات فإذا هو بملك قائم على جبل طوله خمسمائة ذراع فقال له الملك يا ذا القرنين أ ما كان خلفك مسلك فقال له ذو القرنين من أنت قال أنا ملك من ملائكة الرحمن موكل بهذا الجبل فليس من جبل خلقه الله عز و جل إلا و له عرق إلى هذا الجبل فإذا أراد الله عز و جل أن يزلزل مدينة أوحى إلي فزلزلتها

 العياشي، عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله ع قال سألته عن الزلزلة فقال أخبرني أبي عن آبائه قال قال رسول الله ص إن ذا القرنين لما انتهى إلى السد إلى آخر الخبر الفقيه، مرسلا مثله بيان أ ما كان خلفك مسلك أي لأي شي‏ء جئت هاهنا مع سعة الأرض خلفك

20-  العلل، عن أبيه عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد الأشعري عن يعقوب بن يزيد عن بعض أصحابه عن محمد بن سنان عمن ذكره عن أبي عبد الله ع قال إن الله عز و جل خلق الأرض فأمر الحوت فحملتها فقالت حملتها بقوتي فبعث الله عز و جل حوتا قدر شبر فدخلت في منخرها فاضطربت أربعين صباحا فإذا أراد   الله عز و جل أن يزلزل أرضا تراءت لها تلك الحوتة الصغيرة فزلزلت الأرض فرقا

 الفقيه، مرسلا مثله و فيه قدر فتر

بيان الفتر بالكسر ما بين السبابة و الإبهام إذا فرقتهما و تأنيث فحملتها و قالت بتأويل الحوتة أو السمكة و الفرق بالتحريك الخوف

21-  العلل، عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار بإسناد له رفعه إلى أحدهم ع أن الله تبارك و تعالى أمر الحوت بحمل الأرض و كل بلدة من البلدان على فلس من فلوسه فإذا أراد الله عز و جل أن يزلزل أرضا أمر الحوت أن يحرك ذلك الفلس فيحركه و لو رفع الفلس لانقلبت الأرض بإذن الله

 الفقيه، مرسلا عن الصادق ع مثله بيان قال الصدوق قدس سره بعد إيراد تلك الأخبار الثلاثة في الفقيه و الزلزلة تكون من هذه الوجوه الثلاثة و ليست هذه الأخبار بمختلفة انتهى و الظاهر أن مراده أن الزلزلة قد تكون بالعلة الأولى و قد تكون بالعلة الثانية و قد تكون بالعلة الثالثة و يحتمل اجتماع تلك العلل في كل زلزلة و يمكن أن تكون الثانية في الزلزلة العامة لجميع الأرض كزلزلة القيامة و الثالثة في ما إذا حصل بسببها خسف و انقلاب و تغير عظيم في الأرض و بالجملة الزلزلة العظيمة و الأولى في الزلازل الجزئية اليسيرة و يؤيد الخبر الأول أن أكثر الزلازل تبتدئ من الجبال و كل أرض تكون أقرب من الجبل فهي فيها أشد

22-  الكافي، عن علي بن محمد عن صالح بن أبي حماد عن محمد بن سنان عن ابن مسكان عن أبي بكر الحضرمي عن تميم بن حاتم قال كنا مع أمير المؤمنين عليه السلام فاضطربت الأرض فوجأها ثم قال لها اسكني ما لك ثم التفت إلينا فقال أما إنها لو كانت التي قال الله لأجابتني و لكنها ليست بتلك

    -23  العلل، عن أحمد بن محمد عن أبيه عن محمد بن أحمد عن يحيى بن محمد بن أيوب عن علي بن مهزيار عن ابن سنان عن يحيى الحلبي عن عمر بن أبان عن جابر قال حدثني تميم بن حذيم قال كنا مع علي ع حيث توجهنا إلى البصرة قال فبينما نحن نزول إذا اضطربت الأرض فضربها علي ع بيده ثم قال لها ما لك ثم أقبل علينا بوجهه ثم قال لنا أما إنها لو كانت الزلزلة التي ذكرها الله عز و جل في كتابه لأجابتني و لكنها ليست بتلك

 بيان هذا إشارة إلى ما ورد في الأخبار أن الإنسان في سورة الزلزال هو أمير المؤمنين ع يقول للأرض ما لك فتحدثه الأرض أخبارها كما

 روي في العلل، عن فاطمة ع قالت أصاب الناس زلزلة على عهد أبي بكر و ساقت الحديث إلى قولها فقال لهم علي ع كأنكم قد هالكم ما ترون قالوا و كيف لا يهولنا و لم نر مثلها قط قالت فحرك شفتيه ثم ضرب الأرض بيده ثم قال ما لك اسكني فسكنت فقال أنا الرجل الذي قال الله إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها وَ أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها وَ قالَ الْإِنْسانُ ما لَها فأنا الإنسان الذي يقول لها ما لك يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها إياي تحدث

فهذا معنى قوله ع أنها لو كانت الزلزلة التي ذكرها الله في كتابه أي في سورة الزلزال و هي زلزلة القيامة لأجابتني أي لحدثت و تكلمت معي و لكنها ليست بتلك أي زلزلة القيامة

24-  العلل، بالإسناد المتقدم عن محمد بن أحمد عن إبراهيم بن إسحاق عن محمد بن سليمان الديلمي قال سألت أبا عبد الله ع عن الزلزلة ما هي قال آية قلت و ما سببها قال إن الله تبارك و تعالى وكل بعروق الأرض ملكا فإذا أراد الله أن يزلزل أرضا أوحى إلى ذلك الملك أن حرك عروق كذا و كذا قال فيحرك ذلك الملك عروق تلك الأرض التي أمره الله فتتحرك بأهلها قال قلت فإذا كان ذلك فما أصنع قال صل صلاة الكسوف فإذا فرغت خررت ساجدا و تقول في سجودك   يا من يُمْسِكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَ لَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً أمسك عنا السوء إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ

 الفقيه، بإسناده عن سليمان الديلمي مثله بيان آية أي علامة من علامات غضبه أو قدرته أَنْ تَزُولا أي كراهة أن تزولا أو لتضمن الإمساك معنى الحفظ أو المنع عدي به إِنْ أَمْسَكَهُما أي ما أمسكهما و في الفقيه بعد قوله غَفُوراً يا من يُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ أمسك

25-  الكافي، عن علي بن محمد عن صالح بن أبي حماد عن بعض أصحابه عن عبد الصمد بن بشير عن أبي عبد الله ع قال إن الحوت الذي يحمل الأرض أسر في نفسه أنه إنما يحمل الأرض بقوته فأرسل الله عز و جل إليه حوتا أصغر من شبر و أكبر من فتر فدخل في خياشيمه فصعق فمكث بذلك أربعين يوما ثم إن الله عز و جل رأف به و رحمه و خرج فإذا أراد الله عز و جل بأرض زلزلة بعث ذلك الحوت إلى ذلك الحوت فإذا رآه اضطرب فتزلزلت الأرض

26-  العلل، لمحمد بن علي بن إبراهيم العلة في زلزلة الأرض أن الحوت الذي يحمل الأرض له فلوس فإذا أراد الله عز و جل زلزلة أرض أو مكان رفع الحوت الفلس الذي في ذلك الموضع و حركه فتزلزل الأرض

27-  توحيد المفضل، قال الصادق ع فإن قال قائل فلم صارت هذه الأرض تزلزل قيل له إن الزلزلة و ما أشبهها موعظة و ترهيب يرهب بها الناس ليرعوا و ينزعوا عن المعاصي

فوائد

 الأولى قسمة المعمور من الأرض بالأقاليم السبعة قالوا الدائرة العظيمة   التي تحدث على سطح الأرض إذا فرض معدل النهار قاطعا للعالم الجسماني تسمى خط الاستواء و إذا فرضت عظيمة أخرى على وجه الأرض تمر بقطبيها انقسمت الأرض بهما أرباعا أحد القسمين الشماليين هو الربع المسكون و الباقية إما غامرة في البحار غير مسكونة و إما عامرة غير معلومة الأحوال و طول كل ربع بقدر نصف الدائرة العظيمة و عرضه بقدر ربعها و هذا الربع المسكون أيضا ليس كله معمورا إذ بعضه في جانب الشمال لفرط البرد لا يمكن لحيوان التعيش فيه و هي المواضع التي يكون عرضها أزيد من تمام الميل الكلي و في القدر المعمور أيضا بحار كثيرة بعضها متصل بالمحيط و بعضها غير متصل كما عرفت و جبال و آكام و آجام و بطائح و مغايض و براري لا تقبل العمارة و وجدوا في جنوب خط الاستواء قليلا من العمارة من الزنج و السودان لكن لقلتها لم يعدوها من المعمورة و مبدأ العمارة عند المنجمين من جانب الغرب و كانت هناك جزائر تسمى الجزائر الخالدات و هي الآن مغمورة في الماء فجعلها بعضهم مبدأ الطول و آخرون جعلوا ساحل البحر الغربي مبدأ و بينهما عشر درجات و نهاية العمارة من الجانب الشرقي عندهم كنك‏ذر و هو مستقر الشياطين بزعمهم و سموا ما بين النهايتين على خط الاستواء قبة الأرض ثم قسموا المعمور من هذا الربع في جانب العرض بسبعة أقاليم بدوائر موازية لخط الاستواء طول كل إقليم ما بين الخافقين و عرضه بقدر تفاضل نصف ساعة في النهار الأطول لأن أحوال كل إقليم متشابهة متناسبة بحسب الحر و البرد و المزاج و الألوان و الأخلاق فمبدأ الإقليم الأول في العرض عند الأكثر مواضع يكون عرضها اثنتا عشرة درجة و ثلثا درجة و نهارهم الأطول اثنتا عشرة ساعة و نصف و ربع و لم يعدوا من خط الاستواء إلى هذه المواضع من المعمورة لقلة العمارة فيها و بعضهم يجعل مبدأ الإقليم خط الاستواء لكن على التقديرين لا خلاف في أن مبدأ الإقليم الثاني حيث عرضه عشرون درجة و نصف و نهاره الأطول ثلاث عشرة ساعة و ربع و مساحة سطح الإقليم الأول على الأول كما ذكره البرجندي ستمائة ألف و اثنان و ستون ألف فرسخ و أربعة و أربعون فرسخا و نصف   فرسخ و البلاد المشهورة الواقعة فيه نجران و جند و صنعاء و صعدة و صحار و سندان و كولم و علاقي و قال بعضهم و هذا الإقليم يبتدئ في الطول من المشرق و أراضي الصين و تمر هناك على أنهار عظيمة ثم تمر على سواحل البحر الجنوبي و بعض أرض الصين و بعض البلاد الجنوبية من الهند و السند ثم على جزيرة كرك التي والاها من قبل ملك اليمن ثم يمر على خليج فارس و جزيرة العرب و على أكثر بلاد اليمن كمعلى و حضرموت و صنعاء و زبيد و عدن و شهر و قلهات و ظفار و سبأ و مدينة الطيب و صحار قصبة عمان ثم على الخليج الأحمر و دار ملك الحبشة و بلاد النوبة و على غاية معدن الذهب من بلاد السودان المغرب ثم على بلاد بربر إلى المحيط المغربي و عدد البلاد المشهورة الواقعة في هذا الإقليم خمسون و فيه من الجبال و الأنهار العظيمة عشرون جبلا و ثلاثون نهرا و لون أكثر أهله السواد و يزعمون أن هذا الإقليم منسوب إلى زحل و مساحة سطح ما بين خط الاستواء و الإقليم الأول ألف ألف فرسخ و مائة و ستة عشر ألف فرسخ و سبعمائة و خمسة و ثلاثون فرسخا و سدس فرسخ و البلاد المشهورة الواقعة فيها عدن و شوام و حضرموت و مرباط و سقوطرة و جزيرة سرنديب و جزيرة لامرى و جزيرة كله و غانه و كوكو و سقالة و بربرا و زغاوة من بلاد الزنج و هدية و زيلع كلاهما من بلاد الحبشة. و مساحة الإقليم الثاني خمسمائة ألف فرسخ و اثنان و سبعون ألف فرسخ و ستة و ستون فرسخا و ثلث فرسخ و البلاد المشهورة فيه مكة و المدينة ضاعف الله شرفهما و تيماء من بلاد الشام و ينبع و جدة و خيبر و بطن مر و الطائف و الفيد و الفرع و يمامة و الأحساء و قطيف و البحرين و القفط و صعيد

    و أسيوط و أسوان و إسنا و عيذاب و لمطه من أقصى المغرب و سوس أقصى و سجلماسة و ديبل من بلاد السند و مكران و بيرون و المنصورة و صنم صومنات من بلاد الهند و كنبايت و ماهوره و قنوج و قال بعضهم هذا الإقليم يأخذ في الطول من بلاد الصين و يمر بمعظم بلاد الهند و منها دهلي ثم بشمال جبال معروفة في ديارهم و يمر بمعظم ديار السند منها منصورة و يصل إلى عمان و يقطع جزيرة العرب من أرض نجد و تهامة و يمر بالطائف و مكة شرفها الله تعالى و مدينة الرسول ص و يثرب و هجر و قطيف و البحرين و هرمز من كرمان و يقطع القلزم و يصل إلى صعيد مصر و يقطع النيل و يأخذ في أرض المغرب و يمر بأواسط بلاد إفريقية ثم ببلاد البربر و يصل إلى المحيط و البلاد المشهورة الواقعة في هذا الإقليم أيضا خمسون و فيه من الجبال عشرون و من الأنهار مثلها و لون عامة أهله بين السواد و السمرة و يزعمون أنه منسوب إلى الشمس. و مبدأ الإقليم الثالث عرضه سبع و عشرون درجة و نصف و نهاية طول الأيام ثلاث عشرة ساعة و ثلاث أرباع ساعة و مساحة سطحه أربعمائة و ستون ألف فرسخ و أحد و تسعون فرسخا و خمسا فرسخ و البلاد المشهورة فيه الإسكندرية و منفلوط من بلاد سعيد و أكثر بلادها الواقعة على النيل و رشيد و دمياط من بلاد مصر و قلزم على ساحل بحر اليمن و فسطاط من بلاد مصر و عين الشمس منها و أسفي من أقصى المغرب و سلا و فاس و مراكش و درعة و ميلة و تاهرت و قسطينة   و سطيف كلها من بلاد المغرب و تينزرت و تونس و قابس و قيروان و مهدية و صفاقس و أطرابلس و قصر أحمد كلها من بلاد إفريقية و غزة و عسقلان و قيسارية و رملة و بيت المقدس كلها من بلاد فلسطين و نابلس و عكا و بيسان و صور و عمان و كرك و بيروت و صيدا و أذرعات و بصري و دمشق و صرخد كلها من بلاد الشام و هيت و القادسية و حيرة و الكوفة و الأنبار و بغداد و صرصر و المدائن و بابل و نعمانية و نهروان و قصر ابن هبيرة و نهر الملك كلها من بلاد العراق و نواحيها و بصرة و أبله و عبادان و طيب و سوس و قرقوب و تستر و حبى و عسكر مكرم و الأهواز و دورق و أرجان كلها ما عدا الثلاثة الأول من بلاد خوزستان و سيف البحر و جور و أبرقوه و كازرون و نوبندجان و فيروزآباد و شيراز و البيضاء و إصطخر و بسا و دارابجرد كلها من بلاد فارس و نواحيها و يزد و بافد و بردسير و جيرفت و سيرجان و زرند و بم و هرمز كلها من بلاد كرمان و زرنج و شروان و بست كلها من بلاد سيستان و ملتان من بلاد السند و تعبر من بلاد الهند و زيتون من بلاد الصين و أصبهان و أردستان و طبس و بيروزكوه و ميمند و غزنة و كابل و قال بعضهم هذا الإقليم يبتدئ من شرقي أرض الصين و دار ملكهم و تمر بوسط مملكة الهند و قندهار و كشمير و يمر بمولتان من أرض السند و بزابل و بست و سيستان و كيج و يزده‏سير مدينة كرمان و خبيص و يزد و فارس و أصفهان و الأهواز و عسكر و كوفة و بصرة و واسط و بغداد و المدائن و إذا جاوز هذه البلاد يمر بديار ربيعة و مضر و دمشق و حمص و بيت المقدس و الصورية و الطبرية و القيسارية و عسقلان و المدين و يأخذ طرفا من الأرض مصر فيه دمياط و فسطاط

    و الإسكندرية ثم يمر ببلاد الإفريقية و بلد قيروان و السوس و طرابلس المغرب ثم بقبائل السرير في أرض المغرب و بلاد طنجة و ينتهي إلى المحيط و عدد البلاد المشهورة الواقعة فيه مائة و ثمانية و عشرون و فيه من الجبال ثلاثة و ثلاثون و من الأنهار اثنان و عشرون و لون أكثر أهله السمرة و يزعمون أنه منسوب إلى عطارد. و أما الإقليم الرابع فعرض أوله ثلاث و ثلاثون درجة و أربعون دقيقة و أطول نهاره أربع عشرة ساعة و ربع و مساحة سطحه ثلاثمائة ألف ثمانية و سبعون ألفا و ثمانية و ثلاثون فرسخا و ربع و البلاد المشهورة فيه قصر عبد الكريم و طنجة و سبسته و تلمسان و بجاية من بلاد المغرب و بوند و قصر أحمد من بلاد إفريقية و إشبيلة و قرطبة و مالقة و غرناطة و بلنسية كلها من بلاد الشام و توابعها و جزيرة يابسة و جزيرة مايرقه فيها بحيرة محيطها تسعة أميال و جزيرة سردانية و جزيرة صقلية و جزيرة وسامس و جزيرة رودس و جزيرة قبرس كل هذه الجزائر في بحر الروم و طرسوس و أياس و أرطة و مصيصة و برس‏برت و تل حمدون كلها من بلاد أرمن و أطرابلس و بلنباس و بعلبك و عرقة و جبلة من بلاد الشام و سبس و صهيون و بغراس و حارم و حصن الأكراد و الحمص و حماة و شيزر و مرعش و حصن منصور و منبج و معرة و قنسرين و سميساط بعضها من   أعمال حلب و بعضها من أعمال الشام و حلب و حران و رقة كلاهما من ديار مضر و ماردين من ديار ربيعة و ميافارقين من بلاد الجزيرة و قرقيسياء و جيران و نصيبين و جزيرة ابن عمر و سنجار من ديار ربيعة و تل أعفر و موصل و الحديثة و دقوقاء و آمد و عانة و سعرت و تكريت و سامراء و دسكرة و جلولاء و خانقين و حلوان بعضها من العراق و بعضها من الجزائر و دلي من بلاد الهند و أنطاليا من بلاد الروم و أرزن و بدليس و أرجليس كلها من أرمنية و سلماس و خوي و مراغة و أوجان و أردبيل و ميانج و مرند و تبريز كلها من بلاد آذربيجان و موقان و إربل و شهرزور و قصرشيرين و صيمرة و دينور و سيروان و ماسبدان و سهرورد و زنجان و نهاوند و همدان و بروجرد و أبهر و ساوه و قزوين و آبة و جرباذقان و قم و طالقان و قاشان و الري و كرج أكثرها من بلاد الجبل و لاهجان و روذبار و سالوس و ناتل و أرجان و آمل و سارية كلها من بلاد طبرستان و سمنان و دامغان و بسطام و أسترآباد و آبسكون و جرجان و دهستان و خسروجرد و قصبة سبزوار و أسفراين و نيسابور و نسا و طوس و نوقان و أبيورد و قوهستان و قاين و زوزن و جزجرد و بوزجان و سرخس و فوشنج و هراة و بادغيس و مالين و شيورغان و أسفزار و مرورود و مرو و شاه‏جهان و فارياب و شهرستان و سمنجان كلها من خراسان و أعمالها و بدخشان و ترمد و ختلان و وخش و صغانيان و شومان و آثينية كلها من بلاد المغرب و يقال أنه بلد حكماء يونان. و قال بعض الأفاضل هذا الإقليم وسط الأقاليم و وسط معظم عمارة العالم و يبتدئ من شمال بلاد الصين و يمر ببلاد التبت الداخل و جرجير و خطا و ختن و بجبال

    كشمير و بدخشان و صغانيان و كابل و يمر بطخارستان و غور و بلخ و ترمد و هرات و مرو و شاهجهان و مرورود و سرخس و جوزجان و فارياب و غرجستان و باورد و نسا و سبزوار و طوس و نيشابور و أسفراين و قهستان و قومس و جرجان و طبرستان و آمد و قم و آمل و كاشان و همدان و أبهر و قزوين و الديلم و ساوه و الموت و كرج و كيلان و مازندران و ساري و سمنان و دامغان و أسترآباد و بسطام و نهاوند و دينور و حلوان و شهرزور و زنجان و سلطانية و أردبيل و الموصل و سامرة و أرمنية و مراغة و تبريز و سنجار و نصيبين و سمياط و ملطية و أرزنجان و رأس العين و قاليقلا و سميساط و حلب و أنطاكية و قنسرين و طرابلس الشام و حمص و طرسوس و جزيرة قبرس و رودس و يمر بأرض المغرب على بلاد أفرنجة و طنجة و ينتهي إلى المحيط على الرقاق من الأندلس و بلاد المغرب و عدد البلاد المشهورة الواقعة فيه مائتان و اثنا عشر و فيه من الجبال خمسة و عشرون و من الأنهار اثنان و عشرون و لون عامة أهله بين السمرة و البياض و هو منسوب إلى المشتري على الأصح بزعمهم. و أما الإقليم الخامس فمبدؤه حيث عرضه تسع و ثلاثون درجة و غاية طول نهارهم أربع عشرة ساعة و ثلاثة أرباع ساعة و مساحة سطحه مائتا ألف و تسع و تسعون ألف فرسخ و أربعمائة و ثلاثة و تسعون فرسخا و ثلاثة أعشار فرسخ و من البلاد الواقعة فيها أشبونة و شنترين و بطليوس و ماردة و طليطلة و مرسية و دانية و مدينة   سالم و سرقسطة و طرطوشة و لاردة و هيكل الزهرة و أربونة و أنقورية و عمورية و آق‏شهر و قونية و قيسارية و أقسرا و ملطية و سيواس و توقات و أرزن و أرزنجان و موش و ملازجرد و أخلاط و شروان و نشوى و بردعة و شمكور و تفليس و بيلقان و باب الأبواب و كنجه و سلطانية و فراوة و كركنج و كات و زمخشر و هزار أسب و درغان و طواويس و بيكند و كرمنيه و نخشب و كش و أربنجن و إشتيخن و سمرقند و كشانية و شاش و بنكث و إيلاقي و أسروشه و ساباط و خجند و شاوكث و تنكت و إمسيكث و كاسان و فرغانة و قباء و ختن و خيوه و رومية الكبرى و ماقذونية من أعمال قسطنطنية. و قال بعض الأفاضل يبتدئ هذا الإقليم من أقصى بلاد الترك و يمر على مواضع الأتراك المشهورة إلى حد كاشغر و ختن و بيت المقدس و فرغانة و طراز و خجند و يمر بشروان و خوارزم و بخارا و شاش و نسف و سمرقند و كش و ببحر خزر و ديار أرمنية و بعض بلاد الروم كعمورية و قونية و أقسراي و قيصرية و سيواس و أرزن الروم و يمر بساحل بحر الشام و بلاد أندلس إلى أن ينتهي إلى المحيط و عدد البلاد المشهورة الواقعة فيه مائتان و فيه من الجبال ثلاثون و من الأنهار خمسة عشر و لون عامة أهله البياض و هو منسوب إلى الزهرة بزعمهم. و أما الإقليم السادس فمبدؤه حيث عرضه ثلاث و أربعون درجة و نصف و غاية طول نهاره خمس عشرة ساعة و ربع و مساحة سطحه مائتا ألف و خمسة و ثلاثون ألف

    فرسخ و أربعة و ثلاثون فرسخا و ثلثا فرسخ و فيه من البلاد المشهورة تطيلة و تبلوته و بردال و لمريا و جزيرة نقربيت و أماسية و قسطمونية و سنوب و جند و فاراب و أسفيجاب و طراز و شلج و خان‏بالق و كاشغر و سمورة و لنبردية و بيذه و بندقية و برشان و قسطنطنية و بلنجر و قال بعض المحققين من بلاده معظم الروم و الخزر و التركستان فيبتدئ من المشرق و يمر بمساكن أتراك الشرق و يقطع وسط بحر طبرستان و يمر على خزر و موقان و سقسين و على الصقالبة و بلاد آس و أران و باب الأبواب و الروس ثم بمعظم بلاد الروم مثل قسطنطنية و بشمال أندلس و ينتهي إلى المحيط و عدد البلاد المشهورة الواقعة فيه تسعون و فيه من الجبال أحد عشر و من الأنهار أربعون و لون غالب أهله الشقرة و هو عندهم منسوب إلى القمر. و أما الإقليم السابع فمبدؤه حيث العرض سبع و أربعون درجة و ربع و غاية طول نهاره خمس عشرة ساعة و ثلاثة أرباع ساعة و مساحة سطحه مائة ألف و سبعة و ثمانون ألف فرسخ و سبعمائة و واحد و عشرون فرسخا و ثلثا فرسخ و في هذا الإقليم العمارة قليلة و البلاد المشهورة فيه كرش و أزرق و صراي و هو مستقر سلطان تتر و أكل و يلار و يقال له بلغار و أفجاكرمان و صاري‏كرمان و قرقر و صلغات و كفا و صقجى و شنتياقر و هرقلة و قال بعضهم هذا الإقليم يأخذ في طوله من المشرق و يمر بنهايات الأتراك الشرقية و بشمال بلاد يأجوج و مأجوج ثم على غياض و جبال يأوي إليها أتراك كالوحوش ثم على بلغار الروس و الصقالبة و يقطع بحر الشام و ينتهي إلى المحيط و عدد بلاد هذا الإقليم اثنان و عشرون و فيه من الجبال أحد عشر و من الأنهار أربعون و لون أهله بين الشقرة و البياض و هو   منسوب عندهم إلى المريخ و أهل بعض بلاده يسكنون مدة ستة أشهر في الحمامات لشدة البرد و آخر الأقاليم حيث عرضه خمسون درجة و نصف و غاية طول نهاره ست عشرة ساعة و ربع ثم إلى عرض التسعين لا يعدونه من الأقاليم. و اعلم أن خط الاستواء يبتدئ من شرقي أرض الصين و يمر على جزيرة چمكوت ثم ببلاد الصين مما يلي الجنوب و على كنك‏ذر الذي من أراضي الصين ثم على جزائر زأرة التي تسمى أرض الذهب و على جنوب جزيرة سرنديب بين جزيرتي كله و سريره و على وسط جزائر ديويره ثم على شمال جزائر الزنج و معظم بلادهم ثم على شمال جبال القمر و جنوب سودان المغرب إلى المحيط و أما طول النهار لسائر البقاع سوى الأقاليم السبعة فالنهار الأطول يبلغ سبع عشرة ساعة حيث العرض أربع و خمسون درجة و كسر و يبلغ ثماني عشرة ساعة حيث العرض ثمان و خمسون درجة و يبلغ تسع عشرة ساعة حيث العرض إحدى و ستون درجة و يبلغ عشرين ساعة حيث العرض ثلاث و ستون و هناك جزيرة تسمى تولي يقال إن أهلها يسكنون الحمامات مدة كون الشمس بعيدة عن سمت رءوسهم و المشهور أنها منتهى العمارة في العرض و يبلغ إحدى و عشرين ساعة حيث العرض أربع و ستون درجة و نصف قال بطلميوس إن سكان هذا الموضع قوم من الصقالبة لا يعرفون و على هذا يكون هو منتهى العمارة في العرض و يبلغ اثنتين و عشرين ساعة حيث العرض خمس و ستون درجة و كسر و يبلغ ثلاثا و عشرين ساعة حيث العرض ست و ستون درجة و يبلغ أربعا و عشرين ساعة حيث العرض مثل تمام الميل الكلي و يبلغ شهرا حيث العرض سبع و ستون درجة و ربع و شهرين حيث العرض سبعون درجة إلا ربعا و ثلاثة أشهر حيث العرض ثلاث و سبعون درجة و نصف و أربعة أشهر حيث العرض ثمان و سبعون درجة و نصف و خمسة أشهر حيث العرض أربع و ثمانون درجة و نصف السنة تقريبا حيث العرض ربع الدور و منهم من قسم ما سوى الأقاليم من الربع قسمين قسما لم يدخل في الأقاليم و يدخل في المعمورة و قسما لم يدخل فيهما فالأول مبدؤه حيث عرضه خمسون درجة و ثلث و غاية

    طول نهاره ست عشرة ساعة و ربع و مساحة سطحه سبعمائة ألف و خمسون ألف فرسخ و مائة و اثنان و ثلاثون فرسخا و ربع فرسخ و فيه جزيرة برطانية و جزيرة صوداق و جزيرة تولى و مدينة يأجوج و مأجوج قالوا عرض تلك المدينة ثلاث و ستون درجة و طولها مائة و اثنتان و سبعون درجة و نصف و القسم الثاني مبدؤه حيث عرضه ست و ستون درجة و نصف و غاية طول نهاره سبع و أربعون ساعة و مساحة سطحه أربعمائة ألف و اثنان و عشرون ألف فرسخ و أربعمائة و سبعة فراسخ و خمس فرسخ و قيل في عرض خمس و سبعين درجة موضع أهله يسكنون في الشتاء في الحمامات و لا يفهم كلامهم. الفائدة الثانية في ذكر بعض خواص خط الاستواء و الآفاق المائلة فأما خط الاستواء فدوائر آفاق البقاع التي تكون عليه تنصف جميع المدارات اليومية فلذلك يكون النهار و الليل في جميع السنة متساويين و أيضا يكون زمان ظهور كل نقطة على الفلك مساويا لزمان خفائه فإن كان تفاوت كان بسبب اختلاف السير سرعة و بطئا بالحركة الغربية في النصفين و ذلك لا يكون محسوسا و تمر الشمس في السنة الواحدة مرتين بسمت رءوسهم و ذلك عند كونها في نقطتي الاعتدالين و لا تبعد الشمس عن سمت رءوسهم إلا بقدر غاية ميل فلك البروج عن معدل النهار و تكون الشمس نصف السنة تقريبا في جهة من جهتي الشمال و الجنوب و يكون ظل نصف النهار إلى خلاف تلك الجهة و لكون مبدإ الصيف الوقت الذي يكون فيه الشمس إلى سمت الرأس أقرب و مبدأ الشتاء الوقت الذي يكون الشمس منه أبعد يكون وقت كونها في نقطتي الاعتدال مبدأ صيفهم و وقت كونها في نقطتي الانقلاب مبدأ شتائهم و يكون مبادئ الفصلين الأخيرين أوساط الأرباع و يلزم على ذلك أن يكون لهم في كل سنة ثمانية فصول و يكون دور الفلك هناك دولابيا لأن سطوح جميع المدارات يقطع سطح الأفق على قوائم و يسمى لذلك آفاقها آفاق الفلك المستقيم و الشيخ ابن سينا حكم بأنها أعدل البقاع لأن الشمس لا تمكث على سمت الرأس كثيرا بل إنما يمر به وقتي اجتيازها عن إحدى الجهتين إلى الأخرى و يكون هناك حركتها في الميل و البعد عن سمت رأسهم أسرع ما يكون فلا تكون لذلك حرارة صيفهم شديدة و أيضا لتساوي

    زماني نهارهم و ليلهم دائما تنكسر سورتا كل واحدة من الكيفيتين الحادثتين منهما بالأخرى فيعتدل الزمان و حكم أيضا بأن أحر البقاع صيفا التي تكون عروضها مساوية للميل الكلي فإن الشمس تسامتها و تلبث في قرب مسامتتها قريبا من شهرين و نهارها حينئذ يطول و ليلها يقصر و رد الفخر الرازي عليه الحكم الأول بأن قال لبث الشمس في خط الاستواء و إن كان قليلا لكنها لا تبعد كثيرا عن المسامتة فهي طول السنة في حكم المسامتة و نحن نرى بقاعا أكثر ارتفاعات الشمس فيها لا يزيد على أقل ارتفاعاتها بخط الاستواء و حرارة صيفها في غاية الشدة فيعلم من ذلك أن حرارة شتاء خط الاستواء تكون أضعاف حرارة صيف تلك البقاع و حكم بأن أعدل البقاع هو الإقليم الرابع و قال المحقق الطوسي ره الحق في ذلك أنه إن عنى بالاعتدال تشابه الأحوال فلا شك أنه في خط الاستواء أبلغ كما ذكره الشيخ و إن عنى به تكافؤ الكيفيتين فلا شك أن خط الاستواء ليس كذلك يدل عليه شدة سواد لون سكانه من أهل الزنج و الحبشة و شدة جعود شعورهم و غير ذلك مما تقتضيه حرارة الهواء و أضداد ذلك في الإقليم الرابع تدل على كون هوائه أعدل بل السبب الكلي في توفر العمارات و كثرة التوالد و التناسل في الأقاليم السبعة دون سائر المواضع المنكشفة من الأرض يدل على كونها أعدل من غيرها و ما يقرب من وسطها لا محالة يكون أقرب إلى الاعتدال مما يكون على أطرافها فإن الاحتراق و الفجاجة اللازمين من الكيفيتين ظاهران في الطرفين انتهى. فعلى ما ذكره قدس سره سكان الإقليم الرابع أعدل الناس خلقا و خلقا و أجودهم فطانة و ذكاء و من ثمة كان معدن الحكماء و العلماء و بعدهم سكان الإقليمين الثالث و الخامس و أما سائر الأقاليم فأكثرها ناقصون في الجبلة عما هو أفضل يدل عليه سماجة صورهم و سوء أخلاقهم و شدة احتراقهم من الحر أو فجاجتهم من البرد كالحبشة و الزنج في الأول و الثاني و كيأجوج و مأجوج و بعض الصقالبة في السادس و السابع و أما الآفاق التي لها عرض أقل من الربع فهي على خمسة أقسام الأول أن يكون عرضه أقل من الميل الكلي الثاني أن يكون عرضه مساويا للميل الكلي   الثالث أن يكون عرضه مساويا لتمام الميل الكلي الرابع أن يكون عرضه أكثر من الميل و أقل من تمامه الخامس أن يكون عرضه أكثر من تمام الميل ففي جميع تلك الآفاق يكون أحد قطبي المعدل فوق الأرض مرتفعا عن الأفق بقدر عرض البلد و الآخر منحطا عن الأفق بهذا المقدار و جميع تلك الآفاق ينصف معدل النهار على زوايا قوائم فيكون دور الفلك هناك حمائليا و تقطع المدارات التي تقطعها بقطعتين مختلفتين و القسي الظاهرة للمدارات الشمالية أعظم من التي تحت الأرض و للجنوبية بالخلاف من ذلك و لا يستوي الليل و النهار فيها إلا عند بلوغ الشمس نقطتي الاعتدال و ذلك في يوم النيروز و المهرجان و المساواة في بعض الأوقات تحقيقي و في بعضها تقريبي و يكون النهار أطول من الليل عند كون الشمس في البروج الشمالية و عند كونها في البروج الجنوبية الأمر بعكس ذلك و كلما كان عرض البلد أكثر كان مقدار التفاوت بين الليل و النهار أكثر و كل مدار بعده عن القطب الشمالي مثل ارتفاع القطب عن الأفق فهو بجميع ما فيه و بجميع ما تحويه دائرته إلى القطب الشمالي من الكواكب و المدارات أبدي الظهور و نظيره من ناحية الجنوب بجميع ما فيه و ما تحويه دائرته إلى القطب الجنوبي أبدي الخفاء و هذه هي الأحوال المشتركة. و أما ما يختص بالقسم الأول من الأقسام الخمسة المتقدمة و هو ما يكون العرض أقل من الميل الكلي فالمدار الذي يكون بعده عن المعدل من جهة القطب الظاهر بقدر عرض البلد يقطع منطقة البروج على نقطتين متساويتي البعد من المنقلب فإذا وصلت الشمس إلى إحدى هاتين النقطتين لا يكون في نصف نهار هذا اليوم لشي‏ء ظل و ما دامت الشمس في القوس الذي بين تينك النقطتين في جهة القطب الظاهر يقع

    الظل في أنصاف النهار إلى جهة القطب الخفي و ما دامت الشمس في القوس الآخر يقع الظل في أنصاف النهار إلى جهة القطب الظاهر و لارتفاع الشمس في النقصان غايتان إحداهما من جهة القطب الظاهر و هو أكثر و الأخرى من جهة القطب الخفي و هو أقل و لا تكون فصول السنة في تلك الآفاق متساوية بل إذا كانت النقطتان المذكورتان متقاربتين كان صيفهم أطول من غيره لأن الشمس تسامت رءوسهم مرتين و ليس بعدها على قدر يكون في وسطه فتور للسخونة و إن زادت على الأربعة كما إذا كانت النقطتان متباعدتين لم تكن متشابهة لاختلاف غايتي بعد الشمس عن سمت الرأس في الجهتين بخلاف خط الاستواء لتساويهما. و أما القسم الثاني فمدار المنقلب الذي في جهة القطب الظاهر يمر بسمت الرأس و مدار المنقلب الآخر بسمت الرجل و لا يكون لارتفاع الشمس إلا غاية واحدة في جانب النقصان و في جانب الزيادة يكون تسعين درجة و يكون الظل أبدا عند الزوال في جهة القطب الظاهر إلا في يوم واحد حين كونها في المنقلب الظاهر فإنه لا يكون في هذا اليوم عند الزوال لشي‏ء ظل و يكون أحد قطبي فلك البروج أبدي الظهور و الآخر أبدي الخفاء و ارتفاعات الشمس تتزايد من أحد الانقلابين إلى الآخر ثم ترجع و تتناقص إلى أن تعود إليه و تصير فصول السنة أربعة لا غير و تكون متساوية المقادير. و أما القسم الثالث فلا تنتهي الشمس إلى سمت الرأس و يكون لها ارتفاعان أعلى و هو ما يكون بقدر مجموع الميل الكلي و تمام عرض البلد و أسفل و هو يكون بقدر فضل تمام عرض البلد على الميل الكلي و سائر الأحوال كما مر. و أما القسم الرابع فيصير مدار المنقلب الذي في جهة القطب الظاهر أبدي الظهور و مدار المنقلب الآخر أبدي الخفاء و يمر مدار قطب فلك البروج الظاهر بسمت الرأس و مدار القطب الآخر بمقابله و في كل دورة تنطبق منطقة البروج مرة على الأفق ثم يرتفع النصف الشرقي من المنطقة دفعة عن الأفق و ينحط نصفها الآخر عنه كذلك ثم يطلع النصف الخفي جزء بعد جزء في جميع أجزاء نصف الأفق الشرقي   و يغيب النصف الظاهر جزء بعد جزء كذلك في جميع نصف الأفق الغربي في مدة اليوم بليلته إلى أن يعود وضع الفلك إلى حالة الأولى و يزيد النهار في تلك الآفاق إلى أن يصير مقدار يوم بليلته نهارا كلها و ذلك عند وصول الشمس إلى المنقلب الظاهر و هذا إذا اعتبر ابتداء النهار من وصول مركز الشمس إلى الأفق و إن اعتبر ابتداء النهار من ظهور الضوء و اختفاء الثوابت كان نهارهم عند الوصول المذكور شهرا على ما بينه ساوذوسيوس في الرسالة التي بين فيها حال المساكن ثم يحدث ليل في غاية القصر بحيث يتداخل الشفق و الفجر و يزيد شيئا فشيئا إلى أن يصير مقدار يوم بليلته ليلة كله و بعد ذلك يحدث نهار قصير و هكذا و في هذا القسم نهاية العمارة في جانب الشمال و لا تمكن العمارة بعده لشدة البرد. و أما القسم الخامس فيكون فيه أعظم المدارات الأبدية الظهور قاطعا لمنطقة البروج على نقطتين يساوي ميلهما في جهة القطب الظاهر و أعظم المدارات الأبدية الخفاء قاطعا لها على نقطتين متقابلتين لهما فتنقسم منطقة البروج لا محالة إلى أربع قسي يتوسطها الاعتدالان و الانقلابان إحداهما أبدي الظهور و هي التي يتوسطها المنقلب الذي في جهة القطب الظاهر و مدة كون الشمس فيها نهارهم الأطول و الثانية أبدي الخفاء و هي التي يتوسطها المنقلب الآخر و مدة كون الشمس فيها ليلهم الأطول و أما القوسان الباقيتان فالتي يتوسطها أول الحمل تطلع معكوسة أي يطلع آخرها قبل أولها و تغرب مستوية أي يغرب أولها قبل آخرها إن كان القطب الظاهر شماليا و تطلع مستوية و تغرب معكوسة إن كان القطب الظاهر جنوبيا و التي يتوسطها أول الميزان يكون بالضد من ذلك و مثلوا لتصوير الطلوع و الغروب المعكوسين مثالا لسهولة تصورهما تركناه مع سائر أحكام هذا القسم لقلة الجدوى. و أما الموضع الذي عرضه ربع الدور و هو تسعون درجة فأوضاعه غريبة جدا و ذلك لا يكون على الأرض إلا عند موضعين يكون أحد قطبي المعدل على سمت الرأس و الآخر على سمت القدم فتصير لا محالة دائرة معدل النهار منطبقة على الأفق و يدور الفلك بالحركة الأولى التابعة للفلك الأعظم رحوية و لا يبقى في الأفق مشرق

    و لا مغرب باعتبار هذه الحركة أصلا و لا باعتبار غيرها بحيث يتميز أحدهما عن الآخر في الجهة و لا يتعين أيضا نصف النهار بل في جميع الجهات يمكن أن تبلغ الشمس و سائر الكواكب غاية ارتفاعها كما يمكن أن تطلع و تغرب فيها فيكون النصف من الفلك الذي يكون من معدل النهار في جهة القطب الظاهر أبدي الظهور و النصف الآخر أبدي الخفاء و الشمس ما دامت في النصف الظاهر من فلك البروج يكون نهارا و ما دامت في النصف الخفي منه يكون ليلا فيكون سنة كلها يوما بليلة و يفضل أحدهما على الآخر من جهة بطء حركتها و سرعتها و هو تقريبا سبعة أيام بلياليها من أيامنا ففي هذه الأزمنة يزيد نهاره عن ليله بمثل هذه المدة و هذا إذا اعتبر النهار من طلوع الشمس إلى غروبها و أما إذا كان النهار من ظهور ضوئها و اختفاء الثوابت إلى ضدهما فيكون نهارهم أكثر من سبعة أشهر بسبعة أيام و ليلهم قريبا من خمسة أشهر إذ من ظهور ضوء الشمس إلى طلوعها خمسة عشر يوما و كذا من غروبها إلى اختفاء الضوء على ما حققه ساوذوسيوس و أما إذا كان النهار من طلوع الصبح إلى غروب الشفق فكان نهارهم سبعة أشهر و سبعة عشر يوما من أيامنا تقريبا. و قال المحقق الطوسي قدس سره و يكون مدة غروب الشفق أو طلوع الصبح في خمسين يوما من أيامنا و يكون غاية ارتفاع الشمس و غاية انحطاطه بقدر غاية الميل و أظلال المقاييس تفعل دوائر متوازية بالتقريب على مركز أصل المقياس أصغرها إذا كانت الشمس في المنقلب الظاهر و أعظمها إذا كانت عند الأفق بقرب الاعتدالين و لا يكون لشي‏ء من الكواكب طلوع و لا غروب بالحركة الأولى بل يكون طلوعها و غروبها بالحركة الثانية المختصة بكل منها لا في موضع بعينه من الأفق و يكون للكواكب التي يكون عرضها من منطقة البروج ينقص من الميل الكلي طلوع و غروب بالحركة الخاصة و تختلف مدة الظهور و الخفاء بحسب بعد مدارها عن منطقة البروج و قربها إليه فما كان مداره أبعد عنها في جهة القطب الظاهر كان زمان ظهوره أكثر من زمان ظهور ما مداره أقرب منها في هذه الجهة و ينعكس الحكم في

    الجهة الأخرى و الكواكب التي عرضها مساو للميل كله تماس الأفق في دور واحد من الحركة الثانية مرة واحدة إما من فوق و إما من تحت و لا يكون لها و لا للتي يزيد عرضها في أحد جانبي فلك البروج على الميل الكلي طلوع و لا غروب بل تكون إما ظاهرة أبدا و إما خفية أبدا. الفائدة الثالثة قالوا السبب الأكثري في تولد الأحجار و الجبال عمل الحرارة في الطين اللزج بحيث يستحكم انعقاد رطبه بيابسه بإذن الله تعالى و قد ينعقد الماء السيال حجرا إما لقوة معدنية محجرة أو لأرضية غالبة على ذلك الماء فإذا صادف الحر العظيم طينا كثير الرخا إما دفعة و إما على مرور الأيام تكون الحجر العظيم فإذا ارتفع بأن يجعل الزلزلة العظيمة طائفة من الأرض تلا من التلال أو يحصل من تراكم عمارات تخربت ثم تحجرت أو يكون الطين المتحجر مختلف الأجزاء في الصلابة و الرخاوة فتنحفر أجزاؤه الرخوة بالمياه و الرياح و تغور تلك الحفر بالتدريج غورا شديدا و تبقى الصلبة مرتفعة أو بغير ذلك من الأسباب فهو الجبل و قد يرى بعض الجبال منضودة ساقا فساقا كأنها سافات الجدار فيشبه أن يكون حدوث مادة الفوقاني بعد تحجر التحتاني و قد سأل على كل ساف من خلاف جوهره ما صار حائلا بينه و بين الآخر و قد يوجد في كثير من الأحجار عند كسرها أجزاء الحيوانات المائية فيشبه أن تكون هذه المعمورة قد كانت في سالف الدهر مغمورة في البحر فحصل الطين اللزج الكثير و تحجر بعد الانكشاف و لذلك كثر الجبال و يكون انحفار ما بينها بأسباب تقتضيه كالسيول و الرياح كذا قيل و قد مر بعض الكلام فيه سابقا و الحق أن الله تعالى خلقها بفضله و قدرته إما بغير أسباب ظاهرة أو بأسباب لا نعلمها و هذه الأسباب المذكورة ناقصة و لو كانت هذه أسبابها فلم لا يحدث من الأزمنة التي أحصى الحكماء تلك الجبال إلى تلك الأزمان جبل آخر إلا أن يقال لما كان في بدء خلق الأرض زلزلة و رجفة و اضطراب عظيم في الأرض صارت أسبابا لحدوث تلك الجبال فلما حدثت استقرت الأرض و سكنت فلهذا لا يحدث بعدها مثلها كما دلت عليه الآيات و الأخبار.   ثم اعلم أن منافع الجبال كثيرة منها كونها أوتادا للأرض كما مر و منها أن انبعاث العيون و السحب المستلزمة للخيرات الكثيرة منها أكثر من غيرها بل لا تنفجر العيون إلا من أرض صلبة أو من جوار أرض صلبة كما قال في الشفاء إذا تتبعت الأودية المعروفة في العالم وجدتها كلها منبعثة من عيون جبلية و منها تكون الجواهر المعدنية منها و منها إنباتها النباتات الكثيرة و الأشجار العظيمة و منها المغارات الحادثة فيها فإنها مأوى الحيوانات بل بعض الناس و منها كونها أسبابا لاهتداء الخلق في طرقهم و سبلهم و منها اتخاذ الأحجار منها للأرحية و الأبنية و غيرها إلى غير ذلك من المنافع الكثيرة التي تصل عقول الخلق إلى بعضها و تعجز عن أكثرها

 قال الصادق ع في خبر التوحيد الذي رواه عنه المفضل بن عمر انظر يا مفضل إلى هذه الجبال المركومة من الطين و الحجارة التي يحسبها الغافلون فضلا لا حاجة إليها و المنافع فيها كثيرة فمن ذلك أن يسقط عليها الثلوج فتبقى في قلالها لمن يحتاج إليه و يذوب ما ذاب منه فتجري منه العيون الغزيرة التي تجتمع منها الأنهار العظام و تنبت فيها ضروب من النبات و العقاقير التي لا ينبت منها في السهل و تكون فيها كهوف و مقائل للوحوش من السباع العادية و يتخذ منها الحصون و القلاع المنيعة للتحرز من الأعداء و ينحت منها الحجارة للبناء و الأرحاء و توجد فيها معادن لضروب من الجواهر و فيها خلال أخرى لا يعرفها إلا المقدر لها في سابق علمه

بيان المقايل كأنه من القيلولة و في بعض النسخ بالغين المعجمة من الغيل و هو الشجر الملتف و في بعضها معاقل جمع معقل و هو الشجر الملتف. الفائدة الرابعة قالوا في علة حدوث الزلزلة و الرجفة إذا غلظ البخار و بعض الأدخنة و الرياح في الأرض بحيث لا ينفذ في مجاريها لشدة استحصافها و تكاثفها اجتمع طالبا للخروج و لم يمكنه النفوذ فزلزلت الأرض و ربما اشتدت الزلزلة   فخسفت الأرض فتخرج منه نار لشدة الحركة الموجبة لاشتعال البخار و الدخان لا سيما إذا امتزجا امتزاجا مقربا إلى الدهنية و ربما قويت المادة على شق الأرض فتحدث أصوات هائلة و ربما حدثت الزلزلة من تساقط عوالي و هدأت في باطن الأرض فيتموج بها الهواء المحتقن فيتزلزل بها الأرض و قليلا ما تتزلزل بسقوط قلل الجبال عليها لبعض الأسباب و قد يوجد في بعض نواحي الأرض قوة كبريتية ينبعث منها دخان و في الهواء رطوبة بخارية فيحصل من اختلاط دخان الكبريت بالأجزاء الرطبة الهوائية مزاج دهني و ربما اشتعل بأشعة الكواكب و غيرها فيرى بالليل شعل مضيئة. و قال شارح المقاصد قد يعرض لجزء من الأرض حركة بسبب ما يتحرك تحتها فيحرك ما فوقه و يسمى الزلزلة و ذلك إذا تولد تحت الأرض بخار أو دخان أو ريح أو ما يناسب ذلك و كان وجه الأرض متكاثفا عديم المسام أو ضيقها جدا و حاول ذلك الخروج و لم يتمكن لكثافة الأرض تحرك في ذاته و حرك الأرض و ربما شقتها لقوته و قد ينفصل منه نار محرقة و أصوات هائلة لشدة المحاكة و المصاكة و قد يسمع منها دوي لشدة الريح و لا يوجد الزلزلة في الأراضي الرخوة لسهولة خروج الأبخرة و قلما تكون في الصيف لقلة تكاثف وجه الأرض و البلاد التي تكثر فيها الزلزلة إذا حفرت فيها آبار كثيرة حتى كثرت مخالص الأبخرة قلت الزلزلة و قد يصير الكسوف سببا للزلزلة لفقد الحرارة الكائنة عن الشعاع دفعة و حصول البرد الحاقن للرياح في تجاويف الأرض بالتحصيف بغتة و لا شك أن البرد الذي يعرض بغتة يفعل ما لا يفعل العارض بالتدريج قال ذلك و أمثاله نقلا عن الحكماء ثم قال و لعمري إن النصوص الواردة في استناد هذه الآثار إلى القادر المختار قاطعة و طرق الهدى إلى ذلك واضحة لكن مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ انتهى. و قال بعض من يدعي اقتفاء آثار الأئمة الأبرار و عدم الخروج عن مدلول الآيات و الأخبار و لما كانت الأبخرة و الأدخنة المحتقنة في تجاويف الأرض بمنزلة عروقها و إنما تتحرك بقوى روحانية ورد في الحديث أن الله سبحانه إذا أراد أن

    يزلزل الأرض أمر الملك أن يحرك عروقها فيتحرك بأهلها و ما أشبه ذلك من العبارات على اختلافها و العلم عند الله انتهى. و أقول قد عرفت مرارا أن تأويل النصوص و الآثار و الآيات و الأخبار بلا ضرورة عقلية أو معارضات نقلية جرأة على العزيز الجبار و لا نقول في جميع ذلك إلا ما ورد عنهم صلوات الله عليهم و ما لم تصل إليه عقولنا نرد علم ذلك إليهم