باب 16- سهوه و نومه ص عن الصلاة

 الآيات الأنعام وَ إِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَ إِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ الكهف وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَ قُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً الأعلى 6-  سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ تفسير قال الطبرسي رحمه الله وَ إِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا قيل الخطاب له و المراد غيره و معنى يَخُوضُونَ يكذبون بآياتنا و ديننا و الخوض التخليط في المفاوضة على سبيل العبث و اللعب و ترك التفهم و التبين فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ أي فاتركهم و لا تجالسهم حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ أي يدخلوا في حديث غير الاستهزاء بالقرآن وَ إِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ أي و إن أنساك الشيطان نهينا إياك عن الجلوس معهم فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى أي بعد ذكرك نهينا و ما يجب عليك من الإعراض مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ  يعني في مجالس الكفار و الفساق الذين يظهرون التكذيب بالقرآن و الآيات و الاستهزاء بذلك قال الجبائي و في هذه الآية دلالة على بطلان قول الإمامية في جواز التقية على الأنبياء و الأئمة و أن النسيان لا يجوز على الأنبياء و هذا القول غير صحيح و لا مستقيم لأن الإمامية إنما تجوز التقية على الإمام فيما يكون عليه دلالة قاطعة توصل إلى العلم و يكون المكلف مزاح العلة في تكليفه ذلك فأما ما لا يعرف إلا بقول الإمام من الأحكام و لا يكون على ذلك دليل إلا من جهته فلا يجوز عليه التقية فيه و هذا كما إذا تقدم من النبي ص بيان في شي‏ء من أحكام الشريعة فإنه يجوز منه أن لا يبين في حال أخرى لأمته ذلك الشي‏ء إذا اقتضته المصلحة و أما النسيان و السهو فلم يجوزوهما عليهم فيما يؤدونه عن الله تعالى فأما ما سواه فقد جوزوا عليهم أن ينسوه أو يسهو عنه ما لم يؤد ذلك إلى إخلال بالعقل و كيف لا يكون كذلك و قد جوزوا عليهم النوم و الإغماء و هما من قبيل السهو فهذا ظن منه فاسد و بعض الظن إثم انتهى كلامه رحمه الله. و فيه من الغرابة ما لا يخفى فإنا لم نر من أصحابنا من جوز عليهم السهو مطلقا في غير التبليغ و إنما جوز الصدوق و شيخه الإسهاء من الله لنوع من المصلحة و لم أر من صرح بتجويز السهو الناشي من الشيطان عليهم مع أن ظاهر كلامه يوهم عدم القول بنفي السهو مطلقا بين الإمامية إلا أن يقال مراده عدم اتفاقهم على ذلك و أما النوم فستعرف ما فيه فالأصوب حمل الآية على أن الخطاب للنبي ص ظاهرا و المراد غيره أو هو من قبيل الخطاب العام كما عرفت في الآيات السابقة في الباب المقدم و العجب أن الرازي تعرض لتأويل الآية مع أنه لا يأبى عن ظاهره مذهبه و هو رحمه الله أعرض عنه. قال الرازي في تفسيره إنه خطاب للنبي ص و المراد غيره و قيل الخطاب لغيره أي إِذا رَأَيْتَ أيها السامع الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا و نقل الواحدي أن  المشركين كانوا إذا جالسوا المؤمنين وقعوا في رسول الله ص و القرآن فشتموا و استهزءوا فأمرهم أن لا يقعدوا معهم حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ انتهى. و أما النسيان في الآية الثانية فيحتمل أن يكون المراد به الترك كما ورد كثيرا في الآيات و هو مصرح به في كتب اللغة و الآية الثالثة إخبار بعدم النسيان و أما الاستثناء بالمشية فقال البيضاوي إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ نسيانه بأن ينسخ تلاوته و قيل المراد به القلة و الندرة لما روي أنه ص أسقط آية في قراءته في الصلاة فحسب أبي أنها نسخت فسأله فقال نسيتها أو نفي النسيان رأسا فإن القلة تستعمل للنفي انتهى. و قال الرازي في تفسيره قال الواحدي سَنُقْرِئُكَ أي سنجعلك قارئا بأن نلهمك القراءة فَلا تَنْسى ما تقرؤه و كان جبرئيل لا يفرغ من آخر الوحي حتى يتكلم هو بأوله مخافة النسيان فقال الله سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى أي سنعلمك هذا القرآن حتى تحفظه ثم ذكروا في كيفية ذلك وجوها. أحدها أن جبرئيل سيقرأ عليك القرآن مرات حتى تحفظه حفظا لا تنساه. و ثانيها أنا نشرح صدرك و نقوي خاطرك حتى تحفظه بالمرة الواحدة حفظا لا تنساه و قيل قوله فَلا تَنْسى معناه النهي و الألف مزيدة للفاصلة يعني فلا تغفل عن قراءته و تكريره أما قوله إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ ففيه احتمالان. أحدهما أن يقال هذه الاستثناء غير حاصل في الحقيقة و أنه لم ينس بعد نزول

  هذه الآية شيئا فذكره إما للتبرك أو لبيان أنه لو أراد أن يصيره ناسيا لذلك لقدر عليه حتى يعلم أن عدم النسيان من فضل الله تعالى أو لأن يبالغ في التثبت و التيقظ و التحفظ في جميع المواضع أو يكون الغرض منع النسيان كما يقول الرجل لصاحبه أنت سهيمي فيما أملك إلا فيما شاء الله و لا يقصد استثناء. و ثانيهما أن يكون استثناء في الحقيقة بأن يكون المراد إلا ما شاء الله أن تنسى ثم تذكر بعد ذلك كما روي أنه ص نسي في الصلاة آية أو يكون المراد بالإنساء النسخ أو يكون المراد القلة و الندرة و يشترط أن لا يكون ذلك القليل من واجبات الشرع بل من الآداب و السنن انتهى

 1-  يب، ]تهذيب الأحكام[ الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن جميل قال سألت أبا عبد الله ع عن رجل صلى ركعتين ثم قام فذهب في حاجته قال يستقبل الصلاة قلت فيما يروي الناس فذكر له حديث ذي الشمالين فقال إن رسول الله ص لم يبرح من مكانه و لو برح استقبل

 2-  يب، ]تهذيب الأحكام[ الحسين بن سعيد عن فضالة عن الحسين بن عثمان عن سماعة عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله ع عن رجل صلى ركعتين ثم قام فذهب في حاجته قال يستقبل الصلاة قلت فما بال رسول الله ص لم يستقبل حين صلى ركعتين فقال إن رسول الله ص لم ينفتل من موضعه

 3-  يب، ]تهذيب الأحكام[ سعد عن محمد بن الحسين عن جعفر بن بشير عن الحارث بن المغيرة قال قلت لأبي عبد الله ع إنا صلينا المغرب فسها الإمام فسلم في الركعتين فأعدنا الصلاة فقال لم أعدتم أ ليس قد انصرف رسول الله ص في الركعتين فأتم بركعتين ألا أتممتم

  -4  يب، ]تهذيب الأحكام[ سعد عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن سيف بن عميرة عن الحضرمي عن أبي عبد الله ع قال إن رسول الله ص سها فسلم في ركعتين ثم ذكر حديث ذي الشمالين فقال ثم قام فأضاف إليها ركعتين

 5-  يب، ]تهذيب الأحكام[ سعد عن أبي الجوزاء عن الحسين بن علوان عن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي ع قال صلى بنا رسول الله ص الظهر خمس ركعات ثم انفتل فقال له بعض القوم يا رسول الله هل زيد في الصلاة شي‏ء فقال و ما ذاك قال صليت بنا خمس ركعات قال فاستقبل القبلة و كبر و هو جالس ثم سجد سجدتين ليس فيهما قراءة و لا ركوع ثم سلم و كان يقول هما المرغمتان

 6-  يب، ]تهذيب الأحكام[ أحمد بن محمد عن الحسن بن علي بن فضال عن أبي جميلة عن زيد الشحام قال قال إن نبي الله صلى بالناس ركعتين ثم نسي حتى انصرف فقال له ذو الشمالين يا رسول الله أ حدث في الصلاة شي‏ء فقال أيها الناس أ صدق ذو الشمالين فقالوا نعم لم تصل إلا ركعتين فقام فأتم ما بقي من صلاته

 7-  يب، ]تهذيب الأحكام[ محمد بن أحمد بن يحيى عن موسى بن عمر بن يزيد عن ابن سنان عن أبي سعيد القماط قال سمعت رجلا يسأل أبا عبد الله ع عن رجل وجد غمزا في بطنه أو أذى و ساقه إلى أن قال ع كل ذلك واسع إنما هو بمنزلة رجل سها فانصرف في ركعة أو ركعتين أو ثلاث من المكتوبة فإنما عليه أن يبني على صلاته ثم ذكر سهو النبي ص

  -8  يب، ]تهذيب الأحكام[ محمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن عبد الله بن بكير عن زرارة قال سألت أبا جعفر ع هل سجد رسول الله ص سجدتي السهو قط فقال لا و لا سجدهما فقيه

 أقول قال الشيخ رحمه الله في التهذيب بعد إيراد هذا الخبر الذي أفتي به ما تضمنه هذا الخبر فأما الأخبار التي قدمناها من أن النبي ص سها فسجد فإنها موافقة للعامة و إنما ذكرناها لأن ما يتضمنه من الأحكام معمول بها على ما بيناه. و قال رحمه الله في مقام آخر في الجمع بين الأخبار مع أن في الحديثين الأولين ما يمنع من التعلق بهما و هو حديث ذي الشمالين و سهو النبي ص و هذا مما تمنع العقول منه. و قال رحمه الله في الإستبصار بعد ذكر خبرين من الأخبار السابقة مع أن في الحديثين ما يمنع من التعلق بهما و هو حديث ذي الشمالين و سهو النبي ص و ذلك مما يمنع منه الأدلة القاطعة في أنه لا يجوز عليه السهو و الغلط. و قال الصدوق رحمه الله في الفقيه إن الغلاة و المفوضة لعنهم الله ينكرون سهو النبي ص و يقولون لو جاز أن يسهو ص في الصلاة جاز أن يسهو في التبليغ لأن الصلاة عليه فريضة كما أن التبليغ عليه فريضة و هذا لا يلزمنا و ذلك لأن جميع الأحوال المشتركة يقع على النبي ص فيها ما يقع على غيره و هو متعبد بالصلاة كغيره ممن ليس بنبي و ليس كل من سواه بنبي كهو فالحالة التي اختص بها هي النبوة و التبليغ من شرائطها و لا يجوز أن يقع عليه في التبليغ ما يقع في الصلاة لأنها عبادة مخصوصة و الصلاة عبادة مشتركة و بها يثبت له العبودية و بإثبات النوم له عن خدمة ربه عز و جل من غير إرادة له و قصد منه إليه نفي الربوبية عنه لأن الذي لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ هو الله الحي القيوم و ليس سهو النبي ص كسهونا لأن سهوه من الله عز و جل و إنما أسهاه ليعلم أنه بشر مخلوق فلا يتخذ ربا معبودا دونه و ليعلم الناس بسهوه حكم السهو متى سهوا و سهونا من الشيطان و ليس للشيطان على النبي ص و الأئمة ع سلطان إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَ الَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ و على من تبعه من الغاوين و يقول الدافعون لسهو النبي إنه لم يكن في الصحابة من يقال له ذو اليدين و إنه لا أصل للرجل و لا للخبر و كذبوا لأن الرجل معروف و هو أبو محمد عمير بن عبد عمر المعروف بذي اليدين فقد نقل عنه المخالف و الموافق و قد أخرجت عنه أخبارا في كتاب وصف قتال القاسطين بصفين و كان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد يقول أول درجة من الغلو نفي السهو عن النبي ص و لو جاز أن يرد الأخبار الواردة في هذا المعنى لجاز أن يرد جميع الأخبار و في ردها إبطال الدين و الشريعة و أنا أحتسب الأجر في تصنيف كتاب منفرد في إثبات سهو النبي ص و الرد على منكريه إن شاء الله

 9-  كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن عثمان بن عيسى عن سماعة بن مهران قال سألته عن رجل نسي أن يصلي الصبح حتى طلعت الشمس قال يصليها حين يذكرها فإن رسول الله ص رقد عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس ثم صلاها حين استيقظ و لكنه تنحى عن مكانه ذلك ثم صلى

 10-  كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن النعمان عن سعيد الأعرج قال سمعت أبا عبد الله ع يقول نام رسول الله ص عن الصبح و الله عز و جل أنامه حتى طلعت الشمس عليه و كان ذلك رحمة من ربك للناس أ لا ترى لو أن رجلا نام حتى طلعت الشمس لعيره الناس و قالوا لا تتورع لصلاتك فصارت أسوة و سنة فإن قال رجل لرجل نمت عن الصلاة قال قد نام رسول الله ص فصارت أسوة و رحمة رحم الله سبحانه بها هذه الأمة

 11-  كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن عثمان بن عيسى عن سماعة بن مهران قال قال أبو عبد الله ع من حفظ سهوه فأتمه فليس عليه سجدتا السهو فإن رسول الله ص صلى بالناس الظهر ركعتين ثم سها فسلم فقال له ذو الشمالين يا رسول الله أ نزل في الصلاة شي‏ء فقال و ما ذلك فقال إنما صليت ركعتين فقال رسول الله ص أ تقولون مثل قوله قالوا نعم فقام رسول الله ص فأتم بهم الصلاة و سجد بهم سجدتي السهو قال قلت أ رأيت من صلى ركعتين و ظن أنهما أربعا فسلم و انصرف ثم ذكر بعد ما ذهب أنه إنما صلى ركعتين قال يستقبل الصلاة من أولها قال قلت فما بال رسول الله ص لم يستقبل الصلاة و إنما أتم بهم ما بقي من صلاته فقال إن رسول لله ص لم يبرح من مجلسه فإن كان لم يبرح من مجلسه فليتم ما نقص من صلاته إذا كان قد حفظ الركعتين الأولتين

  يب، ]تهذيب الأحكام[ الحسين بن سعيد عن الحسن عن ذرعة عن سماعة مثله

 12-  كا، ]الكافي[ العدة عن البرقي عن منصور بن العباس عن عمرو بن سعيد عن الحسن بن صدقة قال قلت لأبي الحسن الأول ع أ سلم رسول الله ص في الركعتين الأولتين فقال نعم قلت و حاله حاله قال إنما أراد الله عز و جل أن يفقههم

 13-  كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن ابن عيسى عن علي بن النعمان عن سعيد الأعرج قال سمعت أبا عبد الله ع يقول صلى رسول الله ص ثم سلم في ركعتين فسأله من خلفه يا رسول الله ص أ حدث في الصلاة شي‏ء قال و ما ذاك قالوا إنما صليت ركعتين فقال أ كذاك يا ذا اليدين و كان يدعى ذا الشمالين فقال نعم فبنى على صلاته فأتم الصلاة أربعا و قال إن الله هو الذي أنساه رحمة للأمة أ لا ترى لو أن رجلا صنع هذا لعير و قيل ما تقبل صلاتك فمن دخل عليه اليوم ذاك قال قد سن رسول الله ص و صارت أسوة و سجد سجدتين لمكان الكلام

 14-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ تميم القرشي عن أبيه عن أحمد بن علي الأنصاري عن الهروي قال قلت للرضا ع يا ابن رسول الله إن في الكوفة قوما يزعمون أن النبي ص لم يقع عليه السهو في صلاته فقال كذبوا لعنهم الله إن الذي لا يسهو هو الله لا إله إلا هو الخبر

 15-  سن، ]المحاسن[ جعفر بن محمد بن الأشعث عن ابن القداح عن أبي عبد الله عن أبيه عليهم السلام قال صلى النبي ص صلاة و جهر فيها بالقراءة فلما انصرف قال لأصحابه هل أسقطت شيئا في القرآن قال فسكت القوم فقال النبي ص أ فيكم أبي بن كعب فقالوا نعم فقال هل أسقطت فيها بشي‏ء قال نعم يا رسول الله إنه كان كذا و كذا فغضب ص ثم قال ما بال أقوام يتلى عليهم كتاب الله فلا يدرون ما يتلى عليهم منه و لا ما يترك هكذا هلكت بنو إسرائيل حضرت أبدانهم و غابت قلوبهم و لا يقبل الله صلاة عبد لا يحضر قلبه مع بدنه

 بيان أقول في هذا الحديث مع ضعف سنده إشكال من حيث اشتماله على التعيير بأمر مشترك إلا أن يقال أنه ص إنما فعل ذلك عمدا لينبههم على غفلتهم و كان ذلك لجواز الاكتفاء ببعض السورة كما ذهب إليه كثير من أصحابنا أو لأن الله تعالى أمره بذلك في خصوص تلك الصلاة لتلك المصلحة و القرينة عليه ابتداؤه ص بالسؤال أو يقال إنما كان الاعتراض على اتفاقهم على الغفلة و استمرارهم عليها

 16-  ير، ]بصائر الدرجات[ الحسين بن محمد عن المعلى عن عبد الله بن إدريس عن محمد بن سنان عن المفضل عن أبي عبد الله ع قال يا مفضل إن الله تبارك و تعالى جعل للنبي ص خمسة أرواح روح الحياة فيه دب و درج و روح القوة فيه نهض و جاهد و روح الشهوة فيه أكل و شرب و أتى النساء من الحلال و روح الإيمان فيه أمر و عدل و روح القدس فيه حمل النبوة فإذا قبض النبي ص انتقل روح القدس فصار في الإمام و روح القدس لا ينام و لا يغفل و لا يلهو و لا يسهو و الأربعة الأرواح تنام و تلهو و تغفل و تسهو و روح القدس ثابت يرى به ما في شرق الأرض و غربها و برها و بحرها قلت جعلت فداك يتناول الإمام ما ببغداد بيده قال نعم و ما دون العرش

 ختص، ]الإختصاص[ سعد عن إسماعيل بن محمد البصري عن عبد الله بن إدريس مثله أقول سيأتي أخبار كثيرة في أن روح القدس لا يلهو و لا يسهو و لا يلعب

 17-  يه، ]من لا يحضر الفقيه[ الحسن بن محبوب عن الرباطي عن سعيد الأعرج قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن الله تبارك و تعالى أنام رسول الله ص عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس ثم قام فبدأ فصلى الركعتين اللتين قبل الفجر ثم صلى الفجر و أسهاه في صلاته فسلم في الركعتين ثم وصف ما قاله ذو الشمالين و إنما فعل ذلك به رحمة لهذه الأمة لئلا يعير الرجل المسلم إذا هو نام عن صلاته أو سها فيها فقال قد أصاب ذلك رسول الله ص

 أقول قال الشهيد رحمه الله في الذكرى

 روى زرارة في الصحيح عن أبي جعفر ع قال قال رسول الله ص إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى يبدأ بالمكتوبة قال فقدمت الكوفة فأخبرت الحكم بن عتيبة و أصحابه فقبلوا ذلك مني فلما كان في القابل لقيت أبا جعفر ع فحدثني أن رسول الله ص عرس في بعض أسفاره و قال من يكلؤنا فقال بلال أنا فنام بلال و ناموا حتى طلعت الشمس فقال يا بلال ما أرقدك فقال يا رسول الله أخذ بنفسي الذي أخذ بأنفاسكم فقال رسول الله ص قوموا فتحولوا عن مكانكم الذي أصابكم فيه الغفلة و قال يا بلال أذن فأذن فصلى رسول الله ركعتي الفجر و أمر أصحابه فصلوا ركعتي الفجر ثم قام فصلى بهم الصبح ثم قال من نسي شيئا من الصلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله عز و جل يقول وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي قال زرارة فحملت الحديث إلى الحكم و أصحابه فقال نقضت حديثك الأول فقدمت على أبي جعفر ع فأخبرته بما قال القوم فقال يا زرارة أ لا أخبرتهم أنه قد فات الوقتان جميعا و أن ذلك كان قضاء من رسول الله ص

ثم قال الشهيد رحمه الله و لم أقف على راد لهذا الخبر من حيث توهم القدح في العصمة

 و قد روى العامة عن أبي قتادة و جماعة من الصحابة في هذه الصورة أن النبي ص أمر بلالا فأذن فصلى ركعتي الفجر ثم أمره فأقام فصلى صلاة الفجر انتهى

 و قال شيخنا البهائي قدس الله روحه بعد نقل هذا الخبر و خبر ابن سنان و ربما يظن تطرق الضعف إليهما لتضمنهما لما يوهم القدح في العصمة لكن قال شيخنا في الذكرى إنه لم يطلع على راد لهما من هذه الجهة و هو يعطي تجويز الأصحاب صدور ذلك و أمثاله عن المعصوم و للنظر فيه مجال واسع انتهى تبيين اعلم بعد ما أحطت خبرا بما أسلفناه من الأخبار و الأقوال أنا قد قدمنا القول في عصمة الأنبياء صلوات الله عليهم في كتاب النبوة و ذكرت هناك أن أصحابنا الإمامية أجمعوا على عصمة الأنبياء و الأئمة صلوات الله عليهم من الذنوب الصغيرة و الكبيرة عمدا و خطأ و نسيانا قبل النبوة و الإمامة و بعدهما بل من وقت ولادتهم إلى أن يلقوا الله سبحانه و لم يخالف فيه إلا الصدوق محمد بن بابويه و شيخه ابن الوليد قدس الله روحهما فجوزا الإسهاء من الله تعالى لا السهو الذي يكون من الشيطان و لعل خروجهما لا يخل بالإجماع لكونهما معروفي النسب و أما السهو في غير ما يتعلق بالواجبات و المحرمات كالمباحات و المكروهات فظاهر أكثر أصحابنا أيضا الإجماع على عدم صدوره عنهم و يدل على جملة ذلك كونه سببا لتنفير الخلق منهم و لما عرفت من بعض الآيات و الأخبار في ذلك لا سيما في أقوالهم ع لقوله تعالى وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى و قوله تعالى إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ و لعموم ما دل على التأسي بهم ع في جميع أقوالهم و أفعالهم و ما ورد في وجوب متابعتهم و في الخبر المشهور عن الرضا ع في وصف الإمام فهو معصوم مؤيد موفق مسدد قد أمن من الخطإ و الزلل و العثار

 و سيأتي في تفسير النعماني في كتاب القرآن بإسناده عن إسماعيل بن جابر عن الصادق ع عن أمير المؤمنين ع في بيان صفات الإمام قال فمنها أن يعلم الإمام المتولي عليه أنه معصوم من الذنوب كلها صغيرها و كبيرها لا يزل في الفتيا و لا يخطئ في الجواب و لا يسهو و لا ينسى و لا يلهو بشي‏ء من أمر الدنيا و ساق الحديث الطويل إلى أن قال و عدلوا عن أخذ الأحكام من أهلها ممن فرض الله طاعتهم ممن لا يزل و لا يخطئ و لا ينسى

و غيرها من الأخبار الدالة بفحاويها على تنزههم عنها و كيف يسهو في صلاته من كان يرى من خلفه كما يرى من بين يديه و لم يغير النوم منه شيئا و يعلم ما يقع في شرق الأرض و غربها و يكون استغراقه في الصلاة بحيث لا يشعر بسقوط الرداء عنه و لا ما يقع عليه. و قال المحقق الطوسي رحمه الله في التجريد و يجب في النبي ص العصمة ليحصل الوثوق فيحصل الغرض و لوجوب متابعته و ضدها و للإنكار عليه و كمال العقل و الذكاء و الفطنة و قوة الرأي و عدم السهو و كلما ينفر عنه من دناءة الآباء و عهر الأمهات و الفظاظة و الغلظ و الأبنة و شبهها و الأكل على الطريق و شبهه. و قال العلامة الحلي قدس الله روحه في شرح الكلام الأخير أي يجب في النبي كمال العقل و هو ظاهر و أن يكون في غاية الذكاء و الفطنة و قوة الرأي بحيث لا يكون ضعيف الرأي مترددا في الأمور متحيرا لأن ذلك من أعظم المنفرات عنه و أن لا يصح عليه السهو لئلا يسهو عن بعض ما أمر بتبليغه و أن يكون منزها عن دناءة الآباء و عهر الأمهات لأن ذلك منفر عنه و أن يكون منزها عن الفظاظة و الغلظة لئلا تحصل النفرة عنه و أن يكون منزها عن الأمراض المنفرة نحو الأبنة و سلس الريح و الجذام و البرص و عن كثير من المباحات الصارفة عن القبول منه القادحة في تعظيمه نحو الأكل على الطريق و غير ذلك لأن كل ذلك مما ينفر عنه فيكون منافيا للغرض من البعثة انتهى. و قال المحقق رحمه الله في النافع و الحق رفع منصب الإمامة عن السهو في العبادة. و قال الشيخ المفيد نور الله ضريحه فيما وصل إلينا من شرحه على عقائد الصدوق رضي الله عنه فأما نص أبي جعفر رحمه الله بالغلو على من نسب مشايخ القميين و علمائهم إلى التقصير فليس نسبة هؤلاء القوم إلى التقصير علامة على غلو الناس إذا و في جملة المشار إليهم بالشيخوخية و العلم من كان مقصرا و إنما يجب الحكم بالغلو على من نسب المحققين إلى التقصير سواء كانوا من أهل قم أو غيرها من البلاد و سائر الناس و قد سمعنا حكاية ظاهرة عن أبي جعفر محمد بن الحسن بن الوليد رحمه الله لم نجد لها دافعا في التقصير و هي ما حكي عنه أنه قال أول درجة في الغلو نفي السهو عن النبي ص و الإمام ع فإن صحت هذه الحكاية عنه فهو مقصر مع أنه من علماء القميين و مشيختهم انتهى كلامه زاد الله إكرامه. و قال العلامة رحمه الله في المنتهى في مسألة التكبير في سجدتي السهو احتج المخالف بما

 رواه أبو هريرة عن النبي ص قال ثم كبر و سجد

و الجواب هذا الحديث عندنا باطل لاستحالة السهو على النبي ص. و قال في مسألة أخرى قال الشيخ و قول مالك باطل لاستحالة السهو على النبي ص. و قال الشهيد رحمه الله في الذكرى و خبر ذي اليدين متروك بين الإمامية لقيام الدليل العقلي على عصمة النبي ص عن السهو لم يصر إلى ذلك غير ابن بابويه. فإذا عرفت ذلك فلنتكلم فيما تقدم من الأخبار فإنها مع كثرتها مشتملة على سهو النبي ص فحملها الأكثر على التقية لاشتهارها بين العامة و بعضهم طرحها لاختلافها و مخالفتها لأصول المذهب من حيث ترك النبي ص الصلاة الواجبة و إن كان سهوا و إخباره بالكذب في قوله كل ذلك لم يكن على ما رواه المخالفون و عدم الإعادة مع التكلم فيها عمدا و في بعضها مع الاستدبار على ما رووه و لمخالفتها لموثقة ابن بكير أن النبي ص لم يسجد للسهو قط و حملها على أنه ص إنما فعل ذلك عمدا بأمره تعالى لتعليمالأمة أو لبعض المصالح بعيد و كذا حمل الكلام على الإشارة أبعد. قال العلامة رحمه الله في المنتهى و التذكرة بعد إيراد الخبر الذي رواه المخالفون عن أبي هريرة في قضية ذي اليدين و الجواب أن هذا الحديث مردود من وجوه. أحدها أنه يتضمن إثبات السهو في حق النبي ص و هو محال عقلا و قد بينا في كتب الكلام. الثاني أن أبا هريرة أسلم بعد أن مات ذو اليدين بسنتين فإن ذا اليدين قتل يوم بدر و ذلك بعد الهجرة بسنتين و أسلم أبو هريرة بعد الهجرة بسبع سنين و اعترض على هذا بأن الذي قتل يوم بدر ذو الشمالين و اسمه عبد بن عمرو بن نضلة الخزاعي و ذو اليدين عاش بعد وفاة النبي ص و مات في أيام معاوية و قبره بذي خشب و اسمه الخرباق و الدليل عليه أن عمران بن حصين روى هذا الحديث فقال فيه فقام الخرباق فقال أ قصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله. و أجيب بأن الأوزاعي روى فقال فقام ذو الشمالين فقال أ قصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله و ذو الشمالين قتل يوم بدر لا محالة و روى الأصحاب أن ذا اليدين كان يقال له ذو الشمالين رواه سعيد الأعرج عن أبي عبد الله ع. الثالث أنه روي في هذا الخبر أن ذا اليدين قال أ قصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله فقال كل ذلك لم يكن

 و روي أنه ص قال إنما السهو لكم

 و روي أنه قال لم أنس و لم تقصر الصلاة

انتهى. و روى الحسين بن مسعود من علماء المخالفين في شرح السنة، بإسناده عن داود بن الحصين عن أبي سفيان قال سمعت أبا هريرة يقول صلى رسول الله ص صلاة العصر فسلم في ركعتين فقام ذو اليدين فقال أ قصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله فقال رسول الله ص كل ذلك لم يكن فقال قد كان بعض ذلك يا رسول الله فأقبل رسول الله ص على الناس فقال أ صدق ذو اليدين فقالوا نعم فأتم رسول الله ص ما بقي من صلاته ثم سجد سجدتين و هو جالس بعد التسليم

ثم قال هذا حديث متفق على صحته أخرجه مسلم عن قتيبة عن مالك و أخرجاه من طرق عن ابن سيرين عن أبي هريرة.

 و بالإسناد عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال صلى بنا رسول الله ص إحدى صلاتي العشي قال ابن سيرين قد سماها أبو هريرة و لكن نسيت أنا قال فصلى بنا ركعتين ثم سلم فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان و وضع يده اليمنى على اليسرى و شبك بين أصابعه و وضع خده الأيمن على ظهر كفه اليسرى و خرجت السرعان من أبواب المسجد فقالوا أ قصرت الصلاة و في القوم أبو بكر و عمر فهاباه أن يكلماه و في القوم رجل في يده طول يقال له ذو اليدين فقال يا رسول الله أ نسيت أم قصرت الصلاة فقال لم أنس و لم تقصر فقال أ كما قال ذو اليدين فقالوا نعم فتقدم فصلى ما ترك ثم سلم ثم كبر و سجوده مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه و كبر ثم كبر فربما سألوه ثم سلم فيقول نبئت أن عمران بن حصين قال ثم سلم

هذا حديث متفق على صحته أخرجه مسلم عن عمرو الناقد و غيره عن ابن عيينة عن أيوب عن ابن سيرين. و قوله خرجت السرعان هم المنصرفون عن الصلاة بسرعة و احتج الأوزاعي بهذا الحديث على أن كلام العمد إذا كان من مصلحة الصلاة لا يبطل الصلاة لأن ذا اليدين تكلم عامدا فكلم النبي ص القوم عامدا و القوم أجابوا رسول الله ص بنعم عامدين مع علمهم بأنهم لم يتموا الصلاة و من ذهب إلى أن غير كلام الناسي يبطل الصلاة زعم أن هذا كان قبل تحريم الكلام في الصلاة ثم نسخ و لا وجه لهذا الكلام من حيث إن تحريم الكلام في الصلاة كان بمكة و حدوث هذا الأمر إنما كان بالمدينة لأن راويه أبو هريرة و هو متأخر الإسلام و قد رواه عمران بن حصين و هجرته متأخرة فأما كلام القوم فروي عن ابن سيرين أنهم أومئوا أي نعم و لو صح أنهم قالوا بألسنتهم فكان ذلك جوابا لرسول الله ص و إجابة الرسول لا يبطل الصلاة و أما ذو اليدين فكلامه كان على تقدير النسخ و قصر الصلاة و كان الزمان زمان نسخ فكان كلامه على هذا التوهم في حكم كلام الناسي و كلام رسول الله ص جرى على أنه أكمل الصلاة فكان في حكم الناسي و قوله لم أنس دليل على أن من قال ناسيا لم أفعل كذا و كان فعل لا يعد كاذبا لأن الخطأ و النسيان عن الإنسان مرفوع. و بسند آخر عن عمران بن حصين أن النبي ص صلى العصر فسلم في ثلاث ركعات ثم دخل منزله فقام إليه رجل يقال له الخرباق و كان في يده طول فقال أ قصرت الصلاة فخرج مغضبا يجر رداءه فقال أ صدق هذا قالوا نعم فصلى ركعة ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم و لم يذكروا التشهد و في الحديث دليل على أن من تحول عن القبلة ساهيا لا إعادة عليه انتهى. أقول لا يخفى عليك الاختلاف الواقع بيننا و بينهم في نقل هذا الخبر ففي أكثر أخبارنا أنها كانت صلاة الظهر و في أكثر أخبارهم أنها كانت صلاة العصر و في بعض أخبارهم أنه سلم عن ركعتين و في بعضها أنه سلم عن ثلاث و في بعضها أنه ص دخل منزله و هو متضمن للاستدبار المبطل عندنا مطلقا و في بعضها ما ظاهره أنه كان في موضع الصلاة إلى غير ذلك من الاختلاف التي تضعف الاحتجاج بالخبر. و قال الآبي في إكمال الإكمال بعض شروح صحيح مسلم في قوله فقام ذو اليدين و في رواية رجل من بني سليم و في رواية رجل يقال له الخرباق و كان في يده طول و في رواية رجل بسيط اليدين قال صلى بنا رسول الله ص صلاة العصر فسلم في ركعتين فقام ذو اليدين و في رواية صلاة الظهر. قال المحققون هما قضيتان و في حديث عمران بن الحصين و سلم في ثلاث ركعات من العصر فهذه قضية ثالثة في يوم آخر و في قوله كل ذلك لم يكن تأويلان أحدهما لم يكن المجموع و لا ينفي وجود أحدهما. و الثاني و هو الصواب لم يكن ذاك و لا ذا في ظني بل ظني أني أكملت الصلاة أربعا ثم قال و هذا يدل على جواز النسيان في الأفعال و العبادات على الأنبياء و أنهم لا يقرون عليه و نقلوا عن الزهري أن ذا اليدين قتل يوم بدر و أن قصته في الصلاة كانت قبل بدر قالوا و لا يمنع من هذا كون أبي هريرة رواه و هو متأخر الإسلام عن بدر لأن الصحابي قد يروي ما لا يحضره بأن يسمعه من النبي ص أو صحابي آخر. ثم أطال الكلام في ذلك إلى أن قال و أما قولهم إن ذا اليدين قتل يوم بدر فغلط و إنما المقتول يوم بدر ذو الشمالين و لسنا ندافعهم أن ذا الشمالين قتل يوم بدر لأن ابن إسحاق و غيره من أهل السير ذكروه فيمن قتل يوم بدر قال ابن إسحاق ذو

  الشمالين هو عمير بن عمرو بن غيشان من خزاعة قال أبو عمرو فذو اليدين غير ذي الشمالين المقتول ببدر بدليل حضور أبي هريرة و ما ذكرنا من قصة ذي اليدين أن المتكلم رجل من بني سليم كما ذكره مسلم و في رواية ابن الحصين اسمه الخرباق فذو اليدين الذي شهد السهو سلمي و ذو اليدين المقتول ببدر خزاعي يخالفه في الاسم و النسب. انتهى و قال القاضي عياض في كتاب الشفاء اعلم أن الطواري من التغييرات و الآفات على آحاد البشر لا تخلو أن تطرأ على جسمه أو على حواسه بغير قصد و اختيار كالأمراض و الأسقام أو بقصد و اختيار و كله في الحقيقة عمل و فعل و لكن جرى رسم المشايخ بتفصيله إلى ثلاثة أنواع عقد بالقلب و قول باللسان و عمل بالجوارح و جميع البشر تطرأ عليهم الآفات و التغييرات بالاختيار و بغير الاختيار في هذه الوجوه كلها و النبي ص و إن كان من البشر و يجوز على جبلته ص ما يجوز على جبلة البشر فقد قامت البراهين القاطعة و تمت كلمة الإجماع على خروجه عنهم و تنزيهه عن كثير من الآفات التي تقع على الاختيار و على غير الاختيار فأما حكم عقد قلب النبي ص من وقت نبوته فاعلم أن ما تعلق منه بطريق التوحيد و العلم بالله و صفاته و الإيمان به و بما أوحي إليه فعلى غاية المعرفة و وضوح العلم و اليقين و الانتفاء عن الجهل بشي‏ء من ذلك أو الشك أو الريب فيه و العصمة من كل ما يضاد المعرفة بذلك و اليقين هذا ما وقع عليه إجماع المسلمين و لا يصح بالبراهين الواضحة أن يكون في عقود الأنبياء سواه. و أما عصمتهم من هذا الفن قبل النبوة فللناس فيه خلاف و الصواب أنهم معصومون قبل النبوة من الجهل بالله و صفاته و الشك في شي‏ء من ذلك. و أما ما عدا هذا الباب من عقود قلوبهم فجماعها أنها مملوة علما و يقينا على الجملة و أنها قد احتزت من المعرفة بأمور الدين و الدنيا ما لا شي‏ء فوقه و اعلم أن الأمة مجمعة على عصمة النبي ص من الشيطان و كفايته منه لا في جسمه بأنواع الأذى و لا على خاطره بالوساوس. و أما أقواله ص فقامت الدلائل الواضحة بصحة المعجزة على صدقه و أجمعت الأمة فيما كان طريقه البلاغ أنه معصوم فيه من الإخبار عن شي‏ء منها بخلاف ما هو به لا قصدا و لا عمدا و لا سهوا و غلطا و أما ما ليس سبيله سبيل البلاغ من الأخبار التي لا مستند لها إلى الأحكام و لا أخبار المعاد و لا تضاف إلى وحي بل في أمور الدنيا و أحوال نفسه فالذي يجب تنزيه النبي ص عن أن يقع خبره في شي‏ء من ذلك بخلاف مخبره لا عمدا و لا سهوا و لا غلطا و أنه معصوم من ذلك في حال رضاه و في حال سخطه و جده و مزحه و صحته و مرضه و دليله اتفاق جميع السلف و إجماعهم عليه و ذلك أنا نعلم من ديدن الصحابة و عادتهم و مبادرتهم إلى تصديق جميع أحواله و الثقة بجميع أخباره في أي باب كانت و عن أي شي‏ء وقعت و أنه لم يكن لهم توقف و لا تردد في شي‏ء منها و لا استثبات عن حاله عند ذلك هل وقع فيها سهو أم لا. و أيضا فإن الكذب متى عرف من أحد في شي‏ء من الأخبار بخلاف ما هو على أي وجه كان استريب بخبره و اتهم في حديثه و لم يقع قوله في النفوس موقعا ثم قال و الصواب تنزيه النبوة عن قليله و كثيره و سهوه و عمده إذ عمدة النبوة البلاغ و الإعلام و التبيين و تجويز شي‏ء من هذا قادح في ذلك مشكك. ثم قال فإن قلت فما معنى قوله ص في حديث السهو كل ذلك لم يكن فاعلم أن للعلماء في ذلك أجوبة أما على القول بتجويز الوهم و الغلط فيما ليس طريقه من القول البلاغ و هو الذي زيفناه فلا اعتراض بهذا الحديث و شبهه و أما على مذهب من يمنع السهو و النسيان في أفعاله جملة و يرى أنه في مثل هذا عامد بصورة النسيان ليسن فهو صادق في خبره لأنه لم ينس و لا قصرت و هو قول مرغوب عنه و أما على إحالة السهو عليه في الأقوال و تجويز السهو عليه فيما ليس طريقه القول ففيه أجوبة. منها أنه ص أخبر عن اعتقاده و ضميره أما إنكار القصر فحق و صدق باطنا و

  ظاهرا و أما النسيان فأخبر ص عن اعتقاده و أنه لم ينس في ظنه فكأنه قصد بهذا الخبر عن ظنه. و منها أن قوله لم أنس راجع إلى السلم أي إني سلمت قصدا و سهوت عن العدد. و منها أن المراد لم يجتمع القصر و النسيان بل كان أحدهما و مفهوم اللفظ خلافه. و منها أن المراد ما نسيت و لكن أنسيت كما ورد في الحديث لست أنسى و لكن أنسى. و منها أنه نفى النسيان و هو غفلة و آفة و لكنه سها و السهو إنما هو شغل بال. و أما ما يتعلق بالجوارح من الأعمال فأجمع المسلمون على عصمة الأنبياء ع من الفواحش و الكبائر الموبقات و أما الصغائر فجوزها جماعة من السلف و غيرهم على الأنبياء و ذهب طائفة أخرى إلى الوقف و ذهب طائفة أخرى من المحققين من الفقهاء و المتكلمين إلى عصمتهم من الصغائر أيضا و قال بعض أئمتنا و لا يجب على القولين أن يختلف أنهم معصومون عن تكرار الصغائر و كثرتها إذ يلحقها ذلك بالكبائر و لا في صغيرة أدت إلى إزالة الحشمة و أسقطت المروءة و أوجبت الإزراء و الخساسة فهذا أيضا مما يعصم عنه الأنبياء إجماعا و قد ذهب بعضهم إلى عصمتهم من مواقعة المكروه قصدا. و قد اختلف في عصمتهم من المعاصي قبل النبوة فمنعها قوم و جوزها آخرون و الصحيح تنزيههم من كل عيب و عصمتهم من كل ما يوجب الريب. ثم قال هذا حكم ما يكون المخالفة فيه من الأعمال عن قصد و ما يكون بغير قصد و تعمد كالسهو و النسيان في الوظائف الشرعية فأحوال الأنبياء ع في ترك المؤاخذة به و كونه ليس بمعصية لهم مع أممهم سواء ثم ذلك على نوعين ما طريقه البلاغ و تعليم الأمة بالفعل و ما هو خارج عن هذا مما يختص بنفسه أما الأول فحكمه عند جماعة من العلماء حكم السهو في القول لا يجوز طروء المخالفة فيها لا عمدا و لا سهوا و اعتذروا عن أحاديث السهو بتوجيهات و إلى هذا مال أبوإسحاق و ذهب الأكثر من الفقهاء و المتكلمين إلى أن المخالفة في الأفعال البلاغية و الأحكام الشرعية سهوا و عن غير قصد منه جائز عليه كما تقرر من أحاديث السهو في الصلاة و فرقوا بين الأقوال و الأفعال في ذلك و القائلون بتجويز ذلك يشترطون أن الرسل لا تقر على السهو و الغلط بل ينبهون عليه و يعرفون حكمه بالفور على قول بعضهم و هو الصحيح و قبل انقراضهم على قول الآخرين و أما ما ليس طريقه البلاغ و لا بيان الأحكام من أفعاله ص و ما يختص به من أمور دينه و أذكار قلبه ما لم يفعله ليتبع فيه فالأكثر من طبقات علماء الأمة على جواز السهو و الغلط فيها على سبيل الندرة و ذهبت طائفة إلى منع السهو و النسيان و الغفلات و الفترات في حقه ص جملة و هو مذهب جماعة المتصوفة و أصحاب علم القلوب و المقامات انتهى ملخص كلامه. و قد بسط القول فيها بما لا مزيد عليه و إنما أوردت هذه الكلمات منها لتطلع على مذاهبهم في العصمة فإذا أحطت خبرا بما تلونا عليك فاعلم أن هذه المسألة في غاية الإشكال لدلالة كثير من الآيات و الأخبار على صدور السهو عنهم ع نحو قوله تعالى وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً و قوله تعالى وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ و قوله تعالى فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما و قوله فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَ ما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ و قوله لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ

  و قوله تعالى فَلا تَنْسى إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ و ما أسلفنا من الأخبار و غيرها و إطباق الأصحاب إلا ما شذ منهم على عدم جواز السهو عليهم مع دلالة بعض الآيات و الأخبار عليه في الجملة و شهادة بعض الدلائل الكلامية و الأصول المبرهنة عليه مع ما عرفت في أخبار السهو من الخلل و الاضطراب و قبول الآيات للتأويل و الله يهدي إلى سواء السبيل قال السيد المرتضى قدس الله روحه في كتاب تنزيه الأنبياء فإن قيل ما معنى قوله لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ و عندكم أن النسيان لا يجوز على الأنبياء ع. فأجاب بأن فيه وجوها ثلاثة أحدها أنه أراد النسيان المعروف و ليس ذلك بعجب مع قصر المدة فإن الإنسان ينسى ما قرب زمانه لما يعرض له من شغل القلب و غير ذلك. و الوجه الثاني أنه أراد لا تؤاخذني بما تركت و يجري ذلك مجرى قوله تعالى وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ أي ترك

 و قد روي هذا الوجه عن ابن عباس عن أبي بن كعب عن رسول الله ص قال قال موسى ع لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ يقول بما تركت من عهدك

و الوجه الثالث أنه أراد لا تؤاخذني بما فعلته مما يشبه النسيان فسماه نسيانا للمشابهة كما قال المؤذن لإخوة يوسف ع إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ أي إنكم تشبهون السراق و إذا حملنا هذه اللفظة على غير النسيان الحقيقي فلا سؤال فيها و إذا حملناه على النسيان في الحقيقة كان الوجه فيه أن النبي ص إنما لا يجوز عليه النسيان فيما يؤديه أو في شرعه أو في أمر يقتضي التنفير عنه فأما فيما هو خارج عما ذكرناه فلا مانع من النسيان أ لا ترى أنه إذا نسي أو سها في مأكله أو مشربه على وجه لا يستمر و لا يتصل فينسب إلى أنه مغفل أن ذلك غير ممتنع انتهى كلامه رحمه الله. و يظهر منه عدم انعقاد الإجماع من الشيعة على نفي مطلق السهو عن الأنبياء ع و بعد ذلك كله فلا معدل عما عليه المعظم لوثاقة دلائلهم و كونه أنسب بعلو شأن الحجج عليهم السلام و رفعة منازلهم و أما أحاديث النوم عن الصلاة فقد روتها العامة أيضا بطرق كثيرة كما

 رواه في شرح السنة بإسناده عن سعيد بن المسيب أن رسول الله ص حين قفل من خيبر أسرى حتى إذا كان من آخر الليل عرس و قال لبلال اكلأ لنا الصبح و نام رسول الله ص و أصحابه و كلأ بلال ما قدر له ثم استند إلى راحلته و هو مقابل الفجر فغلبته عيناه فلم يستيقظ رسول الله ص و لا بلال و لا أحد من الركب حتى ضربتهم الشمس ففزع رسول الله ص فقال يا بلال فقال بلال يا رسول الله أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك فقال رسول الله اقتادوا فبعثوا رواحلهم فاقتادوا شيئا ثم أمر رسول الله ص بلالا فأقام الصلاة فصلى بهم الصبح ثم قال حين قضى الصلاة من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله يقول أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي

و رواه بأسانيد أخرى بتغيير ما. أقول و لم أر من قدماء الأصحاب من تعرض لردها إلا شرذمة من المتأخرين ظنوا أنه ينافي العصمة التي ادعوها و ظني أن ما ادعوه لا ينافي هذا إذ الظاهر أن مرادهم العصمة في حال التكليف و التمييز و القدرة و إن كان سهوا و إن كان قبل النبوة و الإمامة و إلا فظاهر أنهم ع كانوا لا يأتون بالصلاة و الصوم و سائر العبادات في حال رضاعهم مع أن ترك بعضها من الكبائر و لذا قال المفيد رحمه الله فيما نقلنا عنه منذ أكمل الله عقولهم و هذا لا ينافي الأخبار الواردة بأنهم ع كانوا من الكاملين في عالم الذر و يتكلمون في بطون أمهاتهم و عند ولادتهم لأن الله تعالى مع أنه أكمل أرواحهم في عالم الذر و يظهر منهم الغرائب في سائر أحوالهم على وجه الإعجاز جعلهم مشاركين مع سائر الخلق في النمو و حالة الصبا و الرضاع و البلوغ و إن كان بلوغهم لكمال عقولهم قبل غيرهم و لم يكلفهم في حال رضاعهم و عدم تمكنهم من المشي و القيام بالصلاة و غيرها فإذا صاروا في حد يتأتى ظاهرا منهم الأفعال و التروك لا يصدر منهم معصية فعلا و تركا و عمدا و سهوا و حالة النوم أيضا مثل ذلك و لا يشمل السهو تلك الحالة لكن فيه إشكال من جهة ما تقدم من الأخبار و سيأتي أن نومه ص كان كيقظته و كان يعلم في النوم ما يعلم في اليقظة فكيف ترك ص الصلاة مع علمه بدخول الوقت و خروجه و كيف عول على بلال في ذلك مع أنه ما كان يحتاج إلى ذلك فمن هذه الجهة يمكن التوقف في تلك الأخبار مع اشتهار القصة بين المخالفين و احتمال صدورها تقية و يمكن الجواب عن الإشكال بوجوه. الأول أن تكون تلك الحالة في غالب منامه ص و قد يغلب الله عليه النوم لمصلحة فلا يدري ما يقع و يكون في نومه ذلك كسائر الناس كما يشعر به بعض تلك الأخبار. الثاني أن يكون مطلعا على ما يقع لكن لا يكون في تلك الحالة مكلفا بإيقاع العبادات فإن معظم تكاليفهم تابع لتكاليف سائر الخلق فإنهم كانوا يعلمون كفر المنافقين و نجاسة أكثر الخلق و أكثر الأشياء و ما يقع عليهم و على غيرهم من المصائب و غيرها و لم يكونوا مكلفين بالعمل بهذا العلم. الثالث أن يقال كان مأمورا في ذلك الوقت من الله تعالى بترك الصلاة لمصلحة مع علمه بدخول الوقت و خروجه. الرابع أن يقال لا ينافي اطلاعه في النوم على الأمور عدم قدرته على القيام ما لم تزل عنه تلك الحالة فإن الاطلاع من الروح و النوم من أحوال الجسد. قال القاضي عياض في الشفاء فإن قلت فما تقول في نومه ص عن الصلاة يوم الوادي و قد قال إن عيني تنامان و لا ينام قلبي. فاعلم أن للعلماء في ذلك أجوبة.

  الأول أن المراد بأن هذا حكم قلبه عند نومه و عينيه في غالب الأوقات و قد يندر منه غير ذلك كما يندر من غيره خلاف عادته و يصحح هذا التأويل قوله في الحديث إن الله قبض أرواحنا و قول بلال فيه ما ألقيت علي نومة مثلها قط و لكن مثل هذا إنما يكون منه لأمر يريد الله من إثبات حكم و تأسيس سنة و إظهار شرع و كما قال في الحديث الآخر و لو شاء الله لأيقظنا و لكن أراد أن يكون لمن بعدكم. و الثاني أن قلبه لا يستغرقه النوم حتى يكون منه الحدث فيه لما روي أنه كان ينام حتى ينفخ و حتى يسمع غطيطه ثم يصلي و لم يتوضأ و قيل لا ينام من أجل أنه يوحى إليه في النوم و ليس في قصة الوادي إلا نوم عينيه عن رؤية الشمس و ليس هذا من فعل القلب و قد قال ع إن الله قبض أرواحنا و لو شاء لردها إلينا في حين غير هذا. فإن قيل فلو لا عادته من استغراق النوم لما قال لبلال اكلأ لنا الصبح. فقيل في الجواب إنه كان من شأنه ص التغليس بالصبح و مراعاة أول الفجر لا تصح ممن نامت عينه إذ هو ظاهر يدرك بالجوارح الظاهرة فوكل بلالا بمراعات أوله ليعلم بذلك كما لو شغل بشغل غير النوم عن مراعاته انتهى كلامه. و لم نتعرض لما فيه من الخطإ و الفساد لظهوره و لنختم هذا الباب بإيراد رسالة وصلت إلينا تنسب إلى الشيخ السديد المفيد أو السيد النقيب الجليل المرتضى قدس الله روحهما و إلى المفيد أنسب و هذه صورة الرسالة بعينها كما وجدتها. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الحمد لله الذي اصطفى محمدا لرسالته و اختاره على علم للأداء عنه و فضله على كافة خليقته و جعله قدوة في الدين و عصمه من الزلات و برأه من السيئات و حرسه من الشبهات و أكمل له الفضل و رفعه في أعلى الدرجات ص الذين بمودتهم تنم الصالحات. و بعد وقفت أيها الأخ وفقك الله لمياسير الأمور و وقانا و إياك المعسور على ما كتبت به في معنى ما وجدته لبعض مشايخك بسنده إلى الحسن بن محبوب عن الرباطي عن سعيد الأعرج عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ع فيما يضاف إلى النبي ص من السهو في الصلاة و النوم عنها حتى خرج وقتها فإن الشيخ الذي ذكرته زعم أن الغلاة تنكر ذلك و تقول لو جاز أن يسهو في الصلاة لجاز أن يسهو في التبليغ لأن الصلاة فريضة كما أن التبليغ عليه فريضة فرد هذا القول بأن قال لا يلزم من قبل أن جميع الأحوال المشتركة يقع على النبي ص فيها ما يقع على غيره و هو متعبد بالصلاة كغيره من أمته و ساق كلام الصدوق إلى آخره نحوا مما أسلفنا ثم قال و سألت أعزك الله بطاعته أن أثبت لك ما عندي فيما حكيته عن هذا الرجل و أبين عن الحق في معناه و أنا نجيبك إلى ذلك و الله الموفق للصواب. اعلم أن الذي حكيت عنه ما حكيت مما قد أثبتناه قد تكلف ما ليس من شأنه فأبدى بذلك عن نقصه في العلم و عجزه و لو كان ممن وفق لرشده لما تعرض لما لا يحسنه و لا هو من صناعته و لا يهتدي إلى معرفته لكن الهوى مرد لصاحبه نعوذ بالله من سلب التوفيق و نسأله العصمة من الضلال و نستهديه في سلوك نهج الحق و واضح الطريق بمنه. الحديث الذي روته الناصبة و المقلدة من الشيعة أن النبي ص سها في صلاته فسلم في ركعتين ناسيا فلما نبه على غلطه فيما صنع أضاف إليهما ركعتين ثم سجد سجدتي السهو من أخبار الآحاد التي لا تثمر علما و لا توجب عملا و من عمل على شي‏ء منها فعلى الظن يعتمد في عمله بها دون اليقين و قد نهى الله تعالى عن العمل على الظن في الدين و حذر من القول فيه بغير علم يقين فقال وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ و قال إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ و قال وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا

 و قال وَ ما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً و قال إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ و أمثال ذلك في القرآن مما يتضمن الوعيد على القول في دين الله بغير علم و الذم و التهديد لمن عمل فيه بالظن و اللوم له على ذلك و إذا كان الخبر بأن النبي ص سها من أخبار الآحاد التي من عمل عليها كان بالظن عاملا حرم الاعتقاد لصحته و لم يجز القطع به و وجب العدول عنه إلى ما يقتضيه اليقين من كماله ص و عصمته و حراسة الله له من الخطاء في عمله و التوفيق له فيما قال و عمل به من شريعته و في هذا القدر كفاية في إبطال حكم من حكم على النبي ص بالسهو في صلاته. فصل على أنهم اختلفوا في الصلاة التي زعموا أنه ص سها فيها فقال بعضهم هي الظهر و قال بعضهم هي العصر و قال بعض آخر منهم بل كانت عشاء الآخرة و اختلافهم في الصلاة دليل على وهن الحديث و حجة في سقوطه و وجوب ترك العمل به و اطراحه فصل على أن في الخبر نفسه ما يدل على اختلافه

 و هو ما رووه من أن ذا اليدين قال للنبي ص لما سلم في الركعتين الأوليين من الصلاة الرباعية أ قصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت فقال ص ما زعم

كل ذلك لم يكن فنفى ص أن تكون الصلاة قصرت و نفى أن يكون قد سها فيها فليس يجوز عندنا و عند الحشوية المجيزين عليه السهو أن يكذب النبي ص متعمدا و لا ساهيا و إذا كان أخبر أنه لم يسه و كان صادقا في خبره فقد ثبت كذب من أضاف إليه السهو و وضح بطلان دعواه في ذلك بلا ارتياب. فصل و قد تأول بعضهم ما حكوه من قوله كل ذلك لم يكن على ما يخرجه عن الكذب مع سهوه في الصلاة بأن قالوا إنه ص نفى أن يكون وقع الأمران معا يريد أنه لم يجتمع قصر الصلاة و السهو فكان قد حصل أحدهما و وقع. و هذا باطل من وجهين أحدهما أنه لو كان أراد ذلك لم يكن جوابا عن السؤال و الجواب عن غير السؤال لغو لا يجوز وقوعه من النبي ص. و الثاني أنه لو كان كما ادعوه لكان ص ذاكرا به من غير اشتباه في معناه لأنه قد أحاط علما بأن أحد الشيئين كان دون صاحبه و لو كان كذلك لارتفع السهو الذي ادعوه وكانت دعواهم باطلة بلا ارتياب و لم يكن أيضا معنى لمسألته حين سأل عن قول ذي اليدين و هل هو على ما قال أو على غير ما قال لأن هذا السؤال يدل على اشتباه الأمر عليه فيما ادعاه ذو اليدين و لا يصح وقوع مثله من متيقن لما كان في الحال. فصل و مما يدل على بطلان الحديث أيضا اختلافهم في جبران الصلاة التي ادعوا السهو فيها و البناء على ما مضى منها و الإعادة لها فأهل العراق يقولون إنه أعاد الصلاة لأنه تكلم فيها و الكلام في الصلاة يوجب الإعادة عندهم و أهل الحجاز و من مال إلى قولهم يزعمون أنه بنى على ما مضى و لم يعد شيئا و لم يقض و سجد لسهوه سجدتين و من تعلق بهذا الحديث من الشيعة يذهب فيه إلى مذهب أهل العراق لأنه تضمن كلام النبي ص في الصلاة عمدا و التفاته عن القبلة إلى من خلفه و سؤاله عن حقيقة ما جرى و لا يختلف فقهاؤهم في أن ذلك يوجب الإعادة و الحديث متضمن أن النبي ص بنى على ما مضى و لم يعد و هذا الاختلاف الذي ذكرناه في هذا الحديث أدل دليل على بطلانه و أوضح حجة في وضعه و اختلاقه. فصل على أن الرواية له من طريق الخاصة و العامة كالرواية من الطريقين معا أن النبي ص سها في صلاة الفجر و كان قد قرأ في الأولة منهما سورة النجم حتى انتهى إلى قوله أَ فَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَ الْعُزَّى وَ مَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى فألقى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العلى و إن شفاعتهن لترتجي ثم نبه على سهوه فخر ساجدا فسجد المسلمون و كان سجودهم اقتداء به و أما المشركون فكان سجودهم سرورا بدخوله معهم في دينهم قالوا و في ذلك أنزل الله تعالى وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ يعنون في قراءته و استشهدوا على ذلك ببيت من الشعر.

تمنى كتاب الله يتلوه قائما و أصبح ظمآن و مسد قارئا.

 فصل و ليس حديث سهو النبي ص في الصلاة أشهر في الفريقين من روايتهم أن يونس ع ظن أن الله تعالى يعجز عن الظفر به و لا يقدر على التضييق عليه و تأولوا قوله تعالى فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ على ما رووه و اعتقدوه فيه و في أكثر رواياتهم أن داود ع هوى امرأة أوريا بن حنان فاحتال في قتله ثم نقلها إليه و رواياتهم أن يوسف بن يعقوب ع هم بالزنا و عزم عليه و غير ذلك من أمثاله و من رواياتهم التشبيه لله تعالى بخلقه و التجوير له في حكمه فيجب على الشيخ الذي سألت أيها الأخ عنه أن يدين الله بكل ما تضمنته هذه الروايات ليخرج بذلك عن الغلو على ما ادعاه فإن دان بها خرج عن التوحيد و الشرع و إن ردها ناقض في اعتداله و إن كان ممن لا يحسن المناقضة لضعف بصيرته و الله نسأل التوفيق. فصل و الخبر المروي أيضا في نوم النبي ص عن صلاة الصبح من جنس الخبر عن سهوه في الصلاة فإنه من أخبار الآحاد التي لا توجب علما و لا عملا و من عمل عليه فعلى الظن يعتمد في ذلك دون اليقين و قد سلف قولنا في نظير ذلك ما يغني عن إعادته في هذا الباب مع أنه يتضمن خلاف ما عليه عصابة الحق لأنهم لا يختلفون في أن من فاتته صلاة فريضة فعليه أن يقضيها أي وقت ذكرها من ليل أو نهار ما لم يكن الوقت مضيقا لصلاة فريضة حاضرة و إذا حرم أن يؤدي فريضة قد دخل وقتها ليقضي فرضا قد فاته كان حظر النوافل عليه قبل قضاء ما فاته من الفرض أولى

 هذا مع الرواية عن النبي ص أنه قال لا صلاة لمن عليه صلاة

يريد أنه لا نافلة لمن عليه فريضة. فصل و لسنا ننكر أن يغلب النوم على الأنبياء ع في أوقات الصلوات حتى تخرج فيقضوها بعد ذلك و ليس عليهم في ذلك عيب و لا نقص لأنه ليس ينفك بشر من غلبة النوم و لأن النائم لا عيب عليه و ليس كذلك السهو لأنه نقص عن الكمال في الإنسان و هو عيب يختص به من اعتراه و قد يكون من فعل الساهي تارة كما يكون من فعل غيره و النوم لا يكون إلا من فعل الله تعالى فليس من مقدور العباد على حالة و لو كان من مقدورهم لم يتعلق به نقص و عيب لصاحبه لعمومه جميع البشر و ليس كذلك السهو لأنه يمكن التحرز منه و لأنا وجدنا الحكماء يجتنبون أن يودعوا أموالهم و أسرارهم ذوي السهو و النسيان و لا يمتنعون من إيداعه من تعتريه الأمراض و الأسقام و وجدنا الفقهاء يطرحون ما يرويه ذوو السهو من الحديث إلا أن يشركهم فيه غيرهم من ذوي اليقظة و الفطنة و الذكاء و الحذاقة فعلم فرق ما بين السهو النوم بما ذكرناه و لو جاز أن يسهو النبي ص في صلاته و هو قدوة فيها حتى يسلم قبل تمامها و ينصرف عنها قبل إكمالها و يشهد الناس ذلك فيه و يحيطوا به علما من جهته لجاز أن يسهو في الصيام حتى يأكل و يشرب نهارا في شهر رمضان بين أصحابه و هم يشاهدونه و يستدركون عليه الغلط و ينبهونه عليه بالتوقيف على ما جناه و لجاز أن يجامع النساء في شهر رمضان نهارا و لم يؤمن عليه السهو في مثل ذلك إلى وطء ذوات المحارم ساهيا و يسهو في الحج حتى يجامع في الإحرام و يسعى قبل الطواف و لا يحيط علما بكيفية رمي الجمار و يتعدى من ذلك إلى السهو في كل أعمال الشريعة حتى ينقلها عن حدودها و يضعها في غير أوقاتها و يأتي بها على غير حقائقها و لم ينكر أن يسهو عن تحريم الخمر فيشربها ناسيا أو يظنها شرابا حلالا ثم ينفصل بعد ذلك لما بين عليه من صفتها و لم ينكر أن يسهو فيما يخبر به عن نفسه و عن غيره ممن ليس بربه بعد أن يكون منصوبا في الأداء و يكون مخصوصا بالأداء و تكون العلة في جواز ذلك كله أنها عبادة مشتركة بينه و بين أمته كما كانت الصلاة عبادة مشتركة بينه و بينهم حسب اعتلال الرجل الذي ذكرت أيها الأخ عنه من إعلاله

  و يكون ذلك أيضا لإعلام الخلق أنه مخلوق ليس بقديم معبود و ليكون حجة على الغلاة الذين اتخذوه ربا و ليكون أيضا سببا لتعليم الخلق أحكام السهو في جميع ما عددناه من الشريعة كما كان سببا في تعليم الخلق حكم السهو في الصلاة و هذا ما لا يذهب إليه مسلم و لا غال و لا موحد و لا يجيزه على التقدير في النبوة ملحد و هو لازم لمن حكيت عنه ما حكيت فيما أفتى به من سهو النبي ص و اعتل به و دل على ضعف عقله و سوء اختياره و فساد تخيله و ينبغي أن يكون كل من منع السهو على النبي ص غاليا خارجا عن حد الاقتصاد و كفى بمن صار إلى هذا المقال خزيا. فصل ثم العجب حكمه بأن سهو النبي ص من الله و سهو من سواه من أمته و كافة البشر من غيرها من الشيطان بغير علم فيما ادعاه و لا حجة و لا شبهة يتعلق بها أحد من العقلاء اللهم إلا أن يدعي الوحي في ذلك و يتبين به عن ضعف عقله لكافة الألباء ثم العجب من قوله إن سهو النبي ص من الله دون الشيطان لأنه ليس للشيطان على النبي ص سلطان و إنما زعم أن سلطانه عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَ الَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ و على من اتبعه من الغاوين ثم هو يقول إن هذا السهو الذي من الشيطان يعم جميع البشر سوى الأنبياء و الأئمة ع فكلهم أولياء الشيطان و أنهم غاوون إذا كان للشيطان عليهم سلطان و كان سهوهم منه دون الرحمن و من لم يتيقظ لجهله في هذا الباب كان في عداد الأموات. فصل فأما قول الرجل المذكور إن ذا اليدين معروف فإنه يقال له أبو محمد عمير بن عبد عمرو و قد روى عنه الناس فليس الأمر كما ذكر و قد عرفه بما يرفع معرفته من تكنيته و تسميته بغير معروف بذلك و لو أنه يعرفه بذي اليدين لكان أولى من تعريفه بتسميته بعمير فإن المنكر له يقول له من ذو اليدين و من هو عمير و من هو عبد عمرو و هذا كله مجهول غير معروف و دعواه أنه قد روى الناس عنه دعوى لا برهان عليها و ما وجدنا في أصول الفقهاء و لا الرواة حديثا عن هذا الرجل و لا ذكرا له و لو كان معروفا كمعاذ بن جبل و عبد الله بن مسعود و أبي هريرة و أمثالهم لكان ما تفرد به غير معمول عليه

  لما ذكرنا من سقوط العمل بأخبار الآحاد فكيف و قد بينا أن الرجل مجهول غير معروف فهو متناقض باطل بما لا شبهة فيه عند العقلاء و من العجب بعد هذا كله أن خبر ذي اليدين يتضمن أن النبي ص سها فلم يشعر بسهوه أحد من المصلين معه من بني هاشم و المهاجرين و الأنصار و وجوه الصحابة و سادات الناس و لا نظر إلى ذلك و عرفه إلا ذو اليدين المجهول الذي لا يعرفه أحد و لعله من بعض الأعراب أو أشعر القوم به فلم ينبهه أحد منهم على غلطه و لا رأى صلاح الدين و الدنيا بذكر ذلك له ص إلا المجهول من الناس ثم لم يكن يستشهد على صحة قول ذي اليدين فيما خبر به من سهوه إلا أبو بكر و عمر فإنه سألهما عما ذكره ذو اليدين ليعتمد قولهما فيه و لم يثق بغيرهما في ذلك و لا سكن إلى أحد سواهما في معناه و إن شيعيا يعتمد على هذا الحديث في الحكم على النبي ص بالغلط و النقص و ارتفاع العصمة عنه من العباد لناقص العقل ضعيف الرأي قريب إلى ذوي الآفات المسقطة عنهم التكليف وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ و هو حسبنا وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ. هذا آخر ما وجدنا من تلك الرسالة و كان المنتسخ سقيما و فيما أورده رحمه الله مع متانته اعتراضات يظهر بعضها مما أسلفنا و لا يخفى على من أمعن النظر فيها و الله الموفق للصواب