باب 11- قصص يونس و أبيه متى

 الآيات يونس فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ مَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ الأنبياء وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَ نَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَ كَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ الصافات وَ إِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَ هُوَ مُلِيمٌ فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَ هُوَ سَقِيمٌ وَ أَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ وَ أَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ ن وَ لا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَ هُوَ مَكْظُومٌ لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَ هُوَ مَذْمُومٌ فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ تفسير وَ لا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ قال الطبرسي يعني يونس ع أي لا تكن مثله في استعجال عقاب قومه و لا تخرج من بين قومك قبل أن يأذن الله لك كما خرج إِذْ نادى وَ هُوَ مَكْظُومٌ أي دعا ربه في جوف الحوت و هو محبوس عن التصرف في الأمور و قيل مكظوم أي مختنق بالغم إذ لم يجد لغيظه شفاء لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ أي لو لا أن أدركته رحمة من ربه بإجابة دعائه و تخليصه من بطن الحوت لَنُبِذَ أي طرح بِالْعَراءِ أي بالفضاء وَ هُوَ مَذْمُومٌ قد أتى بما يلام عليه لكن الله تعالى تداركه بنعمة من عنده فنبذ بالعراء و هو غير مذموم

 1-  فس، ]تفسير القمي[ كَصاحِبِ الْحُوتِ يعني يونس ع لما دعا على قومه ثم ذَهَبَ مُغاضِباً لله و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله إِذْ نادى ربه وَ هُوَ مَكْظُومٌ أي مغموم و قال علي بن إبراهيم في قوله لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ قال النعمة الرحمة لَنُبِذَ بِالْعَراءِ قال العراء الموضع الذي لا سقف له

 2-  فس، ]تفسير القمي[ أبي عن ابن أبي عمير عن جميل قال قال لي أبو عبد الله ع ما رد الله العذاب إلا عن قوم يونس و كان يونس يدعوهم إلى الإسلام فيأبون ذلك فهم أن يدعو عليهم و كان فيهم رجلان عابد و عالم و كان اسم أحدهما مليخا و الآخر اسمه روبيل فكان العابد يشير على يونس بالدعاء عليهم و كان العالم ينهاه و يقول لا تدع عليهم فإن الله يستجيب لك و لا يحب هلاك عباده فقبل قول العابد و لم يقبل من العالم فدعا عليهم فأوحى الله إليه يأتيهم العذاب في سنة كذا و كذا في شهر كذا و كذا في يوم كذا و كذا فلما قرب الوقت خرج يونس من بينهم مع العابد و بقي العالم فيها فلما كان في ذلك اليوم نزل العذاب فقال العالم لهم يا قوم افزعوا إلى الله فلعله يرحمكم و يرد العذاب عنكم فقالوا كيف نصنع قال اجتمعوا و أخرجوا إلى المفازة و فرقوا بين النساء و الأولاد و بين الإبل و أولادها و بين البقر و أولادها و بين الغنم و أولادها ثم ابكوا و ادعوا فذهبوا و فعلوا ذلك و ضجوا و بكوا فرحمهم الله و صرف عنهم العذاب و فرق العذاب على الجبال و قد كان نزل و قرب منهم فأقبل يونس ينظر كيف أهلكهم الله فرأى الزارعون يزرعون في أرضهم قال لهم ما فعل قوم يونس فقالوا له و لم يعرفوه أن يونس دعا عليهم فاستجاب الله له و نزل العذاب عليهم فاجتمعوا و بكوا فدعوا فرحمهم الله و صرف ذلك عنهم و فرق العذاب على الجبال فهم إذا يطلبون يونس ليؤمنوا به فغضب يونس و مر على وجهه مغاضبا به كما حكى الله حتى انتهى إلى ساحل البحر فإذا سفينة قد شحنت و أرادوا أن يدفعوها فسألهم يونس أن يحملوه فحملوه فلما توسطوا البحر بعث الله حوتا عظيما فحبس عليهم السفينة من قدامها فنظر إليه يونس ففزع منه و صار إلى مؤخر السفينة فدار إليه الحوت و فتح فاه فخرج أهل السفينة فقالوا فينا عاص فتساهموا فخرج سهم يونس و هو قول الله عز و جل فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ فأخرجوه فألقوه في البحر فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ و مر به في الماء و قد سأل بعض اليهود أمير المؤمنين ع عن سجن طاف أقطار الأرض بصاحبه فقال يا يهودي أما السجن الذي طاف الأرض بصاحبه فإنه الحوت الذي حبس يونس في بطنه فدخل في بحر القلزم ثم خرج إلى بحر مصر ثم دخل إلى بحر طبرستان ثم خرج في دجلة الغوراء قال ثم مرت به تحت الأرض حتى لحقت بقارون و كان قارون هلك في أيام موسى ع و وكل الله به ملكا يدخل في الأرض كل يوم قامة رجل و كان يونس في بطن الحوت يسبح الله و يستغفره فسمع قارون صوته فقال للملك الموكل به أنظرني فإني أسمع كلام آدمي فأوحى الله إلى الملك الموكل به أنظره فأنظره ثم قال قارون من أنت قال يونس أنا المذنب الخاطئ يونس بن متى قال فما فعل الشديد الغضب لله موسى بن عمران قال هيهات هلك قال فما فعل الرءوف الرحيم على قومه هارون بن عمران قال هلك قال فما فعلت كلثم بنت عمران التي كانت سميت لي قال هيهات ما بقي من آل عمران أحد فقال قارون وا أسفاه على آل عمران فشكر الله له ذلك فأمر الله الملك الموكل به أن يرفع عنه العذاب أيام الدنيا فرفع عنه فلما رأى يونس ذلك نادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فاستجاب الله له و أمر الحوت فلفظه على ساحل البحر و قد ذهب جلده و لحمه و أنبت الله عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ و هي الدباء فأظلته من الشمس فسكن ثم أمر الله الشجرة فتنحت عنه و وقعت الشمس عليه فجزع فأوحى الله إليه يا يونس لم ترحم مائة ألف أو يزيدون و أنت تجزع من ألم ساعة فقال يا رب عفوك عفوك فرد الله بدنه و رجع إلى قومه و آمنوا به و هو قوله فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ مَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ فقالوا فمكث يونس في بطن الحوت تسع ساعات ثم قال الله لنبيه ص وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ يعني لو شاء الله أن يجبر الناس كلهم على الإيمان لفعل

 و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع قال لبث يونس في بطن الحوت ثلاثة أيام و نادى فِي الظُّلُماتِ ظلمة بطن الحوت و ظلمة الليل و ظلمة البحر أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فاستجاب له ربه فأخرجه الحوت إلى الساحل ثم قذفه فألقاه بالساحل و أنبت الله عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ و هو القرع فكان يمصه و يستظل به بورقه و كان تساقط شعره و رق جلده و كان يونس ع يسبح و يذكر الله الليل و النهار فلما أن قوي و اشتد بعث الله دودة فأكلت أسفل القرع فذبلت القرعة ثم يبست فشق ذلك على يونس فظل حزينا فأوحى الله إليه ما لك حزينا يا يونس قال يا رب هذه الشجرة التي تنفعني سلطت عليها دودة فيبست قال يا يونس أ حزنت لشجرة لم تزرعها و لم تسقها و لم تعن بها إن يبست حين استغنيت عنها و لم تحزن لأهل نينوى أكثر من مائة ألف أردت أن ينزل عليهم العذاب إن أهل نينوى قد آمنوا و اتقوا فارجع إليهم فانطلق يونس ع إلى قومه فلما دنا من نينوى استحيا أن يدخل فقال لراع لقيه ايت أهل نينوى فقل لهم إن هذا يونس قد جاء قال الراعي أ تكذب أ ما تستحيي و يونس قد غرق في البحر و ذهب قال له يونس اللهم إن هذه الشاة تشهد لك أني يونس فلما أتى الراعي قومه و أخبرهم أخذوه و هموا بضربه فقال إن لي بينة بما أقول قالوا من يشهد قال هذه الشاة تشهد فشهدت بأنه صادق و إن يونس قد رده الله إليهم فخرجوا يطلبونه فوجدوه فجاءوا به و آمنوا و حسن إيمانهم فمتعهم الله إِلى حِينٍ و هو الموت و أجارهم من ذلك العذاب

 و قال علي بن إبراهيم في قوله وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً قال هو يونس و معنى ذا النون أي ذا الحوت قوله فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ قال أنزله على أشد الأمرين فظن به أشد الظن و قال إن جبرئيل استثنى في هلاك قوم يونس و لم يسمعه يونس قلت ما كان حال يونس لما ظن أن الله لن يقدر عليه قال كان من أمر شديد قلت و ما كان سببه حتى ظن أن الله لن يقدر عليه قال وكله إلى نفسه طرفة عين قال و حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع قال سمعت أم سلمة النبي ص يقول في دعائه اللهم و لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا فسألته في ذلك فقال ص يا أم سلمة و ما يؤمنني و إنما وكل الله يونس بن متى إلى نفسه طرفة عين فكان منه ما كان

  و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً يقول من أعمال قومه فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ يقول ظن أن لن يعاقب بما صنع

 بيان قوله تعالى فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ قال الطبرسي رحمه الله قيل إن معناه فهلا كان أهل قرية آمنوا في وقت ينفعهم إيمانهم أعلم الله سبحانه أن الإيمان لا ينفع عند وقوع العذاب و لا عند حضور الموت الذي لا يشك فيه لكن قوم يونس لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ العذاب عن الزجاج قال و قوم يونس لم يقع بهم العذاب إنما رأوا الآية التي تدل على العذاب فمثلهم مثل العليل الذي يرجو العافية و يخاف الموت و قيل إن معناه فما كانت قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها يريد بذلك لم يكن هذا معروفا لأمة من الأمم كفرت ثم آمنت عند نزول العذاب و كشف عنهم أي لم أفعل هذا بأمة قط إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا عند نزول العذاب كشفت عنهم العذاب بعد ما تدلى عليهم عن قتادة و ابن عباس و قيل إنه أراد بقوله فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ قوم ثمود فإنه قد جاءهم العذاب يوما فيوما كما جاء قوم يونس إلا أن قوم يونس استدركوا ذلك بالتوبة و أولئك لم يستدركوا فوصف أهل القرية بأنهم سوى قوم يونس ليعرفهم به بعض التعريف إذ كان أخبر عنهم على سبيل الإخبار عن النكرة عن الجبائي و هذا إنما يصح إذا كان إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ مرفوعا انتهى. قوله أنزله على أشد الأمرين ظاهره أن المراد أن الله تعالى لما كلفه أمرا شديدا و هو الصبر على وقوع خلاف ما أخبر به ظن به تعالى ظنا شديدا لا يليق به أو المعنى أنه لما وكله الله إلى نفسه و هو أشد الأمور ظن بالله أشد الظن بفرط الرجاء حيث غفل عن عقابه تعالى و سيأتي بسط القول في تأويل الآية

 3-  ع، ]علل الشرائع[ الدقاق عن الأسدي عن النخعي عن النوفلي عن علي بن سالم عن أبيه عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله ع لأي علة صرف الله عز و جل العذاب عن قوم يونس و قد أظلهم و لم يفعل ذلك بغيرهم من الأمم فقال لأنه كان في علم الله عز و جل أنه سيصرفه عنهم لتوبتهم و إنما ترك إخبار يونس بذلك لأنه عز و جل أراد أن يفرغه لعبادته في بطن الحوت فيستوجب بذلك ثوابه و كرامته

 شي، ]تفسير العياشي[ عن أبي بصير مثله بيان يمكن توجيه الخبر بوجهين الأول أن يكون السؤال عن علة عدم نزول العذاب عليهم دفعة بل بأن أظلهم و لم ينزل بهم حتى تابوا فالجواب أنه لما علم الله أنهم يتوبون بعد رؤيته جعله مظلا بهم حتى تابوا فصرف عنهم. الثاني أن يكون السؤال على ظاهره و يكون الجواب أنهم لما تابوا صرف عنهم و التعرض لحديث العلم لبيان أنه كان عالما بتوبتهم و إنما لم يخبر يونس للحكمة المذكورة و الأول أظهر لا سيما في الخبر الآتي

 4-  ع، ]علل الشرائع[ ابن الوليد عن الصفار عن ابن أبي الخطاب عن الحسين بن علي بن فضال عن أبي المغراء عن سماعة أنه سمعه ع و هو يقول ما رد الله العذاب عن قوم قد أظلهم إلا قوم يونس فقلت أ كان قد أظلهم فقال نعم حتى نالوه بأكفهم قلت فكيف كان ذلك قال كان في العلم المثبت عند الله عز و جل الذي لم يطلع عليه أحد أنه سيصرفه عنهم

 5-  ع، ]علل الشرائع[ أبي عن الحميري عن إبراهيم بن مهزيار عن أخيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله ع قال مر يونس بن متى ع بصفائح الروحاء و هو يقول لبيك كشاف الكرب العظام لبيك الخبر

 كا، ]الكافي[ علي عن أبيه عن ابن أبي عمير مثله

 6-  كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن سجيم عن ابن أبي يعفور قال سمعت أبا عبد الله ع يقول و هو رافع يده إلى السماء رب لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا لا أقل من ذلك و لا أكثر قال فما كان بأسرع من أن تحدر الدموع من جوانب لحيته ثم أقبل علي فقال يا ابن أبي يعفور إن يونس بن متى وكله الله عز و جل إلى نفسه أقل من طرفة عين فأحدث ذلك الظن قلت فبلغ به كفرا أصلحك الله قال لا و لكن الموت على تلك الحال هلاك

 7-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ في خبر ابن الجهم أنه سأل المأمون الرضا ع عن قول الله عز و جل وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فقال الرضا ع ذلك يونس بن متى ع ذهب مغاضبا لقومه فَظَنَّ بمعنى استيقن أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ أي لن نضيق عليه رزقه و منه قول الله عز و جل وَ أَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ أي ضيق عليه فقتر فَنادى فِي الظُّلُماتِ ظلمة الليل و ظلمة البحر و بطن الحوت أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ بتركي مثل هذه العبادة التي قد فرغتني لها في بطن الحوت فاستجاب الله له و قال عز و جل فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ

  بيان بتركي مثل هذه العبادة أي لما عبد الله تعالى في بطن الحوت أحسن العبادة و ذكره أحسن الذكر لفراغ باله عن الشواغل خضع لله و أقر بالظلم حيث ترك قبل دخوله في بطن الحوت مثل تلك العبادة و لعل ذكر الآية الأخيرة لبيان أنه كان مشتغلا بالتسبيح في بطن الحوت و يحتمل أن يكون ع تأول الآية بأنه لو لم يكن خارجا من بطن الحوت من المسبحين للبث في بطنه لأنه كان أصلح له و أفرغ لعبادته و لكنه لما كان في الخارج أيضا من المسبحين و كان يترتب على خروجه هداية الخلق أيضا فلذا أخرجناه. و لنذكر بعض ما قيل من التأويلات في تلك الآيات قال السيد قدس الله روحه أما من ظن أن يونس ع خرج مغاضبا لربه من حيث لم ينزل بقومه العذاب فقد خرج في الافتراء على الأنبياء بسوء الظن بهم عن الحد و ليس يجوز أن يغاضب ربه إلا من كان معاديا و جاهلا بأن الحكمة في سائر أفعاله و هذا لا يليق بأتباع الأنبياء من المؤمنين فضلا عمن عصمه الله و رفع درجته و أقبح من ذلك ظن الجهال أنه ظن أن ربه لا يقدر عليه من جهة القدرة التي يصح بها الفعل و يكاد يخرج عندنا من ظن بالأنبياء مثل ذلك عن باب التمييز و التكليف و لكن كان غضبه ع على قومه لمقامهم على تكذيبه و إصرارهم على الكفر و يأسه من إقلاعهم و توبتهم فخرج من بينهم خوفا من أن ينزل العذاب بهم و هو مقيم بينهم فأما قوله فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فمعناه إنا لا نضيق عليه المسلك و نشدد عليه المحنة و التكليف لأن ذلك مما يجوز أن يظنه النبي و لا شك في أن قول القائل قدرت و قدرت بالتشديد و التخفيف معناه التضييق قال الله تعالى وَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ و قال تعالى اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَقْدِرُ و قال تعالى وَ أَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ و التضييق الذي قدره الله عليه هو ما لحقه من الحصول في بطن الحوت و ما لحقه في ذلك من المشقة الشديدة إلى أن نجاه الله تعالى منها و أما قوله تعالى فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فهو على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى و الخضوع بين يديه و ليس لأحد أن يقول كيف يعترف بأنه كان من الظالمين و لم يقع منه ظلم و ذلك أنه يمكن أن يريد أني من الذين يقع منهم الظلم فيكون صدقا و إن ورد على سبيل الخشوع و الخضوع لأن جنس البشر لا يمتنع منه وقوع الظلم و الفائدة في ذلك التطأمن لله تعالى و التخاضع و نفي التكبر و التجبر كما يقول الإنسان إذا أراد أن يكسر نفسه إنما أنا من البشر و لست من الملائكة و أنا ممن يخطئ و يصيب و هو لا يريد إضافة الخطاء إلى نفسه انتهى. أقول على ما ذكره رحمه الله يحتمل أن يكون الغرض عد نعمه تعالى عليه بأني مع كوني ممن يقع منه الظلم عصمتني عنه فلو وكلتني إلى نفسي لكنت مثلهم ظالما و لكن بعصمتك نجيتني و من آداب الدعاء و المسألة عد النعم السالفة للمنعم على السائل. ثم قال رحمه الله و وجه آخر و هو أنا قد بينا في قصة آدم ع أن المراد بذلك أنا نقصنا الثواب و بخسنا حظنا منه لأن الظلم في أصل اللغة النقص و الثلم و من ترك المندوب فقد ظلم نفسه من حيث نقصها ثواب ذلك و أما قوله تعالى فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَ لا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ فليس على ما ظنه الجهال من أنه ثقل عليه أعباء النبوة لضيق خلقه فقذفها و إنما الصحيح أن يونس لم يقو على الصبر على تلك المحنة التي ابتلاه الله بها لغاية الثواب فشكا إلى الله تعالى منها و سأله الفرج و الخلاص

  و لو صبر لكان أفضل فأراد الله لنبيه ص أفضل المنازل و أعلاها انتهى. أقول لما كان الظاهر من أكثر الأخبار أنه كان هجرته عن القوم بعد العلم بتوبتهم و صرف العذاب عنهم فيحتمل أن يكون غضبه كناية عن حزنه و أسفه على طلب العذاب لهم و خوفه من أن يكذبوه بعد رجوعه إليهم حيث لم يقع ما أخبر به و أما قوله تعالى فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فالأكثر على أنه بمعنى التضييق كما مر و قد قيل فيه وجوه أخر. الأول أن يكون هذا من باب التمثيل يعني كانت حاله و مثله كحالة من ظن أن لن نقدر عليه في خروجه من قومه من غير انتظار لأمر الله. و الثاني أن يفسر القدر بالقضاء فالمعنى فظن أن لن نقضي عليه بشدة و هو قول مجاهد و قتادة و الضحاك و الكلبي و رواية العوفي عن ابن عباس و اختيار الفراء و الزجاج و يؤيده أنه قرئ في الشواذ بضم النون و تشديد الدال المكسورة. و الثالث أن المعنى فظن أن لن نعمل فيه قدرتنا لأن بين القدرة و الفعل مناسبة فلا يبعد جعل أحدهما مجازا عن الآخر. الرابع أنه استفهام بمعنى التوبيخ. ثم اختلفوا في الظلمات فقيل أي في الظلمة الشديدة المتكاثفة في بطن الحوت و قيل ظلمة الليل و البحر و الحوت و قيل كان حوت في بطن حوت

 8-  ل، ]الخصال[ الفامي و ابن مسرور عن ابن بطة عن الصفار عن ابن معروف عن حماد عن حريز عمن أخبره عن أبي جعفر ع قال أول من سوهم عليه مريم بنت عمران و هو قول الله تعالى وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ و السهام ستة ثم استهموا في يونس لما ركب مع القوم فوقفت السفينة في اللجة فاستهموا فوقع السهم على يونس ثلاث مرات قال فمضى يونس إلى صدر السفينة فإذا الحوت فاتح فاه فرمى بنفسه الخبر

  -9  مع، ]معاني الأخبار[ معنى يونس أنه كان مستأنسا لربه مغاضبا لقومه و صار مؤنسا لقومه بعد رجوعه إليهم

 10-  ير، ]بصائر الدرجات[ ابن معروف عن سعدان عن صباح المزني عن الحارث بن حصيرة عن حبة العرني قال قال أمير المؤمنين ع إن الله عرض ولايتي على أهل السماوات و على أهل الأرض أقر بها من أقر و أنكرها من أنكر أنكرها يونس فحبسه الله في بطن الحوت حتى أقر بها

 بيان المراد بالإنكار عدم القبول التام و ما يلزمه من الاستشفاع و التوسل بهم

 11-  ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بالإسناد إلى الصدوق بإسناده إلى ابن أورمة عن الحسن بن علي بن محمد عن رجل عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال خرج يونس ع مغاضبا من قومه لما رأى من معاصيهم حتى ركب مع قوم في سفينة في اليم فعرض لهم حوت ليغرقهم فساهموا ثلاث مرات فقال يونس إياي أراد فاقذفوني و لما أخذت السمكة يونس أوحى الله تعالى جل و علا إليها أني لم أجعله لك رزقا فلا تكسر له عظما و لا تأكل له لحما قال فطافت به البحار فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ و قال لما صارت السمكة في البحر الذي فيه قارون سمع قارون صوتا لم يسمعه فقال للملك الموكل به ما هذا الصوت قال هو يونس النبي ع في بطن الحوت قال فتأذن لي أن أكلمه قال نعم قال يا يونس ما فعل هارون قال مات فبكى قارون قال ما فعل موسى قال مات فبكى قارون فأوحى الله تعالى جلت عظمته إلى الملك الموكل به أن خفف العذاب على قارون لرقته على قرابته

  و في خبر آخر ارفع عنه العذاب بقية أيام الدنيا لرقته على قرابته ثم قال أبو عبد الله ع إن النبي ص يقول ما ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى ع

 بيان لعل المعنى على تقدير صحة الخبر أنه لا ينبغي أن يقول أحد أنا خير من يونس من حيث المعراج بأن يظن أني صرت من حيث العروج إلى السماء أقرب إلى الله تعالى منه فإن نسبته تعالى إلى السماء و الأرض و البحار نسبة واحدة و إنما أراني الله تعالى عجائب خلقه في السماوات و أرى يونس عجائب خلقه في البحار و إني عبدت الله في السماء و هو عبد الله في ظلمات البحار و لكن التفضيل من جهات أخر

 12-  شي، ]تفسير العياشي[ عن أبي عبيدة الحذاء عن أبي جعفر ع قال سمعته يقول وجدنا في بعض كتب أمير المؤمنين ع قال حدثني رسول الله ص أن جبرئيل ع حدثه أن يونس بن متى ع بعثه الله إلى قومه و هو ابن ثلاثين سنة و كان رجلا يعتريه الحدة و كان قليل الصبر على قومه و المداراة لهم عاجزا عما حمل من ثقل حمل أوقار النبوة و أعلامها و إنه يفسخ تحتها كما يفسخ الجذع تحت حمله و أنه أقام فيهم يدعوهم إلى الإيمان بالله و التصديق به و اتباعه ثلاثا و ثلاثين سنة فلم يؤمن به و لم يتبعه من قومه إلا رجلان اسم أحدهما روبيل و اسم الآخر تنوخا و كان روبيل من أهل بيت العلم و النبوة و الحكمة و كان قديم الصحبة ليونس بن متى من قبل أن يبعثه الله بالنبوة و كان تنوخا رجلا مستضعفا عابدا زاهدا منهمكا في العبادة و ليس له علم و لا حكم و كان روبيل صاحب غنم يرعاها و يتقوت منها و كان تنوخا رجلا حطابا يحتطب على رأسه و يأكل من كسبه و كان لروبيل منزلة من يونس غير منزلة تنوخا لعلم روبيل و حكمته و قديم صحبته فلما رأى يونس ع أن قومه لا يجيبونه و لا يؤمنون به ضجر و عرف من نفسه قلة الصبر فشكا ذلك إلى ربه و كان فيما شكا أن قال يا رب إنك بعثتني إلى قومي و لي ثلاثون سنة فلبثت فيهم أدعوهم إلى الإيمان بك و التصديق برسالاتي و أخوفهم عذابك و نقمتك ثلاثا و ثلاثين سنة فكذبوني و لم يؤمنوا بي و جحدوا نبوتي و استخفوا برسالاتي و قد تواعدوني و خفت أن يقتلوني فأنزل عليهم عذابك فإنهم قوم لا يؤمنون قال فأوحى الله إلى يونس أن فيهم الحمل و الجنين و الطفل و الشيخ الكبير و المرأة الضعيفة و المستضعف المهين و أنا الحكم العدل سبقت رحمتي غضبي لا أعذب الصغار بذنوب الكبار من قومك و هم يا يونس عبادي و خلقي و بريتي في بلادي و في عيلتي أحب أن أتأناهم و أرفق بهم و أنتظر توبتهم و إنما بعثتك إلى قومك لتكون حيطا عليهم تعطف عليهم بالرحم الماسة منهم و تأناهم برأفة النبوة و تصبر معهم بأحلام الرسالة و تكون لهم كهيئة الطبيب المداوي العالم بمداواة الداء فخرقت بهم و لم تستعمل قلوبهم بالرفق و لم تسسهم بسياسة المرسلين ثم سألتني عن سوء نظرك العذاب لهم عند قلة الصبر منك و عبدي نوح كان أصبر منك على قومه و أحسن صحبة و أشد تأنيا في الصبر عندي و أبلغ في العذر فغضبت له حين غضب لي و أجبته حين دعاني فقال يونس يا رب إنما غضبت عليهم فيك و إنما دعوت عليهم حين عصوك فو عزتك لا أتعطف عليهم برأفة أبدا و لا أنظر إليهم بنصيحة شفيق بعد كفرهم و تكذيبهم إياي و جحدهم بنبوتي فأنزل عليهم عذابك فإنهم لا يؤمنون أبدا فقال الله يا يونس إنهم مائة ألف أو يزيدون من خلقي يعمرون بلادي و يلدون عبادي و محبتي أن

 أتأناهم للذي سبق من علمي فيهم و فيك و تقديري و تدبيري غير علمك و تقديرك و أنت المرسل و أنا الرب الحكيم و علمي فيهم يا يونس باطن في الغيب عندي لا تعلم ما منتهاه و علمك فيهم ظاهر لا باطن له يا يونس قد أجبتك إلى ما سألت من إنزال العذاب عليهم و ما ذلك يا يونس بأوفر لحظك عندي و لا أجمل لشأنك و سيأتيهم عذاب في شوال يوم الأربعاء وسط الشهر بعد طلوع الشمس فأعلمهم ذلك قال فسر بذلك يونس و لم يسؤه و لم يدر ما عاقبته فانطلق يونس إلى تنوخا العابد فأخبره بما أوحى الله إليه من نزول العذاب على قومه في ذلك اليوم و قال له انطلق حتى أعلمهم بما أوحى الله إلي من نزول العذاب فقال تنوخا فدعهم في غمرتهم و معصيتهم حتى يعذبهم الله فقال له يونس بل نلقى روبيل فنشاوره فإنه رجل عالم حكيم من أهل بيت النبوة فانطلقا إلى روبيل فأخبره يونس ع بما أوحى الله إليه من نزول العذاب على قومه في شوال يوم الأربعاء في وسط الشهر بعد طلوع الشمس فقال له ما ترى انطلق بنا حتى أعلمهم ذلك فقال له روبيل له ارجع إلى ربك رجعة نبي حكيم و رسول كريم و سله أن يصرف عنهم العذاب فإنه غني عن عذابهم و هو يحب الرفق بعباده و ما ذلك بأضر لك عنده و لا أسوأ لمنزلتك لديه و لعل قومك بعد ما سمعت و رأيت من كفرهم و جحودهم يؤمنون يوما فصابرهم و تأنهم فقال له تنوخا ويحك يا روبيل ما أشرت على يونس و أمرته بعد كفرهم بالله و جحدهم لنبيه و تكذيبهم إياه و إخراجهم إياه من مساكنه و ما هموا به من رجمه فقال روبيل لتنوخا اسكت فإنك رجل عابد لا علم لك ثم أقبل على يونس فقال أ رأيت يا يونس إذا أنزل الله العذاب على قومك أنزله فيهلكهم جميعا أو يهلك بعضا و يبقى بعض فقال له يونس بل يهلكهم جميعا و كذلك سألته ما دخلتني لهم رحمة تعطف فأراجع الله فيهم و أسأله أن يصرف عنهم فقال له روبيل

 أ تدري يا يونس لعل الله إذا أنزل عليهم العذاب فأحسوا به أن يتوبوا إليه و يستغفروا فيرحمهم فإنه أرحم الراحمين و يكشف عنهم العذاب من بعد ما أخبرتهم عن الله أنه ينزل عليهم العذاب يوم الأربعاء فتكون بذلك عندهم كذابا فقال له تنوخا ويحك يا روبيل لقد قلت عظيما يخبرك النبي المرسل أن الله أوحى إليه أن العذاب ينزل عليهم فترد قول الله و تشك فيه و في قول رسول الله فقد حبط عملك فقال روبيل لتنوخا لقد فشل رأيك ثم أقبل على يونس فقال إذا نزل الوحي و الأمر من الله فيهم على ما أنزل عليك فيهم من إنزال العذاب عليهم و قوله الحق أ رأيت إذا كان ذلك فهلك قومك كلهم و خربت قريتهم أ ليس يمحوا الله اسمك من النبوة و تبطل رسالتك و تكون كبعض ضعفاء الناس و يهلك على يديك مائة ألف من الناس فأبى يونس أن يقبل وصيته فانطلق و معه تنوخا من القرية و تنحيا عنهم غير بعيد و رجع يونس إلى قومه فأخبرهم أن الله أوحى إليه أنه ينزل العذاب عليكم يوم الأربعاء في شوال في وسط الشهر بعد طلوع الشمس فردوا عليه قوله فكذبوه و أخرجوه من قريتهم إخراجا عنيفا فخرج يونس ع و معه تنوخا من القرية و تنحيا عنهم غير بعيد و أقاما ينتظران العذاب و أقام روبيل مع قومه في قريتهم حتى إذا دخل عليهم شوال صرخ روبيل بأعلى صوته في رأس الجبل إلى القوم أنا روبيل شفيق عليكم رحيم بكم هذا شوال قد دخل عليكم و قد أخبركم يونس نبيكم و رسول ربكم أن الله أوحى إليه أن العذاب ينزل عليكم في شوال في وسط الشهر يوم الأربعاء بعد طلوع الشمس وَ لَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ رسله فانظروا ما أنتم صانعون فأفزعهم كلامه و وقع في قلوبهم تحقيق نزول العذاب فأجفلوا نحو روبيل و قالوا له ما ذا أنت تشير به علينا يا روبيل فإنك رجل عالم حكيم لم نزل نعرفك بالرقة علينا و الرحمة لنا و قد بلغنا ما أشرت به على يونس فينا فمرنا بأمرك و أشر علينا برأيك فقال لهم روبيل فإني أرى لكم و أشير عليكم أن تنظروا و تعمدوا إذا طلع الفجر يوم الأربعاء في وسط الشهر أن تعدلوا الأطفال عن الأمهات في أسفل الجبل في طريق الأودية و تقفوا النساء في سفح الجبل يكون هذا كله قبل طلوع الشمس فإذا رأيتم ريحا صفراء أقبلت من المشرق فعجوا الكبير منكم و الصغير بالصراخ و البكاء و التضرع إلى الله و التوبة إليه و الاستغفار له و ارفعوا رءوسكم إلى السماء و قولوا ربنا ظلمنا و كذبنا نبيك و تبنا إليك من ذنوبنا و إن لا تغفر لنا و ترحمنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ المعذبين فاقبل توبتنا و ارحمنا يا أرحم الراحمين ثم لا تملوا من البكاء و الصراخ و التضرع إلى الله و التوبة إليه حتى تتوارى الشمس بالحجاب أو يكشف الله عنكم العذاب قبل ذلك فأجمع رأي القوم جميعا على أن يفعلوا ما أشار به عليهم روبيل فلما كان يوم الأربعاء الذي توقعوا العذاب تنحى روبيل من القرية حيث يسمع صراخهم و يرى العذاب إذا نزل فلما طلع الفجر يوم الأربعاء فعل قوم يونس ما أمرهم روبيل به فلما بزغت الشمس أقبلت ريح صفراء مظلمة مسرعة لها صرير و حفيف و هدير فلما رأوها عجوا جميعا بالصراخ و البكاء و التضرع إلى الله و تابوا إليه و استغفروه و صرخت الأطفال بأصواتها تطلب أمهاتها و عجت سخال البهائم تطلب اللبن و عجت الأنعام تطلب الرعي فلم يزالوا بذلك و يونس و تنوخا يسمعان صيحتهم و صراخهم و يدعوان الله عليهم بتغليظ العذاب عليهم و روبيل في موضعه يسمع صراخهم و عجيجهم و

 يرى ما نزل و هو يدعو الله بكشف العذاب عنهم فلما أن زالت الشمس و فتحت أبواب السماء و سكن غضب الرب تعالى و رحمهم الرحمن فاستجاب دعاءهم و قبل توبتهم و أقالهم عثرتهم و أوحى إلى إسرافيل أن اهبط إلى قوم يونس فإنهم قد عجوا إلي بالكباء و التضرع و تابوا إلي و استغفروا لي فرحمتهم و تبت عليهم و أنا الله التواب الرحيم أسرع إلى قبول توبة عبدي التائب من الذنوب و قد كان عبدي يونس و رسولي سألني نزول العذاب على قومه و قد أنزلته عليهم و أنا الله أحق من وفى بعهده و قد أنزلته عليهم و لم يكن اشترط يونس حين سألني أن أنزل عليهم العذاب أن أهلكهم فاهبط إليهم فاصرف عنهم ما قد نزل بهم من عذابي فقال إسرافيل يا رب إن عذابك قد بلغ أكتافهم و كاد أن يهلكهم و ما أراه إلا و قد نزل بساحتهم فكيف أنزل أصرفه فقال الله كلا إني قد أمرت ملائكتي أن يصرفوه و لا ينزلوه عليهم حتى يأتيهم أمري فيهم و عزيمتي فاهبط يا إسرافيل عليهم و اصرفه عنهم و اصرف به إلى الجبال بناحية مفاوض العيون و مجاري السيول في الجبال العادية المستطيلة على الجبال فأذلها به و لينها حتى تصير ملينة حديدا جامدا فهبط إسرافيل عليهم فنشر أجنحته فاستاق بها ذلك العذاب حتى ضرب بها تلك الجبال التي أوحى الله إليه أن يصرفه إليها قال أبو جعفر ع و هي الجبال التي بناحية الموصل اليوم فصارت حديدا إلى يوم القيامة فلما رأى قوم يونس أن العذاب قد صرف عنهم هبطوا إلى منازلهم عن رءوس الجبال و ضموا إليهم نساءهم و أولادهم و أموالهم و حمدوا الله على ما صرف عنهم و أصبح يونس و تنوخا يوم الخميس في موضعهما الذي كانا فيه لا يشكان أن العذاب قد نزل بهم و أهلكهم جميعا لما خفيت أصواتهم عندهما فأقبلا ناحية القرية يوم الخميس مع طلوع الشمس ينظران إلى ما صار إليه القوم فلما دنوا من القوم و استقبلتهم الحطابون و الحماة و الرعاة بأغنامهم و نظروا إلى أهل القرية مطمئنين قال يونس لتنوخا يا تنوخا كذبني الوحي و كذبت وعدي لقومي و لا عزة لي و لا يرون لي وجها أبدا بعد ما كذبني الوحي فانطلق يونس هاربا على وجهه مغاضبا لربه ناحية البحر مستنكرا فرارا من أن يراه أحد من قومه فيقول له يا كذاب فلذلك قال الله وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ الآية و رجع تنوخا إلى القرية فلقي روبيل فقال له يا تنوخا أي الرأيين كان أصوب و أحق أن يتبع رأيي أو رأيك فقال له تنوخا بل رأيك كان أصوب و لقد كنت أشرت برأي الحكماء العلماء فقال له تنوخا أما إني لم أزل أرى أني أفضل منك لزهدي و فضل عبادتي حتى استبان فضلك لفضل علمك و ما أعطاك الله ربك من الحكمة مع التقوى أفضل من الزهد و العبادة بلا علم فاصطحبا فلم يزالا مقيمين مع قومهما و مضى يونس على وجهه مغاضبا لربه فكان من قصته ما أخبر الله به في كتابه إلى قوله فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ قال أبو عبيدة قلت لأبي جعفر ع كم كان غاب يونس عن قومه حتى رجع إليهم بالنبوة و الرسالة فآمنوا به و صدقوه قال أربعة أسابيع سبعا منها في ذهابه إلى البحر و سبعا منها في رجوعه إلى قومه فقلت له و ما هذه الأسابيع شهور أو أيام أو ساعات فقال يا عبيدة إن العذاب أتاهم يوم الأربعاء في النصف من شوال و صرف عنهم من يومهم ذلك فانطلق يونس مغاضبا فمضى يوم الخميس سبعة أيام في مسيره إلى البحر و سبعة أيام في بطن الحوت و سبعة أيام تحت الشجر بالعراء و سبعة أيام في رجوعه إلى قومه فكان ذهابه و رجوعه مسيرة ثمان و عشرين يوما ثم أتاهم فآمنوا به و صدقوا و اتبعوه فلذلك قال الله فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بالإسناد إلى الصدوق عن ابن المتوكل عن الحميري عن ابن عيسى عن ابن محبوب عن جميل بن صالح عن أبي عبيدة عنه ع مثله مع اختصار

 بيان قوله يفسخ الفسخ بالسين المهملة و الخاء المعجمة الطرح و النقض و التفريق و بالشين المعجمة و الحاء المهملة تفريج ما بين الرجلين و يقال فشح عنه أي عدل و بالشين المعجمة و الجيم أيضا معناه قريب مما ذكر و يقال أفسج عني بالسين المهملة و الجيم أي تركني و خلا عني و الكل لا يخلو من مناسبة و الجذع الناقة الشابة أو ما دخلت في الخامسة و الفشل الضعف و الجبن و أجفلوا إليه أي انقلعوا و أسرعوا إليه. و قوله ع بعد ما كذبني الوحي أي باعتقاد القوم و قوله مغاضبا لربه أي على قومه لربه تعالى أي كان غضبه لله تعالى لا للهوى أو خائفا تكذيب قومه لما تخلف عنه من وعد ربه

 13-  شي، ]تفسير العياشي[ عن الثمالي عن أبي جعفر ع قال إن يونس لما آذاه قومه دعا الله عليهم فأصبحوا أول يوم و وجوههم مصفرة و أصبحوا اليوم الثاني و وجوههم مسودة قال و كان الله واعدهم أن يأتيهم العذاب حتى نالوه برماحهم ففرقوا بين النساء و أولادهن و البقر و أولادها و لبسوا المسوح و الصوف و وضعوا الجبال في أعناقهم و الرماد على رءوسهم و ضجوا ضجة واحدة إلى ربهم و قالوا آمنا بإله يونس قال فصرف الله عنهم العذاب إلى جبال آمد قال و أصبح يونس و هو يظن أنهم هلكوا فوجدهم في عافية فغضب و خرج كما قال الله مغاضبا حتى ركب سفينة فيها رجلان فاضطربت السفينة فقال الملاح يا قوم في سفينتي لمطلوب فقال يونس أنا هو و قام ليلقي نفسه فأبصر السمكة و قد فتحت فاها فهابها و تعلق به الرجلان و قالا له أنت ويحك و نحن رجلان فساهمهم فوقعت السهام عليه فجرت السنة بأن السهام إذا كانت ثلاث مرات أنها لا تخطئ فألقى نفسه فالتقمه الحوت فطاف به البحار سبعة حتى صار إلى البحر المسجور و به يعذب قارون فسمع قارون دويا فسأل الملك عن ذلك فأخبره أنه يونس و أن الله حبسه في بطن الحوت فقال له قارون أ تأذن لي أن أكلمه فأذن له فسأله عن موسى ع فأخبره أنه مات فبكى ثم سأله عن هارون ع فأخبره أنه مات فبكى و جزع جزعا شديدا و سأله عن أخته كلثم و كانت مسماة له فأخبره أنها ماتت فبكى و جزع جزعا شديدا قال فأوحى الله إلى الملك الموكل به أن ارفع عنه العذاب بقية الدنيا لرقته على قرابته

 14-  شي، ]تفسير العياشي[ عن معمر قال قال أبو الحسن الرضا ع إن يونس لما أمره الله بما أمره فأعلم قومه فأظلهم العذاب ففرقوا بينهم و بين أولادهم و بين البهائم و أولادها ثم عجوا إلى الله و ضجوا فكف الله العذاب عنهم فذهب يونس ع مغاضبا فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ فطاف به سبعة أبحر فقلت له كم بقي في بطن الحوت قال ثلاثة أيام ثم لفظه الحوت و قد ذهب جلده و شعره فأنبت الله عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ فأظلته فلما قوي أخذت في اليبس فقال يا رب شجرة أظلتني يبست فأوحى الله إليه يا يونس تجزع لشجرة أظلتك و لا تجزع ل مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ من العذاب

 بيان الاختلاف الذي وقع في تلك الأخبار في مدة مكثه في بطن الحوت يشكل رفعه و لعل بعضها محمولة على التقية

 15-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ الثمالي قال دخل عبد الله بن عمر على زين العابدين ع و قال يا ابن الحسين أنت الذي تقول إن يونس بن متى إنما لقي من الحوت ما لقي لأنه عرضت عليه ولاية جدي فتوقف عندها قال بلى ثكلتك أمك قال فأرني آية ذلك إن كنت من الصادقين فأمر بشد عينيه بعصابة و عيني بعصابة ثم أمر بعد ساعة بفتح أعيننا فإذا نحن على شاطئ البحر تضرب أمواجه فقال ابن عمر يا سيدي دمي في رقبتك الله الله في نفسي فقال هيه و أريه إن كنت من الصادقين ثم قال يا أيها الحوت قال فأطلع الحوت رأسه من البحر مثل الجبل العظيم و هو يقول لبيك لبيك يا ولي الله فقال من أنت قال أنا حوت يونس يا سيدي قال أنبئنا بالخبر قال يا سيدي إن الله تعالى لم يبعث نبيا من آدم إلى أن صار جدك محمد إلا و قد عرض عليه ولايتكم أهل البيت فمن قبلها من الأنبياء سلم و تخلص و من توقف عنها و تمنع من حملها لقي ما لقيآدم ع من المعصية و ما لقي نوح ع من الغرق و ما لقي إبراهيم ع من النار و ما لقي يوسف ع من الجب و ما لقي أيوب ع من البلاء و ما لقي داود ع من الخطيئة إلى أن بعث الله يونس ع فأوحى الله أن يا يونس تول أمير المؤمنين عليا و الأئمة الراشدين من صلبه في كلام له قال فكيف أتولى من لم أره و لم أعرفه و ذهب مغتاظا فأوحى الله تعالى إلي أن التقمي يونس و لا توهني له عظما فمكث في بطني أربعين صباحا يطوف معي البحار في ظلمات ثلاث ينادي أنه لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ قد قبلت ولاية علي بن أبي طالب و الأئمة الراشدين من ولده فلما أن آمن بولايتكم أمرني ربي فقذفته على ساحل البحر فقال زين العابدين ع ارجع أيها الحوت إلى وكرك و استوى الماء

 بيان قوله ع هيه و أريه الظاهر أن الهاءين للسكت أي هي السمكة أريكها إن كنت من الصادقين كما قلت و يحتمل أن تكون أن مخففة بحذف اللام

 16-  نبه، ]تنبيه الخاطر[ علي بن الحكم عمن رفعه إلى أبي عبد الله ع قال إن داود النبي ع قال يا رب أخبرني بقريني في الجنة و نظيري في منازلي فأوحى الله تبارك و تعالى إليه أن ذلك متى أبا يونس قال فاستأذن الله في زيارته فأذن له فخرج هو و سليمان ابنه ع حتى أتيا موضعه فإذا هما ببيت من سعف فقيل لهما هو في السوق فسألا عنه فقيل لهما اطلباه في الحطابين فسألا عنه فقال لهما جماعة من الناس نحن ننتظره الآن يجي‏ء فجلسا ينتظرانه إذا أقبل و على رأسه وقر من حطب فقام إليه الناس فألقى عنه الحطب و حمد الله و قال من يشتري طيبا بطيب فساومه واحد و زاده آخر حتى باعه من بعضهم قال فسلما عليه فقال انطلقا بنا إلى المنزل و اشترى طعاما بما كان معه ثم طحنه و عجنه في نقير له ثم أجج نارا و أوقدها ثم جعل العجين في تلك النار و جلس معهما يتحدث ثم قام و قد نضجت خبيزته فوضعها في النقير و فلقها و ذر عليها ملحا و وضع إلى جنبه مطهرة ملأ ماء و جلس على ركبتيه و أخذ لقمة فلما رفعها إلى فيه قال بسم الله فلما ازدردها قال الحمد لله ثم فعل ذلك بأخرى و أخرى ثم أخذ الماء فشرب منه فذكر اسم الله فلما وضعه قال الحمد لله يا رب من ذا الذي أنعمت عليه و أوليته مثل ما أوليتني قد صححت بصري و سمعي و بدني و قويتني حتى ذهبت إلى الشجر لم أغرسه و لم أهتم لحفظه جعلته لي زرقا و سقت إلي من اشتراه مني فاشتريت بثمنه طعاما لم أزرعه و سخرت لي النار فأنضجته و جعلتني آكله بشهوة أقوى به على طاعتك فلك الحمد قال ثم بكى قال داود يا بني قم فانصرف بنا فإني لم أر عبدا قط أشكر لله من هذا

 بيان قال الجزري النقير أصل النخلة ينقر وسطه ثم ينبذ فيه التمر و يلقى عليه الماء ليصير نبيذا

 17-  فس، ]تفسير القمي[ وَ إِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ يعني هرب إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَساهَمَ أي ألقى السهام فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ أي من المغوصين فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَ هُوَ مُلِيمٌ وَ أَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ قال الدباء

 تفسير قال الطبرسي رحمه الله إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ أي فر من قومه إلى السفينة المملوءة من الناس و الأحمال خوفا من أن ينزل العذاب و هو مقيم فيهم فَساهَمَ يونس القوم بأن ألقوا السهام على سبيل القرعة أي قارعهم فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ أي من المقروعين عن الحسن و ابن عباس و قيل من المسهومين عن مجاهد و المراد من الملقين في البحر و اختلف في سبب ذلك فقيل إنهم أشرفوا على الغرق فرأوا أنهم إن طرحوا واحدا منهم في البحر لم يغرق الباقون و قيل إن السفينة احتبست فقال الملاحون إن هاهنا عبدا آبقا فإن من عادة السفينة إذا كان فيها آبق لا تجري فلذلك اقترعوا فوقعت القرعة على يونس ثلاث مرات فعلموا أنه المطلوب فألقى نفسه في البحر و قيل إنه لما وقعت القرعة عليه ألقوه في البحر فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ أي ابتلعه و قيل إن الله سبحانه أوحى إلى الحوت أني لم أجعل عبدي رزقا لك و لكني جعلت بطنك له مسجدا فلا تكسرن له عظما و لا تخدشن له جلدا وَ هُوَ مُلِيمٌ أي مستحق اللوم لوم العتاب لا لوم العقاب على خروجه من بين قومه من غير أمر ربه و عندنا أن ذلك إنما وقع منه تركا للمندوب و قد يلام الرجل على ترك المندوب و من يجوز الصغيرة على الأنبياء قال قد وقع ذلك صغيرة مكفرة. و اختلف في مدة لبثه في بطن الحوت فقيل كان ثلاثة أيام عن مقاتل بن حيان و قيل سبعة أيام عن عطاء و قيل عشرين يوما عن الضحاك و قيل أربعين يوما عن السدي و مقاتل بن سليمان و الكلبي فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ أي كان من المصلين في حال الرخاء فنجاه الله عند البلاء عن قتادة و قيل كان تسبيحه أنه كان يقول لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ عن سعيد بن جبير. و قيل مِنَ الْمُسَبِّحِينَ أي من المنزهين الله عما لا يليق به لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ أي لصار بطن الحوت قبرا له إلى يوم القيامة فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ أي طرحناه بالمكان الخالي الذي لا نبت فيه و لا شجر و قيل بالساحل ألهم الله الحوت حتى قذفه و رماه من جوفه على وجه الأرض وَ هُوَ سَقِيمٌ أي مريض حين ألقاه الحوت وَ أَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ و هو القرع عن ابن مسعود و قيل هو كل نبت يبسط على وجه الأرض و لا ساق له عن ابن عباس و الحسن. و روى ابن مسعود قال خرج يونس من بطن الحوت كهيئة فرخ ليس عليه ريش فاستظل بالشجرة من الشمس وَ أَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ قيل إن الله سبحانه أرسله إلى أهل نينوى من أرض الموصل عن قتادة و كانت رسالته هذه بعد ما نبذه الحوت عن ابن عباس فعلى هذا يجوز أن يكون أرسل على قوم بعد قوم و يجوز أن يكون أرسل إلى الأولين بشريعة فآمنوا بها. و قيل في معنى أو في قوله أَوْ يَزِيدُونَ وجوه. أحدها أنه على طريق الإبهام على المخاطبين كأنه قال أرسلناه إلى إحدى العدتين و ثانيها أن أو تخيير كأن الرائي خير بين أن يقول هم مائة ألف أو يزيدون عن سيبويه و المعنى أنهم كانوا عددا لو نظر إليهم الناظر لقال هم مائة ألف أو يزيدون. و ثالثها أن أو بمعنى الواو كأنه قال و يزيدون عن بعض الكوفيين و قال بعضهم معناه بل يزيدون و هذان القولان الأخيران غير مرضيين عند المحققين و أجود الأقوال الأول و الثاني. و اختلف في الزيادة على مائة ألف كم هي فقيل عشرون ألفا عن ابن عباس و مقاتل و قيل بضع و ثلاثون ألفا عن الحسن و الربيع و قيل سبعون ألفا عن مقاتل بن حيان. فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ حكى سبحانه عنهم أنهم آمنوا بالله و راجعوا التوبة فكشف عنهم العذاب و متعهم بالمنافع و اللذات إلى انقضاء آجالهم. و قال رحمه الله إن قوم يونس كانوا بأرض نينوى من أرض الموصل و كان يدعوهم إلى الإسلام فأبوا فأخبرهم أن العذاب مصبحهم إلى ثلاث إن لم يتوبوا فقالوا إنا لم نجرب عليه كذبا فإن بات فيكم تلك الليلة فليس بشي‏ء و إن لم يبت فاعلموا أن العذاب مصبحكم فلما كان في جوف الليل خرج يونس من بين أظهرهم فلما أصبحوا تغشاهم العذاب قال وهب أغامت السماء غيما أسود هائلا يدخن دخانا شديدا فهبط حتى غشي مدينتهم و اسودت سطوحهم.

  و قال ابن عباس كان العذاب فوق رءوسهم قدر ثلثي ميل فلما رأوا ذلك أيقنوا بالهلاك فطلبوا نبيهم فلم يجدوه فخرجوا إلى الصعيد بأنفسهم و نسائهم و صبيانهم و دوابهم و لبسوا المسوح و أظهروا التوبة و فرقوا بين كل والده و ولدها. قال ابن مسعود بلغ من توبة أهل نينوى أن ترادوا المظالم بينهم حتى أن كان الرجل يأتي إلى الحجر و قد وضع عليه أساس بنيانه فيقلعه و يرده و روي أنه قال شيخ من بقية علمائهم قولوا يا حي حين لا حي و يا حي محيي الموتى و يا حي لا إله إلا أنت فقالوها فكشف عنهم العذاب و قال ابن مسعود لما ابتلعه الحوت ابتلع الحوت حوت آخر فأهوى به إلى قرار الأرض و كان في بطنه أربعين ليلة فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فاستجاب الله له فأمر الحوت فنبذه على ساحل البحر و هو كالفرخ المتمعط فأنبت الله عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ فجعل يستظل تحتها و وكل الله به وعلا يشرب من لبنها إلى أن رده الله إلى قومه و قيل إنه ع أرسل إلى قوم غير قومه الأولين انتهى. و قال صاحب الكامل كان يقطر عليه من شجرة اليقطين اللبن. و قال الشيخ في المصباح في اليوم التاسع من المحرم أخرج الله يونس من بطن الحوت