باب 1- بدء خلقه و ما جرى له في الميثاق و بدء نوره و ظهوره ص من لدن آدم ع و بيان حال آبائه العظام و أجداده الكرام لا سيما عبد المطلب و والديه عليهم الصلاة و الس

الآيات آل عمران وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَ أَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ الأعراف وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَ كُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَ فَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ الشعراء الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ وَ تَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ الأحزاب وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَ مِنْكَ وَ مِنْ نُوحٍ وَ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَ أَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً تفسير قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ أي و اذكر يا محمد حين أخذ الله الميثاق من النبيين خصوصا بأن يصدق بعضهم بعضا و يتبع بعضهم بعضا و قيل أخذ ميثاقهم على أن يعبدوا الله و يدعوا إلى عبادة الله و أن يصدق  بعضهم بعضا و أن ينصحوا لقومهم وَ مِنْكَ يا محمد و إنما قدمه لفضله و شرفه وَ مِنْ نُوحٍ وَ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ خص هؤلاء لأنهم أصحاب الشرائع وَ أَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً أي عهدا شديدا على الوفاء بما حملوا من أعباء الرسالة و تبليغ الشرائع و قيل على أن يعلنوا أن محمدا رسول الله و يعلن محمد أن لا نبي بعده لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ قيل معناه إنما فعل ذلك ليسأل الأنبياء و المرسلين ما الذي جاءت به أممكم و قيل ليسأل الصادقين في توحيد الله و عدله و الشرائع عَنْ صِدْقِهِمْ أي عما كانوا يقولونه فيه تعالى فيقال لهم هل ظلم الله أحدا هل جازى كل إنسان بفعله هل عذب بغير ذنب و نحو ذلك فيقولون نعم عدل في حكمه و جازى كلا بفعله و قيل معناه ليسأل الصادقين في أقوالهم عن صدقهم في أفعالهم و قيل ليسأل الصادقين ما ذا قصدتم بصدقكم وجه الله أو غيره. أقول سيأتي تفسير سائر الآيات و سنورد الأخبار المتضمنة لتأويلها في هذا الباب و غيره

 1-  فس، ]تفسير القمي[ محمد بن الوليد عن محمد بن الفرات عن أبي جعفر ع قال الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ في النبوة وَ تَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ قال في أصلاب النبيين

 2-  كنز، ]كنز جامع الفوائد و تأويل الآيات الظاهرة[ محمد بن العباس عن الحسين بن هارون عن علي بن مهزيار عن أخيه عن ابن أسباط عن عبد الرحمن بن حماد عن أبي الجارود قال سألت أبا جعفر ع عن قوله عز و جل وَ تَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ قال يرى تقلبه في أصلاب النبيين من نبي إلى نبي حتى أخرجه من صلب أبيه من نكاح غير سفاح من لدن آدم ع

 3-  ير، ]بصائر الدرجات[ بعض أصحابنا عن محمد بن الحسين عن علي بن أسباط عن علي بن معمر عن أبيه قال سألت أبا عبد الله ع عن قول الله تبارك و تعالى هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى  قال يعني به محمدا ص حيث دعاهم إلى الإقرار بالله في الذر الأول

 4-  ل، ]الخصال[ مع، ]معاني الأخبار[ الحاكم أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المروزي عن محمد بن إبراهيم الجرجاني عن عبد الصمد بن يحيى الواسطي عن الحسن بن علي المدني عن عبد الله بن المبارك عن سفيان الثوري عن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن جده عن أبيه عن علي بن أبي طالب ع أنه قال إن الله تبارك و تعالى خلق نور محمد ص قبل أن خلق السماوات و الأرض و العرش و الكرسي و اللوح و القلم و الجنة و النار و قبل أن خلق آدم و نوحا و إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب و موسى و عيسى و داود و سليمان ع و كل من قال الله عز و جل في قوله وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ إلى قوله وَ هَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ و قبل أن خلق الأنبياء كلهم بأربع مائة ألف سنة و أربع و عشرين ألف سنة و خلق عز و جل معه اثني عشر حجابا حجاب القدرة و حجاب العظمة و حجاب المنة و حجاب الرحمة و حجاب السعادة و حجاب الكرامة و حجاب المنزلة و حجاب الهداية و حجاب النبوة و حجاب الرفعة و حجاب الهيبة و حجاب الشفاعة ثم حبس نور محمد ص في حجاب القدرة اثني عشر ألف سنة و هو يقول سبحان ربي الأعلى و في حجاب العظمة أحد عشر ألف سنة و هو يقول سبحان عالم السر و في حجاب المنة عشرة آلاف سنة و هو يقول سبحان من هو قائم لا يلهو و في حجاب الرحمة تسعة آلاف سنة و هو يقول سبحان الرفيع الأعلى و في حجاب السعادة ثمانية آلاف سنة و هو يقول سبحان من هو دائم لا يسهو و في حجاب الكرامة سبعة آلاف سنة و هو يقول سبحان من هو غني لا يفتقر و في حجاب المنزلة ستة آلاف سنة و هو يقول سبحان العليم الكريم و في حجاب الهداية خمسة آلاف سنة و هو يقول سبحان ذي العرش العظيم و في حجاب النبوة أربعة آلاف سنة و هو يقول سبحان رب  العزة عما يصفون و في حجاب الرفعة ثلاثة آلاف سنة و هو يقول سبحان ذي الملك و الملكوت و في حجاب الهيبة ألفي سنة و هو يقول سبحان الله و بحمده و في حجاب الشفاعة ألف سنة و هو يقول سبحان ربي العظيم و بحمده ثم أظهر اسمه على اللوح فكان على اللوح منورا أربعة آلاف سنة ثم أظهره على العرش فكان على ساق العرش مثبتا سبعة آلاف سنة إلى أن وضعه الله عز و جل في صلب آدم ع ثم نقله من صلب آدم ع إلى صلب نوح ع ثم من صلب إلى صلب حتى أخرجه الله عز و جل من صلب عبد الله بن عبد المطلب فأكرمه بست كرامات ألبسه قميص الرضا و رداه برداء الهيبة و توجه بتاج الهداية و ألبسه سراويل المعرفة و جعل تكته تكة المحبة يشد بها سراويله و جعل نعله نعل الخوف و ناوله عصا المنزلة ثم قال يا محمد اذهب إلى الناس فقل لهم قولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله و كان أصل ذلك القميص من ستة أشياء قامته من الياقوت و كماه من اللؤلؤ و دخريصه من البلور الأصفر و إبطاه من الزبرجد و جربانه من المرجان الأحمر و جيبه من نور الرب جل جلاله فقبل الله عز و جل توبة آدم ع بذلك القميص و رد خاتم سليمان ع به و رد يوسف ع إلى يعقوب ع به و نجى يونس ع من بطن الحوت به و كذلك سائر الأنبياء ع أنجاهم من المحن به و لم يكن ذلك القميص إلا قميص محمد ص

   بيان قوله ثم حبس نور محمد ص ليس الغرض ذكر جميع أحواله ص في الذر لعدم موافقة العدد بل قد جرى على نوره أحوال قبل تلك الأحوال أو بعدها أو بينها لم تذكر في الخبر و الدخريص بالكسر لبنة القميص و جربان القميص بضم الجيم و الراء و تشديد الباء معرب گريبان

 5-  فر، ]تفسير فرات بن إبراهيم[ عن جعفر بن محمد الفزاري بإسناده عن قبيصة بن يزيد الجعفي قال دخلت على الصادق ع و عنده ابن ظبيان و القاسم الصيرفي فسلمت و جلست و قلت يا ابن رسول الله أين كنتم قبل أن يخلق الله سماء مبنية و أرضا مدحية أو ظلمة أو نورا قال كنا أشباح نور حول العرش نسبح الله قبل أن يخلق آدم ع بخمسة عشر ألف عام فلما خلق الله آدم ع فرغنا في صلبه فلم يزل ينقلنا من صلب طاهر إلى رحم مطهر حتى بعث الله محمدا ص الخبر

 6-  فر، ]تفسير فرات بن إبراهيم[ جعفر بن محمد بن بشرويه القطان بإسناده عن الأوزاعي عن  صعصعة بن صوحان و الأحنف بن قيس عن ابن عباس قال قال رسول الله ص خلقني الله نورا تحت العرش قبل أن يخلق آدم ع باثني عشر ألف سنة فلما أن خلق الله آدم ع ألقى النور في صلب آدم ع فأقبل ينتقل ذلك النور من صلب إلى صلب حتى افترقنا في صلب عبد الله بن عبد المطلب و أبي طالب فخلقني ربي من ذلك النور لكنه لا نبي بعدي

 7-  ع، ]علل الشرائع[ إبراهيم بن هارون عن محمد بن أحمد بن أبي الثلج عن عيسى بن مهران عن منذر الشراك عن إسماعيل بن علية عن أسلم بن ميسرة العجلي عن أنس بن مالك عن معاذ بن جبل أن رسول الله ص قال إن الله خلقني و عليا و فاطمة و الحسن و الحسين من قبل أن يخلق الدنيا بسبعة آلاف عام قلت فأين كنتم يا رسول الله قال قدام العرش نسبح الله و نحمده و نقدسه و نمجده قلت على أي مثال قال أشباح نور حتى إذا أراد الله عز و جل أن يخلق صورنا صيرنا عمود نور ثم قذفنا في صلب آدم ثم أخرجنا إلى أصلاب الآباء و أرحام الأمهات و لا يصيبنا نجس الشرك و لا سفاح الكفر يسعد بنا قوم و يشقى بنا آخرون فلما صيرنا إلى صلب عبد المطلب أخرج ذلك النور فشقه نصفين فجعل نصفه في عبد الله و نصفه في أبي طالب ثم أخرج الذي لي إلى آمنة و النصف إلى فاطمة بنت أسد فأخرجتني آمنة و  أخرجت فاطمة عليا ثم أعاد عز و جل العمود إلي فخرجت مني فاطمة ثم أعاد عز و جل العمود إلى علي فخرج منه الحسن و الحسين يعني من النصفين جميعا فما كان من نور علي فصار في ولد الحسن و ما كان من نوري صار في ولد الحسين فهو ينتقل في الأئمة من ولده إلى يوم القيامة

 8-  فر، ]تفسير فرات بن إبراهيم[ جعفر بن محمد الأحمسي بإسناده عن أبي ذر الغفاري عن النبي ص في خبر طويل في وصف المعراج ساقه إلى أن قال قلت يا ملائكة ربي هل تعرفونا حق معرفتنا فقالوا يا نبي الله و كيف لا نعرفكم و أنتم أول ما خلق الله خلقكم أشباح نور من نوره في نور من سناء عزه و من سناء ملكه و من نور وجهه الكريم و جعل لكم مقاعد في ملكوت سلطانه و عرشه على الماء قبل أن تكون السماء مبنية و الأرض مدحية ثم خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثم رفع العرش إلى السماء السابعة فاستوى على عرشه و أنتم أمام عرشه تسبحون و تقدسون و تكبرون ثم خلق الملائكة من بدء ما أراد من أنوار شتى و كنا نمر بكم و أنتم تسبحون و تحمدون و تهللون و تكبرون و تمجدون و تقدسون فنسبح و نقدس و نمجد و نكبر و نهلل بتسبيحكم و تحميدكم و تهليلكم و تكبيركم و تقديسكم و تمجيدكم فما أنزل من الله فإليكم و ما صعد إلى الله فمن عندكم فلم لا نعرفكم أقرئ عليا منا السلام و ساقه إلى أن قال ثم عرج بي إلى  السماء السابعة فسمعت الملائكة يقولون لما أن رأوني الحمد لله الذي صدقنا وعده ثم تلقوني و سلموا علي و قالوا لي مثل مقالة أصحابهم فقلت يا ملائكة ربي سمعتكم تقولون الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ فما الذي صدقكم قالوا يا نبي الله إن الله تبارك و تعالى لما أن خلقكم أشباح نور من سناء نوره و من سناء عزه و جعل لكم مقاعد في ملكوت سلطانه عرض ولايتكم علينا و رسخت في قلوبنا فشكونا محبتك إلى الله فوعد ربنا أن يريناك في السماء معنا و قد صدقنا وعده الخبر

 9-  خص، ]منتخب البصائر[ الحسين بن حمدان عن الحسين المقري الكوفي عن أحمد بن زياد الدهقان عن المخول بن إبراهيم عن رشدة بن عبد الله عن خالد المخزومي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه في حديث طويل قال قال النبي ص يا سلمان فهل علمت من نقبائي و من الاثنا عشر الذين اختارهم الله للإمامة بعدي فقلت الله و رسوله أعلم قال يا سلمان خلقني الله من صفوة نوره و دعاني فأطعت و خلق من نوري عليا فدعاه فأطاعه و خلق من نوري و نور علي فاطمة فدعاها فأطاعته و خلق مني و من علي و فاطمة الحسن و الحسين فدعاهما فأطاعاه فسمانا بالخمسة الأسماء من أسمائه الله المحمود و أنا محمد و الله العلي و هذا علي و الله الفاطر و هذه فاطمة و الله ذو الإحسان و هذا الحسن و الله المحسن و هذا الحسين ثم خلق منا من صلب الحسين تسعة أئمة فدعاهم فأطاعوه قبل أن يخلق الله سماء مبنية و أرضا مدحية أو هواء أو ماء أو ملكا أو بشرا و كنا بعلمه نورا نسبحه و نسمع و نطيع الخبر

 10-  كنز، ]كنز جامع الفوائد و تأويل الآيات الظاهرة[ من كتاب الواحدة عن أبي محمد الحسن بن عبد الله الكوفي عن جعفر بن محمد البجلي عن أحمد بن حميد عن الثمالي عن أبي جعفر ع قال قال أمير المؤمنين  ع إن الله تبارك و تعالى أحد واحد تفرد في وحدانيته ثم تكلم بكلمة فصارت نورا ثم خلق من ذلك النور محمدا ص و خلقني و ذريتي ثم تكلم بكلمة فصارت روحا فأسكنه الله في ذلك النور و أسكنه في أبداننا فنحن روح الله و كلماته و بنا احتجب عن خلقه فما زلنا في ظلة خضراء حيث لا شمس و لا قمر و لا ليل و لا نهار و لا عين تطرف نعبده و نقدسه و نسبحه قبل أن يخلق الخلق الخبر

 11-  كنز، ]كنز جامع الفوائد و تأويل الآيات الظاهرة[ عن محمد بن الحسن الطوسي رحمه الله في كتابه مصباح الأنوار بإسناده عن أنس عن النبي ص قال إن الله خلقني و خلق عليا و فاطمة و الحسن و الحسين قبل أن يخلق آدم ع حين لا سماء مبنية و لا أرض مدحية و لا ظلمة و لا نور و لا شمس و لا قمر و لا جنة و لا نار فقال العباس فكيف كان بدء خلقكم يا رسول الله فقال يا عم لما أراد الله أن يخلقنا تكلم بكلمة خلق منها نورا ثم تكلم بكلمة أخرى فخلق منها روحا ثم مزج النور بالروح فخلقني و خلق عليا و فاطمة و الحسن و الحسين فكنا نسبحه حين لا تسبيح و نقدسه حين لا تقديس فلما أراد الله تعالى أن ينشئ خلقه فتق نوري فخلق منه العرش فالعرش من نوري و نوري من نور الله و نوري أفضل من العرش ثم فتق نور أخي علي فخلق منه الملائكة فالملائكة من نور علي و نور علي من نور الله و علي أفضل من الملائكة ثم فتق نور ابنتي فخلق منه السماوات و الأرض فالسماوات و الأرض من نور ابنتي فاطمة و نور ابنتي فاطمة من نور الله و ابنتي فاطمة أفضل من السماوات و الأرض ثم فتق نور ولدي الحسن فخلق منه الشمس و القمر فالشمس و القمر من نور ولدي الحسن و نور الحسن من نور الله و الحسن أفضل من الشمس  و القمر ثم فتق نور ولدي الحسين فخلق منه الجنة و الحور العين فالجنة و الحور العين من نور ولدي الحسين و نور ولدي الحسين من نور الله و ولدي الحسين أفضل من الجنة و الحور العين الخبر

 12-  مع، ]معاني الأخبار[ القطان عن الطالقاني عن الحسن بن عرفة عن وكيع عن محمد بن إسرائيل عن أبي صالح عن أبي ذر رحمة الله عليه قال سمعت رسول الله ص و هو يقول خلقت أنا و علي بن أبي طالب من نور واحد نسبح الله يمنة العرش قبل أن خلق آدم بألفي عام فلما أن خلق الله آدم ع جعل ذلك النور في صلبه و لقد سكن الجنة و نحن في صلبه و لقد هم بالخطيئة و نحن في صلبه و لقد ركب نوح ع السفينة و نحن في صلبه و لقد قذف إبراهيم ع في النار و نحن في صلبه فلم يزل ينقلنا الله عز و جل من أصلاب طاهرة إلى أرحام طاهرة حتى انتهى بنا إلى عبد المطلب فقسمنا بنصفين فجعلني في صلب عبد الله و جعل عليا في صلب أبي طالب و جعل في النبوة و البركة و جعل في علي الفصاحة و الفروسية و شق لنا اسمين من أسمائه فذو العرش محمود و أنا محمد و الله الأعلى و هذا علي

 13-  مع، ]معاني الأخبار[ المكتب عن الوراق عن بشر بن سعيد عن عبد الجبار بن كثير عن محمد بن حرب الهلالي أمير المدينة عن الصادق ع قال إن محمدا و عليا ص كانا نورا بين يدي الله جل جلاله قبل خلق الخلق بألفي عام و إن الملائكة لما رأت ذلك النور رأت له أصلا و قد انشعب منه شعاع لامع فقالت إلهنا و سيدنا ما هذا النور  فأوحى الله عز و جل إليهم هذا نور من نوري أصله نبوة و فرعه إمامة فأما النبوة فلمحمد عبدي و رسولي و أما الإمامة فلعلي حجتي و وليي و لولاهما ما خلقت خلقي الخبر

 14-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ المفيد عن علي بن الحسن البصري عن أحمد بن إبراهيم القمي عن محمد بن علي الأحمر عن نصر بن علي عن حميد عن أنس قال سمعت رسول الله ص يقول كنت أنا و علي عن يمين العرش نسبح الله قبل أن يخلق آدم بألفي عام فلما خلق آدم جعلنا في صلبه ثم نقلنا من صلب إلى صلب في أصلاب الطاهرين و أرحام المطهرات حتى انتهينا إلى صلب عبد المطلب فقسمنا قسمين فجعل في عبد الله نصفا و في أبي طالب نصفا و جعل النبوة و الرسالة في و جعل الوصية و القضية في علي ثم اختار لنا اسمين اشتقهما من أسمائه فالله المحمود و أنا محمد و الله العلي و هذا علي فأنا للنبوة و الرسالة و علي للوصية و القضية

 15-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ الفحام عن محمد بن أحمد الهاشمي عن عيسى بن أحمد بن عيسى عن أبي الحسن العسكري عن آبائه عن أمير المؤمنين ع قال قال النبي ص  يا علي خلقني الله تعالى و أنت من نور الله حين خلق آدم فأفرغ ذلك النور في صلبه فأفضى به إلى عبد المطلب ثم افترق من عبد المطلب أنا في عبد الله و أنت في أبي طالب لا تصلح النبوة إلا لي و لا تصلح الوصية إلا لك فمن جحد وصيتك جحد نبوتي و من جحد نبوتي كبه الله على منخريه في النار

 16-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ بإسناده عن أنس بن مالك قال قلت للنبي ص يا رسول الله علي أخوك قال نعم علي أخي قلت يا رسول الله صف لي كيف علي أخوك قال إن الله عز و جل خلق ماء تحت العرش قبل أن يخلق آدم بثلاثة آلاف عام و أسكنه في لؤلؤة خضراء في غامض علمه إلى أن خلق آدم فلما خلق آدم نقل ذلك الماء من اللؤلؤة فأجراه في صلب آدم إلى أن قبضه الله ثم نقله إلى صلب شيث فلم يزل ذلك الماء ينتقل من ظهر إلى ظهر حتى صار في عبد المطلب ثم شقه الله عز و جل  نصفين فصار نصفه في أبي عبد الله بن عبد المطلب و نصفه في أبي طالب فأنا من نصف الماء و علي من النصف الآخر فعلي أخي في الدنيا و الآخرة ثم قرأ رسول الله ص وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً وَ كانَ رَبُّكَ قَدِيراً

 أقول سيأتي الأخبار الكثيرة في بدء خلقه ص في كتاب أحوال أمير المؤمنين ع و كتاب الإمامة

 17-  ع، ]علل الشرائع[ القطان عن ابن زكريا عن البرمكي عن عبد الله بن داهر عن أبيه عن محمد بن سنان عن المفضل قال قال لي أبو عبد الله ع يا مفضل أ ما علمت أن الله تبارك و تعالى بعث رسول الله ص و هو روح إلى الأنبياء ع و هم أرواح قبل خلق الخلق بألفي عام قلت بلى قال أ ما علمت أنه دعاهم إلى توحيد الله و طاعته و اتباع أمره و وعدهم الجنة على ذلك و أوعد من خالف ما أجابوا إليه و أنكره النار فقلت بلى الخبر

 18-  مع، ]معاني الأخبار[ بإسناده عن ابن مسعود قال قال رسول الله ص لعلي بن أبي طالب ع لما خلق الله عز ذكره آدم و نفخ فيه من روحه و أسجد له ملائكته و أسكنه جنته و زوجه حواء أمته فرفع طرفه نحو العرش فإذا هو بخمسة سطور مكتوبات قال آدم يا رب من هؤلاء قال الله عز و جل له هؤلاء الذين إذا تشفع بهم إلي خلقي شفعتهم فقال آدم يا رب بقدرهم عندك ما اسمهم قال أما الأول فأنا المحمود و هو محمد و  الثاني فأنا العالي الأعلى و هذا علي و الثالث فأنا الفاطر و هذه فاطمة و الرابع فأنا المحسن و هذا حسن و الخامس فأنا ذو الإحسان و هذا حسين كل يحمد الله عز و جل

 أقول سيأتي في ذلك أخبار كثيرة في كتاب الإمامة

 19-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ جماعة عن أبي المفضل عن محمد بن علي بن مهدي و غيره عن محمد بن علي بن عمرو عن أبيه عن جميل بن صالح عن أبي خالد الكابلي عن ابن نباتة قال قال أمير المؤمنين ع ألا إني عبد الله و أخو رسوله و صديقه الأول قد صدقته و آدم بين الروح و الجسد ثم إني صديقه الأول في أمتكم حقا فنحن الأولون و نحن الآخرون الخبر

 20-  فس، ]تفسير القمي[ أبي عن النضر عن يحيى الحلبي عن ابن سنان قال قال أبو عبد الله ع أول من سبق من الرسل إلى بَلى رسول الله ص و ذلك أنه كان أقرب الخلق إلى الله تبارك و تعالى الخبر

 21-  ع، ]علل الشرائع[ الصائغ عن أحمد الهمداني عن جعفر بن عبيد الله عن ابن محبوب عن صالح بن سهل عن أبي عبد الله ع قال إن بعض قريش قال لرسول الله ص بأي شي‏ء سبقت الأنبياء و فضلت عليهم و أنت بعثت آخرهم و خاتمهم قال إني كنت أول من أقر بربي جل جلاله و أول من أجاب حيث أخذ الله ميثاق النبيين وَ أَشْهَدَهُمْ  عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى فكنت أول نبي قال بلى فسبقتهم إلى الإقرار بالله عز و جل

 ير، ]بصائر الدرجات[ ابن محبوب عن صالح مثله شي، ]تفسير العياشي[ عن صالح مثله

 22-  ع، ]علل الشرائع[ ابن المتوكل عن الحميري عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن عبد الرحمن بن كثير عن داود الرقي عن أبي عبد الله ع قال لما أراد الله عز و جل أن يخلق الخلق خلقهم و نشرهم بين يديه ثم قال لهم من ربكم فأول من نطق رسول الله ص و أمير المؤمنين ع و الأئمة ص فقالوا أنت ربنا فحملهم العلم و الدين ثم قال للملائكة هؤلاء حملة ديني و علمي و أمنائي في خلقي و هم المسئولون ثم قال لبني آدم أقروا لله بالربوبية و لهؤلاء النفر بالطاعة و الولاية فقالوا نعم ربنا أقررنا فقال الله جل جلاله للملائكة اشهدوا فقالت الملائكة شهدنا على أن لا يقولوا غدا إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ أو يقولوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَ كُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَ فَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ يا داود الأنبياء مؤكدة عليهم في الميثاق

 23-  ير، ]بصائر الدرجات[ علي بن إسماعيل عن محمد بن إسماعيل عن سعدان عن صالح بن سهل عن أبي عبد الله ع قال سئل رسول الله ص بأي شي‏ء سبقت ولد آدم قال إني أول من أقر ببلى إن الله أخذ ميثاق النبيين وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى فكنت أول من أجاب

   -24  شي، ]تفسير العياشي[ عن زرارة قال سألت أبا عبد الله ع عن قول الله وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ إلى قالُوا بَلى قال كان محمد عليه و آله السلام أول من قال بلى

 25-  فس، ]تفسير القمي[ قال الصادق ع في قوله تعالى وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ الآية كان الميثاق مأخوذا عليهم لله بالربوبية و لرسوله بالنبوة و لأمير المؤمنين و الأئمة بالإمامة فقال أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ و محمد نبيكم و علي إمامكم و الأئمة الهادون أئمتكم فقالوا بلى فقال الله أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ أي لئلا تقولوا يوم القيامة إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ فأول ما أخذ الله عز و جل الميثاق على الأنبياء له بالربوبية و هو قوله وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ فذكر جملة الأنبياء ثم أبرز أفضلهم بالأسامي فقال وَ مِنْكَ يا محمد فقدم رسول الله ص لأنه أفضلهم و من نوح و إبراهيم و موسى و عيسى ابن مريم فهؤلاء الخمسة أفضل الأنبياء و رسول الله أفضلهم ثم أخذ بعد ذلك ميثاق رسول الله ص على الأنبياء بالإيمان به و على أن ينصروا أمير المؤمنين فقال وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ يعني رسول الله ص لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ يعني أمير المؤمنين ع تخبروا أممكم بخبره و خبر وليه و الأئمة

 26-  ع، ]علل الشرائع[ أبي عن محمد العطار عن الأشعري عن موسى بن عمر عن ابن سنان عن أبي سعيد القماط عن بكير قال قال لي أبو عبد الله ع هل تدري ما كان الحجر قال قلت لا قال كان ملكا عظيما من عظماء الملائكة عند الله عز و جل فلما أخذ الله  الميثاق من الملائكة له بالربوبية و لمحمد ص بالنبوة و لعلي بالوصية اصطكت فرائص الملائكة و أول من أسرع إلى الإقرار ذلك الملك و لم يكن فيهم أشد حبا لمحمد و آل محمد منه فلذلك اختاره الله عز و جل من بينهم و ألقمه الميثاق فهو يجي‏ء يوم القيامة و له لسان ناطق و عين ناظرة ليشهد لكل من وافاه إلى ذلك المكان و حفظ الميثاق

 أقول سيأتي الخبر بتمامه مع سائر الأخبار في ذلك في كتاب الإمامة و كتاب الحج إن شاء الله تعالى

 27-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ المفيد عن ابن قولويه عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى عن ابن معروف عن محمد بن سنان عن طلحة بن زيد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده ع قال قال رسول الله ص ما قبض الله نبيا حتى أمره أن يوصي إلى عشيرته من عصبته و أمرني أن أوصي فقلت إلى من يا رب فقال أوص يا محمد إلى ابن عمك علي بن أبي طالب فإني قد أثبته في الكتب السالفة و كتبت فيها أنه وصيك و على ذلك أخذت ميثاق الخلائق و مواثيق أنبيائي و رسلي أخذت مواثيقهم لي بالربوبية و لك يا محمد بالنبوة و لعلي بن أبي طالب بالولاية

 أقول سيأتي سائر الأخبار في ذلك في كتاب الإمامة فإن ذكرها في الموضعين يوجب التكرار

 28-  كا، ]الكافي[ أحمد بن إدريس عن الحسين بن عبيد الله عن محمد بن عيسى و محمد بن عبد الله عن علي بن حديد عن مرازم عن أبي عبد الله ع قال قال الله تبارك و تعالى يا محمد إني خلقتك و عليا نورا يعني روحا بلا بدن قبل أن أخلق سماواتي و أرضي و عرشي  و بحري فلم تزل تهللني و تمجدني ثم جمعت روحيكما فجعلتهما واحدة فكانت تمجدني و تقدسني و تهللني ثم قسمتها ثنتين و قسمت الثنتين ثنتين فصارت أربعة محمد واحد و علي واحد و الحسن و الحسين ثنتان ثم خلق الله فاطمة من نور ابتدأها روحا بلا بدن ثم مسحنا بيمينه فأفضى نوره فينا

 29-  كا، ]الكافي[ الحسين بن محمد عن المعلى عن عبد الله بن إدريس عن محمد بن سنان قال كنت عند أبي جعفر الثاني ع فأجريت اختلاف الشيعة فقال يا محمد إن الله تبارك و تعالى لم يزل متفردا بوحدانيته ثم خلق محمدا و عليا و فاطمة فمكثوا ألف دهر ثم خلق جميع الأشياء فأشهدهم خلقها و أجرى طاعتهم عليها و فوض أمورها إليهم فهم يحلون ما يشاءون و يحرمون ما يشاءون و لن يشاءوا إلا أن يشاء الله تبارك و تعالى ثم قال يا محمد هذه الديانة التي من تقدمها مرق و من تخلف عنها محق و من لزمها لحق خذها إليك يا محمد

 30-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ جماعة عن أبي المفضل عن رجاء بن يحيى عن داود بن القاسم عن عبد الله بن الفضل عن هارون بن عيسى بن بهلول عن بكار بن محمد بن شعبة عن أبيه عن بكر بن عبد الملك عن علي بن الحسين عن أبيه عن جده أمير المؤمنين ع قال  قال رسول الله ص يا علي خلق الله الناس من أشجار شتى و خلقني و أنت من شجرة واحدة أنا أصلها و أنت فرعها فطوبى لعبد تمسك بأصلها و أكل من فرعها

 31-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ جماعة عن أبي المفضل عن عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم المدائني عن عثمان بن عبد الله عن عبد الله بن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال بينا النبي ص بعرفات و علي ع تجاهه و نحن معه إذ أومأ النبي ص إلى علي ع فقال ادن مني يا علي فدنا منه فقال ضع خمسك يعني كفك في كفي فأخذ بكفه فقال يا علي خلقت أنا و أنت من شجرة أنا أصلها و أنت فرعها و الحسن و الحسين أغصانها فمن تعلق بغصن من أغصانها أدخله الله الجنة

 32-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ الغضائري عن علي بن محمد العلوي عن الحسن بن علي بن صالح عن الكليني عن علي بن محمد عن إسحاق بن إسماعيل النيسابوري عن الصادق ع عن آبائه ع عن الحسن بن علي ع قال سمعت جدي رسول الله ص يقول خلقت من نور الله عز و جل و خلق أهل بيتي من نوري و خلق محبيهم من نورهم و سائر الخلق في النار

 33-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ الغضائري عن علي بن محمد العلوي عن عبد الله بن محمد عن الحسين عن أبي عبد الله بن أسباط عن أحمد بن محمد بن زياد العطار عن محمد بن مروان الغزال عن عبيد بن يحيى عن يحيى بن عبد الله بن الحسن عن جده الحسن بن علي ع قال قال رسول الله ص إن في الفردوس لعينا أحلى من الشهد و ألين من الزبد و أبرد من  الثلج و أطيب من المسك فيها طينة خلقنا الله عز و جل منها و خلق شيعتنا منها فمن لم يكن من تلك الطينة فليس منا و لا من شيعتنا و هي الميثاق الذي أخذ الله عز و جل على ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع

 34-  كتاب فضائل الشيعة، بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال كنا جلوسا مع رسول الله ص إذ أقبل إليه رجل فقال يا رسول الله أخبرني عن قول الله عز و جل لإبليس أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ فمن هم يا رسول الله الذين هم أعلى من الملائكة فقال رسول الله ص أنا و علي و فاطمة و الحسن و الحسين كنا في سرادق العرش نسبح الله و تسبح الملائكة بتسبيحنا قبل أن يخلق الله عز و جل آدم بألفي عام فلما خلق الله عز و جل آدم أمر الملائكة أن يسجدوا له و لم يأمرنا بالسجود فسجدت الملائكة كلهم إلا إبليس فإنه أبى أن يسجد فقال الله تبارك و تعالى أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ  مِنَ الْعالِينَ أي من هؤلاء الخمس المكتوب أسماؤهم في سرادق العرش

 35-  ير، ]بصائر الدرجات[ ابن عيسى عن ابن محبوب عن بشر بن أبي عقبة عن أبي جعفر و أبي عبد الله ع قال إن الله خلق محمدا من طينة من جوهرة تحت العرش و إنه كان لطينته نضح فجبل طينة أمير المؤمنين ع من نضح طينة رسول الله ص و كان لطينة أمير المؤمنين ع نضح فجبل طينتنا من نضح طينة أمير المؤمنين ع و كان لطينتنا نضح فجبل طينة شيعتنا من نضح طينتنا فقلوبهم تحن إلينا و قلوبنا تعطف عليهم تعطف الوالد على الولد و نحن خير لهم و هم خير لنا و رسول الله ص لنا خير و نحن له خير

 36-  ير، ]بصائر الدرجات[ محمد بن حماد عن أخيه أحمد عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبيه عن أبي الحسن الأول ع قال سمعته يقول خلق الله الأنبياء و الأوصياء يوم الجمعة و هو اليوم الذي أخذ الله ميثاقهم و قال خلقنا نحن و شيعتنا من طينة مخزونة لا يشذ منها شاذ إلى يوم القيامة

 37-  ير، ]بصائر الدرجات[ أحمد بن موسى عن الحسن بن موسى عن علي بن حسان عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله ع قال إن الله عز و جل خلق محمدا و عترته من طينة العرش فلا ينقص منهم واحد و لا يزيد منهم واحد

 38-  ير، ]بصائر الدرجات[ بعض أصحابنا عن محمد بن الحسين عن عثمان بن عيسى عن عبد الرحمن  بن الحجاج قال إن الله تبارك و تعالى خلق محمدا و آل محمد من طينة عليين و خلق قلوبهم من طينة فوق ذلك الخبر

 39-  ك، ]إكمال الدين[ العطار عن أبيه عن الأشعري عن ابن أبي الخطاب عن أبي سعيد الغضنفري عن عمرو بن ثابت عن أبي حمزة قال سمعت علي بن الحسين ع يقول إن الله عز و جل خلق محمدا و عليا و الأئمة الأحد عشر من نور عظمته أرواحا في ضياء نوره يعبدونه قبل خلق الخلق يسبحون الله عز و جل و يقدسونه و هم الأئمة الهادية من آل محمد ص أجمعين

 40-  ك، ]إكمال الدين[ ابن إدريس عن أبيه عن محمد بن الحسين بن زيد عن الحسن بن موسى عن علي بن سماعة عن علي بن الحسن بن رباط عن أبيه عن المفضل قال قال الصادق ع إن الله تبارك و تعالى خلق أربعة عشر نورا قبل خلق الخلق بأربعة عشر ألف عام فهي أرواحنا فقيل له يا ابن رسول الله و من الأربعة عشر فقال محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة من ولد الحسين آخرهم القائم الذي يقوم بعد غيبته فيقتل الدجال و يطهر الأرض من كل جور و ظلم

 41-  من رياض الجنان لفضل الله بن محمود الفارسي بإسناده إلى جابر الجعفي عن أبي جعفر ع قال يا جابر كان الله و لا شي‏ء غيره لا معلوم و لا مجهول فأول ما ابتدأ من خلقه أن خلق محمدا ص و خلقنا أهل البيت معه من نور عظمته فأوقفنا أظلة خضراء بين يديه حيث لا سماء و لا أرض و لا مكان و لا ليل و لا نهار و لا شمس و لا قمر الخبر

   -42  و روى أحمد بن حنبل بإسناده عن رسول الله ص أنه قال كنت أنا و علي نورا بين يدي الرحمن قبل أن يخلق عرشه بأربعة عشر ألف عام

 43-  و عن جابر بن عبد الله قال قلت لرسول الله ص أول شي‏ء خلق الله تعالى ما هو فقال نور نبيك يا جابر خلقه الله ثم خلق منه كل خير

 44-  و عن جابر أيضا قال قال رسول الله ص أول ما خلق الله نوري ابتدعه من نوره و اشتقه من جلال عظمته

 أقول سيأتي تمام هذه الأخبار مع سائر الأخبار الواردة في بدء خلقهم ع في كتاب الإمامة

 45-  كا، ]الكافي[ علي بن محمد عن سهل بن زياد عن محمد بن علي بن إبراهيم عن علي بن حماد عن المفضل قال قلت لأبي عبد الله ع كيف كنتم حيث كنتم في الأظلة فقال يا مفضل كنا عند ربنا ليس عنده أحد غيرنا في ظلة خضراء نسبحه و نقدسه و نهلله و نمجده و ما من ملك مقرب و لا ذي روح غيرنا حتى بدا له في خلق الأشياء فخلق ما شاء كيف شاء من الملائكة و غيرهم ثم أنهى علم ذلك إلينا

 46-  كا، ]الكافي[ أحمد بن إدريس عن الحسين بن عبد الله الصغير عن محمد بن إبراهيم الجعفري عن أحمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن عمر بن علي بن أبي طالب ع عن أبي عبد الله ع قال إن الله كان إذ لا كان فخلق الكان و المكان و خلق نور الأنوار الذي نورت منه الأنوار و أجرى فيه من نوره الذي نورت منه الأنوار و هو النور الذي خلق منه محمدا و عليا فلم يزالا نورين أولين إذ لا شي‏ء كون قبلهما فلم يزالا يجريان طاهرين مطهرين في الأصلاب الطاهرة حتى افترقا في أطهر طاهرين في عبد الله و أبي طالب ع

   بيان قوله إذ لا كان لعله مصدر بمعنى الكون كالقال و القول و المراد به الحدوث أي لم يحدث شي‏ء بعد أو هو بمعنى الكائن و لعل المراد بنور الأنوار أولا نور النبي ص إذ هو منور أرواح الخلائق بالعلوم و الهدايات و المعارف بل سبب لوجود الموجودات و علة غائية لها و أجرى فيه أي في نور الأنوار من نوره أي من نور ذاته من إفاضاته و هداياته التي نورت منها جميع الأنوار حتى نور الأنوار المذكور أولا قوله و هو النور الذي أي نور الأنوار المذكور أولا و الله يعلم أسرار أهل بيت نبيه ص

 47-  كا، ]الكافي[ أحمد بن إدريس عن الحسين بن عبد الله عن محمد بن عبد الله عن محمد بن سنان عن المفضل عن جابر بن يزيد قال قال لي أبو جعفر ع يا جابر إن الله أول ما خلق خلق محمدا و عترته الهداة المهتدين فكانوا أشباح نور بين يدي الله قلت و ما الأشباح قال ظل النور أبدان نورانية بلا أرواح و كان مؤيدا بروح واحد و هي روح القدس فبه كان يعبد الله و عترته و لذلك خلقهم حلماء علماء بررة أصفياء يعبدون الله بالصلاة و الصوم و السجود و التسبيح و التهليل و يصلون الصلوات و يحجون و يصومون

 بيان قوله ع أشباح نور لعل الإضافة بيانية أي أشباحا نورانية و المراد أما الأجساد المثالية فقوله بلا أرواح لعله أراد به بلا أرواح حيوانية أو الأرواح بنفسها سواء كانت مجردة أو مادية لأن الأرواح إذا لم تتعلق بالأبدان فهي مستقلة بنفسها أرواح من جهة و أجساد من جهة فهي أبدان نورانية لم تتعلق بها أرواح أخر و ظل النور أيضا إضافته بيانية و تسمى عالم الأرواح و المثال بعالم الضلال لأنها ضلال تلك العالم و تابعة لها أو لأنها لتجردها أو لعدم كثافتها شبيهة بالظل و على الاحتمال الثاني يحتمل أن تكون الإضافة لامية بأن يكون المراد بالنور نور ذاته تعالى فإنها من آثار تلك النور و المعنى دقيق فتفطن

   -48  أقول قال الشيخ أبو الحسن البكري أستاد الشهيد الثاني قدس الله روحهما في كتابه المسمى بكتاب الأنوار حدثنا أشياخنا و أسلافنا الرواة لهذا الحديث عن أبي عمر الأنصاري سألت عن كعب الأحبار و وهب بن منبه و ابن عباس قالوا جميعا لما أراد الله أن يخلق محمدا ص قال لملائكته إني أريد أن أخلق خلقا أفضله و أشرفه على الخلائق أجمعين و أجعله سيد الأولين و الآخرين و أشفعه فيهم يوم الدين فلولاه ما زخرفت الجنان و لا سعرت النيران فاعرفوا محله و أكرموه لكرامتي و عظموه لعظمتي فقالت الملائكة إلهنا و سيدنا و ما اعتراض العبيد على مولاهم سمعنا و أطعنا فعند ذلك أمر الله تعالى جبرئيل و ملائكة الصفيح الأعلى و حملة العرش فقبضوا تربة رسول الله ص من  موضع ضريحه و قضى أن يخلقه من التراب و يميته في التراب و يحشره على التراب فقبضوا من تربة نفسه الطاهرة قبضة طاهرة لم يمش عليها قدم مشت إلى المعاصي فعرج بها الأمين جبرئيل فغمسها في عين السلسبيل حتى نقيت كالدرة البيضاء فكانت تغمس كل يوم في نهر من أنهار الجنة و تعرض على الملائكة فتشرق أنوارها فتستقبلها الملائكة بالتحية و الإكرام و كان يطوف بها جبرئيل في صفوف الملائكة فإذا نظروا إليها قالوا إلهنا و سيدنا إن أمرتنا بالسجود سجدنا فقد اعترفت الملائكة بفضله و شرفه قبل خلق آدم ع و لما خلق الله آدم ع سمع في ظهره نشيشا كنشيش الطير و تسبيحا و تقديسا فقال آدم يا رب و ما هذا فقال يا آدم هذا تسبيح محمد العربي سيد الأولين و الآخرين فالسعادة لمن تبعه و أطاعه و الشقاء لمن خالفه فخذ يا آدم بعهدي و لا تودعه إلا الأصلاب الطاهرة من الرجال و الأرحام من النساء الطاهرات الطيبات العفيفات ثم قال آدم ع يا رب لقد زدتني بهذا المولود شرفا و نورا و بهاء و وقارا و كان نور رسول الله ص في غرة آدم كالشمس في دوران قبة الفلك أو كالقمر في الليلة المظلمة و قد أنارت منه السماوات و الأرض و السرادقات و العرش و الكرسي و كان آدم ع إذا أراد أن يغشى حواء أمرها أن تتطيب و تتطهر و يقول لها الله يرزقك هذا النور و يخصك به فهو وديعة الله و ميثاقه فلا يزال نور رسول الله ص في غرة آدم ع

 فروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع قال كان الله و لا شي‏ء معه فأول  ما خلق نور حبيبه محمد ص قبل خلق الماء و العرش و الكرسي و السماوات و الأرض و اللوح و القلم و الجنة و النار و الملائكة و آدم و حواء بأربعة و عشرين و أربعمائة ألف عام فلما خلق الله تعالى نور نبينا محمد ص بقي ألف عام بين يدي الله عز و جل واقفا يسبحه و يحمده و الحق تبارك و تعالى ينظر إليه و يقول يا عبدي أنت المراد و المريد و أنت خيرتي من خلقي و عزتي و جلالي لولاك ما خلقت الأفلاك من أحبك أحببته و من أبغضك أبغضته فتلألأ نوره و ارتفع شعاعه فخلق الله منه اثني عشر حجابا أولها حجاب القدرة ثم حجاب العظمة ثم حجاب العزة ثم حجاب الهيبة ثم حجاب الجبروت ثم حجاب الرحمة ثم حجاب النبوة ثم حجاب الكبرياء ثم حجاب المنزلة ثم حجاب الرفعة ثم حجاب السعادة ثم حجاب الشفاعة ثم إن الله تعالى أمر نور رسول الله ص أن يدخل في حجاب القدرة فدخل و هو يقول سبحان العلي الأعلى و بقي على ذلك اثني عشر ألف عام ثم أمره أن يدخل في حجاب العظمة فدخل و هو يقول سبحان عالم السر و أخفى أحد عشر ألف عام ثم دخل في حجاب العزة و هو يقول سبحان الملك المنان عشرة آلاف عام ثم دخل في حجاب الهيبة و هو يقول سبحان من هو غني لا يفتقر تسعة آلاف عام ثم دخل في حجاب الجبروت و هو يقول سبحان الكريم الأكرم ثمانية آلاف عام ثم دخل في حجاب الرحمة و هو يقول سبحان رب العرش العظيم سبعة آلاف عام ثم دخل في حجاب النبوة و هو يقول سبحان ربك رب العزة عما يصفون ستة آلاف عام ثم دخل في حجاب الكبرياء و هو يقول سبحان العظيم الأعظم خمسة آلاف عام ثم دخل في حجاب المنزلة و هو يقول سبحان العليم الكريم أربعة آلاف عام ثم دخل في حجاب الرفعة و هو يقول سبحان ذي الملك و الملكوت ثلاثة آلاف عام ثم دخل في حجاب السعادة و هو يقول سبحان من يزيل الأشياء و لا يزول ألفي عام ثم دخل في حجاب الشفاعة و هو يقول سبحان الله و بحمده سبحان الله العظيم ألف عام

  قال الإمام علي بن أبي طالب ع ثم إن الله تعالى خلق من نور محمد ص عشرين بحرا من نور في كل بحر علوم لا يعلمها إلا الله تعالى ثم قال لنور محمد ص انزل في بحر العز فنزل ثم في بحر الصبر ثم في بحر الخشوع ثم في بحر التواضع ثم في بحر الرضا ثم في بحر الوفاء ثم في بحر الحلم ثم في بحر التقى ثم في بحر الخشية ثم في بحر الإنابة ثم في بحر العمل ثم في بحر المزيد ثم في بحر الهدى ثم في بحر الصيانة ثم في بحر الحياء حتى تقلب في عشرين بحرا فلما خرج من آخر الأبحر قال الله تعالى يا حبيبي و يا سيد رسلي و يا أول مخلوقاتي و يا آخر رسلي أنت الشفيع يوم المحشر فخر النور ساجدا ثم قام فقطرت منه قطرات كان عددها مائة ألف و أربعة و عشرين ألف قطرة فخلق الله تعالى من كل قطرة من نوره نبيا من الأنبياء فلما تكاملت الأنوار صارت تطوف حول نور محمد ص كما تطوف الحجاج حول بيت الله الحرام و هم يسبحون الله و يحمدونه و يقولون سبحان من هو عالم لا يجهل سبحان من هو حليم لا يعجل سبحان من هو غني لا يفتقر فناداهم الله تعالى تعرفون من أنا فسبق نور محمد ص قبل الأنوار و نادى أنت الله الذي لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك رب الأرباب و ملك الملوك فإذا بالنداء من قبل الحق أنت صفيي و أنت حبيبي و خير خلقي أمتك خير أمة أخرجت للناس ثم خلق من نور محمد ص جوهرة و قسمها قسمين فنظر إلى القسم الأول بعين الهيبة فصار ماء عذبا و نظر إلى القسم الثاني بعين الشفقة فخلق منها العرش فاستوى على وجه الماء فخلق الكرسي من نور العرش و خلق من نور الكرسي اللوح و خلق من نور اللوح القلم و قال له اكتب توحيدي فبقي القلم ألف عام سكران من كلام الله تعالى فلما أفاق قال اكتب قال يا رب و ما أكتب قال اكتب لا إله إلا الله محمد رسول الله فلما سمع القلم اسم محمد ص خر ساجدا و قال سبحان الواحد القهار سبحان العظيم الأعظم ثم رفع رأسه من السجود و كتب لا إله إلا الله محمد رسول الله ثم قال يا رب و من محمد الذي قرنت اسمه باسمك و ذكره بذكرك قال الله تعالى له يا قلم فلولاه ما خلقتك و لا خلقت خلقي إلا لأجله فهو بشير و نذير

  و سراج منير و شفيع و حبيب فعند ذلك انشق القلم من حلاوة ذكر محمد ص ثم قال القلم السلام عليك يا رسول الله فقال الله تعالى و عليك السلام مني و رحمة الله و بركاته فلأجل هذا صار السلام سنة و الرد فريضة ثم قال الله تعالى اكتب قضائي و قدري و ما أنا خالقه إلى يوم القيامة ثم خلق الله ملائكة يصلون على محمد و آل محمد و يستغفرون لأمته إلى يوم القيامة ثم خلق الله تعالى من نور محمد ص الجنة و زينها بأربعة أشياء التعظيم و الجلالة و السخاء و الأمانة و جعلها لأوليائه و أهل طاعته ثم نظر إلى باقي الجوهرة بعين الهيبة فذابت فخلق من دخانها السماوات و من زبدها الأرضين فلما خلق الله تبارك و تعالى الأرض صارت تموج بأهلها كالسفينة فخلق الله الجبال فأرساها بها ثم خلق ملكا من أعظم ما يكون في القوة فدخل تحت الأرض ثم لم يكن لقدمي الملك قرار فخلق الله صخرة عظيمة و جعلها تحت قدمي الملك ثم لم يكن للصخرة قرار فخلق لها ثورا عظيما لم يقدر أحد ينظر إليه لعظم خلقته و بريق عيونه حتى لو وضعت البحار كلها في إحدى منخريه ما كانت إلا كخردلة ملقاة في أرض فلاة فدخل الثور تحت الصخرة و حملها على ظهره و قرونه و اسم ذلك الثور لهوتا ثم لم يكن لذلك الثور قرار فخلق الله له حوتا عظيما و اسم ذلك الحوت بهموت فدخل الحوت تحت قدمي الثور فاستقر الثور على ظهر الحوت فالأرض كلها على كاهل الملك و الملك على الصخرة  و الصخرة على الثور و الثور على الحوت و الحوت على الماء و الماء على الهواء و الهواء على الظلمة ثم انقطع علم الخلائق عما تحت الظلمة ثم خلق الله تعالى العرش من ضياءين أحدهما الفضل و الثاني العدل ثم أمر الضياءين فانتفسا بنفسين فخلق منهما أربعة أشياء العقل و الحلم و العلم و السخاء ثم خلق من العقل الخوف و خلق من العلم الرضا و من الحلم المودة و من السخاء المحبة ثم عجن هذه الأشياء في طينة محمد ص ثم خلق من بعدهم أرواح المؤمنين من أمة محمد ص ثم خلق الشمس و القمر و النجوم و الليل و النهار و الضياء و الظلام و سائر الملائكة من نور محمد ص فلما تكاملت الأنوار سكن نور محمد تحت العرش ثلاثة و سبعين ألف عام ثم انتقل نوره إلى الجنة فبقي سبعين ألف عام ثم انتقل إلى سدرة المنتهى فبقي سبعين ألف عام ثم انتقل نوره إلى السماء السابعة ثم إلى السماء السادسة ثم إلى السماء الخامسة ثم إلى السماء الرابعة ثم إلى السماء الثالثة ثم إلى السماء الثانية ثم إلى السماء الدنيا فبقي نوره في السماء الدنيا إلى أن أراد الله تعالى أن يخلق آدم ع أمر جبرئيل ع أن ينزل إلى الأرض و يقبض منها قبضة فنزل جبرئيل فسبقه اللعين إبليس فقال للأرض إن الله تعالى يريد أن يخلق منك خلقا و يعذبه بالنار فإذا أتتك ملائكته فقولي أعوذ بالله منكم أن تأخذوا مني شيئا يكون للنار فيه نصيب فجاءها جبرئيل ع فقالت إني أعوذ بالذي أرسلك أن تأخذ مني شيئا فرجع جبرئيل و لم يأخذ منها شيئا فقال يا رب قد استعاذت بك مني فرحمتها فبعث ميكائيل فعاد كذلك ثم أمر إسرافيل فرجع كذلك

  فبعث عزرائيل فقال و أنا أعوذ بعزة الله أن أعصي له أمرا فقبض قبضة من أعلاها و أدونها و أبيضها و أسودها و أحمرها و أخشنها و أنعمها فلذلك اختلفت أخلاقهم و ألوانهم فمنهم الأبيض و الأسود و الأصفر فقال له تعالى أ لم تتعوذ منك الأرض بي فقال نعم لكن لم ألتفت له فيها و طاعتك يا مولاي أولى من رحمتي لها فقال له الله تعالى لم لا رحمتها كما رحمها أصحابك قال طاعتك أولى فقال اعلم أني أريد أن أخلق منها خلقا أنبياء و صالحين و غير ذلك و أجعلك القابض لأرواحهم فبكى عزرائيل ع فقال له الحق تعالى ما يبكيك قال إذا كنت كذلك كرهوني هؤلاء الخلائق فقال لا تخف إني أخلق لهم عللا فينسبون الموت إلى تلك العلل ثم بعد ذلك أمر الله تعالى جبرئيل ع أن يأتيه بالقبضة البيضاء التي كانت أصلا فأقبل جبرئيل ع و معه الملائكة الكروبيون و الصافون و المسبحون فقبضوها من موضع ضريحه و هي البقعة المضيئة المختارة من بقاع الأرض فأخذها جبرئيل من ذلك المكان فعجنها بماء التسنيم و ماء التعظيم و ماء التكريم و ماء التكوين و ماء الرحمة و ماء الرضا و ماء العفو فخلق من الهداية رأسه و من الشفقة صدره و من السخاء كفيه و من الصبر فؤاده و من العفة فرجه و من الشرف قدميه و من اليقين قلبه و من الطيب أنفاسه ثم خلطها بطينة آدم ع فلما خلق الله تعالى آدم ع أوحى إلى الملائكة إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ فحملت الملائكة جسد آدم ع و وضعوه على باب الجنة و هو جسد لا روح فيه و الملائكة ينتظرون متى يؤمرون بالسجود و كان ذلك يوم الجمعة بعد الظهر ثم إن الله تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم ع فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لعنه الله ثم خلق الله بعد ذلك الروح و قال لها ادخلي في هذا الجسم فرأت الروح مدخلا ضيقا فوقفت فقال لها ادخلي كرها و اخرجي كرها قال فدخلت الروح في اليافوخ إلى العينين فجعل ينظر إلى نفسه فسمع تسبيح  الملائكة فلما وصلت إلى الخياشيم عطس آدم ع فأنطقه الله تعالى بالحمد فقال الحمد لله و هي أول كلمة قالها آدم ع فقال الحق تعالى رحمك الله يا آدم لهذا خلقتك و هذا لك و لولدك أن قالوا مثل ما قلت فلذلك صار تسميت العاطس سنة و لم يكن على إبليس أشد من تسميت العاطس ثم إن آدم ع فتح عينيه فرأى مكتوبا على العرش لا إله إلا الله محمد رسول الله فلما وصلت الروح إلى ساقه قام قبل أن تصل إلى قدميه فلم يطق فلذلك قال تعالى خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ

 قال الصادق ع كانت الروح في رأس آدم ع مائة عام و في صدره مائة عام و في ظهره مائة عام و في فخذيه مائة عام و في ساقيه و قدميه مائة عام فلما استوى آدم ع قائما أمر الله الملائكة بالسجود و كان ذلك بعد الظهر يوم الجمعة فلم تزل في سجودها إلى العصر فسمع آدم ع من ظهره نشيشا كنشيش الطير و تسبيحا و تقديسا فقال آدم يا رب و ما هذا قال يا آدم هذا تسبيح محمد العربي سيد الأولين و الآخرين ثم إن الله تبارك و تعالى خلق من ضلعه الأعوج حواء و قد أنامه الله تعالى فلما انتبه رآها عند رأسه فقال من أنت قالت أنا حواء خلقني الله لك قال ما أحسن خلقتك فأوحى الله إليه هذه أمتي حواء و أنت عبدي آدم خلقتكما لدار اسمها جنتي فسبحاني و احمداني يا آدم اخطب حواء مني و ادفع مهرها إلي فقال آدم و ما مهرها يا رب قال تصلي على حبيبي محمد ص عشر مرات فقال آدم جزاؤك يا رب على ذلك الحمد و الشكر ما بقيت فتزوجها على ذلك و كان القاضي الحق و العاقد جبرئيل و الزوجة حواء و الشهود الملائكة فواصلها و كانت الملائكة يقفون من وراء آدم ع قال آدم ع لأي شي‏ء يا رب تقف الملائكة من ورائي فقال  لينظروا إلى نور ولدك محمد ص قال يا رب اجعله أمامي حتى تستقبلني الملائكة فجعله في جبهته فكانت الملائكة تقف قدامه صفوفا ثم سأل آدم ع ربه أن يجعله في مكان يراه آدم فجعله في الإصبع السبابة فكان نور محمد ص فيها و نور علي ع في الإصبع الوسطى و فاطمة ع في التي تليها و الحسن ع في الخنصر و الحسين ع في الإبهام و كانت أنوارهم كغرة الشمس في قبة الفلك أو كالقمر في ليلة البدر و كان آدم ع إذا أراد أن يغشى حواء يأمرها أن تتطيب و تتطهر و يقول لها يا حواء الله يرزقك هذا النور و يخصك به فهو وديعة الله و ميثاقه فلم يزل نور رسول الله ص في غرة آدم ع حتى حملت حواء بشيث و كانت الملائكة يأتون حواء و يهنئونها فلما وضعته نظرت بين عينيه إلى نور رسول الله ص يشتعل اشتعالا ففرحت بذلك و ضرب جبرئيل ع بينها و بينه حجابا من نور غلظه مقدار خمسمائة عام فلم يزل محجوبا محبوسا حتى بلغ شيث ع مبالغ الرجال و النور يشرق في غرته فلما علم آدم ع أن ولده شيث بلغ مبالغ الرجال قال له يا بني إني مفارقك عن قريب فادن مني حتى آخذ عليك العهد و الميثاق كما أخذه الله تعالى على من قبلك ثم رفع آدم ع رأسه نحو السماء و قد علم الله ما أراد فأمر الله الملائكة أن يمسكوا عن التسبيح و لفت أجنحتها و أشرفت سكان الجنان من غرفاتها و سكن صرير أبوابها و جريان أنهارها و تصفيق أوراق أشجارها و تطاولت لاستماع ما يقول آدم ع و نودي يا آدم قل ما أنت قائل فقال آدم ع اللهم رب القدم قبل النفس و منير القمر و الشمس خلقتني كيف شئت و قد أودعتني هذا النور الذي أرى منه التشريف و الكرامة و قد صار

  لولدي شيث و إني أريد أن آخذ عليه العهد و الميثاق كما أخذته علي اللهم و أنت الشاهد عليه و إذا بالنداء من قبل الله تعالى يا آدم خذ على ولدك شيث العهد و أشهد عليه جبرئيل و ميكائيل و الملائكة أجمعين قال فأمر الله تعالى جبرئيل ع أن يهبط إلى الأرض في سبعين ألفا من الملائكة بأيديهم ألوية الحمد و بيده حريرة بيضاء و قلم مكون من مشية الله رب العالمين فأقبل جبرئيل على آدم ع و قال له يا آدم ربك يقرئك السلام و يقول لك اكتب على ولدك شيث كتابا و أشهد عليه جبرئيل و ميكائيل و الملائكة أجمعين فكتب الكتاب و أشهد عليه و ختمه جبرئيل بخاتمه و دفعه إلى شيث و كسا قبل انصرافه حلتين حمراوين أضوأ من نور الشمس و أروق من السماء لم يقطعا و لم يفصلا بل قال لهما الجليل كونيا فكانتا ثم تفرقا و قبل شيث العهد و ألزمه نفسه و لم يزل ذلك النور بين عينيه حتى تزوج المحاولة البيضاء و كانت بطول حواء و اقترن إليها بخطبة جبرئيل فلما وطئها حملت بأنوش فلما حملت به سمعت مناديا ينادي هنيئا لك يا بيضاء لقد استودعك الله نور سيد المرسلين سيد الأولين و الآخرين فلما ولدته أخذ عليه شيث العهد كما أخذ عليه و انتقل إلى ولده قينان و منه إلى مهلائيل و منه إلى أدد و منه إلى أخنوخ و هو إدريس ع ثم أودعه إدريس ولده متوشلخ و أخذ عليه العهد ثم انتقل إلى  ملك ثم إلى نوح و من نوح إلى سام و من سام إلى ولده أرفخشد ثم إلى ولده عابر ثم إلى قالع ثم إلى أرغو و منه إلى شارغ و منه إلى تاخور ثم انتقل إلى تارخ و منه إلى إبراهيم ثم إلى إسماعيل ثم إلى قيذار و منه إلى الهميسع ثم انتقل إلى نبت ثم إلى يشحب و منه إلى أدد و منه إلى عدنان و منه إلى معد و منه إلى نزار و منه إلى مضر و من مضر إلى إلياس و من إلياس إلى مدركة و منه إلى خزيمة و منه إلى كنانة و من كنانة إلى قصي و من قصي إلى لوي و من لوي إلى غالب و منه إلى فهر و من فهر إلى عبد مناف و من عبد مناف إلى هاشم و إنما سمي هاشما لأنه هشم الثريد لقومه و كان اسمه عمرو العلاء  و كان نور رسول الله ص في وجهه إذا أقبل تضي‏ء منه الكعبة و تكتسي من نوره نورا شعشعانيا و يرتفع من وجهه نور إلى السماء و خرج من بطن أمه عاتكة بنت مرة بنت فالج بن ذكوان و له ضفيرتان كضفيرتي إسماعيل ع يتوقد نورهما إلى السماء فعجب أهل مكة من ذلك و سارت إليه قبائل العرب من كل جانب و ماجت منه الكهان و نطقت الأصنام بفضل النبي المختار و كان هاشم لا يمر بحجر و لا مدر إلا و يناديه أبشر يا هاشم فإنه سيظهر من ذريتك أكرم الخلق على الله تعالى و أشرف العالمين محمد خاتم النبيين و كان هاشم إذا مشى في الظلام أنارت منه الحنادس و يرى من حوله كما يرى من ضوء المصباح فلما حضرت عبد مناف الوفاة أخذ العهد على هاشم أن يودع نور رسول الله ص في الأرحام الزكية من النساء فقبل هاشم العهد و ألزمه نفسه و جعلت الملوك تتطاول إلى هاشم ليتزوج منهم و يبذلون إليه الأموال الجزيلة و هو يأبى عليهم و كان كل يوم يأتي الكعبة و يطوف بها سبعا و يتعلق بأستارها و كان هاشم إذا قصده قاصد أكرمه و كان يكسو العريان و يطعم الجائع و يفرج عن المعسر و يوفي عن المديون و من أصيب بدم دفع عنه و كان بابه لا يغلق عن صادر و لا وارد و إذا أولم وليمة أو اصطنع طعاما لأحد و فضل منه شي‏ء يأمر به أن يلقى إلى الوحش و الطيور حتى تحدثوا به و بجوده في الآفاق و سوده أهل مكة بأجمعهم و شرفوه و عظموه و سلموا إليه مفاتيح الكعبة و السقاية و الحجابة و الرفادة  و مصادر أمور الناس و مواردها و سلموا إليه لواء نزار و قوس إسماعيل ع و قميص إبراهيم ع و نعل شيث ع و خاتم نوح ع فلما احتوى على ذلك كله ظهر فخره و مجده و كان يقوم بالحاج و يرعاهم و يتولى أمورهم و يكرمهم و لا ينصرفون إلا شاكرين

 قال أبو الحسن البكري و كان هاشم إذا أهل هلال ذي الحجة يأمر الناس بالاجتماع إلى الكعبة فإذا اجتمعوا قام خطيبا و يقول معاشر الناس إنكم جيران الله و جيران بيته و إنه سيأتيكم في هذا الموسم زوار بيت الله و هم أضياف الله و الأضياف هم أولى بالكرامة و قد خصكم الله تعالى بهم و أكرمكم و إنهم سيأتونكم شعثا غبرا من كل فج عميق و يقصدونكم من كل مكان سحيق فأقروهم و احموهم و أكرموهم يكرمكم الله تعالى و كانت قريش تخرج المال الكثير من أموالهم و كان هاشم ينصب أحواض الأديم و يجعل فيها ماء من ماء زمزم و يملي باقي الحياض من سائر الآبار بحيث تشرب الحاج و كان من عادته أنه يطعمهم قبل التروية بيوم و كان يحمل لهم الطعام إلى منى و عرفة و كان يثرد لهم اللحم و السمن و التمر و يسقيهم اللبن إلى حيث تصدر الناس من منى ثم يقطع عنهم الضيافة. قال أبو الحسن البكري بلغنا أنه كان بأهل مكة ضيق و جذب و غلاء و لم يكن عندهم ما يزودون به الحاج فبعث هاشم إلى نحو الشام أباعر فباعها و اشترى بأثمانها  كعكا و زيتا و لم يترك عنده من ذلك قوت يوم واحد بل بذل ذلك كله للحاج فكفاهم جميعهم و صدر الناس يشكرونه في الآفاق و فيه يقول الشاعر.

يا أيها الرجل المجد رحيله. هلا مررت بدار عبد مناف.ثكلتك أمك لو مررت ببابهم. لعجبت من كرم و من أوصاف.عمرو العلاء هشم الثريد لقومه. و القوم فيها مسنتون عجاف.بسطوا إليه الرحلتين كليهما. عند الشتاء و رحلة الأصياف.

 قال فبلغ خبره إلى النجاشي ملك الحبشة و إلى قيصر ملك الروم فكاتبوه و راسلوه أن يهدوا له بناتهم رغبة في النور الذي في وجهه و هو نور محمد ص لأن رهبانهم و كهانهم أعلموهم بأن ذلك النور نور رسول الله ص فأبى هاشم عن ذلك و تزوج من نساء قومه و رزق منهن أولادا و كان أولاده الذكور أسد و مضر و عمرو و صيفي و أما البنات فصعصعة و رقية و خلادة و الشعثاء فهذه جملة الذكور و الإناث و نور رسول الله ص في غرته لم يزل فعظم ذلك عليه و كبر لديه فلما كان في بعض الليالي و قد طاف بالبيت سأل الله تعالى أن يرزقه ولدا يكون فيه نور رسول الله ص فأخذه النعاس فمال عن البيت ثم اضطجع فأتاه آت يقول في منامه عليك بسلمى بنت عمرو فإنها طاهرة مطهرة الأذيال فخذها و ادفع لها المهر الجزيل فلم تجد  لها مشبها من النساء فإنك ترزق منها ولدا يكون منه النبي ص فصاحبها ترشد و اسع إلى أخذ الكريمة عاجلا قال فانتبه هاشم فزعا مرعوبا و أحضر بني عمه و أخاه المطلب و أخبرهم بما رآه في منامه و بما قال الهاتف فقال له أخوه المطلب يا ابن أم إن المرأة لمعروفة في قومها كبيرة في نفسها قد كملت عفة و اعتدالا و هي سلمى بنت عمرو بن لبيد بن حداث بن زيد بن عامر بن غنم بن مازن بن النجار و هم أهل الأضياف و العفاف و أنت أشرف منهم حسبا و أكرم منهم نسبا قد تطاولت إليك الملوك و الجبابرة و إن شئت فنحن لك خطابا فقال لهم الحاجة لا تقضى إلا بصاحبها و قد جمعت فضلات و تجارة و أريد أن أخرج إلى الشام للتجارة و لوصال هذه المرأة فقال له أصحابه نحن نفرح لفرحك و نسر لسرورك و ننظر ما يكون من أمرك ثم إن هاشما خرج للسفر و خرج معه أصحابه بأسلحتهم و خرج معه العبيد يقودون الخيل و الجمال و عليها أحمال الأديم و عند خروجه نادى في أهل مكة فخرجت معه السادات و الأكابر و خرج معه العبيد و النساء لتوديع هاشم فأمرهم بالرجوع و سار هو  و بنو عمه و أخوه المطلب إلى يثرب كالأسود طالبي بني النجار. فلما وصلوا المدينة أشرق بنور رسول الله ص ذلك الوادي من غرة هاشم حتى دخل جملة البيوت فلما رآهم أهل يثرب بادروا إليهم مسرعين و قالوا من أنتم أيها الناس فما رأينا أحسن منكم جمالا و لا سيما صاحب هذا النور الساطع و الضياء اللامع قال لهم المطلب نحن أهل بيت الله و سكان حرم الله نحن بني لوي بن غالب و هذا أخونا هاشم بن عبد مناف و قد جئناكم خاطبين و فيكم راغبين و قد علمتم أن أخانا هذا خطبه الملوك و الأكابر فما رغب إلا فيكم و نحب أن ترشدونا إلى سلمى و كان أبوها يسمع الخطاب فقال لهم مرحبا بكم أنتم أرباب الشرف و المفاخر و العز و المآثر و السادات الكرام المطعمون الطعام و نهاية الجود و الإكرام و لكم عندنا ما تطلبون غير أن المرأة التي خرجتم لأجلها و جئتم لها طالبين هي ابنتي و قرة عيني و هي مالكة نفسها و مع ذلك أنها خرجت بالأمس إلى سوق من أسواقنا مع نساء من قومها يقال لها سوق بني قينقاع فإن أقمتم عندنا فأنتم في العناية و الكلاية و إن أردتم أن تسيروا إليها ففي الرعاية و من الخاطب لها و الراغب فيها قالوا صاحب هذا النور الساطع و الضياء اللامع سراج بيت الله الحرام و مصباح الظلام الموصوف بالجود و الإكرام هاشم بن عبد مناف صاحب رحلة الإيلاف و ذروة الأحقاف فقال أبوها بخ بخ لقد علونا و فخرنا بخطبتكم اعلموا يا من حضر أني

   قد رغبت في هذا الرجل أكثر من رغبته فينا غير أني أخبركم أن أمري دون أمرها و ها أنا أسير معكم إليها فانزلوا يا خير زوار و يا فخر بني نزار قال فنزل هاشم و أخوه و أصحابه و حطوا رحالهم و متاعهم و سبق أبوها عمرو إلى قومه و نحر لهم النحائر و عقر لهم العقائر و أصلح لهم الطعام و خرجت لهم العبيد بالجفان فأكلت القوم منه حسب الحاجة و لم يبق من أهل يثرب أحد إلا خرج ينظر إلى هاشم و نور وجهه و خرج الأوس و الخزرج و الناس متعجبين من ذلك النور و خرج اليهود فلما نظروا إليه عرفوه بالصفة التي وجدوها في التوراة و العلامات فعظم ذلك عليهم و بكوا بكاء شديدا فقال بعض اليهود لحبر من أحبارهم ما بكاؤكم قال من هذا الرجل الذي يظهر منه سفك دمائكم و قد جاءكم السفاك القتال الذي تقاتل معه الأملاك المعروف في كتبكم بالماحي و هذه أنواره قد ابتدرت قال فبكى اليهود من قوله و قالوا له يا أبانا فهل هذا الذي ذكرت نصل إلى قتله و نكفي شره فقال لهم هيهات حيل بينكم و بين ما تشتهون و عجزتم عما تأملون أن هذا هو المولود الذي ذكرت لكم تقاتل معه الأملاك من الهواء و يخاطب من السماء و يقول قال جبرئيل عن رب السماء فقالوا هذا تكون له هذه المنزلة قال أعز من الولد عند الوالد فإنه أكرم أهل الأرض على الله تعالى و أكرم أهل السماوات فقالوا أيها السيد الكريم نحن نسعى في إطفاء ضوء هذا المصباح قبل أن يتمكن و يحدث علينا منه كل مكروه و أضمر القوم لهاشم العداوة و كان بدء عداوة اليهود من ذلك اليوم لرسول الله ص فلما أصبح هاشم أمر أصحابه أن يلبسوا أفخر أثوابهم و أن يظهروا  زينتهم فلبسوا ما كان عندهم من الثياب و ما قد أعدوه للزينة و الجمال و أظهروا التيجان و الجواشن و الدروع و البيض فأقبلوا يريدون سوق بني قينقاع و قد شدوا لواء نزار على قناة و أحاطوا بهاشم عن يمينه و شماله و مشى قدامه العبيد و أبو سلمى معهم و أكابر قومه و معهم جماعة من اليهود فلما أشرفوا على السوق و كان تجتمع إليه الناس من أقاصي البلاد و أقطارها و أهل الحضر و سكانها فنظر القوم إلى هاشم و أصحابه و تركوا معاشهم و أقبلوا ينظرون إلى هاشم و يتعجبون من حسنه و جماله و كان هاشم بين أصحابه كالبدر المنير بين الكواكب و عليه السكينة و الوقار فأذهل بجماله أهل السوق و جعلوا ينظرون إلى النور الذي بين عينيه و كانت سلمى بنت عمرو واقفة مع الناس تنظر إلى هاشم و حسنه و جماله و ما عليه من الهيبة و الوقار إذ أقبل عليها أبوها و قال لها يا سلمى أبشرك بما يسرك و لا يضرك و كانت معجبة بنفسها من حسنها و جمالها فلما نظرت إلى هاشم و جماله نسيت حسنها و جمالها و قالت يا أبت بما تبشرني قال إن هذا الرجل إليك خاطب و فيك راغب و هو يا سلمى من أهل الكفاف و العفاف و الجود و الأضياف هاشم بن عبد مناف و إنه لم يخرج من الحرم لغير ذلك فلما سمعت سلمى كلام أبيها أعرضت عنه بوجهها و أدركها الحياء منه فأمسكت عن الكلام ثم قالت يا أبت إن النساء يفتخرون على الرجال بالحسن و الجمال و القدر و الكمال و إذا كان زوج المرأة سيدا من سادات العرب و كان مليح المنظر و المخبر فما أقول لك و قد عرفت ما جرى بيني و بين أحيحة بن الجلاح الأوسي و حيلتي عليه حتى خلعت نفسي منه لما علمت أنه لم يكن من الكرام و إن هذا الرجل يدل عظمته و نور وجهه على مروته و إحسانه يدل على فخره فإن يكن القوم كما ذكرت قد خطبونا و رغبوا فينا فإني فيهم راغبة

   و لكن لا بد أن أطلب منهم المهر و لا أصغر نفسي و سيكون لنا و لهم خطاب و جواب و كان القول منها لحال أبيها لأنها لم تصدق بذلك حتى نزل هاشم قريبا من السوق و اعتزل ناحية عنه فأقبل أهل السوق إليه مسرعين ينظرون إلى نوره حتى ضاع كثير من متاعهم و معاشهم من نظرهم إليه و قد نصبت له خيمة من الحرير الأحمر و وضعت له سرادقات فلما دخل هاشم و أصحابه الخيمة تفرق أهل السوق عنهم و جعل يسأل بعضهم بعضا عن أمر هاشم و قومه و ما أقدمهم عليه من مكة فقيل إنه جاء خاطبا لسلمى فحسدوها عليه و كانت أجمل أهل زمانها و أكملهم حسنا و جمالا و كانت جارية تامة معتدلة لها منظر و مخبر كاملة الأوصاف معتدلة الأطراف سريعة الجواب حسنة الآداب عاقلة طريفة عفيفة لبيبة طاهرة من الأدناس فحسدوها كلهم على هاشم حتى حسدها إبليس لعنه الله و كان قد تصور لها في صورة شيخ كبير و قال يا سلمى أنا من أصحاب هاشم قد جئتك ناصحا لك اعلمي أن لصاحبنا هذا من الحسن و الجمال ما رأيت إلا أنه رجل ملول للنساء لا تقيم المرأة عنده أكثر من شهرين إذا أراد و إلا فعشرة أيام لا غير و قد تزوج نساء كثيرة و مع ذلك أنه جبان في الحروب فقالت سلمى إليك عني  فو الله لو ملأ لي حصنا من المال ما قبلته و لو ملأ لي حصون خيبر ذهبا و فضة ما رغبت فيه لهذه الخصال التي ذكرت و لقد كنت أجبته و رغبت فيه و قد قلت رغبتي فيه لهذه الخصال اذهب عني فانصرف عنها و تركها في همها و غمها ثم إن إبليس لعنه الله تصور لها بصورة أخرى و زعم أنه من أصحاب هاشم و ذكر لها مثل الأول فقالت أ و ليس الذي قد أرسلتك إليه أنه لا يرسل إلي رسولا بعد ذلك فسكت إبليس لعنه الله فقالت إن أرسل رسولا بعدك أمرت بضرب عنقه فخرج إبليس فرحا مسرورا و قد ألقى في قلبها البغضة لهاشم و ظن أن هاشما يرجع خائنا فعند ذلك دخل عليها أبوها فوجدها في سكرتها و حيرتها فقال يا سلمى ما الذي حل بك هذا اليوم و هذا يوم سرورك فقالت يا أبت لا تزيدني كلاما فقد فضحتني و أشهرت أمري أردت أن تزوجني برجل ملول للنساء كثير الطلاق جبان في الحروب فضحك أبوها و قال يا سلمى و الله ما لهذا الرجل شي‏ء من هذه الخصال الثلث و إنه إلى كرمه الغاية و إلى جوده النهاية و إنما سمي هاشما لأنه أول من هشم الثريد لقومه و أما قولك كثير الطلاق فإنه ما طلق امرأة قط و أما قولك جبان فهو واحد أهل زمانه في الشجاعة و إنه لمعروف عند الناس بالجواب و الخطاب و الصواب فقالت يا أبت لو أنه ما جاءني عنه إلا واحد كذبته و قلت إنه عدو فقد جاءني ثلاثة نفر كل واحد منهم يقول مثل مقالة الآخر فقال أبوها ما رأينا منه رسولا و لا جاءنا منه خبر و كان الشيطان يظهر لهم في ذلك الزمان و يأمرهم و ينهاهم و قد صح عندها ما قاله الشيطان الرجيم و هي تظن أنه من بني آدم و هاشم لا يعلم شيئا من ذلك و كان قد عول على جمع من قومه في خطبتها ثم إن سلمى خرجت في بعض حوائجها و هي تحب أن تنظر إلى هاشم

   فجمع الله بينهما في الطريق فوقع في قلبها أمر عظيم من محبته و كان في ذلك الزمان لا تستحيي النساء من الرجال و لا يضرب بينهن حجاب إلى أن بعث محمد ص و نزل طائفة من اليهود من جهة خيمة هاشم و لما اجتمعت سلمى بهاشم عرفته بالنور الذي في وجهه و عرفها أيضا هو فقالت له يا هاشم قد أحببتك و أردتك فإذا كان غدا فأخطبني من أبي و لا يعز عليك ما يطلب أبي منك فإن لم تصله يدك ساعدتك عليه فلما أصبح تأهب هاشم للقاء القوم فتزينوا بزينتهم و إذا أهل سلمى قد قدموا فقام من كان في الخيمة إجلالا لهم و جلس هاشم و أخوه و بنو عمه في صدر الخيمة فتطاولت القوم إلى هاشم فابتدأهم المطلب بالكلام و قال يا أهل الشرف و الإكرام و الفضل و الإنعام نحن وفد بيت الله الحرام و المشاعر العظام و إلينا سعة الأقدام و أنتم تعلمون شرفنا و سؤددنا و ما قد خصصنا الله به من النور الساطع و الضياء اللامع و نحن بنو لوي بن غالب قد انتقل هذا النور إلى عبد مناف ثم إلى أخينا هاشم و هو معنا من آدم إلى أن صار إلى هاشم و قد ساقه الله إليكم و أقدمه عليكم فنحن لكريمتكم خاطبون و فيكم راغبون ثم أمسك عن الكلام فقال عمرو أبو سلمى لكم التحية و الإكرام و الإجابة و الإعظام و قد قبلنا خطبتكم و أجبنا دعوتكم و أنتم تعرفون عليتنا و لا يخفى عليكم أحوالنا و لا بد من تقديم المهر كما كان سلفنا و  آباؤنا و لو لا ذلك ما واجهناكم بشي‏ء من ذلك و لا قابلناكم به أبدا فعند ذلك قال المطلب لكم عندي مائة ناقة سود الحدق حمر الوبر لم يعلها جمل فبكى إبليس لعنه الله و كان من جملة من حضر و جلس عند أبي سلمى و أشار إليه أن اطلب الزيادة فقال أبو سلمى معاشر السادات ما هذا هذا قدر ابنتنا عندكم فقال المطلب و لكم ألف مثقال من الذهب الأحمر فغمز إبليس لعنه الله أبا سلمى و أشار إليه أن اطلب الزيادة فقال يا فتى قصرت في حقنا فيما قلت و أقللت فيما بذلت فقال و لكم عندنا حمل عنبر و عشرة أثواب من قباطي مصر و عشرة من أراضي العراق فقد أنصفناكم فغمز إبليس لعنه الله أبا سلمى و أشار إليه أن اطلب الزيادة فقال يا فتى قد قاربت و أجملت قال له المطلب و لكم خمس وصائف برسم الخدمة فهل تريدون أكثر من ذلك فأشار إليه إبليس لعنه الله أن اطلب الزيادة فقال أبو سلمى يا فتى إن الذي بذلتموه لنا إليكم راجع فقال المطلب و لكم عشر أواق من المسك الأذفر و خمسة أقداح من الكافور فهل رضيتم أم لا فهم إبليس أن يغمز أبا سلمى فصاح به أبو سلمى و قال له يا شيخ السوء اخرج لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً فو الله لقد أخجلتني فقال له المطلب اخرج يا شيخ السوء فقام الشيطان و خرج و خرج اليهود معه فقال إبليس يا عمرو إن الذي شرطته في مهر ابنتك قليل و إنما أردت أن أطلب من القوم ما تفتخر به ابنتك على سائر نسائها و أهل زمانها و لقد هممت أن أشرط عليه أن يبني لها قصرا طوله عشرة فراسخ و عرضه مثل ذلك و يكون شاهقا في الهواء باسقا في السماء و في أعلاه مجلس ينظر منه إلى إيوان كسرى و ينظر إلى المراكب منحدرات في البحر ثم يجلب إليه نهرا من الدجلة و الفرات عرضه مائة ذراع تجري فيه المراكب ثم يغرس حول النهر

   نخلات معتدلات لا ينقطع ثمرها صيفا و لا شتاء قال المطلب يا ويلك و من يقدر على ذلك يا شيخ السوء فقد أسرفت فيما قلت من يصل إلى ما أردت فصاح به أبو سلمى و المطلب فأخذته الصيحة من كل مكان و كان مراد إبليس لعنه الله تفرق المجلس ثم قال أرمون بن قيطون يا قوم إن هذا الشيخ أحكم الحكماء و هو معروف في بلادنا بالحكمة و في الشام و العراق و بعد ذلك إننا ما نزوج ابنتنا برجل غريب من غير بلدنا فقامت اليهود و هم أربع مائة يهودي و أهل الحرم أربعون سيدا و جردوا سيوفهم و قال هاشم لأصحابه دونكم القوم فهذا تأويل رؤياي فقامت الصيحة فيهم فوثب المطلب على أرمون بن قيطون و وثب هاشم على إبليس لعنه الله فانحاز يريد الهرب فأدركه هاشم و قبضه و رفعه و جلد به الأرض فصرخ صرخة عظيمة لما غشاه نور رسول الله ص و صار ريحا فالتفت هاشم إلى أخيه المطلب فوجده قد قتل أرمون بن قيطون و قسمه نصفين و قتل هاشم و أصحابه جمعا كثيرا من اليهود و وقعت الرجفة في المدينة و خرج الرجال و النساء و انهزم اليهود على وجوههم و رجع أبو سلمى و قال لقومه مزجتم الفرح بالترح و ما كان سبب الفتنة إلا من إبليس لعنه الله فوضع السيف عن اليهود بعد أن قتل منهم سبعين رجلا و كانت عداوة اليهود لرسول الله ص من ذلك اليوم ثم إن هاشما قال لأصحابه هذا تأويل رؤياي فافتقد اليهود الحبر فلم يجدوه فقال هاشم يا معاشر اليهود إنما أغواكم الشيطان الرجيم فانظروا إلى صاحبكم فإن وجدتموه فاعلموا أنه كما زعمتم حكيم من حكمائكم و إن لم تجدوه فقد حيل بينكم  و بينه و ظننتم أنه من أحباركم و ما هو إلا الشيطان أغواكم ثم إن أبا سلمى عمد إلى إصلاح شأنه و رجع القوم إلى أماكنهم و قد امتلئوا غيظا على اليهود فأقبل هاشم إلى منزله و أصلح الولائم و أمر العبيد أن يحملوا الجفان المترعة باللبن و لحوم الضأن و الإبل ثم إن عمروا مضى إلى ابنته و قال لها إن الرجل الذي يقول لك إن هاشما لجبان قد نطق بالمحال و الله لو لا أمسكته و أحلف عليه ما ترك من القوم واحدا فقالت يا أبت امض معهم على كل حال و لا ملامة للائم قال فلما أكلوا و رفعوا أيديهم قال لهم أبو سلمى يا معاشر السادات اصرفوا عن قلوبكم الغيظ و كل هم فنحن لكم و ابنتنا هدية فقال له المطلب لك ما ذكرناه و زيادة ثم قال يا أخي هاشم أ رضيت بما تكلمت به عنك قال نعم فعند ذلك تصافحوا و مضى أبو سلمى و أخرج من كمه دنانير و دراهم فنثر الدنانير على هاشم و أخيه المطلب و نثر الدراهم على أصحابه و نثر عليهم زرير المسك الأذفر و الكافور و العنبر حتى غمر أطمارهم ثم قال يا هاشم تحب الدخول على زوجتك هذه الليلة أو تصبر لها حتى تصلح لها شأنها قال بل أصبر حتى تصلح شأنها فعند ذلك أمر بتقديم مطاياهم فركبوا و خرجوا ثم إن هاشما دفع إلى أخيه المطلب ما حضره من المال و أمره أن يدفعه إلى سلمى فلما جاءها المطلب فرحت به و بذلك المال و قبلته و قالت يا سيد الحرم و خير من مشى على قدم سلم على أخيك و قل له ما الرغبة إلا فيك فاحفظ منا ما حفظنا منك ثم قالت قل له ما أقول لك قال قولي ما بدا لك قالت قل لأخيك إني امرأة كان لي رجل اسمه أحيحة بن الجلاح الأوسي و كان كثير المال فلما تزوجته اشترطت عليه أنه متى أساء إلي

   فارقته و كان من قصتي أني رزقت منه ولدا فأردت فراقه فأخذت خيطا و ربطته في رجل الطفل فجعل الطفل يبكي تلك الليلة حتى مضى من الليل ثلثه أو نصفه و قطعت الخيط من رجل الطفل فنام الطفل و أبوه فخرجت إلى أهلي فانتبه الرجل فلم يجدني فعلم أنها حيلة مني عليه و أنا قد حدثتك بهذا الحديث لتخبر به أخاك لكيلا يخفى عليه شي‏ء من أمري و لا يشتغل عني بباقي نسائه فقال المطلب عند ذلك اعلمي أن أخي قد تطاولت إليه الملوك في خطبته و رغبوا في تزويجه فأبى حتى أتاه آت في منامه فأخبره بخبرك فرغب فيك و أراد أن يستودعك هذا النور الذي استودعه الله إياه بعد الأنبياء فأسأل الله أن يتم لكم السرور و أن يكفيكم كل محذور ثم إنه خرج و هي تشيعه و معها نساء من قومها فمضى إلى أخيه و أخبره بما قالت له سلمى فضحك لذلك و قال له بلغت الرسالة قال ثم أقام هاشم أياما و دخل على زوجته سلمى في مدينة يثرب و حضر عرسها الحاضر و البادي من جميع الآفاق فلما دخل بها رأى ما يسره من الحسن و الجمال و الهيئة و الكمال ثم إن سلمى دفعت إليه جميع المال الذي دفعه إليها و زادته أضعافا فلما واقعها حملت منه في ليلتها بعبد المطلب جد رسول الله ص و هذا حديث تزويج سلمى بهاشم و كان أهل يثرب يعملون الولائم و يطعمون الناس إكراما لهاشم و أصحابه و قد زاد سلمى حسنا و جمالا و صار أهل يثرب يهنئونها بما خصها الله تعالى به. قال أبو الحسن البكري حدثنا أشياخنا و أسلافنا الرواة لهذا الحديث أنه لما  تزوج هاشم بن عبد مناف بسلمى بنت عمرو النجارية و دخل بها حملت بعبد المطلب جد رسول الله ص و انتقل النور الذي كان في وجهه إلى سلمى زادها حسنا و جمالا و بهجة و كمالا حتى شاع حسنها في الآفاق و كان يناديها الشجر و الحجر و المدر بالتحية و الإكرام و تسمع قائلا يقول عن يمينها السلام عليك يا خير البشر و لم تزل تحدث بما ترى حتى حذرها هاشم فكانت تكتم أمرها عن قومها حتى إذا كان ذات ليلة سمعت قائلا يقول.

لك البشر إذ أوتيت أكرم من مشى. و خير الناس من حضر و بادي.

 و قال لما سمعت ذلك لم تدع هاشما يلامسها بعد ذلك قال ثم إن هاشما أقام في المدينة أياما حتى اشتهر حمل سلمى فقال لها يا سلمى إني أودعتك الوديعة التي أودعها الله تعالى آدم ع و أودعها آدم ع ولدها شيثا ع و لم يزالوا يتوارثونها من واحد إلى واحد إلى أن وصلت إلينا و شرفنا الله بهذا النور و قد أودعته إياك و ها أنا آخذ عليك العهد و الميثاق بأن تقيه و تحفظيه و إن أتيت به و أنا غائب عنك فليكن عندك بمنزلة الحدقة من العين و الروح بين الجنبين و إن قدرت على أن لا تراه العيون فافعلي فإن له حسادا و أضدادا و أشد الناس عليه اليهود و قد رأيت ما جرى بيننا و بينهم يوم خطبتك و إن لم أرجع من سفري هذا أو سمعت أني قد هلكت فليكن عندك محفوظا مكرما إلى أن يترعرع و احمليه إلى الحرم إلى عمومته في دار عزه و نصرته ثم قال لها اسمعي و احفظي ما قلت لك قالت نعم قد سمعت و أطعت و لقد أوجعتني  بكلامك فأنا أسأل الله العظيم أن يردك سالما ثم خرج هاشم و أخوه المطلب و أصحابه و أقبل عليهم و قال يا بني أبي و عشيرتي من بني لوي إن الموت سبيل لا بد منه و أنا غائب عنكم و لا أدري أني أرجع إليكم أم لا و أنا أوصيكم إياكم و التفرق و الشتات فتذهب حميتكم و تقل قيمتكم و يهين قدركم عند الملوك و يطمع فيكم الطامع فهل أنت يا أخي لما أقول لك سامع و إني مخلف فيكم و مقدم عليكم أخي المطلب دون إخوتي لأنه من أبي و أمي و أعز الخلق عندي و إن سمعتم وصيتي و قدمتموه و سلمتم إليه مفاتيح الكعبة و سقاية الحاج و لواء نزار و كل ما كان من مكارم الأنبياء سعدتم و إني أوصيكم بولدي الذي اشتملت عليه سلمى فإنه سيكون له شأن عظيم و لا تخالفوا قولي قالوا سمعنا و أطعنا غير أنك كسرت قلوبنا بوصيتك و أزعجت أفئدتنا بقولك قال ثم إن هاشما سافر إلى غزة الشام فحضر موسمها و باع أمتعته و شرى ما كان يصلح له و اشترى لسلمى طرفا و تحفا ثم إنه تجهز للسفر فلما كان الليلة التي عزم فيها على الرحيل طرقته حوادث الزمان و أتته العلة فأصبح مثقلا و ارتحل رفقاءه و بقي هاشم و عبيده و أصحابه فقال لهم الحقوا بأصحابكم فإني هالك لا محالة و ارجعوا إلى مكة و إن مررتم على يثرب فأقرءوا زوجتي سلمى عني السلام و أخبروها بخبري و عزوها في شخصي و أوصوها بولدي فهو أكبر همي و لولاه ما نلت أمري فبكى القوم بكاء شديدا فقالوا ما نبرح عنك حتى ننظر ما يكون من أمرك و أقاموا يومهم فلما أصبحوا ترادفت عليه الأمراض فقالوا له كيف تجد نفسك فقال  لا مقام لي معكم أكثر من يومي هذا و غدا توسدوني التراب فبكى القوم بكاء شديدا و علموا أنه مفارق الدنيا و لم يزالوا يشاهدونه حتى طلع الفجر الأول فاشتد به الأمر فقال لهم أقعدوني و سندوني و آتوني بدواة و قرطاس فأتوه بما طلب و جعل يكتب و أصابعه ترتعد فقال باسمك اللهم هذا كتاب كتبه عبد ذليل جاءه أمر مولاه بالرحيل أما بعد فإني كتبت إليكم هذا الكتاب و روحي بالموت تجاذب لأنه لا لأحد من الموت مهرب و إني قد نفذت إليكم أموالي فتقاسموها بينكم بالسوية و لا تنسوا البعيدة عنكم التي آخذت نوركم و حوت عزكم سلمى و أوصيكم بولدي الذي منها و قولوا لخلادة و صفية و رقية يبكين علي و يندبن ندب الثاكلات ثم بلغوا سلمى عني السلام و قولوا لها آه ثم آه إني لم أشبع من قربها و النظر إليها و إلى ولدها و السلام عليكم و رحمة الله إلى يوم النشور ثم طوى الكتاب و ختمه و دفعه إلى أصحابه و قال أضجعوني فأضجعوه فشخص ببصره نحو السماء ثم قال رفقا رفقا أيها الرسول بحق ما حملت من نور مصطفى و كأنه كان مصباحا و انطفأ ثم لما مات جهزوه و دفنوه و قبره معروف هناك ثم عزم عبيده و غلمانه على الرحيل بأمواله و فيه يقول الشاعر.

اليوم هاشم قد مضى لسبيله. يا عين جودي منك بالعبرات.و ابكي على البدر المنير بحرقة. و ابكي على الضرغام طول حياتي.آه أبو كعب مضى لسبيله. يا عين فابكي الجود بالعبرات.صعب العريكة لا به لؤم و لا. فشل غداة الروع و الكربات.يا عين ابكي غيث جود هاطل. أعني ابن عبد مناف ذي الخيرات.

  و ابكي لأكرم من مشى فوق الثرى. فلأجله قد أردفت زفراتي

 قال و سار القوم حتى أشرفوا على يثرب فبكوا بكاء شديدا و نادوا وا هاشماه وا عزاه و خرج الناس و خرجت سلمى و أبوها و عشيرتها فنظروا و إذا بخيل هاشم قد جزوا نواصيها و شعورها و عبيد هاشم يبكون فلما سمعت سلمى بموت هاشم مزقت أثوابها و لطمت خدها و قالت وا هاشماه مات و الله لفقدك الكرم و العز من بعدك يا هاشماه يا نور عيني من لولدك الذي لم تر عيناك قال فضج الناس بالبكاء و النحيب ثم إن سلمى أخذت سيفا من سيوف هاشم و عطفت به على ركابه و عقرتها عن آخرها و حسبت ثمنها على نفسها و قالت لوصي هاشم أقرئ المطلب عني السلام و قل له إني على عهد أخيه و إن الرجال بعده علي حرام ثم إن العبيد و الغلمان ساروا إلى مكة و قد سبقهم الناعي إلى أولاده و عياله فأكثر أهل مكة البكاء و النحيب و خرج الرجال و خرجت نساء قريش منشرات الشعور و مشققات الجيوب و خرجت نساء سادات بني عبد مناف و تقدمت خلادة تلومهم حيث إنهم لم يحملوه إلى الحرم و أنشأت تقول.

يا أيها الناعون أفضل من مشى. الفاضل بن الفاضل بن الفاضل.أسد الثرى ما زال يحمي أهله. من ظالم أو معتد بالباطل.ماضي العزيمة أروع ذي همة. عليا وجود كالسحاب الهاطل.زين العشيرة كلها و عمادها. عند الهزاهز طاعن بالذابل.إن السميدع قد مضى في بلدة. بالشام بين صحاصح و جنادل.

 قال فلما فرغت من شعرها أتت إليهم بنته الشعثاء فحثت التراب على وجههم  و قالت بئس العشيرة أنتم ضيعوا سيدهم و أسلموا عمادهم أ ما كان هاشم مشفقا عليكم إذا نزل به الموت أن تحملوه إلى بلده و عشيرته حتى نشاهده و أنشأت بعد ذلك تقول.

يا عين جودي و سحي دمعك الهطلا. على كريم ثوى في الشام ثم خلا.زين الورى ذاك الذي سن القرى. كرما و لم ير في يديه مذ نشأ بخلا.

 قال فلما فرغت من شعرها أقبلت ابنة الطليعة حليلة هاشم تقول.

ألا يا أيها الركب الذين تركتموا. كريمكم بالشام رهن مقام.أ لم تعرفوا ما قدره و فخاره. ألا إنكم أولي الورى بملام.أيا عبرتي سحي عليه فقد مضى. أخو الجود و الأضياف تحت رخام.

 قال و كان آخر من رثاه من بناته رقية فإنها جعلت تندب و تقول.

عين جودي بالبكاء و العويل. لأخ الفضل و السخاء الفضيل.طيب الأصل في العزيمة ماض. سمهري في النائبات أصيل.

 قال فبكى القوم عند ذلك و فكوا كتابه و قرءوه فجددوا حزنهم ثم قدموا أخاه المطلب و سودوه عليهم فقال إن أخي عبد شمس أكبر مني و أحق بهذا الأمر فقال عبد شمس و ايم الله إنك خليفة أخي هاشم قال فرضوا أهل مكة بذلك و سلموا له لواء نزار و مفاتيح الكعبة و السقاية و الرفادة و دار الندوة و قوس إسماعيل ع و نعل شيث ع و قميص إبراهيم ع و خاتم نوح ع و ما كان في أيديهم من مكارم الأنبياء و أقام المطلب أياما فلما اشتد بسلمى الحمل و جاءها المخاض و هي لا تجد ألما إذ سمعت هاتفا يقول.   

يا زينة النساء من بني النجار. بالله اسدلي عليه بالأستار.و احجبيه عن أعين النظار. كي تسعدي في جملة الأقطار.

 قال فلما سمعت شعر الهاتف أغلقت بابها و أسدلت سترها و كتمت أمرها فبينما هي تعالج نفسها إذ نطرت إلى حجاب من نور قد ضرب عليها من البيت إلى عنان السماء و حبس الله عنها الشيطان الرجيم فولدت شيبة الحمد و قامت و تولت أمرها و لما وضعته سطع منه نور شعشعاني و كان ذلك النور نور رسول الله ص فضحك و تبسم فتعجبت أمه من ذلك ثم نظرت إليه فإذا هي بشعرة بيضاء تلوح في رأسه فقالت نعم أنت شيبة كما سميت ثم إن سلمى درجته في ثوب من صوف و قمطته و هيأته و لم تعلم به أحدا من قومها حتى مضت له أيام و صارت تلاعبه و يهش إليها فلما كمل له شهر علم الناس فأقبلت القوابل إليها فوجدوها تلاعبه فلما صار له شهران مشى و لم يكن على اليهود أشد منه و أكثر ضررا و كانوا إذا نظروا إليه امتلئوا غيظا و خنقا لما يعلمون بما سيظهر منه من تدميرهم و خراب أوطانهم و ديارهم و قطع آثارهم و كانت أمه إذا ركبت ركب معها أبطال الأوس و الخزرج و كانت مطاعة بينهم و كان إذا خرج يلعب يقفون الناس من حوله يفرحون به أولادهم و كانت أمه لا تأمن عليه أحدا فلما تم له سبع سنين اشتد حبله و قوي بأسه و تبين  للناس فضله و كان يحمل الشي‏ء الثقيل و يأخذ الصبي و يصرعه فلم يشكوه إلى أمه و كان يهشم عظامهم. قال أبو الحسن البكري بلغنا أن رجلا من بني الحارث دخل يثرب في حاجة فإذا هو بابن هاشم يلعب مع الصبيان قد غمرهم بنوره فوقف الرجل ينظر إلى الصبي و هو يقول ما أسعد من أنت في ديارهم ساكن و كان يلعب و هو يقول

أنا ابن زمزم و الصفا أنا ابن هاشم و كفى

 قال فناداه الرجل يا فتى فأجاب و قال ما تريد يا عم قال ما اسمك قال شيبة بن هاشم بن عبد مناف مات أبي و جفوني عمومتي و بقيت مع أمي و أخوالي فمن أين أقبلت يا عم قال من مكة قال و هل أنت متحمل لي رسالة و متقلد لي أمانة قال الحارث و حق أبي و أبيك إني فاعل ما تأمرني به قال يا عم إذا رجعت إلى بلدك سالما و رأيت بني عبد مناف فأقرئهم مني السلام و قل لهم إن معي رسالة غلام يتيم مات أبوه و جفوه عمومته يا بني عبد مناف ما أسرع ما نسيتم وصية هاشم و ضيعتم نسله و إذا هبت الريح تحمل روائحكم إلي قال فبكى الرجل و استوى على مطيته و أرسل زمامها حتى قدم مكة فلم يكن له همة إلا رسالة الغلام ثم أتى مجلس بني عبد مناف فوجدهم جلوسا فأنعمهم صباحا و قال يا أهل الفضل و الأشراف يا بني عبد مناف أراكم قد غفلتم عن عزكم و تركتم مصباحكم يستضي‏ء به غيركم قالوا و ما ذلك فأخبرهم بوصية ابن أخيهم فقالوا و ايم الله ما ظننا أنه صار إلى هذا الأمر فقال لهم الحارث و إنه ليعجز الفصحاء عن فصاحته و يعجز اللبيب عن خطابه و إنه لفصيح اللسان جري الجنان يتحير في كلامه اللبيب فائق على العلماء عاقل أديب إلى عقله الكفاية و إلى جماله النهاية فقال عمه المطلب بن عبد مناف شعرا.   

أقسمت بالسلف الماضين من مضر. و هاشم الفاضل المشهور في الأمم.لأمضين إليه الآن مجتهدا. و أقطعن إليه البيد في الظلم.السيد الماجد المشهور من مضر. نور الأنام و أهل البيت و الحرم.

 قال و كان المطلب أشد أهل زمانه بأسا في الشجاعة فقال له إخوته نخشى عليك إن علمت أمه لم تدعه يخرج معك لأنها شرطت على أخيك ذلك فقال يا قوم إن لي في ذلك أمرا أدبره ثم إنه تهيأ للخروج و أفرغ على نفسه لأمة حربه و ركب مطيته و خرج و قد أخفى نفسه خوفا أن يشعر به أحد فيخبر سلمى ثم أقبل يجد السير حتى أقبل على مدينة يثرب و قد ضيق لثامه و دخل المدينة فوجد شيبة يلعب فعرفه بالنور الذي أودعه الله فيه و هو قد رفع صخرة عظيمة و قال أنا ابن هاشم المعروف بالعظائم فلما سمع كلامه عمه أناخ مطيته و ناداه ادن مني يا ابن أخي فأسرع إليه شيبة فقال له من أنت يا هذا فقد مال قلبي إليك و أظنك أحد عمومتي فقال له أنا عمك المطلب و أسبل عبرته و جعل يقبله و قال يا ابن أخي أحب أن تمضي معي إلى بلد أبيك و عمومتك و تكون في دار عزك فقال نعم فركب المطلب و ركب شيبة معه و سارا فقال له شيبة يا عم أسرع بنا لأني أخشى أن يعلموا بنا أمي و عشيرتها فيلحقوا بنا فيأخذوني قهرا أ ما علمت أنه يركب لركوبها أبطال الأوس و الخزرج فقال له يا ابن أخي في الله الكفاية ثم سارا و ركبا الجادة الكبرى حتى أدركهم المساء بذي الحليفة فنزلا و سقيا مطيتهما ثم إن المطلب ركب مطية و أخذ  ابن أخيه شيبة قدامه و أرسل زمامها و سارا فبينما هما كذلك إذ سمعا صهيل الخيل و قعقعة اللجم و همهمة الرجال في جوف الليل فقال المطلب يا ابن أخي دهينا و رب الكعبة فما نصنع قال شيبة أ لم أقل لك إن القوم يلحقون بنا فانحرف بنا عن الجادة إلى الطريق السفلى قال المطلب و كيف يخفى أمرنا عليهم و نورك يدل علينا قال استر وجهي فعسى أن يخفى أمرنا عليهم قال فأخذ المطلب ثوبا و طواه ثلاث طيات و ستر به وجهه و إذا بالنور علا من وجهه كما كان فقال يا ابن أخي إن لك شأنا عظيما عند الله فإن الذي أعطاك هذا النور يصرف عنا كل محذور قال فبينا هو يخاطب ابن أخيه إذ أدركتهما الخيل و كانوا من اليهود فلما رأوا شيبة علموا أنه هو الذي يخرج من ذريته من يسومهم سوء العذاب و يكون خراب ديارهم على يديه و قد بلغهم في ذلك اليوم أن شيبة قد خرج هو و عمه و لا ثالث لهما فأدركهم الطمع في قتله فخرجوا و خرج معهم سيد من سادات اليهود يقال له دحية و كان له ولد يقال له لاطية فخرج يوما يلعب مع الصبيان فأخذ شيبة عظم بعير و ضرب به ابن دحية فهشم رأسه و شجه شجة موضحة و قال له يا ابن اليهودية قد قرب أجلك و دنا خراب دياركم فبلغ الخبر إلى أبيه دحية فامتلأ غيظا فلما علم أنه قد خرج مع

   عمه نادى يا معاشر اليهود هذا الغلام الذي تخشونه قد خرج مع عمه و ما لهما ثالث فأسرعوا إليه و اقتلوه فخرجوا و كان عددهم سبعين فارسا فلحقوا بشيبة و عمه فقال لعمه شيبة يا عم أنزلني حتى أراك قدرة الله تعالى فأنزله عمه فقصده القوم فجثا على الطريق و جعل يمرغ وجهه في التراب و يدعو و يقول في دعائه يا رب الظلام الغامر و الفلك الدائر يا رب السبع الطباق يا مقسم الأرزاق أسألك بحق الشفيع المشفع و النور المستودع أن ترد عنا كيد أعدائنا فما استتم دعاؤه حتى كادت الخيل تهجم عليهم فوقفت الخيل فقال ابن دحية لاطية يا ابن هاشم اصرف عنا هذا الخطاب و كثرة الجواب فنحن لا نشك فيك يا ابن عبد مناف فأنتم السادات اعلموا أنا ما خرجنا طالبين كيدكم و لكن خرجنا كي نردك إلى أمك فلقد كنت مصباح بلدتنا فقال شيبة أراكم تنظرون إلي بعين مغضب فكيف تكون في قلوبكم المحبة لي لكن لما رأيتم قدرة الله تعالى قلتم هذا الكلام و تركهم و سار إلى عمه فقال له المطلب يا ابن أخي إن لك عند الله شأنا ثم جعل يقبله و سارا و سار القوم راجعين قال لهم لاطية  أ لم تعلموا أن هؤلاء معدن السحر قالوا بلى قال يا بني إسرائيل يا أمة الكليم قد سحركم هذا الغلام و عمه فدعونا نترجل فاتبعوهم من ورائهم شاهرين سيوفهم و قصدوا شيبة فلما قربوا قال المطلب الآن قد حققت الحقائق و أخذ المطلب قوسه و جعل فيه سهما و رمى بها اليهود فقتل بها عبد لاطية فأتاه سيده و قد مات و قد أخذ أخرى و رمى بها فأصابت رجلا آخر فقتله فصاحوا بأجمعهم و هموا بالرجوع فقال لهم لاطية عار عليكم الرجوع عن اثنين فإلى متى يصيبون منا بنبلهم فلا بد أن يفرغ نبلهم و نقتلهم و لم يكن في القوم أشجع منه و كان من يهود خيبر فعند ذلك حملوا عليهما حملة رجل واحد و جاء لاطية إلى المطلب و قال قف لي أكلمك بما فيه المصلحة و نرجع عنكم قال شيبة يا عم إن القوم قد عزموا علينا فقال المطلب يا معاشر اليهود ليس فيكم شفيق و لا حبيب و المقام له بين عمومته خير له فانصرفوا راجعين فقال لهم لاطية كيف يرجع هذا الجمع خائبا و نحن قد خرجنا و مرادنا أن نرده إلى أمه  فقال لهم المطلب أنتم قوم ظالمون لقد أكثرتم الكلام و أطلتم الملام ثم قال المطلب إنما غرضي أن تمضي إلى عمومتك فإن كنت تعرف من القوم الصدق فارجع معهم حتى تكبر و تبلغ مبالغ الرجال ثم تعود إلى بلد عمومتك قال يا عم لا يغرنك كلامهم إنهم أعداؤنا قال عمه صدقت قال ثم إن المطلب قال لهم يا حزب الشيطان بنا تمكرون و علينا تحتالون إنما ساقكم إلينا آجالكم فمن شاء منكم أن يبرز إلى القتال فليبرز فلما سمعوا كلام المطلب قال لهم لاطية أ ما تعلمون أن هذا فارس بني عبد مناف الذي يفرق العرب من يبرز إليه فله عندي مائة نخلة حاملة ليس فيها ذكر فقال له رجل يقال له جميع من بني قريظة و كان للاطية عليه دين أنا أبرز إليه و اترك دينك عني قال نعم و لك مثله فاشهدوا يا من حضر ثم خرج جميع إلى المطلب و هو لا يعلم به حتى قرب منه فقال له المطلب لا أشك أنه قد ساقك قصر أجلك ثم ضربه بالسيف فقال خذها و أنا المطلب بن عبد مناف فمات من ساعته فأقبل اليهود و أحاطوا به فلما رأى لاطية ما حل بأصحابه غضب غضبا شديدا و قال من يبرز إليه فله عندي ما يريد فقال له غلاب ما لهذا البطل إلا بطل مثله ابرز إليه أنت

   قال نعم أنا أبرز إليه و جرد سيفه و دنا من المطلب فتقاتلا من أول النهار حتى مضى من الليل أكثره و اليهود فرحون إذ برز لاطية للمطلب هذا و عينا شيبة يهملان دموعا خوفا على عمه المطلب فبينا هم كذلك و إذا بغبرة قد ثارت كأنها الليل المظلم و قد سدت الأفق و إذا بصهيل الخيل و قعقعة اللجم و اصطفاق الأسنة و إذا هم أربعمائة و هم فرسان الأوس و الخزرج و قد أقبلوا من المدينة مع سلمى و أبيها فلما نظرت إلى اليهود مجتمعين على حرب المطلب صاحت بهم صيحة عظيمة و قالت يا ويلكم ما هذا الفعال فهم لاطية بالهزيمة فقال له المطلب إلى أين يا عدو الله الفرار من الموت ثم ضربه بالسيف على عاتقه فقسمه نصفين و عجل الله بروحه إلى النار و بئس القرار و جالت الفرسان على اليهود فما كان إلا قليلا حتى باد جميع اليهود فعند ذلك عطفوا على المطلب و السيف مشهور في يده و قد دفع القوس إلى ابن أخيه فلما جالت الكتائب خافت سلمى على ولدها فأومأت إلى القوم و كانت مطاعة فيهم فأمسكوا عن القتال فتقدمت سلمى إلى المطلب و نادته و قالت من الهاجم على مرابط الأسد و الخاطف من اللبوة شبلها قال المطلب هو من يزيده شرفا على شرفه و عزا إلى عزه و هو أشفق عليه منكم و أنا أرجو أن يكون صاحب الحرم و المتولي على الأمم و أنا عمه المطلب فلما سمعت كلامه قالت مرحبا و أهلا و سهلا و لم لا تستأذني في حملك ولدنا  من بلدنا و أنا قد شرطت على أبيه إن رزقت منه ولدا يكون عندي و لا يفارقني فقال لها المطلب كان ذلك ثم أقبلت على ولدها و قالت يا ولدي خرجت مع عمك و تركتني و الآن إن أردت أن ترجع معي فارجع و إن اخترت عمك فامض راشدا فلما سمع كلام أمه أطرق إلى الأرض فقالت له أمه يا بني لم تسكت و أنت طلق اللسان جري‏ء الجنان فو حق أبيك إني لا أمنعك عن شهوتك و إن عز علي فراقك يا ولدي فرفع رأسه و قد سبقته العبرة فقال يا أماه أخشى مخالفتك لأنه محرم علي عصياني لك و لكن أحب مجاورة بيت ربي و أنظر إلى عمومتي و عشيرتي فإن أمرتني بالمسير سرت و إلا رجعت فعند ذلك بكت و قالت له إذا كان كذلك فقد سمحت لك برضى مني و قد كنت مستأنسة بغرتك فلا تنسني و لا تقطع أخبارك عني ثم قبلته و ودعته و قالت يا ابن عبد مناف قد سلمت إليك الوديعة التي استودعنيها أخوك هاشم بالعهد و الميثاق فاحتفظ بها فإذا بلغ ولدي مبالغ الرجال و لم أكن حاضرة فانظروا بمن تزوجونه فقال لها المطلب تكرمت بما فعلت و أجملت فيما وصفت و نحن لا ننسى حقك ما حيينا ثم عطف عليها يودعها فقالت سلمى خذوا من هذا الثياب و الخيل ما تريدون فشكرها المطلب و أردف ابن أخيه و سارا حتى قربا من مكة فأضاءت شعابها و أنارت الكعبة فأقبلت الناس ينظرون إليه و إذا هم بالمطلب يحمل ابن أخيه فسألوه عنه و قالوا من هذا يا ابن عبد مناف الذي قد أضاءت به البلاد فقال لهم المطلب هذا عبد لي فقالوا ما أجمل هذا العبد فسموه الناس من ذلك عبد المطلب و أقبل إلى منزله و كتم أمره و قد عجب الناس منه و من نوره و هم لا يعلمون أنه جد رسول الله ص ثم إنه ظهرت له آيات و معجزات و مناقب و دلالات تدل على النبوة.

   و قال أبو الحسن البكري حدثنا أشياخنا و أسلافنا الرواة لهذا الحديث أنه لما قدم المطلب و شيبة إلى الحرم و كان بين عينيه نور رسول الله ص كانت قريش تتبرك به فإذا أصابتهم مصيبة أو نزلت بهم نازلة أو دهمهم طارق أو نزل بهم قحط توسلوا بنور رسول الله ص فيكشف الله عنهم ما نزل بهم قال و كان أعجب نازلة نزلت بهم و أعجب آية ظهرت لهم ما جرى من أصحاب الفيل و هو أبرهة بن الصباح و كان ملك اليمن و قيل ملك الحبشة الذي ذكره الله في كتابه العزيز و كان قد أشرف منه أهل مكة على الهلاك و قد حلف أنه يقطع آثارهم و يهدم الكعبة و يرمي بأحجارها في بحر جدة و يحفر أساسها فكشفه الله عن البيت و أهله ببركة عبد المطلب جد رسول الله ص قال صاحب الحديث فأما ما اجتمعت عليه الروايات و أصحاب الحديث أنه نزلت جماعة من أهل مكة بأرض الحبشة في تجارة فدخلوا في كنيسة من كنائس النصارى و أوقدوا بها نارا يصطلون عليها و يصلحون بها طعاما لهم و رحلوا لم يطفئوها فهبت ريح فأحرقت جميع ما في الكنيسة فلما دخلوا قالوا من فعل هذا قالوا كان بها تجار من عرب مكة فأخبروا بذلك النجاشي و كان ملك اليمن أو ملك الحبشة و الله أعلم قال ما أحرق معبدنا إلا العرب فغضب لذلك غضبا شديدا و قال لأحرقن معبدهم كما أحرقوا معبدنا فأرسل وزيره أبرهة بن الصباح و أرسل معه أربعمائة فيل و أرسل معه مائة ألف مقاتل و قال له امض إلى كعبتهم و انقضها حجرا حجرا و ارمها في بحر جدة و اقتل رجالهم و انهب أموالهم و ذراريهم و لا تترك لهم رجالا قال فأمر المنادي ينادي في الجيوش بالمسير إلى مكة و اجتمعوا من كل جانب و مكان و أعدوا ما يصلح للسفر من الزاد و الماء و العدد و السلاح و الدواب و أمرهم بالمسير قال فسار القوم و جعل في مقدمة الجيوش رجلا من أخيار دولته يقال له الأسود بن مقصود و أمره بالمسير أمامه  و معه عشرون ألف فارس و قال امض بمن معك و انزل على الكعبة و خذ رجالها و نسائها و لا تقتل منهم أحدا حتى آتيك فإني أريد أن أعذبهم عذابا شديدا لم يعذب به أحد من العالمين قال فسار بجيشه سيرا عنيفا يقطع الفيافي و القفار و يجوز السهل و الوعار و لم يقروا و لم يهدءوا حتى نزلوا ببطن مكة فما سمع أهل مكة أنه قد نزل بهم صاحب الفيل جمعوا أموالهم و أهليهم و دوابهم و هموا بالخروج من مكة هاربين من أصحاب الفيل فلما نظر إليهم عبد المطلب قال لهم يا قوم أ يجمل منكم هذا الأمر و إنه لعار عليكم خروجكم عن كعبتكم قالوا له إن الملك أقسم بمعبوده أن لا بد له من ذلك أن يهدم الكعبة و يرمي أحجارها في البحر و يذبح أطفالها و يرمل نسائها و يقتل رجالها فاتركنا نخرج قبل أن يحل بنا الويل فقال لهم عبد المطلب إن الكعبة لا يصلون إليها لأن لها مانعا يمنعهم عنها و صادا يصدهم عنها فإن أنتم التجأتم إليها و اعتصمتم بها فهو خير لكم فلم تطمئن القلوب إلى كلامه و غلب عليهم الخوف و الجزع و خرجوا هاربين يطلبون الشعاب و منهم من طلب الجبال و منهم من ركب البحر قال فعند ذلك قالوا لعبد المطلب ما يمنعك أن تهرب مع الناس قال أستحيي من الله أن أهرب عن بيته و حرمه فو الله لا برحت من مكاني و لا نأيت عن بيت ربي حتى يحكم الله بما يشاء قال و لم يبق يومئذ بمكة إلا عبد المطلب و أقاربه و هم غير آمنين على أنفسهم فلما نظر عبد المطلب إلى الكعبة خالية و ديارها خاوية قال اللهم أنت أنيس المستوحشين و لا وحشة معك فالبيت بيتك و الحرم حرمك و الدار دارك و نحن جيرانك تمنع عنه ما تشاء و رب الدار أولى بالدار قال و أقام الأسود بن

   مقصود بجيشه حتى ورد عليه أبرهة بن الصباح و معه بقية الجيش و هم أربعمائة فيل فكدر المياه و حطم المراعي و سد المسالك و الفجاج و حطموا الأرض فأضر بهم العطش و الجوع لكثرتهم فشكوا ذلك إلى أبرهة فقال لهم سيروا إلى مكة مسرعين فنزلوا بالأبطح و ساقوا جميع المواشي و كانت لعبد المطلب ثمانون ناقة حمراء فأخذها القوم و تقاسموها و سبق بعض الرعاة فأخبر عبد المطلب بذلك فقال الحمد لله هي مال الله و ضيافة لأهل بيته و زواره و حجاجه فإن سلمها فهي له و إن ردها إلينا فهي إحسانه و هي عارية عندنا ثم إن عبد المطلب لبس قميصه و تردى برداء لوي و تحزم بمنطقة الخليل ع و تنكب قوس إسماعيل ع و استوى على مطيته و عزم على الخروج فقام إليه أقاربه و قالوا له أين تريد قال إلى هذا الرجل الظالم الذي أخذ مال الله عز و جل و تعرض لحرم الله قالوا ما كنا بالذي نطلق سبيلك حتى تمضي إليه لأن هذا مثل البحر من دخله غرق و أنت اعتصمت برب الكعبة و اعتصمنا معك و رضينا لأنفسنا ما رضيت لنفسك أما الخروج من الحرم إلى شر الأمم فما نسمح لك بذلك قال يا قوم إني أعلم من فضل ربي ما لا تعلمون فخلوا سبيلي فإني سأرجع إليكم عن قريب فخلوا سبيله فمرت به مطيته كالريح فلما أشرف على القوم نظروا إليه من بعيد فإذا هو كالبدر إذا بدا و الصبح إذا أسفر فلما عاينوه من قريب بهتوا فيه فجاءوه و قد حبس الله أيديهم عنه فقالوا له من أنت أيها الرجل الجميل الطلعة المليح الغرة من أنت يا ذا النور الساطع و الضياء اللامع فإن كنت من هذه البلدة نسألك أن ترد  عن قربنا شفقة منا عليك فقال لهم إني أريد الملك فقالوا له إن ملكنا قد أقسم بمعبوده أن لا يترك من قومك أحدا فقال لهم عبد المطلب إني قد أتيته قاصدا فعند ذلك تصارخت القوم و قال بعضهم لبعض ما رأينا مثل هذا الرجل في الجمال و الكمال إلا أنه ناقص العقل نحن نقول إن ملكنا قد أقسم بمعبوده أن لا يترك أحدا من أهل هذه البلدة و هو يقول لا بد لي منه قال فخلوا سبيله فمضى قاصدا إلى الملك فأوصلوا خبره إلى الملك و قالوا أيها الملك قد قدم علينا رجل صفته كذا و كذا من أهل مكة و لم يفزع و لم يجزع فقال الملك علي به فو حق ما أعتقده من ديني لو سألني أهل الأرض ما قبلت فيه سؤالا قال فعند ذلك أقبلوا إلى عبد المطلب ليأتوا به قال لهم عبد المطلب إني قادم إلى الملك بنفسي فأمر الملك قومه أن يشهروا السلاح و يجردوا السيوف و جعل الملك على رأسه تاجا و شد عمامته على جبينه و أمر سياس الفيل أن يحضروه فأحضروه و كان فيهم فيل يقال له المذموم و كان قد ركبوا على رأسه قرنين من حديد لو نطح جبلا راسيا بهما لألقاه و كانوا قد علقوا على خرطومه سيفين هنديين و علموه الحرب و وقف سياسه من ورائه فقال لهم الملك إذا رأيتموني قد أشرت لكم عند دخول هذا المكي فأطلقوه عليه حتى يدوسه بكلكله قال فدخل عليهم عبد المطلب و هم صفوف ينظرون ما يأمرهم الملك في عبد المطلب و هم باهتون و هو لا يلتفت إلى أحد منهم حتى جاوز أصحاب الفيل فأمرهم الملك بإطلاق الفيل فأطلقوه فلما قرب من عبد المطلب برك الفيل إلى الأرض و جثا على ركبتيه و سكن ارتجاجه و كان قبل ذلك إذا أحضره سياسه على القتال تحمر عيناه و يضرب بخرطومه و فيه سيفان فلما قرب من عبد المطلب سكن و لم يفعل شيئا فتعجب الملك و أصحابه من ذلك و ألقى الله

   في قلبه الجزع و الفزع و ارتعدت فرائصه و رق قلبه فأقبل على عبد المطلب حتى أجلسه بجانبه و رحب به و التفت إلى الأسود بن مقصود و قال أي شي‏ء يطلب هذا الرجل المكي فأقضي حاجته و قد كان الملك يحلف على هلاكه قبل ذلك ثم قال له الملك من أنت و ما اسمك فما رأيت أجمل منك وجها و لا أحسن منك بهجة و لك عندي ما سألت و لو سألتني الرجوع عن بلدك لفعلت فقال له عبد المطلب لا أسألك في شي‏ء من ذلك إلا أن قومك أغاروا علينا و أخذوا لي ثمانين ناقة و كنت قد أعددتها للحجاج الذين يقصدوننا من جميع النواحي فإن رأيت أن تردها علي فافعل فأمر الملك رجاله بإحضارهن ثم قال الملك هل لك من حاجة غيرها فاسألني فيها فقال عبد المطلب أيها الملك ما أريد غير هذه فقال له الملك فلم لا تسألني في بلدك فإني أقسمت لأهدمن كعبتكم و أقتل رجالكم لكن لعظم قدرك عندنا لو سألتني فيها قبلت سؤالك فقال عبد المطلب لا أسألك في شي‏ء من ذلك قال و لم ذلك قال إن لها مانعا يمنعها غيري فقال الملك اعلم يا عبد المطلب إني أخرج على أثرك بجنودي و رجالي فنخرب الكعبة و نواحيها و أقتل سكانها فقال له عبد المطلب إن قدرت فافعل قال فانصرف عبد المطلب و مر على الفيل المذموم فلما نظر الفيل إلى عبد المطلب سجد له فقام الوزراء و الحجاب يلومون الملك في أمر عبد المطلب كيف خلى سبيله فقال لهم الملك ويحكم لا تلوموني أ لم تروا كيف سجد له الفيل بين يديه و الله لقد وقع لهذا الرجل في قلبي هيبة عظيمة و لكن أشيروا علي بما يكون من هذا الأمر فقالوا لا بد لنا أن نسير إلى مكة فنخربها و نرمي أحجارها في بحر جدة فعند ذلك أمر الملك بالجموع و الجيوش أن تزحف إلى مكة و لما وصل عبد المطلب بالنوق إلى  مكة خرج إليه أقاربه و بنو عمه يهنئونه بالسلامة و قد كانوا آيسوا منه فلما نظروا إليه فرحوا به و جعلوا يتعلقون به و يقبلون يديه و قالوا الحمد لله الذي حماك و حفظك بهذا النور الحسن ثم سألوه عن الجيش فأخبرهم بقصته و خبر الفيل فقالوا له ما الذي تأمرنا به فقال يا قوم اخرجوا إلى جبل أبي قبيس حتى ينفذ الله حكمه و مشيته قال فخرج القوم بأولادهم و نسائهم و دوابهم و خرج عبد المطلب و بنو عمه و إخوته و أقاربه و أخرج مفاتيح الكعبة إلى جبل أبي قبيس و جعل يسير بهم إلى الصفا و يدعو و يبكي و يتوسل بنور محمد ص و جعل يقول يا رب إليك المهرب و أنت المطلب أسألك بالكعبة العلياء ذات الحج و الموقف العظيم المقرب يا رب ارم الأعادي بسهام العطب حتى يكونوا كالحصيد المنقلب ثم رجع و أتى إلى باب البيت فأخذ بحلقته و هو يقول.

لا هم أن المرء يمنع رحله فامنع رحالك‏لا يغلبن صليبهم و محالهم عدوا محالك‏إن كنت تاركهم و كعبتنا فأمر ما بدا لك‏جروا جميع بلادهم و الفيل كي يسبوا عيالك‏عمدوا جمالك بكيدهم جهلا و ما راقبوا جلالك‏فانصر على آل الصليب و عابديه اليوم آلك.

 و قال أيضا شعرا.

يا رب لا أرجو لهم سواكا. يا رب فامنع منهم حماكا.إن عدو البيت من عاداكا. امنعهم أن يخربوا قراكا

 و إذا بهاتف يسمع صوته و لا يرى شخصه و هو يقول قد أجبت دعوتك و بلغت مسرتك إكراما للنور الذي في وجهك فنظر يمينا و شمالا فلم ير أحدا ثم قال لمن معه و هم على جبل أبي قبيس و قد نشروا شعورهم و هم يبتهلون بالدعاء و يستبشرون بالإجابة ثم قال أبشروا فإني رأيت النور الذي في وجهي قد علا و إنما كان ذلك كاشفا لما  طرقكم ففرح القوم و تضرعوا إلى الله تعالى فبينما هم كذلك إذا أشرفت عليهم غبرة القوم و تقاربت الصفوف و لاح لهم بريق الأسنة ثم انكشف الغبار عن الفيل فنظروا إليه كأنه الجبل العظيم و قد ألبسوه الحديد و زينوه بزينة فاشتد قلقهم و انهملت عبراتهم و تضرع عبد المطلب و دعا فو الله ما أتم عبد المطلب دعاءه و تضرعه حتى وقف الفيل مكانه فصرخت عليه الفيالة و زجرته الساسة فلم يلتفت إليهم فوقفت الجيوش و دهشوا فقال الأسود بن مقصود و هو على الساقة ما الخبر قالوا إن الفيل قد وقف فقال للساسة اضربوه فضربوه فما حال و لا زال فتعجبوا من ذلك ثم أمرهم أن يعطفوا رأسه ففعلوا فهرول راجعا فأمر برده فردوه فوقف فقال الأسود سحروا فيلكم ثم بعث إلى الملك و أعلمه بذلك فقال له أشر علينا فبعث أبرهة إلى ابن مقصود فقال ليس من جرب كمن لا يجرب ابعث للقوم رسولا و اطلب الصلح و لا تخبرهم بأمر الفيل لئلا يكون طريقا لطمعهم فيكم و اطلب منهم رجالا بعدد من قتل منا و يقومون لنا بما أفسدوا من كنيستنا فإذا فعلوا ذلك رجعنا عنهم قال فلما دخل رسول أبرهة على الأسود و كان اسمه حناطة الحميري و كان يهزم الجيوش وحده و كان له خلقة هائلة فقال له الأسود هل لك أن تكون أنت الرسول إليهم فعسى أن يكون الصلح على يديك فقال حناطة ها أنا سائر إليهم فإن صالحونا و إلا  رجعت برءوسهم ثم سار و هو معجب بنفسه فسأل عن سيد قريش فقالوا هو الشيبة النجار و كان عبد المطلب قد رآه و علم أنه رسول من القوم فلما نظر حناطة إلى عبد المطلب دهش و حار فقال له عبد المطلب ما الذي أتى بك قال يا مولاي إن أبرهة قد عرف فضلكم و وهب لكم الحرم و البيت و قد أرسل إليك أن تقوم بدية من قتل له أو تسلم من رجالك بعددهم ثم تقوم له بثمن ما عدم من الكنيسة فإذا فعلتم هذا رجع عنكم فقال عبد المطلب أ يؤخذ البري‏ء بالسقيم و نحن من شيمتنا الأمانة و الصيانة و نقبض أيدينا عن المظالم و نصرف جوارحنا عن المآثم فبلغ صاحبك عنا ذلك و أما هذا البيت فقد سبق مني القول فيه إن له ربا يمنع عنه فو الله ما كبر علي ما جمعتموه من الرجال فإن أراد صاحبك المسير فليسر و إن أراد المقام فليقم قال فلما سمع حناطة كلامه غضب و أراد أن يقتل عبد المطلب فظهر لعبد المطلب ما في وجهه فلم يمهله دون أن قبض على محزمه و مراق بطنه و شاله و ضرب به الأرض و قال و عزة ربي لو لا أنك رسول لأهلكتك قبل أن تأتي صاحبك فرجع حناطة إلى الأسود و أعلمه بما كان من أمره ثم قال هؤلاء قوم قد غلت دماؤهم و الرأي عندي أن تراسل القوم بعد هذا و اعلم أن مكة خلية من أهلها فأسرع إلى الغنيمة. قال الراوي فأمر الجيوش بالزحف فساروا نحو الحرم فلما قربوا منه جاءهم أمر الله من حيث لا يشعرون و إذا هم بأفواج من الطير كالسحابة المترادفة يتبع بعضها بعضا و هي كأمثال الخطاطيف يحمل كل طير ثلاثة أحجار أحدها في منقاره و اثنين

   بين رجليه كالعدس و كبيرها كالحمص و قد تعالت الطيور و ارتفعت و امتدت فوق العسكر و انتشرت بطولهم و عرضهم فلما نظر القوم إلى ذلك خافوا و قالوا ما هذه الطيور التي لم نر مثلها قبل هذا اليوم فقال الأسود ما عليكم بأس لأنها طير تحمل رزقها لفراخها ثم قال علي بقوسي و نبلي حتى أردها عنكم فأخذ قوسه و أراد الرمي فتصارخت الطيور مستأذنة لربها في هلاك القوم فما أتمت صراخها حتى فتحت أبواب السماء و إذا بالنداء أيها الطيور المطيعة لربها افعلوا ما أمرتم به فقد اشتد غضب الجبار على الكفار ففتحت الطيور أفواهها و كان أول حصاة وقعت على رأس حناطة فنزلت من البيضة إلى الرأس إلى الحلقوم و نزلت إلى الصدر و خرجت من دبره و نزلت إلى الأرض و غاصت فانقلب صريعا فتناثرت القوم يمينا و شمالا و الطيور تتبعهم لا تحول و لا تزول عن الرجل حتى ترميه بالحصاة على رأسه فتخرج من دبره و لا يردها درقة و لا حديد و إن أبرهة لما نظر إلى الطير و فعلها علم أنه قد أحيط بهم فولى هاربا على وجهه و أما الأسود فإنه لما نظر إلى ما نزل بقومه و الحصى تتساقط عليهم و هم يقعون على وجوههم فإذا بطير قد ألقى حجرا فوقع في فيه حتى خرج من دبره و أتاه آخر فضربه في هامته فطلع من قفاه فخر صريعا و أعجب من ذلك أن رجلا من حضرموت كان له أخ فسأله المسير معه فأبى و قال ما أنا ممن يتعرض لبيت الله فلما نزل بهم البلاء خرج هاربا على وجهه و الطير يتبعه فلما وصل إلى أخيه وصف له العذاب الذي حل بالقوم و رفع رأسه و إذا هو بطير قد رماه بحصاة  على هامته و خرجت من دبره و أما أبرهة فإنه سار مجدا على فرسه إذ سقطت يده اليمنى فتحير في أمره فسقطت يده اليسرى ثم رجله اليمنى ثم اليسرى فأتى منزله فحكى لهم جميع ما جرى لهم كلهم فما أتم حديثه إلا و رأسه قد وقع هذا ما جرى لهم و أما عبد المطلب و من معه فإنهم أقاموا في ابتهال و دعاء و تضرع و قد استجيب لهم ببركة رسول الله ص و قالوا في دعائهم اللهم ببركة هذا النور الذي وهبتنا اجعل لنا من كل كيدهم فرجا و انصرنا على أعدائنا و نظروا هياكل الأعداء على وجه الأرض مطروحة و الفيل ولى هاربا و أما ما كان ممن فر من أهل مكة و سمع بما نزل بأصحاب الفيل أتوا فرحين مستبشرين و أقاموا مدة ينقلون الأسلاب و الرحال و كان سعادتهم و سرورهم ببركة رسول الله ص. ثم إن عبد المطلب كان ذات يوم نائما في الحجر إذ أتاه آت فقال له احفر طيبة قال فقلت له و ما طيبة فغاب عني إلى غد فنمت في مكاني فأتى الهاتف فقال احفر برة فقلت و ما برة فغاب عني فنمت في اليوم الثالث فأتى و قال احفر مضنونة فقلت و ما مضنونة فغاب عني و أتاني في اليوم الرابع و قال احفر زمزم فقلت و ما زمزم قال لا تنزف أبدا و لا تذم تسقي الحجيج الأعظم عند قرية النمل فلما دله على الموضع أخذ عبد المطلب معوله و ولده الحارث و لم يكن له يومئذ ولد غيره فلما ظهر له البناء و علمت قريش بذلك قالوا له هذا بئر زمزم بئر أبينا إسماعيل ع و نحن فيه شركاء قال لا أفعل لأنه أمر خصصت به دونكم فتشاوروا على أن يجعلوا

   بينهم حكما و هو سعيد بن خثيمة و كان بأطراف الشام فخرجوا حتى إذا كانوا بمفازة بين الحجاز و الشام بلغ بهم الجهد و العطش و لم يجدوا ماء فقالوا لعبد المطلب ما تفعل قال كل واحد منكم يحفر حفيرة لنفسه ففعلوا ثم ركب عبد المطلب راحلته و سار بها فنبع الماء من تحت خفها فكبر و كبرت أصحابه و شربوا جميعهم و ملئوا قربهم و حلفوا أن لا يخالفوه في زمزم فقالوا إن الذي أسقاه الماء في هذه الفلاة هو الذي أعطاه زمزم و رجعوا و مكنوه من الحفر. فلما تمادى على الحفر وجد غزالين من ذهب و هما اللذان دفنهما جرهم و وجد أسيافا كثيرة و دروعا فطلبوه بنصيبهم فيها فقال لهم هلموا إلى من ينصف بيننا فنضرب القداح فنجعل للكعبة قدحين و لي قدحين و لكم قدحين فمن خرج قدحاه كان هذا له قالوا أنصفت فجعل قدحين أصفرين للكعبة و قدحين أسودين له و قدحين أبيضين لقريش ثم أعطاه لصاحب القداح و هو عند هبل و هبل صنم في الكعبة فضرب بهما فخرج الأصفران على الغزالين و خرج الأسودان على الأسياف و الدروع لعبد المطلب و تخلف قدحا قريش فضرب عبد المطلب الأسياف ما بين الكعبة فضرب في الباب الغزالين من الذهب و أقام عبد المطلب بسقاية زمزم للحاج و ما كان بمكة من يحسده و يضاده إلا رجل واحد و هو عدي بن نوفل و كان أيضا صاحب منعة و بسطة و طول يد و كان المشار إليه قبل قدوم عبد المطلب فلما قدم  عبد المطلب إلى مكة و سوده أهل مكة عليهم كبر ذلك على عدي بن نوفل إذ مال الناس إلى عبد المطلب و كبر ذلك عليه فلما كان بعض الأيام تناسبا و تقاولا و وقع الخصام فقال عدي بن نوفل لعبد المطلب أمسك عليك ما أعطيناك و لا يغرنك ما خولناك فإنما أنت غلام من غلمان قومك ليس لك ولد و لا مساعد فبم تستطيل علينا و لقد كنت في يثرب وحيدا حتى جاء بك عمك إلينا و قدم بك علينا فصار لك كلام فغضب عبد المطلب لذلك و قال له يا ويلك تعيرني بقلة الولد لله على عهد و ميثاق لازم لئن رزقني الله عشرة أولاد ذكورا و زاد عليهم لأنحرن أحدهم إكراما و إجلالا لحقه و طلبا بثأري بالوفاء اللهم فكثر لي العيال و لا تشمت بي أحدا إنك أنت الفرد الصمد و لا أعاين بمثل قولك أبدا ثم مضى و أخذ في خطبة النساء و التزويج حرصا على الأولاد ثم تزوج بست نساء فرزق منهن عشرة أولاد و كل امرأة تزوجها هي كانت ذات حسن و جمال و عز في قومها منهن منعة بنت حباب الكلابية و الطائفية و الطليقية بنت غيدق اسمها سمراء و هاجرة الخزاعية و سعدى بنت حبيب الكلابية و هالة بنت وهب و فاطمة بنت عمرو المخزومية و أما منعة بنت الحباب فإنها ولدت له الغيداق و اسمه الحجل و إنما سمي الغيداق لمروته و بذل ماله و أما الفرعى فولدت له أبا لهب و اسمه عبد العزى و أما سعدى فولدت له ولدين أحدهما ضرار و الآخر العباس و أما فاطمة فولدت له ولدين أحدهما عبد مناف و يقال له أبو طالب

   و الآخر عبد الله أبو رسول الله ص و كان عبد الله أصغر أولاده و كان في وجهه نور رسول الله ص فأولاد عبد المطلب الحارث و أبو لهب و العباس و ضرار و حمزة و المقوم و الحجل و الزبير و أبو طالب و عبد الله و كان عبد المطلب قائما مجتهدا في خدمة الكعبة و كان عبد المطلب نائما في بعض الليالي قريبا من حائط الكعبة فرأى رؤيا فانتبه فزعا مرعوبا فقام يجر أذياله و يجر رداءه إلى أن وقف على جماعته و هو يرتعد فزعا فقالوا له ما وراءك يا أبا الحارث إنا نراك مرعوبا طائشا فقال إني رأيت كان قد خرج من ظهري سلسلة بيضاء مضيئة يكاد ضوؤها يخطف الأبصار لها أربعة أطراف طرف منها قد بلغ المشرق و طرف منها قد بلغ المغرب و طرف منها قد غاص تحت الثرى و طرف منها قد بلغ عنان السماء فنظرت و إذا رأيت تحتها شخصين عظيمين بهيين فقلت لأحدهما من أنت فقال أنا نوح نبي رب العالمين و قلت للآخر من أنت قال أنا إبراهيم الخليل جئنا نستظل بهذه الشجرة فطوبى لمن استظل بها و الويل لمن تنحى عنها فانتبهت لذلك فزعا مرعوبا فقال له الكهنة يا أبا الحارث هذه بشارة لك و خير يصل إليك ليس لأحد فيها شي‏ء و إن صدقت رؤياك ليخرجن من ظهرك من يدعو أهل المشرق و المغرب و يكون رحمة لقوم و عذابا على قوم فانصرف عبد المطلب فرحا مسرورا و قال في نفسه ليت شعري من يقبض النور من ولدي و كان يخرج كل يوم إلى الصيد وحده فأخذه ذات يوم العطش فنظر إلى ماء صاف في حجر معين فشرب منه فوجده أبرد من الثلج و أحلى من العسل و أقبل من وقته و غشي زوجته فاطمة بنت عمرو فحملت بعبد الله أبي رسول الله ص فانتقل النور الذي كان في وجهه إلى زوجته فاطمة فما مرت بها الليالي و الأيام حتى ولدت عبد الله أبا رسول الله ص فانتقل النور إليه فلما ولدته  سطع النور في غرته حتى لحق عنان السماء فلما نظر إليه عبد المطلب فرح فرحا شديدا و لم يخف مولده على الكهنة و الأحبار فأما الكهنة فعظم أمره عليهم لإبطال كهانتهم و أما أحبار اليهود فكانت معهم جبة بيضاء و كانت جبة يحيى بن زكريا ع و كان الدم يابسا عليها قد غمست في دمه و كان في كتبهم أن هذا الدم الذي في الجبة إذا قطر منها قطرة واحدة من الدم يكون قد قرب خروج صاحب السيف المسلول فنظروا إلى ذلك الدم فوجدوا الجبة و إذا بها قد صارت رطبة يقطر منها الدم فعلموا أنه قد دنا خروجه فاغتموا لذلك غما شديدا و بعثوا إلى مكة رجالا منهم يكشفون لهم عن الخبر و يأتونهم بخبر مولده و كان عبد الله يشب في اليوم مثل ما يشب أولاد الناس في السنة و كان الناس يزورونه و يتعجبون من حسنه و جماله و أنواره و قيل إنه لقي عبد الله في زمانه ما لقي يوسف الصديق في زمانه و ذلك من عداوة اليهود و جرت عليه أمور عظيمة و أحوال جسيمة. فلما كملت لعبد المطلب عشرة أولاد ذكورا و ولد له الحارث فصاروا أحد عشر ولدا ذكرا فذكر نذره الذي نذر و العهد الذي عاهد لئن بلغت أولادي أحد عشر ولدا ذكورا لأقربن أحدهم لوجه الله تعالى فجمع عبد المطلب أولاده بين يديه و صنع لهم طعاما و جمعهم حوله و اغتم لذلك غما شديدا ثم قال لهم يا أولادي إنكم كنتم تعلمون أنكم عندي بمنزلة واحدة و أنتم الحدقة من العين و الروح بين الجنبين

   و لو أن أحدكم أصابته شوكة لساءني ذلك و لكن حق الله أوجب من حقكم و قد عاهدته و نذرت له متى رزقني الله أحد عشر ولدا ذكرا لأنحرن أحدهم قربانا و قد أعطاني ما سألته و بقي الآن ما عاهدته و قد جمعتكم لأشاوركم فما أنتم قائلون فجعل بعضهم ينظر إلى بعض و هم سكوت لا يتكلمون فأول من تكلم منهم عبد الله أبو رسول الله ص و كان أصغر أولاده فقال يا أبت أنت الحاكم علينا و نحن أولادك و في طوع يدك و حق الله أوجب من حقنا و أمره أوجب من أمرنا و نحن لك طائعون و صابرون على حكم الله و حكمك و قد رضينا بأمر الله و أمرك و صبرنا على حكم الله و حكمك و نعوذ بالله من مخالفتك فشكره أبوه و كان لعبد الله في ذلك اليوم إحدى عشرة سنة فلما سمع أبوه كلامه بكى بكاء شديدا حتى بل لحيته من دموعه ثم قال لهم يا أولادي ما الذي تقولون فقالوا له سمعنا و أطعنا فافعل ما بدا لك و لو نحرتنا عن آخرنا فكيف واحدا منا فشكرهم على مقالتهم ثم قال لهم يا بني امضوا إلى أمهاتكم و أخبروهن بما قلت لكم و قولوا لهن يغسلنكم و يكحلنكم و يطيبنكم و البسوا أفخر ثيابكم و ودعوا أمهاتكم وداع من لا يرجع أبدا فتفرقوا إلى أمهاتهم و أخبروهن بما قال لهم أبوهم ففاضت لأجل ذلك العيون و ترادفت الأحزان قال ثم إن عبد المطلب بات تلك الليلة مهموما مغموما لم يطعم طعاما و لم يشرب شرابا و لم يغمض عينا حتى طلع الفجر ثم لبس أفخر أثوابه و تردى برداء آدم ع و تنعل بنعل شيث ع و تختم بخاتم نوح ع و أخذ بيده خنجرا ماضيا ليذبح به بعض أولاده  و خرج يناديهم من عند أمهاتهم واحدا واحدا فأقبلوا إليه مسرعين و قد تزينوا بأحسن الزينة فلم يتأخر غير عبد الله لأنه كان أصغرهم فسألهم عنه فقالوا لا نعلمه منهم أحد فخرج إليه بنفسه حتى ورد منزل فاطمة زوجته فأخذه بيده فتعلقت به أمه فجعل أبوه يجذبه منها و هي تجذبه منه و هو يريد أباه و هو يقول يا أماه اتركيني أمضي مع أبي ليفعل بي ما يريد فتركته و شقت جيبها و صرخت و قالت لفعلك يا أبا الحارث فعل لم يفعله أحد غيرك فكيف تطيب نفسك بذبح ولدك و إن كان و لا بد من ذلك فخل عبد الله لأنه طفل صغير و ارحمه لأجل صغره و لأجل هذا النور الذي في غرته فلم يكترث بكلامها ثم جذبه من يدها فقامت عند ذلك تودعه فضمته إلى صدرها و قالت حاشاك يا رب أن يطفئ نورك و قد قلت حيلتي فيك يا ولدي وا حزنا عليك يا ولدي ليتني قبل غيبتك عني و قبل ذبحك يا ولدي غيبت تحت الثرى لئلا أرى فيك ما أرى و لكن ذلك بالرغم مني لا بالرضا  سوقك من عندي من غير اختياري فلما سمع ذلك أبوه بكى بكاء شديدا حتى غشي عليه و تغير لونه فقال عبد الله لأمه دعيني أمضي مع أبي فإن اختارني ربي كنت راضيا سامحا ببذل روحي له و إن كان غير ذلك عدت إليك فأطلقته أمه فمشى وراء أبيه و جملة أولاده إلى الكعبة فارتفعت الأصوات من كل ناحية و أقبلوا ينظرون ما يصنع عبد المطلب بأولاده و أقبلت اليهود و الكهنة و قالوا لعله يذبح الذي نخافه ثم عزم على القرعة بينهم و جاء بهم جميعا للمنحر و بيده خنجر يلوح الموت من جوانبه ثم نادى بأعلى صوته يسمع القريب و البعيد و قال اللهم رب هذا البيت و الحرم و الحطيم و زمزم و رب الملائكة الكرام و رب جملة الأنام اكشف عنا بنورك الظلام بحق ما جرى به القلم اللهم إنك خلقت الخلق بقدرتك و أمرتهم بعبادتك لا مانع منك إلا أنت و إنما يحتاج الضعيف إلى القوي و الفقير إلى الغني يا رب و أنت تعلم أني نذرت نذرا و عاهدتك عهدا على إن وهبتني عشرة أولاد ذكور لأقربن لوجهك الكريم واحدا منهم و ها أنا و هم بين يديك فاختر منهم من أحببت اللهم كما قضيت و أمضيت فاجعله في الكبار و لا تجعله في الصغار لأن الكبير أصبر على البلاء من الصغير

   و الصغير أولى بالرحمة اللهم رب البيت و الأستار و الركن و الأحجار و ساطح الأرض و مجرى البحار و مرسل السحاب و الأمطار اصرف البلاء عن الصغار ثم دعا بصاحب الجرائد فقدها فقذفها و كتب على كل واحدة اسم ولد ثم دعا بصاحب القداح و هي الأزلام التي ذكرها الله تعالى و كانوا يقسمون بها في الجاهلية فأخذ الجرائد من يده و ساق أولاد عبد المطلب و قصد بهم الكعبة فأخذت أمهاتهم في الصراخ و النياح و الشق للجيوب كل واحدة تبكي على ولدها و جميع الناس يبكون لبكائهم و جعل عبد المطلب يقوم مرة و يقعد أخرى و هو يدعو يا رب أسرع في قضائك فتطاولت الأعناق و فاضت العبرات و اشتدت الحسرات فبينما هم في ذلك و إذا بصاحب القداح قد خرج من الكعبة و هو قابض على عبد الله أبي رسول الله ص و قد جعل رداءه في عنقه و هو يجره و قد زالت النضارة من وجهه و اصفر لونه و ارتعدت فرائصه و قال له يا عبد المطلب هذا ولدك قد خرج عليه السهم فإن شئت فاذبحه أو اتركه فلما سمع كلامه خر مغشيا عليه و وقع إلى الأرض و خرج بقية أولاده من الكعبة و هم يبكون على أخيهم و كان أشدهم عليه حزنا أبو طالب لأنه شقيقه من أمه و أبيه و كان لا يصبر عنه ساعة واحدة و كان يقبل غرته و موضع النور من وجهه و يقول يا أخي ليتني لا أموت حتى أرى ولدك الوارث لهذا النور الذي فضله الله على الخلق أجمعين الذي يغسل الأرض من الدنس و يزيل دولة الأوثان و يبطل كهانة الكهان.  فلما ولد النبي ص كان يحبه أبو طالب حبا شديدا و يقول له فدتك نفسي يا ابن أخي يا ابن الذبيحين إسماعيل و عبد الله. رجعنا إلى الحديث الأول ثم لما أفاق عبد المطلب سمع البكاء من الرجال و النساء من كل ناحية فنظر و إذا فاطمة بنت عمرو أم عبد الله و هي تحثو التراب على وجهها و تضرب على صدرها فلما نظر إليها عبد المطلب لم يجد صبرا و قبض على يد ولده و أراد أن يذبحه فتعلقت به سادات قريش و بنو عبد مناف فصاح بهم صيحة منكرة و قال يا ويلكم لستم أشفق على ولدي مني و لكن أمضي حكم ربي و أبو طالب متعلق بأذيال عبد الله و هو يبكي و يقول لأبيه اترك أخي و اذبحني مكانه فإني راض أن أكون قربانك لربك فقال عبد المطلب ما كنت بالذي أتعرض على ربي و أخالف حكمه فهو الآمر و أنا المأمور ثم اجتمع أكابر قومه و عشيرته و قالوا له يا عبد المطلب عد إلى صاحب القداح مرة ثانية فعسى أن يقع السهم في غيره و يقضي الله ما فيه الفرج فعاد ثانية فعاد السهم على عبد الله فقال عبد المطلب قضي الأمر و رب الكعبة ثم ساق ولده عبد الله إلى المنحر و الناس من ورائه صفوف فلما وصل المنحر عقل رجليه فعند ذلك ضربت أمه وجهها و نشرت شعرها و مزقت أثوابها ثم أضجعه و هو ذاهل لا يدري ما يصنع مما بقلبه من الحزن فلما رأته أمه أنه لا محالة عازم على ذبحه مضت مسرعة إلى قومها و هي قد اضطربت جوارحها لما رأت عبد المطلب قد أضجع

   عبد الله ولده ليذبحه و هو لا يسمع عذل عاذل و لا قول قائل و ضجت الملائكة بالتسبيح و نشرت أجنحتها و نادى جبرئيل و تضرع إسرافيل و هم يستغيثون إلى ربهم فقال الله يا ملائكتي إني بكل شي‏ء عليم و قد ابتليت عبدي لأنظر صبره على حكمي فبينما عبد المطلب كذلك إذ أتاه عشرة رجال عراة حفاة في أيديهم السيوف و حالوا بينه و بين ولده فقال لهم ما شأنكم قالوا له لا ندعك تذبح ابن أختنا و لو قتلتنا عن آخرنا و لقد كلفت هذه المرأة ما لا تطيق و نحن أخواله من بني مخزوم فلما رآهم قد حالوا بينه و بين ولده رفع رأسه إلى السماء و قال يا رب قد منعوني أن أمضي حكمك و أوفي بعهدك فاحكم بيني و بينهم بالحق و أنت خير الحاكمين فبينما هم كذلك إذ أقبل عليهم رجل من كبار قومه يقال له عكرمة بن عامر فأشار بيده إلى الناس أن اسكتوا ثم قال يا أبا الحارث اعلم أنك قد أصبحت سيد الأبطح فلو فعلت بولدك هذا لصار سنة بعدك يلزمك عارها و شنارها و هذا لا يليق بك فقال أ ترى يا عكرمة أغضب ربي قال إني أدلك على ما فيه الصلاح قال ما هو يا عكرمة قال إن معنا في بلادنا كاهنة عارفة ليس في الكهان أعرف منها تحدث بما يكون في ضمائر الناس و ما يخفى في سرائرهم و ذلك أن لها صاحبا من الجن يخبرها بذلك فلما سمع كلامه سكن ما به فأجمع رأيهم على ذلك فقالوا يا أبا الحارث لقد تكلم عكرمة بالصواب فأخذ عبد المطلب ولده و أقبل إلى منزله و أخذ  أهبة السفر إلى الكاهنة و أخذ معه هدية عظيمة و كان اسم الكاهنة أم ملخان فلما كان بعد ثلاثة أيام خرج عبد المطلب في قومه إلى الكاهنة فتقدم عبد المطلب إليها بعد أن دفع إليها الهدية فسألها عن أمره فقالت انزلوا و غدا أظهر لكم العجب فلما كان غداة غد اجتمعوا عندها فأنشأت تقول.

يا مرحبا بالفتية الأخيار. الساكني البيت مع الأستار.قد خلقوا من صلصل الفخار. و من صميم العز و الأنوار.خذوا بقولي صح في الآثار. أنبئكم بالعلم و الأخبار.أهل الضياء و النور و الفخار. من هاشم سماه في الأقدار.قد رام من خالقه الجبار. أن يعطه عشرا من الأذكار.من غير ما نقص بإذن الباري. فواحد ينحره للأنذار.

 ثم إنها التفتت إلى عبد المطلب و قالت له أنت الناذر قال نعم جئناك لتنظري في أمرنا و تعملي الحيلة في ولدنا فقالت و رب البنية و ناصب الجبال المرسية و ساطح الأرض المدحية إن هذا الفتى الذي ذكرتموه سوف يعلو ذكره و يعظم  أمره و إني سأرشدكم إلى خلاصه فكم الدية عندكم قالوا عشرة من الإبل قالت ارجعوا إلى بلدكم و استقسموا بالأزلام على عشرة من الإبل و على ولدكم فإن خرج عليه السهم فزيدوا عشرة أخرى و ارموا عليها بالسهام فإن خرج عليه دونها فزيدوا عشرة أخرى هكذا إلى المائة فإن لم تخرج على الإبل اذبحوا ولدكم ففرح القوم و رجعوا إلى مكة و أقبل عبد المطلب على ولده يقبله فقال عبد الله يعز علي يا أبتاه شقاؤك من أجلي و حزنك علي ثم أمر عبد المطلب أن يخرج كل ما معه من الإبل فأحضرت و أرسل إلى بني عمه أن يأتوا بالإبل على قدر طاقتهم و قال إن أراد الله بي خيرا وقاني في ولدي و إن كان غير ذلك فحكمه ماض فجعل أهل مكة يسوقون له كل ما معهم من الإبل و أقبل عبد المطلب على فاطمة أم عبد الله و قد أقرحت عيناها بالبكاء فأخبرها بذلك ففرحت و قالت أرجو من ربي أن يقبل مني الفداء و يسامحني في ولدي و كانت ذات يسار و مال كثير و كانت أمها سرحانة زوجة عمرو المخزومي و كانت كثيرة الأموال و الذخائر و كان لها جمال تسافر إلى العراق و جمال تسافر إلى الشام فقالت علي بمالي و مال أمي و لو طلب مني ربي ألف ناقة لقدمتها إليه و على الزيادة فشكرها عبد المطلب و قال أرجو أن يكون في مالي ما يرضي ربي و يفرج كربي و أما الناس بمكة ففي فرح و سرور و بات عبد المطلب فرحا مسرورا ثم أقبل إلى الكعبة و طاف بها سبعا و هو يسأل الله تعالى أن يفرج عنه فلما طلع الصباح أمر رعاة الإبل أن يحضروها فأحضروها و أخذ عبد المطلب ابنه فطيبه و زينه و ألبسه أفخر  أثوابه و أقبل به إلى الكعبة و في يده الحبل و السكين فلما رأته أمه فاطمة قالت يا عبد المطلب ارم ما في يدك حتى يطمئن قلبي قال إني قاصد إلى ربي أسأله أن يقبل مني الفداء في ولدي فإن نفدت أموالي و أموال قومي ركبت جوادي و خرجت إلى كسرى و قيصر و ملوك الهند و الصين مستطعما على وجهي حتى أرضي ربي و أنا أرجو أن يفديه كما فدى أبي إسماعيل من الذبح و سار إلى الكعبة و الناس حوله ينظرون فقال لهم يا معاشر من حضر إياكم أن تعودوا إلي في ولدي كما فعلتم بالأمس و تحولوا بيني و بين ذبح ولدي ثم إنه قدم عشرة من الإبل و أوقفها و تعلق بأستار الكعبة و قال اللهم أمرك نافذ ثم أمر صاحب القداح أن يضربها فضربها فخرج السهم على عبد الله فقال عبد المطلب لربي القضاء فزاد على الإبل عشرة و أمر صاحب القداح أن يضربها فضربها فخرج السهم على عبد الله فقال أشراف قريش لو قدمت غيرك يا عبد المطلب لكان خيرا فإنا نخشى أن يكون ربك ساخطا عليك فقال لهم إن كان الأمر كما زعمتم فالمسي‏ء أولى بالاعتذار ثم قال اللهم إن كان دعائي عنك قد حجب من كثرة الذنوب فإنك غفار الذنوب كاشف الكروب تكرم علي بفضلك و إحسانك ثم زاد عشرة أخرى من الإبل و رمق بطرفه نحو السماء و قال اللهم أنت تعلم السر و أخفى و أنت بالمنظر الأعلى اصرف عنا البلاء كما صرفته عن إبراهيم الذي وفى ثم أمر صاحب القداح أن يضربها فضربها فخرج السهم على  عبد الله فقال عبد المطلب إن هذا لشي‏ء يراد ثم قال لعل بعد العسر يسرا ثم أضاف إلى الثلاثين عشرة أخرى فقال.

يا رب هذا البيت و العباد. إن بني أقرب الأولاد.و حبه في السمع و الفؤاد. و أمه صارخة تنادي.فوقه من شفرة الحداد. فإنه كالبدر في البلاد

 ثم أمر صاحب القداح أن يضربها فضربها فخرج السهم على عبد الله فقال عبد المطلب كيف أبذل فيك يا ولدي الفداء و قد حكم فيك الرب بما يشاء ثم أضاف إلى الأربعين عشرة أخرى و أمر صاحب القداح أن يضربها فضربها فخرج السهم على عبد الله فقالت أمه يا عبد المطلب أريد منك أن تتركني أسأل الله في ولدي فعسى أن يرحمني و يرحم ضعفي و حالتي هذه فقامت فاطمة و أضافت إلى الخمسين عشرة أخرى و قالت يا رب رزقتني ولدا و قد حسدني عليه أكثر الناس و عاندني فيه و قد رجوته أن يكون لي سندا و عضدا و أن يوسدني في لحدي و يكون ذكري بعدي فعارضني فيه أمرك و أنت تعلم يا رب أنه أحب أولادي إلي و أكرمهم لدي و إني يا رب فديته بهذه الفداء فاقبلها و لا تشمت بي الأعداء ثم أمرت صاحب القداح أن يضربها فضربها فخرج السهم على عبد الله فقال عبد المطلب إن لكل شي‏ء دليلا و نهاية و هذا الأمر ليس لي و لا لك فيه حيلة فلا تعودي إلى التعرض في أمري ثم أضاف إلى الستين عشرة أخرى فقال اللهم منك المنع و منك العطاء و أمرك نافذ كما تشاء و قد تعرضت عليك بجهلي و قبيح عملي فلا تؤاخذني و لا تخيب أملي ثم أمر صاحب القداح أن يضربها فضربها فخرج السهم على عبد الله فعند ذلك ضج الناس بالبكاء و النحيب فقال عبد المطلب ما بعد المنع إلا العطاء و ما بعد الشدة إلا الرخاء و أنت عالم السر و أخفى ثم ضم إلى السبعين عشرة أخرى و أمر صاحب القداح أن يضربها فضربها فخرج السهم على عبد الله فأخذ عبد المطلب الحبل و السكين بيده و هم الناس أن يمنعوه مثل المرة الأولى فقال لهم أقسمت بالله إن عارضني في ولدي أحد لأضربن نفسي بهذا السكين و أذبح نفسي اتركوني حتى أنفذ حكم ربي فأنا عبده و ولدي عبده يفعل بنا ما يشاء  و يحكم ما يريد فأمسك الناس عنه ثم أضاف إلى الثمانين عشرة و جعل يقول يا رب إليك المرجع و أنت ترى و تسمع ثم أمر صاحب القداح أن يضربها فضربها فخرج السهم على عبد الله فوقع عبد المطلب مغشيا عليه فلما أفاق قال وا غوثاه إليك يا رب و جذب ابنه للذبح و ضجت الناس بالبكاء و العويل رجالا و نساء فعند ذلك صاح عبد الله في وثاقه و قال يا أبت أ ما تستحيي من الله كم ترد أمره و تلح عليه هلم إلي فانحرني فإني قد خجلت من تعرضك إلى ربك في حقي فإني صابر على قضائه و حكمه و إن كنت يا أبت لا تقدر على ذلك من رقة قلبك علي يا أبتاه فخذ بيدي و رجلي و اربطهما بعضهما إلى بعض و غط وجهي لئلا ترى عينك عيني و اقبض ثيابك عن دمي لكيلا تتلطخ بالدم فتكون إذا لبست أثوابك تذكرك الحزن علي يا أبت و أوصيك يا أبتاه بأمي خيرا فإني أعلم أنها بعدي هالكة لا محالة من أجل حزنها علي فسكنها و سكن دمعتها و إني أعلم أنها لا تلتذ بعدي بعيش و أوصيك بنفسك خيرا فإن خفت ذلك فغمض عينيك فإنك تجدني صابرا ثم قال عبد المطلب يعز علي يا ولدي كلامك هذا ثم بكى حتى اخضلت لحيته بالدموع ثم قال يا قوم ما تقولون كيف أتعرض على ربي في قضائه و إني أخاف أن ينتقم مني ثم قام و نهض إلى الكعبة فطاف بها سبعا و دعا الله و مرغ وجهه و زاد في دعائه و قال يا رب أمض أمرك فإني راغب في رضاك ثم زاد على الإبل عشرة فصارت مائة و قال من أكثر قرع الباب يوشك أن يفتح له ثم قال رب ارحم تضرعي و توسلي و كبري ثم أمر صاحب القداح أن يضربها فضربها فخرج السهم على الإبل فنزع الناس عبد الله من يد أبيه و أقبلت الناس من كل مكان يهنئونه بالخلاص و أقبلت أمه و هي تعثر في أذيالها فأخذت ولدها و قبلته و ضمته إلى صدرها ثم قالت الحمد لله الذي لم يبتلني بذبحك

   و لم يشمت بي الأعداء و أهل العناد فبينما هم كذلك إذ سمعوا هاتفا من داخل الكعبة و هو يقول قد قبل الله منكم الفداء و قد قرب خروج المصطفى فقالت قريش بخ بخ لك يا أبا الحارث هتفت بك و بابنك الهواتف و هم الناس بذبح الإبل فقال عبد المطلب مهلا أراجع ربي مرة أخرى فإن هذه القداح تصيب و تخطئ و قد خرجت على ولدي تسع مرات متواليات و هذه مرة واحدة فلا أدري ما يكون من الثانية اتركوني أعاود ربي مرة واحدة فقالوا له افعل ما تريد ثم إنه استقبل الكعبة و قال اللهم سامع الدعاء و سابغ النعم و معدن الجود و الكرم فإن كنت يا مولاي مننت علي بولدي هبة منك فأظهر لنا برهانه مرة ثانية ثم أمر صاحب القداح أن يضربها فضربها فخرج السهم على الإبل فأخذت فاطمة ولدها و ذهبت به إلى بيتها و أتى إليه الناس من كل جانب و مكان سحيق و فج عميق يهنئونها بمنة الله ع ثم أمر عبد المطلب أن تنحر الإبل فنحرت عن آخرها و تناهبها الناس و قال لهم لا تمنعوا منها الوحوش و الطير و انصرف فجرت سنة في الدية مائة من الإبل إلى هذا الزمان و مضى عبد المطلب و أولاده فلما رأته الكهنة و الأحبار و قد تخلص خاب أملهم فقال بعضهم لبعض تعالوا نسع في هلاكه من حيث لا يشعر به أحد فقال كبيرهم و كان يسمى ربيان و كانوا له سامعين فقال لهم اعملوا طعاما و ضعوا فيه سما ثم ابعثوا به إلى عبد المطلب على حال الهدية إكراما لخلاص ولده فعزم القوم على ذلك فصنعوا طعاما و وضعوا فيه سما و أرسلوه مع نساء متبرقعات إلى بيت عبد المطلب و هن خافيات أنفسهن بحيث لا تعلم إحداهن فقرعوا الباب فخرجت إليهم فاطمة و رحبت بهن و قالت من أين أنتن  قلن لها نحن من قرابتك من بني عبد مناف دخل علينا السرور لخلاص ابنك فأخذت فاطمة منهن الطعام و أقبلت إلى عبد المطلب فقال من أين هذا فذكرت له الخبر فقال عبد المطلب هلموا إلى ما خصكم به قرابتكم فقاموا و أرادوا الأكل منه و إذا بالطعام قد نطق بلسان فصيح و قال لا تأكلوا مني فإني مسموم و كان هذا من دلائل نور رسول الله ص فامتنعوا من أكله و خرجوا يقتفون النساء فلم يروا لهن أثرا فعلموا أنه مكيدة من الأعداء فحفروا للطعام حفيرة و وضعوه فيها. و قال أبو الحسن البكري حدثنا أشياخنا و أسلافنا الرواة لهذا الحديث أنه لما قبل الله الفداء من عبد المطلب في ولده عبد الله فرح فرحا شديدا فلما لحق عبد الله ملاحق الرجال تطاولت إليه الخطاب و بذلوا في طلبه الجزيل من المال كل ذلك رغبة في نور رسول الله ص و لم يكن في زمانه أجمل و لا أبهى و لا أكمل منه و كان إذا مر بالناس في النهار يشمون منه رائحة المسك الأذفر و الكافور و العنبر و كان إذا مر بهم ليلا تضي‏ء من نوره الحنادس و الظلم فسموه أهل مكة مصباح الحرم و أقام عبد المطلب و ابنه عبد الله بمكة حتى تزوج عبد الله بآمنة بنت وهب و كان السبب في تزويجها به أن الأحبار اجتمعوا بأرض الشام و تكلموا في مولد رسول الله ص و الدم الذي قد جرى من جبة يحيى بن زكريا ع كما تقدم ذكره فلما أيقنوا أنه قد قرب خروج صاحب السيف و ظهرت أنواره تشاوروا فيما بينهم و ساروا إلى حبر لهم و كان في

   قرية من قرى الأردن و كانوا يقتبسون من علمه و كان ممن عمر في زمانه فقصده القوم فلما وصلوا إليه قال لهم ما الذي أزعجكم قالوا له إنا نظرنا في كتبنا فوجدنا صفة هذا الرجل السفاك الذي تقاتل معه الأملاك و ما نلقى عند ظهوره من الأهوال و الهلاك و قد جئناك نشاورك في أمره قبل ظهوره و علو ذكره قال يا قوم إن من أراد إبطال ما أراد الله فهو جاهل مغرور و إنه لكائن بكم و هذا الذي ذكرتم قد سبق أمره عند الله فكيف تقدرون على إبطاله و هو مبطل كهانة الكهان و مزيل دولة الصلبان و سيكون له وزير و قريب فلما سمعوا كلامه خافوا و حاروا فقام حبر من أحبارهم يقال له هيوبا بن داحورا و كان كافرا متمردا شديد البأس فقال لهم هذا رجل قد كبر و خرف و قل عقله فلا تسمعوا من قوله ثم قال لهم أ رأيتم الشجرة إذا قطعت من أصلها فهل تعود خضرا قالوا لا قال فإن قتلتم صاحبكم هذا الذي يخرج من صلبه هذا المولود فما الذي تخافون منه فقوموا هذه الساعة و خذوا معكم تجارة و سيروا إلى البلد الذي هو فيها يعني مكة فإذا وصلتم دبرتم الحيلة في هلاكه فتبعوا قوله و قالوا له أنت سيدنا قال لهم افعلوا ما آمركم به و أنا معكم بسيفي و رمحي و لكن ما أسير معكم حتى تعاهدوني فيعمد كل واحد منكم إلى  سيفه ليسقيه سما فأجابوه إلى ذلك و افترقوا ثم اجتمعوا بأيلة و خرجوا بجمالهم محملة بالتجارة و ساروا حتى وصلوا مكة فلما دخلوها سمعوا من ورائهم صوتا و هو يقول.

قصدتم لأزر القوم في السر و الجهر. تريدون مكرا بالمعظم في القدر.و من غالب الرحمن لا شك أنه. سيرميه باريه بقاصمة الظهر.ستضحون يا شر الأنام كأنكم. نعام أسيقت للذباحة و النحر

 فلما سمعوا كلام الهاتف هالهم ذلك و هموا بالرجوع فقال لهم هيوبا لا تخافوا من كلام هذا الهاتف فإن هذا الوادي قد كثر فيه الكهان و الشياطين و إن هذا الهاتف هو شيطان قد علم قصدكم فعند ذلك تبادر القوم فكان كل من لقاهم يحدثهم بحسن عبد الله و جماله فوقع في قلوبهم الكمد و الحسد فجعلوا يسومون متاعهم و لا يبيعون منه شيئا و إنما يريدون بذلك المقام بمكة و الحيلة في قتل عبد الله فأقبل يوما عبد المطلب و هو قابض على يد ولده عبد الله و مر باليهود و كان عبد الله قد رأى رؤيا أفزعته فخرج مرعوبا إلى أبيه فقال ما أصابك يا بني قال رؤيا هالتني قال رأيت سيوفا مجردة في أيدي قردة و هم قعود على أدبارهم و أنا أنظر إليهم و هم يهزون السيوف و يشيرون بها إلي فعلوت عنها في الهواء فبينما أنا كذلك و إذا بنار قد نزلت من السماء فزادتني خوفا و قلت كيف خلاصي منها فبينما أنا كذلك و إذا بالنار قد وقعت على القردة فأحرقتهم عن آخرهم فزادني ذلك رعبا فقال له أبوه وقاك الله يا بني شر ما تحاذر من الحساد و الأضداد فإن الناس يحسدونك على هذا النور الذي في وجهك و لكن  لو اجتمعت أهل الأرض إنسها و جنها لم يقدروا على شي‏ء لأنه وديعة من الله عز و جل لخاتم الأنبياء و هاهنا أحبار اليهود من الشام و فيهم الحكمة و المعرفة فقم معي حتى أقص عليهم رؤياك فقبض عبد المطلب على يد ولده عبد الله و دخلا عليهم فلما نظر إليه الأحبار و هو كأنه البدر المنير نظر بعضهم إلى بعض و قالوا هذا الذي نطلبه فقال لهم عبد المطلب يا معاشر اليهود جئنا إليكم نخبركم برؤيا رآها ولدي هذا فقالوا له و ما ذا فقص عليهم الرؤيا فزادهم حنقا عليه و قال له هيوبا أيها السيد إنها أضغاث أحلام و أنتم سادات كرام ليس لكم معاند و لا مضاد ثم انصرف عبد المطلب بولده و أقاموا بعد ذلك أياما يريدون الحيلة فلم يجدوا إلى ذلك سبيلا و كان عبد الله مغرما بالصيد و كان إذا خرج إلى الصيد لا يرجع إلا ليلا و كان يخرج مع أبيه فلم يجدوا إلى ذلك سبيلا حتى خرج ذات يوم وحده فخرجوا وراءه من حيث لا يشعر بهم أحد فقال لهم هيوبا ما انتظاركم و قد خرج الذي تطلبونه فقالوا له إنا نخاف من فتيان مكة و فرسان بني هاشم و هم لا يطاقون و قد ذلت لهم العمالقة و غيرهم و نخشى أن يشعروا بنا فلما سمع هيوبا مقالتهم قال خاب سعيكم فإذا كنتم هكذا فما الذي أتى بكم إلى هاهنا فلا بد من قتل هذا الغلام و لو طال عليكم المقام و لم تجدوا يوما مثل هذا اليوم فإذا قتلناه و خفتم التهمة به فعلي ديته و كانوا قد بعثوا عبدا من  عبيدهم ينظر إلى أين يتوجه عبد الله فرجع العبد و أخبرهم أنه قد غاب بين الجبال و الشعاب و قد خرج من العمران و ليس عنده إنسان فعزم القوم على ما أملوه و جعلوا نصفا عند الأمتعة و النصف الآخر أخذوا السيوف تحت ثيابهم و خرجوا قاصدين عبد الله و العبد أمامهم حتى أوقفهم عليه و كان عبد الله قد صاد حمار وحش و هو يسلخه فنظر إلى القوم و قد أقبلوا عليه فقال لهم هيوبا هذا صاحبكم الذي خرجتم من أوطانكم في طلبه فما أحس عبد الله إلا و قد أحاطوا به و كانوا قد افترقوا فرقتين و قالوا للذين خلفوهم عند متاعهم إذا دعوناكم أجيبونا مسرعين فلما أشرفوا على عبد الله و قد سدوا الطرقات و زعموا أنهم قد حكموا عليه فرفع عبد الله رأسه إلى السماء و دعا الله تعالى و أقبل إليهم و قال يا قوم ما شأنكم فو الله ما بسطت يدي إلى واحد منكم بمكروه أبدا فتطالبوني به و لا غصبت مالا قط و لا قتلت أحدا فأقتل به فما حاجتكم فإن يكن سبقت مني فعلة سوء إليكم فأخبروني حتى أعرفها و اليهود يومئذ تلثموا و لم يبين منهم إلا حماليق الحدق فلم يردوا عليه جوابا و أشار بعضهم إلى بعض و هموا بالهجوم عليه فجعل نبلة في كبد قوسه و رمى بها نحوهم فأصابت رجلا منهم فوقع ميتا ثم رماهم بأربع نبال أصابت أربعة رجال فاشتغلوا عنه بأنفسهم فأخذ الخامسة ليرميهم بها و أنشأ يقول.

و لي همة تعلو على كل همة. و قلب صبور لا يروع من الحرب.و لي نبلة أرمي بها كل ضيغم. فتنفذ في اللبات و النحر و القلب.فأربعة منها أصابت لأربع. و لو كاثروني صلت بالطعن و الضرب.أخذت نبالي ثم أرسلت بعضها. فصارت كبرق لاح في خلل السحب.

  فلما سمعوا ذلك منه قال له هيوبا يا فتى احبس عنا نبالك فقد أسرفت في فعالك و لقد قتلت منا رجالا من غير ذنب و لا سابقة سبقت منا إليك و نحن قوم تجار و نحن الذين وقفت علينا بالأمس مع أبيك و كان لنا عبد قد هرب منا فلما رأيناك أنكرناك فعند ما عرفناك أنك عبد الله فنحن ما لنا معك طلابة و إنك لأعز الخلق علينا و أكرمهم لدينا فامض لسبيلك فقد سمحنا لك بما فعلت فينا فقال لهم يا ويلكم ما الذي تبين لكم مني أني عبدكم فهل عبدكم مثلي أو صفته صفتي أو له نور كنوري فقالوا له إنما دخلنا الشك و أنت متباعد عنا فلما قربت منا عرفناك فاسمح لنا بما كان منا إليك فإنا سمحنا لك بما كان و إن كان و أعظم من ذلك أنك قتلت منا رجالا لا ذنب لهم و نحن حيث أكلنا طعام أبيك و شربنا شرابه فنحن لك شاكرون و أنت أولى بكتمان ما كان اليوم منا فلما سمع عبد الله كلامهم زعم أنه حق و هو خديعة ثم إنه ركب جواده و أخذ قوسه و عطف إلى ناحية المضيق فلما رآه القوم قد أقبل عليهم يريد الخروج بادروا إليه بأجمعهم و جعلوا يرمونه بالحجارة و قاموا إليه بالسيوف فجعل يكر فيهم كرة بعد كرة فعند ذلك صاح فيهم هيوبا فتبادروا إليه بأجمعهم و هو يكر فيهم يمينا و شمالا و كلما رمى رجلا خر صريعا و نزل عبد الله عن فرسه و استند إلى المضيق و قد أقبلوا إليه من كل جانب يرمونه بالحجارة فبينما هم في المعركة و إذا هم برجال قد أقبلوا بأيديهم السيوف مشهورة و هم عراة مسرعون نحوهم فإذا هم بنو هاشم و أبو طالب و فتيان مكة و كان في أولهم أبو طالب و حمزة و العباس فعند  ذلك ناداه أبوه فقال يا بني هذا تأويل رؤياك من قبل فما استتم كلامه حتى أحاط بعبد الله إخوته و أقاربه. قال البكري و كان قد أخبرهم بالخبر رجل يقال له وهب بن عبد مناف لأنه أشرف عليهم في المعركة فهم أن ينزل فخاف على نفسه من كثرتهم فأتى إلى الحرم و نادى في بني هاشم فلما رآهم اليهود أيقنوا بالهلاك و قالوا لعبد الله إنما أردنا أن نعلم حقيقة الحال فقال لهم عبد الله هيهات لقد أجهدتم أنفسكم في هلاكي فهرب منهم جماعة و التجئوا إلى جبل و ظنوا أنهم قد نجوا فإذا أتاهم أمر الله فسقطت عليهم قطعة من الجبل فسدت عليهم المضيق فلم يجدوا مهربا و لحقهم عبد المطلب و أصحابه و الفرقة التي كانت من الجانب الآخر مع هيوبا قتلوا منهم أناسا كثيرة و قال رجل منهم دعونا نصل مكة و افعلوا فينا ما تريدون فإن لنا مع الناس أمتعة و أموالا كنا قد أخفيناها و أنتم أحق بها خذوها و لا تقتلونا فكتفوهم عن آخرهم و أقبلوا بهم إلى مكة و أقبل عبد المطلب على ولده يقبله و يقول يا ولدي لو لا وهب بن عبد مناف أخبرنا بأمرك ما كنا علمنا و لكن الله تعالى يحفظك فلما أشرفوا على مكة خرج الناس يهنئونهم بالسلامة و إذا باليهود مكتوفين فجعل جملة الناس يرمونهم بالحجارة فقام لهم عبد المطلب و قال أرسلوا بهم إلى دار وهب حتى يستقصوا على أموالهم و لم يبق لهم شي‏ء فأرسلوهم إلى دار وهب فلما كان في تلك الليلة أقبل وهب على زوجته برة بنت عبد العزى و قال لها يا برة لقد رأيت اليوم عجبا من عبد الله ما رأيته من أحد و هو يكر على هؤلاء القوم و كلما رماهم بنبلة قتل منهم إنسانا و هو أجمل الناس وجها مما

   خصه الله تعالى من الضياء الساطع فامضي إلى أبيه و اخطبيه لابنتنا و اعرضيها عليه فعسى أن يقبلها فإن قبلها سعدنا سعادة عظيمة قالت له يا وهب إن رؤساء مكة و أبطال الحرم و أشراف البطحاء قد رغبوا فيه فأبى عن ذلك و قد كاتبه ملوك الشام و العراق على ذلك فأبى عليهم فكيف يتزوج بابنتنا و هي قليلة المال قال لها إن لي عليهم اليد أنني أخبرتهم بأمر عبد الله مع هذا اليهود ثم إن برة قامت و لبست أفخر أثوابها و خرجت حتى أتت دار عبد المطلب فوجدته يحدث أولاده بالخبر فقالت أنعم الله مساءكم و دامت نعماؤكم فرد عليها عبد المطلب التحية و الإكرام و قال لها لقد سلف لبعلك اليوم علينا يد لا نقدر أن نكافيه أبدا و له أياد بالغة بذلك و سنجازيه بما فعل إن شاء الله تعالى فطمعت برة في كلامه ثم قال بلغي بعلك عنا التحية و الإكرام و قولي له إن كان له لدينا حاجة تقضى إن شاء الله مهما كانت فقالت له برة يا أبا الحارث قد طلبنا تعجيل المسرة و قد علمنا أن ملوك الشام و العراق و غيرهم تطاولت إليكم و قد رغبوا في ولدكم يطلبون أولادكم و أنواركم المضيئة و نحن أيضا طمعنا فيمن طمع في ولدكم عبد الله و رجوناه مثل من رجا و قد رجا وهب أن يكون عبد الله بعلا لابنتنا و قد جئناكم طامعين و راغبين في النور الذي في وجه ولدكم عبد الله و نسألكم أن تقبلونا فإن كان مالها قليلا فعلينا ما نجملها به و هي هدية منا لابنك عبد الله فلما سمع عبد المطلب كلامها نظر إلى ولده و كان قبل ذلك إذا عرض عليه التزويج  من بنات الملوك يظهر في وجهه الامتناع و قال أبوه ما تقول يا بني فيما سمعت فو الله ما في بنات أهل مكة مثلها لأنها محتشمة في نفسها طاهرة مطهرة عاقلة دينة فسكت عبد الله و لم يرد جوابا فعلم أبوه أنه قد مال إليها فقال عبد المطلب قد قبلنا دعوتكم و أجبنا و رضينا بابنتكم قالت فاطمة زوجة عبد المطلب أنا أمضي معك إليها حتى أنظر إلى آمنة فإن كانت تصلح لولدي رضينا بها فرجعت برة مسرورة بما سمعت ثم سارت إلى زوجها مسرعة و بشرته و سمعت أم آمنة هاتفا في الطريق يقول بخ بخ لكم يا معشر أهل الصفا قد قرب خروج المصطفى فدخلت على زوجها فقال و ما وراءك قالت لقد سعدت سعادة علا قدرك في جملة العالمين اعلم أن عبد المطلب قد رضي بابنتك و لكن مع الفرح ترحة قال و ما هي قالت إن فاطمة خارجة تنظر إلى ابنتك آمنة فإن رضيت بها و إلا لم يكن شيئا و إني أخاف أن لا ترضى بها فقال لها وهب بن عبد مناف اخرجي هذه الساعة إلى ابنتك و زينيها و ألبسيها أفخر الثياب و قلديها أفخر ما عندك فعسى و لعل فعمدت برة إلى بنتها و ألبستها أفخر ما عندها من الثياب و الحلي و ضفرت شعرها و أرخت ذوائبها على أكتافها و قالت لها يا ابنتي إذا أتتك فاطمة فتأدبي لها أحسن الأدب و ارغبي في النور الذي في وجه ولدها عبد الله فبينما هما في ذلك إذ أقبلت فاطمة و خرج وهب من المنزل و إذا بعبد المطلب فأدخلوا فاطمة فقامت لها آمنة إجلالا و تعظيما و رحبت بها أحسن

  المرحب فنظرت إليها فاطمة و إذا بها قد كساها الله جمالا لا يوصف فلما رأت فاطمة ذلك الحسن و الجمال و قد أضاء من نور وجهها ذلك المجلس قالت فاطمة يا برة ما كنت عهدت أن آمنة على هذه الصورة و لقد رأيتها قبل ذلك مرارا فقالت برة يا فاطمة كل ذلك ببركتكم علينا ثم خاطبت فاطمة آمنة و إذا هي أفصح نساء أهل مكة فقامت فاطمة و أتت إلى عبد المطلب و عبد الله و قالت يا ولدي ما في بنات العرب مثلها أبدا و لقد ارتضيتها و إن الله تعالى لا يودع هذا النور إلا في مثل هذه. و لما وقع الحديث بين وهب و بين عبد المطلب في أمر ابنته آمنة قال وهب يا أبا الحارث هذه آمنة هدية مني إليك بغير صداق معجل و لا مؤجل فقال عبد المطلب جزيت خيرا و لا بد من صداق و يكون بيننا و بينك من يشهد به من قومنا ثم إن عبد المطلب هم أن يمد إليه شيئا من المال ليصلح به شأنها إذ سمع همهمة و أصواتا فوثب وهب و سيفه مسلول ثم قاموا جميعا قال أبو الحسن البكري و كان سبب ذلك أن اليهود الذين كانوا محبوسين في دار وهب خدعهم الشيطان و زين لهم هيوبا أنكم مقتولون لا محالة فقوموا جميعا و خاطروا بأنفسكم على عبد المطلب و ابنه عبد الله فإن الموت قد وقع بكم و اهربوا على وجوهكم ثم إن هيوبا تمطى في كتافه فقطعه ثم حل جملة أصحابه فلما خصلهم قالوا بم نهجم عليهم و ليس معنا سلاح فقال هيوبا نهجم عليهم بالحجارة هجمة رجل واحد و هم غافلون فسار القوم و أقبلوا و عبد المطلب و ولده عبد الله و وهب في دار وهب و المصباح عندهم و اليهود يرونهم و هم لا يرون اليهود فرموهم بالحجارة التي كانت معهم فرد الله تعالى عليهم الحجارة فهشمت وجوههم و منهم من وقع حجره في رأسه و منهم من وقع في صدره و ذلك بقدرة الله تعالى لأجل النور الذي في وجه عبد الله فحمل عليهم عبد المطلب و من كان معه فقتلوهم عن آخرهم و كان عبد المطلب لا يفارقه سيفه حيث ما توجه و بعد ذلك خرج عبد المطلب و ولده و زوجته إلى منزلهم و قالوا يا وهب إذا كان في غداة غد جمعنا قومنا و قومك ليشهدون بما يكون من الصداق فقال جزاك الله خيرا فلما طلع الفجر أرسل عبد المطلب إلى بني عمه ليحضروا خطبتهم و لبس عبد المطلب أفخر أثوابه و جمع وهب أيضا قرابته و بني عمه فاجتمعوا في الأبطح فلما أشرف عليهم الناس قاموا إجلالا لعبد المطلب و أولاده فلما استقر بهم المجلس خطبوا خطبتهم و عقدوا عقد النكاح و قام عبد المطلب فيهم خطيبا فقال الحمد لله حمد الشاكرين حمدا أستوجبه بما أنعم علينا و أعطانا و جعلنا لبيته جيرانا و لحرمه سكانا و ألقى محبتنا في قلوب عباده و شرفنا على جميع الأمم و وقانا شر الآفات و النقم و الحمد لله الذي أحل لنا النكاح و حرم علينا السفاح و أمرنا بالاتصال و حرم علينا الحرام اعلموا أن ولدنا عبد الله هذا الذي تعرفونه قد خطب فتاتكم آمنة بصداق معجل و مؤجل كذا و كذا فهل رضيتم بذلك من ولدنا قال وهب قد رضينا منكم فقال عبد المطلب اشهدوا يا من حضر ثم تصافحوا و تهانوا و تصافقوا و تعانقوا و أولم عبد المطلب وليمة عظيمة فيها جميع أهل مكة و أوديتها و شعابها و سوادها فأقام الناس في مكة أربعة أيام. قال أبو الحسن البكري و لما تزوج عبد الله بآمنة أقامت معه زمانا و النور في وجهه لم يزل حتى نفذت مشية الله تعالى و قدرته و أراد أن يخرج خيرة خلقه محمدا رسول الله و أن يشرف به الأرض و ينورها بعد ظلامها و يطهرها بعد تنجيسها أمر الله تعالى جبرئيل ع أن ينادي في جنة المأوى أن الله جل جلاله قد تمت كلمته و مشيته و أن الذي وعده من ظهور البشير النذير السراج المنير الذي يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر و يدعو إلى الله و هو صاحب الأمانة و الصيانة يظهر نوره في البلاد و يكون

  رحمة على العباد و من أحبه بشر بالشرف و الحباء و من أبغضه بسوء القضاء و هو الذي عرض عليكم من قبل أن يخلق آدم ع الذي يسمى في السماء أحمد و في الأرض محمدا و في الجنة أبا القاسم فأجابته الملائكة بالتسبيح و التهليل و التقديس و التكبير لله رب العالمين و فتحت أبواب الجنان و غلقت أبواب النيران و أشرفت الحور العين و سبحت الأطيار على رءوس الأشجار فلما فرغ جبريل من أهل السماوات أمره الله أن ينزل في مائة ألف من الملائكة إلى أقطار الأرض و إلى جبل قاف و إلى خازن السحاب و جملة ما خلق الله يبشرهم بخروج رسول الله ص ثم نزل إلى الأرض السابعة فأخبرهم بخبره و من أراد الله به خيرا ألهمه محبته و من أراد به شرا ألهمه بغضه و زلزلت الشياطين و صفدت و طردت عن الأماكن التي كانوا يسترقون فيها السمع و رجموا بالشهب. قال صاحب الحديث و لما كانت ليلة الجمعة عشية عرفة و كان عبد الله قد خرج هو و إخوته و أبوه فبينما هم سائرون و إذا بنهر عظيم فيه ماء زلال و لم يكن قبل ذلك اليوم هناك ماء فبقي عبد المطلب و أولاده متعجبين فبينما عبد الله كذلك إذ نودي يا عبد الله اشرب من هذا النهر فشرب منه و إذا هو أبرد من الثلج و أحلى من العسل و أزكى من المسك فنهض مسرعا و التفت إلى إخوته فلم يروا للنهر أثرا فتعجبوا منه ثم إن عبد الله مضى مسرعا إلى منزله فرأته آمنة طائشا فقالت له ما بالك صرف الله عنك الطوارق فقال لها قومي فتطهري و تطيبي و تعطري و اغتسلي فعسى الله أن يستودعك هذا النور فقامت و فعلت ما أمرها ثم جاءت إليه فغشيها تلك الليلة المباركة فحملت برسول الله ص فانتقل النور من وجه عبد الله في ساعته إلى آمنة بنت وهب قالت آمنة لما دنا مني و لامسني أضاء منه نور ساطع و ضياء لامع فأنارت منه السماء و الأرض فأدهشني ما رأيت و كانت آمنة بعد ذلك يرى النور في وجهها كأنه المرآة المضيئة. بيان النشيش صوت الماء و غيره إذا غلا و الإراض بالكسر بساط ضخم من صوف أو وبر و انحاز عنه عدل و انحاز القوم تركوا مراكزهم و الترح بالتحريك ضد الفرح و الأروع من الرجال الذي يعجبك حسنه الذابل الرمح الرقيق و السميدع بالفتح السيد الموطأ الأكناف و الصحاصح جمع الصحصاح و هو المكان المستوي و الجندل الحجارة و الاسمهرار الصلابة و الشدة قوله دهينا أي أصابتنا الداهية و الدرقة الترس و الغيداق الكريم و الضيغم الأسد. أقول إنما أوردت هذا الخبر مع غرابته و إرساله للاعتماد على مؤلفه و اشتماله على كثير من الآيات و المعجزات التي لا تنافيها سائر الأخبار بل تؤيدها و الله تعالى يعلم

 49-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ محمد بن عبد الله بن عبد المطلب سمي بذلك لأن هاشما دخل مكة و هو رديفه و عبد المطلب اسمه شيبة الحمد بن هاشم سمي بذلك لأنه هشم الثريد للناس في أيام الغلاء و هو عمرو بن عبد مناف سمي بذلك لأنه علا و أناف و اسمه المغيرة بن قصي و اسمه زيد أقصي عن دار قومه لأنه حمل من مكة في صغره إلى بلاد أزدشنوءة فسمي قصيا و يلقب بالمجمع لأنه جمع قبائل قريش بعد ما كانوا في الجبال و الشعاب و قسم بينهم المنازل بالبطحاء ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لوي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر و هو قريش و سمي النضر لأن الله تعالى اختاره و النضر النضرة بن خزيمة و إنما سمي بذلك لأنه خزم نور آبائه ابن مدركة لأنهم أدركوا الشرف في أيامه و قيل لإدراكه صيدا لأبيه و سمي أبوه طابخة لطبخه لأبيه ابن إلياس النبي ع و سمي بذلك لأنه جاء على إياس و انقطاع ابن مضر و سمي بذلك لأخذه بالقلوب و لم يكن يراه أحد إلا أحبه ابن نزار و اسمه عمرو و سمي بذلك لأن معد نظر إلى نور النبي ص في وجهه فقرب له قربانا عظيما و قال له لقد استقللت هذا القربان و إنه لقليل نزر و يقال إنه اسم أعجمي و كان رجلا هزيلا فدخل علي يستأسف فقال هذا نزار بن معد و سمي بذلك لأنه كان صاحب حروب و غارات على اليهود و كان منصورا ابن عدنان لأن أعين الحي كلها تنظر إليه

 و روي عنه ص إذا بلغ نسبي إلى عدنان فأمسكوا

 و عنه ص كذب النسابون قال الله تعالى وَ قُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً

 قال القاضي عبد الجبار بن أحمد المراد بذلك أن اتصال الأنساب غير معلوم فلا يخلو إما أن يكون كاذبا أو في حكم الكاذب و قد روي أنه انتسب إلى إبراهيم

 أم سلمة سمعت النبي ص يقول معد بن عدنان بن أدد و سمي أدد لأنه كان ماد الصوت كثير الغر ابن زيد بن ثرا بن أعراق الثرى قالت أم سلمة زيد هميسع و ثرا نبت و أعراق الثرى إسماعيل بن إبراهيم قالت ثم قرأ ع وَ عاداً وَ ثَمُودَ وَ أَصْحابَ الرَّسِّ الآية و اعتمد النسابة و أصحاب التواريخ أن عدنان هو ابن أد بن أدد بن اليسع بن الهميسع بن سلامان بن نبت بن حمل بن قيذار بن إسماعيل

 و قال ابن بابويه عدنان بن أد بن أدد بن زيد بن يقدد بن يقدم بن الهميسع بن نبت بن قيذار بن إسماعيل و قال ابن عباس عدنان بن أد بن أدد بن اليسع بن الهميسع و يقال ابن ياحين بن يخشب بن منحر بن صابوغ بن الهميسع بن نبت بن قيذار بن إسماعيل بن إبراهيم بن تارخ بن ناخور بن سروغ بن أرغو و هو هود و يقال بن قالغ بن غابر و هو هود بن أرفخشد بن متوشلخ بن سام بن نوح بن لمك بن أخنوخ و يقال أحنوخ و هو إدريس بن مهلايل و يقال مهاييل بن زبارز و يقال مارد و يقال إياد بن قينان بن أنوش و يقال قينان بن أدد بن أنوش بن شيث و هو هبة الله بن آدم أمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة إلى آخر النسب و يقال إنه ينسب إلى آدم بتسعة و أربعين أبا

 50-  د، ]العدد القوية[ رسول الله ص أبو القاسم محمد و أحمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن لوي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أد بن أدد بن اليسع بن الهميسع بن سلامان بن النبت بن حمل بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل ع بن تارخ بن ناخور بن شروغ بالشين المعجمة و الغين المعجمة بن أرغو بن فالغ بالغين المعجمة فيهما بن عابر بفتح الباء و العين غير المعجمة بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح بن ملك بن متوشلخ بكسر اللام بن أخنوخ بن اليارذ بالذال المعجمة بن مهلايل بن فينان بن أنوش بن شيث بن آدم ع و قال ابن بابويه عدنان بن أد بن أدد بن زيد بن يعدد بن يقدم بن الهميسع بن نبت بن قيذار بن إسماعيل و قال ابن عباس عدنان بن أد بن أدد بن اليسع بن الهميسع و يقال ابن يامين بن يحشب بن منحد بن صابوع بن الهميسع بن نبت بن قيذار بن إسماعيل بن إبراهيم بن تارخ بن سروع بن أرغو و هو هود و يقال ابن قالع بن عامر بن أرفخشد بن ناحور بن متوشلح بن سام بن نوح بن لمك بن أحنوح و هو إدريس بن مهلائيل و يقال مهائيل بن زياد و يقال مارد و يقال إياد بن قينان بن أنوش و يقال قينان بن أود بن أنوش بن شيث و هو هبة الله بن آدم ع

 51-  ب، ]قرب الإسناد[ السندي بن محمد عن صفوان الجمال عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص إني مستوهب من ربي أربعة و هو واهبهم لي إن شاء الله آمنة بنت وهب و عبد الله بن عبد المطلب و أبو طالب بن عبد المطلب و رجل من الأنصار جرت بيني و بينه ملحة

 بيان قال الفيروزآبادي بينهما ملح و ملحة حرمة و حلف و هذا الخبر يدل على إيمان هؤلاء فإن النبي ص لا يستوهب و لا يشفع لكافر و قد نهى الله عن موادة الكافر و الشفاعة لهم و الدعاء لهم كما دلت عليه الآيات الكثيرة

 52-  مع، ]معاني الأخبار[ لي، ]الأمالي للصدوق[ ابن الوليد عن الصفار عن علي بن حسان عن عبد الرحمن بن كثير الهاشمي قال سمعت أبا عبد الله الصادق ع يقول نزل جبريل على النبي ص فقال يا محمد إن الله جل جلاله يقرئك السلام و يقول إني قد حرمت النار على صلب أنزلك و بطن حملك و حجر كفلك فقال يا جبريل بين لي ذلك فقال أما الصلب الذي أنزلك فعبد الله بن عبد المطلب و أما البطن الذي حملك فآمنة بنت وهب و أما الحجر الذي كفلك فأبو طالب بن عبد المطلب و فاطمة بنت أسد

 بيان هذا الخبر أيضا يدل على إيمان هؤلاء فإن الله تعالى أوجب النار على جميع المشركين و الكفار كما دلت عليه الآيات و الأخبار

 53-  ع، ]علل الشرائع[ مع، ]معاني الأخبار[ محمد بن عمرو بن علي البصري عن عبد السلام بن محمد بن هارون الهاشمي عن محمد بن محمد بن عقبة الشيباني عن الخضر بن أبان عن أبي هدية إبراهيم بن هدية عن أنس بن مالك قال أتى أبو ذر يوما إلى مسجد رسول الله ص فقال ما رأيت كما رأيت البارحة قالوا و ما رأيت البارحة قال رأيت رسول الله ص ببابه فخرج ليلا فأخذ بيد علي بن أبي طالب ع و خرجا إلى البقيع فما زلت أقفو أثرهما إلى أن أتيا مقابر مكة فعدل إلى قبر أبيه فصلى عنده ركعتين فإذا بالقبر قد انشق و إذا بعبد الله جالس و هو يقول أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله فقال له من وليك يا أبه فقال و ما الولي يا بني قال هو هذا علي قال و إن عليا وليي قال فارجع إلى روضتك ثم عدل إلى قبر أمه فصنع كما صنع عند قبر أبيه فإذا بالقبر قد انشق فإذا هي تقول أشهد أن لا إله إلا الله و أنك نبي الله و رسوله فقال لها من وليك يا أماه فقالت و من الولي يا بني فقال هو هذا علي بن أبي طالب فقالت إن عليا وليي فقال ارجعي إلى حفرتك و روضتك فكذبوه و لببوه و قالوا يا رسول الله كذب عليك اليوم فقال و ما كان من ذلك قالوا إن جندب حكى عنك كيت و كيت فقال النبي ص ما أظلت الخضراء و لا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر قال عبد السلام بن محمد فعرضت هذا الخبر على الهجيمي محمد بن عبد الأعلى فقال أ ما علمت أن النبي ص قال أتاني جبرئيل ع فقال إن الله عز و جل حرم النار على ظهر أنزلك و بطن حملك و ثدي أرضعك و حجر كفلك

 بيان هذا الخبر أيضا يدل على إيمان والديه ع إذ لو كانا ماتا على الشرك لم ينفعهم الإيمان بعد الإحياء لأن الله تعالى ختم على من مات على الكفر و الشرك دخول النار فهو ص إنما أحياهما ليدركا أيام نبوته و يشهدا برسالته و بإمامة وصيه فيكمل بذلك إيمانهما و يشهد له قوله ص فارجع إلى روضتك

 54-  فس، ]تفسير القمي[ قال رسول الله ص لو قمت المقام المحمود لشفعت لأبي و أمي و أخ كان لي مواخيا في الجاهلية

 55-  فس، ]تفسير القمي[ أبي عن ابن أبي عمير عن سيف بن عميرة و عبد الله بن سنان و أبي حمزة الثمالي قالوا سمعنا أبا عبد الله جعفر بن محمد ع يقول لما حج رسول الله ص حجة الوداع نزل بالأبطح و وضعت له وسادة فجلس عليها ثم رفع يده إلى السماء و بكى بكاء شديدا ثم قال يا رب إنك وعدتني في أبي و أمي و عمي أن لا تعذبهم قال فأوحى الله إليه أني آليت على نفسي أن لا يدخل جنتي إلا من شهد أن لا إله إلا الله و أنك عبدي و رسولي و لكن ائت الشعب فنادهم فإن أجابوك فقد وجبت لهم رحمتي فقام النبي ص إلى الشعب فناداهم يا أبتاه و يا أماه و يا عماه فخرجوا ينفضون التراب عن رءوسهم فقال لهم رسول الله ص أ لا ترون إلى هذه الكرامة التي أكرمني الله بها فقالوا نشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله حقا حقا و أن جميع ما أتيت به من عند الله فهو الحق فقال ارجعوا إلى مضاجعكم و دخل رسول الله ص مكة و قدم عليه علي بن أبي طالب من اليمن فقال رسول الله ص أ لا أبشرك يا علي فقال له أمير المؤمنين ع بأبي أنت و أمي لم تزل مبشرا فقال أ لا ترى إلى ما رزقنا الله تبارك و تعالى في سفرنا هذا و أخبره الخبر فقال علي الحمد لله قال فأشرك رسول الله ص في بدنه أباه و أمه و عمه

  بيان هذا الخبر إما محمول على التقية أو على أنه إنما فعل ذلك ليظهر للناس إسلامهم ثم اعلم أن هذه الأخبار مخالفة لما اشتهر من أن والديه ع ماتا في غير مكة و يمكن الجمع بينهما بأن يكونوا نقلوهما بعد موتهما إلى مكة كما ذكره بعض أهل السير أو انتقلا بعد ندائه ص بإعجازه إليها

 56-  ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ إن أباه توفي و أمه حبلى و قدمت أمه آمنة بنت وهب على أخواله من بني عدي من النجار بالمدينة ثم رجعت به حتى إذا كانت بالأبواء ماتت و أرضعته حتى شب حليمة بنت عبد الله السعدية

 57-  يج، ]الخرائج و الجرائح[ روي أن عبد الله بن عبد المطلب لما ترعرع ركب يوما ليصيد و قد نزل بالبطحاء قوم من اليهود قدموا ليهلكوا والد محمد ص ليطفئوا نور الله فنظروا إلى عبد الله فرأوا حلية أبوة النبوة فيه فقصدوه و كانوا ثمانين نفرا بالسيوف و السكاكين و كان وهب بن عبد مناف بن زهرة والد آمنة أم محمد ص في ذلك الصوب يصيد و قد رأى عبد الله و قد صف به اليهود ليقتلوه فقصد أن يدفعهم عنه و إذا بكثير من الملائكة معهم الأسلحة طردوا عنه اليهود فعجب من ذلك و انصرف و دخل على عبد المطلب و قال أزوج بنتي آمنة من عبد الله و عقد فولدت رسول الله ص

 58-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ تصور لعبد المطلب أن ذبح الولد أفضل قربة لما علم من حال إسماعيل ع فنذر أنه متى رزق عشرة أولاد ذكور أن ينحر أحدهم للكعبة شكرا لربه فلما وجدهم عشرة قال لهم يا بني ما تقولون في نذري فقالوا الأمر إليك و نحن بين يديك فقال لينطلق كل واحد منكم إلى قدحه و ليكتب عليه اسمه ففعلوا و أتوه بالقداح فأخذها و قال

عاهدته و الآن أوفي عهده إذ كان مولاي و كنت عبده

 نذرت نذرا لا أحب رده و لا أحب أن أعيش بعده

فقدمهم ثم تعلق بأستار الكعبة و نادى اللهم رب البلد الحرام و الركن و المقام و رب المشاعر العظام و الملائكة الكرام اللهم أنت خلقت الخلق لطاعتك و أمرتهم بعبادتك لا حاجة منك في كلام له ثم أمر بضرب القداح و قال اللهم إليك أسلمتهم و لك أعطيتهم فخذ من أحببت منهم فإني راض بما حكمت و هب لي أصغرهم سنا فإنه أضعفهم ركنا ثم أنشأ يقول

يا رب لا تخرج عليه قدحي و اجعل له واقية من ذبحي

فخرج السهم على عبد الله فأخذ الشفرة و أتى عبد الله حتى أضجعه في الكعبة و قال

هذا بني قد أريد نحره و الله لا يقدر شي‏ء قدره‏فإن يؤخره يقبل عذره

و هم بذبحه فأمسك أبو طالب يده و قال

كلا و رب البيت ذي الأنصاب ما ذبح عبد الله بالتلعاب

ثم قال اللهم اجعلني فديته و هب لي ذبحته ثم قال

خذها إليك هدية يا خالقي روحي و أنت مليك هذا الخافق

و عاونه أخواله من بني مخزوم و قال بعضهم

يا عجبا من فعل عبد المطلب و ذبحه ابنا كتمثال الذهب

فأشاروا عليه بكاهنة بني سعد فخرج في ثمان مائة رجل و هو يقول  

تعاورني أمر فضقت به ذرعا و لم أستطع مما تجللني دفعانذرت و نذر المرء دين ملازم و ما للفتى مما قضى ربه منعاو عاهدته عشرا إذا ما تكملوا أقرب منهم واحدا ما له رجعافأكملهم عشرا فلما هممت أن أفي بذاك النذر ثار له جمعايصدونني عن أمر ربي و إنني سأرضيه مشكورا ليلبسني نفعا

فلما دخلوا عليها قال

يا رب إني فاعل لما ترد إن شئت ألهمت الصواب و الرشد

فقالت كم دية الرجل عندكم قالوا عشرة من الإبل قالت و اضربوا على الغلام و على الإبل القداح فإن خرج القداح على الإبل فانحروها و إن خرج عليه فزيدوا في الإبل عشرة عشرة حتى يرضى ربكم و كانوا يضربون القداح على عبد الله و على عشرة فيخرج السهم على عبد الله إلى أن جعلها مائة و ضرب فخرج القدح على الإبل فكبر عبد المطلب و كبرت قريش و وقع عبد المطلب مغشيا عليه و تواثبت بنو مخزوم فحملوه على أكتافهم فلما أفاق من غشيته قالوا قد قبل الله منك فداء ولدك فبينا هم كذلك فإذا بهاتف يهتف في داخل البيت و هو يقول قبل الفداء و نفذ القضاء و آن ظهور محمد المصطفى فقال عبد المطلب القداح تخطئ و تصيب حتى أضرب ثلاثا فلما ضربها خرج على الإبل فارتجز يقول

دعوت ربي مخلصا و جهرا يا رب لا تنحر بني نحرا

فنحرها كلها فجرت السنة في الدية بمائة من الإبل

  -59  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ كانت امرأة يقال لها فاطمة بنت مرة قد قرأت الكتب فمر بها عبد الله بن عبد المطلب فقالت أنت الذي فداك أبوك بمائة من الإبل قال نعم فقالت هل لك أن تقع علي مرة و أعطيك من الإبل مائة فنظر إليها و أنشأ

أما الحرام فالممات دونه و الحل لا حل فأستبينه‏فكيف بالأمر الذي تبغينه

و مضى مع أبيه فزوجه أبوه آمنة فظل عندها يوما و ليلة فحملت بالنبي ص ثم انصرف عبد الله فمر بها فلم ير بها حرصا على ما قالت أولا فقال لها عند ذلك مختبرا

هل لك فيما قلت لي فقلت لا

قالت

قد كان ذاك مرة فاليوم لا

فذهبت كلمتاهما مثلا ثم قالت أي شي‏ء صنعت بعدي قال زوجني أبي آمنة فبت عندها فقالت

لله ما زهرية سلبت ثوبيك ما سلبت و ما تدري

ثم قالت رأيت في وجهك نور النبوة فأردت أن يكون في و أبى الله إلا أن يضعه حيث يحب ثم قالت

بني هاشم قد غادرت من أخيكم أمينة إذ للباه يعتلجان‏كما غادر المصباح بعد خبوه فتائل قد شبت له بدخان‏و ما كل ما يحوي الفتى من نصيبه بحرص و لا ما فاته بتواني

و يقال إنه مر بها و بين عينيه غرة كغرة الفرس و كان عند الأحبار جبة صوف بيضاء قد غمست في دم يحيى بن زكريا ع و كانوا قد قرءوا في كتبهم إذا رأيتم هذه الجبة تقطر دما فاعلموا أنه قد ولد أبو السفاك الهتاك فلما رأوا ذلك من الجبة اغتموا و اجتمع خلق على أن يقتلوا عبد الله فوجدوا الفرصة منه لكون عبد المطلب في الصيد فقصدوه فأدرك وهب بن عبد مناف الزهري فجاز منه فنظر إلى رجال نزلوا من السماء و كشفوهم عنه فزوج ابنته من عبد الله قال فمتن من نساء قريش مائتا امرأة غيرة و يقال إن عبد الله كان في جبينه نور يتلألأ فلما قرب من حمل محمد ص لم يطق أحد رؤيته و ما مر بحجر و لا شجر إلا سجد له و سلم عليه فنقل الله منه نوره يوم عرفة وقت العصر و كان يوم الجمعة إلى آمنة

 بيان قولها ما زهرية المراد بالزهرية آمنة أي آمنة ما سلبت ثوبيك فقط حين قاربتها ما سلبت أي أي شي‏ء سلبت أي سلبت منك شيئا عظيما و هو نور النبوة و ما تدري قولها قد غادرت أي تركت قولها للباه يعتلجان أي للجماع يتصارعان و ينضمان و الخبو الانطفاء قد شبت له على بناء المجهول أي أوقدت و الضمير للمصباح و الحاصل أنها خاطبت بني هاشم أن آمنة ذهبت بالنور من عبد الله كمصباح أطفئ فلم يبق منه إلا فتيلة فيها دخان ثم ذكرت لنفسها عذرا فيما فاتها بأن الحرص لا يسوق شيئا لم يقدر و ليس كل ما فات من الإنسان بالتواني و التقصير بل هو من تقدير الحكيم الخبير

 60-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ توفي أبوه ص و هو ابن شهرين الواقدي و هو ابن سبعة أشهر الطبري توفي أبوه بالمدينة و دفن في دار النابغة ابن إسحاق توفي أبوه و أمه حامل به و ماتت أمه و هو ابن أربع سنين الكلبي و هو ابن ثمانية و عشرين شهرا محمد بن إسحاق توفيت أمه بالأبواء منصرفة إلى مكة و هو ابن ست و رباه عبد المطلب و توفي عنه و هو ابن ثمانية سنين و شهرين و عشرة أيام فأوصى به إلى أبي طالب فرباه

 61-  د، ]العدد القوية[ قيل إنه لما شب رسول الله ص و ترعرع و سعى ردته حليمة إلى أمه فافتصلته و قدمت به على أخواله من بني عدي بن النجار بالمدينة ثم رجعت به حتى إذا كان بالأبواء هلكت بها فيتم رسول الله ص و كان عمره يومئذ ست سنين فرجعت به أم أيمن إلى مكة و كانت تحضنه و ورث رسول الله ص من أمه أم أيمن و خمسة أجمال أوداك و قطيعة غنم فلما تزوج بخديجة أعتق أم أيمن

 و روي أن آمنة لما قدمت برسول الله ص المدينة نزلت به في دار النابغة رجل من بني عدي بن النجار فأقامت بها شهرا فكان رسول الله ص يذكر أمورا كانت في مقامه ذلك فقال ص نظرت إلى رجل من اليهود يختلف و ينظر إلي ثم ينصرف عني فلقيني يوما خاليا فقال لي يا غلام ما اسمك قلت أحمد فنظر إلى ظهري فأسمعه يقول هذا نبي هذه الأمة ثم راح إلى أخوالي فخبرهم الخبر فأخبروا أمي فخافت علي و خرجنا من المدينة

 و حدثت أم أيمن قالت أتاني رجلان من اليهود يوما نصف النهار بالمدينة فقالا أخرجي لنا أحمد فأخرجته فنظرا إليه و قلباه مليا و نظرا إلى سرته ثم قال أحدهما لصاحبه هذا نبي هذه الأمة و هذه دار هجرته و سيكون بهذه البلدة من القتل و السبي أمر عظيم

  -62  د، ]العدد القوية[ عبد الله أنفذه أبوه يمتار له تمرا من يثرب فتوفي بها

 63-  عد، ]العقائد[ قال الشيخ أبو جعفر رضي الله عنه اعتقادنا في آباء النبي ص أنهم مسلمون من آدم إلى أبيه عبد الله و أن أبا طالب كان مسلما و آمنة بنت وهب بن عبد مناف أم رسول الله ص كانت مسلمة

 و قال النبي ص خرجت من نكاح و لم أخرج من سفاح من لدن آدم و قد روي أن عبد المطلب كان حجة و أبو طالب كان وصيه ع

 بيان اتفقت الإمامية رضوان الله عليهم على أن والدي الرسول و كل أجداده إلى آدم ع كانوا مسلمين بل كانوا من الصديقين إما أنبياء مرسلين أو أوصياء معصومين و لعل بعضهم لم يظهر الإسلام لتقية أو لمصلحة دينية. قال أمين الدين الطبرسي رحمه الله في مجمع البيان قال أصحابنا إن آزر كان جد إبراهيم ع لأمه أو كان عمه من حيث صح عندهم أن آباء النبي ص إلى آدم ع كلهم كانوا موحدين و أجمعت الطائفة على ذلك

 و رووا عن النبي ص أنه قال لم يزل ينقلني الله من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهرات حتى أخرجني في عالمكم هذا لم يدنسني بدنس الجاهلية

و لو كان في آبائه ع كافر لم يصف جميعهم بالطهارة مع قوله سبحانه إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ و لهم في ذلك أدلة ليس هنا موضع ذكرها انتهى. و قال إمامهم الرازي في تفسيره قالت الشيعة إن أحدا من آباء الرسول ص و أجداده ما كان كافرا و أنكروا أن يقال إن والد إبراهيم كان كافرا و ذكروا أن آزر كان عم إبراهيم ع و احتجوا على قولهم بوجوه الأولى أن آباء نبينا ما كانوا كفارا و يدل عليه وجوه منها قوله تعالى الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ وَ تَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ قيل معناه أنه كان ينقل روحه من ساجد إلى ساجد و بهذا التقدير فالآية دالة على أن جميع آباء محمد ص كانوا مسلمين فيجب القطع بأن والد إبراهيم كان مسلما و مما يدل على أن أحدا من آباء محمد ص ما كانوا من المشركين قوله ص لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات و قال تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ. أقول ثم أورد بعض الاعتراضات و الأجوبة التي لا حاجة لنا إلى إيرادها ثم قال و أما أصحابنا فقد زعموا أن والد رسول الله ص كان كافرا و ذكروا أن نص الكتاب في هذه الآية تدل على أن آزر كان كافرا و كان والد إبراهيم ع إلى آخر ما قال و إنما أوردنا كلامه ليعلم أن اتفاق الشيعة على ذلك كان معلوما بحيث اشتهر بين المخالفين. و أما المخالفون فذهب أكثرهم إلى كفر والدي الرسول ص و كثير من أجداده كعبد المطلب و هاشم و عبد مناف ص و إجماعنا و أخبارنا متضافرة على خلافهم و سيأتي الأخبار الكثيرة الدالة على ذلك في سائر أبواب الكتاب. و وجدت في بعض الكتب أن عبد المطلب اسمه شيبة و يقال شيبة الحمد و قد قيل إن اسمه عامر و الصحيح الأول و يقال إنه سمي شيبة لأنه ولد و في رأسه شعرة بيضاء و يكنى أبا الحارث و يلقب الفياض لجوده و إنما سمي عبد المطلب لأن أباه هاشما مر بيثرب في بعض أسفاره فنزل على عمرو بن زيد و قيل زيد بن عمرو بن خداش بن أمية بن وليد بن غنم بن عدي بن النجار و الراوي الأول يقول عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار و هو تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج و هو المعتمد فرأى ابنته سلمى فخطبها إليه فزوجه إياها و شرط عليه أنها إذا حملت أتى بها لتلد في دار قومها و بنى عليها هاشم بيثرب و مضى بها إلى مكة فلما أثقلت أتى بها إلى يثرب في السفرة التي مات فيها و ذهب إلى الشام فمات هناك بغزة من أرض الشام و ولدت سلمى عبد المطلب و شب عند أمه فمر به رجل من بني الحارث بن عبد مناف و هو مع صبيان يتناضلون فرآه أجملهم و أحسنهم إصابة و كلما رمى فأصاب قال أنا ابن هاشم أنا ابن السيد البطحاء فأعجب الرجل ما رأى منه و دنا إليه فقال من أنت قال أنا شيبة بن هاشم بن عبد مناف قال بارك الله فيك و كثر فينا مثلك قال

  من أنت يا عم قال رجل من قومك قال حياك الله و مرحبا بك و سأله عن أحواله و حاجته فرأى الرجل منه ما أعجبه فلما أتى مكة لم يبدأ بشي‏ء حتى أتى المطلب بن عبد مناف فأصابه جالسا في الحجر فخلا به و أخبره خبر الغلام و ما رأى منه فقال المطلب و الله لقد أغفلته ثم ركب قلوصا و لحق بالمدينة و قصد محلة بني النجار فإذا هو بالغلام في غلمان منهم فلما رآه أناخ قلوصه و قصد إليه فأخبره بنفسه و أنه جاء للذهاب به فما لبث أن جلس على عجز الرحل و ركب المطلب القلوص و مضى به و قيل بل كانت أمه قد علمت بمجي‏ء المطلب و نازعته فغلبها عليه و مضى به إلى مكة و هو خلفه فلما رآه قريش قامت إليه و سلمت عليه و قالوا من أين أقبلت قال من يثرب قالوا و من هذا معك قال عبد ابتعته فلما أتى محله اشترى له حلة فألبسه إياها و أتى به في مجلس بني عبد مناف فقال هذا ابن أخيكم هاشم و أخبرهم خبره فغلب عليه عبد المطلب لقول عمه إنه عبد ابتعته و ساد عبد المطلب قريشا و أذعنت له سائر العرب بالسيادة و الرئاسة و أخباره مشهورة مع أصحاب الفيل و حفر زمزم و في سقياه حين استسقى مرتين مرة لقريش و مرة لقيس إلى غير ذلك من فضائله و أخباره و أشعاره تدل على أنه كان يعلم أن سبطه محمدا نبي و هو ابن هاشم و اسمه عمرو و يقال له عمرو العلي و يكنى أبا نضلة و إنما سمي هاشما لهشمه الثريد للحجاج و كانت إليه الوفادة و الرفادة و هو الذي سن الرحلتين رحلة الشتاء إلى اليمن و العراق و رحلة الصيف إلى الشام و مات بغزة من أرض الشام و فيه يقول مطرود بن كعب الخزاعي شعر

عمرو العلي هشم الثريد لقومه. و رجال مكة مسنتون عجاف.

 و كان هاشم يدعى القمر و يسمى ذات الركب و قد سمي بهذا آخرون من قريش أيضا و هو ابن عبد مناف و اسمه المغيرة و إنما سمته عبد مناف أمه و مناف اسم صنم كان مستقبل الركن الأسود و كان أيضا يدعى القمر لجماله و يدعى السيد لشرفه و سؤدده و هو ابن قصي و اسمه زيد و إنما سمي قصيا لأن أمه فاطمة بنت سعد بن سنبل الأزدية من أزد شنوءة تزوجها بعد أبيه كلاب ربيعة بن حزام بن سعد بن زيد القضاعي فمضى بها إلى قومه و كان زهرة بن كلاب كبيرا فتركته عند قومه و حملت زيدا معها لأنه كان فطيما فسمي قصيا لأنه أقصي عن داره و شب في حجر ربيعة بن حزام لا يرى إلا أنه أبوه إلى أن كبر فنازع بعض بني عذرة فقال له العذري الحق بقومك فإنك لست منا قال و ممن أنا قال سل أمك تخبرك فقالت أنت و الله أكبر منهم نفسا و والدا و نسبا أنت ابن كلاب بن مرة و قومك آل الله في حرمه و عند بيته فكره قصي المقام دون مكة فأشارت عليه أمه أن يقيم حتى يدخل الشهر الحرام ثم يخرج مع حجاج قضاعة ففعل و لما صار إلى مكة تزوج إلى خليل بن الحبشية الخزاعي ابنته حيي و كان خليل يلي أمر الكعبة و عظم أمر قصي حتى استخلص البيت من خزاعة و حاربهم و أجلاهم عن الحرم و صارت إليه السدانة و الوفادة و السقاية و جمع قبائل قريش و كانت متفرقة. و قال محمد بن مسعود الكازروني في كتاب المنتقى ولد عبد الله لأربع و عشرين سنة مضت من ملك كسرى أنوشيروان فبلغ سبع عشرة سنة ثم تزوج آمنة فلما حملت برسول الله ص توفي و ذلك أن عبد الله بن عبد المطلب خرج إلى الشام في عير من عيرات قريش يحملون تجارات ففرغوا من تجاراتهم ثم انصرفوا فمروا بالمدينة و عبد الله بن عبد المطلب يومئذ مريض فقال أتخلف عند أخوالي بني عدي بن النجار فأقام عندهم مريضا شهرا و مضى أصحابه فقدموا مكة فسألهم عبد المطلب عن عبد الله فقالوا خلفناه عند أخواله بني عدي بن النجار و هو مريض فبعث إليه عبد المطلب أعظم ولده الحارث فوجده قد توفي في دار النابغة فرجع إلى أبيه فأخبره فوجد عليه عبد المطلب و إخوته و أخواته وجدا شديدا و رسول الله ص يومئذ حمل و لعبد الله يوم توفي خمس و عشرون سنة. و روي أنه توفي بعد ما أتى على رسول الله ص ثمانية و عشرون شهرا و يقال سبعة أشهر و الأول أصح. قال الواقدي ترك عبد الله أم أيمن و خمسة جمال أوراك يعني قد أكلت الأراك و قطيعة غنم فورث رسول الله ص و كانت أم أيمن تحضنه و اسمها بركة

 64-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ لي، ]الأمالي للصدوق[ ابن المتوكل عن علي عن أبيه عن الريان بن الصلت قال أنشدني الرضا ع لعبد المطلب شعر

يعيب الناس كلهم زمانا و ما لزماننا عيب سوانانعيب زماننا و العيب فينا و لو نطق الزمان بنا هجانا

 و إن الذئب يترك لحم ذئب و يأكل بعضنا بعضا عيانا

 أقول سيأتي في باب مولد النبي ص بعض أخباره

 65-  ل، ]الخصال[ الفامي و ابن مسرور معا عن ابن بطة عن الصفار عن ابن معروف عن حماد عن حريز عمن أخبره عن أبي جعفر ع قال أول من سوهم عليه مريم بنت عمران و هو قول الله وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ و السهام ستة ثم استهموا في يونس ع لما ركب مع القوم فوقفت السفينة في اللجة فاستهموا فوقع السهم على يونس ع ثلاث مرات قال فمضى يونس ع إلى صدر السفينة فإذا الحوت فاتح فاه فرمى بنفسه ثم كان عبد المطلب ولد له تسعة فنذر في العاشر أن يرزقه الله غلاما أن يذبحه قال فلما ولد عبد الله لم يكن يقدر أن يذبحه و رسول الله ص في صلبه فجاء بعشر من الإبل و ساهم عليها و على عبد الله فخرجت السهام على عبد الله فزاد عشرا فلم يزل السهام تخرج على عبد الله و يزيد عشرا فلما بلغت مائة خرجت السهام على الإبل فقال عبد المطلب ما أنصفت ربي فأعاد السهام ثلاثا فخرجت على الإبل فقال الآن علمت أن ربي قد رضي فنحرها

 66-  ل، ]الخصال[ أبي عن سعد عن أبي محمد الفضل اليماني عن الحسن بن جمهور عن أبيه عن علي بن حديد عن عبد الرحمن بن الحجاج عن هارون بن خارجة عن أبي عبد الله ع قال هبط جبرئيل على رسول الله ص فقال يا محمد إن الله عز و جل قد شفعك في خمسة في بطن حملك و هي آمنة بنت وهب بن عبد مناف و في صلب أنزلك و هو عبد الله بن عبد المطلب و في حجر كفلك و هو عبد المطلب بن هاشم و في بيت آواك و هو عبد مناف بن عبد المطلب أبو طالب و في أخ كان لك في الجاهلية قيل يا رسول الله من هذا الأخ فقال رسول الله كان آنسي و كنت آنسه و كان سخيا يطعم الطعام

 67-  ل، ]الخصال[ محمد بن علي بن الشاه عن أبي حامد عن أبي يزيد عن محمد بن أحمد بن صالح التميمي عن أبيه عن أنس بن محمد أبي مالك عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب ع عن النبي ص أنه قال في وصيته له يا علي إن عبد المطلب سن في الجاهلية خمس سنن أجراها الله له في الإسلام حرم نساء الآباء على الأبناء فأنزل الله عز و جل وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ و وجد كنزا فأخرج منه الخمس و تصدق به فأنزل الله عز و جل وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ الآية و لما حفر زمزم سماها سقاية الحاج فأنزل الله عز و جل أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ الآية و سن في القتل مائة من الإبل فأجرى الله عز و جل ذلك في الإسلام و لم يكن للطواف عدد عند قريش فسن فيهم عبد المطلب سبعة أشواط فأجرى الله ذلك في الإسلام يا علي إن عبد المطلب كان لا يستقسم بالأزلام و لا يعبد الأصنام و لا يأكل ما ذبح على النصب و يقول أنا على دين أبي إبراهيم ع

 بيان لعله ع فعل هذه الأمور بإلهام من الله تعالى أو كانت في ملة إبراهيم ع فتركتها قريش فأجراها فيهم فلما جاء الإسلام لم ينسخ هذه الأمور لما سنه عبد المطلب

 68-  ل، ]الخصال[ الهمداني عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبان الأحمر قال سمعت جعفر بن محمد ع يحدث عن أبيه ع قال سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول سئل رسول الله ص عن ولد عبد المطلب فقال عشرة و العباس

 قال الصدوق ره و هم عبد الله و أبو طالب و الزبير و حمزة و الحارث و هو أسنهم و الغيداق و المقوم و حجل و عبد العزى و هو أبو لهب و ضرار و العباس و من الناس من يقول إن المقوم هو حجل و لعبد المطلب عشرة أسماء تعرفه بها العرب و ملوك القياصرة و ملوك العجم و ملوك الحبشة فمن أسمائه عامر و شيبة الحمد و سيد البطحاء و ساقي الحجيج و ساقي الغيث و غيث الورى في العام الجدب و أبو السادة العشرة و عبد المطلب و حافر زمزم و ليس ذلك لمن تقدمه

 69-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ القطان عن الأسدي عن علي بن الحسن بن فضال عن أبيه قال سألت أبا الحسن الرضا ع عن معنى قول النبي ص أنا ابن الذبيحين قال يعني إسماعيل بن إبراهيم الخليل ع و عبد الله بن عبد المطلب أما إسماعيل فهو الغلام الحليم الذي بشر الله تعالى به إبراهيم ع فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ و هو لما عمل مثل عمله قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ و لم يقل له يا أبت افعل ما رأيت سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فلما عزم على ذبحه فداه الله تعالى بِذِبْحٍ عَظِيمٍ بكبش أملح يأكل في سواد و يشرب في سواد و ينظر في سواد و يمشي في سواد و يبول و يبعر في سواد و كان يرتع قبل ذلك في رياض الجنة أربعين عاما و ما خرج من رحم أنثى و إنما قال الله عز و جل له كن فكان ليفدي به إسماعيل فكل ما يذبح بمنى فهو فدية لإسماعيل إلى يوم القيامة فهذا أحد الذبيحين و أما الآخر فإن عبد المطلب كان تعلق بحلقة باب الكعبة و دعا الله عز و جل أن يرزقه عشرة بنين و نذر لله عز و جل أن يذبح واحدا منهم متى أجاب الله دعوته فلما بلغوا عشرة قال قد وفى الله تعالى لي فلأفين لله عز و جل فأدخل ولده الكعبة و أسهم بينهم فخرج سهم عبد الله أبي رسول الله ص و كان أحب ولده إليه ثم أجالها ثانية فخرج سهم عبد الله ثم أجالها ثالثة فخرج سهم عبد الله فأخذه و حبسه و عزم على ذبحه فاجتمعت قريش و منعته من ذلك و اجتمع نساء عبد المطلب يبكين و يصحن فقالت له ابنته عاتكة يا أبتاه أعذر فيما بينك و بين الله عز و جل في قتل ابنك قال و كيف أعذر يا بنية فإنك مباركة قالت اعمد على تلك السوائم التي لك في الحرم فاضرب بالقداح على ابنك و على الإبل و أعط ربك حتى يرضى فبعث عبد المطلب إلى إبله فأحضرها و عزل منها عشرا و ضرب بالسهام فخرج سهم عبد الله فما زال يزيد عشرا عشرا حتى بلغت مائة فضرب فخرج السهم على الإبل فكبرت قريش تكبيرة ارتجت لها جبال تهامة فقال عبد المطلب لا حتى أضرب بالقداح ثلاث مرات فضرب ثلاثا كل ذلك يخرج السهم على الإبل فلما كان في الثالثة اجتذبه الزبير و أبو طالب و أخواتهما من تحت رجليه فحملوه و قد انسلخت جلدة خده الذي كان على الأرض و أقبلوا يرفعونه و يقبلونه و يمسحون عنه التراب و أمر عبد المطلب أن تنحر الإبل بالحزورة و لا يمنع أحد منها و كانت مائة فكانت لعبد المطلب خمس من السنن أجراها الله عز و جل في الإسلام حرم نساء الآباء على الأبناء و سن الدية في القتل مائة من الإبل و كان يطوف بالبيت سبعة أشواط و وجد كنزا فأخرج منه الخمس و سمى زمزم حين حفرها سقاية الحاج و لو لا أن عبد المطلب كان حجة و أن عزمه على ذبح ابنه عبد الله شبيه بعزم إبراهيم ع على ذبح ابنه إسماعيل لما افتخر النبي ص بالانتساب إليهما لأجل أنهما الذبيحان في قوله ص أنا ابن الذبيحين و العلة التي من أجلها دفع الله عز و جل الذبح عن إسماعيل هي العلة التي من أجلها دفع الذبح عن عبد الله و هي كون النبي و الأئمة ص في صلبيهما فببركة النبي و الأئمة ص دفع الله الذبح عنهما فلم تجر السنة في الناس بقتل أولادهم و لو لا ذلك لوجب على الناس كل أضحى التقرب إلى الله تعالى ذكره بقتل أولادهم كل ما يتقرب الناس به إلى الله عز و جل من أضحية فهو فداء لإسماعيل إلى يوم القيامة

 70-  جا، ]المجالس للمفيد[ ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ المفيد عن علي بن بلال المهلبي عن عبد الواحد بن عبد الله بن يونس عن الحسين بن محمد بن عامر عن المعلى عن العمي عن جعفر بن بشير عن سليمان بن سماعة عن عبد الله بن القاسم عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ع عن أبيه عن جده ع قال لما قصد أبرهة بن الصباح ملك الحبشة لهدم البيت تسرعت الحبشة فأغاروا عليها فأخذوا سرحا لعبد المطلب بن هاشم فجاء عبد المطلب فاستأذن عليه فأذن له و هو في قبة ديباج على سرير له فسلم عليه فرد أبرهة السلام و جعل ينظر في وجهه فراقه حسنه و جماله و هيبته فقال له هل كان في آبائك مثل هذا النور الذي أراه لك و الجمال قال نعم أيها الملك كل آبائي كان لهم هذا الجمال و النور و البهاء فقال له أبرهة لقد فقتم فخرا و شرفا و يحق لك أن تكون سيد قومك ثم أجلسه معه على سريره و قال لسائس فيله الأعظم و كان فيلا أبيض عظيم الخلق له نابان مرصعان بأنواع الدر و الجواهر و كان الملك يباهي به ملوك الأرض ايتني به فجاء به سائسه و قد زين بكل زينة حسنة فحين قابل وجه عبد المطلب سجد له و لم يكن يسجد لملكه و أطلق الله لسانه بالعربية فسلم على عبد المطلب فلما رأى الملك ذلك ارتاع له و ظنه سحرا فقال ردوا الفيل إلى مكانه ثم قال لعبد المطلب فيم جئت فقد بلغني سخاؤك و كرمك و فضلك و رأيت من هيبتك و جمالك و جلالك ما يقتضي أن أنظر في حاجتك فسلني ما شئت و هو يرى أنه يسأله في الرجوع من مكة فقال له عبد المطلب إن أصحابك غدوا على سرح لي فذهبوا به فمرهم برده علي قال فتغيظ الحبشي من ذلك و قال لعبد المطلب لقد سقطت من عيني جئتني تسألني في سرحك و أنا قد جئت لهدم شرفك و شرف قومك و مكرمتكم التي تتميزون بها من كل جيل و هو البيت الذي يحج إليه من كل صقع في الأرض فتركت مسألتي في ذلك و سألتني في سرحك فقال له عبد المطلب لست برب البيت الذي قصدت لهدمه و أنا رب سرحي الذي أخذه أصحابك فجئت أسألك فيما أنا ربه و للبيت رب هو أمنع له من الخلق كلهم و أولى به منهم فقال الملك ردوا عليه سرحه و انصرف إلى مكة و اتبعه الملك بالفيل الأعظم مع الجيش لهدم البيت فكانوا إذا حملوه على دخول الحرم أناخ و إذا تركوه رجع مهرولا فقال عبد المطلب لغلمانه ادعوا إلي ابني فجي‏ء بالعباس فقال ليس هذا أريد ادعوا إلي ابني فجي‏ء بأبي طالب فقال ليس هذا أريد ادعوا إلي ابني فجي‏ء بعبد الله أب النبي ص فلما أقبل إليه قال اذهب يا بني حتى تصعد أبا قبيس ثم اضرب ببصرك ناحية البحر فانظر أي شي‏ء يجي‏ء من هناك و خبرني به قال فصعد عبد الله أبا قبيس فما لبث أن جاء بطير أبابيل مثل السيل و الليل فسقط على أبي قبيس ثم صار إلى البيت فطاف سبعا ثم صار إلى الصفا و المروة فطاف بهما سبعا فجاء عبد الله إلى أبيه فأخبره الخبر فقال انظر يا بني ما يكون من أمرها بعد فأخبرني به فنظرها فإذا هي قد أخذت نحو عسكر الحبشة فأخبر عبد المطلب بذلك فخرج عبد المطلب و هو يقول يا أهل مكة اخرجوا إلى العسكر فخذوا غنائمكم قال فأتوا العسكر و هم أمثال الخشب النخرة و ليس من الطير إلا ما معه ثلاثة أحجار في منقاره و يديه يقتل بكل حصاة منها واحدا من القوم فلما أتوا على جميعهم انصرف الطير فلم ير قبل ذلك و لا بعده فلما هلك القوم بأجمعهم جاء عبد المطلب إلى البيت فتعلق بأستاره و قال

يا حابس الفيل بذي المغمس حبسته كأنه مكوس‏في مجلس تزهق فيه الأنفس

فانصرف و هو يقول في فرار قريش و جزعهم من الحبشة

طارت قريش إذ رأت خميسا فظلت فردا لا أرى أنيساو لا أحس منهم حسيسا إلا أخا لي ماجدا نفيسامسودا في أهله رئيسا

 بيان راقه أعجبه قال الفيروزآبادي المغمس كمعظم و محدث موضع بطريق الطائف فيه قبر أبي رغال دليل أبرهة و يرجم و قال المكوس كمعظم حمار. أقول روي في كتاب العدد مثله إلا أنه زاد فيه فحين قابل الفيل وجه عبد المطلب سجد له و لم يكن سجد لملكه و أطلق الله لسانه بالعربية فسلم على عبد المطلب و قال بلسان فصيح يا نور خير البرية و يا صاحب البيت و السقاية و يا جد سيد المرسلين السلام على نور الذي في ظهرك يا عبد المطلب معك العز و الشرف لن تذل و لن تغلب أبدا فلما رأى الملك ذلك ارتاع له و ظنه سحرا فقال ردوا الفيل إلى مكانه ثم قال لعبد المطلب فيم جئت فقد بلغني سخاؤك و كرمك و فضلك و رأيت من هيبتك و جمالك و جلالك ما يقتضي أن أنظر في حاجتك فسل ما شئت و ساق الحديث إلى آخره

 71-  فس، ]تفسير القمي[ أَ لَمْ تَرَ أ لم تعلم يا محمد كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ قال نزلت في الحبشة حين جاءوا بالفيل ليهدموا به الكعبة فلما أدنوه من باب المسجد قال له عبد المطلب تدري أين يأم بك قال برأسه لا قال أتوا بك لتهدم كعبة الله أ تفعل ذلك فقال برأسه لا فجهدت به الحبشة ليدخل المسجد فأبى فحملوا عليه بالسيوف و قطعوه وَ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ قال بعضها على أثر بعض تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ قال كان مع كل طير حجر في منقاره و حجران في مخاليبه و كانت ترفرف على رءوسهم و ترمي في دماغهم فيدخل الحجر في دماغهم و يخرج من أدبارهم و تنتفض أبدانهم فكانوا كما قال فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ قال العصف التبن و المأكول هو الذي يبقى من فضله قال الصادق ع و أهل الجدري من ذلك الذي أصابهم في زمانهم جدري

 بيان قال الطبرسي ره أجمعت الرواة على أن ملك اليمن الذي قصد هدم الكعبة هو أبرهة بن الصباح و قيل إن كنيته أبو يكسوم قال الواقدي هو صاحب النجاشي جد النجاشي الذي كان على عهد رسول الله ص و قال محمد بن إسحاق أقبل تبع حتى نزل على المدينة فنزل بوادي قباء فحفر بها بئرا تدعى اليوم ببئر الملك قال و بالمدينة إذ ذاك يهود و الأوس و الخزرج فقاتلوه و جعلوا يقاتلونه بالنهار فإذا أمسى أرسلوا إليه بالضيافة فاستحيا و أراد صلحهم فخرج إليه رجل من الأوس يقال له أحيحة بن الجلاح و خرج إليه من اليهود بنيامين القرطي فقال له أحيحة أيها الملك نحن قومك و قال بنيامين هذه بلدة لا تقدر أن تدخلها و لو جهدت قال و لم قال لأنها منزل نبي من الأنبياء يبعثه الله من قريش قال ثم خرج يسير حتى إذا كان من مكة على ليلتين بعث الله عليه ريحا قصفت يديه و رجليه و شنجت جسده فأرسل إلى من معه من اليهود فقال ويحكم ما هذا الذي أصابني قالوا حدثت نفسك بشي‏ء قال نعم و ذكر ما أجمع عليه من هدم البيت و أصابه ما فيه قالوا ذاك بيت الله الحرام و من أراده هلك قال ويحكم و ما المخرج مما دخلت فيه قالوا تحدث نفسك بأن تطوف به و تكسوه و تهدي له فحدث نفسه بذلك فأطلقه الله ثم سار حتى دخل مكة فطاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة و كسا البيت و ذكر الحديث في نحره بمكة و إطعامه الناس ثم رجوعه إلى اليمن و قتله و خروج ابنه إلى قيصر و استعانته به فيما فعل قومه بأبيه و أن قيصرا كتب له إلى النجاشي ملك الحبشة و أن النجاشي بعث معه ستين ألفا و استعمل عليهم روزبه حتى قاتلوا حمير قتلة أبيه و دخلوا صنعاء فملكوها و ملكوا اليمن و كان في أصحاب روزبه رجل يقال له أبرهة و هو أبو يكسوم فقال لروزبه أنا أولى بهذا الأمر منك و قتله مكرا و أرضى النجاشي ثم إنه بنى كعبة باليمن و جعل فيها قبابا من ذهب و أمر أهل مملكته بالحج إليها يضاهي بذلك البيت الحرام و أن رجلا من بني كنانة خرج حتى قدم اليمن فنظر إليها ثم قعد فيها يعني لحاجة الإنسان فدخلها أبرهة فوجد تلك العذرة فيها فقال من اجترأ علي بهذا و نصرانيتي لأهدمن ذلك البيت حتى لا يحجه حاج أبدا فدعا بالفيل و أذن قومه بالخروج و من اتبعه من أهل اليمن و كان أكثر من تبعه منهم عك و الأشعريون و خثعم قال ثم خرج يسير حتى إذا كان ببعض طريقه بعث رجلا من بني سليم ليدعو الناس إلى حج بيته الذي بناه فتلقاه رجل من الخمس من بني كنانة فقتله فازداد بذلك حنقا و أحث السير و الانطلاق و طلب من أهل الطائف دليلا فبعثوا معه رجلا من هذيل يقال له نفيل فخرج بهم يهديهم حتى إذا كانوا بالمغمس نزلوا و هو من مكة على ستة أميال فبعثوا مقدماتهم إلى مكة فخرجت قريش عباديد في رءوس الجبال و قالوا لا طاقة لنا اليوم بقتال هؤلاء القوم و لم يبق بمكة غير عبد المطلب بن هاشم أقام على سقايته و غير شيبة بن عثمان بن عبد الدار أقام على حجابة البيت فجعل عبد المطلب يأخذ بعضادتي الباب ثم يقول.

لا هم أن المرء يمنع رحله فامنع رحالك. لا يغلبوا بصليبهم و محالهم عدوا محالك.إن يدخلوا البيت الحرام إذا فأمر ما بدا لك

 ثم إن مقدمات أبرهة أصابت نعما لقريش فأصابت فيها مائتي بعير لعبد المطلب بن هاشم فلما بلغه ذلك خرج حتى أتى القوم و كان حاجب أبرهة رجلا من الأشعريين و كانت له بعبد المطلب معرفة فاستأذن له على الملك و قال له أيها الملك جاءك سيد قريش الذي يطعم إنسها في الحي و وحشها في الجبل فقال ائذن له و كان عبد المطلب رجلا جسيما جميلا فلما رآه أبو يكسوم أجله أن يجلسه تحته و كره أن يجلسه معه على سريره فنزل من سريره فجلس على الأرض و أجلس عبد المطلب معه ثم قال ما حاجتك قال حاجتي مائتا بعير لي أصابتها مقدمتك فقال أبو يكسوم و الله لقد رأيتك فأعجبتني ثم تكلمت فزهدت فيك فقال و لم أيها الملك قال لأني جئت إلى بيت عزكم و منعتكم من العرب و فضلكم في الناس و شرفكم عليهم و دينكم الذي تعبدون فجئت لأكسره و أصيبت لك مائتا بعير فسألتك عن حاجتك فكلمتني في إبلك و لم تطلب إلي في بيتكم فقال له عبد المطلب أيها الملك إنما أكلمك فيما لي و لهذا البيت رب هو يمنعه لست أنا منه في شي‏ء فراع ذلك أبا يكسوم و أمر برد إبل عبد المطلب عليه ثم رجع و أمست ليلتهم تلك ليلة كالحة نجومها كأنها تكلمهم كلاما لاقترابها منهم فأحست نفوسهم بالعذاب و خرج دليلهم حتى دخل الحرم و تركهم و قام الأشعريون و خثعم و كسروا رماحهم و سيوفهم و برءوا إلى الله أن يعينوا على هدم البيت فباتوا كذلك بأخبث ليلة ثم أدلجوا بسحر فبعثوا فيلهم يريدون أن يصبحوا بمكة فوجهوه إلى مكة فربض فضربوه فتمرغ فلم يزالوا كذلك حتى كادوا أن يصبحوا ثم إنهم أقبلوا على الفيل فقالوا لك الله أن لا نوجهك إلى مكة فانبعث فوجهوه إلى اليمن راجعا فتوجه يهرول فعطفوه حين رأوه منطلقا حتى إذا ردوه إلى مكانه الأول ربض فلما رأوا ذلك عادوا إلى القسم فلم يزالوا كذلك يعالجونه حتى إذا كان مع طلوع الشمس طلعت عليهم الطير معها الحجارة فجعلت ترميهم و كل طائر في منقاره حجر و في رجليه حجران و إذا رمت بتلك مضت و طلعت أخرى فلا يقع حجر من حجارتهم تلك على بطن إلا خرقه و لا عظم إلا أوهاه و ثقبه و ثاب أبو يكسوم راجعا قد أصابته بعض الحجارة فجعل كلما قدم أرضا انقطع له فيها إرب حتى إذا انتهى إلى اليمن لم يبق شي‏ء إلا أباده فلما قدمها انصدع صدره و انشق بطنه فهلك و لم يصب من خثعم و الأشعريين أحد قال و كان عبد المطلب يرتجز و يدعو على الحبشة يقول.

يا رب لا أرجو لهم سواكا. يا رب فامنع منهم حماكا.إن عدو البيت من عاداكا. إنهم لم يقهروا قواكا.

 قال و لم تصب تلك الحجارة أحدا إلا هلك و ليس كل القوم أصابت و خرجوا هاربين يبتدرون الطريق الذي منه جاءوا و يسألون عن نفيل ليدلهم على الطريق. و قال مقاتل السبب الذي جر أصحاب الفيل إلى مكة هو أن فئة من قريش خرجوا تجارا إلى أرض النجاشي فساروا حتى دنوا من ساحل البحر و في حقف من أحقافها بيعة للنصارى تسميها قريش الهيكل و يسميها النجاشي و أهل أرضه ماسرخشان فنزل القوم فجمعوا حطبا ثم أججوا نارا فاشتووا لحما فلما ارتحلوا تركوا النار كما هي في يوم عاصف فذهبت الرياح بالنار فاضطرم الهيكل نارا فغضب النجاشي لذلك فبعث أبرهة لهدم الكعبة.

 و روى العياشي بإسناده عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله ع قال أرسل الله على أهل الفيل طيرا مثل الخطاف أو نحوه في منقاره حجر مثل العدسة فكان يحاذي برأس الرجل فيرميه بالحجر فيخرج من دبره فلم تزل بهم حتى أتت عليهم قال فأفلت رجل منهم فجعل يخبر الناس بالقصة فبينا هو يخبرهم إذ أبصر طيرا منها فقال هذا هو منها قال فحاذى به فطرحه على رأسه فخرج من دبره

و قال عبيد بن عمير لما أراد الله أن يهلك أصحاب الفيل بعث عليهم طيرا نشأت من البحر كأنها الخطاطيف كل طير منها معه ثلاثة أحجار ثم جاءت حتى صفت على رءوسهم ثم صاحت و ألقت ما في أرجلها و مناقيرها فما من حجر وقع منها على رجل إلا خرج من الجانب الآخر إن وقع على رأسه خرج من دبره و إن وقع على شي‏ء من جسده خرج من الجانب الآخر. و عن ابن عباس قال دعا الله الطير الأبابيل فأعطاها حجارة سودا عليها الطين فلما حاذت بهم رمتهم فما بقي أحد منهم إلا أخذته الحكة فكان لا يحك إنسان منهم جلده إلا تساقط لحمه قال و كانت الطير نشأت من قبل البحر لها خراطيم الطيور و رءوس السباع لم تر قبل ذلك و لا بعده فقال تعالى أَ لَمْ تَرَ أ لم تعلم كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ الذي قصدوا تخريب الكعبة و كان معهم فيل واحد اسمه محمود و قيل ثمانية أفيال و قيل اثنا عشر فيلا و إنما وحد لأنه أراد الجنس و كان ذلك في العام الذي ولد فيه رسول الله ص و عليه أكثر العلماء و قيل كان أمر الفيل قبل مولده ص بثلاث و عشرين سنة و قيل بأربعين سنة أَ لَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ أي ضل سعيهم حتى لم يصلوا إلى ما أرادوه بكيدهم وَ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ أي أقاطيع يتبع بعضها بعضا كالإبل المؤبلة و كانت لها خراطيم كخراطيم الطير و أكف كأكف الكلاب و قيل لها أنياب كأنياب السباع و قيل طير خضر لها مناقير صفر و قيل طير سود بحرية تحمل في مناقيرها و أكفها الحجارة و يمكن أن يكون بعضها خضرا و بعضها سودا تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ أي تقذفهم تلك الطير بحجارة صلبة شديدة و قال موسى بن عائشة كانت أكبر من العدسة و أصغر من الحمصة. و قال البيضاوي مِنْ سِجِّيلٍ من طين متحجر معرب سنگ گل و قيل من السجل و هو الدلو الكبير أو الإسجال و هو الإرسال أو من السجل و معناه من جملة العذاب المكتوب المدون. فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ كورق زرع وقع فيه الأكال و هو أن يأكله الدود أو أكل حبه فبقي صفرا منه أو كتبن أكلته الدواب و راشته

 72-  كنز الكراجكي، عن الحسين بن عبيد الله الواسطي عن التلعكبري عن محمد بن همام و أحمد بن هوذة جميعا عن الحسن بن محمد بن جمهور عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن عبد الرحمن بن الحجاج عن هارون بن خارجة عن أبي عبد الله عن آبائه ع قال لما ظهرت الحبشة باليمن وجه يكسوم ملك الحبشة بقائدين من قواده يقال لأحدهما أبرهة و الآخر أرباط في عشرة من الفيلة كل فيل في عشرة آلاف لهدم بيت الله الحرام فلما صاروا ببعض الطريق وقع بأسهم بينهم و اختلفوا فقتل أبرهة أرباط و استولى على الجيش فلما قارب مكة طرد أصحابه عيرا لعبد المطلب بن هاشم فصار عبد المطلب إلى أبرهة و كان ترجمان أبرهة و المستولى عليه ابن داية لعبد المطلب فقال الترجمان لأبرهة هذا سيد العرب و ديانها فأجله و أعظمه ثم قال لكاتبه سله ما حاجته فسأله فقال إن أصحاب الملك طردوا إلي نعما فأمر بردها ثم أقبل على الترجمان فقال قل له عجبا لقوم سودوك و رأسوك عليهم حيث تسألني في عير لك و قد جئت لأهدم شرفك و مجدك و لو سألتني الرجوع عنه لفعلت فقال أيها الملك إن هذه العير لي و أنا ربها فسألتك إطلاقها و إن لهذه البنية ربا يدفع عنها قال فإني عاد لهدمها حتى أنظر ما ذا يفعل فلما انصرف عبد المطلب رحل أبرهة بجيشه فإذا هاتف يهتف في السحر الأكبر يا أهل مكة أتاكم أهل عكة بجحفل جرار يملأ الأندار مل‏ء الجفار فعليهم لعنة الجبار فأنشأ عبد المطلب يقول شعر

أيها الداعي لقد أسمعتني كل ما قلت و ما بي من صمم‏إن للبيت لربا مانعا من يرده بأثام يصطلم‏رامه تبع في أجناده حمير و الحي من آل إرم‏هلكت بالبغي فيهم جرهم بعد طسم و حديس و جشم‏و كذاك الأمر فيمن كاده ليس أمر الله بالأمر الأمم‏نحن آل الله فيما قد خلا لم يزل ذاك على عهد إبرهم‏نعرف الله و فينا شيمة صلة الرحم و نوفي بالذمم‏لم يزل لله فينا حجة يدفع الله بها عنها النقم‏و لنا في كل دور كرة نعرف الدين و طورا في العجم

 فإذا ما بلغ الدور إلى منتهى الوقت أتى الطين فدم‏بكتاب فصلت آياته فيه تبيان أحاديث الأمم

فلما أصبح عبد المطلب جمع بنيه و أرسل الحارث ابنه الأكبر إلى أعلى أبي قبيس فقال انظر يا بني ما ذا يأتيك من قبل البحر فرجع فلم ير شيئا فأرسل واحدا بعد آخر من ولده فلم يأته أحد منهم عن البحر بخبر فدعا عبد الله و إنه لغلام حين أيفع و عليه ذؤابة تضرب إلى عجزه فقال اذهب فداك أبي و أمي فاعل أبا قبيس فانظر ما ذا ترى يجي‏ء من البحر فنزل مسرعا فقال يا سيد النادي رأيت سحابا من قبل البحر مقبلا يستفل تارة و يرتفع أخرى إن قلت غيما قلته و إن قلت جهاما خلته يرتفع تارة و ينحدر أخرى فنادى عبد المطلب يا معشر قريش ادخلوا منازلكم فقد أتاكم الله بالنصر من عنده فأقبلت الطير الأبابيل في منقار كل طائر حجر و في رجليه حجران فكان الطائر الواحد يقتل ثلاثة من أصحاب أبرهة كان يلقي الحجر في قمة رأس الرجل فيخرج من دبره و قد قص الله تبارك و تعالى نبأهم في كتابه فقال سبحانه أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ السورة السجيل الصلب من الحجارة و العصف ورق الزرع و مأكول يعني كأنه قد أخذ ما فيه من الحب فأكل و بقي لا حب فيه و قيل إن الحجارة كانت إذا وقعت على رءوسهم و خرجت من أدبارهم بقيت أجوافهم فارغة خالية حتى يكون الجسم كقشر الحنظلة

 بيان قال الجوهري العكة بالضم آنية السمن و رملة حميت عليها الشمس و فورة الحر و عكة اسم بلد في الثغور و الجحفل الجيش و الأندر البيدر و لعل فيه تصحيفا و الجفار جمع جفر و هو من أولاد الشاة ما عظم و جمع جفرة و هي جوف الصدر و سعة في الأرض مستديرة و الأمم محركة اليسير و الفدم الأحمر المشبع حمرة و لعله هنا كناية عن الدم و الجهام السحاب لا ماء فيه

 73-  ع، ]علل الشرائع[ ابن المتوكل عن السعدآبادي عن البرقي عن ابن محبوب عن جميل بن صالح عن أبي مريم عن أبي جعفر ع في قوله وَ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ فقال هؤلاء أهل مدينة كانت على ساحل البحر إلى المشرق فيما بين اليمامة و البحرين يخيفون السبيل و يأتون المنكر فأرسل عليهم طيرا جاءتهم من قبل البحر رءوسها كأمثال رءوس السباع و أبصارها كأبصار السباع مع كل طير ثلاثة أحجار حجران في مخاليبه و حجر في منقاره فجعلت ترميهم بها حتى جدرت أجسادهم فقتلهم الله عز و جل بها و ما كانوا قبل ذلك رأوا شيئا من ذلك الطير و لا شيئا من الجدري و من أفلت منهم انطلقوا حتى بلغوا حضرموت وادي باليمن أرسل الله عز و جل عليهم سيلا فغرقهم و لا رأوا في ذلك الوادي ماء قبل ذلك فلذلك سمي حضرموت حين ماتوا فيه

 بيان هذا حديث غريب مخالف لما مر لم أره إلا من هذا الطريق و يمكن أن تكون السورة إشارة إلى الواقعتين معا و يحتمل أن يكون الذين أرادوا البيت هؤلاء القوم و سيأتي الخبر من الكافي بهذا السند بوجه آخر لا يخالف شيئا من الأخبار

 74-  ك، ]إكمال الدين[ ابن موسى عن ابن زكريا القطان عن محمد بن إسماعيل عن عبد الله بن محمد عن أبيه عن الهيثم بن عمرو المغربي عن إبراهيم بن عقيل الهذلي عن عكرمة عن ابن عباس قال كان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة لا يجلس عليه أحد إلا هو إجلالا له و كان بنوه يجلسون حوله حتى يخرج عبد المطلب فكان رسول الله ص يخرج و هو غلام صبي فيجي‏ء حتى يجلس على الفراش فيعظم ذلك أعمامه و يأخذونه ليؤخره فيقول لهم عبد المطلب إذا رأى ذلك منهم دعوا ابني فو الله إن له لشأنا عظيما إني أرى أنه سيأتي عليكم يوم و هو سيدكم إني أرى غرته غرة تسود الناس ثم يحمله فيجلسه معه و يمسح ظهره و يقبله و يقول ما رأيت قبله أطيب منه و لا أطهر قط و لا جسدا ألين منه و لا أطيب ثم يلتفت إلى أبي طالب و ذلك أن عبد الله و أبا طالب لأم واحدة فيقول يا أبا طالب إن لهذا الغلام لشأنا عظيما فاحفظه و استمسك به فإنه فرد وحيد و كن له كالأم لا يصل إليه شي‏ء يكرهه ثم يحمله على عنقه فيطوف به أسبوعا و كان عبد المطلب قد علم أنه يكره اللات و العزى فلا يدخله عليهما فلما تمت له ست سنين ماتت أمه آمنة بالأبواء بين المكة و المدينة و كانت قدمت به على أخواله من بني عدي فبقي رسول الله ص يتيما لا أب له و لا أم فازداد عبد المطلب له رقة و حفظا و كانت هذه حاله حتى أدرك عبد المطلب الوفاة فبعث إلى أبي طالب و محمد على صدره و هو في غمرات الموت و هو يبكي و يلتفت إلى أبي طالب و يقول يا أبا طالب انظر أن تكون حافظا لهذا الوحيد الذي لم يشم رائحة أبيه و لم يذق شفقة أمه انظر يا أبا طالب أن يكون من جسدك بمنزلة كبدك فإني قد تركت بني كلهم و أوصيتك به لأنك من أم أبيه يا أبا طالب إن أدركت أيامه تعلم أني كنت من أبصر الناس به و أنظر الناس و أعلم فإن استطعت أن تتبعه فافعل و انصره بلسانك و يدك و مالك فإنه و الله سيسودكم و يملك ما لم يملك أحد من بني آبائي يا أبا طالب ما أعلم أحدا من آبائك مات عنه أبوه على حال أبيه و لا أمه على حال أمه فاحفظه لوحدته هل قبلت وصيتي قال نعم قد قبلت و الله علي بذلك شاهد فقال عبد المطلب فمد يدك إلي فمد يده فضرب بيده إلى يده ثم قال عبد المطلب الآن خفف علي الموت ثم لم يزل يقبله و يقول أشهد أني لم أقبل أحدا من ولدي أطيب ريحا منك و لا أحسن وجها منك و يتمنى أن يكون قد بقي حتى يدرك زمانه فمات عبد المطلب و هو ابن ثمان سنين فضمه أبو طالب إلى نفسه لا يفارقه ساعة من ليل و لا نهار و كان ينام معه حتى بلغ لا يأمن عليه أحدا

 75-  ك، ]إكمال الدين[ أحمد بن محمد بن الحسين عن محمد بن يعقوب الأصم عن أحمد بن عبد الجبار العطاردي عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق بن بشار الهذلي عن العباس بن عبد الله بن سعيد عن بعض أهله قال كان يوضع لعبد المطلب جد رسول الله ص فراش في ظل الكعبة و كان لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالا له و كان رسول الله ص يأتي حتى يجلس عليه فيذهب أعمامه ليؤخروه فيقول جده عبد المطلب دعوا ابني فيمسح على ظهره و يقول إن لابني هذا لشأنا فتوفي عبد المطلب و النبي ص ابن ثمان سنين بعد الفيل بثمان سنين

 76-  ك، ]إكمال الدين[ أحمد بن محمد الصائغ عن محمد بن أيوب عن صالح بن أسباط عن إسماعيل بن محمد و علي بن عبد الله عن الربيع بن محمد السلمي عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة قال سمعت أمير المؤمنين ع يقول و الله ما عبد أبي و لا جدي عبد المطلب و لا هاشم و لا عبد مناف صنما قط قيل فما كانوا يعبدون قال كانوا يصلون إلى البيت على دين إبراهيم ع متمسكين به

  -77  يج، ]الخرائج و الجرائح[ من معجزات النبي ص أن أبرهة بن يكسوم قاد الفيلة إلى بيت الله الحرام ليهدمه قبل مبعثه فقال عبد المطلب لأبرهة و قد حضره بعد أن عظم شأنه لسؤاله بعيره إن لهذا البيت ربا يمنعه ثم رجع إلى أهل مكة فدعا عبد المطلب على أبي قبيس و أهل مكة قد صعدوا و تركوا مكة ثم قال لأبي طالب اخرج و انظر ما ذا ترى في السماء فرجع قال طيورا لم تكن في ولايتنا و قد أخبره سيف بن ذي يزن و غيره به فأرسل الله عليهم طيرا أبابيل و دفعهم عن مكة و أهلها

 78-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ لما قصد أبرهة بن الصباح لهدم الكعبة أتاه عبد المطلب ليسترد منه إبله فقال تعلمني في مائة بعير و تترك دينك و دين آبائك و قد جئت لهدمه فقال عبد المطلب أنا رب الإبل و إن للبيت ربا سيمنعه منك فرد إليه إبله فانصرف إلى قريش فأخبرهم الخبر و أخذ بحلقة الباب قائلا

يا رب لا أرجو لهم سواكا يا رب فامنع منهم حماكاإن عدو البيت من عاداكا امنعهم أن يخربوا قراكا

و له أيضا لا هم أن المرء يمنع رحله فامنع رحالك لا يغلبن صليبهم و محالهم عدوا محالك فانجلى نوره على الكعبة فقال لقومه انصرفوا فو الله ما انجلى من جبيني هذا النور إلا ظفرت و الآن قد انجلى عنه و سجد الفيل له فقال للفيل يا محمود فحرك الفيل رأسه فقال له تدري لم جاءوا بك فقال الفيل برأسه لا فقال جاءوا بك لتهدم بيت ربك أ فتراك فاعل ذلك فقال الفيل برأسه لا

 بيان المحال بالكسر الكيد و القوة

  -79  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ عكرمة قال كان يوضع فراش لعبد المطلب في ظل الكعبة و لا يجلس عليه أحد إجلالا له و كان بنوه يجلسون حوله حتى يخرج فكان رسول الله ص يجلس عليه فيأخذه أعمامه ليؤخروه فيقول لهم عبد المطلب دعوا ابني فو الله إن له لشأنا عظيما إني أرى أنه سيأتي عليكم و هو سيدكم ثم يحمله فيجلسه معه و يمسح ظهره و يقبله و يوصيه إلى أبي طالب

 80-  فض، ]كتاب الروضة[ قال الواقدي كان في زمان عبد المطلب رجل يقال له سيف بن ذي يزن و كان من ملوك اليمن و قد أنفذ ابنه إلى مكة واليا من قبله و تقدم إليه باستعمال العدل و الإنصاف ففعل ما أمره به أبوه ثم إن عبد المطلب دعا برؤساء قريش مثل عتبة بن ربيعة و مثل الوليد بن المغيرة و عقبة بن أبي معيط و أمية بن خلف و رؤساء بني هاشم فاجتمعوا في دار الندوة فلما قعدوا و أخذوا مراتبهم فتكلم عبد المطلب و قال اعلموا أني قد دبرت تدبيرا فقال المشايخ و ما دبرت يا رئيس قريش و كبير بني هاشم فقال يا قوم إنكم تحتاجون أن تخرجوا معي نحو سيف بن ذي يزن لتهنيته في ولايته و هلاك عدوه ليكون أرفق بنا و أميل إلينا فقالوا له بأجمعهم نعم ما رأيت و نعم ما دبرت قال فخرج عبد المطلب و معه سبعة و عشرون رجلا على نوق جياد نحو اليمن فلما وصلوا إلى سيف بن ذي يزن بعد أيام سألوا عن الوصول إليه قالوا لهم إن الملك في القصر الوردي و كان من عاداته في أوان الورد أن يدخل قصر غمدان و لا يخرج إلا بعد نيف و أربعين يوما و لا يصل إليه ذو حاجة و لا زائر و أنتم قصدتم الملك في أيام الورد فذهب عبد المطلب إلى باب بستانه و كان لقصر غمدان في وسط البستان أبواب و كان لهذا البستان باب يفتح إلى البرية و قد وكل بذلك البستان بوابا واحدا فقال عبد المطلب لأصحابه لعلنا يتهيأ لنا الدخول بحيلة و لا يتهيأ إلا هي فقال القوم صدقت قال الواقدي ثم إن عبد المطلب نزل و أخذ نحو الباب فنظر إلى البواب و سلم عليه فقال له يا بواب دعني أن أدخل هذا البستان فقال البواب وا عجبا منك ما أقل فهمك و أضعف رأيك أ مصروع أنت فقال له عبد المطلب ما رأيت من جنوني فقال له البواب ما علمت أن سيف بن ذي يزن في القصر مع جواريه و خدمه قاعدا فإن بصر بك في بستانه أمر بقتلك و إن سفك دمك عنده أهون من شربة ماء فقال له عبد المطلب دعني أدخل و يكون من الملك إلي ما يكون فقال له البواب يا مغلوب العقل إن الملك في القصر و عيناه للباب و البواب إنه قدر ما يرمق أن يأمر بقتلك فقال عقيل بن أبي وقاص يا أبا الحارث أ ما علمت أن المصابيح لا تضي‏ء إلا بالدهن فقال عبد المطلب صدقت قال الواقدي ثم إن عبد المطلب دعا بكيس من أديم فيه ألف دينار و قال بعد أن صب الكيس بين يدي البواب يا هذا إن تركتني أدخل البستان جعلت هذا بري إليك فاقبل صلتي و خل سبيلي فلما نظر البواب إلى الدرهم خر مبهوتا و قال له البواب يا شيخ إن دخلت و نظر إليك و سألك عن كيفية دخولك ما أنت قائل قال عبد المطلب أقول له كان البواب نائما و شرط عليه عبد المطلب أن لا يكذبه إن دعاه الملك للمسألة فيقول غفوت و ليس لي بدخوله علم قال نعم فقال عبد المطلب إن كذبتني في هذا صدقت الملك عن الصلة التي وصلتك بها فقال له البواب ادخل يا شيخ فدخل عبد المطلب البستان و كان قصر غمدان في وسط الميدان و البستان كأنه جنة من الجنان قد حف بالورد و الياسمين و أنواع الرياحين و الفواكه و فيه أنهار جارية وسطه و إذا سيف بن ذي يزن قد اتكأ على عمود المنظرة من قصره فلما نظر إلى عبد المطلب غضب و قال لغلمانه من ذا الذي دخل علي بغير إذني ايتوني به سريعا فسعى إليه الغلمان و الخدم فاختطفوه من البستان فلما دخل عبد المطلب عليه رأى قصرا مبنيا على حجر مطلى بطلاء الوردي منقشا بنقش اللازوردي و ورد على أمثال الورد و رأى عن يمين الملك و عن شماله و بين يديه من الجواري ما لا عدد لهن و رأى بقرب الملك عمودا من عقيق أحمر و له رأس من ياقوت أزرق مجوف محشى بالمسك و رأى عن يساره تورا من ذهب أحمر و على فخذه سيف نقمته مكتوب عليه بماء الذهب شعر.

رب ليث مدجج كان يحمي. ألف قرن منغمد الأغمادي.و خميس ملفف بخميس. بدد الدهر جمعهم في البلاد.

 قال الواقدي فوقف عبد المطلب بين يديه و لم يتكلم له الملك و لا عبد المطلب حتى كرع الملك في التور الذي بين يديه فلما فرغ من شربه نظر إليه و كان سيف قد شاهد عبد المطلب قبل هذا و لكنه أنكره حتى استنطقه فقال له الملك من الرجل فقال أنا عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان حتى بلغ آدم ع فقال له الملك أنت ابن أختي فقال نعم أيها الملك أنا ابن أختك و ذلك أن سيف بن ذي يزن كان من آل قحطان و آل قحطان من الأخ و آل إسماعيل من الأخت فعلم سيف بن ذي يزن أن عبد المطلب ابن أخته فقال سيف أهلا و سهلا و ناقة و رحلا و مد الملك يده إلى عبد المطلب و كذلك عبد المطلب إلى نحو الملك فأمره الملك بالقعود و كناه بأبي الحارث أنتم معاشر أهل الشار رجال الليل و النهار و غيوث الجدب و الغلاء و ليوث الحرب بضرب الطلا ثم قال يا أبا الحارث فيم جئت فقال له عبد المطلب نحن جيران بيت الله الحرام و سدنة البيت و قد جئت إليك و أصحابي بالباب لنهنئك بولايتك و ما فوضه الله تعالى من النصر لك و أجراه على يديك من هلاك عدوك فالحمد لله الذي نصرك و أقر عينيك و أفلج حجتك و أقر عيوننا بخذلان عدوك فأطال الله تعالى في سوابغ نعمه مدتك و هناك بما منحك و وصلها بالكرامة الأبدية فلا خيب دعائي فيك أيها الملك ففرح سيف بدعائه و استقر له بالمحبة بما سمع من تهنيته ثم أمره أن يصير هو و من معه بالباب من أصحابه إلى دار الضيافة إلى أن يؤمر بإحضارهم بعد هذا اليوم إلى مجلسه فمضى و حجابه و خدمه بين يديه إلى حيث أمرهم و خرج عبد المطلب و استوى على جمله و اتبعه أصحابه و بين يديه غلمان الملك و حوله حتى أنزلوه و أصحابه الدار و بالغوا بالتوصية به و بأصحابه فأمر الملك أن يجري عليهم في كل يوم ألف درهم بيض فبقي عبد المطلب في دار الضيافة سريرا حتى تصرمت أيام الورد فلما كان في اليوم الذي أراد فيه مجلسه للتسليم عليه و النظر في أمره ذكر عبد المطلب في شطر من ليلته فأمر بإحضاره وحده فدخل عليه الرسول فأمره و أعلمه بمراد الملك منه فقام معه إليه فإذا الملك في مجلسه وحده فقال لخدمه تباعدوا عنا فلم يبق في المجلس غير الملك و عبد المطلب و ثالثهم رب العزة تبارك و تعالى فقال له الملك يا أبا الحارث إن من آرائي أن أفوض إليك علما كنت كتمته عن غيرك و أريد أن أضعه عندك فإنك موضع ذلك و أريد أن تطويه و تكتمه إلى أن يظهره الله تعالى فقال عبد المطلب السمع و الطاعة للملك و كذا الظن بك فقال الملك اعلم يا أبا الحارث أن بأرضكم غلاما حسن الوجه و البدن جميل القد و القامة بين كتفيه شامة المبعوث من تهامة أنبت الله تعالى على رأسه شجرة النبوة و ظللته الغمامة صاحب الشفاعة يوم القيامة مكتوب بخاتم النبوة على كتفيه سطران لا إله إلا الله و الثاني محمد رسول الله و الله تعالى أمات أمه و أباه و تكون تربيته على جده و عمه و أني وجدت في كتب بني إسرائيل صفته أبين و أشرح من القمر بين الكواكب و أني أراك جده فقال عبد المطلب أنا جده أيها الملك فقال الملك مرحبا بك و سهلا يا أبا الحارث ثم قال له الملك أشهدك على نفسي يا أبا الحارث أني مؤمن به و بما يأتي

  به من عند ربه ثم تأوه سيف ثلاث مرات بأن يراه فكان ينصره و ينظره يتعجب منه الطير في الهواء ثم قال يا أبا الحارث عليك بكتمان ما ألقيت عليك و لا تظهره إلى أن يظهره الله تعالى فقال عبد المطلب السمع و الطاعة للملك و نظر عبد المطلب في لحية سيف بن ذي يزن سوادا و بياضا و خرج من عنده و قد وعده في الحباء في غد ليرحلوا إلى أرض الحرم إن شاء الله تعالى فلما رجع إلى أصحابه وجدهم وجلين شاحبين و قد أكثروا الفكر فيه حين دعاه الملك في مثل ساعته التي دعاه فيها فقالوا له ما كان يريد الملك منك قال عبد المطلب يسألني عن رسوم مكة و آثارها و لم يخبر عبد المطلب أحدا بما كان بينه و بين الملك و غدا عليهم رسول الملك من غد يحضرهم مجلسه فتطيبوا و تزينوا و دخلوا القصر و عبد المطلب يقدمهم فدخلوا عليه فنظر عبد المطلب فإذا برأسه و لحيته حالكا فقال له عبد المطلب إني تركتك أبيض اللحية فما هذا فقال له الملك إني أستعمل الخضاب فقال أصحاب عبد المطلب إن رأى الملك أن يرانا أهلا لذلك الخضاب فليفعل قال فأمر الملك أن يؤخذ بهم إلى الحمام و كان القوم بيض الرءوس و اللحاء فخضبوا هناك فخرجوا و لشعورهم بريق كأسود ما يكون من الشعر و يقال إن سيفا أول من خضب رأسه و لحيته قال الواقدي ثم إن الملك أمر لكل واحد منهم ببدرة بيض فحمل كل واحد منهم على دابة و بغل و أمر لكل واحد منهم بجارية و غلام و بتخت ثياب فاخرة و لعبد المطلب بضعفي ما وهب لهم ثم دعا الملك بفرسه العقاب و بغلته الشهباء و ناقته العضباء و قال يا أبا الحارث إن الذي أسلمه إليك أمانة في عنقك تحفظها إلى أن تسلمها إلى محمد ص إذا بلغ مبلغ الرجال فقال له اعلم أني ما طلبت على ظهر هذه الفرس شيئا إلا وجدته و ما قصدني عدو و أنا راكب عليها إلا نجاني الله تعالى منه و أما البغلة فإني كنت أقطع بها الدكداك و الجبال لحسن سيرها و لا أنزل عنها ليلي و نهاري فأمره أن يتحفظ و يجعلها لي تذكرة و بلغه عني التحية الكثيرة فقال عبد المطلب السمع و الطاعة لأمر الملك ثم ودعوه و خرجوا نحو الحرم حتى دخلوا مكة فوقعت الصيحة في البلد بقدومهم فخرج الناس يستقبلونهم و خرج أولاد عبد المطلب و قعد النبي على صخرة و قد ألقى كمه على وجهه لئلا تناله الشمس حتى تقارب عبد المطلب فنظر أولاده إليه و قالوا يا أبانا خرجت إلى اليمن شيخا و رجعت شابا قال نعم أيها الفتيان سأخبركم بما ذكرتم ثم قال لهم أين سيدي محمد فقالوا إنه قعد في بعض الطريق ينتظركم ثم إن عبد المطلب سار نحوه حتى وصل إليه مع أصحابه فنزل عن مركوبه و عانقه و قبل ما بين عينيه و قال له إن هذا الفرس و البغلة و الناقة أهداها إليك سيف بن ذي يزن و يقرأ عليك التحية الطيبة ثم أمر أن يحمل رسول الله ص على الفرس فلما استوى النبي ص على ظهر الفرس انتشط و صهل صهيلا شديدا فرحا برسول الله ص و نسب هذا الفرس أنه عقاب بن ينزوب بن قابل بن بطال بن زاد الراكب بن الكفاح بن الجنح بن موج بن ميمون بن ريح أمر الله تعالى قال كن فكان بأمره. قال الواقدي و أخذ أبو طالب بلجام فرسه و حف برسول ص أعمامه فقال ص خلوا عني فإن ربي يحفظني و يكلؤني فخلوا عنه فدخل النبي ص إلى مكة على حالته فشاع خبره في قريش و بني هاشم فتعجب من أمره الخلق و بقي النبي ص فرحا مسرورا عند عبد المطلب. قال الواقدي و دب النبي ص و درج و أتى عليه ثمان سنين و ثمانية أشهر و ثمانية أيام فعندها اعتل عبد المطلب علة شديدة فأمر أن يحمل سريره إلى عند البيت الحرام و ينصب هناك عند أستار الكعبة و كان لعبد المطلب سرير من خيزران أسود ورثه من جده عبد مناف و كان السرير له شبكات من عاج و آبنوس و صندل و عود أحسن ما يكون إحكاما

  و هيئة و أمر عبد المطلب أن يزين السرير بألوان الفرش و الديباج الرقاق و أمر أن ينصب فوق سريره فسطاط من ديباج أحمر ففعل ذلك و حمل عبد المطلب إلى بيت الله الحرام و نام على ذلك السرير المزين و قعد حوله أولاده و كان له من البنين عشرة أنفس فمات منهم عبد الله و بقي بعده تسعة أنفس شجعان يعد كل واحد منهم بألف و قعدوا حوله و حفوا بعبد المطلب يبكون و دموعهم تتقاطر كالمطر و قعد النبي ص و اجتمعت عند عبد المطلب بطون العرب و كبار قريش مصطفون ما منهم أحد إلا و عيناه تهملان بالدموع فعند ذلك ظهر أبو لهب لعنه الله و أخزاه و أخذ برأس رسول الله ص لينحيه عن عبد المطلب فصاح عبد المطلب و انتهره و قال له مه يا عبد العزى أنت من عداوتك لا تنفك من إظهارك ببغضك لولدي محمد اقعد مكانك و أمسك عنه و قام أبو لهب و قعد عند رجل عبد المطلب خجلا مخذولا لأن أبا لهب كان من الفراعنة المبغضين لرسول الله ص ثم مال عبد المطلب إلى جنبه و أقبل بوجهه على أبي طالب لأنه لم يكن في أولاد عبد المطلب أرفق منه برسول الله ص و لا أميل منه ثم أنشأ يقول شعر.

أوصيك يا عبد مناف بعدي. بموحد بعد أبيه فردي.فارقه و هو ضجيع المهدي. فكنت كالأم له في الوجدي.قد كنت ألصقه الحشى و الكبدي. حتى إذا خفت فراق الوحدي.أوصيك أرجى أهلنا بالرفدي. يا ابن الذي غيبته في اللحدي.بالكره مني ثم لا بالعمدي. و خيرة الله يشاء في العبدي.

 ثم قال عبد المطلب يا أبا طالب إنني ألقي إليك بعد وصيتي قال أبو طالب ما هي قال يا بني أوصيك بعدي بقرة عيني محمد ص و أنت تعلم محله مني و مقامه لدي فأكرمه بأجل الكرامة و يكون عندك ليله و نهاره و ما دمت في الدنيا الله ثم الله في حبيبه ثم قال لأولاده أكرموا و جللوا محمدا ص و كونوا عند إعزازه و إكرامه فسترون منه أمرا عظيما عليا و سترون آخر أمره ما أنا أصفه لكم عند بلوغه فقالوا بأجمعهم السمع و الطاعة يا أبانا نفديه بأنفسنا و أموالنا و نحن له فدية قال أبو طالب قد أوصيتنا بمن هو أفضل مني و من إخواني قال نعم و لم يكن في أعمام النبي ص أرفق من أبي طالب قديما و حديثا في أمر محمد ص ثم قال إن نفسي و مالي دونه فداء أنازع معاديه و أنصر مواليه فلا يهمنك أمره. قال الواقدي ثم إن عبد المطلب غمض عينيه و فتحهما و نظر قريشا و قال يا قوم أ ليس حقي عليكم واجبا فقالوا بأجمعهم نعم حقك على الكبير و الصغير واجب فنعم القائد و نعم السائق فينا كنت فجزاك الله تعالى عنا خيرا و يهون عليك سكرات الموت و غفر لك ما سلف من ذنوبك فقال عبد المطلب أوصيك بولدي محمد بن عبد الله ع فأحلوه محل الكرامة فيكم و بروه و لا تجفوه و لا تستقبلوه بما يكره فقالوا بأجمعهم قد سمعنا منك و أطعناك فيه ثم قال لهم عبد المطلب إن الرئيس عليكم من بعدي الوليد بن المغيرة أبو عبد الشمس بن أبي العاص بن نقية بن عبد شمس بن عبد مناف فضجت الخلق بأجمعهم و قالوا قبلنا أمرك فنعم ما رأيته رأيا و نعم ما خلفته فينا بعدك و صارت قريش و بنو هاشم تحت ركاب الوليد بن المغيرة فعند ذلك تغير وجه عبد المطلب و اخضرت أظافير يديه و رجليه و وقع على وجنتيه غبار الموت يكثر التقلب من جنب إلى جنب و مرة يقبض رجلا و يبسط أخرى و الخلائق من قريش و بني هاشم حاضرون و قد صارت مكة في ضجة واحدة و أراد النبي ص أن يقوم من عنده ففتح عبد المطلب عينيه و قال يا محمد تريد أن تقوم قال نعم فقال عبد المطلب يا ولدي فإني و حق رب السماء لفي راحة ما دمت عندي قال فقعد النبي ص فما كان إلا عن قليل حتى قضى نحبه. قال الواقدي ثم قاموا في تغسيله فغسلوه و كفنوه و حنطوه و جعلوه في أعواد المنايا و حملوه إلى ذيل الصفا و ما بقي في مكة شيخ و لا شاب و لا حر و لا عبد من الرجال و النساء إلا و قد ذهبوا إلى جنازته و عظموها و دفنوه فرجع الخلق من جنازته باكين عليه لفقده من مكة فقالت عاتكة بنت عبد المطلب ترثي أباها و تقول.

ألا يا عين ويحك فاسعديني. بدمع واكف هطل غزير.على رجل أجل الناس أصلا. و فرعا في المعالي و الظهور.طويل الباع أروع شيظميا. أغر كغرة القمر المنير.

 و قالت صفية ترثي أباها.

أ عيني جودا بالدموع السواكب. على خير شخص من لوي بن غالب.أ عيني جودا عبرة بعد عبرة. على الأسد الضرغام محض الضرائب.

 و قالت برة بنت عبد المطلب تبكي أباها و ترثيه.

أ عيني جودا بالدموع الهواطل. على النحر مني مثل فيض الجداول.و لا تسأما أن تبكيا كل ليلة. و يوم على مولى كريم الشمائل.أبا الحارث الفياض ذو الباع و الندى. رئيس قريش كلها في القبائل.فأسقى مليك الناس موضع قبره. بنوء الثريا ديمة بعد وابل.

 و قالت أروى بنت عبد المطلب ترثي أباها.

ألا يا عين ويحك فاسعديني. بويل واكف من بعد ويل.بدمع من دموعك ذو غروب. فقد فارقت ذا كرم و نبل.طويل الباع أروع ذي المعالي. أبوك الخير وارث كل فضل.

 و قالت آمنة بنت عبد المطلب تبكي أباها و ترثيه.

بكت عيني و حق لها البكاء. على سمح السجية و الحياء.على سمح الخليقة أبطحي. كريم الخيم ينميه العلاء.أقب الكشح أروع ذي أصول. له المجد المقدم و الثناء.و كان هو الفتى كرما و جودا. و بأسا حين يشتبك القناء.

 بيان قال الجزري فيه ذكر غمدان هو بضم الغين و سكون الميم البناء العظيم بناحية صنعاء اليمن قيل هو من بناء سليمان ع انتهى و المدجج الذي دخل في سلاحه و الأغماد جمع الغمد بالكسر و هو جفن السيف و غمده يغمده جعله في الغمد و كرع الماء تناوله بفيه من غير أن يشرب بكفه و لا بإناء كما تشرب البهائم و الشارة و الشيار الحسن و الجمال و الهيئة و اللباس و الزينة و الطلا بالضم الأعناق. و يقال رجل بر سر أي يبر و يسر و الحالك الأسود الشديد السواد و الدكداك من الرمل ما التبد منه بالأرض و لم يرتفع و الشيظم الطويل الجسم و الغروب مجاري الدمع و الخيم بالكسر السجية و الطبيعة لا واحد له من لفظه

 81-  د، ]العدد القوية[ لما ماتت آمنة ضم عبد المطلب رسول الله ص إلى نفسه و كان يرق عليه و يحبه و يقربه إليه و يدنيه و خرج رسول الله ص يوما يلعب مع الغلمان حتى بلغ الردم فرآه قوم من بني مدلج فدعوه فنظروا إلى قدميه و إلى أثره ثم خرجوا في أثره فصادفوا عبد المطلب قد اعتنقه فقالوا له ما هذا منك قال ابني قالوا احتفظ به فإنا لم نر قدما أشبه بالقدم التي في المقام منه فقال عبد المطلب لأبي طالب اسمع ما يقول هذا فكان أبو طالب يحتفظ به

 82-  روى كميل بن سعيد عن أبيه قال حججت في الجاهلية فإذا أنا برجل يطوف بالبيت و هو يرتجز و يقول

يا رب رد راكبي محمدا رد إلي و اصطنع عندي يدا

قال فقلت من هذا قيل هو عبد المطلب بن هاشم ذهبت إبل له فأرسل ابن ابنه في طلبها و لم يرسله في حاجة قط إلا جاء بها و قد احتبس عليه قال فما برحت أن جاء النبي ص و جاء بالإبل فقال له يا بني قد حزنت عليك حزنا لا يفارقني أبدا و توفي عبد المطلب و النبي ص له ثمان سنين و شهران و عشرة أيام و كان خلف جنازته يبكي حتى دفن بالحجون فكفله أبو طالب عمه و كان أخا عبد الله لأبيه و أمه

  -83  كنز الكراجكي، روي أنه قيل لأكثم بن صيفي و كان حكيم العرب و كان من المعمرين إنك لأعلم أهل زمانك و أحكمهم و أعقلهم و أحلمهم فقال و كيف لا أكون كذلك و قد جالست أبا طالب بن عبد المطلب دهره و عبد المطلب دهره و هاشما دهره و عبد مناف دهره و قصيا دهره و كل هؤلاء سادات أبناء سادات فتخلقت بأخلاقهم و تعلمت من حلمهم و اقتبست سوددهم و اتبعت آثارهم 84-  كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن ابن عيسى عن ابن أبي عمير عن جميل عن زرارة عن أبي عبد الله ع قال يحشر عبد المطلب يوم القيامة أمة وحده عليه سيماء الأنبياء و هيبة الملوك يان قوله ع أمة وحده أي إذا حشر الناس فوجا فوجا هو يحشر وحده لأنه كان في زمانه متفردا بدين الحق من بين قومه قال في النهاية في حديث قس إنه يبعث يوم القيامة أمة واحدة الأمة الرجل المتفرد بدين كقوله تعالى إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً

 85-  كا، ]الكافي[ علي عن أبيه عن الأصم عن الهيثم بن واقد عن مقرن عن أبي عبد الله ع قال إن عبد المطلب أول من قال بالبداء يبعث يوم القيامة أمة وحده عليه بهاء الملوك و سيماء الأنبياء

 86-  كا، ]الكافي[ بعض أصحابنا عن ابن جمهور عن أبيه عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن عبد الرحمن بن الحجاج عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر جميعا عن أبي عبد الله ع قال يبعث عبد المطلب أمة وحده عليه بهاء الملوك و سيماء الأنبياء و ذلك أنه أول من قال بالبداء قال و كان عبد المطلب أرسل رسول الله ص إلى رعاته في إبل قد ندت له فجمعها فأبطأ عليه فأخذ بحلقة باب الكعبة و جعل يقول يا رب أ تهلك آلك إن تفعل فأمر ما بدا لك فجاء رسول الله ص بالإبل و قد وجه عبد المطلب في كل طريق و في كل شعب في طلبه و جعل يصيح يا رب أ تهلك آلك إن تفعل فأمر ما بدا لك و لما رأى رسول الله ص أخذه فقبله فقال يا بني لا وجهتك بعد هذا في شي‏ء فإني أخاف أن تغتال فتقتل

 توضيح قوله ع و ذلك أنه تعليل لقوله عليه سيماء الأنبياء و ند البعير نفر و ذهب على وجهه شاردا قوله أ تهلك آلك أي أ تهلك من جعلته أهلك و وعدت أنه سيصير نبيا ثم تفطن بإمكان البداء فقال إن تفعل فأمر آخر بدا لك فيه فظهر أنه كان قائلا بالبداء و يمكن أن يقرأ بصيغة الأمر أي فأمر ما بدا لك في و أهلكني فإني لا أحب الحياة بعده و الأول أظهر و الاغتيال هو أن يخدع و يقتل في موضع لا يراه أحد

 87-  كا، ]الكافي[ العدة عن ابن عيسى عن ابن أبي عمير عن محمد بن حمران عن ابن تغلب قال قال أبو عبد الله ع لما أن وجه صاحب الحبشة بالخيل و معهم الفيل ليهدم البيت مروا بإبل لعبد المطلب فساقوها فبلغ ذلك عبد المطلب فأتى صاحب الحبشة فدخل الآذن فقال هذا عبد المطلب بن هاشم قال و ما يشاء قال الترجمان جاء في إبل له ساقوها يسألك ردها فقال ملك الحبشة لأصحابه هذا رئيس قوم و زعيمهم جئت إلى بيته الذي يعبده لأهدمه و هو يسألني إطلاق إبله أما لو سألني الإمساك عن هدمه لفعلت ردوا عليه إبله فقال عبد المطلب لترجمانه ما قال الملك فأخبره فقال عبد المطلب أنا رب الإبل و لهذا البيت رب يمنعه فردت عليه إبله و انصرف عبد المطلب نحو منزله فمر بالفيل في منصرفه فقال للفيل يا محمود فحرك الفيل رأسه فقال له أ تدري لم جاءوا بك فقال الفيل برأسه لا فقال عبد المطلب جاءوا بك لتهدم بيت ربك أ فتراك فاعل ذلك فقال برأسه لا فانصرف عبد المطلب إلى منزله فلما أصبحوا غدوا به لدخول الحرم فأبى و امتنع عليهم فقال عبد المطلب لبعض مواليه عند ذلك اعل الجبل فانظر ترى شيئا فقال أرى سوادا من قبل البحر فقال له يصيبه بصرك أجمع فقال له لا و لأوشك أن يصيب فلما أن قرب قال هو طير كثير و لا أعرفه يحمل كل طير في منقاره حصاة مثل حصاة الخذف أو دون حصاة الخذف فقال عبد المطلب و رب عبد المطلب ما يريد إلا القوم حتى لما صاروا فوق رءوسهم أجمع ألقت الحصاة فوقعت كل حصاة على هامة رجل فخرجت من دبره فقتلته فما انفلت منهم إلا رجل واحد يخبر الناس فلما أن أخبرهم ألقت عليه حصاة فقتلته

 88-  كا، ]الكافي[ علي عن أبيه عن ابن أبي نصر عن رفاعة عن أبي عبد الله ع قال كان عبد المطلب يفرش له بفناء الكعبة لا يفرش لأحد غيره و كان له ولد يقومون على رأسه فيمنعون من دنا منه فجاء رسول الله ص و هو طفل يدرج حتى جلس على فخذيه فأهوى بعضهم إليه لينحيه عنه فقال له عبد المطلب دع ابني فإن الملك قد أتاه

 89-  كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن ابن عيسى عن ابن محبوب عن جميل بن صالح عن أبي مريم عن أبي جعفر ع قال سألته عن قول الله عز و جل وَ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ قال كان طير ساف جاءهم من قبل البحر رءوسها كأمثال رءوس السباع و أظفارها كأظفار السباع من الطير مع كل طائر ثلاثة أحجار في رجليه حجران و في منقاره حجر فجعلت ترميهم بها حتى جدرت أجسادهم فقتلهم بها و ما كان قبل ذلك رئي شي‏ء من الجدري و لا رأوا ذلك من الطير قبل ذلك اليوم و لا بعده قال و من أفلت منهم يومئذ انطلق حتى إذا بلغوا حضرموت و هو واد دون اليمن أرسل الله عليهم سيلا فغرقهم أجمعين قال و ما رئي في ذلك الوادي ماء قبل ذلك اليوم بخمس عشرة سنة قال فلذلك سمي حضرموت حين ماتوا فيه

 90-  ختص، ]الإختصاص[ محمد بن علي عن محمد بن الحسن عن عبد الرحمن بن أخي الأصمعي عن بعض أصحابنا عن عبد الرحمن بن خالد بن أبي الحسن مولى المنصور قال أخرج إلي بعض ولد سليمان بن علي كتابا بخط عبد المطلب و إذا شبيه بخط الصبيان باسمك اللهم ذكر حق عبد المطلب بن هاشم من أهل مكة على فلان بن فلان الحميري من أهل زول صنعاء عليه ألف درهم فضة طيبة كيلا بالجديد و متى دعاه بها أجابه شهد الله و الملكان

 91-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ محمد بن أحمد بن شاذان عن إبراهيم بن محمد المذاري عن محمد بن جعفر عن محمد بن عيسى عن يونس عن ابن مسكان عن جعفر بن محمد ع قال سألته عن القائم في طريق الغري فقال نعم إنه لما جازوا بسرير أمير المؤمنين علي ع انحنى أسفا و حزنا على أمير المؤمنين ع و كذلك سرير أبرهة لما دخل عليه عبد المطلب انحنى و مال

  -92  د، ]العدد القوية[ كان لهاشم خمسة بنين عبد المطلب و أسد و نضلة و صيفي و أبو صيفي و سمي هاشما لهشمه الثريد للناس في زمن المسغبة و كنيته أبو نضلة و اسمه عمرو العلي قال ابن الزبعري

كانت قريش بيضة فتقلقت فالمخ خالصها لعبد مناف‏الرائشون و ليس يوجد رائش و القائلون هلم للأضياف‏و الخالطون فقيرهم بغنيهم حتى يكون فقيرهم كالكافي‏عمرو العلي هشم الثريد لقومه و رجال مكة مسنتون عجاف

 ولد هاشم و عبد شمس توأمان في بطن فقيل إنه أخرج أحدهما و إصبعه ملتصقة بجبهة الآخر فلما أزيلت من موضعها أدميت فقيل يكون بينهما دم و كان عبد مناف وصى إلى هاشم و دفع إليه مفتاح البيت و سقاية الحاج و قوس إسماعيل و مات هاشم بغزة من آخر عمل الشام و مات عبد المطلب بالطائف و أسد من ولد هاشم انقرض عقبه إلا من ابنته فاطمة أم أمير المؤمنين ع و أبو صيفي انقرض عقبه إلا من ابنته رفيقة و هي أم مخزومة بن نوفل و صيفي لا عقب له و نضلة لا عقب له و البقية من سائر ولد هاشم من عبد المطلب و عبد مناف اسمه المغيرة بن قصي و اسمه زيد قصا عن دار قومه لأنه حمل من مكة في صغره إلى بلاد أزدشنوءة و سمي قصيا و يلقب بالمجمع لأنه جمع قبايل قريش بن كلاب بن مرة بن كعب بن لوي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر و سمي قريشا بن خزيمة بن مدركة لأنهم أدركوا الشرف في أيامه بن إلياس لأنه جاء على إياس و انقطاع بن مضر لأخذه بالقلوب و لم يكن يراه أحد إلا أحبه بن نزار و اسمه عمرو بن معد بن عدنان بيان راش جمع المال و الأثاث و الصديق أطعمه و سقاه و كساه و أصلح حاله

 93-  أقول قال صاحب المنتقى و غيره و روي عن ابن عباس و غير واحد قالوا كان رسول الله ص مع أمه آمنة بنت وهب فلما بلغ ست سنين خرجت به إلى أخواله بني عدي بن النجار بالمدينة تزورهم به و معه أم أيمن تحضنه و هم على بعيرين فنزلت به في دار النابغة فأقامت به عندهم شهرا و كان قوم من اليهود يختلفون و ينظرون قالت أم أيمن فسمعت أحدهم يقول هو نبي هذه الأمة و هذه دار هجرته ثم رجعت به أمه إلى مكة فلما كانوا بالأبواء توفيت أمه آمنة فقبرها هناك فرجعت به أم أيمن إلى مكة ثم لما مر رسول الله ص في عمرة الحديبية بالأبواء قال إن الله قد أذن لي في زيارة قبر أمي فأتاه رسول الله ص فأصلحه و بكى عنده و بكى المسلمون لبكاء رسول الله ص فقيل له فقال أدركتني رحمة رحمتها فبكيت

 و روي عن بريدة قال لما فتح رسول الله ص مكة أتى قبرا فجلس إليه و جلس الناس حوله فجعل يتكلم كهيئة المخاطب ثم قام و هو يبكي فاستقبله عمر فقال يا رسول الله ما الذي أبكاك قال هذا قبر أمي سألت ربي الزيارة فأذن لي

 ثم قال في المنتقى وجه الجمع أنه يجوز أنها توفيت بالأبواء ثم حملت إلى مكة فدفنت بها و أما عبد المطلب ع فمات و للنبي ص ثمان سنين و هو ابن ثنتين و ثمانين سنة و يقال ابن مائة و عشرين سنة و سئل رسول الله ص أ تذكر موت عبد المطلب فقال نعم أنا يومئذ ابن ثمان سنين قالت أم أيمن رأيت رسول الله ص يبكي خلف سرير عبد المطلب

 و في رواية توفي عبد المطلب و للنبي ثمانية و عشرون شهرا و الأولى أصح و توفي عبد المطلب في ملك هرمز بن أنوشيروان

  -94  د، ]العدد القوية[ كان لعبد المطلب عشرة أسماء عمر و شيبة الحمد و سيد البطحاء و ساقي الحجيج و ساقي الغيث و غيث الورى في العام الجدب و أبو السادة العشرة و حافر زمزم و عبد المطلب و له عشرة بنين الحارث و الزبير و حجل و هو الغيداق و ضرار و هو نوفل و المقوم و أبو لهب و هو عبد العزى و عبد الله و أبو طالب و حمزة و العباس و كانوا من أمهات شتى إلا عبد الله و أبو طالب و الزبير فإن أمهم فاطمة بنت عمرو بن عائذ و أعقب من البنين خمسة عبد الله أعقب محمدا ص سيد البشر و أبو طالب أعقب جعفرا و عقيلا و عليا ع سيد الوصيين و العباس أعقب عبد الله و قثم و الفضل و عبيد الله و الحارث أعقب عتبة و معتبة و عتيقا و كان لعبد المطلب ست بنات عاتكة و أميمة و البيضاء و هي أم حكيم و برة و صفية و هي أم الزبير و أروى و يقال وريدة و أسلم من أعمام النبي ص أبو طالب و حمزة و العباس و من عماته صفية و أروى و عاتكة و آخر من مات من أعمامه العباس و من عماته صفية

 95-  كا، ]الكافي[ علي بن إبراهيم و غيره رفعوه قال كان في الكعبة غزالان من ذهب و خمسة أسياف فلما غلبت خزاعة جرهم على الحرم ألقت جرهم الأسياف و الغزالين في بئر زمزم و ألقوا فيها الحجارة و طموها و عموا أثرها فلما غلبت قصي على خزاعة لم يعرفوا موضع زمزم و عمي عليهم موضعها فلما غلب عبد المطلب و كان يفرش له في فناء الكعبة و لم يكن يفرش لأحد هناك غيره فبينما هو نائم في ظل الكعبة فرأى في منامه أتاه آت فقال له احفر برة قال و ما برة ثم أتاه في اليوم الثاني فقال احفر طيبة ثم أتاه في اليوم الثالث فقال احفر المضنونة قال ثم أتاه في الرابع فقال احفر زمزم لا تنزح و لا تذم لسقي الحجيج الأعظم عند الغراب الأعصم عند قرية النمل و كان عند زمزم حجر يخرج منه النمل فيقع عليه الغراب الأعصم في كل يوم يلتقط النمل فلما رأى عبد المطلب هذا عرف موضع زمزم فقال لقريش إني عبرت في أربع ليال في حفر زمزم فهي مأثرتنا و عزنا فهلموا نحفرها فلم يجيبوه إلى ذلك فأقبل يحفرها هو بنفسه و كان له ابن واحد و هو الحارث و كان يعينه على الحفر فلما صعب ذلك عليه تقدم إلى باب الكعبة ثم رفع يديه و دعا الله عز و جل و نذر له إن رزقه عشر بنين أن ينحر أحبهم إليه تقربا إلى الله عز و جل فلما حفر و بلغ الطوي طوي إسماعيل و علم أنه قد وقع على الماء كبر و كبرت قريش فقالوا يا أبا الحارث هذه مأثرتنا و لنا فيها نصيب قال لهم لم تعينوني على حفرها هي لي و لولدي إلى آخر الأبد تبيين عمي عليه الأمر التبس قال الجزري في حديث زمزم أتاه آت فقال احفر برة سماه برة لكثرة منافعها و سعة مائها و قال الفيروزآبادي طيبة بالكسر اسم زمزم و قال الجزري فيه احفر المضنونة أي التي يضن بها لنفاستها و عزتها و قال فيه أرى عبد المطلب في منامه احفر زمزم لا تنزف و لا تذم أي لا يفنى ماؤها على كثرة الاستسقاء و لا تذم أي لا تعاب أو لا تلفى مذموما من أذممته إذا وجدته مذموما و قيل لا يوجد ماؤها قليلا من قولهم بئر ذمة إذا كانت قليلة الماء و قال الغراب الأعصم الأبيض الجناحين و قيل الأبيض الرجلين انتهى. و المأثرة بفتح الثاء و ضمها المكرمة و الطوي على فعيل البئر المطوية بالحجارة

 96-  كا، ]الكافي[ عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن القاسم بن يحيى عن جده الحسن بن راشد قال سمعت أبا إبراهيم ع يقول لما احتفر عبد المطلب زمزم و انتهى إلى قعرها خرجت عليه من أحد جوانب البئر رائحة منتنة أفظعته فأبى أن ينثني و خرج ابنه الحارث عنه ثم حفر حتى أمعن فوجد في قعرها عينا تخرج عليه برائحة المسك ثم احتفر فلم يحفر إلا ذراعا حتى تجلاه النوم فرأى رجلا طويل الباع حسن الشعر جميل الوجه جيد الثوب طيب الرائحة يقول احفر تغنم و جد تسلم و لا تذخرها للمقسم الأسياف لغيرك و التبر لك أنت أعظم العرب قدرا و منك يخرج نبيها و وليها و الأسباط و النجباء الحكماء العلماء البصراء و السيوف لهم و ليسوا اليوم منك و لا لك و لكن في القرن الثاني منك بهم ينير الله الأرض و يخرج الشياطين من أقطارها و يذلها في عزها و يهلكها بعد قوتها و يذل الأوثان و يقتل عبادها حيث كانوا ثم يبقى بعده نسل من نسلك هو أخوه و وزيره و دونه في السن و قد كان القادر على الأوثان لا يعصيه حرفا و لا يكتمه شيئا و يشاوره في كل أمر حجم عليه و استعيا عنها عبد المطلب فوجد ثلاثة عشر سيفا مسندة إلى جنبه فأخذها و أراد أن يبث فقال و كيف و لم أبلغ الماء ثم حفر فلم يحفر شبرا حتى بدا له قرن الغزال و رأسه فاستخرجه و فيه طبع لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله فلان خليفة الله فسألته فقلت فلان متى كان قبله أو بعده قال لم يجئ بعد و لا جاء شي‏ء من أشراطه فخرج عبد المطلب و قد استخرج الماء و أدرك و هو يصعد فإذا أسود له ذنب طويل يسبقه بدارا إلى فوق فضربه فقطع أكثر ذنبه ثم طلبه ففاته و فلان قاتله إن شاء الله و من رأي عبد المطلب أن يبطل الرؤيا التي رآها في البئر و يضرب السيوف صفائح للبيت فأتاه الله بالنوم فغشيه و هو في حجر الكعبة فرأى ذلك الرجل بعينه و هو يقول يا شيبة الحمد احمد ربك فإنه سيجعلك لسان الأرض و يتبعك قريش خوفا و رهبة و طمعا ضع السيوف في مواضعها فاستيقظ عبد المطلب فأجابه أنه يأتيني في النوم فإن يكن من ربي فهو أحب إلي و إن يكن من شيطان فأظنه مقطوع الذنب فلم ير شيئا و لم يسمع كلاما فلما أن كان الليل أتاه في منامه بعده من رجال و صبيان فقالوا له نحن أتباع ولدك و نحن من سكان السماء السادسة السيوف ليست لك تزوج في مخزوم تقوى و اضرب بعد في بطون العرب فإن لم يكن معك مال فلك حسب فادفع هذه الثلاثة عشر سيفا إلى ولد المخزومية و لا بيان لك أكثر من هذا و سيف لك منها واحد يقع من يدك فلا تجد له أثرا إلا أن يستجنه جبل كذا و كذا فيكون من أشراط قائم آل محمد ص فانتبه عبد المطلب و انطلق و السيوف على رقبته فأتى ناحية من نواحي مكة ففقد منها سيفا كان أرقها عنده فيظهر من ثم ثم دخل معتمرا و طاف بها على رقبته و الغزالين أحد عشر طوافا و قريش تنظر إليه و هو يقول اللهم صدق وعدك فاثبت لي قولي و انشر ذكري و شد عضدي و كان هذا ترداد كلامه و ما طاف حول البيت بعد رؤياه في البيت ببيت شعر حتى مات و لكن قد ارتجز على بنيه يوم أراد نحر عبد الله فدفع الأسياف جميعها إلى بني المخزومية إلى الزبير و إلى أبي طالب و إلى عبد الله فصار لأبي طالب من ذلك أربعة أسياف سيف لأبي طالب و سيف لعلي و سيف لجعفر و سيف لطالب و كان للزبير سيفان و كان لعبد الله سيفان ثم عادت فصار لعلي الأربعة الباقية اثنين من فاطمة و اثنين من أولادها فطاح سيف جعفر يوم أصيب فلم يدر في يد من وقع حتى الساعة و نحن نقول لا يقع سيف من أسيافنا في يد غيرنا إلا رجل يعين به معنا إلا صار فحما قال و إن منها لواحدا في ناحية يخرج كما تخرج الحية فيبين منه ذراع و ما يشبهه فتبرق له الأرض مرارا ثم يغيب فإذا كان الليل فعل مثل ذلك فهذا دابة حتى يجي‏ء صاحبه و لو شئت أن أسمي مكانه لسميته و لكن أخاف عليكم من أن أسميه فتسموه فينسب إلى غير ما هو عليه

 بيان حتى تجلاه النوم أي غشيه و غلب عليه وجد من الجود أو من الجد و الأول أنسب بترك الذخيرة و الضمير في قوله و لا تذخرها راجع إلى الغنيمة المدلول عليها بقوله تغنم و المقسم مصدر ميمي بمعنى القسمة أي لا تجعلها ذخيرة لأن تقسم بعدك و التبر بالكسر الذهب و الفضة و في بعض النسخ البئر. قوله ع و استعيا عنها عبد المطلب لعله من قولهم عيي إذا لم يهتد لوجهه و أعيا الرجل في المشي و أعيا عليه الأمر و المعنى أنه تحير في الأمر و لم يدر معنى ما رأى في منامه أو ضعف و عجز عن البئر و حفرها و في بعض النسخ بالغين المعجمة و الباء الموحدة من قولهم غبي عليه الشي‏ء إذا لم يعرفه و هو قريب من الأول. قوله ع و أراد أن يبث أي ينشر و يذكر خبر الرؤيا فكتمه أو يفرق السيوف على الناس فأخره و في بعض النسخ يثب بتقديم المثلثة من الوثوب أي يثب عليها فيتصرف فيها أو يثب على الناس بهذه السيوف. قوله فلان خليفة الله أي القائم ع و الأسود لعله كان الشيطان و القائم ع يقتله كما سيأتي في كتاب الغيبة و لذا قال عبد المطلب فأظنه مقطوع الذنب. قوله ع و يضرب السيوف صفائح للبيت أي يلصقها بباب البيت لتكون صفائح لها أو يبيعها و يصنع من ثمنها صفائح البيت و في بعض النسخ مفاتيح للبيت فيحتمل أن يكون المراد أن يجاهد المشركين فيستولي عليهم و يخلص البيت من أيديهم. قوله ع فأجابه أي أجاب عبد المطلب الرجل الذي كلمه في المنام قوله تزوج في مخزوم تزوج عبد المطلب فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمر بن مخزوم أم عبد الله و الزبير و أبي طالب قوله و اضرب بعد في بطون العرب أي تزوج في أي بطن منهم شئت و الحاصل أنك لا بد لك أن تتزوج في بني مخزوم ليحصل والد النبي و الأوصياء ص و يرثوا السيوف و أما سائر القبائل فالأمر إليك و يحتمل أن يكون المراد جاهد بطون العرب و قاتلهم و الأول أظهر. قوله إلا أن يستجنه و في بعض النسخ يسجنه أي يخفيه و يستره قوله فيظهر من ثم أي يظهر في زمن القائم ع من هذا الموضع الذي فقد فيه أو من الجبل الذي تقدم ذكره و لعله كان كل سيف لمعصوم و كان بعددهم و سيف القائم ع أخفاه الله في هذا المكان ليظهر له عند خروجه. قوله فصار لعلي يحتمل أن يكون المراد بالأربعة الباقية تتمة الثمانية المذكورة إلى اثني عشر و يكون المراد بفاطمة أمه ع أي صارت الأربعة الباقية أيضا إلى علي ع من قبل أمه و إخوته حيث وصل إليهم من جهة أبي طالب زائدا على ما تقدم أو يكون المراد بفاطمة بنت النبي ص بأن يكون النبي ص أعطاها سيفين غير الثمانية و أعطى الحسنين ع سيفين و يحتمل أن يراد بالأربعة سيوف الزبير و عبد الله فيكون الأربعة الأخرى مسكوتا عنها. قوله ع إلا صار فحما أي يسود و يبطل و لا يأتي منه شي‏ء حتى يرجع إلينا. قوله ع و إن منها لواحدا لعله هو الذي فقد من عبد المطلب يظهر هكذا عند ظهوره القائم ع ليأخذه. قوله ع فينسب إلى غير ما هو عليه أي يتغير مكانه أو يأخذه غير القائم ع.

  أقول قال عبد الحميد بن أبي الحديد قال محمد بن إسحاق لما أنبط عبد المطلب الماء في زمزم حسدته قريش فقالت له يا عبد المطلب إنها بئر أبينا إسماعيل و إن لنا فيها حقا فأشركنا معك قال ما أنا بفاعل إن هذا الأمر أمر خصصت به دونكم و أعطيته من بينكم فقالوا له فإنا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها قال فاجعلوا بيني و بينكم حكما أحاكمكم إليه قالوا كاهنة بني سعد بن هزيم قال نعم و كانت بأشراف الشام فركب عبد المطلب في نفر من بني عبد مناف و خرج من كل قبيلة من قبائل قريش قوم و الأرض إذ ذاك مفاوز حتى إذا كانوا ببعض تلك المفاوز بين الحجاز و الشام نفد ما كان مع عبد المطلب و بني أبيه من الماء و عطشوا عطشا شديدا فاستسقوا قومهم فأبوا أن يسقوهم و قالوا نحن بمفازة و نخشى على أنفسنا مثل الذي أصابكم فلما رأى عبد المطلب ما صنع القوم و خاف على نفسه و أصحابه الهلاك قال لأصحابه ما ترون قالوا ما رأينا إلا تبع لرأيك فمرنا بما أحببت قال فإني أرى أن يحفر كل رجل منا حفرة لنفسه بما معه من القوة فكلما مات رجل دفنه أصحابه في حفرته حتى يكون آخركم رجل واحد فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب قالوا نعم ما أشرت فقام كل رجل منهم فحفر حفيرة لنفسه و قعدوا ينتظرون الموت ثم إن عبد المطلب قال لأصحابه و الله إن إلقاءنا بأيدينا كذا للموت لا نضرب في الأرض فنطلب الماء لعجز فقوموا فعسى الله أن يرزقنا ماء ببعض الأرض ارتحلوا فارتحلوا و من معهم من قبائل قريش ينظرون إليهم ما هم صانعون فتقدم عبد المطلب إلى راحلته فركبها فلما انبعثت به انفجر من تحت خفها عين من ماء عذب فكبر عبد المطلب و كبر أصحابه ثم نزل فشرب و شرب أصحابه و استقوا حتى ملئوا أسقيتهم ثم دعا القبائل من قريش فقال لهم هلموا إلى الماء فقد سقانا الله فاشربوا و استقوا فجاءوا فشربوا و استقوا ثم قالوا له قد و الله قضي لك علينا و الله لا نخاصمك في زمزم أبدا إن الذي سقاك هذا الماء بهذه المفازة هو سقاك زمزم فارجع إلى سقايتك راشدا فرجع و رجعوا معه لم يصلوا إلى الكاهنة و خلوا بينه و بين زمزم

 97-  كا، ]الكافي[ علي عن أبيه و محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد جميعا عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبان عن أبي بصير عن أبي جعفر ع قال لم يزل بنو إسماعيل ولاة البيت يقيمون للناس حجهم و أمر دينهم يتوارثونه كابر عن كابر حتى كان زمن عدنان بن أدد فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم و أفسدوا و أحدثوا في دينهم و أخرج بعضهم بعضا فمنهم من خرج في طلب المعيشة و منهم من خرج كراهية القتال و في أيديهم أشياء كثيرة من الحنيفية من تحريم الأمهات و البنات و ما حرم الله في النكاح إلا أنهم كانوا يستحلون امرأة الأب و ابنة الأخت و الجمع بين الأختين و كان في أيديهم الحج و التلبية و الغسل من الجنابة إلا ما أحدثوا في تلبيتهم و في حجهم من الشرك و كان فيما بين إسماعيل و عدنان بن أدد موسى ع و روي أن معد بن عدنان خاف أن يدرس الحرم فوضع أنصابه و كان أول من وضعها ثم غلبت جرهم بمكة على ولاية البيت فكان يلي منهم كابر عن كابر حتى بغت جرهم بمكة و استحلوا حرمتها و أكلوا مال الكعبة و ظلموا من دخل مكة و عتوا و بغوا و كانت مكة في الجاهلية لا يظلم و لا يبغى فيها و لا يستحل حرمتها ملك إلا هلك مكانه و كانت تسمى بكة لأنها تبك أعناق الباغين إذا بغوا فيها و تسمى بساسة كانوا إذا ظلموا فيها بستهم و أهلكتهم و سمي أم رحم كانوا إذا لزموها رحموا فلما بغت جرهم و استحلوا فيها بعث الله عز و جل عليهم الرعاف و النمل و أفناهم فغلبت خزاعة و اجتمعت ليجلوا من بقي من جرهم عن الحرم و رئيس خزاعة عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو و رئيس جرهم عمرو بن الحارث بن مصاص الجرهمي فهزمت خزاعة جرهم و خرج من بقي من جرهم إلى أرض من أرض جهينة فجاءهم سيل أتي لهم فذهب بهم و وليت خزاعة البيت فلم يزل في أيديهم حتى جاء قصي بن كلاب و أخرج خزاعة من الحرم و ولي البيت و غلب عليه

 بيان أدد كعمر بضمتين و الدرس الانمحاء و جرهم كقنفذ حي من اليمن و الرحم بالضم الرحمة و الرعاف في بعض النسخ بالراء المهملة و هو بالضم خروج الدم من الأنف و في بعضها بالمعجمة يقال موت زعاف أي سريع فالمراد به الطاعون. و قال الفيروزآبادي النملة قروح في الجنب كالنمل و بثر يخرج في الجسد بالتهاب و احتراق و يرم مكانها يسيرا و يدب إلى موضع آخر كالنملة قوله ع سيل أتي هو بالتشديد على وزن فعيل سيل جاءك و لم يصبك مطره و السيل الأتي أيضا الغريب

 98-  كا، ]الكافي[ أبو علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن محمد بن إسماعيل عن علي بن النعمان عن سعيد الأعرج عن أبي عبد الله ع قال إن العرب لم يزالوا على شي‏ء من الحنيفية يصلون الرحم و يقرون الضيف و يحجون البيت و يقولون اتقوا مال اليتيم فإن مال اليتيم عقال و يكفون عن أشياء من المحارم مخافة العقوبة و كانوا لا يملى لهم إذا انتهكوا المحارم و كانوا يأخذون من لحاء شجر الحرم فيعلقونه في أعناق الإبل فلا يجترئ أحد أن يأخذ من تلك الإبل حيث ما ذهبت و لا يجترئ أحد أن يعلق من غير لحاء شجر الحرم أيهم فعل ذلك عوقب و أما اليوم فأملي لهم و لقد جاء أهل الشام فنصبوا المنجنيق على أبي قبيس فبعث الله عليهم سحابة كجناح الطير فأمطرت عليهم صاعقة فأحرقت سبعين رجلا حول المنجنيق

 بيان الإقراء الضيافة و الإملاء المهلة و انتهاك الحرمة تناولها بما لا يحل و اللحاء بالكسر ممدودا و مقصورا ما على العود من القشر و الظاهر أن نصب المنجنيق كان لتخريب البيت

 99-  كا، ]الكافي[ الحسين بن محمد عن المعلى عن الوشاء عن أحمد بن عائذ عن أبي خديجة عن أبي عبد الله ع قال جاء رجل النبي ص فقال إني ولدت بنتا و ربيتها حتى إذا بلغت فألبستها و حليتها ثم جئت بها إلى قليب فدفعتها في جوفه و كان آخر ما سمعت منها و هي تقول يا أبتاه فما كفارة ذلك قال أ لك أم حية قال لا قال فلك خالة حية قال نعم قال فابررها فإنها بمنزلة الأم تكفر عنك ما صنعت قال أبو خديجة فقلت لأبي عبد الله متى كان هذا قال كان في الجاهلية و كانوا يقتلون البنات مخافة أن يسبين فيلدن في قوم آخرين

 100-  كنز الكراجكي، عن الحسين بن عبيد الله عن هارون بن موسى عن محمد بن همام عن الحسن بن جمهور عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن مالك بن عطية قال لما حفر عبد المطلب بن هاشم زمزم و أنبط منها الماء أخرج منها غزالين من ذهب و سيوفا و أدراعا فجعل الغزالين زينة للكعبة و أخذ السيوف و الدروع و قال هذه وديعة كان أودعها مضاض الجرهمي بن الحارث بن عمرو بن مضاض و الحارث الذي يقول شعر

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس و لم يسمر بمكة سامربلى نحن كنا أهلها فأبادنا صروف الليالي و الجدود العواثرو يمنعنا من كل فج نريده أقب كسرحان الإباءة ضامرو كل لجوج في الجراء طمرة كعجزاء فتحاء الجناحين كاسر

 و القصيدة طويلة فحسدته قريش بذلك فقالوا نحن شركاؤك فيها فقال هذه فضيلة بنت بها دونكم أريتها في منامي ثلاث ليال تباعا قالوا فحاكمنا إلى من شئت من حكام العرب فخرجوا إلى الشام يريدون أحد كهانها و علمائها فأصابهم عطش شديد فأوصى بعضهم إلى بعض فبينا هم على تلك الحال إذ بركت ناقة عبد المطلب فنبع الماء من بين أخفافها فشربوا و تزودوا و قالوا يا عبد المطلب إن الذي سقاك في هذه البادية القفر هو الذي سقاك بمكة فرجعوا و سلموا له هذه المأثرة بيان القبب الضمر و خمص البطن و الإباءة أجمة القصب و الجراء بالكسر جمع الجر و هو بالضم و الكسر ولد الكلب و السباع و فرس طمر بالكسر و تشديد الراء و هو المستفز للوثب و العدو و عقاب عجزاء قصيرة الذنب و يقال كسر الطائر إذا ضم جناحيه حين ينقض و الكاسر العقاب ذكرها الجوهري