باب 17- غزوة الأحزاب و بني قريظة

 الآيات البقرة أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرَّاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ آل عمران قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَ تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَ تُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَ تُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَ تُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ تُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَ تَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ الأنفال الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَ هُمْ لا يَتَّقُونَ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ وَ إِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ الأحزاب يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَ تَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَ زُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً وَ إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً وَ إِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَ يَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَ ما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً وَ لَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَ ما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً وَ لَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَ كانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَ إِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَ لا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَ الْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَ لا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَ إِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَ لَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ وَ ذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً وَ لَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ صَدَقَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ ما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَ تَسْلِيماً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَ يُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً وَ رَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَ كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَ كانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً وَ أَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَ قَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَ تَأْسِرُونَ فَرِيقاً وَ أَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَ دِيارَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ وَ أَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَ كانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيراً

 تفسير قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى أَمْ حَسِبْتُمْ قيل نزلت يوم الخندق لما اشتدت المخافة و حوصر المسلمون في المدينة فدعاهم الله إلى الصبر و وعدهم بالنصر و قيل نزلت في حرب أحد لما قال عبد الله بن أبي لأصحاب رسول الله ص إلى متى تقتلون أنفسكم لو كان محمد ص نبيا لما سلط الله عليه الأسر و القتل و قيل نزلت في المهاجرين من أصحاب النبي ص إلى المدينة إذ تركوا ديارهم و أموالهم و مستهم الضراء وَ لَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ أي و لما تمتحنوا و تبتلوا بمثل ما امتحنوا به فتصبروا كما صبروا مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرَّاءُ البأساء نقيض النعماء و الضراء نقيض السراء وَ زُلْزِلُوا أي حركوا بأنواع البلايا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ قيل استعجال للموعود و إنما قاله الرسول استبطاء للنصر على جهة التمني و قيل إن معناه الدعاء لله بالنصر أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ قيل إن هذا من كلامهم فإنهم قالوا عند الإياس متى نصر الله ثم تفكروا فعلموا أن الله منجز وعده فقالوا ذلك و قيل إن الأول كلام المؤمنين و الثاني كلام الرسول. و قال في قوله تعالى قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ قيل لما فتح رسول الله ص مكة و وعد أمته ملك فارس و الروم قالت المنافقون و اليهود هيهات من أين لمحمد ملك فارس و الروم أ لم تكفه المدينة و مكة حتى طمع في الروم و فارس فنزلت هذه الآية عن ابن عباس و أنس و قيل إن النبي ص خط الخندق عام الأحزاب و قطع لكل عشرة أربعين ذراعا فاحتج المهاجرون و الأنصار في سلمان و كان رجلا قويا فقال المهاجرون سلمان منا و قالت الأنصار سلمان منا فقال النبي ص سلمان منا أهل البيت قال عمرو بن عوف كنت أنا و سلمان و حذيفة و النعمان بن مقرن المزني و ستة من الأنصار في أربعين ذراعا فحفرنا حتى إذا كنا بجب ذي باب أخرج الله من باطن الخندق صخرة مروة كسرت حديدنا و شقت علينا فقلنا يا سلمان ارق إلى رسول الله ص و أخبره خبر هذه الصخرة فإما أن نعدل عنها فإن المعدل قريب و إما أن يأمرنا فيه بأمره فإنا لا نحب أن نتجاوز خطه قال فرقي سلمان إلى رسول الله ص و هو ضارب عليه قبة تركية فقال يا رسول الله خرجت صخرة بيضاء مروة من بطن الخندق فكسرت حديدنا و شقت علينا حتى ما يحيك فيها قليل و لا كثير فمرنا فيها بأمرك فإنا لا نحب أن نتجاوز خطك قال فهبط رسول الله ص مع سلمان الخندق و التسعة على شفة الخندق فأخذ رسول الله ص المعول من يد سلمان فضربها به ضربة صدعها و برق منها برق أضاء ما بين لابتيها حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم فكبر رسول الله ص تكبيرة فتح و كبر المسلمون ثم ضربها رسول الله ص ثانية فبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم فكبر رسول الله ص تكبيرة فتح و كبر المسلمون

  ثم ضرب بها رسول الله ص ثالثة فكسرها و برق منها برق أضاء ما بين لابتيها حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم فكبر رسول الله ص تكبيرة فتح و كبر المسلمون و أخذ بيد سلمان و رقي فقال سلمان بأبي أنت و أمي يا رسول الله لقد رأيت منك شيئا ما رأيته منك قط فالتفت رسول الله ص إلى القوم و قال رأيتم ما يقول سلمان فقالوا نعم قال ضربت ضربتي الأولى فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور الحيرة و مدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب فأخبرني جبرئيل أن أمتي ظاهرة عليها ثم ضربت ضربتي الثانية فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور الحمر من أرض الروم فكأنها أنياب الكلاب فأخبرني جبرئيل أن أمتي ظاهرة عليها ثم ضربت ضربتي الثالثة فبرق لي ما رأيتم أضاءت لي منها قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب و أخبرني جبرئيل أن أمتي ظاهرة عليها فأبشروا فاستبشر المسلمون و قالوا الحمد لله موعد صدق وعدنا النصر بعد الحصر فقال المنافقون أ لا تعجبون يمنيكم و يعدكم الباطل و يعلمكم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة و مدائن كسرى و أنها تفتح لكم و أنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق و لا تستطيعون أن تبرزوا فنزل القرآن إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً. و أنزل الله تعالى في هذه القصة قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ الآية رواه الثعلبي بإسناده عن عمرو بن عوف. قوله مالِكَ الْمُلْكِ أي مالك كل ملك و ملك و قيل مالك العباد و ما ملكوا و قيل مالك أمر الدنيا و الآخرة و قيل مالك النبوة تُؤْتِي الْمُلْكَ أي تؤتي الملك و أسباب الدنيا محمدا و أصحابه و أمته و تنزعه من صناديد قريش و من الروم و فارس فلا تقوم الساعة حتى يفتحها أهل الإسلام و قيل تؤتي النبوة و الإمامة من تشاء من عبادك و توليه التصرف في خلقك و بلادك و تنزع الملك على

  هذا الوجه من الجبارين وَ تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ بالإيمان و الطاعة وَ تُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بالكفر و المعاصي و قيل تعز المؤمن بتعظيمه و الثناء عليه و تذل الكافر بالجزية و السبي و قيل تعز محمدا و أصحابه و تذل أبا جهل و أضرابه من المقتولين يوم بدر في القليب و قيل تعز من تشاء من أوليائك بأنواع العزة في الدنيا و الدين و تذل من تشاء من أعدائك في الدنيا و الآخرة لأنه سبحانه لا يذل أولياءه و إن أفقرهم و ابتلاهم فإن ذلك ليس على سبيل الإذلال بل ليكرمهم بذلك في الآخرة بِيَدِكَ الْخَيْرُ أي الخير كله في الدنيا و الآخرة. و قال في قوله تعالى الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ أي من جملتهم أو عاهدتهم قال مجاهد أراد به يهود بني قريظة فإنهم كانوا قد عاهدوا النبي ص على أن لا يضروا به و لا يمالوا عليه عدوا ثم مالوا عليه الأحزاب يوم الخندق و أعانوهم عليه بالسلاح و عاهدوا مرة بعد أخرى فنقضوا فانتقم الله منهم ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أي كلما عاهدتهم نقضوا العهد و لم يفوا به وَ هُمْ لا يَتَّقُونَ نقض العهد أو عذاب الله فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ أي تصادفنهم فِي الْحَرْبِ أي ظفرت بهم فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ أي فنكل بهم تنكيلا يشرد بهم من بعدهم و يمنعهم من نقض العهد و التشريد التفريق لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ أي لكي يتذكروا و ينزجروا وَ إِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً أي إن خفت يا محمد من قوم بينك و بينهم عهد خيانة فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ أي فألق ما بينك و بينهم من العهد و أعلمهم بأنك نقضت ما شرطت لهم لتكون أنت و هم في العلم بالنقض على استواء و قيل معنى عَلى سَواءٍ على عدل قال الواقدي هذه الآية نزلت في بني قينقاع و بهذه الآية سار النبي ص إليهم. و قال رحمه الله في قوله تعالى إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ و هم الذين تحزبوا على رسول الله ص أيام الخندق فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً و هي الصبا أرسلت عليهم حتى أكفأت قدورهم فنزعت فساطيطهم وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها الملائكة و قيل إن الملائكة لم يقاتلوا يومئذ و لكن كانوا يشجعون المؤمنين و يجبنون الكافرين وَ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً إِذْ جاؤُكُمْ أي اذكروا حين جاءكم جنود المشركين مِنْ فَوْقِكُمْ أي من فوق الوادي قبل المشرق قريظة و النضير و غطفان وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ أي من المغرب من ناحية مكة أبو سفيان في قريش و من تبعه وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ أي مالت عن كل شي‏ء فلم تنظر إلا عدوها مقبلا من كل جانب أو عدلت الأبصار عن مقرها من الدهش و الحيرة كما يكون الجبان فلا يعلم ما يبصر وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ الحنجرة جوف الحلقوم أي شخصت القلوب من مكانها فلو لا أنه ضاق الحلقوم عنها أن تخرج لخرجت عن قتادة و قال أبو سعيد الخدري قلنا يوم الخندق يا رسول الله هل من شي‏ء نقوله فقد بلغت القلوب الحناجر فقال قولوا اللهم استر عوراتنا و آمن روعاتنا قال فقلناها فضرب وجوه أعداء الله بالريح فهزموا قال الفراء المعنى أنهم جبنوا و جزع أكثرهم و سبيل الجبان إذا اشتد خوفه أن ينتفخ سحره و السحر الرية فإذا انتفخت الرية رفعت القلوب إلى الحنجرة وَ تَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا أي اختلفت الظنون فظن بعضهم النصر و بعضهم أيس و قنط و قيل ظن المنافقون أنه يستأصل محمد ص و ظن المؤمنون أنه ينصر و قيل ظن بعضهم أن الكفار تغلبهم و ظن بعضهم أنهم يستولون على المدينة و ظن بعضهم أن الجاهلية تعود كما كانت و ظن بعضهم أن ما وعد الله و رسوله من نصرة الدين و أهله غرور فأقسام الظنون كثيرة خصوصا ظن الجبناء. هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ أي اختبروا و امتحنوا وَ زُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً

  أي حركوا بالخوف تحريكا شديدا وَ إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أي شك ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً قال ابن عباس إن المنافقين قالوا يعدنا محمد أن يفتح مدائن كسرى و قيصر و نحن لا نأمن أن نذهب إلى الخلاء هذا و الله الغرور وَ إِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يعني عبد الله بن أبي و أصحابه و قيل هم بنو سالم من المنافقين و قيل القائل أوس بن قبطي و من وافقه على رأيه يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا أي لا إقامة لكم هاهنا أو لا مكان لكم تقومون فيه للقتال إذا فتح الميم فارجعوا إلى منازلكم بالمدينة و أرادوا الهرب من عسكر رسول الله ص وَ يَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ في الرجوع إلى المدينة و هم بنو حارثة و بنو سلمة يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ ليست بحريزة مكشوفة ليست بحصينة أو خالية من الرجال نخشى عليها السراق و قيل قالوا بيوتنا مما يلي العدو لا نأمن على أهلينا وَ ما هِيَ بِعَوْرَةٍ بل هي رفيعة السمك حصينة عن الصادق ع إِنْ يُرِيدُونَ أي ما يريدون إِلَّا فِراراً و هربا من القتال و نصرة المؤمنين وَ لَوْ دُخِلَتْ البيوت أو المدينة عَلَيْهِمْ أي لو دخل هؤلاء الذين يريدون القتال و هم الأحزاب على الذين يقولون إن بيوتنا عورة و هم المنافقون مِنْ أَقْطارِها من نواحي المدينة أو البيوت ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها أي ثم دعوا هؤلاء إلى الشرك لأشركوا وَ ما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً أي و ما احتبسوا عن الإجابة إلى الكفر إلا قليلا أو لما أقاموا بعد إعطائهم الكفر إلا قليلا حتى يعاجلهم الله بالعذاب وَ لَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ أي من قبل الخندق لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ أي بايعوا النبي ص و حلفوا له أنهم ينصرونه و يدفعون عنه كما يدفعون عن نفوسهم و لا يرجعون عن مقاتلة العدو و لا ينهزمون قال مقاتل يريد ليلة العقبة وَ كانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا يسألون عنه في الآخرة قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ إن كان حضر آجالكم فإنه لا بد من واحد منهما و إن هربتم فالهرب لا يزيد في آجالكم وَ إِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا أي و إن لم يحضر آجالكم و سلمتم من الموت أو القتل في هذه الوقعة لم تمتعوا في الدنيا إلا أياما قلائل قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ أي يدفع عنكم قضاء الله إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أي عذابا و عقوبة أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً أي نصرا و عزا فإن أحدا لا يقدر على ذلك وَ لا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا يلي أمورهم وَ لا نَصِيراً ينصرهم و يدفع عنهم قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ و هم الذين يعوقون غيرهم عن الجهاد مع رسول الله ص و يثبطونهم و يشغلونهم لينصرفوا عنه و ذلك بأنهم قالوا لهم ما محمد و أصحابه إلا أكلة رأس و لو كانوا لحما لالتهمهم أبو سفيان و هؤلاء الأحزاب وَ الْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ يعني اليهود قالوا لإخوانهم المنافقين هَلُمَّ إِلَيْنا أي تعالوا و أقبلوا إلينا و دعوا محمدا و قيل القائلون هم المنافقون قالوا لإخوانهم من ضعفة المسلمين لا تحاربوا و خلوا محمدا فإنا نخاف عليكم الهلاك وَ لا يَأْتُونَ الْبَأْسَ أي و لا يحضرون القتال في سبيل الله إِلَّا قَلِيلًا يخرجون رياء و سمعة قدر ما يوهمون أنهم معكم و قيل لا يحضرون القتال إلا كارهين يكون قلوبهم مع المشركين أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ أي يأتون البأس بخلا بالقتال معكم و قيل بخلا بالنفقة في سبيل الله و النصرة كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ و هو الذي قرب من حال الموت و غشيته أسبابه فيذهل و يذهب عقله و يشخص بصره فلا يطرف فكذلك هؤلاء تشخص أبصارهم و تحار أعينهم من شدة خوفهم فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ و جاء الأمن و الغنيمة سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أي آذوكم بالكلام و خاصموكم سليطة ذربة و قيل معناه بسطوا ألسنتهم فيكم وقت قسمة الغنيمة يقولون أعطونا فلستم بأحق بها منا عن قتادة قال فأما عند البأس فأجبن قوم و أخذله للحق و أما عند الغنيمة فأشح قوم و هو قوله أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أي بخلا بالغنيمة يشاحون

  المؤمنين عند القسمة و قيل بخلا بأن يتكلموا بكلام فيه خير أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا و إلا لما فعلوا ذلك فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ لأنها لم تقع على الوجوه التي يستحق عليها الثواب وَ كانَ ذلِكَ أي الإحباط أو نفاقهم عَلَى اللَّهِ يَسِيراً أي هينا يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا أي يظنون أن الجماعات من قريش و غطفان و أسد و اليهود الذين تحزبوا على رسول الله ص لم ينصرفوا و قد انصرفوا و إنما ظنوا ذلك لجبنهم و فرط حبهم قهر المسلمين وَ إِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ أي و إن يرجع الأحزاب إليهم ثانية للقتال يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ أي يود هؤلاء المنافقون أن يكونوا في البادية مع الأعراب يسألون الناس عن أخباركم و لا يكونوا معكم حذرا من القتل و تربصا للدوائر وَ لَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا أي و لو كانوا معكم لم يقاتلوا إلا يسيرا ليوهموا أنهم في جملتكم لَقَدْ كانَ لَكُمْ معاشر المكلفين فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ أي قدوة صالحة أي كان لكم برسول الله اقتداء لو اقتديتم به في نصرته و الصبر معه في مواطن القتال لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ بدل من قوله لكم يعني أن الأسوة برسول الله إنما يكون لمن يرجو ما عند الله من الثواب و النعيم وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ وَ ذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً أي ذكرا كثيرا وَ لَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ مع كثرتهم قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ صَدَقَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ قيل إن النبي ص كان أخبرهم أنه يتظاهر عليهم الأحزاب و وعدهم الظفر بهم فلما رأوهم تبين لهم مصداق قوله و كان ذلك معجزا له و قيل إن الله وعدهم في سورة البقرة بقوله أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا إلى قوله إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ما سيكون من الشدة التي تلحقهم من عدوهم فلما رأوا الأحزاب يوم الخندق قالوا هذه المقالة علما منهم أنه لا يصيبهم إلا ما أصاب الأنبياء و المؤمنين قبلهم وَ ما زادَهُمْ مشاهدة عدوهم إِلَّا إِيماناً أي تصديقا بالله و رسوله وَ تَسْلِيماً لأمره مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ أي بايعوا أن لا يفروا فصدقوا في لقائهم العدو فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ

 أي مات أو قتل في سبيل الله فأدرك ما تمنى فذلك قضاء النحب و قيل قضى نحبه معناه فرغ من عمله و رجع إلى ربه يعني من استشهد يوم أحد وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وعد الله من نصرة أو شهادة على ما مضى عليه أصحابه وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا أي ما غيروا العهد الذي عاهدوا ربهم كما غير المنافقون لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ في عهودهم وَ يُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ بنقض العهد إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إن تابوا وَ رَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني الأحزاب أبا سفيان و جنوده و غطفان و من معهم من قبائل العرب بِغَيْظِهِمْ أي بغمهم الذي جاءوا به و حنقهم لم يشفوا بنيل ما أرادوا لَمْ يَنالُوا خَيْراً أملوه و أرادوه من الظفر بالنبي و المؤمنين و إنما سماه خيرا لأن ذلك كان خيرا عندهم و قيل أراد بالخير المال وَ كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ أي مباشرة القتال بما أنزل على المشركين من الريح الشديدة الباردة التي أزعجتم عن أماكنهم و بما أرسل من الملائكة و بما قذف في قلوبهم من الرعب و قيل بعلي بن أبي طالب ع و قتله عمرو بن عبد ود و كان ذلك سبب هزيمة القوم عن عبد الله بن مسعود و هو المروي عن أبي عبد الله ع وَ كانَ اللَّهُ قَوِيًّا أي قادرا على ما يشاء عَزِيزاً لا يمتنع عليه شي‏ء من الأشياء. ثم ذكر سبحانه ما فعل باليهود من بني قريظة فقال وَ أَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ أي عاونوا المشركين من الأحزاب و نقضوا العهد بينهم و بين رسول الله ص أن لا ينصروا عليه عدوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ يعني من اليهود و اتفق المفسرون على أنهم بنو قريظة إلا الحسن فإنه قال هم بنو النضير و الأول أصح مِنْ صَياصِيهِمْ أي من حصونهم وَ قَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ أي الخوف من النبي ص و أصحابه فَرِيقاً تَقْتُلُونَ يعني الرجال وَ تَأْسِرُونَ فَرِيقاً يعني الذراري و النساء وَ أَوْرَثَكُمْ أي أعطاكم أَرْضَهُمْ وَ دِيارَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ وَ أَرْضاً لَمْ تَطَؤُها أي و أورثكم أرضا لم تطئوها بأقدامكم بعد و سيفتحها الله عليكم و هي خيبر و قيل هي الروم و فارس و قيل هي كل أرض يفتح إلى يوم القيامة و قيل هي ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب. أقول قال الطبرسي رحمه الله في سياق غزوة الخندق ذكر محمد بن كعب القرظي و غيره من أصحاب السير قالوا كان من حديث الخندق أن نفرا من اليهود منهم سلام بن أبي الحقيق و حيي بن أخطب في جماعة من بني النضير الذين أجلاهم رسول الله ص خرجوا حتى قدموا على قريش بمكة فدعوهم إلى حرب رسول الله ص و قالوا إنا سنكون معكم عليهم حتى نستأصلهم فقال لهم قريش يا معشر اليهود إنكم أهل الكتاب الأول فديننا خير أم دين محمد قالوا بل دينكم خير من دينه فأنتم أولى بالحق منهم فهم الذين أنزل الله فيهم أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَ الطَّاغُوتِ وَ يَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا إلى قوله وَ كَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً فسر قريشا ما قالوا و نشطوا لما دعوهم إليه فأجمعوا لذلك و اتعدوا له ثم خرج أولئك النفر من اليهود حتى جاءوا غطفان فدعوهم إلى حرب رسول الله ص و أخبروهم أنهم سيكونون معهم عليه ص و أن قريشا قد بايعوهم على ذلك فأجابوهم فخرجت قريش و قائدهم أبو سفيان بن حرب و خرجت غطفان و قائدها عيينة بن حصين في فزارة و الحارث بن عوف في بني مرة و مسعر بن جبلة الأشجعي فيمن تابعه من أشجع و كتبوا إلى حلفائهم من بني أسد فأقبل طليحة فيمن اتبعه من بني أسد و هما حليفان أسد و غطفان و كتب قريش إلى رجال من بني سليم فأقبل أبو الأعور السلمي فيمن اتبعه من بني سليم مددا لقريش فلما علم بذلك رسول الله ص ضرب الخندق على المدينة و كان الذي أشار عليه بذلك سلمان الفارسي و كان

  أول مشهد شهده سلمان مع رسول الله ص و هو يومئذ حر قال يا رسول الله إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علينا فعمل فيه رسول الله ص و المسلمون حتى أحكموه. فمما ظهر من دلائل النبوة في حفر الخندق ما رواه أبو عبد الله الحافظ بإسناده عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني قال حدثني أبي عن أبيه قال خط رسول الله ص الخندق عام الأحزاب أربعين ذراعا بين عشرة فاختلف المهاجرون و الأنصار في سلمان و كان رجلا قويا فقالت الأنصار سلمان منا و قالت المهاجرون سلمان منا فقال رسول الله ص سلمان منا أهل البيت. أقول و ساق الحديث في كسر الصخرة و ظهور البرق مثل ما مر برواية الثعلبي. ثم قال و مما ظهر أيضا من آيات النبوة ما رواه أبو عبد الله الحافظ بالإسناد عن عبد الواحد بن أيمن المخزومي قال حدثني أيمن المخزومي قال سمعت جابر بن عبد الله قال كنا يوم الخندق نحفر الخندق فعرضت فيه كدية و هي الجبل فقلنا يا رسول الله إن كدية عرضت فيه فقال رسول الله ص رشوا عليها ماء ثم قام فأتاها و بطنه معصوب بحجر من الجوع فأخذ المعول أو المسحاة فسمى ثلاثا ثم ضرب فعادت كثيبا أهيل فقلت له ائذن لي يا رسول الله إلى المنزل ففعل فقلت للمرأة هل عندك من شي‏ء فقالت عندي صاع من شعير و عناق فطحنت الشعير و عجنته و ذبحت العناق و سلختها و خليت بين المرأة و بين ذلك ثم أتيت إلى رسول الله ص فجلست عنده ساعة ثم قلت ائذن لي يا رسول الله ففعل فأتيت المرأة فإذا العجين و اللحم قد أمكنا فرجعت إلى رسول الله ص فقلت إن عندنا طعيما لنا فقم يا رسول الله أنت و رجلان من أصحابك فقال و كم هو قلت صاع من شعير و عناق فقال للمسلمين جميعا قوموا إلى جابر فقاموا فلقيت من الحياء ما لا يعلمه إلا الله فقلت جاء بالخلق على صاع شعير و عناق فدخلت على المرأة وقلت قد افتضحت جاءك رسول الله ص بالخلق فقالت هل كان سألك كم طعامك قلت نعم فقالت الله و رسوله أعلم قد أخبرناه ما عندنا فكشفت عني غما شديدا فدخل رسول الله ص فقال خذي و دعيني من اللحم فجعل رسول الله ص يثرد و يفرق اللحم ثم يحم هذا و يحم هذا فما زال يقرب إلى الناس حتى شبعوا أجمعين و يعود التنور و القدر أملأ ما كانا ثم قال رسول الله ص كلي و اهدي فلم نزل نأكل و نهدي قومنا أجمع أورده البخاري في الصحيح. و عن البراء بن عازب قال كان رسول الله ص ينقل معنا التراب يوم الأحزاب و قد وارى التراب بياض بطنه و هو يقول

لا هم لو لا أنت لما اهتدينا. و لا تصدقنا و لا صلينا.فأنزلن سكينة علينا. و ثبت الأقدام إن لاقينا.إن الأولى قد بغوا علينا. إذا أرادوا فتنة أبينا.

 يرفع بها صوته رواه البخاري أيضا في الصحيح عن أبي الوليد عن شعبة عن أبي إسحاق عن البراء. قالوا و لما فرغ رسول الله ص من الخندق أقبلت قريش حتى نزلت بين الجرف و الغابة في عشرة آلاف من أحابيشهم و من تابعهم من بني كنانة و أهل تهامة و أقبلت غطفان و من تابعهم من أهل نجد حتى نزلوا إلى جانب أحد و خرج رسول الله ص و المسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف من المسلمين فضرب هناك عسكره و الخندق بينه و بين القوم و أمر بالذراري و النساء فرفعوا في الآطام و خرج عدو الله حيي بن أخطب النضيري حتى أتى كعب بن أسد القرظي صاحب بني قريظة و كان قد وادع رسول الله ص على قومه و عاهده على ذلك فلما سمع كعب صوت ابن أخطب أغلق دونه حصنه فاستأذن عليه فأبى أن يفتح له فناداه يا كعب افتح لي فقال ويحك يا حيي إنك رجل مشئوم إني قد عاهدت محمدا و لست بناقض ما بينه و بيني و لم أر منه إلا وفاء و صدقا قال ويحك افتح لي أكلمك قال ما أنا بفاعل قال إن أغلقت دوني إلا على جشيشة تكره أن نأكل منها معك فأحفظ الرجل ففتح له فقال ويحك يا كعب جئتك بعز الدهر و ببحر طام جئتك بقريش على سادتها و قادتها و بغطفان على سادتها و قادتها قد عاهدوني أن لا يبرحوا حتى يستأصلوا محمدا و من معه فقال كعب جئتني و الله بذل الدهر بجهام قد أهراق ماؤه برعد و ببرق و ليس فيه شي‏ء فدعني و محمدا و ما أنا عليه فلم أر من محمد إلا صدقا و وفاء فلم يزل حيي بكعب يفتل منه في الذروة و الغارب حتى سمح له على أن أعطاه عهدا و ميثاقا لئن رجعت قريش و غطفان و لم يصيبوا محمدا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك فنقض كعب عهده و بري‏ء مما كان عليه فيما بينه و بين رسول الله ص فلما انتهى الخبر إلى رسول الله ص بعث سعد بن معاذ بن النعمان بن إمرئ القيس أحد بني عبد الأشهل و هو يومئذ سيد الأوس و سعد بن عبادة أحد بني ساعدة بن كعب بن الخزرج و هو يومئذ سيد الخزرج و معهما عبد الله بن رواحة و خوات بن جبير فقال انطلقوا حتى تنظروا أ حق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا فإن كان حقا فالحنوا لنا لحنا نعرفه و لا تفتوا أعضاد الناس و إن كانوا على الوفاء فاجهروا به للناس فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث مما بلغهم عنهم قالوا لا عقد بيننا و بين محمد و لا عهد فشاتمهم سعد بن عبادة و شاتموه فقال سعد بن معاذ دع عنك مشاتمتهم فإن ما بيننا و بينهم أعظم من المشاتمة ثم أقبلوا إلى رسول الله ص و قالوا عضل و القارة لغدر عضل و القارة بأصحاب رسول الله ص خبيب بن عدي و أصحابه أصحاب الرجيع فقال رسول الله ص الله أكبر أبشروا يا معشر المسلمين.

  و عظم عند ذلك البلاء و اشتد الخوف و أتاهم عدوهم من فوقهم و من أسفل منهم حتى ظن المؤمنون كل ظن و ظهر النفاق من بعض المنافقين فأقام رسول الله ص و أقام المشركون عليه بضعا و عشرين ليلة لم يكن بينهم قتال إلا الرمي بالنبل إلا أن فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود أخو بني عامر بن لؤي و عكرمة بن أبي جهل و ضرار بن الخطاب و هبيرة بن أبي وهب و نوفل بن عبد الله قد تلبسوا للقتال و خرجوا على خيولهم حتى مروا بمنازل بني كنانة فقالوا تهيئوا للحرب يا بني كنانة فستعلمون اليوم من الفرسان ثم أقبلوا تعنق بهم خيولهم حتى وقفوا على الخندق فقالوا و الله إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها ثم تيمموا مكانا ضيقا من الخندق فضربوا خيولهم فاقتحموا فجالت بهم في السبخة بين الخندق و سلع و خرج علي بن أبي طالب في نفر من المسلمين حتى أخذ منهم الثغرة التي منها اقتحموا و أقبلت الفرسان نحوهم و كان عمرو بن عبد ود فارس قريش و كان قد قاتل يوم بدر حتى ارتث و أثبته الجراح فلم يشهد أحدا فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى مشهده و كان يعد بألف فارس و كان يسمى فارس يليل لأنه أقبل في ركب من قريش حتى إذا هو بيليل و هو واد قريب من بدر عرضت لهم بنو بكر في عدد فقال لأصحابه امضوا فمضوا فقام في وجوه بني بكر حتى منعهم من أن يصلوا إليه فعرف بذلك و كان اسم الموضع الذي حفر فيه الخندق المداد و كان أول من طفره عمرو و أصحابه فقيل في ذلك

عمرو بن عبد كان أول فارس. جزع المداد و كان فارس يليل.

 و ذكر ابن إسحاق أن عمرو بن عبد ود كان ينادي من يبارز فقام علي ع و هو مقنع في الحديد فقال أنا له يا نبي الله فقال إنه عمرو اجلس و نادى عمرو أ لا رجل و يؤنبهم و يسبهم و يقول أين جنتكم التي تزعمون أن من قتل منكم دخلها فقام علي ع فقال أنا له يا رسول الله ثم نادى الثالثة فقال

و لقد بححت من النداء. بجمعكم هل من مبارز.و وقفت إذ جبن المشجع. موقف البطل المناجز.إن السماحة و الشجاعة. في الفتى خير الغرائز.

 فقام علي ع فقال يا رسول أنا فقال إنه عمرو فقال و إن كان عمرا فاستأذن رسول الله ص فأذن له. و فيما رواه لنا السيد أبو محمد الحسيني القائني عن الحاكم أبي القاسم الحسكاني بالإسناد عن عمرو بن ثابت عن أبيه عن جده عن حذيفة قال فألبسه رسول الله ص درعه ذات الفضول و أعطاه سيفه ذا الفقار و عممه السحاب على رأسه تسعة أكوار ثم قال له تقدم فقال لما ولى اللهم احفظه من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله و من فوق رأسه و من تحت قدميه. قال ابن إسحاق فمشى إليه و هو يقول

لا تعجلن فقد أتاك. مجيب صوتك غير عاجز.ذو نية و بصيرة. و الصدق منجي كل فائز.

 إني لأرجو أن أقيم. عليك نائحة الجنائز.من ضربة نجلاء يبقى. ذكرها عند الهزاهز.

 قال له عمرو من أنت قال أنا علي قال ابن عبد مناف فقال أنا علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف فقال غيرك يا ابن أخي من أعمامك من هو أسن منك فإني أكره أن أهريق دمك فقال لكني و الله ما أكره أن أهريق دمك فغضب و نزل و سل سيفه كأنه شعلة نار ثم أقبل نحو علي مغضبا فاستقبله علي بدرقته فضربه عمرو في الدرقة فقدها و أثبت فيها السيف و أصاب رأسه فشجه و ضربه علي على حبل العاتق فسقط. و في رواية حذيفة و تسيف علي رجليه بالسيف من أسفل فوقع على قفاه و ثارت بينهما عجاجة فسمع علي يكبر فقال رسول الله ص قتله و الذي نفسي بيده فكان أول من ابتدر العجاج عمر بن الخطاب فإذا علي ع يمسح سيفه بدرع عمرو فكر عمر بن الخطاب و قال يا رسول الله قتله فجز علي رأسه و أقبل نحو رسول الله ص و وجهه يتهلل فقال عمر بن الخطاب هلا استلبته درعه فإنه ليس للعرب درع خيرا منها فقال ضربته فاتقاني بسوأته فاستحييت من ابن عمي أن أستلبه. قال حذيفة فقال النبي ص أبشر يا علي فلو وزن اليوم عملك بعمل أمة محمد لرجح عملك بعملهم و ذلك أنه لم يبق بيت من بيوت المشركين إلا و قد دخله وهن بقتل عمرو و لم يبق بيت من بيوت المسلمين إلا و قد دخله عز بقتل عمرو. و عن الحاكم أبي القاسم أيضا بالإسناد عن سفيان الثوري عن زبيد الشامي عن مرة عن عبد الله بن مسعود قال كان يقرأ و كفى الله المؤمنين القتال بعلي. و خرج أصحابه منهزمين حتى طفرت خيولهم الخندق و تبادر المسلمون فوجدوا نوفل بن عبد العزى جوف الخندق فجعلوا يرمونه بالحجارة فقال لهم قتلة أجمل من هذه ينزل بعضكم أقاتله فقتله الزبير بن العوام. و ذكر ابن إسحاق أن عليا طعنه في ترقوته حتى أخرجها من مراقه فمات في الخندق و بعث المشركون إلى رسول الله ص يشترون جيفته بعشرة آلاف فقال النبي ص هو لكم لا نأكل ثمن الموتى. و ذكر علي ع أبياتا منها

نصر الحجارة من سفاهة رأيه. و نصرت رب محمد بصواب.

 فضربته و تركته متجدلا. كالجذع بين دكادك و روابي.و عففت عن أثوابه و لو أنني. كنت المقطر بزني أثوابي.

 و روى عمرو بن عبيد عن الحسن البصري قال إن عليا ع لما قتل عمرو بن عبد ود حمل رأسه فألقاه بين يدي رسول الله ص فقام أبو بكر و عمر فقبلا رأس علي ع. و روي عن أبي بكر بن عياش أنه قال ضرب علي ضربة ما كان في الإسلام أعز منها يعني ضربة عمرو بن عبد ود و ضرب علي ضربة ما كان في الإسلام أشأم منها يعني ضربة ابن ملجم عليه لعائن الله. قال ابن إسحاق و رمى حيان بن قيس بن العرقة سعد بن معاذ بسهم و قال خذها و أنا ابن العرقة فقطع أكحله فقال سعد عرق الله وجهك في النار اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها فإنه لا قوم أحب إلي أن أجاهد من قوم آذوا رسولك و كذبوه و أخرجوه و إن كنت وضعت الحرب بيننا و بينهم فاجعله لي شهادة و لا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة. قال و جاء نعيم بن مسعود الأشجعي إلى رسول الله ص فقال يا رسول الله إني قد أسلمت و لم يعلم بي أحد من قومي فمرني بأمرك فقال له رسول الله ص إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا ما استطعت فإنما الحرب خدعة فانطلق نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة فقال لهم إني لكم صديق و الله ما أنتم و قريش و غطفان من محمد بمنزلة واحدة إن البلد بلدكم و به أموالكم و أبناؤكم و نساؤكم و إنما قريش و غطفان بلادهم غيرها و إنما جاءوا حتى نزلوا معكم فإن رأوا فرصة انتهزوها و إن رأوا غير ذلك رجعوا إلى بلادهم و خلوا بينكم و بين الرجل و لا طاقة لكم به فلا تقاتلوا حتى تأخذوا رهنا من أشرافهم تستوثقون به أن لا يبرحوا حتى يناجزوا محمدا فقالوا له قد أشرت برأي ثم ذهب فأتى أبا سفيان و أشراف قريش فقال يا معشر قريش إنكم قد عرفتم ودي إياكم و فراقي محمدا و دينه و إني قد جئتكم بنصيحة فاكتموا علي فقالوا نفعل ما أنت عندنا بمتهم فقال تعلمون أن بني قريظة قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم و بين محمد فبعثوا إليه أنه لا يرضيك عنا إلا أن نأخذ من القوم رهنا من أشرافهم و ندفعهم إليك فتضرب أعناقهم ثم نكون معك عليهم حتى نخرجهم من بلادك فقال بلى فإن بعثوا إليكم يسألونكم نفرا من رجالكم فلا تعطوهم رجلا واحدا و احذروا ثم جاء غطفان فقال يا معشر غطفان إني رجل منكم ثم قال لهم ما قال لقريش فلما أصبح أبو سفيان و ذلك يوم السبت في شوال سنة خمس من الهجرة بعث إليهم أبو سفيان عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش إن أبا سفيان يقول لكم يا معشر اليهود إن الكراع و الخف قد هلكتا و إنا لسنا بدار مقام فاخرجوا إلى محمد حتى نناجزه فبعثوا إليه أن اليوم السبت و هو يوم لا نعمل فيه شيئا و لسنا مع ذلك بالذي نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا من رجالكم نستوثق بهم لا تذهبوا و تدعونا حتى نناجز محمدا فقال أبو سفيان قد حذرنا و الله هذا نعيم فبعث إليهم أبو سفيان أنا لا نعطيكم رجلا واحدا فإن شئتم أن تخرجوا و تقاتلوا و إن شئتم فاقعدوا فقالت اليهود هذا و الله الذي قال لنا نعيم فبعثوا إليهم أنا و الله لا نقاتل حتى تعطونا رهنا و خذل الله بينهم و بعث سبحانه عليهم الريح في ليال شاتية باردة شديدة البرد حتى انصرفوا راجعين. قال محمد بن كعب قال حذيفة اليماني و الله لقد رأينا يوم الخندق و بنا من الجهد و الجوع و الخوف ما لا يعلمه إلا الله و قام رسول الله ص فصلى ما شاء الله من الليل ثم قال أ لا رجل يأتينا بخبر القوم يجعله الله رفيقي في الجنة قال حذيفة فو الله ما قام منا أحد مما بنا من الخوف و الجهد و الجوع فلما لم يقم أحد دعاني فلم أجد بدا من إجابته قلت لبيك قال اذهب فجئني بخبر القوم و لا تحدثن شيئا حتى ترجع قال و أتيت القوم فإذا ريح الله و جنوده يفعل بهم ما يفعل ما يستمسك لهم بناء و لا يثبت لهم نار و لا يطمئن لهم قدر فإني لكذلك إذ خرج أبو سفيان من رحله ثم قال يا معشر قريش لينظر أحدكم

  من جليسه قال حذيفة فبدأت بالذي عن يميني فقلت من أنت قال أنا فلان قال ثم عاد أبو سفيان براحلته فقال يا معشر قريش و الله ما أنتم بدار مقام هلك الخف و الحافر و أخلفتنا بنو قريظة و هذه الريح لا يستمسك لنا معها شي‏ء ثم عجل فركب راحلته و إنها لمعقولة ما حل عقالها إلا بعد ما ركبها قال قلت في نفسي لو رميت عدو الله فقتلته كنت قد صنعت شيئا فوترت قوسي ثم وضعت السهم في كبد القوس و أنا أريد أن أرميه فأقتله فذكرت قول رسول الله ص لا تحدثن شيئا حتى ترجع قال فحططت القوس ثم رجعت إلى رسول الله ص و هو يصلي فلما سمع حسي فرج بين رجليه فدخلت تحته و أرسل علي طائفة من مرطه فركع و سجد ثم قال ما الخبر فأخبرته. و روى الحافظ بالإسناد عن عبد الله بن أبي أوفى قال دعا رسول الله ص على الأحزاب فقال اللهم أنت منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب اللهم اهزمهم و زلزلهم. و عن أبي هريرة أن رسول الله ص كان يقول لا إله إلا الله وحده أعز جنده و نصر عبده و غلب الأحزاب وحده فلا شي‏ء بعده. و عن سلمان بن صرد قال قال رسول الله ص حين أجلى عنه الأحزاب الآن نغزوهم و لا يغزونا فكان كما قال ص فلم يغزهم قريش بعد ذلك و كان هو يغزوهم حتى فتح الله عليهم مكة. ثم قال في غزوة بني قريظة روى الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه قال لما انصرف النبي ص مع المسلمين عن الخندق و وضع عنه اللأمة و اغتسل و استحم تبدى له جبرئيل فقال عذيرك من محارب ألا أراك قد وضعت عنك اللأمة و ما ضعناها بعد فوثب رسول الله ص فزعا فعزم على الناس أن لا يصلوا صلاة العصر حتى يأتوا قريظة فلبس الناس السلاح فلم يأتوا بني قريظة حتى غربت الشمس و اختصم الناس فقال بعضهم إن رسول الله ص عزم علينا أن لا نصلي حتى نأتي قريظة و إنما نحن في عزمة رسول الله ص فليس علينا إثم و صلى طائفة من الناس احتسابا و تركت طائفة منهم الصلاة حتى غربت الشمس فصلوها حين جاءوا من بني قريظة احتسابا فلم يعنف رسول الله ص واحدا من الفريقين. و ذكر عروة أنه بعث علي بن أبي طالب ع على المقدم و دفع إليه اللواء و أمره أن ينطلق حتى يقف بهم على حصن بني قريظة ففعل و خرج رسول الله ص على آثارهم فمر على مجلس من أنصار في بني غنم ينتظرون رسول الله ص فزعموا أنه قال مر بكم الفارس آنفا فقالوا مر بنا دحية الكلبي على بغلة شهباء تحته قطيفة ديباج فقال رسول الله ص ليس ذلك بدحية و لكنه جبرئيل ع أرسل إلى بني قريظة ليزلزلهم و يقذف في قلوبهم الرعب قالوا و سار علي ع حتى إذا دنا من الحصن سمع منهم مقالة قبيحة لرسول الله ص فرجع حتى لقي رسول الله ص بالطريق فقال يا رسول الله لا عليك أن تدنو من هؤلاء الأخابث قال أظنك سمعت لي منهم أذى فقال نعم يا رسول الله فقال لو قد رأوني لم يقولوا من ذلك شيئا فلما دنا رسول الله ص من حصنهم قال يا إخوة القردة و الخنازير هل أخزاكم الله و أنزل بكم نقمته قالوا يا أبا القاسم ما كنت جهولا و حاصرهم رسول الله ص خمسا و عشرين ليلة حتى

  أجهدهم الحصار و قذف الله في قلوبهم الرعب و كان حيي بن أخطب دخل مع بني قريظة في حصنهم حين رجعت قريش و غطفان فلما أيقنوا أن رسول الله ص غير منصرف عنهم حتى يناجز قال كعب بن أسد يا معشر اليهود قد نزل بكم من الأمر ما ترون و إني عارض عليكم خلالا ثلاثا فخيروا أيها شئتم قالوا ما هن قال نبايع هذا الرجل و نصدقه فو الله لقد تبين لكم أنه نبي مرسل و أنه الذي تجدونه في كتابكم فتأمنوا على دمائكم و أموالكم و نسائكم فقالوا لا نفارق حكم التوراة أبدا و لا نستبدل به غيره قال فإذا أبيتم على هذا فهلموا فلنقتل أبناءنا و نساءنا ثم نخرج إلى محمد رجالا مصلتين بالسيوف لم نترك وراءنا ثقلا يهمنا حتى يحكم الله بيننا و بين محمد فإن نهلك لم نترك وراءنا نسلا يهمنا و إن نظهر لنجدن النساء و الأبناء فقالوا نقتل هؤلاء المساكين فلا خير في العيش بعدهم قال فإذا أبيتم علي هذه فإن الليلة ليلة السبت و عسى أن يكون محمد و أصحابه قد أمنوا فيها فانزلوا فلعلنا نصيب منهم غرة فقالوا نفسد سبتنا و نحدث فيها ما أحدث من كان قبلنا فأصابهم ما قد علمت من المسخ فقال ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازما. قال الزهري و قال رسول الله ص حين سألوه أن يحكم فيهم رجلا اختاروا من شئتم من أصحابي فاختاروا سعد بن معاذ فرضي بذلك رسول الله ص و نزلوا على حكم سعد بن معاذ فأمر رسول الله ص بسلاحهم فجعل في قبة و أمر بهم فكتفوا و أوثقوا و جعلوا في دار أسامة و بعث رسول الله ص إلى سعد بن معاذ فجي‏ء به فحكم فيهم بأن يقتل مقاتليهم و يسبي ذراريهم و نساءهم و يغنم أموالهم و أن عقارهم للمهاجرين دون الأنصار و قال للأنصار إنكم ذوو عقار و ليس للمهاجرين عقار فكبر رسول الله ص و قال لسعد لقد حكمت فيهم بحكم الله عز و جل. و في بعض الروايات لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة. و أرقعة جمع رقيع اسم سماء الدنيا. فقتل رسول الله ص مقاتليهم و كانوا فيما زعموا ستمائة مقاتل و قيل قتل منهم أربعمائة و خمسين رجلا و سبى سبعمائة و خمسين. و روي أنهم قالوا لكعب بن أسد و هم يذهب بهم إلى رسول الله ص أرسالا يا كعب ما ترى يصنع بنا فقال كعب أ في كل موطن تقولون أ لا ترون أن الداعي لا ينزع و من يذهب منكم لا يرجع هو و الله القتل. و أتي بيحيى بن أخطب عدو الله عليه حلة فاختية قد سفقها عليه من كل ناحية كموضع الأنملة لئلا يسلبها مجموعة يداه إلى عنقه بحبل فلما بصر برسول الله ص فقال أما و الله ما لمت نفسي على عداوتك و لكنه من يخذل الله يخذل ثم قال أيها الناس إنه لا بأس بأمر الله كتاب الله و قدره و ملحمة كتبت على بني إسرائيل ثم جلس فضرب عنقه ثم قسم رسول الله ص نساءهم و أبناءهم على المسلمين و بعث سبايا منهم إلى نجد مع سعد بن زيد الأنصاري فابتاع بهم خيلا و سلاحا. قال فلما انقضى شأن بني قريظة انفجر جرح سعد بن معاذ فرجعه رسول الله ص إلى خيمته التي ضربت عليه في المسجد.

  و روي عن جابر قال جاء جبرئيل إلى رسول الله ص فقال من هذا العبد الصالح الذي مات فتحت له أبواب السماء و تحرك له العرش فخرج رسول الله ص فإذا سعد بن معاذ قد قبض. بيان الكدية بالضم قطعة غليظة صلبة لا تعمل فيها الفأس ذكره الجزري و في بعض النسخ كذانة بفتح الكاف و الذال المعجمة و النون قال الجزري الكذان حجارة رخوة إلى البياض و قال في حديث المغيرة فإذا أنا معصوب الصدر كان من عادتهم إذا جاع أحدهم أن يشد جوفه بعصابة و ربما جعل تحته حجرا و قال فعادت كثيبا أهيل أي رملا سائلا. و في القاموس ثرد الخبز فته و قال حم له ذلك قدر و حم حمه قصد قصده و ارتحال البعير عجله و الله له كذا قضاه له كأحمه و احتم دنا و حضر و الأمر فلانا أهمه كحمه. و في المصباح حم الشي‏ء كضرب قرب و دنا و أحمه غيره انتهى. و أقول الأظهر عندي أنه كان يخمر في الموضعين فصحف أي كان يستر القدر و التنور بثوب لئلا يطلع الناس على ما فيهما و كيف يبارك الله عليهما و كان هذا دأبه ص في سائر ما ظهرت فيه هذه المعجزة و يؤيده أن في روايات العامة فجعل يكسر الخبز و يجعل عليه اللحم و يخمر البرمة و التنور إذا أخذ منه و يقرب إلى أصحابه. و الآطام جمع أطم بالضم و هو البناء المرتفع الأعلى جشيشة في أكثر النسخ بالجيم المفتوحة و الشين المكسورة و هي أن تطحن الحنطة طحنا جليلا ثم تجعل في القدور و يلقى عليها لحم أو تمر و تطبخ ذكره الجزري. و في بعضها بالخاء المعجمة و هو كزبير الغزال الصغير و أحفظه حمله على الحفيظة و هي الحمية و الغضب و طمى الماء ارتفع و الجهام بالفتح السحاب لا ماء فيه. قوله يفتل منه قال الجزري جعل فتل وبر ذروة البعير و غاربه مثلا لإزالته عن رأيه كما يفعل بالجمل النفور إذا أريد تأنيسه و إزالة نفاره و الغارب مقدم السنام و الذروة أعلاه. و في القاموس لحن له قال قولا يفهمه عنه و يخفى على غيره و قال الفت الدق و الكسر بالأصابع و فت في ساعده أضعفه و قال الرجيع ماء لهذيل على سبعة أميال من الهدة و به غدر بمرثد بن أبي مرثد و سريته لما بعثها ص مع رهط عضل و القارة فغدروا بهم انتهى. و يليل بفتح الياءين و سكون اللام وادي بينبع و الطفرة الوثبة في ارتفاع. و في القاموس جزع الأرض و الوادي كمنع قطعه و قال مراق البطن ما رق منه و لان. و في النهاية فيه الحرب خدعة يروى بفتح الخاء و ضمها و سكون الدال و بضمها مع فتح الدال فالأول معناه أن الحرب ينقضي أمرها بخدعة واحدة من الخداع أي إن المقاتل إذ خدع مرة واحدة لم يكن لها إقالة و هو أفصح الروايات و أصحها و معنى الثاني هو الاسم من الخداع و معنى الثالث أن الحرب تخدع الرجال و تمنيهم و لا تفي لهم كما يقال فلان رجل لعبة و ضحكة للذي يكثر اللعب و الضحك انتهى و الكراع كغراب اسم لجمع الخيل

 1-  كنز الكراجكي عن أسد بن إبراهيم السلمي عن عمر بن علي العتكي عن محمد بن صفوة عن الحسن بن علي العلوي عن أحمد بن العلا عن صباح بن يحيى عن خالد بن يزيد عن أبي جعفر الباقر عن آبائه ع قال قال رسول الله ص يوم الأحزاب اللهم إنك أخذت مني عبيدة بن الحارث يوم بدر و حمزة بن عبد المطلب يوم أحد و هذا أخي علي بن أبي طالب رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَ أَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ

 2-  أقول و روى الكراجكي رحمه الله قصة قتل عمرو نحوا مما مر و ذكر أنه قال النبي ص ثلاث مرات أيكم يبرز إلى عمرو و أضمن له على الله الجنة و في كل مرة كان يقوم علي ع و القوم ناكسو رءوسهم فاستدناه و عممه بيده فلما برز قال ص برز الإيمان كله إلى الشرك كله و كان عمرو يقول

و لقد بححت من النداء بجمعهم هل من مبارز

إلى قوله

إن الشجاعة في الفتى و الجود من كرم الغرائز

إلى قوله فما كان أسرع أن صرعه أمير المؤمنين ع و جلس على صدره فلما هم أن يذبحه و هو يكبر الله و يمجده قال له عمرو يا علي قد جلست مني مجلسا عظيما فإذا قتلتني فلا تسلبني حلتي فقال ع هي أهون علي من ذلك و ذبحه و أتى برأسه و هو يخطر في مشيته فقال عمر أ لا ترى يا رسول الله إلى علي كيف يمشي فقال رسول الله ص إنها لمشية لا يمقتها الله في هذا المقام فتلقاه و مسح الغبار عن عينيه و قال لو وزن اليوم عملك بعمل جميع أمة محمد لرجح عملك على عملهم و ذاك أنه لم يبق بيت من المشركين إلا و قد دخله ذل بقتل عمرو و لم يبق بيت من المسلمين إلا و قد دخله عز بقتل عمرو و لما قتل علي ع عمرا سمع مناديا ينادي و لا يرى شخصه

قتل علي عمرا قصم علي ظهراأبرم علي أمرا

و وقعت الجفلة بالمشركين فانهزموا أجمعين و تفرقت الأحزاب خائفين مرعوبين

 3-  فس، ]تفسير القمي[ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ الآية. فإنها نزلت في قصة الأحزاب من قريش و العرب الذين تحزبوا على رسول الله ص قال و ذلك أن قريشا قد تجمعت في سنة خمس من الهجرة و ساروا في العرب و جلبوا و استنفروهم لحرب رسول الله ص فوافوا في عشرة آلاف و معهم كنانة و سليم و فزارة و كان رسول الله ص حين أجلا بني النضير و هم بطن من اليهود من المدينة و كان رئيسهم حيي بن أخطب و هم يهود من بني هارون ع فلما أجلاهم من المدينة صاروا إلى خيبر و خرج حيي بن أخطب إلى قريش بمكة و قال لهم إن محمدا قد وتركم و وترنا و أجلانا من المدينةمن ديارنا و أموالنا و أجلى بني عمنا بني قينقاع فسيروا في الأرض و اجمعوا حلفاءكم و غيرهم حتى نسير إليهم فإنه قد بقي من قومي بيثرب سبعمائة مقاتل و هم بنو قريظة و بينهم و بين محمد عهد و ميثاق و أنا أحملهم على نقض العهد بينهم و بين محمد و يكونون معنا عليهم فتأتونه أنتم من فوق و هم من أسفل و كان موضع بني قريظة من المدينة على قدر ميلين و هو الموضع الذي يسمى ببئر بني المطلب فلم يزل يسير معهم حيي بن أخطب في قبائل العرب حتى اجتمعوا قدر عشرة آلاف من قريش و كنانة و الأقرع بن حابس في قومه و عباس بن مرداس في بني سليم فبلغ ذلك رسول الله ص و استشار أصحابه و كانوا سبعمائة رجل فقال سلمان يا رسول الله إن القليل لا يقاوم الكثير في المطاولة قال فما نصنع قال نحفر خندقا يكون بيننا و بينهم حجابا فيمكنك منعهم في المطاولة و لا يمكنهم أن يأتونا من كل وجه فإنا كنا معاشر العجم في بلاد فارس إذا دهمنا دهم من عدونا نحفر الخنادق فيكون الحرب من مواضع معروفة فنزل جبرئيل على رسول الله ص فقال أشار بصواب فأمر رسول الله ص بمسحه من ناحية أحد إلى راتج و جعل على كل عشرين خطوة و ثلاثين خطوة قوم من المهاجرين و الأنصار يحفرونه فأمر فحملت المساحي و المعاول و بدأ رسول الله ص و أخذ معولا فحفر في موضع المهاجرين بنفسه و أمير المؤمنين ع ينقل التراب من الحفرة حتى عرق رسول الله ص و عي و قال لا عيش إلا عيش الآخرة اللهم اغفر للأنصار و المهاجرين فلما نظر الناس إلى رسول الله ص يحفر اجتهدوا في الحفر و نقلوا التراب فلما كان في اليوم الثاني بكروا إلى الحفر و قعد رسول الله ص في مسجد الفتح فبينا المهاجرون و الأنصار يحفرون إذ عرض لهم جبل لم تعمل المعاول فيه فبعثوا جابر بن عبد الله الأنصاري إلى رسول الله ص يعلمه ذلك قال جابر فجئت إلى المسجد و رسول الله ص مستلقي على قفاه و رداؤه تحت رأسه و قد شد على بطنه حجرا فقلت يا رسول الله إنه قد عرض لنا جبل لا تعمل المعاول فيه فقام مسرعا حتى جاءه ثم دعا بماء في إناء و غسل وجهه و ذراعيه و مسح على رأسه و رجليه ثم شرب و مج ذلك الماء في فيه ثم صبه على ذلك الحجر ثم أخذ معولا فضرب ضربة فبرقت برقة فنظرنا فيها إلى قصور الشام ثم ضرب أخرى فبرقت برقة فنظرنا فيها إلى قصور المدائن ثم ضرب أخرى فبرقت برقة فنظرنا فيها إلى قصور اليمن فقال رسول الله ص أما إنه سيفتح الله عليكم هذه المواطن التي برقت فيها البرق ثم انهال علينا الجبل كما ينهال الرمل. فقال جابر فعلمت أن رسول الله ص مقوي أي جائع لما رأيت على بطنه الحجر فقلت يا رسول الله هل لك في الغداء قال ما عندك يا جابر فقلت عناق و صاع من شعير فقال تقدم و أصلح ما عندك قال جابر فجئت إلى أهلي فأمرتها فطحنت الشعير و ذبحت العنز و سلختها و أمرتها أن تخبز و تطبخ و تشوي فلما فرغت من ذلك جئت إلى رسول الله ص فقلت بأبي و أمي أنت يا رسول الله قد فرغنا فاحضر مع من أحببت فقام ص إلى شفير الخندق ثم قال يا معشر المهاجرين و الأنصار أجيبوا جابرا و كان في الخندق سبعمائة رجل فخرجوا كلهم ثم لم يمر بأحد من المهاجرين و الأنصار إلا قال أجيبوا جابرا

  قال جابر فتقدمت و قلت لأهلي قد و الله أتاك رسول الله ص بما لا قبل لك به فقالت أعلمته أنت ما عندنا قال نعم قالت هو أعلم بما أتى قال جابر فدخل رسول الله ص فنظر في القدر ثم قال اغرفي و أبقي ثم نظر في التنور ثم قال أخرجي و أبقي ثم دعا بصحفة فثرد فيها و غرف فقال يا جابر أدخل علي عشرة فأدخلت عشرة فأكلوا حتى نهلوا و ما يرى في القصعة إلا آثار أصابعهم ثم قال يا جابر علي بالذراع فأتيته بالذراع فأكلوه ثم قال أدخل علي عشرة فدخلوا فأكلوا حتى نهلوا و ما يرى في القصعة إلا آثار أصابعهم ثم قال يا جابر علي بالذراع فأتيته فأكلوا و خرجوا ثم قال أدخل علي عشرة فأدخلتهم فأكلوا حتى نهلوا و ما يرى في القصعة إلا آثار أصابعهم ثم قال يا جابر علي بالذراع فأتيته بالذراع فقلت يا رسول الله كم للشاة من ذراع قال ذراعان فقلت و الذي بعثك بالحق نبيا لقد أتيتك بثلاثة فقال أما لو سكت يا جابر لأكلوا كلهم من الذراع قال جابر فأقبلت أدخل عشرة عشرة فيأكلون حتى أكلوا كلهم و بقي و الله لنا من ذلك الطعام ما عشنا به أياما. قال و حفر رسول الله ص الخندق و جعل له ثمانية أبواب و جعل على كل باب رجلا من المهاجرين و رجلا من الأنصار مع جماعة يحفظونه و قدمت قريش و كنانة و سليم و هلال فنزلوا الزغابة ففرغ رسول الله ص من حفر الخندق قبل قدوم قريش بثلاثة أيام و أقبلت قريش و معهم حيي بن أخطب فلما نزلوا العقيق جاء حيي بن أخطب إلى بني قريظة في جوف الليل و كانوا في حصنهم قد تمسكوا بعهد رسول الله ص فدق باب الحصن فسمع كعب بن أسيد قرع الباب فقال لأهله هذا أخوك قد شأم قومه و جاء الآن يشأمنا و يهلكنا و يأمرنا بنقض العهد بيننا و بين محمد و قد وفى لنا محمد و أحسن جوارنا فنزل إليه من غرفته فقال له من أنت قال حيي بن أخطب قد جئتك بعز الدهر فقال كعب بل جئتني بذل الدهر فقال يا كعب هذه قريش في قادتها و سادتها قد نزلت بالعقيق مع حلفائهم من كنانة و هذه فزارة مع قادتها و سادتها قد نزلت الزغابة و هذه سليم و غيرهم قد نزلوا حصن بني ذبيان و لا يفلت محمد و أصحابه من هذا الجمع أبدا فافتح الباب و انقض العهد بينك و بين محمد فقال كعب لست بفاتح لك الباب ارجع من حيث جئت فقال حيي ما يمنعك من فتح الباب إلا جشيشتك التي في التنور تخاف أن أشركك فيها فافتح فإنك آمن من ذلك فقال له كعب لعنك الله لقد دخلت علي من باب دقيق ثم قال افتحوا له الباب ففتحوا له فقال ويلك يا كعب انقض العهد بينك و بين محمد و لا ترد رأيي فإن محمدا لا يفلت من هذا الجمع أبدا فإن فاتك هذا الوقت لا تدرك مثله أبدا قال و اجتمع كل من كان في الحصن من رؤساء اليهود مثل غزال بن شمول و ياسر بن قيس و رفاعة بن زيد و الزبير بن باطا فقال لهم كعب ما ترون قالوا أنت سيدنا و المطاع فينا و صاحب عهدنا و عقدنا فإن نقضت نقضنا معك و إن أقمت أقمنا معك و إن خرجت خرجنا معك قال الزبير بن باطا و كان شيخا كبيرا مجربا قد ذهب بصره قد قرأت التوراة التي أنزلها الله في سفرنا بأنه يبعث نبيا في آخر الزمان يكون مخرجه بمكة و مهاجره في هذه البحيرة يركب الحمار العري و يلبس الشملة و يجتزئ بالكسيرات و التميرات و هو الضحوك القتال في عينيه الحمرة و بين كتفيه خاتم النبوة يضع سيفه على عاتقه لا يبالي من لاقى يبلغ سلطانه منقطع الخف و الحافر فإن كان هذا هو فلا يهولنه هؤلاء و جمعهم و لو نأوي على هذه الجبال الرواسي لغلبها فقال حيي ليس هذا ذاك ذلك النبي من بني إسرائيل و هذا من العرب من ولد إسماعيل و لا يكونوا بني إسرائيل أتباعا لولد إسماعيل أبدا لأن الله قد فضلهم على الناس جميعا و جعل منهم النبوة و الملك و قد عهد إليناموسى أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ

  و ليس مع محمد آية و إنما جمعهم جمعا و سحرهم و يريد أن يغلبهم بذلك فلم يزل يقلبهم عن رأيهم حتى أجابوه فقال لهم أخرجوا الكتاب الذي بينكم و بين محمد فأخرجوه فأخذه حيي بن أخطب و مزقه و قال قد وقع الأمر فتجهزوا و تهيئوا للقتال و بلغ رسول الله ص ذلك فغمه غما شديدا و فزع أصحابه فقال رسول الله ص لسعد بن معاذ و أسيد بن حصين و كانا من الأوس و كانت بنو قريظة حلفاء الأوس ائتيا بني قريظة فانظرا ما صنعوا فإن كانوا نقضوا العهد فلا تعلما أحدا إذا رجعتما إلي و قولا عضل و القارة فجاء سعد بن معاذ و أسيد بن حصين إلى باب الحصن فأشرف عليهما كعب من الحصن فشتم سعدا و شتم رسول الله ص فقال له سعد إنما أنت ثعلب في حجر لتولين قريش و ليحاصرنك رسول الله ص و لينزلنك على الصغر و القمأ و ليضربن عنقك ثم رجعا إلى رسول الله ص فقالا له عضل و القارة فقال رسول الله ص لعنا نحن أمرناهم بذلك و ذلك أنه كان على عهد رسول الله ص عيون لقريش يتجسسون خبره و كانت عضل و القارة قبيلتان من العرب دخلا في الإسلام ثم غدرا و كان إذا غدر أحد ضرب بهما المثل فيقال عضل و القارة. و رجع حيي بن أخطب إلى أبي سفيان و قريش فأخبرهم بنقض بني قريظة العهد بينهم و بين رسول الله ص ففرحت قريش بذلك فلما كان في جوف الليل جاء نعيم بن مسعود الأشجعي إلى رسول الله ص و قد كان أسلم قبل قدوم قريش بثلاثة أيام فقال يا رسول الله قد آمنت بالله و صدقتك و كتمت إيماني عن الكفرة فإن أمرتني أن آتيك بنفسي و أنصرك بنفسي فعلت و إن أمرت أن أخذل بين اليهود و بين قريش فعلت حتى لا يخرجوا من حصنهم فقال رسول الله ص خذل بين اليهود و بين قريش فإنه أوقع عندي قال فتأذن لي أن أقول فيك ما أريد قال قل ما بدا لك فجاء إلى أبي سفيان فقال له تعرف مودتي لكم و نصحي و محبتي أن ينصركم الله على عدوكم و قد بلغني أن محمدا قد وافق اليهود أن يدخلوا بين عسكركم و يميلوا عليكم و وعدهم إذا فعلوا ذلك أن يرد عليهم جناحهم الذي قطعه بني النضير و قينقاع فلا أرى أن تدعوهم يدخلوا عسكركم حتى تأخذوا منهم رهنا تبعثوا بهم إلى مكة فتأمنوا مكرهم و غدرهم فقال له أبو سفيان وفقك الله و أحسن جزاءك مثلك أهدى النصائح و لم يعلم أبو سفيان بإسلام نعيم و لا أحد من اليهود ثم جاء من فوره ذلك إلى بني قريظة فقال له يا كعب تعلم مودتي لكم و قد بلغني أن أبا سفيان قال نخرج هؤلاء اليهود فنضعهم في نحر محمد فإن ظفروا كان الذكر لنا و إن كانت علينا كانوا هؤلاء مقاديم الحرب فلا أرى لكم أن تدعوهم يدخلوا عسكركم حتى تأخذوا منهم عشرة من أشرافهم يكونون في حصنكم أنهم إن لم يظفروا بمحمد لم يبرحوا حتى يردوا عليكم عهدكم و عقدكم بين محمد و بينكم لأنه إن ولت قريش و لم يظفروا بمحمد غزاكم محمد فيقتلكم فقالوا أحسنت و أبلغت في النصيحة لا نخرج من حصننا حتى نأخذ منهم رهنا يكونون في حصننا. و أقبلت قريش فلما نظروا إلى الخندق قالوا هذه مكيدة ما كانت العرب تعرفها قبل ذلك فقيل لهم هذا من تدبير الفارسي الذي معه فوافى عمرو بن عبد ود و هبيرة بن وهب و ضرار بن الخطاب إلى الخندق و كان رسول الله ص قد صف أصحابه بين يديه فصاحوا بخيلهم حتى طفروا الخندق إلى جانب رسول الله ص فصاروا أصحاب رسول الله ص كلهم خلف رسول الله ص و قدموا رسول الله ص بين أيديهم و قال رجل من المهاجرين و هو فلان لرجل بجنبه من إخوانه أ ما ترى هذا الشيطان عمرو ألا و الله ما يفلت من يديه أحد فهلموا ندفع إليه محمدا ليقتله و نلحق نحن بقومنا فأنزل الله على نبيه في ذلك الوقت قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَ الْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَ لا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا إلى قوله أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً و ركز عمرو بن عبد ود رمحه في الأرض و أقبل يجول جولة و يرتجز و يقول

و لقد بححت من النداء. بجمعكم هل من مبارز.و وقفت إذ جبن الشجاع. مواقف القرن المناجز.إني كذلك لم أزل. متسرعا نحو الهزاهز.إن الشجاعة في الفتى. و الجود من خير الغرائز.

 فقال رسول الله ص من لهذا الكلب فلم يجبه أحد فوثب إليه أمير المؤمنين ع فقال أنا له يا رسول الله فقال يا علي هذا عمرو بن عبد ود فارس يليل قال أنا علي بن أبي طالب فقال له رسول الله ص ادن مني فدنا منه فعممه بيده و دفع إليه سيفه ذا الفقار و قال له اذهب و قاتل بهذا اللهم احفظه من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله و من فوقه و من تحته فمر أمير المؤمنين ع يهرول في مشيته و هو يقول

لا تعجلن فقد أتاك. مجيب صوتك غير عاجز.ذو نية و بصيرة. و الصدق منجي كل فائز.إني لأرجو أن أقيم. عليك نائحة الجنائز.من ضربة نجلاء يبقى صوتها بعد الهزاهز.

 فقال له عمرو من أنت قال أنا علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله و ختنه فقال و الله إن أباك كان لي صديقا و نديما و إني أكره أن أقتلك ما أمن ابن عمك حين بعثك إلي أن أختطفك برمحي هذا فأتركك شائلا بين السماء و الأرض لا حي و لا ميت فقال له أمير المؤمنين ع قد علم ابن عمي أنك إن قتلتني دخلت الجنة و أنت في النار و إن قتلتك فأنت في النار و أنا في الجنة فقال عمرو كلتاهما لك يا علي تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى فقال علي دع هذا يا عمرو إني سمعت منك و أنت متعلق بأستار الكعبة تقول لا يعرض علي أحد في الحرب ثلاث خصال إلا أجبته إلى واحدة منها و أنا أعرض عليك ثلاث خصال فأجبني إلى واحدة قال هات يا علي قال تشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله قال نح عني هذا قال فالثانية أن ترجع و ترد هذا الجيش عن رسول الله فإن يك صادقا فأنتم أعلى به عينا و إن يك كاذبا كفتكم ذؤبان العرب أمره فقال إذا تتحدث نساء قريش بذلك و ينشد الشعراء في أشعارها أني جبنت و رجعت على عقبي من الحرب و خذلت قوما رأسوني عليهم فقال له أمير المؤمنين ع فالثالثة أن تنزل إلي فإنك راكب و أنا راجل حتى أنابذك فوثب عن فرسه و عرقبه و قال هذه خصلة ما ظننت أن أحدا من العرب يسومني عليها ثم بدأ فضرب أمير المؤمنين ع بالسيف على رأسه فاتقاه أمير المؤمنين ع بالدرقة فقطعها و ثبت السيف على رأسه فقال له علي يا عمرو أ ما كفاك أني بارزتك و أنت فارس العرب حتى استعنت علي بظهير فالتفت عمرو إلى خلفه فضربه أمير المؤمنين ع مسرعا على ساقيه فأطنهما جميعا و ارتفعت بينهما عجاجة فقال المنافقون قتل علي بن أبي طالب ثم انكشفت العجاجة و نظروا فإذا أمير المؤمنين ع على صدره قد أخذ بلحيته يريد أن يذبحه ثم أخذ رأسه و أقبل إلى رسول الله ص و الدماء تسيل على رأسه من ضربة عمرو و سيفه يقطر منه الدم و هو يقول و الرأس بيده

أنا علي بن عبد المطلب. الموت خير للفتى من الهرب.

 فقال رسول الله يا علي ماكرته قال نعم يا رسول الله الحرب خديعة و بعث رسول الله ص الزبير إلى هبيرة فضربه على رأسه ضربة فلق هامته و أمر رسول الله ص عمر بن الخطاب أن يبارز ضرار بن الخطاب فلما برز إليه ضرار انتزع له عمر سهما فقال ضرار ويلك يا ابن صهاك أ رمي في مبارزة و الله لئن رميتني لا تركت عدويا بمكة إلا قتلته فانهزم عنه عمر و مر نحوه ضرار و ضرب بالقناة على رأسه ثم قال احفظها يا عمر فإني آليت أن لا أقتل قرشيا ما قدرت عليه فكان عمر يحفظ له ذلك بعد ما ولى و ولاه. فبقي رسول الله يحاربهم في الخندق خمسة عشر يوما فقال أبو سفيان لحيي بن أخطب ويلك يا يهودي أين قومك فصار حيي بن أخطب إليهم فقال ويلكم اخرجوا فقد نابذتم محمدا الحرب فلا أنتم مع محمد و لا أنتم مع قريش فقال كعب لسنا خارجين حتى يعطينا قريش عشرة من أشرافهم رهنا يكونون في حصننا أنهم إن لم يظفروا بمحمد لم يبرحوا حتى يرد علينا محمد عهدنا و عقدنا فإنا لا نأمن أن تمر قريش و نبقى نحن في عقر دارنا و يغزونا محمد فيقتل رجالنا و يسبي نساءنا و ذرارينا و إن لم نخرج لعله يرد علينا عهدنا فقال له حيي بن أخطب تطمع في غير مطمع فقد نابذت محمدا الحرب فلا أنتم مع محمد و لا أنتم مع قريش فقال كعب هذا من شؤمك إنما أنت طائر تطير مع قريش غدا و تتركنا في عقر دارنا و يغزونا محمد فقال له لك الله علي و عهد موسى أنه إن لم تظفر قريش بمحمد أني أرجع معك إلى حصنك يصيبني ما يصيبك فقال كعب هو الذي قد قلته لك إن أعطتنا قريش رهنا يكونون عندنا و إلا لم نخرج فرجع حيي بن أخطب إلى قريش فأخبرهم فلما قال يسألون الرهن فقال أبو سفيان هذا و الله أول الغدر قد صدق نعيم بن مسعود لا حاجة لنا في إخوان القردة و الخنازير فلما طال على أصحاب رسول الله ص الأمر و اشتد عليهم الحصار و كانوا في وقت برد شديد و أصابتهم مجاعة و خافوا من اليهود خوفا شديدا و تكلم المنافقون بما حكى الله عنهم و لم يبق أحد من أصحاب رسول الله ص إلا نافق إلا القليل و قد كان رسول الله ص أخبر أصحابه أن العرب تتحزب علي و يجيئونا من فوق تغدر اليهود و نخافهم من أسفل و أنه يصيبهم جهد شديد و لكن تكون العاقبة لي عليهم فلما جاءت قريش و غدرت اليهود قال المنافقون ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً و كان قوم لهم دور في أطراف المدينة فقالوا يا رسول الله تأذن لنا أن نرجع إلى دورنا فإنها في أطراف المدينة و هي عورة و نخاف اليهود أن يغيروا عليها و قال قوم هلموا فنهرب و نصير في البادية و نستجير بالأعراب فإن الذي كان يعدنا محمد كان باطلا كله و كان رسول الله ص أمر أصحابه أن يحرسوا المدينة بالليل و كان أمير المؤمنين ع على العسكر كله بالليل يحرسهم فإن تحرك أحد من قريش نابذهم و كان أمير المؤمنين ع يجوز الخندق و يصير إلى قرب قريش حيث يراهم فلا يزال الليل كله قائم وحده يصلي فإذا أصبح رجع إلى مركزه و مسجد أمير المؤمنين ع هناك معروف يأتيه من يعرفه فيصلي فيه و هو من مسجد الفتح إلى العقيق أكثر من غلوة نشاب فلما رأى رسول الله ص من أصحابه الجزع لطول الحصار صعد إلى مسجد الفتح و هو الجبل الذي عليه مسجد الفتح اليوم فدعا الله و ناجاه فيما وعده و قال يا صريخ المكروبين و يا مجيب المضطرين و يا كاشف الكرب العظيم أنت مولاي و وليي و ولي آبائي الأولين اكشف عنا غمنا و همنا و كربنا و اكشف عنا كرب هؤلاء القوم بقوتك و حولك و قدرتك فنزل جبرئيل ع فقال يا محمد إن الله قد سمع مقالتك و أجاب دعوتك و أمر الدبور مع الملائكة أن تهزم قريشا و الأحزاب و بعث الله على قريش الدبور فانهزموا و قلعت أخبيتهم و نزل جبرئيل فأخبره بذلك فنادى رسول الله ص حذيفة بن اليمان و كان قريبا منه فلم يجبه ثم ناداه ثانيا فلم يجبه ثم ناداه ثالثا فقال لبيك يا رسول الله فقال أدعوك فلا تجيبني قال يا رسول الله بأبي أنت و أمي من الخوف و البرد و الجوع فقال

  ادخل في القوم و آتني بأخبارهم و لا تحدثن حدثا حتى ترجع إلي فإن الله قد أخبرني أنه قد أرسل الرياح على قريش و هزمهم قال حذيفة فمضيت و أنا أنتفض من البرد فو الله ما كان إلا بقدر ما جزت الخندق حتى كأني في حمام فقصدت خباء عظيما فإذا نار تخبو و توقد و إذا خيمة فيها أبو سفيان قد دلا خصيتيه على النار و هو ينتفض من شدة البرد و يقول يا معشر قريش إن كنا نقاتل أهل السماء بزعم محمد فلا طاقة لنا بأهل السماء و إن كنا نقاتل أهل الأرض فنقدر عليهم ثم قال لينظر كل رجل منكم إلى جليسه لا يكون لمحمد عين فيما بيننا قال حذيفة فبادرت أنا فقلت للذي عن يميني من أنت قال أنا عمرو بن العاص ثم قلت للذي عن يساري من أنت قال أنا معاوية و إنما بادرت إلى ذلك لئلا يسألني أحد من أنت ثم ركب أبو سفيان راحلته و هي معقولة و لو لا أن رسول الله ص قال لا تحدث حدثا حتى ترجع إلي لقدرت أن أقتله ثم قال أبو سفيان لخالد بن الوليد يا أبا سليمان لا بد من أن أقيم أنا و أنت على ضعفاء الناس ثم قال ارتحلوا إنا مرتحلون ففروا منهزمين فلما أصبح رسول الله ص قال لأصحابه لا تبرحوا فلما طلعت الشمس دخلوا المدينة و بقي رسول الله ص في نفر يسير و كان ابن عرقة الكناني رمى سعد بن معاذ رحمه الله بسهم في الخندق فقطع أكحله فنزفه الدم فقبض سعد على أكحله بيده ثم قال اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها فلا أحد أحب إلي محاربتهم من قوم حاربوا الله و رسوله و إن كانت الحرب قد وضعت أوزارها بين رسول الله ص و بين قريش فاجعلها لي شهادة و لا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة فأمسك الدم و تورمت يده فضرب له رسول الله ص في المسجد خيمة و كان يتعاهده بنفسه فأنزل الله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً إلى قوله إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ بني قريظة حين غدروا و خافوهم أصحاب رسول الله ص وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ إلى قوله إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً و هم الذين قالوا لرسول الله ص تأذن لنا نرجع إلى منازلنا فإنها في أطراف المدينة و نخاف اليهود عليها فأنزل الله فيهم إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَ ما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً إلى قوله وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً و نزلت هذه الآية في الثاني لما قال لعبد الرحمن بن عوف هلم ندفع محمدا إلى قريش و نلحق نحن بقومنا يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا إلى قوله وَ ذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ثم وصف الله المؤمنين المصدقين بما أخبرهم رسول الله ما يصيبهم في الخندق من الجهد فقال وَ لَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ إلى قوله وَ ما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً يعني ذلك البلاء و الجهد و الخوف إلا إيمانا وَ تَسْلِيماً.

 و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ألا يفروا أبدا فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ أي أجله و هو حمزة و جعفر بن أبي طالب وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ أجله يعني عليا ع يقول الله وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَ يُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ الآية

 و قال علي بن إبراهيم في قوله وَ رَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَ كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ بعلي بن أبي طالب ع وَ كانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً و نزل في بني قريظة وَ أَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إلى قوله وَ كانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيراً. فلما دخل رسول الله ص المدينة و اللواء معقود أراد أن يغتسل من الغبار فناداه جبرائيل عذيرك من محارب و الله ما وضعت الملائكة لأمتها كيف تضع لأمتك إن الله يأمرك أن لا تصلي العصر إلا ببني قريظة فإني متقدمك و مزلزل بهم حصنهم إنا كنا في آثار القوم نزجرهم زجرا حتى بلغوا حمراء الأسد فخرج رسول الله ص فاستقبله حارثة بن نعمان فقال له ما الخبر يا حارثة فقال بأبي و أمي يا رسول الله هذا دحية الكلبي ينادي في الناس ألا لا يصلين العصر أحد إلا في بني قريظة فقال ذاك جبرئيل ادعوا عليا فجاء علي ع فقال له ناد في الناس أن لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فجاء أمير المؤمنين ع فنادى فيهم فخرج الناس فبادروا إلى بني قريظة و خرج رسول الله ص و علي ع بين يديه مع الراية العظمى و كان حيي بن أخطب لما انهزمت قريش جاء فدخل حصن بني قريظة فجاء أمير المؤمنين ع فأحاط بحصنهم فأشرف عليهم كعب بن أسيد من الحصن يشتمهم و يشتم رسول الله ص فأقبل رسول الله ص على حمار فاستقبله أمير المؤمنين ع فقال بأبي و أمي يا رسول الله لا تدنو من الحصن فقال رسول الله ص يا علي لعلهم شتموني إنهم لو رأوني لأذلهم الله ثم دنا رسول الله ص من حصنهم فقال يا إخوة القردة و الخنازير و عبدة الطاغوت أ تشتموني إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباحهم فأشرف عليهم كعب بن أسيد من الحصن فقال و الله يا أبا القاسم ما كنت جهولافاستحيا رسول الله ص حتى سقط الرداء من ظهره حياء مما قاله و كان حول الحصن نخل كثير فأشار إليه رسول الله ص بيده فتباعد عنه و تفرق في المفازة و أنزل رسول الله ص العسكر حول حصنهم فحاصرهم ثلاثة أيام فلم يطلع أحد منهم رأسه فلما كان بعد ثلاثة أيام نزل إليه غزال بن شمول فقال يا محمد تعطينا ما أعطيت إخواننا من بني النضير احقن دماءنا و نخلي لك البلاد و ما فيها و لا نكتمك شيئا فقال لا أو تنزلون على حكمي فرجع و بقوا أياما فبكى النساء و الصبيان إليهم و جزعوا جزعا شديدا فلما اشتد عليهم الحصار نزلوا على حكم رسول الله ص فأمر رسول الله ص بالرجال فكتفوا و كانوا سبعمائة و أمر بالنساء فعزلوا و قامت الأوس إلى رسول الله ص فقالوا يا رسول الله حلفاؤنا و موالينا من دون الناس نصرونا على الخزرج في المواطن كلها و قد وهبت لعبد الله بن أبي سبعمائة دراع و ثلاثمائة حاسر في صبيحة واحدة و ليس نحن بأقل من عبد الله بن أبي فلما أكثروا على رسول الله ص قال لهم أ ما ترضون أن يكون الحكم فيهم إلى رجل منكم فقالوا بلى فمن هو قال سعد بن معاذ قالوا قد رضينا بحكمه فأتوا به في محفة و اجتمعت الأوس حوله يقولون له يا أبا عمرو اتق الله و أحسن في حلفائك و مواليك فقد نصرونا ببغاث و الحدائق و المواطن كلها فلما أكثروا عليه قال قد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم فقالت الأوس وا قوماه ذهب و الله بنو قريظة و بكى النساء و الصبيان إلى سعد فلما سكتوا قال لهم سعد يا معشر اليهود أ رضيتم بحكمي فيكم قالوا بلى قد رضينا بحكمك و الله قد رجونا نصفك و معروفك و حسن نظرك فأعاد عليهم القوم فقالوا بلى يا أبا عمرو فالتفت إلى رسول الله ص إجلالا له فقال ما ترى بأبي أنت و

  أمي فقال احكم فيهم يا سعد فقد رضيت بحكمك فيهم فقال قد حكمت يا رسول الله أن تقتل رجالهم و تسبي نساءهم و ذراريهم و تقسم غنائمهم و أموالهم بين المهاجرين و الأنصار فقام رسول الله ص فقال حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعة ثم انفجر جرح سعد بن معاذ فما زال ينزفه الدم حتى مضى رحمه الله و ساقوا الأسارى إلى المدينة و أمر رسول الله ص بأخدود فحفرت بالبقيع فلما أمسى أمر بإخراج رجل رجل و كان يضرب عنقه فقال حيي بن أخطب لكعب بن أسيد ما ترى يصنع بهم فقال له ما يسوؤك أ ما ترى الداعي لا يقلع و الذي يذهب لا يرجع فعليكم بالصبر و الثبات على دينكم فأخرج كعب بن أسيد مجموعة يديه إلى عنقه و كان جميلا وسيما فلما نظر إليه رسول الله ص قال له يا كعب أ ما نفعك وصية ابن الحواس الحبر الذكي الذي قدم عليكم من الشام فقال تركت الخمر و الحمير و جئت إلى البؤس و التمور لنبي يبعث مخرجه بمكة و مهاجره في هذه البحيرة يجتزئ بالكسر و التميرات و يركب الحمار العري في عينيه حمرة و بين كتفيه خاتم النبوة يضع سيفه على عاتقه لا يبالي من لاقى يبلغ سلطانه منقطع الخف و الحافر فقال قد كان ذلك يا محمد و لو لا أن اليهود يعيروني أني جزعت عند القتل لآمنت بك و صدقتك و لكني على دين اليهود عليه أحيا و عليه أموت فقال رسول الله ص قدموه و اضربوا عنقه فضربت ثم قدم حيي بن أخطب فقال رسول الله ص يا فاسق كيف رأيت الله صنع بك فقال و الله يا محمد ما ألوم نفسي في عداوتك و لقد قلقلت كل مقلقل و جهدت كل الجهد و لكن من يخذل الله يخذل ثم قال حين قدم للقتل.

لعمري ما لام ابن أخطب نفسه. و لكنه من يخذل الله يخذل.

 فقدم و ضرب عنقه فقتلهم رسول الله ص في البردين بالغداة و العشي في ثلاثة أيام و كان يقول اسقوهم العذب و أطعموهم الطيب و أحسنوا إسارهم حتى قتلهم كلهم و أنزل الله على رسوله فيهم وَ أَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ أي من حصونهم وَ قَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ إلى قوله وَ كانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيراً. بيان الموتور الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه تقول منه وتره يتره وترا و ترة. قوله ص لا عيش أقول في بعض روايات المخالفين

اللهم إن العيش عيش الآخرة. فاغفر للأنصار و المهاجرة.

 و في بعضها كانت الأنصار تقول

نحن الذين بايعوا محمدا. على الجهاد ما بقينا أبدا.

 فأجابهم النبي ص

اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة. فأكرم الأنصار و المهاجرة.

 و في بعضها

اللهم لا خير إلا خير الآخرة. فبارك في الأنصار و المهاجرة.

 و يقال مج الشراب من فيه إذا رمى به و لعل المراد هنا المضمضة و يقال هال عليه التراب فانهال أي صبه فانصب و أقوى الرجل أي فني زاده و منه قوله تعالى وَ مَتاعاً لِلْمُقْوِينَ و قوي كرضي جاع شديدا و العناق كسحاب الأنثى من أولاد المعز و يقال ما لي به قبل بكسر القاف و فتح الباء أي طاقة و النهل محركة أول الشرب و من الطعام ما أكل و الناهل الريان و المراد هنا الشبع و الزغابة بالضم موضع بقرب المدينة و يقال شأمهم و عليهم كمنع أي صار شؤما عليهم. و قال الجزري البحيرة مدينة الرسول ص و هي تصغير البحرة و قد جاء في رواية مكبرا و العرب تسمي المدن و القرى البحار انتهى. و المناوءة بالهمز المعاداة و قد يترك الهمز و القمأ الذل و الصغار. قوله ص لعنا على بناء المجهول أي لعن العضل و القارة و المراد كل من غدر ثم قال ص على سبيل التورية نحن أمرناهم بذلك أي نحن أمرنا بني قريظة أن يظهروا الغدر للمصلحة و هم موافقون لنا في الباطن و إنما قال ذلك لئلا يكون هناك عين من عيون قريش فيعلموا بالغدر فيصير سببا لجرأتهم و يقال خذل عنه أصحابه تخذيلا أي حملهم على خذلانه. قوله و قال رجل من المهاجرين أي عمر و الرجل الذي بجنبه عبد الرحمن بن عوف كما سيأتي آنفا و يقال بححت بالكسر إذا أخذته بحة و خشونة و غلظ في صوته و المناجزة في الحرب المبارزة و المقاتلة و الهزاهز تحريك البلايا و الحروب بين الناس و الغريزة الطبيعة. و في الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين ع

يا عمرو ويحك قد أتاك. مجيب صوتك غير عاجز.

 إلى قوله

و لقد دعوت إلى البراز فتى يجيب إلى المبارزيعليك أبيض صارما كالملح حتفا للمناجز

 و يقال طعنة نجلاء أي واسعة قوله شائلا أي مرتفعا قوله كلتاهما لك قاله لعنه الله على سبيل الاستهزاء قوله قسمة ضيزى أي جائرة قوله أعلى به عينا أي أبصر به و أعلم بحاله و ذؤبان العرب لصوصها و قد يترك الهمز و يقال سام فلانا الأمر كلفه إياه أو أولاه إياه كسومه و أكثر ما يستعمل في العذاب و الشر و سوم فلانا خلاه و سومه لما يريده في ماله حكمه و قال الجوهري الطنين صوت الذباب و ضربه فأطن ساقه أي قطعه يراد بذلك صوت القطع و العجاج كسحاب الغبار. قوله انتزع له أي السهم و المنابذة المكاشفة و المقاتلة و الغلوة بالفتح مقدار رمية و النشاب بالضم و التشديد السهام الواحد نشابة و الأكحل عرق في اليد أو هو عرق الحياة و نزفه الدم أي سال كثيرا حتى أضعفه و قال الجزري يقال عذيرك من فلان بالنصب أي هات من يعذرك فيه فعيل بمعنى فاعل انتهى و اللأمة الدرع و كتف فلانا كضرب شد يديه إلى خلف بالكتاف و هو حبل يشد به و الحاسر الذي لا مغفر عليه و لا درع. و قال الجزري في قوله سبعة أرقعة يعني سبع سماوات و كل سماء يقال لها رقيع و الجمع أرقعة و قيل الرقيع اسم سماء الدنيا فأعطي كل سماء اسمها انتهى. و الأخدود الحفرة المستطيلة قوله ما يسوؤك أي لا تحزن من ذلك أو ما استفهامية أي أي شي‏ء يعتريك من السوء فصرت بحيث لا تعقل مثل هذا الأمر الواضح أو موصولة أي الذي يسوؤك و هو القتل. قوله لا يقلع أي لا يكف عن دعوتهم و إذهابهم يذهب بواحد بعد واحد و الوسيم الحسن الوجه و يقال قلقله فتقلقل إذ حركه فتحرك و الأبردان و البردان الغداة و العشي

 4-  ل، ]الخصال[ لي، ]الأمالي للصدوق[ محمد بن أحمد المعاذي و محمد بن إبراهيم بن أحمد الليثي عن محمد بن عبد الله بن الفرج الشروطي عن محمد بن يزيد بن المهلب عن أبي أسامة عن عوف عن ميمون عن البراء بن عازب قال لما أمر رسول الله ص بحفر الخندق عرضت له صخرة عظيمة شديدة في عرض الخندق لا تأخذ منها المعاول فجاء رسول الله ص فلما رآها وضع ثوبه و أخذ المعول و قال بسم الله و ضرب ضربة فكسر ثلثها و قال الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام و الله إني لأبصر قصورها الحمراء الساعة ثم ضرب الثانية فقال بسم الله ففلق ثلثا آخر فقال الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس و الله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض ثم ضرب الثالثة ففلق بقية الحجر و قال الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن و الله إني لأبصر أبواب الصنعاء مكاني هذا

 5-  فس، ]تفسير القمي[ أبي رفعه قال قال الصادق ع كان النكاح و الأكل محرمين في شهر رمضان بالليل بعد النوم يعني كل من صلى العشاء و نام و لم يفطر ثم انتبه حرم عليه الإفطار و كان النكاح حراما بالليل و النهار في شهر رمضان و كان رجل من أصحاب النبي ص يقال له خوات بن جبير أخو عبد الله بن جبير الذي كان رسول الله ص وكله بفم الشعب في يوم أحد في خمسين من الرماة ففارقه أصحابه و بقي في اثني عشر رجلا فقتل على باب الشعب و كان أخوه هذا خوات بن جبير شيخا ضعيفا و كان صائما فأبطأت عليه أهله بالطعام فنام قبل أن يفطر فلما انتبه قال لأهله قد حرم علي الأكل في هذه الليلة فلما أصبح حضر حفر الخندق فأغمي عليه فرآه رسول الله ص فرق له و كان قوم من الشباب ينكحون بالليل سرا في شهر رمضان فأنزل الله أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَ عَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَ ابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ فأحل الله تبارك و تعالى النكاح بالليل في شهر رمضان و الأكل بعد النوم إلى طلوع الفجر لقوله حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ قال هو بياض النهار من سواد الليل

 6-  فس، ]تفسير القمي[ في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً قال هو عمرو بن عبد ود حين عرض عليه علي بن أبي طالب ع الإسلام يوم الخندق و قال فأين ما أنفقت فيكم مالا لبدا و كان أنفق مالا في الصد عن سبيل الله فقتله علي ع

 بيان مالا لبدا أي كثيرا من تلبد الشي‏ء إذ اجتمع

  -7  فس، ]تفسير القمي[ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا نزلت في عثكن يوم الخندق و ذلك أنه مر بعمار بن ياسر و هو يحفر الخندق و قد ارتفع الغبار من الحفر فوضع عثكن كمه على أنفه و مر فقال عمار

لا يستوي من يبتني المساجدا يظل فيها راكعا و ساجداكمن يمر بالغبار حائدا يعرض عنه جاحدا معاندا

فالتفت إليه عثكن فقال يا ابن السوداء إياي تعني ثم أتى رسول الله ص فقال له لم ندخل معك لتسب أعراضنا فقال له رسول الله ص قد أقلتك إسلامك فاذهب فأنزل الله عز و جل يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أي ليس هم صادقين إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اللَّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ

 بيان قوله في عثكن المراد به عثمان كما هو المصرح في بعض النسخ و سائر الأخبار. أقول نسب في الديوان الأبيات إلى أمير المؤمنين ع هكذا

لا يستوي من يعمر المساجدا. و من يبيت راكعا و ساجدا.يدأب فيها قائما و قاعدا. و من يكر هكذا معاندا.و من يرى عن الغبار حائدا

 8-  ل، ]الخصال[ في خبر اليهودي الذي سأل أمير المؤمنين ع عن خصال الأوصياء فقال ع فيما قال و أما الخامسة يا أخا اليهود فإن قريشا و العرب تجمعت و عقدت بينها عقدا و ميثاقا لا ترجع من وجهها حتى تقتل رسول الله ص و تقتلنا معه معاشر بني عبد المطلب ثم أقبلت بحدها و حديدها حتى أناخت علينا بالمدينة واثقة بأنفسها فيما توجهت له فهبط جبرئيل ع على النبي ص فأنبأه بذلك فخندق على نفسه و من معه من المهاجرين و الأنصار فقدمت قريش فأقامت على الخندق محاصرة لنا ترى في أنفسها القوة و فينا الضعف ترعد و تبرق و رسول الله ص يدعوها إلى الله عز و جل و يناشدها بالقرابة و الرحم فتأبى و لا يزيدها ذلك إلا عتوا و فارسها و فارس العرب يومئذ عمرو بن عبد ود يهدر كالبعير المغتلم يدعو إلى البراز و يرتجز و يخطر برمحه مرة و بسيفه مرة لا يقدم عليه مقدم و لا يطمع فيه طامع لا حمية تهيجه و لا بصيرة تشجعه فأنهضني إليه رسول الله ص و عممني بيده و أعطاني سيفه هذا و ضرب بيده إلى ذي الفقار فخرجت إليه و نساء أهل المدينة بواكي إشفاقا علي من ابن عبد ود فقتله الله عز و جل بيدي و العرب لا تعدلها فارسا غيره و ضربني هذه الضربة و أومأ بيده إلى هامته فهزم الله قريشا و العرب بذلك و بما كان مني فيهم من النكاية ثم التفت ع إلى أصحابه فقال أ ليس كذلك قالوا بلى يا أمير المؤمنين

 بيان رعد و برق و أرعد و أبرق إذا توعد و تهدد ذكره الجزري و هدر البعير يهدر هدرا و هديرا صوت في غير شقشقة و اغتلام البعير هيجانه من شهوة الضراب و يقال نكيت في العدو أنكي نكاية إذا أكثرت فيهم الجراح و القتل

 9-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ أبو عمرو عن ابن عقدة عن أحمد بن يحيى عن عبد الرحمن عن أبيه عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد عن أبي الزبير عن أبيه عن صفية بنت عبد المطلب أنها قالت كنا مع حسان بن ثابت في حصن فارع و النبي ص بالخندق فإذا يهودي يطوف بالحصن فخفنا أن يدل على عورتنا فقلت لحسان لو نزلت إلى هذا اليهودي فإني أخاف أن يدل على عورتنا قال يا بنت عبد المطلب لقد علمت ما أنا بصاحب هذا قالت فتحزمت ثم نزلت و أخذت عمودا و قتلته به ثم قلت لحسان اخرج فاسلبه قال لا حاجة لي في سلبه

 بيان في القاموس فارع حصن بالمدينة

 10-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ بالأسانيد الثلاثة عن الرضا عن آبائه عن علي ع قال كنا مع النبي ص في حفر الخندق إذ جاءته فاطمة و معها كسيرة من خبز فدفعتها إلى النبي ص فقال النبي ص ما هذه الكسيرة قالت قرصا خبزته للحسن و الحسين جئتك منه بهذه الكسيرة فقال النبي ص أما إنه أول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاث

  صح عنه ع مثله

 11-  ب، ]قرب الإسناد[ أبو البختري عن جعفر عن أبيه عن علي ع أنه قال الحرب خدعة إذا حدثتكم عن رسول الله ص حديثا فو الله لئن أخر من السماء أو يخطفني الطير أحب إلي من أن أكذب على رسول الله ص و إذا حدثتكم عني فإنما الحرب خدعة فإن رسول الله ص بلغه أن بني قريظة بعثوا إلى أبي سفيان أنكم إذا التقيتم أنتم و محمد أمددناكم و أعناكم فقام النبي ص فخطبنا فقال إن بني قريظة بعثوا إلينا أنا إذا التقينا نحن و أبو سفيان أمددونا و أعانونا فبلغ ذلك أبا سفيان فقال غدرت يهود فارتحل عنهم

 12-  ب، ]قرب الإسناد[ أبو البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه ع أن رسول الله ص بعث عليا ع يوم بني قريظة بالراية و كانت سوداء تدعى العقاب و كان لواؤه أبيض

 بيان الراية العلم الكبير و اللواء أصغر منها قال في المصباح لواء الجيش علمه و هو دون الراية

 13-  ب، ]قرب الإسناد[ عنه عن جعفر عن أبيه ع أنه قال عرضهم رسول الله ص يومئذ يعني بني قريظة على العانات فمن وجده أنبت قتله و من لم يجده أنبت ألحقه بالذراري

 14-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ ابن مخلد عن جعفر بن محمد بن نصير عن الحسين بن كميت عن المعلى بن مهدي عن أبي شهاب عن الحجاج بن أرطاة عن عبد الملك بن عمر عن عطية رجل من بني قريظة قال عرضنا على رسول الله ص فمن كانت له عانة قتله و من لم تكن له عانة تركه فلم تكن لي عانة فتركني

 15-  ك، ]إكمال الدين[ أبي عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير و البزنطي معا عن أبان بن عثمان عن أبان بن تغلب عن عكرمة عن ابن عباس قال لما دعا رسول الله ص بكعب بن أسد ليضرب عنقه فأخرج و ذلك في غزوة بني قريظة نظر إليه رسول الله ص فقال له يا كعب أ ما نفعك وصية ابن حواش الحبر المقبل من الشام فقال تركت الخمر و الحمير و جئت إلى البؤس و التمور لنبي يبعث هذا أوان خروجه يكون مخرجه بمكة و هذه دار هجرته و هو الضحوك القتال يجتزئ بالكسرة و التميرات و يركب الحمار العاري في عينيه حمرة و بين كتفيه خاتم النبوة يضع سيفه على عاتقه لا يبالي بمن لاقى يبلغ سلطانه منقطع الخف و الحافر قال كعب قد كان ذلك يا محمد و لو لا أن اليهود تعيرني أني جبنت عند القتل لآمنت بك و صدقتك و لكني على دين اليهودية عليه أحيا و عليه أموت فقال رسول الله ص قدموه فاضربوا عنقه فقدم و ضربت عنقه

 16-  يج، ]الخرائج و الجرائح[ روي أن عام الخندق أصاب أصحاب النبي ص مجاعة لما حاصرهم المشركون فدعا بكف من تمر و أمر بثوب فبسط و ألقى ذلك التمر عليه و أمر مناديا ينادي في الناس هلموا إلى الغداء فاجتمع أهل المدينة فأكلوا و صدروا و التمر تبض من أطراف الثوب

  بيان بض الماء سال قليلا قليلا

 17-  يج، ]الخرائج و الجرائح[ روي أن الحصار لما اشتد على المسلمين في حرب الخندق و رأى رسول الله ص منهم الضجر لما كان فيه من الضر صعد على مسجد الفتح فصلى ركعتين ثم قال اللهم إن تهلك هذه العصابة لم تعبد بعدها في الأرض فبعث الله ريحا قلعت خيم المشركين و بددت رواحلهم و أجهدتهم بالبرد و سفت الرمال و التراب عليهم و جاءته الملائكة فقالت يا رسول الله إن الله قد أمرنا بالطاعة لك فمرنا بما شئت قال زعزعي المشركين و أرعبيهم و كونوا من ورائهم ففعلت بهم ذلك و أنزل الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ يعني أحزاب المشركين فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ أي أحزاب العرب وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ يعني بني قريظة حين نقضوا عهد رسول الله ص و صاروا مع الأحزاب على المسلمين ثم رجع من مسجد الفتح إلى معسكره فصاح بحذيفة بن اليمان و كان قد ناداه ثلاثا فقال في الثالثة لبيك يا رسول الله قال تسمع صوتي و لا تجيبني فقال منعني شدة البرد فقال اعبر الخندق فاعرف خبر قريش و الأحزاب و ارجع و لا تحدث حدثا حتى ترجع إلي قال فقمت و أنا أنتفض من البرد فعبرت الخندق و كأني في الحمام فصرت إلى معسكرهم فلم أجد هناك إلا خيمة أبي سفيان و عنده جماعة من وجوه قريش و بين أيديهم نار تشتعل مرة و تخبو أخرى فانسللت فجلست بينهم فقال أبو سفيان إن كنا نقاتل أهل الأرض فنحن بالقدرة عليه و إن كنا نقاتل أهل السماء كما يقول محمد فلا طاقة لنا بأهل السماء انظروا بينكم لا يكون لمحمد عين بيننا فليسأل بعضكم بعضا قال حذيفة فبادرت إلى الذي عن يميني فقلت من أنت قال خالد بن الوليد و قلت للذي عن يساري من أنت قال فلان فلم يسألني أحد منهم ثم قال أبو سفيان لخالد إما أن تتقدم أنت فتجمع الناس ليلحق بعضهم بعضا فأكون على الساقة و إما أن أتقدم أنا و تكون على الساقة قال بل أتقدم أنا و تتأخر أنت فقاموا جميعا فتقدموا و تأخر أبو سفيان فخرج من الخيمة و اختفيت في ظلها فركب راحلته و هي معقولة من الدهش الذي كان به فنزل يحل العقال فأمكنني قتله فلما هممت بذلك تذكرت قول رسول الله ص لا تحدثن حدثا حتى ترجع إلي فكففت و رجعت إلى رسول الله ص و قد طلع الفجر فحمد الله ثم صلى بالناس الفجر و نادى مناديه لا يبرحن أحد مكانه إلى أن تطلع الشمس فما أصبح إلا و قد تفرق عنه الجماعة إلا نفرا يسيرا فلما طلعت الشمس انصرف رسول الله ص و من كان معه فلما دخل منزله أمر فنودي ألا لا يصلي أحد إلا في بني قريظة فسار المسلمون إليهم فوجدوا النخل محدقا بقصرهم و لم يكن للمسلمين معسكر ينزلون فيه و وافى رسول الله ص فقال ما لكم لا تنزلون فقالوا ما لنا مكان فنزل من اشتباك النخل فدخل في طريق بين النخل فأشار بيده يمنة فانضم النخل بعضه إلى بعض و أشار بيده يسرة فانضم النخل كذلك و اتسع لهم الموضع فنزلوا

 18-  يج، ]الخرائج و الجرائح[ روي عن الصادق ع أنه قال لما قتل علي ع عمرو بن عبد ود أعطى سيفه الحسن ع و قال قل لأمك تغسل هذا الصيقل فرده و علي ع عند النبي ص و في وسطه نقطة لم تنق قال أ ليس قد غسلته الزهراء قال نعم قال فما هذه النقطة قال النبي ص يا علي سل ذا الفقار يخبرك فهزه و قال أ ليس قد غسلتك الطاهرة من دم الرجس النجس فأنطق الله السيف فقال بلى و لكنك ما قتلت بي أبغض إلى الملائكة من عمرو بن عبد ود فأمرني ربي فشربت هذه النقطة من دمه و هو حظي منه فلا تنتضيني يوما إلا و رأته الملائكة و صلت عليك

 بيان نضا السيف و انتضاه سله

 19-  شا، ]الإرشاد[ كانت غزاة الأحزاب بعد بني النضير و ذلك أن جماعة من اليهود منهم سلام بن أبي الحقيق النضيري و حيي بن أخطب و كنانة بن الربيع و هوذة بن قيس الوالبي و أبو عمارة الوالبي في نفر من بني والبة خرجوا حتى قدموا مكة فصاروا إلى أبي سفيان صخر بن حرب لعلمهم بعداوته لرسول الله ص و تسرعه إلى قتاله فذكروا له ما نالهم منه و سألوه المعونة لهم على قتاله فقال لهم أبو سفيان أنا لكم حيث تحبون فاخرجوا إلى قريش فادعوهم إلى حربه و اضمنوا النصرة لهم و الثبوت معهم حتى تستأصلوه فطافوا على وجوه قريش و دعوهم إلى حرب النبي ص و قالوا لهم أيدينا مع أيديكم و نحن معكم حتى نستأصله فقالت لهم قريش يا معشر اليهود أنتم أهل الكتاب الأول و العلم السابق و قد عرفتم الدين الذي جاء به محمد و ما نحن عليه من الدين فديننا خير من دينه أم هو أولى بالحق منا فقالوا لهم بل دينكم خير من دينه فنشطت قريش لما دعوهم إليه من حرب رسول الله ص و جاءهم أبو سفيان فقال لهم قد مكنكم الله من عدوكم و هذه اليهود تقاتله معكم و لن تنفك عنكم حتى يؤتى على جميعها أو نستأصله و من اتبعه فقويت عزائمهم إذ ذاك في حرب النبي ص ثم خرج اليهود حتى جاءوا غطفان و قيس غيلان فدعوهم إلى حرب رسول الله ص و ضمنوا لهم النصرة و المعونة و أخبروهم باتباع قريش لهم على ذلك فاجتمعوا معهم و خرجت قريش و قائدها إذ ذاك أبو سفيان صخر بن حرب و خرجت غطفان و قائدها عيينة بن حصن في بني فزارة و الحارث بن عوف في بني مرة و وبرة بن طريف في قومه من أشجع و اجتمعت قريش معهم فلما سمع رسول الله ص اجتماع الأحزاب عليه و قوة عزيمتهم في حربه استشار أصحابه فأجمع رأيهم على المقام بالمدينة و حرب القوم إن جاءوا إليهم على أنقابها فأشار سلمان الفارسي رحمه الله على رسول الله ص بالخندق فأمر بحفره و عمل فيه بنفسه و عمل فيه المسلمون و أقبلت الأحزاب إلى رسول الله ص فهال المسلمين أمرهم و ارتاعوا من كثرتهم و جمعهم فنزلوا ناحية من الخندق و أقاموا بمكانهم بضعا و عشرين ليلة لم يكن بينهم حرب إلا الرمي بالنبل و الحصى فلما رأى رسول الله ص ضعف قلوب أكثر المسلمين من حصارهم لهم و وهنهم في حربهم بعث إلى عيينة بن حصن و الحارث بن عوف و هما قائدا غطفان يدعوهما إلى صلحه و الكف عنه و الرجوع بقومهما عن حربه على أن يعطيهما ثلث ثمار المدينة و استشار سعد بن عبادة فيما بعث به إلى عيينة و الحارث فقال يا رسول الله إن كان هذا الأمر لا بد لنا من العمل به لأن الله أمرك فيه بما صنعت و الوحي جاءك به فافعل ما بدا لك و إن كنت تختار أن تصنعه لنا كان لنا فيه رأي فقال ص لم يأتني وحي به و لكني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة و جاءوكم من كل جانب فأردت أن أكسرعنكم من شوكتهم إلى أمر ما فقال سعد بن معاذ قد كنا نحن و هؤلاء القوم على الشرك بالله و عبادة الأوثان لا نعرف الله و لا نعبده و نحن لا نطعمهم من ثمرنا إلا قرى أو بيعا و الآن حين أكرمنا الله بالإسلام و هدانا به و أعزنا بك نعطيهم أموالنا ما بنا إلى هذا من حاجة و الله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا و بينهم فقال رسول الله ص الآن قد عرفت ما عندكم فكونوا على ما أنتم عليه فإن الله تعالى لن يخذل نبيه و لن يسلمه حتى ينجز له ما وعده. ثم قام رسول الله ص في المسلمين يدعوهم إلى جهاد العدو و يشجعهم و

  يعدهم النصر من الله فانتدبت فوارس من قريش للبراز منهم عمرو بن عبد ود بن أبي قيس بن عامر بن لؤي بن غالب و عكرمة بن أبي جهل و هبيرة بن أبي وهب المخزوميان و ضرار بن الخطاب و مرداس الفهري فلبسوا للقتال ثم خرجوا على خيلهم حتى مروا بمنازل بني كنانة فقالوا تهيئوا يا بني كنانة للحرب ثم أقبلوا تعنق بهم خيلهم حتى وقفوا على الخندق فلما تأملوه قالوا و الله إن هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها ثم تيمموا مكانا من الخندق فيه ضيق فضربوا خيلهم فاقتحمته و جاءت بهم في السبخة بين الخندق و سلع و خرج أمير المؤمنين علي ع في نفر معه من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة التي اقتحموها فتقدم عمرو بن عبد ود الجماعة الذين خرجوا معه و قد أعلم ليرى مكانه فلما رأى المسلمين وقف هو و الخيل التي معه و قال هل من مبارز فبرز له أمير المؤمنين ع فقال له عمرو ارجع يا ابن الأخ فما أحب أن أقتلك فقال له أمير المؤمنين ع قد كنت يا عمرو عاهدت الله أن لا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خصلتين إلا اخترتها منه قال أجل فما ذاك قال إني أدعوك إلى الله و رسوله و الإسلام قال لا حاجة لي إلى ذلك قال فإني أدعوك إلى النزال فقال ارجع فقد كان بيني و بين أبيك خلة و ما أحب أن أقتلك فقال له أمير المؤمنين ع لكنني و الله أحب أن أقتلك ما دمت آبيا للحق فحمي عمرو عند ذلك و قال أ تقتلني و نزل عن فرسه فعقره و ضرب وجهه حتى نفر و أقبل على علي ع مصلتا بسيفه و بدره بالسيف فنشب سيفه في ترس علي ع فضربه أمير المؤمنين ضربة فقتله فلما رأى عكرمة بن أبي جهل و هبيرة بن أبي وهب و ضرار بن الخطاب عمرا صريعا ولوا بخيلهم منهزمين حتى اقتحموا الخندق لا يلوون إلى شي‏ء و انصرف أمير المؤمنين ع إلى مقامه الأول و قد كادت نفوس القوم الذين خرجوا معه إلى الخندق تطير جزعا و هو يقول

نصر الحجارة من سفاهة رأيه. و نصرت رب محمد بصواب.فضربته و تركته متجدلا. كالجذع بين دكادك و روابي.و عففت عن أثوابه و لو أنني. كنت المقطر بزني أثوابي.لا تحسبن الله خاذل دينه. و نبيه يا معشر الأحزاب.

 و قد روى محمد بن عمر الواقدي قال حدثني عبد الله بن جعفر عن أبي عون عن الزهري قال جاء عمرو بن عبد ود و عكرمة بن أبي جهل و هبيرة بن أبي وهب و نوفل بن عبد الله بن المغيرة و ضرار بن الخطاب في يوم الأحزاب إلى الخندق فجعلوا يطوفون به يطلبون مضيقا منه فيعبرون حتى انتهوا إلى مكان أكرهوا خيولهم فيه فعبرت و جعلوا يجيلون خيلهم فيما بين الخندق و سلع و المسلمون وقوف لا يقدم منهم أحد عليهم و جعل عمرو بن عبد ود يدعو إلى البراز و يعرض للمسلمين و يقول  

و لقد بححت من النداء. بجمعهم هل من مبارز.

 و في كل ذلك يقوم علي بن أبي طالب ع ليبارزه فيأمره رسول الله ص بالجلوس انتظارا منه ليتحرك غيره و المسلمون كان على رءوسهم الطير لمكان عمرو بن عبد ود و الخوف منه و ممن معه و وراءه فلما طال نداء عمرو بالبراز و تتابع قيام أمير المؤمنين ع قال له رسول الله ص ادن مني يا علي فدنا منه فنزع عمامته من رأسه و عممه بها و أعطاه سيفه و قال له امض لشأنك ثم قال اللهم أعنه فسعى نحو عمرو و معه جابر بن عبد الله الأنصاري رحمه الله لينظر ما يكون منه و من عمرو فلما انتهى أمير المؤمنين ع إليه قال له يا عمرو إنك كنت في الجاهلية تقول لا يدعوني أحد إلى ثلاث و اللات و العزى إلا قبلتها أو واحدة منها قال أجل قال فإني أدعوك إلى شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله و أن تسلم لرب العالمين قال يا ابن أخ أخر هذه عني فقال له أمير المؤمنين ع أما إنها خير لك لو أخذتها ثم قال فهاهنا أخرى قال و ما هي قال ترجع من حيث جئت قال لا تحدث نساء قريش بهذا أبدا قال فهاهنا أخرى قال و ما هي قال تنزل فتقاتلني فضحك عمرو و قال إن هذه الخصلة ما كنت أظن أن أحدا من العرب يرومني عليها إني لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك و قد كان أبوك لي نديما قال علي ع لكني أحب أن أقتلك فانزل إن شئت فأسف عمرو و نزل و ضرب وجه فرسه حتى رجع فقال جابر رحمه الله فثارت بينهما قترة فما رأيتهما فسمعت التكبير تحتها فعلمت أن عليا قد قتله فانكشف أصحابه حتى طفرت خيولهم الخندق و تبادروا أصحاب النبي ص حين سمعوا التكبير ينظرون ما صنع القوم فوجدوا نوفل بن عبد الله في جوف الخندق لم ينهض به فرسه فجعلوا يرمونه بالحجارة فقال لهم قتلة أجمل من هذه ينزل إلي بعضكم أقاتله فنزل إليه أمير المؤمنين ع فضربه حتى قتله و لحق هبيرة فأعجزه و ضرب قربوس سرجه و سقطت درع كانت عليه و فر عكرمة و هرب ضرار بن الخطاب فقال جابر فما شبهت قتل علي عمرا إلا بما قص الله من قصة داود و جالوت حيث يقول جل شأنه فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَ قَتَلَ داوُدُ جالُوتَ. و قد روى قيس بن الربيع قال حدثنا أبو هارون العبدي عن ربيعة السعدي قال أتيت حذيفة بن اليمان فقلت له يا أبا عبد الله إنا لنتحدث عن علي و مناقبه فيقول لنا أهل البصرة إنكم تفرطون في علي فهل أنت محدثي بحديث فيه فقال حذيفة يا ربيعة و ما تسألني عن علي فو الذي نفسي بيده لو وضع جميع أعمال أصحاب محمد في كفة الميزان منذ بعث الله محمدا إلى يوم القيامة و وضع عمل علي ع في الكفة الأخرى لرجح عمل علي ع على جميع أعمالهم فقال ربيعة هذا الذي لا يقام له و لا يقعد و لا يحمل فقال حذيفة يا لكع و كيف لا يحمل و أين كان أبو بكر و عمر و حذيفة و جميع أصحاب محمد ص يوم عمرو بن عبد ود و قد دعا إلى المبارزة فأحجم الناس كلهم ما خلا عليا ع فإنه برز إليه و قتله الله على يده و الذي نفس حذيفة بيده لعمله ذلك اليوم أعظم أجرا من عمل أصحاب محمد ص إلى يوم القيامة. و قد روى هشام بن محمد عن معروف بن خربوذ قال قال علي بن أبي طالب في يوم الخندق

أ علي تقتحم الفوارس هكذا. عني و عنها خبروا أصحابي.اليوم يمنعني الفرار حفيظتي. و مصمم في الرأس ليس بنابي.أرديت عمرا إذ طغى بمهند. صافي الحديد مجرب قضاب.فصددت حين تركته متجدلا. كالجذع بين دكادك و روابي.و عففت عن أثوابه و لو أنني. كنت المقطر بزني أثوابي.

 و روى يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال لما قتل علي بن أبي طالب ع عمرا أقبل نحو رسول الله ص و وجهه يتهلل فقال له عمر بن الخطاب هلا سلبت يا علي درعه فإنها ليس في العرب درع مثلها فقال أمير المؤمنين ع إني استحييت أن أكشف سوءة ابن عمي. و روى عمر بن الأزهر عن عمرو بن عبيد عن الحسن أن عليا ع لما قتل عمرو بن عبد ود اجتز رأسه و حمله فألقاه بين يدي النبي ص فقام أبو بكر و عمر فقبلا رأس علي ع. و روى علي بن الحكيم الأودي قال سمعت أبا بكر بن عياش يقول لقد ضرب علي ضربة ما كان في الإسلام أعز منها يعني ضربة عمرو بن عبد ود و لقد ضرب ع ضربة ما ضرب في الإسلام أشأم منها يعني ضربة ابن ملجم لعنه الله. و في الأحزاب أنزل الله تعالى إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَ تَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَ زُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً وَ إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً إلى قوله وَ كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَ كانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً. فتوجه العتب إليهم و التوبيخ و التقريع و لم ينج من ذلك أحد بالاتفاق إلا أمير المؤمنين ع إذ كان الفتح له و على يديه و كان قتله عمرا و نوفل بن عبد الله سبب هزيمة المشركين و قال رسول الله ص بعد قتله هؤلاء النفر الآن نغزوهم و لا يغزونا و قد روى يوسف بن كليب عن سفيان بن زيد عن قرة و غيره عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرأ و كفى الله المؤمنين القتال بعلي و كان الله قويا عزيزا. و في قتل عمرو بن عبد ود يقول حسان بن ثابت

أمسى الفتى عمرو بن عبد يبتغي. بجنوب يثرب غارة لم تنظر.و لقد وجدت سيوفنا مشهورة. و لقد وجدت جيادنا لم تقصر.و لقد رأيت غداة بدر عصبة. ضربوك ضربا غير ضرب المحسر.أصبحت لا تدعى ليوم عظيمة. يا عمرو أو لجسيم أمر منكر.

 و يقال أنه لما بلغ شعر حسان بن ثابت بني عامر أجابه فتى منهم فقال يرد عليه في افتخاره بالأنصار

كذبتم و بيت الله لا تقتلوننا. و لكن بسيف الهاشميين فافخروا.بسيف بن عبد الله أحمد في الوغى. بكف علي نلتم ذاك فاقصروا.و لم تقتلوا عمرو بن عبد ببأسكم. و لكنه الكفو الهزبر الغضنفر.علي الذي في الفخر طال بناؤه. و لا تكثروا الدعوى علينا فتحقروا.ببدر خرجتم للبراز فردكم. شيوخ قريش جهرة و تأخروا.فلما أتاهم حمزة و عبيدة. و جاء علي بالمهند يخطر.

 فقالوا نعم أكفاء صدق فأقبلوا. إليهم سراعا إذ بغوا و تجبروا.فجال علي جولة هاشمية. فدمرهم لما عتوا و تكبروا.فليس لكم فخر علينا بغيرنا. و ليس لكم فخر يعد و يذكر.

 و قد روى أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا سليمان بن أيوب عن أبي الحسن المدائني قال لما قتل علي بن أبي طالب ع عمرو بن عبد ود نعي إلى أخته فقالت من ذا الذي اجترأ عليه فقالوا ابن أبي طالب ع فقالت لم يعد موته على يد كفو كريم لا رقأت دمعتي إن هرقتها عليه قتل الأبطال و بارز الأقران و كانت منيته على يد كفو كريم من قومه ما سمعت بأفخر من هذا يا بني عامر. ثم أنشأت تقول

لو كان قاتل عمرو غير قاتله. لكنت أبكي عليه آخر الأبد.لكن قاتل عمرو لا يعاب به. من كان يدعى قديما بيضة البلد.

 و قالت أيضا في قتل أخيها و ذكر علي بن أبي طالب صلوات الله و سلامه عليه

أسدان في ضيق المكر تصاولا. و كلاهما كفو كريم باسل.

 فتخالسا مهج النفوس كلاهما. وسط المدار مخائل و مقاتل.و كلاهما حضر القراع حفيظة. لم يثنه عن ذاك شغل شاغل.فاذهب علي فما ظفرت بمثله. قول سديد ليس فيه تحامل.و الثأر عندي يا علي فليتني. أدركته و العقل مني كامل.ذلت قريش بعد مقتل فارس. فالذل مهلكها و خزي شامل.

 ثم قالت و الله لا ثأرت قريش بأخي ما حنت النيب. و لما انهزم الأحزاب و ولوا عن المسلمين الدبر عمل رسول الله على قصد بني قريظة و أنفذ أمير المؤمنين ع إليهم في ثلاثين من الخزرج و قال له انظر بني قريظة هل نزلوا حصونهم فلما شارف سورهم سمع منهم الهجر فرجع إلى النبي ص فأخبره فقال دعهم فإن الله سيمكن منهم إن الذي أمكنك من عمرو بن عبد ود لا يخذلك فقف حتى يجتمع الناس إليك و أبشر بنصر من عند الله فإن الله تعالى قد نصرني بالرعب من بين يدي مسيرة شهر قال علي ع فاجتمع الناس إلي و سرت حتى دنوت من سورهم فأشرفوا علي فلما رأوني صاح صائح منهم قد جاءكم قاتل عمرو و قال آخر قد أقبل إليكم قاتل عمرو و جعل بعضهم يصيح ببعض و يقولون ذلك و ألقى الله في قلوبهم الرعب و سمعت راجزا يرتجز

قتل علي عمرا. صاد علي صقرا.

 قصم علي ظهرا. أبرم علي أمرا.هتك علي سترا.

 فقلت الحمد لله الذي أظهر الإسلام و قمع الشرك و كان النبي ص قال لي حين توجهت إلى بني قريظة سر على بركة الله تعالى فإن الله قد وعدكم أرضهم و ديارهم فسرت متيقنا لنصر الله عز و جل حتى ركزت الراية في أصل الحصن فاستقبلوني في صياصيهم يسبون رسول الله ص فلما سمعت سبهم له كرهت أن يسمع رسول الله ص ذلك فعملت على الرجوع إليه فإذا به ص قد طلع و سمع سبهم له فناداهم يا إخوة القردة و الخنازير إنا إذا حللنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين فقالوا له يا أبا القاسم ما كنت جهولا و لا سبابا فاستحيا رسول الله ص و رجع القهقرى قليلا ثم أمر فضربت خيمته بإزاء حصونهم فأقام النبي ص حاصرا لبني قريظة خمسا و عشرين ليلة حتى سألوه النزول على حكم سعد بن معاذ فحكم فيهم سعد بقتل الرجال و سبي الذراري و النساء و قسمة الأموال فقال النبي ص يا سعد لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة و أمر النبي ص بإنزال الرجال منهم و كانوا تسعمائة رجل فجي‏ء بهم إلى المدينة و قسم الأموال و استرق الذراري و النسوان و لما جي‏ء بالأسارى إلى المدينة حبسوا في دار من دور بني النجار و خرج رسول الله ص إلى موضع السوق اليوم فخندق فيه خنادق و حضر أمير المؤمنين ع و معه المسلمون و أمر بهم أن يخرجوا و تقدم إلى أمير المؤمنين ع أن يضرب أعناقهم في الخندق فأخرجوا أرسالا و فيهم حيي بن أخطب و كعب بن أسد و هما إذ ذاك رئيسا القوم فقالوا لكعب بن أسد و هم يذهب بهم إلى رسول الله ص يا كعب ما تراه يصنع بنا فقال في كل موطن لا تعقلون أ لا ترون الداعي لا ينزع و من ذهب منكم لا يرجع هو و الله القتل و جي‏ء بحيي بن أخطب مجموعة يداه إلى عنقه فلما نظر إلى رسول الله ص قال أما و الله ما لمت نفسي على عداوتك و لكن من يخذل الله يخذل ثم أقبل على الناس فقال أيها الناس إنه لا بد من أمر الله كتاب و قدر و ملحمة كتبت على بني إسرائيل ثم أقيم بين يدي أمير المؤمنين ع و هو يقول قتلة شريفة بيد شريف فقال له أمير المؤمنين ع إن خيار الناس يقتلون شرارهم و شرارهم يقتلون خيارهم فالويل لمن قتله الأخيار الأشراف و السعادة لمن قتله الأرذال الكفار فقال صدقت لا تسلبني حلتي فقال هي أهون علي من ذاك فقال سترتني سترك الله و مد عنقه فضربها علي ع و لم يسلبه من بينهم ثم قال أمير المؤمنين ع لمن جاء به ما كان يقول حيي و هو يقاد إلى الموت قال كان يقول

لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه و لكنه من يخذل الله يخذل‏فجاهد حتى بلغ النفس جهدها. و حاول يبقى العز كل مقلقل.

 فقال أمير المؤمنين علي عليه الصلاة و السلام  

لقد كان ذا جد و جد بكفره. فقيد إلينا في المجامع يعتل.فقلدته بالسيف ضربة محفظ. فصار إلى قعر الجحيم يكبل.فذاك مآب الكافرين و من يطع. لأمر إله الخلق في الخلد ينزل.

 و اصطفى رسول الله ص من نسائهم بنت عمرة خناقة و قتل من نسائهم امرأة واحدة كانت أرسلت عليه حجرا و قد جاء باليهود يناظرهم قبل مباينتهم له فسلمه الله تعالى من ذلك الحجر و كان الظفر ببني قريظة و فتح الله على النبي ص بأمير المؤمنين ع و ما كان من قتله من قتل منهم و ما ألقاه الله عز و جل في قلوبهم من الرعب فيه و ماثلت هذه الفضيلة ما تقدمها من فضائله و شابهت هذه المنقبة ما سلف ذكره من مناقبه ع. بيان قوله إلا قرى أي ضيافة قوله تعنق بهم من باب الإفعال أي تسرع و العنق بالتحريك ضرب من سير الدابة و سلع جبيل بالمدينة قوله ع نصر الحجارة أقول في الديوان المنسوب إليه ع زيادة و تغيير

أ علي تقتحم الفوارس هكذا. عني و عنهم أخروا أصحابي.

 اليوم تمنعني الفرار حفيظتي. و مصمم في الهام ليس بنابي.آلى ابن عبد حين شد ألية. و حلفت فاستمعوا من الكذاب.أن لا يصد و لا يهلل فالتقى. رجلان يضطربان كل ضراب.فصددت حين رأيته متقطرا. كالجذع بين دكادك و روابي.و عففت عن أثوابه و لو أنني. كنت المقطر بزني أثوابي.عبد الحجارة من سفاهة رأيه. و عبدت رب محمد بصواب.عرف ابن عبد حين أبصر صارما. يهتز أن الأمر غير لعاب.أرديت عمرا إذ طغى بمهند. صافي الحديد مهذب قضاب.لا تحسبوا الرحمن خاذل دينه. و نبيه يا معشر الأحزاب.

 قوله ع أخروا أصحابي أي أخروا أنفسكم يا أصحابي و يحتمل أن يكون أصحابي مفعولا و الحفيظة الغضب و الحمية و صمم السيف أي مضى في العظم و قطعه و يقال نبا السيف إذا لم يعمل في الضريبة قوله آلى أي حلف و الإلية بكسر اللام و تشديد الياء اليمين و شد عليه أي حمل عليه قوله أن لا يصد أي لا يعرض عن الحرب و لا يرجع و لا يهلل أي لا يسلم و الاضطراب التضارب و قطره تقطيرا أي ألقاه على أحد جنبيه فتقطر و الدكادك جمع الدكداك و هو ما التبد من الرمل بالأرض و لم يرتفع و الرابية ما ارتفع من الأرض و يقال طعنه فجدله أي رماه بالأرض فانجدل أي سقط و بزه ثوبه أي سلبه و الصارم السيف القاطع و الاهتزاز التحرك قوله غير لعاب أي ملاعبة و المهند السيف المطبوع من حديد الهند و القضب القطع قوله كان على رءوسهم الطير أي لا يتحركون للخوف فإن الطير إنما يجلس على شي‏ء ساكن أو لأن من كان على رأسه طير يريد أن يصيده لا يتحرك و أسف عليه كعلم غضب و القترة بالتحريك الغبار و أحجم عن الأمر كف و تأخر و خطر الرجل بسيفه رفعه مرة و وضعه أخرى قولها لم يعد موته أي لم يتجاوز موته عن أن كان على يد كفو كريم و قولها لا رقأت دمعتي دعاء على نفسها على وجه الحلف أي لا سكنت دمعتي أبدا إن صببتها عليه بعد سماع هذا الخبر و بيضة البلد واحده الذي يجتمع إليه و يقبل قوله و التصاول التواثب و الباسل الشجاع قولها وسط المدار أي عليهما يدور أمر الحرب أو كل أمر و المخاتلة المخادعة و قال الجوهري الناب المسنة من النوق و الجمع النيب و في المثل لا أفعل ذلك ما حنت النيب و قال عتلت الرجل أعتله و أعتله إذا جذبته جذبا عنيفا

 20-  فر، ]تفسير فرات بن إبراهيم[ جعفر بن أحمد معنعنا عن محمد بن كعب قال لما رجع رسول الله ص من الأحزاب قال له جبرئيل عفا الله عنك وضعت السلاح ما زلت بمن معي من الملائكة نسوق المشركين حتى نزلنا بهم حمراء الأسد أخرج و قد أمرت بقتالهم و إني غاد بمن معي فنزلزل بهم حصونهم حتى تلحقونا فأعطى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع الراية و خرج في أثر جبرئيل ع و تخلف النبي ص ثم لحقهم فجعل كلما مر رسول الله ص بأحد فقال مر بكم الفارس فقالوا مر بنا دحية بن خليفة و كان جبرئيل يشبه به قال فخرج يومئذ على فرس وكف بقطيفة أرجوان أحمر فلما نزلت بهم جنود الله نادى مناديهم يا أبا لبابة بن عبد المنذر ما لك قال النبي ص هذا يدعون فأتهم و قل معروفا فلما اطلع عليهم انتحبوا في وجهه يبكون و قالوا يا أبا لبابة لا طاقة لنا اليوم بقتال من وراءك

 21-  محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان و أحمد بن إدريس عن محمد بن عبد الجبار جميعا عن صفوان بن يحيى عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أحدهما ع في قول الله عز و جل أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ الآية فقال نزلت في خوات بن جبير الأنصاري و كان مع النبي ص في الخندق و هو صائم فأمسى و هو على تلك الحال و كانوا قبل أن تنزل هذه الآية إذا نام أحدهم حرم عليه الطعام و الشراب فجاء خوات إلى أهله حين أمسى فقال هل عندكم طعام فقالوا لا تنم حتى نصلح لك طعاما فاتكأ فنام فقالوا له قد فعلت قال نعم فبات على تلك الحال فأصبح ثم غدا إلى الخندق فجعل يغشى عليه فمر به رسول الله ص فلما رأى الذي به أخبره كيف كان أمره فأنزل الله عز و جل فيه الآية وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ

 22-  كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن عبد الله بن هلال عن عقبة بن خالد عن أبي عبد الله ع قال تأتي مسجد الأحزاب فتصلي فيه و تدعو الله فيه فإن رسول الله ص دعا فيه يوم الأحزاب و قال يا صريخ المكروبين و يا مجيب المضطرين و يا مغيث المهمومين اكشف همي و كربي فقد ترى حالي و حال أصحابي

 23-  كا، ]الكافي[ علي عن أبيه عن البزنطي عن هشام بن سالم عن أبان بن عثمان عمن حدثه عن أبي عبد الله ع قال قام رسول الله ص على التل الذي عليه مسجد الفتح في غزوة الأحزاب في ليلة ظلماء قرة فقال من يذهب فيأتينا بخبرهم و له الجنة فلم يقم أحد ثم أعادها فلم يقم أحد فقال أبو عبد الله ع بيده و ما أراد القوم أرادوا أفضل من الجنة ثم قال من هذا فقال حذيفة فقال أ ما تسمع كلامي منذ الليلة و لا تكلم اقترب فقام حذيفة و هو يقول القر و الضر جعلني الله فداك منعني أن أجيبك فقال رسول الله ص انطلق حتى تسمع كلامهم و تأتيني بخبرهم فلما ذهب قال رسول الله ص اللهم احفظه من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله حتى ترده و قال له رسول الله ص يا حذيفة لا تحدث شيئا حتى تأتيني فأخذ سيفه و قوسه و حجفته قال حذيفة فخرجت و ما لي من ضر و لا قر فمررت على باب الخندق و قد اعتراه المؤمنون و الكفار فلما توجه حذيفة قام رسول الله ص و نادى يا صريخ المكروبين و يا مجيب المضطرين اكشف همي و غمي و كربي فقد ترى حالي و حال أصحابي فنزل عليه جبرئيل ع فقال يا رسول الله ص إن الله عز ذكره قد سمع مقالتك و دعاءك و قد أجابك و كفاك هول عدوك فجثا رسول الله ص على ركبتيه و بسط يديه و أرسل عينيه ثم قال شكرا شكرا كما رحمتني و رحمت أصحابي ثم قال رسول الله ص قد بعث الله عز و جل عليهم ريحا من سماء الدنيا فيها حصى و ريحا من السماء الرابعة فيها جندل قال حذيفة فخرجت فإذا أنا بنيران القوم و أقبل جند الله الأول ريح فيها حصى فما تركت لهم نارا إلا أذرتها و لا خباء إلا طرحته و لا رمحا إلا ألقته حتى جعلوا يتترسون من الحصى فجعلنا نسمع وقع الحصى في الأترسة فجلس حذيفة بين رجلين من المشركين فقام إبليس في صورة رجل مطاع في المشركين فقال أيها الناس إنكم قد نزلتم بساحة هذا الساحر الكذاب ألا و إنه لن يفوتكم من أمره شي‏ء فإنه ليس سنة مقام قد هلك الخف و الحافر فارجعوا فلينظر كل رجل منكم من جليسه قال حذيفة فنظرت عن يميني فضربت بيدي فقلت من أنت فقال معاوية فقلت للذي عن يساري من أنت فقال سهيل بن عمرو قال حذيفة و أقبل جند الله الأعظم فقام أبو سفيان إلى راحلته ثم صاح في قريش النجاء النجاء و قال طلحة الأزدي لقد رادكم محمد بشر ثم قام إلى راحلته و صاح في بني أشجع النجاء النجاء و فعل عيينة بن حصن مثلها ثم فعل الحارث بن عوف المزني مثلها ثم فعل الأقرع بن حابس مثلها و ذهب الأحزاب و رجع حذيفة إلى رسول الله ص فأخبره الخبر و قال أبو عبد الله ع إنه كان ليشبه بيوم القيامة

  بيان القر بالضم البرد و الضر بالضم سوء الحال و الجندل الحجارة و هي أكبر من الحصى قوله النجاء قال الجزري هو مصدر منصوب بفعل مضمر أي أنجو النجاء و تكراره للتأكيد و النجاء السرعة و نجا من الأرض خلص و أنجاه غيره و الرود الطلب

 24-  كا، ]الكافي[ العدة عن سهل عن البزنطي عن أبان بن عثمان عن بعض رجاله عن أبي عبد الله ع قال لما حفر رسول الله ص الخندق مروا بكدية فتناول رسول الله ص المعول من يد أمير المؤمنين ع أو من يد سلمان رضي الله عنه فضرب بها ضربة فتفرق بثلاث فرق فقال رسول الله ص لقد فتح علي في ضربتي هذه كنوز كسرى و قيصر فقال أحدهما لصاحبه يعدنا كنوز كسرى و قيصر و ما يقدر أحدنا يخرج يتخلى

 بيان الكدية بالضم الأرض الصلبة و الضمير في أحدهما راجع إلى أبي بكر و عمر. أقول قد مضى كثير من أخبار تلك الواقعة في أبواب المعجزات. و ذكر الطبرسي في إعلام الورى و ابن شهرآشوب في المناقب نحوا مما مر و قالا كان غزوة الخندق في شوال سنة خمس

  -25  و قال ابن شهرآشوب كان المشركون ثمانية عشر ألف رجل و المسلمون ثلاثة آلاف و كان المشركون على الخمر و الغناء و المدد و الشوكة و المسلمون كان على رءوسهم الطير لمكان عمرو و النبي ص جاث على ركبتيه باسط يديه باك عينيه ينادي بأشجى صوت يا صريخ المكروبين يا مجيب دعوة المضطرين اكشف همي و كربي فقد ترى حالي و دعا عليهم فقال اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب و كانت غزوة بني قريظة في ذي القعدة

 26-  و قال الطبرسي لما رجع رسول الله ص من غزوة الأحزاب و دخل المدينة ضربت له ابنته فاطمة غسولا فهي تغسل رأسه إذ أتاه جبرئيل على بغلة معتجرا بعمامة بيضاء عليه قطيفة من إستبرق معلق عليها الدر و الياقوت عليه الغبار فقام رسول الله ص فمسح الغبار عن وجهه فقال له جبرئيل رحمك ربك وضعت السلاح و لم يضعه أهل السماء ما زلت أتبعهم حتى بلغت الروحاء ثم قال جبرئيل ع انهض إلى إخوانهم من أهل الكتاب فو الله لأدقنهم دق البيضة على الصخرة فدعا رسول الله ص عليا فقال قدم راية المهاجرين إلى بني قريظة و قال عزمت عليكم أن لا تصلوا العصر إلا في بني قريظة فأقبل علي ع و معه المهاجرون و بنو عبد الأشهل و بنو النجار كلها لم يتخلف عنه منهم أحد و جعل النبي ص يسرب إليه الرجال فما صلى بعضهم العصر إلا بعد العشاء فأشرفوا عليه و سبوه و قالوا فعل الله بك و بابن عمك و هو واقف لا يجيبهم فلما أقبل رسول الله ص و المسلمون حوله تلقاه أمير المؤمنين ع و قال لا تأتهم يا رسول الله ص جعلني الله فداك فإن الله سيجزيهم فعرف رسول الله ص أنهم قد شتموه فقال أما إنهم لو رأوني ما قالوا شيئا مما سمعت و أقبل ثم قال يا إخوة القردة إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين يا عباد الطواغيت اخسئوا أخسأكم الله فصاحوا يمينا و شمالا يا أبا القاسم ما كنت فحاشا فما بدا لك قال الصادق ع فسقطت العنزة من يده و سقط رداؤه من خلفه و رجع يمشي إلى ورائه حياء مما قال لهم

 27-  أقول قال عبد الحميد بن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، فأما الجراحة التي جرحها يوم الخندق إلى عمرو بن عبد فإنها أجل من أن يقال جليلة و أعظم من أن يقال عظيمة و ما هي إلا كما قال شيخنا أبو الهذيل و قد سأله سائل أيما أعظم منزلة عند الله علي أم أبو بكر فقال يا ابن أخي و الله لمبارزة علي عمرا يوم الخندق تعدل أعمال المهاجرين و الأنصار و طاعاتهم كلها فضلا عن أبي بكر وحده و قد روي عن حذيفة بن اليمان ما يناسب هذا بل ما هو أبلغ منه ثم ذكر خبر حذيفة كما مر في رواية المفيد رحمه الله و ذكر أكثر الروايات التي رواها المفيد في هذا الباب و قال و جاء في الحديث المرفوع أن رسول الله ص قال ذلك اليوم حين برز إليه برز الإيمان كله إلى الشرك كله و في الحديث المرفوع أن رسول الله ص قال عند قتل عمرو ذهب ريحهم و لا يغزوننا بعد اليوم و نحن نغزوهم إن شاء الله ثم ساق القصة إلى أن قال فقال عمرو من أنت و كان شيخا كبيرا قد جاوز الثمانين و كان نديم أبي طالب في الجاهلية فانتسب علي ع له و قال أنا ابن أبي طالب فقال أجل لقد كان أبوك نديما لي و صديقا فارجع فإني لا أحب أن أقتلك و كان شيخنا أبو الخير مصدق بن شبيب النحوي يقول إذا مررنا في القراءة عليه بهذا الموضع و الله ما أمره بالرجوع إبقاء عليه بل خوفا منه فقد عرف قتلاه ببدر و أحد و علم أنه إن ناهضه قتله فاستحيا أن يظهر الفشل فأظهر الإبقاء و إنه لكاذب فيها ثم ساق القصة إلى أن قال لما قتل عمرو فر أصحابه ليعبروا الخندق فطفرت بهم خيلهم إلا نوفل بن عبد الله فإنه قصر فرسه فوقع في الخندق فنزل إليه علي ع فقتله و ناوش عمر بن الخطاب ضرار بن عمرو فحمل عليه ضرار حتى إذا وجد عمر مس الرمح رفعه عنه و قال إنها لنعمة مشكورة فاحفظها يا ابن الخطاب إني كنت آليت أن لا يمكنني يداي من قتل قرشي فأقتله و انصرف ضرار راجعا إلى أصحابه و قد كان جرى له معه مثل هذه في يوم أحد ذكرهما الواقدي في كتاب المغازي

 28-  أقول و قال الكازروني إن بني قريظة لما حوصروا بعثوا إلى رسول الله ص أن ابعث إلينا أبا لبابة عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوف و كانوا حلفاء الأوس نستشيره في أمورنا فأرسله ص إليهم فلما رأوه قام إليه الرجال و جهش إليه الصبيان و النساء يبكون في وجهه فرق لهم فقالوا يا با لبابة أ ترى أن ننزل على حكم محمد قال نعم و أشار بيده إلى حلقه أنه الذبح قال أبو لبابة فو الله ما زالت قدماي حتى عرفت أني قد خنت الله و رسوله ثم انطلق أبو لبابة على وجهه و لم يأت رسول الله ص حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده قال لا أبرح مكاني حتى يتوب الله علي مما صنعت و عاهد الله لا يطأ بني قريظة أبدا و لا يراني الله في بلد خنت الله و رسوله فيه أبدا فلما بلغ رسول الله ص خبره و أبطأ عليه قال أما إنه لو جاءني لاستغفرت له فأما إذا فعل ما فعل ما أنا بالذي أطلقه عن مكانه حتى يتوب الله عليه ثم إن الله أنزل توبة أبي لبابة على رسول الله ص و هو في بيت أم سلمة قالت أم سلمة فسمعت رسول الله ص يضحك فقلت مم تضحك يا رسول الله أضحك الله سنك قال تيب على أبي لبابة فقلت أ لا أبشره بذلك يا رسول الله قال بلى إن شئت قال فقامت على باب حجرتها و ذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب فقالت يا با لبابة أبشر فقد تاب الله عليك قال فثار الناس عليه ليطلقوه قال لا و الله حتى يكون رسول الله ص هو الذي يطلقني بيده فلما مر عليه رسول الله ص خارجا إلى الصبح أطلقه. قال ثم إن ثعلبة بن سعية و أسيد بن سعية و أسيد بن عبيد و هم نفر من بني هذيل ليسوا من بني قريظة و لا النضير نسبهم فوق ذلك هم بنو عم القوم أسلموا تلك الليلة التي نزلت فيها بنو قريظة على حكم رسول الله ص. و خرج في تلك الليلة عمرو بن سعدي القرظي فمر بحرس رسول الله ص و عليها محمد بن مسلمة الأنصاري تلك الليلة فلما رآه قال من هذا قال عمرو بن سعدي و كان عمرو قد أبى أن يدخل مع بني قريظة في غدرهم برسول الله ص و قال لا أغدر بمحمد أبدا فقال محمد بن مسلمة حين عرفه اللهم لا تحرمني عثرات الكرام ثم خلى سبيله فخرج على وجهه حتى بات في مسجد رسول الله ص بالمدينة تلك الليلة ثم ذهب فلا يدرى أين ذهب من أرض الله فذكر لرسول الله ص شأنه فقال ذاك رجل قد نجاه الله بوفائه و بعض الناس يزعم أنه كان قد أوثق برمته فيمن أوثق من بني قريظة حين نزلوا فأصبحت رمته ملقاة لا يدرى أين ذهب فقال رسول الله ص تلك المقالة. و روى محمد بن إسحاق عن الزهري أن الزبير بن باطا كان قد مر على ثابت

  بن قيس بن شماس في الجاهلية يوم بغاث فأخذه فجز ناصيته ثم خلى سبيله فجاء يوم قريظة و هو شيخ كبير فقال يا با عبد الرحمن هل تعرفني قال و هل يجهل مثلي مثلك قال إني أريد أن أجزيك بيدك عندي قال إن الكريم يجزي بجزاء الكريم قال ثم أتى ثابت رسول الله ص فقال يا رسول الله قد كان للزبير عندي يد و له علي منة و قد أحببت أن أجزيه بها فهب لي دمه فقال رسول الله ص هو لك فأتاه فقال له إن رسول الله قد وهب لي دمك فقال شيخ كبير لا أهل له و لا ولد فما يصنع بالحياة فأتى ثابت رسول الله ص فقال يا رسول الله أهله و ولده قال هم لك فأتاه فقال إن رسول الله ص أعطاني امرأتك و ولدك قال أهل بيت بالحجاز لا مال لهم فما بقاؤهم على ذلك فأتى ثابت رسول الله ص فقال ماله يا رسول الله ص قال هو لك فأتاه فقال إن رسول الله ص قد أعطاني مالك فهو لك وفاء فقال أي ثابت ما فعل الذي كان وجهه مرآة حسنة تتراءى فيه عذارى الحي كعب بن أسد قال قتل قال فما فعل سيد الحاضر و البادي حيي بن أخطب قال قتل قال فما فعل مقدمتنا إذا شددنا و حسامنا إذا كررنا غزال بن شمول قال قتل قال فإني أسألك بيدي عندك يا ثابت إلا ما ألحقتني بالقوم فو الله ما في العيش بعد هؤلاء من خير فما أنا بصابر حتى ألقى الأحبة فقدمه ثابت فضرب عنقه ثم قسم النبي ص أموال بني قريظة و نساءهم على المسلمين ثم بعث رسول الله ص سعد بن زيد الأنصاري بسبايا بني قريظة إلى نجد فابتاع له بهم خيلا و سلاحا. و كان رسول الله ص قد اصطفى لنفسه من نسائهم ريحانة بنت عمرو بن خناقة إحدى نساء بني عمرو بن قريظة فكانت عند رسول الله ص حتى توفي عنها و هي في ملكه و قد كان رسول الله ص يحرص عليها أن يتزوجها و يضرب عليها الحجاب فقالت يا رسول الله بل تتركني في ملكك فهو أخف علي و عليك فتركها و قد كانت حين سباها كرهت الإسلام و أبت إلا اليهودية فعزلها رسول الله ص و وجد في نفسه بذلك من أمرها فبينا هو مع أصحابه إذ سمع وقع نعلين خلفه فقال إن هذا لثعلبة بن سعية يبشرني بإسلام ريحانة فجاءه فقال يا رسول الله قد أسلمت ريحانة فبشر بذلك رسول الله ص. أقول سيأتي بعض أخبار غزوة الخندق في باب أحوال أولاد النبي ص

 29-  و في الديوان، في وصف الظفر في الخندق  

و كانوا على الإسلام إلبا ثلاثة فقد خر من تلك الثلاثة واحدو فر أبو عمرو هبيرة لم يعد و لكن أخو الحرب المجرب عائدنهتهم سيوف الهند أن يقفوا لنا غداة التقينا و الرماح مصائد

 بيان الضمير في كانوا راجع إلى بني قريظة و غطفان و قريش و ألبت الجيش جمعته و هم ألب بالفتح و الكسر إذا كانوا مجتمعين و الذي خر قريش إذ قتل منهم ابن عبد ود و نوفل بن عبد الله و غداة مضاف إلى الجملة. و منه في مثله قاله يوم الخندق رواه محمد بن إسحاق

الحمد لله الجميل المفضل. المسبغ المولى العطاء المجزل.شكرا على تمكينه لرسوله. بالنصر منه على الغواة الجهل.كم نعمة لا أستطيع بلوغها. جهدا و لو أعملت طاقة مقول.لله أصبح فضله متظاهرا. منه علي سألت أم لم أسأل.قد عاين الأحزاب من تأييده. جند النبي و ذي البيان المرسل.ما فيه موعظة لكل مفكر. إن كان ذا عقل و إن لم يعقل.

 بيان المقول بالكسر اللسان و اللام في لله للقسم و الجند مفعول التأييد و ما فيه مفعول عاين. و منه مخاطبا لعمرو بن عبد ود

يا عمرو قد لاقيت فارس بهمة. عند اللقاء معاود الإقدام.من آل هاشم من سناء باهر. و مهذبين متوجين كرام.يدعو إلى دين الإله و نصره. و إلى الهدى و شرائع الإسلام.

 بمهند عضب رقيق حده. ذي رونق يقري الفقار حسام.و محمد فينا كأن جبينه. شمس تجلت من خلال غمام.و الله ناصر دينه و نبيه. و معين كل موحد مقدام.شهدت قريش و القبائل كلها. أن ليس فيها من يقوم مقامي.

 بيان قال الجوهري البهمة بالضم الفارس الذي لا يدرى من أين يؤتى من شدة بأسه و يقال أيضا للجيش بهمة و منه قولهم فلان فارس بهمة و ليث غابة و معاود الإقدام أي معاود فيه و يقال الشجاع معاود