باب 6- الهجرة و مباديها و مبيت علي ع على فراش النبي ص و ما جرى بعد ذلك إلى دخول المدينة

 الآيات النساء إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ ساءَتْ مَصِيراً إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَ لا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَ كانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً وَ مَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَ سَعَةً وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً الأنفال وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ و قال تعالى وَ ما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَ هُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ ما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ و قال تعالى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ الَّذِينَ آوَوْا وَ نَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَ إِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَ فَسادٌ كَبِيرٌ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ الَّذِينَ آوَوْا وَ نَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى  بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ التوبة إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَ أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَ جَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَ اللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ النحل 41-  وَ الَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ لَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الَّذِينَ صَبَرُوا وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ و قال تعالى مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَ لكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ إلى قوله تعالى ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَ صَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ الحج وَ الَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَ إِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَ إِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ العنكبوت يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ إلى قوله تعالى وَ كَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُها وَ إِيَّاكُمْ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ محمد وَ كَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ المزمل وَ اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَ اهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا. تفسير قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ قال الطبرسي رحمه الله قال أبو حمزة الثمالي بلغنا أن المشركين يوم بدر لم يخلفوا إذ خرجوا أحدا إلا صبيا أو شيخا كبيرا أو مريضا فخرج معهم ناس ممن تكلم بالإسلام فلما التقى المشركون و

   رسول الله ص نظر الذين كانوا قد تكلموا بالإسلام إلى قلة المسلمين فارتابوا فأصيبوا فيمن أصيب من المشركين فنزلت فيهم الآية و هو المروي عن ابن عباس و السدي و قتادة و قيل إنهم قيس بن الفاكهة بن المغيرة و الحارث بن زمعة بن الأسود و قيس بن الوليد بن المغيرة و أبو العاص بن المنبه بن الحجاج و علي بن أمية بن خلف عن عكرمة و رواه أبو الجارود عن أبي جعفر ع قال ابن عباس كنت أنا من المستضعفين و كنت غلاما صغيرا و ذكر عنه أيضا أنه قال كان أبي من المستضعفين من الرجال و كانت أمي من المستضعفات من النساء و كنت أنا من المستضعفين من الولدان تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ أي تقبض أرواحهم فِيمَ كُنْتُمْ أي في أي شي‏ء كنتم من دينكم على وجه التقرير أو التوبيخ مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ أي يستضعفنا أهل الشرك بالله في أرضنا و بلادنا يمنعوننا من الإيمان قالُوا أي الملائكة فَتُهاجِرُوا فِيها أي فتخرجوا من أرضكم و تفارقوا من يمنعكم من الإيمان إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ أي الذين استضعفهم المشركون و يعجزون عن الهجرة لإعسارهم و قلة حيلتهم وَ لا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا في الخلاص من مكة مُراغَماً كَثِيراً وَ سَعَةً أي متحولا من الأرض و سعة في الرزق و قيل مزحزحا عما يكره و سعة من الضلالة إلى الهدى و قيل مهاجرا فسيحا و متسعا مما كان فيه من الضيق وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ قيل لما نزلت آيات الهجرة سمعها رجل من المسلمين و هو جندع أو جندب بن ضمرة و كان بمكة فقال و الله ما أنا ممن استثنى الله إني لأجد قوة و إني لعالم بالطريق و كان مريضا شديد المرض فقال لبنيه و الله لا أبيت بمكة حتى أخرج منها فإني أخاف أن أموت فيها فخرجوا يحملونه على سرير حتى إذا بلغ التنعيم مات فنزلت الآية عن أبي حمزة الثمالي و عن قتادة و عن سعيد بن جبير و قال عكرمة و خرج جماعة من مكة مهاجرين فلحقهم المشركون و فتنوهم عن دينهم فافتتنوا فأنزل الله فيهم وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ فكتب بها المسلمون إليهم ثم نزلت فيهم   ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَ صَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ مهاجرا من أرض الشرك فارا بدينه إلى الله و رسوله ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ قبل بلوغه دار الهجرة فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ أي ثواب عمله و جزاء هجرته على الله

 و روى الحسن عن النبي ص أنه قال من فر بدينه من أرض إلى أرض و إن كان شبرا من الأرض استوجب الجنة و كان رفيق إبراهيم و محمد صلى الله عليهما و آلهما

و قال رحمه الله في قوله تعالى وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ قال المفسرون إنها نزلت في قصة دار الندوة و ذلك أن نفرا من قريش اجتمعوا فيها و هي دار قصي بن كلاب و تآمروا في أمر النبي ص فقال عروة بن هشام نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ و قال أبو البختري أخرجوه عنكم تستريحوا من أذاه و قال أبو جهل ما هذا برأي و لكن اقتلوه بأن يجتمع عليه من كل بطن رجل فيضربوه بأسيافهم ضربة رجل واحد فترضى حينئذ بنو هاشم بالدية فصوب إبليس هذا الرأي و كان قد جاءهم في صورة شيخ كبير من أهل نجد و خطأ الأولين فاتفقوا على هذا الرأي و أعدوا الرجال و السلاح و جاء جبرئيل فأخبر رسول الله ص فخرج إلى الغار و أمر عليا ع فبات على فراشه فلما أصبحوا و فتشوا عن الفراش وجدوا عليا و قد رد الله مكرهم و قالوا أين محمد قال لا أدري فاقتصوا أثره و أرسلوا في طلبه فلما بلغوا الجبل و مروا بالغار رأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا لو كان هاهنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه فمكث فيه ثلاثة أيام ثم قدم المدينة الَّذِينَ كَفَرُوا و هم مشركو العرب و منهم عتبة و شيبة ابنا ربيعة و النضر بن حارث و أبو جهل بن هشام و أبو البختري بن هشام و زمعة بن الأسود و حكيم بن حزام و أمية بن خلف و غيرهم لِيُثْبِتُوكَ أي ليقيدوك فيثبتوك في الوثاق أو في الحبس و يسجنوك في بيت و قيل ليثخنوك بالجراحة و الضرب عن أبان بن  تغلب و غيره أَوْ يُخْرِجُوكَ أي من مكة إلى طرف من أطراف الأرض و قيل أو يخرجوك على بعير و يطردونه حتى يذهب في وجهه قال و لما هموا بقتل رسول الله ص و أخرجوه من مكة أنزل الله سبحانه وَ ما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ الآية فعذبهم الله بالسيف يوم بدر وَ ما كانُوا أَوْلِياءَهُ أي ما كان المشركون أولياء المسجد الحرام و إن سعوا في عمارته و ما أولياء المسجد الحرام إلا المتقون عن الحسن و هو المروي عن أبي جعفر ع و قيل ما كانوا أولياء الله إن أولياء الله إلا المتقون و قال رحمه الله في قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا قيل نزلت في الميراث و كانوا يتوارثون بالهجرة و جعل الله الميراث للمهاجرين و الأنصار دون ذوي الأرحام و كان الذي آمن و لم يهاجر لم يرث من أجل أنه لم يهاجر و لم ينصر و كانوا يعملون بذلك حتى نزل وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ فنسخت هذا و صار الميراث لذوي الأرحام المؤمنين عن ابن عباس و الحسن و قتادة و مجاهد و السدي وَ الَّذِينَ آوَوْا أي النبي ص و المهاجرين بالمدينة و هم الأنصار أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ في النصرة أو التوارث و قيل في نفوذ أمان بعضهم على بعض و عن أبي جعفر ع أنهم كانوا يتوارثون بالمؤاخاة الأولى وَ إِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِأي إن طلب المؤمنون الذين لم يهاجروا منكم النصرة لهم على الكفار و إعانتهم في الدين فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ و المعونة لهم في

   الدين إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أي إلا أن يطلبوا منكم النصرة على قوم من المشركين بينكم و بينهم أمان و عهد يجب الوفاء به فلا تنصروهم عليهم لما فيه من نقض العهد وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ أي أنصار بعض أو أولى ببعض في الميراث إِلَّا تَفْعَلُوهُ أي ما أمرتم به في الآية الأولى و الثانية تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَ فَسادٌ كَبِيرٌ على المؤمنين الذين لم يهاجروا و الفتنة المحنة بالميل إلى الضلال و الفساد الكبير ضعف الإيمان. و قال في قوله تعالى إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ أي إن لم تنصروا النبي ص على قتال العدو فقد فعل الله به النصر إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا من مكة فخرج يريد المدينة ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ يعني أنه كان هو و أبو بكر في الغار ليس معهما ثالث و أراد به هنا غار ثور و هو جبل بمكة إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ أي إذ يقول الرسول ص لأبي بكر لا تَحْزَنْ أي لا تخف إِنَّ اللَّهَ مَعَنا يريد أنه مطلع علينا عالم بحالنا فهو يحفظنا و ينصرنا قال الزهري لما دخل رسول الله ص و أبو بكر الغار أرسل الله زوجا من الحمام حتى باضا في أسفل الثقب و العنكبوت حتى نسج بيتا فلما جاء سراقة بن مالك في طلبهما فرأى بيض الحمام و بيت العنكبوت قال لو دخله أحد لانكسر البيض و تفسخ بيت العنكبوت فانصرف و قال النبي ص اللهم أعم أبصارهم فعميت أبصارهم عن دخوله و جعلوا يضربون يمينا و شمالا حول الغار و قال أبو بكر لو نظروا إلى أقدامهم لرأونا و نزل رجل من قريش فبال على باب الغار فقال أبو بكر قد أبصرونا يا رسول الله فقال رسول الله ص لو أبصرونا ما استقبلونا بعوراتهم   فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ يعني على محمد ص أي ألقى في قلبه ما سكن به وَ أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها أي بملائكة يضربون وجوه الكفار و أبصارهم عن أن يروه و قيل قواه بالملائكة يدعون الله تعالى له و قيل أعانه بالملائكة يوم بدر و قال بعضهم يجوز أن يكون الهاء في عليه راجعة إلى أبي بكر و هذا بعيد لأن الضمائر قبل هذا و بعده تعود إلى النبي ص بلا خلاف فكيف يتخللها ضمير عائد إلى غيره هذا و قد قال سبحانه في هذه السورة ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ و قال في سورة الفتح كذلك فتخصيص النبي في هذه الآية بالسكينة يدل على عدم إيمان من معه وَ جَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى المراد بكلمتهم وعيدهم النبي ص و تخويفهم له أو كلمة الشرك و كلمة الله وعده بالنصر أو كلمة التوحيد. و قال في قوله تعالى وَ الَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ نزلت في المعذبين بمكة مثل صهيب و بلال و عمار و خباب و غيرهم مكنهم الله في المدينة و ذكر أن

   صهيبا قال لأهل مكة أنا رجل كبير إن كنت معكم لم أنفعكم و إن كنت عليكم لم أضرركم فخذوا مالي و دعوني فأعطاهم ماله و هاجر إلى رسول الله ص فقال له أبو بكر ربح البيع يا صهيب لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً أي بلدة حسنة و هي المدينة أو حالة حسنة و هي النصر على الأعداء. و قال في قوله تعالى إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ نزل في جماعة أكرهوا و هم عمار و ياسر أبوه و أمه سمية و صهيب و بلال و خباب عذبوا و قتل أبو عمار و أمه فأعطاهم عمار بلسانه مما أرادوا منه ثم أخبر بذلك رسول الله ص فقال قوم كفر عمار فقال ص كلا إن عمارا ملي‏ء إيمانا من قرنه إلى قدمه و اختلط الإيمان بلحمه و دمه و جاء عمار إلى رسول الله ص و هو يبكي فقال ص ما وراك قال شر يا رسول الله ما تركت حتى نلت منك و ذكرت آلهتهم بخير فجعل رسول الله ص يمسح عينيه و يقول إن عادوا لك فعد لهم بما قلت فنزلت الآية عن ابن عباس و قتادة و قيل نزلت في ناس من أهل مكة آمنوا و خرجوا يريدون المدينة فأدركهم قريش و فتنوهم فتكلموا بكلمة الكفر كارهين عن مجاهد و قيل إن ياسر و سمية أبوا عمار أول شهيدين في الإسلام و قوله مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ و مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً هو عبد الله بن سعيد بن أبي سرح من بني عامر بن لوي و أما قوله ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا الآية قيل إنها نزلت في عباس بن أبي ربيعة أخي أبي جهل من الرضاعة و أبي جندل بن سهيل بن عمرو  و الوليد بن المغيرة و غيرهم من أهل مكة فتنهم المشركون فأعطوهم بعض ما أرادوا ثم إنهم هاجروا بعد ذلك و جاهدوا فنزلت الآية فيهم وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ أي ساكن بِالْإِيمانِ ثابت عليه فلا حرج عليه في ذلك وَ لكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً أي من اتسع قلبه للكفر و طابت نفسه به مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا أي عذبوا في الله و ارتدوا على الكفر فأعطوهم بعض ما أرادوا ليسلموا من شرهم ثُمَّ جاهَدُوا مع النبي ص وَ صَبَرُوا على الدين و الجهاد إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها أي من بعد تلك الفتنة أو الفعلة التي فعلوها من التفوه بكلمة الكفر. و قال في قوله تعالى يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا قيل إنها نزلت في المستضعفين من المؤمنين بمكة أمروا بالهجرة عنها و نزل قوله وَ كَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ في جماعة كانوا بمكة يؤذيهم المشركون فأمروا بالهجرة إلى المدينة فقالوا كيف نخرج إليها و ليس لنا بها دار و لا عقار من يطعمنا و من يسقينا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فاهربوا من أرض يمنعكم أهلها من الإيمان و الإخلاص في عبادتي. و قال أبو عبد الله ع معناه إذا عصي الله في أرض أنت فيها فاخرج منها إلى غيرها وَ كَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ أي و كم من دابة لا يكون رزقها مدخرا معدا و قيل معناه لا تطيق حمل رزقها لضعفها و تأكل بأفواهها. و في قوله تعالى مِنْ قَرْيَتِكَ يعني مكة الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أي أخرجك أهلها و المعنى كم من رجال هم أشد من أهل مكة أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ يدفع عنهم إهلاكنا إياهم فما الذي يؤمن هؤلاء أن أفعل بهم مثل ذلك. قوله تعالى وَ اهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا ذهب المفسرون إلى أن المراد مجانبتهم و مداراتهم و عدم مكافأتهم و لا يبعد أن يكون المراد الهجرة من مكة إلى المدينة

   -1  فس، ]تفسير القمي[ وَ ما كانُوا أَوْلِياءَهُ يعني قريشا ما كانوا أولياء مكة إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ أنت و أصحابك يا محمد فعذبهم الله بالسيف يوم بدر فقتلوا

 2-  فس، ]تفسير القمي[ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا إلى قوله أَوْلِياءُ بَعْضٍ فإن الحكم كان في أول النبوة أن المواريث كانت على الأخوة لا على الولادة فلما هاجر رسول الله ص إلى المدينة آخى بين المهاجرين و المهاجرين و بين الأنصار و الأنصار و آخى بين المهاجرين و الأنصار فكان إذا مات الرجل يرثه أخوه في الدين و يأخذ المال و كان ما ترك له دون ورثته فلما كان بعد بدر أنزل الله النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً فنسخت آية الأخوة بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ قوله وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يُهاجِرُوا الآية فإنها نزلت في الأعراب و ذلك أن رسول الله ص صالحهم على أن يدعهم في ديارهم و لا يهاجروا إلى المدينة و على أنه إن أرادهم رسول الله ص غزا بهم و لم يكن لهم في الغنيمة شي‏ء و أوجبوا على النبي ص أنه إن أرادهم الأعراب من غيرهم أو دهاهم دهم من عدوهم أن ينصرهم إلا على قوم بينهم و بين الرسول ص عهد و ميثاق إلى مدة وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يعني يوالي بعضهم بعضا ثم قال إِلَّا تَفْعَلُوهُ يعني إن لم تفعلوه فوضع حرف مكان حرف تَكُنْ فِتْنَةٌ أي كفر فِي الْأَرْضِ وَ فَسادٌ كَبِيرٌ ثم قال وَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ قال نسخت قوله وَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ

   -3  فس، ]تفسير القمي[ وَ الَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ أي هاجروا و تركوا الكفار في الله لَنُبَوِّئَنَّهُمْ أي لنثبتنهم

 4-  فس، ]تفسير القمي[ في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ يقول لا تطيعوا أهل الفسق من الملوك فإن خفتموهم أن يفتنوكم عن دينكم فإن أرضي واسعة

 5-  فس، ]تفسير القمي[ وَ كَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ الآية قال إن الذين أهلكناهم من الأمم السالفة كانوا أشد قوة من قريتك يعني أهل مكة الذين أخرجوك منها فلم يكن لهم ناصر

 6-  أقول قال في المنتقى كانت الهجرة سنة أربع عشرة من المبعث و هي سنة أربع و ثلاثين من ملك كسرى پرويز سنة تسع لهرقل و أول هذه السنة المحرم و كان رسول الله ص مقيما بمكة لم يخرج منها و قد كان جماعة خرجوا في ذي الحجة و قال محمد بن كعب القرظي اجتمع قريش على بابه و قالوا إن محمدا يزعم أنكم إن بايعتموه كنتم ملوك العرب و العجم ثم بعثتم بعد موتكم فجعل لكم جنان كجنان الأرض و إن لم تفعلوا كان لكم منه الذبح ثم بعثتم بعد موتكم فجعلت لكم نار تحرقون بها فخرج رسول الله ص فأخذ حفنة من تراب ثم قال نعم أنا أقول ذلك فنثر التراب على رؤسهم و هو يقرأ يس إلى قوله   وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ فلم يبق منهم رجل وضع على رأسه التراب إلا قتل يوم بدر ثم انصرف إلى حيث أراد فأتاهم آت لم يكن معهم فقال ما تنتظرون هاهنا قالوا محمدا قال قد و الله خرج محمد عليكم ثم ما ترك منكم رجلا إلا و قد وضع على رأسه التراب و انطلق لحاجته فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه التراب ثم جعلوا يطلعون فيرون عليا على الفراش متشحا ببرد رسول الله ص فيقولون إن هذا لمحمد نائم عليه برده فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا فقام علي من الفراش فقالوا و الله لقد صدقنا الذي كان حدثنا به. و روى الواقدي عن أشياخه أن الذين كانوا ينتظرون رسول الله ص تلك الليلة من المشركين أبو جهل و الحكم بن أبي العاص و عقبة بن أبي معيط و النضر بن الحارث و أمية بن خلف و ابن الغيطلة و زمعة بن الأسود و طعمة بن عدي و أبو لهب و أبي بن خلف و نبيه و منبه ابنا الحجاج فلما أصبحوا قام علي ع من الفراش فسألوه عن رسول الله ص فقال لا علم لي به. و روي أنهم ضربوا عليا و حبسوه ساعة ثم تركوه. و أورد الغزالي في كتاب إحياء العلوم أن ليلة بات علي بن أبي طالب ع على فراش رسول الله ص أوحى الله تعالى إلى جبرئيل و ميكائيل أني آخيت بينكما و جعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر فأيكما يؤثر صاحبه بحياته فاختار كل منهما الحياة و أحباها فأوحى الله تعالى إليهما أ فلا كنتما مثل علي بن أبي طالب ع آخيت بينه و بين محمد فبات على فراشه يفديه بنفسه و يؤثره بالحياة اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه فكان جبرئيل عند رأسه و ميكائيل عند رجليه و جبرئيل ع ينادي بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي الله بك الملائكة فأنزل الله عز و جل وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ  وَ اللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ

. أقول و ساق حديث الغار إلى أن قال كان رسول الله ص حين أتى الغار دعا بشجرة فأتته فأمرها أن تكون على باب الغار و بعث الله حمامتين فكانتا على فم الغار و نسج العنكبوت على فم الغار ثم أقبل فتيان قريش و كان أبو جهل قد أمر مناديا ينادي بأعلى مكة و أسفلها من جاء بمحمد أو دل عليه فله مائة بعير أو جاء بابن أبي قحافة أو دل عليه فله مائة بعير فلما رأوا الحمامتين و نسج العنكبوت على فم الغار انصرفوا فدعا النبي ص للحمام و فرض جزاءهن و انحدرن في الحرم و نهى عن قتل العنكبوت و قال هي جند من جنود الله. و روي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أن النبي ص كان لا يتطير و كان يتفأل و كانت قريش جعلت مائة من الإبل فيمن يأخذ نبي الله ص فيرده عليهم حين توجه إلى المدينة فركب بريدة في سبعين راكبا من أهل بيته من بني سهم فتلقى نبي الله ص فقال نبي الله ص من أنت قال أنا بريدة فالتفت إلى أبي بكر فقال يا أبا بكر برد أمرنا و صلح ثم قال و ممن أنت قال من أسلم قال ص سلمنا قال ممن قال من بني سهم قال خرج سهمك فقال بريدة للنبي ص من أنت فقال أنا محمد بن عبد الله رسول الله فقال بريدة أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا عبده و رسوله فأسلم بريدة و أسلم من كان معه جميعا فلما أصبح قال بريدة للنبي ص لا تدخل المدينة إلا و معك لواء فحل عمامته ثم شدها في رمح ثم مشى بين يديه فقال يا نبي الله تنزل علي فقال له النبي ص إن ناقتي هذه مأمورة قال بريدة الحمد لله أسلمت بنو سهم طائعين غير مكرهين  بيان قال في الفائق برد أمرنا أي سهل من العيش البارد و هو الناعم السهل و قيل ثبت من برد لي عليه حق خرج سهمك أي ظفرت و أصله أن يجيلوا السهام على شي‏ء فمن خرج سهمه حازه. ثم قال في المنتقى و روي بالإسناد المتصل عن خرام بن هشام بن جيش عن أبيه عن جده صاحب رسول الله ص أن النبي ص لما خرج مهاجرا من مكة خرج هو و أبو بكر و مولى أبي بكر عامر بن فهيرة و دليلهم عبد الله بن الأريقط فمروا على خيمة أم معبد الخزاعية و كانت برزة جلدة تحتبي بفناء الخيمة ثم تسقي و تطعم فسألوها تمرا و لحما يشترون فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك فإذا القوم مرملون مسنتون فقالت و الله لو كان عندنا شي‏ء ما أعوزناكم القرى فنظر رسول الله ص إلى شاة في كسر الخيمة فقال ما هذه الشاة يا أم معبد فقالت شاة خلفها الجهد من الغنم قال هل بها من لبن قالت هي أجهد من ذلك قال أ تأذنين أن أحلبها قالت نعم بأبي أنت و أمي إن رأيت بها حلبا فاحلبها فدعا بها رسول الله ص فمسح بيده ضرعها و سمى الله عز و جل و دعا لها في شاتها فتفاجت عليه و درت و اجترت و دعا بإناء يربض الرهط فحلب فيه ثجا حتى علاه البهاء ثم سقاها حتى رويت و سقى أصحابه حتى رووا ثم شرب رسول الله ص آخرهم ثم أراضوا ثم حلب ثانيا بعد بدء حتى امتلأ الإناء ثم غادره عندها ثم بايعها و ارتحلوا فقل ما لبثت حتى جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا عجافا يتساوكن هزالا مخاخهن قليل فلما رأى أبو معبد اللبن عجب و قال من أين لك هذا اللبن يا أم معبد و الشاة عازب حيال و لا حلوبة بالبيت قالت لا و الله إلا أنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا و كذا قال صفيه لي يا أم معبد قالت رأيت رجلا ظاهر الوضاءة

   أبلج الوجه حسن الخلق لم تعبه ثجلة و في رواية نحلة و لم يزريه صقلة وسيم قسيم في عينيه دعج و في أشفاره غطفة و في صوته صهل و في عنقه سطع و في لحيته كثافة أزج أقرن إن صمت فعليه الوقار و إن تكلم سما به و علاه البهاء أكمل الناس و أبهاه من بعيد و أحسنه و علاه من قريب حلو المنطق فصل لا نزر و لا هذر كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن ربعة لا يأس من طول و لا تقتحمه العين من قصر غصن بين غصنين فهو أنضر الثلاثة منظرا و أحسنهم قدرا له رفقاء يحفون به إن قال نصتوا لقوله و إن أمر تبادروا إلى أمره محفود محشود لا عابس و لا مفند. قال أبو معبد هذا و الله صاحب قريش الذي ذكروا لنا من أمره ما ذكر بمكة و لقد هممت أن أصحبه و لأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا فأصبح صوت بمكة عاليا يسمعون الصوت و لا يدرون من صاحبه أبياتا منها.

فيا لقصي ما زوى الله عنكم. به من فعال لا يجازى و سودد.

  ليهن بني كعب مقام فتاتهم. و مقعدها للمؤمنين بمرصد.سلوا أختكم عن شاتها و إنائها. فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد.دعاها بشاة حائل فتحلبت. عليه صريحا ضرة الشاة مزبد.فغادرها رهنا لديها لحالب. يرددها في مصدر ثم مورد.

 فأصبح القوم قد فقدوا نبيهم و أخذوا على خيمتي أم معبد فلما سمع بذلك حسان بن ثابت نشب يجاوب الهاتف

لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم. و قدس من يسري إليهم و يقتدي.ترحل عن قوم فزالت عقولهم. و حل على قوم بنور مجدد.هداهم به بعد الضلالة ربهم. و أرشدهم من يتبع الحق يرشد.نبي يرى ما لا يرى الناس حوله. و يتلو كتاب الله في كل مشهد.ليهن بني كعب مقام فتاتهم. و مقعدها للمؤمنين بمرصد.

  بيان قوله برزة أي كبيرة السن تبرز للناس و لا تستر منهم و في النهاية يقال امرأة برزة إذا كانت كهلة لا تحتجب احتجاب الشواب و مع ذلك عفيفة عاقلة تجلس للناس و تحدثهم من البروز و هو الظهور و الخروج جلدة أي عاقلة و الاحتباء نوع للجلوس معروف و المرملون الذين فنيت أزوادهم و أصله من الرمل كأنهم لصقوا بالرمل كما قيل للفقير الترب و المسنتون الذين لم يصب أرضهم مطر فلم تنبت شيئا و التاء التي في آخره بدل من حروف العلة الملقاة و صارت كالأصلية فيه و كسر الخيمة بكسر الكاف و فتحها الشقة السفلى من الخباء ترفع وقتا و ترخى وقتا و قيل هي في مقدم الخيمة و قيل في مؤخرها و قيل لكل بيت كسران عن يمين و شمال خلفها الجهد بالفتح أي المشقة و الهزال و التفاج المبالغة في التفريج ما بين الرجلين درت أرسلت اللبن و اجترت من الجرة و هي ما يخرجها البهيمة من كرشها تمضغها و إنما يفعل ذلك الممتلئ علفا فصارت هذه الشاة كذلك مع ما بها من قلة الاعتلاف يربض أي يروي الرهط حتى يربضوا أي يقعوا على الأرض للنوم و الاستراحة يحكي سعة الإناء و عظمه و الثج السيلان أي لبنا سائلا كثيرا و البهاء و بيض رغوة اللبن ثم أراضوا و في بعض الروايات حتى أراضوا أي شربوا عللا بعد نهل حتى رووا من أراض الوادي إذا استنقع فيه الماء و قيل أراضوا أي ناموا على الأرض و هو البساط و قيل حتى صبوا اللبن على الأرض قوله ثم بايعها أي أعطاها ثمن اللبن أو اشترى منها شيئا آخر و يحتمل البيعة أيضا عازب أي بعيدة المرعى لا تأوي إلى المنزل  في الليل غادره أي تركه يتساوكن هزالا أي يتمايلن من الضعف و في بعض رواياتهم تساوك هزالا و في بعضها ما تساوك يقال تساوكت الإبل إذا اضطربت أعناقها من الهزال و يقال أيضا جاءت الإبل ما تساوك هزالا أي ما تحرك رءوسها و المخاخ جمع مخ مثل كم و كمام و إنما لم يقل قليلة لأنه أراد أن مخاخهن شي‏ء قليل قال عبيد الله بن حر الجعفي.

إلى الله نشكو ما نرى من جيادنا. تساوك هزلى مخهن قليل.

 و قلة المخ و رقته تدل على الهزال حيال أي لم تحمل و الوضاءة الحسن أبلج الوجه مشرقه و ليس المراد بلج الحاجب و هو نقارة بين الحاجبين لأنها وصفه بالأقرن نحلة من رواه بالنون و الحاء قال من نحل جسمه نحولا و من رواه بالثاء و الجيم قال هو من قولهم رجل أثجل أي عظيم البطن و لم يزريه صقلة أي لم يصر سببا لحقارته و نحوله و قيل أرادت أنه لم يكن منتفخ الخاصرة جدا و لا ناحلا جدا و يروى بالسين بالإبدال من الصاد و يروى بالصاد و العين و هي صغر الرأس و الوسامة و القسامة الحسن و الغطف بالغين المعجمة طول الأشفار و انعطافها و روي بالعين و هو التثني و قيل أي طول كأنه طال و انعطف و في رواية وطف و هو الطول أيضا صهل أي حدة و صلابة من صهيل الخيل و في رواية صحل بالحاء و هو كالبحة في الصوت و السطع طول العنق و سما به أي علا به و ارتفع أي بكلامه على من حوله و قيل علا برأسه أو بيده فصل أي بين ظاهر يفصل بين الحق و الباطل و النزر القليل و الهذر من الكلام ما لا فائدة فيه قوله لا يأس أي لا يؤيس من طوله لأنه كان إلى الطول أقرب منه إلى القصر و روي لا يائس قيل معناه لا ميئوس من أجل طوله فاعل بمعنى مفعول أي لا ييأس مباريه من مطاولته و روي لا باين من طول أي لا يجاوز الناس طولا لا تقتحمه أي لا تحقره أنضر الثلاثة من النضرة و هي الحسن و النعمة محفود أي مخدوم محشود أي تجتمع الناس حواليه و لا مفند أي لا ينسب إلى الجهل و روي و لا معتد أي  ظالم و اللام في قوله يا لقصي للتعجب نحو يا للماء قوله ما زوى الله عنكم أي ما قبضه منكم و منعه عنكم قوله ليهن أصلها الهناء و طرح الهمزة منه تخفيف و تمهيد لوزن الشعر و الصريح اللبن الخالص الذي لم يمزج و الضرة الضرع و قيل لحمه و المزبد الذي علاه الزبد و هو معنى قوله حتى علاه البهاء و هو صفة الصريح و إعرابه بخلاف إعرابه و قيل إنه جر على الجوار قوله فغادرها رهنا أي ترك الشاة لتكون معجزة له عند من أراد حلبها و تصديقا لحكاية أم معبد عنه و المرصد موضع الرصد و هم القوم الذين يرصدون الطرق قوله نشب بالنون أي أخذ في الشعر و علق فيه و يروى شبب أي ابتدأ في جوابه من تشبيب الكتب و هو الابتداء بها و الأخذ فيها و ليس من تشبيب النساء في الشعر

 7-  ل، ]الخصال[ قال أمير المؤمنين ع في جواب اليهودي الذي سأل عما فيه من علامات الأوصياء فقل فيما قال و أما الثانية يا أخا اليهود فإن قريشا لم تزل تخيل الآراء و تعمل الحيل في قتل النبي ص حتى كان آخر ما اجتمعت في ذلك يوم الدار دار الندوة و إبليس الملعون حاضر في صورة أعور ثقيف فلم تزل تضرب أمرها ظهرا لبطن حتى اجتمعت آراؤها على أن ينتدب من كل فخذ من قريش رجل ثم يأخذ كل رجل منهم سيفه ثم يأتي النبي ص و هو نائم على فراشه فيضربوه جميعا بأسيافهم ضربة رجل واحد فيقتلوه فإذا قتلوه منعت قريش رجالها و لم تسلمها فيمضي دمه هدرا فهبط جبرئيل ع على النبي ص فأنبأه بذلك و أخبره بالليلة التي يجتمعون فيها و الساعة التي يأتون فراشه فيها و أمره بالخروج في الوقت الذي خرج فيه إلى الغار فأخبرني رسول الله ص بالخبر و أمرني أن أضطجع في مضجعه و أقيه بنفسي فأسرعت إلى ذلك مطيعا له مسرورا لنفسي بأن أقتل دونه فمضى ص لوجهه و اضطجعت في مضجعه و أقبلت رجالات قريش موقنة في أنفسها أن تقتل النبي ص فلما استوى بي و بهم البيت الذي أنا فيه ناهضتهم بسيفي فدفعتهم عن نفسي بما قد علمه الله و الناس ثم أقبل على أصحابه  فقال أ ليس كذلك قالوا بلى يا أمير المؤمنين

 8-  عم، ]إعلام الورى[ ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ فس، ]تفسير القمي[ وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ فإنها نزلت بمكة قبل الهجرة و كان سبب نزولها أنه لما أظهر رسول الله ص الدعوة بمكة قدمت عليه الأوس و الخزرج فقال لهم رسول الله ص تمنعوني و تكونون لي جارا حتى أتلو عليكم كتاب ربي و ثوابكم على الله الجنة فقالوا نعم خذ لربك و لنفسك ما شئت فقال لهم موعدكم العقبة في الليلة الوسطى من ليالي التشريق فحجوا و رجعوا إلى منى و كان فيهم ممن قد حج بشر كثير فلما كان اليوم الثاني من أيام التشريق قال لهم رسول الله ص إذا كان الليل فاحضروا دار عبد المطلب على العقبة و لا تنبهوا نائما و لينسل واحد فواحد فجاء سبعون رجلا من الأوس و الخزرج فدخلوا الدار فقال لهم رسول الله ص تمنعوني و تجيروني حتى أتلو عليكم كتاب ربي و ثوابكم على الله الجنة فقال أسعد بن زرارة و البراء بن معرور و عبد الله بن حزام نعم يا رسول الله اشترط لربك و لنفسك ما شئت فقال أما ما أشترط لربي فأن تعبدوه و لا تشركوا به شيئا و أشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون أنفسكم و تمنعون أهلي مما تمنعون أهاليكم و أولادكم فقالوا فما لنا على ذلك فقال الجنة في الآخرة و تملكون العرب و تدين لكم العجم في الدنيا و تكونون ملوكا في الجنة فقالوا قد رضينا فقال أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبا يكونون شهداء عليكم بذلك كما أخذ موسى ع من بني إسرائيل اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً فأشار إليهم جبرئيل فقال هذا نقيب و هذا نقيب تسعة من الخزرج و ثلاثة من الأوس فمن الخزرج أسعد بن زرارة و البراء بن معرور و عبد الله بن حزام أبو جابر بن عبد الله و رافع بن  مالك و سعد بن عبادة و المنذر بن عمر و عبد الله بن رواحة و سعد بن الربيع و عبادة بن الصامت و من الأوس أبو الهيثم بن التيهان و هو من اليمن و أسيد بن حضير و سعد بن خيثمة فلما اجتمعوا و بايعوا لرسول الله صاح إبليس يا معشر قريش و العرب هذا محمد و الصباة من أهل يثرب على جمرة العقبة يبايعونه على حربكم فأسمع أهل منى و هاجت قريش فأقبلوا بالسلاح و سمع رسول الله ص النداء فقال للأنصار تفرقوا فقالوا يا رسول الله إن أمرتنا أن نميل عليهم بأسيافنا فعلنا فقال رسول الله ص لم أؤمر بذلك و لم يأذن الله لي في محاربتهم قالوا فتخرج معنا قال أنتظر أمر الله فجاءت قريش على بكرة أبيها قد أخذوا السلاح و خرج حمزة و أمير المؤمنين ع و معهما السيف فوقفا على العقبة فلما نظرت قريش إليهما قالوا ما هذا الذي اجتمعتم له فقال حمزة ما اجتمعنا و ما هاهنا أحد و الله لا يجوز هذه العقبة أحد إلا ضربته بسيفي فرجعوا إلى مكة و قالوا لا نأمن أن يفسد أمرنا و يدخل واحد من مشايخ قريش في دين محمد فاجتمعوا في دار الندوة و كان لا يدخل دار الندوة إلا من أتى عليه أربعون سنة فدخلوا أربعين رجلا من مشايخ قريش و جاء إبليس في صورة شيخ كبير فقال له البواب من أنت قال أنا شيخ من أهل نجد لا يعدمكم مني رأي صائب إني حيث بلغني اجتماعكم في أمر هذا الرجل فجئت لأشير عليكم فقال ادخل فدخل إبليس فلما أخذوا مجلسهم قال أبو جهل يا معشر قريش إنه لم يكن أحد من العرب أعز منا نحن أهل الله تفد إلينا العرب في السنة

  مرتين و يكرموننا و نحن في حرم الله لا يطمع فينا طامع فلم نزل كذلك حتى نشأ فينا محمد بن عبد الله فكنا نسميه الأمين لصلاحه و سكونه و صدق لهجته حتى إذا بلغ ما بلغ و أكرمناه ادعى أنه رسول الله و أن أخبار السماء تأتيه فسفه أحلامنا و سب آلهتنا و أفسد شباننا و فرق جماعتنا و زعم أنه من مات من أسلافنا ففي النار فلم يرد علينا شي‏ء أعظم من هذا و قد رأيت فيه رأيا قالوا و ما رأيت قال رأيت أن ندس إليه رجلا منا ليقتله فإن طلبت بنو هشام بدمه أعطيناهم عشر ديات فقال الخبيث هذا رأي خبيث قالوا و كيف ذاك قال لأن قاتل محمد مقتول لا محالة فمن هذا الذي يبذل نفسه للقتل منكم فإنه إذا قتل محمد تعصب بنو هاشم و حلفاؤهم من خزاعة و إن بني هاشم لا ترضى أن يمشي قاتل محمد على وجه الأرض فيقع بينكم الحروب في حرمكم و تتفانوا فقال آخر منهم فعندي رأى آخر قال و ما هو قال نلقيه في بيت و نلقي إليه قوته حتى يأتيه ريب المنون فيموت كما مات زهير و النابغة و إمرؤ القيس فقال إبليس هذا أخبث من الآخر قال و كيف ذاك قال لأن بني هاشم لا ترضى بذلك فإذا جاء موسم من مواسم العرب استغاثوا بهم و اجتمعوا عليكم فأخرجوه قال آخر منهم لا و لكنا نخرجه من بلادنا و نتفرغ نحن لعبادة آلهتنا فقال إبليس هذا أخبث من الرأيين المتقدمين قالوا و كيف قال لأنكم تعمدون إلى أصبح الناس وجها و أنطق الناس لسانا و أفصحهم لهجة فتحملوه إلى بوادي العرب فيخدعهم و يسحرهم بلسانه فلا يفجؤكم إلا و قد ملأها عليكم خيلا و رجلا فبقوا حائرين ثم قالوا لإبليس فما الرأي فيه يا شيخ قال ما فيه إلا رأي واحد  قالوا و ما هي قال يجتمع من كل بطن من بطون قريش و قبائل العرب ما أمكن و يكون معهم من بني هاشم رجل فيأخذون سكينة أو حديدة أو سيفا فيدخلون عليه فيضربونه كلهم ضربة واحدة حتى يتفرق دمه في قريش كلها فلا يستطيع بنو هاشم أن يطلبوا بدمه و قد شاركوه فيه فإن سألوكم أن تعطوهم الدية فأعطوهم ثلاث ديات فقالوا نعم و عشر ديات ثم قال الرأي رأي الشيخ النجدي فاجتمعوا فيه و دخل معهم في ذلك أبو لهب عم النبي ص و نزل جبرئيل على رسول الله ص و أخبره أن قريشا قد اجتمعت في دار الندوة يدبرون عليك و أنزل الله عليه في ذلك وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ و اجتمعت قريش أن يدخلوا عليه ليلا فيقتلوه و خرجوا إلى المسجد يصفرون و يصفقون و يطوفون بالبيت فأنزل الله وَ ما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَ تَصْدِيَةً

 فالمكاء التصفير و التصدية صفق اليدين و هذه الآية معطوفة على قوله وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا و قد كتبت بعد آيات كثيرة

فلما أمسى رسول الله ص جاءت قريش ليدخلوا عليه فقال أبو لهب لا أدعكم أن تدخلوا عليه بالليل فإن في الدار صبيانا و نساء و لا نأمن أن تقع يد خاطئة فنحرسه الليلة فإذا أصبحنا دخلنا عليه فناموا حول حجرة رسول الله ص و أمر رسول الله ص أن يفرش له ففرش له فقال لعلي بن أبي طالب ع افدني بنفسك قال نعم يا رسول الله قال نم على فراشي و التحف ببردتي فنام على فراش رسول الله ص و التحف ببردته و جاء جبرئيل فأخذ بيد رسول الله فأخرجه على قريش و هم نيام و هو يقرأ عليهم وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ  فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ و قال جبرئيل خذ على طريق ثور و هو جبل على طريق منى له سنام كسنام الثور فدخل الغار و كان من أمره ما كان فلما أصبحت قريش وثبوا إلى الحجرة و قصدوا الفراش فوثب علي ع في وجوههم فقال ما شأنكم قالوا له أين محمد قال أ جعلتموني عليه رقيبا أ لستم قلتم نخرجه من بلادنا فقد خرج عنكم فأقبلوا على أبي لهب يضربونه و يقولون أنت تخدعنا منذ الليلة فتفرقوا في الجبال و كان فيهم رجل من خزاعة يقال له أبو كرز يقف الآثار فقالوا يا أبا كرز اليوم اليوم فوقف بهم على باب حجرة رسول الله ص فقال هذه قدم محمد و الله لأنها لأخت القدم التي في المقام و كان أبو بكر استقبل رسول الله ص فرده معه فقال أبو كرز و هذه قدم أبي قحافة أو ابنه ثم قال و هاهنا غير ابن أبي قحافة فما زال بهم حتى أوقفهم على باب الغار ثم قال ما جازوا هذا المكان إما أن يكونوا صعدوا إلى السماء أو دخلوا تحت الأرض و بعث الله العنكبوت فنسجت على باب الغار و جاء فارس من الملائكة حتى وقف على باب الغار ثم قال ما في الغار أحد فتفرقوا في الشعاب و صرفهم الله عن رسول الله ص ثم أذن لنبيه في الهجرة

 بيان قال الجزري فيه جاءت هوازن على بكرة أبيها هذه كلمة مثل للعرب  يريدون بها الكثرة و توفر العدد و أنهم جاءوا جميعا لم يتخلف منهم أحد و ليس هناك بكرة في الحقيقة و هي التي يستقى عليها الماء فاستعيرت في هذا الموضع و قال الجوهري الندوة و النادي مجلس القوم و متحدثهم و منه سميت دار الندوة بمكة التي بناها قصي لأنهم كانوا يندون فيها أي يجتمعون فيها للمشاورة انتهى و الدس الإخفاء و الدسيس من تدسه ليأتيك بالأخبار قوله و هاهنا غير ابن أبي قحافة لعله استفهام إنكاري أي ليس هاهنا أحد يشبه قدمه هذا القدم إلا ابن أبي قحافة و في بعض النسخ عبر بالعين المهملة و الباء الموحدة كما في عم و هو أصوب أي أشار إلى موضع عبوره أو مبدإ لحوقه و على الأول يحتمل أن لا يكون استفهاما إنكاريا بل يكون إشارة إلى موضع قدم شخص آخر تبعهما إلى الغار ثم رجع كما سيأتي

 9-  شي، ]تفسير العياشي[ عن زرارة و حمران و محمد بن مسلم عن أحدهما ع أن قريشا اجتمعت فخرج من كل بطن أناس ثم انطلقوا إلى دار الندوة ليتشاوروا فيما يصنعون برسول الله ص فإذا هم بشيخ قائم على الباب و إذا ذهبوا إليه ليدخلوا قال أدخلوني معكم قالوا و من أنت يا شيخ قال أنا شيخ من مضر و لي رأي أشير به عليكم فدخلوا و جلسوا و تشاوروا و هو جالس و أجمعوا أمرهم على أن يخرجوه فقال ليس هذا لكم برأي إن أخرجتموه أجلب عليكم الناس فقاتلوكم قالوا صدقت ما هذا برأي ثم تشاوروا فأجمعوا أمرهم على أن يوثقوه قال هذا ليس بالرأي إن فعلتم هذا و محمد رجل حلو اللسان أفسد عليكم أبناءكم و خدمكم و ما ينفعكم أحدكم إذا فارقه أخوه و ابنه أو امرأته ثم تشاوروا فأجمعوا أمرهم على أن  يقتلوه يخرجون من كل بطن منهم بشاهر فيضربونه بأسيافهم جميعا عند الكتفين ثم قرأ الآية وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ إلى آخر الآية

 10-  فس، ]تفسير القمي[ أبي عن بعض رجاله رفعه إلى أبي عبد الله ع قال لما كان رسول الله ص في الغار قال لأبي بكر كأني أنظر إلى سفينة جعفر في أصحابه يعوم في البحر و أنظر إلى الأنصار محتبين في أفنيتهم فقال أبو بكر و تراهم يا رسول الله قال نعم قال فأرنيهم فمسح على عينيه فرآهم فقال في نفسه الآن صدقت أنك ساحر فقال له رسول الله ص أنت الصديق

 11-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ جماعة عن أبي المفضل عن أحمد بن سفيان بن العباس عن أحمد بن عبيد بن ناصح عن محمد بن عمر بن واقد الأسلمي عن إبراهيم بن  إسماعيل عن داود بن حصين عن أبي غطفان عن ابن عباس قال اجتمع المشركون في دار الندوة ليتشاوروا في أمر رسول الله و أتى جبرئيل رسول الله فأخبره الخبر و أمره أن لا ينام في مضجعه تلك الليلة فلما أراد رسول الله ص المبيت أمر عليا ع أن يبيت في مضجعه تلك الليلة فبات علي ع و تغشى ببرد أخضر حضرمي كان لرسول الله ص ينام فيه و جعل السيف إلى جنبه فلما اجتمع أولئك النفر من قريش يطيفون و يرصدونه يريدون قتله فخرج رسول الله ص و هم جلوس على الباب خمسة و عشرون رجلا فأخذ حفنة من البطحاء ثم جعل يذرها على رءوسهم و هو يقرأ يس وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ حتى بلغ فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ فقال قائل ما تنتظرون قالوا محمدا قال خبتم و خزيتم قد و الله مر بكم فما منكم رجل إلا و قد جعل على رأسه ترابا قالوا و الله ما أبصرناه قال فأنزل الله عز و جل وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ

 12-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ جماعة عن أبي الفضل عن محمد بن أحمد بن يحيى بن صفوان عن محفوظ بن بحر عن الهيثم بن جميل عن قيس بن الربيع عن حكيم بن جبير عن علي بن الحسين ع في قوله عز و جل وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ  مَرْضاتِ اللَّهِ قال نزلت في علي ع حين بات على فراش رسول الله ص

 13-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ جماعة عن أبي المفضل عن محمد بن العباس النحوي عن الخليل بن أسد عن سعيد بن أوس قال كان أبو عمرو بن العلاء إذا قرأ وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ قال كرم الله عليا ع فيه نزلت هذه الآية

 14-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ جماعة عن أبي المفضل عن محمد بن محمد بن سليمان عن محمد بن الصباح عن محمد بن كثير عن عوف الأعرابي من أهل البصرة عن الحسن بن أبي الحسن عن أنس بن مالك قال لما توجه رسول الله ص إلى الغار و معه أبو بكر أمر النبي ص عليا أن ينام على فراشه و يتغشى ببردته فبات علي ع موطنا نفسه على القتل و جاءت رجال قريش من بطونها يريدون قتل رسول الله ص فلما أرادوا أن يضعوا عليه أسيافهم لا يشكون أنه محمد فقالوا أيقظوه ليجد ألم القتل و يرى السيوف تأخذه فلما أيقظوه فرأوه عليا تركوه و تفرقوا في طلب رسول الله ص فأنزل الله عز و جل وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَ اللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ

 15-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ جماعة عن أبي المفضل عن محمد بن الحسين بن حفص عن محمد  بن عبيد عن أبي يحيى التيمي عن عبد الله بن جندب عن أبي ثابت عن أبيه عن مجاهد قال فخرت عائشة بأبيها و مكانه مع رسول الله ص في الغار فقال عبد الله بن شداد بن الهاد و أين أنت من علي بن أبي طالب حيث نام في مكانه و هو يرى أنه يقتل فسكتت و لم تحر جوابا

 أقول سيأتي في باب أحوال إبليس عن جابر الأنصاري عن النبي ص أنه قال تمثل إبليس لعنه الله في أربع صور إلى أن قال تصور يوم اجتماع قريش في دار الندوة في صورة شيخ من أهل نجد فأشار عليهم في النبي ص بما أشار فأنزل الله تعالى وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا الآية

 16-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ أبو عمرو عن ابن عقدة عن الحسين بن عبد الرحمن الأزدي عن أبيه عن عبد النور بن عبد الله بن المغيرة القرشي عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن ابن عباس قال بات علي ع ليلة خرج رسول الله ص إلى المشركين على فراشه ليعمي على قريش و فيه نزلت هذه وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ

 17-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ جماعة عن أبي المفضل عن عبيد الله بن الحسين عن إبراهيم العلوي عن محمد بن علي بن حمزة العلوي عن أبيه عن الحسين بن زيد عن  عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده عن جعدة بن هبيرة عن أمه أم هانئ بنت أبي طالب ع قالت لما أمر الله تعالى نبيه ص بالهجرة و أنام عليا ع على فراشه و سجاه ببرد حضرمي ثم خرج فإذا وجوه قريش على بابه فأخذ حفنة من تراب فذرها على رءوسهم فلم يشعر به أحد منهم و دخل على بيتي فلما أصبح أقبل علي و قال أبشري يا أم هانئ فهذا جبرئيل يخبرني أن الله عز و جل قد أنجى عليا ع من عدوه قالت و خرج رسول الله ص مع جناح الصبح إلى غار ثور فكان فيه ثلاثا حتى سكن عنه الطلب ثم أرسل إلى علي ع و أمره بأمره و أداء الأمانة

 بيان لعل المراد بجناح الصبح أوله شبه أول امتداد ظهوره بالجناح المبسوط و في القاموس جنوح الليل إقباله و الجناح اليد و العضد و الجانب و نفس الشي‏ء و من الدر نظم يعرض أو كل ما جعلته في نظام و الكنف و الناحية و الطائفة من الشي‏ء انتهى و ربما يناسب بعض تلك المعاني مع تكلف

18-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال حدثنا أبو العباس أحمد بن عبيد الله بن عمار الثقفي سنة إحدى و عشرين و ثلاثمائة قال حدثنا علي بن محمد بن سليمان النوفلي سنة خمسين و مائتين قال حدثني الحسن بن حمزة أبو محمد النوفلي قال حدثني أبي و خالي يعقوب بن الفضل بن عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب عن يزيد بن سعيد الهاشمي قال حدثنيه أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر رضي الله عنه بين القبر و الروضة عن أبيه و  عبيد الله بن أبي رافع جميعا عن عمار بن ياسر رضي الله عنه و أبي رافع مولى النبي ص قال أبو عبيدة و حدثنيه سنان بن أبي سنان الدؤلي و كان ممن ولد على عهد النبي ص فأخبرني سنان بن أبي سنان أن هند بن أبي هند بن أبي هالة الأسيدي حدثه عن أبيه هند بن أبي هالة ربيب رسول الله ص و أمه خديجة رضي الله عنها زوج النبي و أخته لأمه فاطمة صلوات الله عليها قال أبو عبيدة و كان هؤلاء الثلاثة هند بن أبي هالة و أبو رافع و عمار بن ياسر جميعا يحدثون عن هجرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع إلى رسول الله ص بالمدينة و مبيته قبل ذلك على فراشه قال و صدر هذا الحديث عن هند بن أبي هالة و اقتصاصه عن الثلاثة هند و عمار و أبي رافع و قد دخل حديث بعضهم في بعض قالوا كان الله عز و جل مما يمنع نبيه ص بعمه أبي طالب ع فما يخلص إليه امرؤ بسوء من قومه مدة حياته فلما مات أبو طالب نالت قريش من رسول الله ص بغيتها و أصابته بعظيم من الأذى حتى تركته لقى فقال ص لأسرع ما وجدنا فقدك يا عم وصلتك رحم و جزيت خيرا يا عم ثم ماتت خديجة بعد أبي طالب بشهر و اجتمع بذلك على رسول الله ص حزنان حتى عرف ذلك فيه قال هند ثم انطلق ذوو الطول و الشرف من قريش إلى دار الندوة ليرتئوا و يأتمروا في رسول الله ص و أسروا ذلك بينهم فقال بعضهم نبني له علما و نترك فرجا نستودعه فيه فلا يخلص من الصباة فيه إليه أحد و لا نزال في رفق من العيش حتى يتضيفه ريب المنون و صاحب  هذه المشورة العاص بن وائل و أمية و أبي ابنا خلف فقال قائل كلا ما هذا لكم برأي و لئن صنعتم ذلك ليتنمرن له الحدب الحميم و المولى الحليف ثم ليأتين المواسم و الأشهر الحرم بالأمن فلينتزعن من أنشوطتكم قولوا قولكم. فقال عتبة و شيبة و شركهما أبو سفيان قالوا فإنا نرى أن نرحل بعيرا صعبا و نوثق محمدا عليه كتافا ثم نقطع البعير بأطراف الرماح فيوشك أن يقطعه بين الدكادك إربا إربا فقال صاحب رأيهم إنكم لم تصنعوا بقولكم هذا شيئا أ رأيتم إن خلص به البعير سالما إلى بعض الأفاريق فأخذ بقلوبهم بسحره و بيانه و طلاقة لسانه فصبا القوم إليه و استجابت القبائل له قبيلة فقبيلة فليسيرن حينئذ إليكم بالكتائب و المقانب فلتهلكن كما هلكت أياد و من كان قبلكم. قولوا قولكم فقال له أبو جهل لكن أرى لكم أن تعمدوا إلى قبائلكم العشرة فتنتدبوا من كل قبيلة منها رجلا نجدا ثم تسلحوه حساما عضبا و تمهد الفتية حتى إذا غسق الليل و غور بيتوا بابن أبي كبشة بياتا فيذهب دمه في قبائل قريش جميعا فلا يستطيع بنو هاشم و بنو المطلب مناهضة قبائل قريش في صاحبهم فيرضون حينئذ بالعقل منهم فقال صاحب رأيهم أصبت يا با الحكم ثم أقبل عليهم فقال هذا الرأي فلا تعدلن به رأيا و أوكئوا في ذلك أفواهكم حتى

  يستتب أمركم فخرج القوم عزين و سبقهم بالوحي بما كان من كيدهم جبرئيل ع فتلا هذه الآية على رسول الله ص وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ فلما أخبره جبرئيل بأمر الله في ذلك و وحيه و ما عزم له من الهجرة دعا رسول الله ص علي بن أبي طالب لوقته فقال له يا علي إن الروح هبط علي بهذه الآية آنفا يخبرني أن قريشا اجتمعت على المكر بي و قتلي و إنه أوحي إلي عن ربي عز و جل أن أهجر دار قومي و أن أنطلق إلى غار ثور تحت ليلتي و إنه أمرني أن آمرك بالمبيت على ضجاعي أو قال مضجعي لتخفي بمبيتك عليه أثري فما أنت قائل و صانع فقال علي ع أ و تسلمن بمبيتي هناك يا نبي الله قال نعم فتبسم علي ع ضاحكا و أهوى إلى الأرض ساجدا شكرا لما أنبأه به رسول الله ص من سلامته فكان علي ع أول من سجد لله شكرا و أول من وضع وجهه على الأرض بعد سجدته من هذه الأمة بعد رسول الله ص فلما رفع رأسه قال له امض لما أمرت فداك سمعي و بصري و سويداء قلبي و مرني بما شئت أكن فيه كمسرتك واقع منه بحيث مرادك و إن توفيقي إلا بالله و قال و أن ألقي عليك شبه مني أو قال شبهي قال إن يمنعني نعم قال فارقد على فراشي و اشتمل ببردي الحضرمي ثم إني أخبرك يا علي إن الله تعالى يمتحن أولياءه على قدر إيمانهم و منازلهم من دينه فأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل و قد امتحنك يا ابن أم و امتحنني فيك بمثل ما امتحن  به خليله إبراهيم ع و الذبيح إسماعيل ع فصبرا صبرا ف إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ثم ضمه النبي ص إلى صدره و بكى إليه وجدا به و بكى علي ع جشعا لفراق رسول الله ص و استتبع رسول الله ص أبا بكر بن أبي قحافة و هند بن أبي هالة فأمرهما أن يقعدا له بمكان ذكره لهما من طريقه إلى الغار و لبث رسول الله ص بمكانه مع علي ع يوصيه و يأمره في ذلك بالصبر حتى صلى العشاءين ثم خرج ص في فحمة العشاء و الرصد من قريش قد أطافوا بداره ينتظرون أن ينتصف الليل و تنام الأعين فخرج و هو يقرأ هذه الآية وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ و كان بيده قبضة من تراب فرمى بها في رءوسهم فما شعر القوم به حتى تجاوزهم و مضى حتى أتى إلى هند و أبي بكر فنهضا معه حتى وصلوا إلى الغار ثم رجع هند إلى مكة بما أمره به رسول ص و دخل رسول الله ص و أبو بكر إلى الغار فلما خلق الليل و انقطع الأثر أقبل القوم على علي ع قذفا بالحجارة و الحلم فلا يشكون أنه رسول الله ص حتى إذا برق الفجر و أشفقوا أن يفضحهم الصبح هجموا على علي ع و كانت دور مكة يومئذ سوائب لا أبواب لها فلما بصر بهم علي ع قد انتضوا السيوف و أقبلوا عليه بها يقدمهم خالد بن الوليد بن المغيرة وثب به علي ع فختله و همز يده فجعل خالد يقمص قماص

  البكر و إذا له رغاء فابذعر الصبح و هم في عرج الدار من خلفه و شد عليهم علي ع بسيفه يعني سيف خالد فأجفلوا أمامه إجفال النعم إلى ظاهر الدار و تبصروه فإذا علي ع قالوا و إنك لعلي قال أنا علي قالوا فإنا لم نردك فما فعل صاحبك قال لا علم لي به و قد كان علم يعني عليا أن الله تعالى قد أنجى نبيه ص بما كان أخبره من مضيه إلى الغار و اختبائه فيه فأذكت قريش عليه العيون و ركبت في طلبه الصعب و الذلول و أمهل علي ع حتى إذا أعتم من الليلة القابلة انطلق هو و هند بن أبي هالة حتى دخلا على رسول الله ص في الغار فأمر رسول الله ص هندا أن يبتاع له و لصاحبه بعيرين فقال أبو بكر قد كنت أعددت لي و لك يا نبي الله راحلتين نرتحلهما إلى يثرب فقال إني لا آخذهما و لا أحدهما إلا بالثمن قال فهي لك بذلك فأمر ص عليا ع فأقبضه الثمن ثم وصاه بحفظ ذمته و أداء أمانته و كانت قريش تدعو محمدا ص في الجاهلية الأمين و كانت تستودعه و تستحفظه أموالها و أمتعتها و كذلك من يقدم مكة من العرب في الموسم و جاءته النبوة و الرسالة و الأمر كذلك فأمر عليا ع أن يقيم صارخا يهتف بالأبطح غدوة و عشيا من كان له قبل محمد أمانة أو وديعة فليأت فلنؤد إليه أمانته قال فقال ص إنهم لن يصلوا من الآن إليك يا علي بأمر تكرهه حتى تقدم علي فأد أمانتي على أعين الناس ظاهرا ثم إني مستخلفك على فاطمة ابنتي و مستخلف ربي عليكما و مستحفظه فيكما فأمره أن يبتاع رواحل له و للفواطم و من أزمع للهجرة معه من بني هاشم. قال أبو عبيدة فقلت لعبيد الله يعني ابن أبي رافع أ و كان رسول الله ص يجد ما ينفقه هكذا فقال إني سألت أبي عما سألتني و كان يحدث لي هذا الحديث

  فقال و أين يذهب بك عن مال خديجة ع قال إن رسول الله ص قال ما نفعني مال قط ما نفعني مال خديجة و كان رسول الله ص يفك في مالها الغارم و العاني و يحمل الكل و يعطي في النائبة و يرفد فقراء أصحابه إذ كان بمكة و يحمل من أراد منهم الهجرة و كانت قريش إذا رحلت عيرها في الرحلتين يعني رحلة الشتاء و الصيف كانت طائفة من العير لخديجة ع و كانت أكثر قريش مالا و كان ص ينفق منه ما شاء في حياتها ثم ورثها هو و ولدها قال و قال رسول الله ص لعلي ع و هو يوصيه فإذا أبرمت ما أمرتك من أمر فكن على أهبة الهجرة إلى الله و رسوله و سر إلي لقدوم كتابي عليك و لا تلبث و انطلق رسول الله ص لوجه يؤم المدينة و كان مقامه في الغار ثلاثا و مبيت علي ع على الفراش أول ليلة. قال عبيد الله بن أبي رافع و قد قال علي بن أبي طالب ع يذكر مبيته على الفراش و مقام رسول الله ص في الغار

وقيت بنفسي خير من وطئ الحصى و من طاف بالبيت العتيق و بالحجرمحمد لما خاف أن يمكروا به. فوقاه ربي ذو الجلال من المكر.و بت أراعيهم متى ينشرونني. و قد وطنت نفسي على القتل و الأسر.و بات رسول الله في الغار آمنا. هناك و في حفظ الإله و في ستر.

  أقام ثلاثا ثم زمت قلائص. قلائص يفرين الحصى أينما تفري.

و لما ورد رسول الله ص المدينة نزل في بني عمرو بن عوف بقباء فأراده أبو بكر على دخوله المدينة و ألاصه في ذلك فقال فما أنا بداخلها حتى يقدم ابن أمي و ابنتي عليا و فاطمة. قالا قال أبو اليقظان فحدثنا رسول الله ص و نحن معه بقباء عما أرادت قريش من المكر به و مبيت علي ع على فراشه قال أوحى الله عز و جل إلى جبرئيل و ميكائيل ع أني قد آخيت بينكما و جعلت عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه فأيكما يؤثر أخاه و كلاهما كره الموت فأوحى الله إليهما عبداي أ لا كنتما مثل وليي علي آخيت بينه و بين محمد نبيي فآثره بالحياة على نفسه ثم ظل أو قال رقد على فراشه يقيه بمهجته اهبطا إلى الأرض جميعا فاحفظاه من عدوه فهبط جبرئيل فجلس عند رأسه و ميكائيل عند رجليه و جعل جبرئيل يقول بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب و الله عز و جل يباهي بك الملائكة قال فأنزل الله عز و جل في علي ع و ما كان من مبيته على فراش رسول الله ص وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَ اللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ. قال أبو عبيدة قال أبي و ابن أبي رافع ثم كتب رسول الله ص إلى علي بن أبي طالب ع كتابا يأمره فيه بالمسير إليه و قلة التلوم و كان الرسول إليه أبا واقد الليثي فلما أتاه كتاب رسول الله ص تهيأ للخروج و الهجرة  فأذن من كان معه من ضعفاء المؤمنين فأمرهم أن يتسللوا و يتخففوا إذا ملأ الليل بطن كل واد إلى ذي طوى و خرج علي ع بفاطمة ع بنت رسول الله ص و أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم و فاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب و قد قيل هي ضباعة و تبعهم أيمن ابن أم أيمن مولى رسول الله ص و أبو واقد رسول رسول الله ص فجعل يسوق بالرواحل فأعنف بهم فقال علي ع ارفق بالنسوة أبا واقد إنهن من الضعائف قال إني أخاف أن يدركنا الطالب أو قال الطلب فقال علي ع أربع عليك فإن رسول الله ص قال لي يا علي إنهم لن يصلوا من الآن إليك بأمر تكرهه ثم جعل يعني عليا ع يسوق بهن سوقا رفيقا و هو يرتجز و يقول

ليس إلا الله فارفع ظنكا يكفيك رب الناس ما أهمكا.

و سار فلما شارف ضجنان أدركه الطلب سبع فوارس من قريش مستلئمين و ثامنهم مولى الحارث بن أمية يدعى جناحا فأقبل علي ع على أيمن و أبي واقد و قد تراءى القوم فقال لهما أنيخا الإبل و اعقلاها و تقدم حتى أنزل النسوة و دنا القوم فاستقبلهم علي ع منتضيا سيفه فأقبلوا عليه فقالوا ظننت أنك يا غدار ناج بالنسوة ارجع لا أبا لك قال فإن لم أفعل قالوا لترجعن راغما أو لنرجعن بأكبرك سعرا و أهون بك من هالك و دنا الفوارس من النسوة و المطايا ليثوروها فحال علي ع بينهم و بينها فأهوى له جناح بسيفه فراغ علي ع عن ضربته و تختله علي ع فضربه على عاتقه فأسرع السيف مضيا فيه حتى مس كاثبة فرسه فكان علي ع يشد على قدمه شد الفرس أو الفارس على فرسه فشد عليهم بسيفه و هو يقول   

خلوا سبيل الجاهد المجاهد آليت لا أعبد غير الواحد

فتصدع القوم عنه فقالوا له أغن عنا نفسك يا ابن أبي طالب قال فإني منطلق إلى ابن عمي رسول الله بيثرب فمن سره أن أفري لحمه و أهريق دمه فليتبعني أو فليدن مني ثم أقبل على صاحبيه أيمن و أبي واقد فقال لهما أطلقا مطاياكما ثم سار ظاهرا قاهرا حتى نزل ضجنان فتلوم بها قدر يومه و ليلته و لحق به نفر من المستضعفين من المؤمنين و فيهم أم أيمن مولاة رسول الله ص فصلى ليلته تلك هو و الفواطم أمه فاطمة بنت أسد رضي الله عنها و فاطمة ع بنت رسول الله ص و فاطمة بنت الزبير يصلون لله ليلتهم و يذكرونه قياما و قعودا و على جنوبهم فلن يزالوا كذلك حتى طلع الفجر فصلى علي ع بهم صلاة الفجر ثم سار لوجهه فجعل و هم يصنعون ذلك منزلا بعد منزل يعبدون الله عز و جل و يرغبون إليه كذلك حتى قدم المدينة و قد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ وَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا إلى قوله فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى الذكر علي ع و الأنثى فاطمة ع بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ يقول علي  من فاطمة أو قال الفواطم و هن من علي فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أُوذُوا فِي سَبِيلِي وَ قاتَلُوا وَ قُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ لَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ اللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ و تلا ص وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَ اللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ قال و قال له يا علي أنت أول هذه الأمة إيمانا بالله و رسوله و أولهم هجرة إلى الله و رسوله و آخرهم عهدا برسوله لا يحبك و الذي نفسي بيده إلا مؤمن قد امتحن الله قلبه للإيمان و لا يبغضك إلا منافق أو كافر. بيان اللقى الملقى على الأرض و قيل أصل اللقى أنهم كانوا إذا طافوا خلعوا ثيابهم و قالوا لا نطوف في ثياب عصينا الله فيها فيلقونها عنهم و يسمون ذلك الثوب لقى فإذا قضوا نسكهم لم يأخذوها و تركوها بحالها ملقاة و الرفق بالتحريك الكدورة و يقال تضيفته أي نزلت به و تنمر تمدد في الصوت عند الوعيد و تشبه بالنمر و له تنكر و تغير و أوعده و حدب بالكسر تعطف و الأنشوطة كأنبوبة عقدة يسهل انحلالها كعقد التكة و كتف فلانا شد يديه إلى خلفه بالكتاف و هو حبل يشد به و الدكادك جمع الدكداك و هو أرض فيها غلظ و من الرمل ما تكبس أو ما التبد منه بالأرض و الإرب بالكسر العضو و الأفاريق جمع أفراق و هو جمع فرق و هو جمع فرقة و الطلاوة مثلثة الحسن و البهجة و القبول و المقانب جمع المقنب بالكسر و هو جماعة الخيل و الفرسان و النجد بالفتح و ككتف الشجاع الماضي فيما يعجز عنه غيره و العضب القطع و التغوير و التغور الدخول في الشي‏ء و ناهضه قاومه و تناهضوا في الحرب ينهض كل إلى صاحبه و العقل الدية و يقال أوكى على سقائه إذا شده بالوكاء و هو ما يشد به رأس القربة و استتب الأمر تهيأ و استقام و العزة الفرقة من الناس و الجمع عزون و منه قوله تعالى عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمالِ  عِزِينَ

و سويداء القلب حبته و الجشع أشد الحرص و الرصد بالتحريك القوم يرصدون و يرقبون. قوله فلما خلق الليل أي مضى كثير منه كما أن الثوب يخلق بمضي الزمان عليه قوله و الحلم قال الفيروزآبادي الحلمة شجرة السعدان و نبات آخر و في بعض النسخ بالخاء المعجمة قال هو مربض الضبية أو كناسها قوله سوائب تسييب الدواب إرسالها تذهب و تجي‏ء كيف شاءت استعير هنا لعدم المنع من الدار و كونها بلا باب و نضا السيف و انتضاه سله من غمده قوله ختله بالتاء أي خدعه و في بعض النسخ بالباء الموحدة أي حبسه و منعه و الهمز الغمز و الضغط و النخس و الدفع و الضرب و العض و الكسر و القمص الضرب بالرجل و البكر بالضم و الفتح ولد الناقة أو الفتى منها و يقال رغا البعير يرغو رغاء إذا ضج و ابذعر تفرق قوله في عرج الدار أي منعطفها أو مصعدها و سلمها و أجفل القوم هربوا مسرعين و يقال أذكيت عليه العيون إذا أرسلت عليه الطلائع قوله أعتم أي دخل في العتمة و أزمع على الأمر ثبت عليه عزمه و العاني الأسير و الكل العيال و الثقل و النائبة المصيبة و النازلة و ما يقع على القوم من الديات و غيرها و القلائص جمع القلوص و هي الناقة الشابة و فري الأرض سارها و قطعها و في الديوان المنسوب إليه صلوات الله عليه بيت آخر

أردت به نصر الإله تبتلا و أضمرته حتى أوسد في قبري.

و قال الجوهري يقال ألاصه على كذا أي أداره على الشي‏ء الذي يرومه منه انتهى. أقول إنما قال لعلي ع ابن أمي لأن فاطمة رضي الله عنها كانت  مربية له ص و كان يلقبها بالأم و لذا قال ص حين قال له أمير المؤمنين ع ماتت أمي بل و الله أمي. و التلوم الانتظار و التمكث قوله أن يتسللوا أي يذهبوا خفية و يتخففوا أي لا يحملوا معهم شيئا يثقل عليهم و ربع كمنع وقف و تحبس و منه قولهم أربع عليك أو على نفسك أو على ظلعك قوله ع ليس إلا الله أقول في الديوان.

لا شي‏ء إلا الله فارفع همكا

و استلام الرجل أي لبس اللأمة و هي الدرع و الروغ الحيد و الميل قوله و تختله لعل المراد هنا أنه أخذ السيف من يده و الكاثبة من الفرس مقدم المنسج حيث تقع عليه يد الفارس

 19-  ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ أقام ص بعد البعثة بمكة ثلاث عشرة سنة ثم هاجر منها إلى المدينة بعد أن استتر في الغار ثلاثة أيام و دخل المدينة يوم الإثنين الحادي عشر من شهر ربيع الأول و بقي بها عشر سنين

 20-  عم، ]إعلام الورى[ ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بقي رسول الله ص في الغار ثلاثة أيام ثم أذن الله تعالى له في الهجرة و قال اخرج عن مكة يا محمد فليس لك بها ناصر بعد أبي طالب فخرج رسول الله ص و أقبل راع لبعض قريش يقال له ابن أريقط فدعاه رسول الله ص فقال له يا ابن أريقط آتمنك على دمي ع فقال إذا و الله أحرسك و أحفظك و لا أدل عليك فأين تريد يا محمد قال يثرب قال لأسلكن بك مسلكا لا يهتدي فيها أحد فقال له رسول الله ص ائت عليا و بشره بأن الله قد أذن لي في الهجرة فهيئ لي زادا و راحلة و قال له أبو بكر ائت  أسماء ابنتي و قل لها تهيئ لي زادا و راحلتين و أعلم عامر بن فهيرة أمرنا و كان من موالي أبي بكر و كان قد أسلم و قل له ائتنا بالزاد و الراحلتين فجاء ابن أريقط إلى علي ع فأخبره بذلك فبعث علي بن أبي طالب ع إلى رسول الله ص بزاد و راحلة و بعث ابن فهيرة بزاد و راحلتين و خرج رسول الله ص من الغار و أخذ به ابن أريقط على طريق نخلة بين الجبال فلم يرجعوا إلى الطريق إلا بقديد فنزلوا على أم معبد هناك و قد مر حديث شاة أم معبد و المعجزة التي ظهرت فيها في أبواب المعجزات و كذا حديث سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي و رسوخ قوائم فرسه في الأرض و غيرهما من المعجزات فرجع عنه سراقة فلما كان من الغد وافته قريش فقالوا يا سراقة هل لك علم بمحمد فقال بلغني أنه خرج عنكم و قد نفضت هذه الناحية لكم و لم أر أحدا و لا أثرا فارجعوا فقد كفيتكم ما هاهنا و قد كانت الأنصار بلغهم خروج رسول الله ص إليهم و كانوا يتوقعون قدومه إلى أن وافى مسجد قباء و نزل فخرج الرجال و النساء يستبشرون بقدومه إلى آخر ما سيأتي في الباب الآتي

 21-  ير، ]بصائر الدرجات[ عبد الله بن محمد عن إبراهيم بن محمد عن عمرو بن سعيد الثقفي عن يحيى بن الحسن بن الفرات عن يحيى بن المساور عن أبي الجارود عن أبي جعفر ع قال لما صعد رسول الله ص الغار طلبه علي بن أبي طالب ع و خشي أن يغتاله المشركون و كان رسول الله ص على حراء و علي ع على ثبير فبصر به النبي ص فقال ما لك يا علي قال بأبي أنت و أمي خشيت أن يغتالك المشركون فطلبتك فقال النبي ص ناولني يدك يا علي فزحف الجبل حتى خطا برجله إلى الجبل الآخر ثم رجع الجبل إلى قراره

   ختص، ]الإختصاص[ إبراهيم بن محمد مثله بيان زحف إليه كمنع مشى قدما و في بعض النسخ بالراء المهملة و الجيم أي تحرك

 22-  ير، ]بصائر الدرجات[ ابن عيسى و ابن أبي الخطاب معا عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن الكناسي عن أبي جعفر ع قال لما كان رسول الله ص في الغار و معه أبو الفصيل قال رسول الله إني لأنظر الآن إلى جعفر و أصحابه الساعة تعوم بهم سفينتهم في البحر إني لأنظر إلى رهط من الأنصار في مجالسهم محتبين بأفنيتهم فقال له أبو الفصيل أ تراهم يا رسول الله الساعة قال نعم قال فأرنيهم قال فمسح رسول الله ص على عينيه ثم قال انظر فنظر فرآهم فقال رسول الله ص أ رأيتهم قال نعم و أسر في نفسه أنه ساحر

 بيان أبو الفصيل أبو بكر و كان يكنى به في زمانه أيضا لأن الفصيل ولد الناقة و البكر الفتى من الإبل و العوم السباحة و سير السفينة

 23-  ير، ]بصائر الدرجات[ موسى بن عمر عن عثمان بن عيسى عن خالد بن نجيح قال قلت لأبي عبد الله ع جعلت فداك سمى رسول الله ص أبا بكر الصديق قال نعم قال فكيف قال حين كان معه في الغار قال رسول الله ص إني لأرى سفينة جعفر بن أبي طالب تضطرب في البحر ضالة قال يا رسول الله و إنك لتراها قال نعم قال فتقدر أن ترينيها قال ادن مني قال فدنا منه فمسح على عينيه ثم قال انظر فنظر أبو بكر فرأى السفينة و هي تضطرب في البحر ثم نظر إلى قصور أهل المدينة فقال في نفسه الآن صدقت أنك ساحر فقال رسول الله الصديق أنت

   -24  يج، ]الخرائج و الجرائح[ من معجزاته ص ما هو مشهور و هو أنه في توجهه إلى المدينة أوى إلى غار بقرب مكة يعتوره النزال و يأوي إليه الرعاء قلما يخلو من جماعة نازلين يستريحون به فأقام ص به ثلاثا لا يطوره بشر و خرج القوم في أثره فصدهم الله عنه بأن بعث عنكبوتا فنسجت عليه فآيسهم من الطلب فيه و انصرفوا و هو نصب أعينهم

 بيان قال الجزري في حديث علي ع و الله لا أطور به ما سمر سمير أي لا أقر به أبدا

 25-  يج، ]الخرائج و الجرائح[ روي أن نفرا من قريش اجتمعوا و فيهم عتبة و شيبة و أبو جهل و أمية بن أبي خلف فقال أبو جهل زعم محمد أنكم إن اتبعتموني كنتم ملوكا فخرج إليهم رسول الله ص فقام على رءوسهم و قد ضرب الله على أبصارهم فقبض قبضة من تراب فذرها على رءوسهم و قرأ يس حتى بلغ العشر منها ثم قال إن أبا جهل هذا يزعم أني أقول إن خالفتموني فإن لي فيكم ريحا و صدق و أنا أقول ذلك ثم انصرف فقاموا ينفضون التراب عن رءوسهم و لم يشعروا به و لا كانوا رأوه

 26-  يج، ]الخرائج و الجرائح[ من معجزاته ص أنه لما كانت الليلة التي خرج فيها رسول الله ص إلى الغار كانت قريش اختارت من كل بطن منهم رجلا ليقتلوا محمدا فاختارت خمسة عشر رجلا من خمسة عشر بطنا كان فيهم أبو لهب من بطن بني هاشم ليتفرق دمه في بطون قريش فلا يمكن بني هاشم أن يأخذوا بطنا واحدا  فيرضون عند ذلك بالدية فيعطون عشر ديات فقال النبي ص لأصحابه لا يخرج الليلة أحد من داره فلما نام الرسول قصدوا جميعا إلى باب عبد المطلب فقال لهم أبو لهب يا قوم إن في هذه الدار نساء بني هاشم و بناتهم و لا نأمن أن تقع يد خاطئة إذا وقعت الصيحة عليهن فيبقى ذلك علينا مسبة و عارا إلى آخر الدهر في العرب و لكن اقعدوا بنا جميعا على الباب نحرس محمدا في مرقده فإذا طلع الفجر تواثبنا إلى الدار فضربناه ضربة رجل واحد و خرجنا فإلى أن تجتمع الناس و قد أضاء الصبح فيزول عنا العار عند ذلك فقعدوا بالباب يحرسونه قال علي ع فدعاني رسول الله ص فقال إن قريشا دبرت كيت و كيت في قتلي فنم على فراشي حتى أخرج أنا من مكة فقد أمرني الله بذلك فقلت له السمع و الطاعة فنمت على فراشه و فتح رسول الله الباب و خرج عليهم و هم جميعا جلوس ينتظرون الفجر و هو يقول وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ و مضى و هم لا يرونه فرأى أبا بكر قد خرج في الليل يتجسس من خبره و قد كان وقف على تدبير قريش من جهتهم فأخرجه معه إلى الغار فلما طلع الفجر تواثبوا إلى الدار و هم يظنون أني محمد ص فوثبت في وجوههم و صحت بهم فقالوا علي قلت نعم قالوا و أين محمد قلت خرج من بلدكم قالوا إلى أين خرج قلت الله أعلم فتركوني و خرجوا فاستقبلهم أبو كرز الخزاعي و كان عالما بقصص الآثار فقالوا يا أبا كرز اليوم نحب أن تساعدنا في قصص أثر محمد فقد خرج  عن البلد فوقف على باب الدار فنظر إلى أثر رجل محمد ص فقال هذه أثر قدم محمد و هي و الله أخت القدم التي في المقام و مضى به على أثره حتى إذا صار إلى الموضع الذي لقيه فيه أبو بكر قال هنا قد صار مع محمد آخر و هذه قدمه إما أن تكون قدم أبي قحافة أو قدم ابنه فمضى على ذلك إلى الغار فانقطع عنه الأثر و قد بعث الله قبجة فباضت على باب الغار و بعث الله العنكبوت فنسجت على باب الغار فقال ما جاز محمد هذا الموضع و لا من معه إما أن يكونا صعدا إلى السماء أو نزلا في الأرض فإن باب هذا الغار كما ترون عليه نسج العنكبوت و القبجة حاضنة على بيضها بباب الغار فلم يدخلوا الغار و تفرقوا في الجبل يطلبونه و منها أن أبا بكر اضطرب في الغار اضطرابا شديدا خوفا من قريش فأراد الخروج إليهم فقعد واحد من قريش مستقبل الغار يبول فقال أبو بكر هذا قد رآنا قال كلا لو رآنا ما استقبلنا بعورته و قال له النبي ص لا تخف إِنَّ اللَّهَ مَعَنا لن يصلوا إلينا فلم يسكن اضطرابه فلما رأى ص ذلك منه رفس ظهر الغار فانفتح منه باب إلى بحر و سفينة فقال له اسكن الآن فإنهم إن دخلوا من باب الغار خرجنا من هذا الباب و ركبنا السفينة فسكن عند ذلك فلم يزالوا إلى أن يمسوا في الطلب فيئسوا و انصرفوا و وافى ابن الأريقط بأغنام يرعاها إلى باب الغار وقت الليل يريد مكة بالغنم فدعاه رسول الله ص و قال أ فيك مساعدة لنا قال إي و الله فو الله ما جعل الله هذه القبجة على باب الغار حاضنة لبيضها و لا نسج العنكبوت عليه إلا و أنت صادق فأنا أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله فقال الحمد لله على هدايتك فصر الآن إلى علي فعرفه موضعنا و مر بالغنم إلى أهلها إذ نام

   الناس و مر إلى عبد أبي بكر فصار ابن الأريقط إلى مكة و فعل ما أمره رسول الله ص فأتى علي ع و عبد أبي بكر فقال رسول الله ص أعد لنا يا أبا الحسن زادا و راحلة و ابعثها إلينا و أصلح ما نحتاج إليه و احمل والدتك و فاطمة و الحقنا بهما إلى يثرب و قال أبو بكر لعبد مثله ففعلا ذلك فأردف رسول الله ص ابن الأريقط و أبو بكر عبده. و منها أن النبي ص لما خرج و هؤلاء أصبحوا من تلك الليلة التي خرجوا فيها على حي سراقة بن جعشم فلما نظر سراقة إلى رسول الله ص قال اتخذ يدا عند قريش و ركب فرسه و قصد محمدا ص قالوا قد لحق بنا هذا الشيطان فقال إن الله سيكفينا أمره فلما قرب قال ص اللهم خذه فارتطم فرسه في الأرض فصاح يا محمد خلص فرسي لا سعيت لك في مكروه أبدا و علم أن ذلك بدعاء محمد ص فقال اللهم إن كان صادقا فخلصه فوثب الفرس فقال يا أبا القاسم ستمر برعائي و عبيدي فخذ سوطي فكل من تمر به فخذ ما شئت فقد حكمتك في مالي فقال لا حاجة لي في مالك قال فسلني حاجة قال رد عنا من يطلبنا من قريش فانصرف سراقة فاستقبله جماعة من قريش في الطلب فقال لهم انصرفوا عن هذا الطريق فلم يمر فيه أحد و أنا أكفيكم هذا الطريق فعليكم بطريق اليمن و الطائف. و منها أن النبي ص سار حتى نزل بخيمة أم معبد فطلبوا عندها قرى فقالت ما يحضرني شي‏ء فنظر رسول الله ص إلى شاة في ناحية الخيمة قد تخلفت من الغنم لضرها فقال أ تأذنين في حلبها قالت نعم و لا خير فيها فمسح يده على ظهرها فصارت من أسمن ما يكون من الغنم ثم مسح يده على ظهرها فأرخت ضرعا عجيبا و درت لبنا كثيرا فقال يا أم معبد هاتي العس فشربوا  جميعا حتى رووا فلما رأت أم معبد ذلك قالت يا حسن الوجه إن لي ولدا له سبع سنين و هو كقطعة لحم لا يتكلم و لا يقوم فأتته به فأخذ تمرة و قد بقيت في الوعاء و مضغها و جعلها في فيه فنهض في الحال و مشى و تكلم و جعل نواها في الأرض فصارت في الحال نخلة و قد تهدل الرطب منها و كان كذلك صيفا و شتاء و أشار من الجوانب فصار ما حولها مراعي و رحل رسول الله ص و لما توفي ع لم ترطب تلك النخلة و كانت خضراء فلما قتل علي ع لم تخضر بعد و كانت باقية فلما قتل الحسين ع سال منها الدم فيبست فلما انصرف أبو معبد و رأى ذلك فسأل عن سببه قالت مر بي رجل من قريش من حاله و قصته كذا و كذا قال يا أم معبد إن هذا الرجل هو صاحب أهل المدينة الذي هم ينتظرونه و و الله ما أشك الآن أنه صادق في قوله إني رسول الله فليس هذا إلا من فعل الله ثم قصد إلى رسول الله ص فآمن هو و أهله

 27-  يج، ]الخرائج و الجرائح[ روي أن ابن الكواء قال لعلي ع أين كنت حيث ذكر الله أبا بكر فقال ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ فقال ع ويلك يا ابن الكواء كنت على فراش رسول الله ص و قد طرح على ريطته فأقبل قريش مع كل رجل منهم هراوة فيها شوكها فلم يبصروا رسول الله ص فأقبلوا علي يضربوني حتى ينفط جسدي و أوثقوني بالحديد و جعلوني في بيت و استوثقوا الباب بقفل و جاءوا بعجوز تحرس الباب فسمعت صوتا يقول يا علي فسكن الوجع فلم أجده و سمعت صوتا آخر يقول يا علي فإذا الحديد الذي علي قد تقطع ثم سمعت صوتا يا علي فإذا الباب فتح و خرجت و العجوز لا تعقل

 بيان الريطة الملاءة إذا كانت قطعة واحدة و لم تكن لفقين و النفطة  الجدري و البثرة و قد نفطت كفه كفرحت قرحت عملا أو مجلت و أنفطها العمل

 28-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ علي بن إبراهيم بن هاشم ما زال أبو كرز الخزاعي يقفو أثر النبي ص فوقف على باب الحجر يعني الغار فقال هذه قدم محمد و الله أخت القدم التي في المقام و قال هذه قدم أبي قحافة أو ابنه و قال ما جازوا هذا المكان إما أن يكونوا صعدوا في السماء أو دخلوا في الأرض و جاء فارس من الملائكة في صورة الإنس فوقف على باب الغار و هو يقول لهم اطلبوه في هذه الشعاب فليس هاهنا و تبعه القوم فعمى الله أثره و هو نصب أعينهم و صدهم عنه و هم دهاة العرب و كان الغار ضيق الرأس فلما وصل إليه النبي ص اتسع بابه فدخل بالناقة فعاد الباب و ضاق كما كان في الأول

 الواقدي لما خرج النبي ص إلى الغار فبلغ الجبل وجده مصمتا فانفرج حتى دخل رسول الله ص الغار

 زيد بن أرقم و أنس و المغيرة أمر الله شجرة صغيرة فنبتت في وجه الغار و أمر العنكبوت فنسجت في وجهه و أمر حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار

 و روي أنه أنبت الله تعالى على باب الغار ثمامة و هي شجرة صغيرة

 الزهري و لما قربوا من الغار بقدر أربعين ذراعا تعجل بعضهم لينظر من فيه فرجع إلى أصحابه فقالوا له ما لك لا تنظر في الغار فقال رأيت حمامتين بفم الغار فعلمت أن ليس فيه أحد و سمع النبي ص ما قال فدعا لهن و فرض جزاءهن فانحدرن في الحرم  و رأى أبو بكر واحدا يبول قبلهم فقال قد أبصرونا فقال النبي ص لو أبصرونا لما استقبلونا بعوراتهم

 29-  شي، ]تفسير العياشي[ عن سعيد بن المسيب عن علي بن الحسين ع قال كانت خديجة ماتت قبل الهجرة بسنة و مات أبو طالب بعد موت خديجة بسنة فلما فقدهما رسول الله ص شنأ المقام بمكة و دخله حزن شديد و أشفق على نفسه من كفار قريش فشكا إلى جبرئيل ذلك فأوحى الله إليه يا محمد اخرج من الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها و هاجر إلى المدينة فليس لك اليوم بمكة ناصر و انصب للمشركين حربا فعند ذلك توجه رسول الله ص إلى المدينة

 30-  شي، ]تفسير العياشي[ عن جابر عن أبي جعفر ع قال أما قوله وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَ اللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ فإنها نزلت في علي بن أبي طالب ع حين بذل نفسه لله و لرسوله ص ليلة اضطجع على فراش رسول الله ص لما طلبته كفار قريش

 31-  شي، ]تفسير العياشي[ عن ابن عباس قال فدى علي ع بنفسه لبس ثوب النبي ص ثم نام مكانه فكان المشركون يرمون رسول الله قال فجاء أبو بكر و علي ع نائم و أبو بكر يحسب أنه نبي الله فقال أين نبي الله فقال علي أن نبي الله قد انطلق نحو بئر ميمون فأدرك قال فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار و جعل ع يرمى بالحجارة كما كان يرمى رسول الله ص و هو يتضور قد لف رأسه فقالوا إنك كنت لو كان صاحبك لا يتضور قد استنكرنا  ذلك منك

 بيان قال الجزري فيه أنه دخل على امرأة و هي تتضور من شدة الحمى أي تتلوى و تصيح و تتقلب ظهرا لبطن و قيل تتضور تظهر الضور بمعنى الضر يقال ضاره يضوره و يضيره

 32-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ تاريخ الطبرسي إن أمير المؤمنين ع نزل بقباء على أم كلثوم بنت هدم وقت الهجرة ليلتين أو ثلاثا فرآها تخرج كل ليلة نصف الليل  إلى طارق و تأخذ منه شيئا فسألها عن ذلك فقالت هذا سهل بن حنيف قد عرف أني امرأة لا أحد لي فإذا أمسى عدا على أوثان قومه فكسرها ثم جاءني بها و قال احتطبي بهذا فكان أمير المؤمنين ع يحترمه بعد ذلك

 33-  شي، ]تفسير العياشي[ عن عبد الله بن محمد الحجال قال كنت عند أبي الحسن الثاني ع و معي الحسن بن الجهم فقال له الحسن إنهم يحتجون علينا بقول الله تبارك و تعالى ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ قال و ما لهم في ذلك فو الله لقد قال الله فأنزل الله سكينته على رسوله و ما ذكره فيها بخير قال قلت له أنا جعلت فداك و هكذا تقرءونها قال هكذا قرأتها

 قال زرارة قال أبو جعفر ع فأنزل الله سكينته على رسوله أ لا ترى أن السكينة إنما نزلت على رسوله وَ جَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى فقال هو الكلام الذي يتكلم به عتيق رواه الحلبي عنه

 34-  م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ إن الله أوحى إلى النبي يا محمد إن العلي الأعلى يقرأ عليك السلام و يقول لك إن أبا جهل و الملأ من قريش قد دبروا يريدون قتلك و آمرك أن تبيت عليا في موضعك و قال لك إن منزلته منزلة إسماعيل الذبيح من إبراهيم الخليل يجعل نفسه لنفسك فداء و روحه لروحك وقاء و أمرك  أن تستصحب أبا بكر فإنه إن آنسك و ساعدك و وازرك و ثبت على ما يعاهدك و يعاقدك كان في الجنة من رفقائك و في غرفاتها من خلصائك فقال رسول الله ص لعلي ع أ رضيت إن أطلب فلا أوجد و توجد فلعله أن يبادر إليك الجهال فيقتلوك قال بلى يا رسول الله رضيت أن يكون روحي لروحك وقاء و نفسي لنفسك فداء بل رضيت أن يكون روحي و نفسي فداء لأخ لك أو قريب أو لبعض الحيوانات تمتهنها و هل أحب الحياة إلا لخدمتك و التصرف بين أمرك و نهيك و لمحبة أوليائك و نصرة أصفيائك و مجاهدة أعدائك لو لا ذلك لما أحببت أن أعيش في هذه الدنيا ساعة واحدة فأقبل رسول الله ص على علي ع فقال له يا أبا الحسن قد قرأ علي كلامك هذا الموكلون باللوح المحفوظ و قرءوا علي ما أعد الله لك من ثوابه في دار القرار ما لم يسمع بمثله السامعون و لا رأى مثله الراءون و لا خطر مثله ببال المتفكرين ثم قال رسول الله ص لأبي بكر أ رضيت أن تكون معي يا أبا بكر تطلب كما أطلب و تعرف بأنك أنت الذي تحملني على ما أدعية فتحمل عني أنواع العذاب قال أبو بكر يا رسول الله أما أنا لو عشت عمر الدنيا أعذب في جميعها أشد عذاب لا ينزل علي موت مريح و لا منهج متيح و كان ذلك في محبتك لكان ذلك أحب إلي من أن أتنعم فيها و أنا مالك لجميع ممالك ملوكها في مخالفتك و هل أنا و مالي و ولدي إلا فداؤك فقال رسول الله ص لا جرم أن اطلع الله على قلبك و وجد ما فيه موافقا لما جرى على لسانك جعلك مني بمنزلة السمع و البصر و الرأس من الجسد و منزلة الروح من البدن كعلي الذي هو مني كذلك و على فوق ذلك لزيادة فضائله و شرف خصاله يا أبا بكر إن من عاهد ثم لم ينكث و لم يغير و لم يبدل و لم يحسد من قد أبانه الله  بالتفضيل فهو معنا في الرفيق الأعلى و إذا أنت مضيت على طريقة يحبها منك ربك و لم تتبعها بما يسخط و وافيته بها إذا بعثك بين يديه كنت لولاية الله مستحقا و لمرافقتنا في تلك الجنان مستوجبا انظر أبا بكر فنظر في آفاق السماء فرأى أملاكا من نار على أفراس من نار بأيديهم رماح من نار و كل ينادي يا محمد مرنا بأمرك في مخالفيك نطحطحهم ثم قال تسمع على الأرض فتسمع فإذا هي تنادي يا محمد مرني بأمرك في أعدائك أمتثل أمرك ثم قال تسمع على الجبال فسمعها تنادي يا محمد مرنا بأمرك في أعدائك نهلكهم ثم قال تسمع على البحار فأحضرت البحار بحضرته و صاحت أمواجها يا محمد مرنا بأمرك في أعدائك نمتثله ثم سمع السماء و الأرض و الجبال و البحار كل يقول يا محمد ما أمرك ربك بدخول الغار لعجزك عن الكفار و لكن امتحانا و ابتلاء ليخلص الخبيث من الطيب من عباده و إمائه بأناتك و صبرك و حلمك عنهم يا محمد من وفى بعهدك فهو من رفقائك في الجنان و من نكث فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ و هو من قرناء إبليس اللعين في طبقات النيران ثم قال رسول الله ص لعلي ع يا علي أنت مني بمنزلة السمع و البصر و الرأس من الجسد و الروح من البدن حببت إلي كالماء البارد إلى ذي الغلة الصادي ثم قال له يا أبا حسن تغش ببردتي فإذا أتاك الكافرون يخاطبونك فإن الله يقرن بك توفيقه و به تجيبهم فلما جاء أبو جهل و القوم شاهرون سيوفهم قال لهم أبو جهل لا تقعوا به و هو نائم لا يشعر و لكن ارموه بالأحجار ليتنبه بها ثم اقتلوه فرموه بأحجار ثقال صائبة فكشف عن رأسه و قال ما ذا شأنكم فعرفوه فإذا هو علي ع فقال أبو جهل أ ما ترون محمدا كيف أبات هذا و نجا بنفسه لتشتغلوا به

  و ينجو محمد لا تشتغلوا بعلي المخدوع لينجو بهلاكه محمد و إلا فما منعه أن يبيت في موضعه إن كان ربه يمنع عنه كما يزعم فقال علي ع أ لي تقول هذا يا با جهل بل الله قد أعطاني من العقل ما لو قسم على جميع حمقاء الدنيا و مجانينها لصاروا به عقلاء و من القوة ما لو قسم على جميع ضعفاء الدنيا لصاروا به أقوياء و من الشجاعة ما لو قسم على جميع جبناء الدنيا لصاروا به شجعانا و من الحلم ما لو قسم على جميع سفهاء الدنيا لصاروا به حلماء و لو لا أن رسول الله ص أمرني أن لا أحدث حدثا حتى ألقاه لكان لي و لكم شأن و لأقتلنكم قتلا ويلك يا أبا جهل إن محمدا قد استأذنه في طريقه السماء و الأرض و الجبال و البحار في إهلاككم فأبى إلا أن يرفق بكم و يداريكم ليؤمن من في علم الله أنه ليؤمن منكم و يخرج مؤمنون من أصلاب و أرحام كافرين و كافرات أحب الله أن لا يقطعهم عن كرامته باصطلامهم و لو لا ذلك لأهلككم ربكم إن الله هو الغني و أنتم الفقراء لا يدعوكم إلى طاعته و أنتم مضطرون بل مكنكم بما كلفكم و قطع معاذيركم فغضب أبو البختري بن هشام أخو أبي جهل فقصده بسيفه فرأى الجبال قد أقبلت لتقع عليه و الأرض قد انشقت لتخسف به و أمواج البحار نحوه مقبلة لتغرقه في البحر و رأى السماء انحطت لتقع عليه فسقط سيفه و خر مغشيا عليه و احتمل و يقول أبو جهل دير به لصفراء هاجت به يريد أن يلبس على من معه أمره فلما التقى رسول الله ص مع علي ع قال يا علي إن الله رفع صوتك في مخاطبتك  أبا جهل إلى العلو و بلغه إلى الجنان فقال من فيها من الخزان و الحور الحسان من هذا المتعصب لمحمد إذ قد كذبوه و هجروه قيل لهم هذا النائب عنه و البائت على فراشه يجعل نفسه لنفسه وقاء و روحه لروحه فداء فقال الخزان و الحور الحسان يا ربنا فاجعلنا خزانه و قالت الحور الحسان فاجعلنا نساءه فقال الله تعالى فأنتم له و لمن اختاره و هو من أوليائه و محبيه يقسمكم عليهم بأمر الله على من هو أعلم به من الصلاح أ رضيتم قالوا بلى ربنا و سيدنا

 بيان متيح بضم الميم أي مهيئ للنجاة و في النسخ المصححة منج و هو أظهر معنى و طحطحت الشي‏ء كسرته و فرقته و الغلة بالضم حرارة العطش و الصدى العطش

 35-  عم، ]إعلام الورى[ قال ابن عباس لما انطلق النبي ص إلى الغار أنام عليا في مكانه و ألبسه برده فجاءت قريش تريد أن يقتل رسول الله ص فجعلوا يرمون عليا ع و هم يرون أنه النبي ص فجعل يتضور فلما نظروا إذا هو علي ع

 و روى علي بن هاشم عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده أبي رافع كان علي ع يجهز النبي ص حين كان في الغار يأتيه بالطعام و الشراب و استأجر له ثلاث رواحل للنبي ص و لأبي بكر و لدليلهم رقيد و خلفه النبي ص ليخرج إليه أهله فأخرجهم و أمره أن يؤدي  عنه أماناته و وصاياه و ما كان بمؤتمن عليه من مال فأدى علي ع أماناته كلها و قال له النبي ص إن قريشا لن يفتقدوني ما رأوك فاضطجع على فراش رسول الله ص فكانت قريش ترى رجلا على فراش النبي ص فيقولون هو محمد فحبسهم الله عن طلبه و خرج علي ع إلى المدينة ماشيا على رجليه فتورمت قدماه فلما قدم المدينة رآه النبي ص فاعتنقه و بكى رحمة مما رأى بقدميه من الورم و إنما يقطران دما فدعا له بالعافية و مسح رجليه فلم يشكهما بعد ذلك

 36-  فض، ]كتاب الروضة[ يل، ]الفضائل لابن شاذان[ قيل لما آخى سبحانه و تعالى بين الملائكة آخى بين جبرئيل و ميكائيل فقال سبحانه و تعالى إني آخيت بينكما و جعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر فأيكما يؤثر أخاه بالحياة على نفسه فاختار كلاهما الحياة فقال الله عز و جل أ فلا تكونا مثل علي بن أبي طالب آخيت بينه و بين حبيبي محمد فآثره بالحياة على نفسه في هذه الليلة و قد بات على فراشه يفديه بنفسه اهبطا فاحفظاه من عدوه فهبطا إلى الأرض فجلس جبرئيل عند رأسه و ميكائيل عند رجليه و هما يقولان بخ بخ لك يا ابن أبي طالب من مثلك و قد باهى الله بك ملائكة  السماوات و فاخر بك

 37-  كنز، ]كنز جامع الفوائد و تأويل الآيات الظاهرة[ روى أحمد بن حنبل عن عمير بن ميمون قال قوله عز و جل وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ و ذلك حين نام علي ع على فراش رسول الله ص ألبسه ثوبه و جعله مكانه و كان المشركون يتوهمون أنه رسول الله ص

 و روى الثعلبي في تفسيره قال لما أراد النبي ص الهجرة خلف عليا ع لقضاء ديونه و رد الودائع التي كانت عنده و أمره ليلة خرج إلى الغار و قد أحاط المشركون بالدار و قال له يا علي اتشح ببردي الحضرمي ثم نم على فراشي فإنه لا يخلص إليك منهم مكروه إن شاء الله ففعل ما أمره فأوحى عز و جل إلى جبرئيل و ميكائيل أني قد آخيت بينكما و جعلت عمر أحدكما أطول من الآخر فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة فاختار كل منهما الحياة فأوحى الله عز و جل إليها أ لا كنتما مثل علي بن أبي طالب آخيت بينه و بين محمد ص فبات على فراشه يفديه بنفسه و يؤثره بالحياة اهبطا إلى الأرض  فاحفظاه من عدوه فنزلا فكان جبرئيل عند رأسه و ميكائيل عند رجليه و جبرئيل يقول بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي الله بك ملائكته فأنزل الله عز و جل على رسوله ص و هو متوجه إلى المدينة في شأن علي بن أبي طالب ع وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ الآية

 و روى أخطب خوارزم حديثا يرفعه بإسناده إلى النبي ص قال قال رسول الله ص نزل علي جبرئيل صبيحة يوم الغار فقلت حبيبي جبرئيل أراك فرحا فقال يا محمد و كيف لا أكون كذلك و قد قرت عيني بما أكرم الله به أخاك و وصيك و إمام أمتك علي بن أبي طالب ع فقلت بما ذا أكرمه الله قال باهى بعبادته البارحة ملائكته و قال ملائكتي انظروا إلى حجتي في أرضي بعد نبيي و قد بذل نفسه و عفر خده في التراب تواضعا لعظمتي أشهدكم أنه إمام خلقي و مولى بريتي

 38-  مصبا، ]المصباحين[ في أول ليلة من شهر ربيع الأول هاجر النبي ص من مكة إلى المدينة سنة ثلاث عشرة من مبعثه و فيها كان مبيت أمير المؤمنين ع على فراشه و كانت ليلة الخميس و في ليلة الرابع منه كان خروجه من الغار متوجها إلى المدينة

 39-  فر، ]تفسير فرات بن إبراهيم[ الحسين بن الحكم عن يحيى بن عبد الحميد عن أبي عوانة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس رضي الله عنه قال في علي بن أبي طالب ص لما انطلق النبي ص إلى الغار فأنامه النبي ص في مكانه و ألبسه برده فجاء قريش يريدون أن يقتلوا النبي ص فجعلوا يرمون عليا ع و هم يرون أنه النبي ص و قد ألبسه النبي ص برده فجعل يتضور فنظروا فإذا هو علي ع فقالوا إنك لنائم و لو كان صاحبك ما  تضور لقد استنكرنا ذلك منك

 40-  كا، ]الكافي[ حميد بن زياد عن محمد بن أيوب عن علي بن أسباط عن الحكم بن مسكين عن يوسف بن صهيب عن أبي عبد الله ع قال سمعت أبا جعفر ع يقول إن رسول الله ص أقبل يقول لأبي بكر في الغار اسكن فإن الله معنا و قد أخذته الرعدة و هو لا يسكن فلما رأى رسول الله ص حاله قال له تريد أن أريك أصحابي من الأنصار في مجالسهم يتحدثون و أريك جعفرا و أصحابه في البحر يغوصون قال نعم فمسح رسول الله ص بيده على وجهه فنظر إلى الأنصار يتحدثون و نظر إلى جعفر رضي الله عنه و أصحابه في البحر يغوصون فأضمر تلك الساعة أنه ساحر

 41-  كا، ]الكافي[ علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله ع أن رسول الله ص لما خرج من الغار متوجها إلى المدينة و قد كانت قريش جعلت لمن أخذه مائة من الإبل فخرج سراقة بن مالك بن جعشم فيمن يطلب فلحق برسول الله ص فقال رسول الله ص اللهم اكفني شر سراقة بما شئت فساخت قوائم فرسه فثنى رجله ثم اشتد فقال يا محمد إني علمت أن الذي أصاب قوائم فرسه إنما هو من قبلك فادع الله أن يطلق لي فرسي فلعمري إن لم يصبكم خير مني لم يصبكم مني شر فدعا رسول الله ص فأطلق الله عز و جل فرسه فعاد في طلب رسول الله ص حتى فعل ذلك ثلاث مرات كل ذلك يدعو رسول الله فيأخذ الأرض قوائم فرسه فلما أطلقه في الثالثة قال يا محمد هذه إبلي بين يديك فيها غلامي و إن احتجت إلى ظهر أو لبن فخذ منه و  هذا سهم من كنانتي علامة و أنا أرجع فأرد عنك الطلب فقال لا حاجة لي فيما عندك

 42-  نهج، ]نهج البلاغة[ من كلام له ع اقتص فيه ذكر ما كان منه بعد هجرة النبي ص ثم لحاقه به فجعلت أتبع مأخذ رسول الله ص فأطأ ذكره حتى انتهيت إلى العرج

 في كلام طويل فقوله ع فأطأ ذكره من الكلام الذي رمي إلى غايتي الإيجاز و الفصاحة و أراد أنني كنت أعطي خبره ص من بدء خروجي إلى أن انتهيت إلى هذا الموضع فكنى ذلك بهذه الكناية العجيبة

 43-  فس، ]تفسير القمي[ في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَ أَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ و ذلك أن الرجل كان إذا أراد الهجرة إلى رسول الله ص تعلق به ابنه و امرأته فقالوا ننشدك الله أن تذهب عنا و تدعنا فنضيع بعدك فمنهم من يطيع أهله فيقيم فحذرهم الله أبناءهم و نساءهم و نهاهم عن طاعتهم و منهم من يمضي و يذرهم و يقول أما و الله لئن لم تهاجروا معي ثم جمع الله بيني و بينكم في دار الهجرة لا أنفعكم بشي‏ء أبدا فلما جمع الله بينه و بينهم أمره الله أن يبوء بحسن و بصلة فقال وَ إِنْ تَعْفُوا وَ تَصْفَحُوا وَ تَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ

 44-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ الحسين بن أحمد البيهقي عن محمد بن يحيى الصولي عن أحمد بن محمد بن إسحاق الطالقاني عن أبيه قال حلف رجل بخراسان بالطلاق أن معاوية  ليس من أصحاب رسول الله ص أيام كان الرضا ع بها فأفتى الفقهاء بطلاقها فسئل الرضا ع فأفتى أنها لا تطلق فكتب الفقهاء رقعة فأنفذوها إليه و قالوا له من أين قلت يا ابن رسول الله أنها لم تطلق فوقع ع في رقعتهم قلت هذا من روايتكم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ص قال لمسلمة الفتح و قد كثروا عليه أنتم خير و أصحابي خير و لا هجرة بعد الفتح فأبطل الهجرة و لم يجعل هؤلاء أصحابا له فرجعوا إلى قوله

 45-  شي، ]تفسير العياشي[ عن زرارة و حمران و محمد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد الله ع قالوا سألناهما عن قوله وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا قالا بأن أهل مكة لا يرثون أهل المدينة

 46-  كا، ]الكافي[ علي بن إبراهيم عن هارون عن ابن صدقة عن أبي عبد الله ع قال إن عمار بن ياسر أكرهه أهل مكة و قلبه مطمئن بالإيمان فأنزل الله عز و جل فيه إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ فقال له النبي ص عندها  يا عمار إن عادوا فعد فقد أنزل الله عذرك و أمرك أن تعود إن عادوا

 47-  كا، ]الكافي[ علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل عن محمد بن مروان قال قال لي أبو عبد الله ع ما منع ميثم رحمه الله من التقية فو الله لقد علم أن هذه الآية نزلت في عمار و أصحابه إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ

 48-  أقول في تفسير النعماني بسنده المذكور في كتاب القرآن عن الصادق ع قال قال أمير المؤمنين ع إن رسول الله ص لما هاجر إلى المدينة آخى بين أصحابه من المهاجرين و الأنصار جعل المواريث على الأخوة في الدين لا في ميراث الأرحام و ذلك قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا... فِي سَبِيلِ اللَّهِ... أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إلى قوله سبحانه وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا فأخرج الأقارب من الميراث و أثبته لأهل الهجرة و أهل الدين خاصة ثم عطف بالقول فقال تعالى وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَ فَسادٌ كَبِيرٌ فكان من مات من المسلمين يصير ميراثه و تركته لأخيه في الدين دون القرابة و الرحم الوشيجة فلما قوي الإسلام أنزل الله النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ  تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً فهذا معنى نسخ آية الميراث

 49-  ل، ]الخصال[ عن عامر بن واثلة في خبر الشورى قال أمير المؤمنين ع نشدتكم بالله هل فيكم أحد وقى رسول الله ص حيث جاء المشركون يريدون قتله فاضطجعت في مضجعه و ذهب رسول الله ص نحو الغار و هم يرون أني أنا هو فقالوا أين ابن عمك فقلت لا أدري فضربوني حتى كادوا يقتلونني قالوا اللهم لا

 50-  ج، ]الإحتجاج[ عن أبي جعفر ع قال قال أمير المؤمنين ع يوم الشورى نشدتكم بالله هل فيكم أحد كان يبعث إلى رسول الله الطعام و هو في الغار و يخبره الأخبار غيري قالوا لا قال نشدتكم بالله هل فيكم أحد اضطجع على فراش رسول الله ص حين أراد أن يسير إلى المدينة و وقاه بنفسه من المشركين حين أرادوا قتله غيري قالوا لا

 51-  قل، ]إقبال الأعمال[ ذكر ما فتحه الله علينا من أسرار هذه المهاجرة و ما فيها من العجائب الباهرة منها تعريف الله جل جلاله لعباده لو أراد قهر أعداء رسوله محمد ص ما كان يحتاج إلى مهاجرة ليلا على تلك المأثرة و كان قادرا أن ينصره و  هو بمكة من غير مخاطرة بآيات و عنايات باهرة كما أنه كان قادرا أن ينصر عيسى ابن مريم ع على اليهود بالآيات و العساكر و الجنود فلم تقتض الحكمة الإلهية إلا رفعه إلى السماوات العلية و لم يكن له مصلحة في مقامه في الدنيا بالكلية فليكن العبد راضيا بما يراه مولاه له من التدبير في القليل و الكثير و لا يكن الله جل جلاله دون وكيل الإنسان في أموره الذي يرضى بتدبيره و لا دون جاريته أو زوجته في داره التي يثق إليها في تدبير أموره. و منها التنبيه على أن الذي صحبه إلى الغار على ما تضمنه وصف صحبته في الأخبار ما كان يصلح في تلك الحادثات إلا للهرب و لا في أوقات الذل و الخوف من الأخطار إلا للتي يصلح لها مثل النساء الضعيفات و الغلمان الذين يصيحون في الطرقات عند الهرب من المخافات و ما كان يصلح للمقام بعده ليدفع عنه خطر الأعداء و لا أن يكون معه بسلاح و قوة لمنع شي‏ء من البلاء. و منها أن الطبري في تاريخه و أحمد بن حنبل رويا في كتابيهما أن هذا الرجل المشار إليه ما كان عارفا بتوجه النبي ص و أنه جاء إلى مولانا علي ع فسأله عنه فأخبره أنه توجه فتبعه بعد توجهه حتى ظفر به و تأذى رسول الله ص بالخوف منه لما تبعه و عثر بحجر فلق قدمه فقال الطبري في تاريخه ما هذا لفظه فخرج أبو بكر مسرعا و لحق نبي الله ص في الطريق فسمع جرس أبي بكر في ظلمة الليل فحسبه من المشركين فأسرع رسول الله ص يمشي فقطع قبال نعله ففلق إبهامه حجر و كثر دمها فأسرع المشي فخاف أبو بكر أن يشق على  رسول الله ص حين أتاه فانطلقا و رجل رسول الله ص تسيل دما حتى انتهى إلى الغار مع الصبع فدخلاه و أصبح الذين كانوا يرصدون رسول الله ص فدخلوا الدار و قام علي ع على فراشه فلما دنوا منه عرفوه فقالوا له أين صاحبك قال لا أدري أ و رقيبا كنت عليه أمرتموه بالخروج فخرج فانتهروه و ضربوه و أخرجوه إلى المسجد فحبسوه ساعة ثم تركوه و نجا رسول الله ص. أقول و ما كان حيث لقيه يتهيأ أن يتركه النبي ص يبعد منه خوفا أن يلزمه أهل مكة فيخبرهم عنه و هو رجل جبان فيؤخذ النبي ص و يذهب الإسلام بكماله لأن أبا بكر أراد الهرب من مكة و مفارقة النبي ص قبل هجرته على ما ذكره الطبري في حديث الهجرة فقال ما هذا لفظه و كان أبو بكر كثيرا ما يستأذن رسول الله ص في الهجرة فيقول له رسول الله ص لا تعجل. أقول فإذا كان قد أراد المفارقة قبل طلب الكفار له فكيف يؤمن منه الهرب بعد الطلب و كان أخذه معه حيث أدركه من الضرورات التي اقتضاها الاستظهار في حفظ النبي صلوات الله و سلامه عليه من كشف حاله لو تركه يرجع عنه في تلك الساعة و قد جرت العادة أن الهرب مقام تخويف يرغب في الموافقة عليه قلب الجبان الضعيف و لا روي فيما علمت أن أبا بكر كان معه سلاح يدفع به عدوا عن النبي ص و لا حمل معه شيئا يحتاج إليه و ما أدري كيف اعتقد المخالفون

   أن لهذا الرجل فضيلة في الموافقة في الهرب و قد استأذنه مرارا أن يهرب و يترك النبي ص في يد الأعداء الذين يتهددونه بالعطب إن اعتقاد فضيلة لأبي بكر في هذا الذل من أعجب العجب. و منها التكدير على النبي ص بجزع صاحبه في الغار و قد كان يكفي النبي ص تعلق خاطره المقدس بالسلامة من الكفار فزاده جزع صاحبه شغلا في خاطره و لو لم يصحبه لاستراح من كدر جزعه و اشتغال سرائره. و منها أنه لو كان حزنه شفقة على النبي ص أو على ذهاب الإسلام ما كان قد نهي عنه و فيه كشف أن حزنه كان مخالفا لما يراد منه. و منها أن النبي ص ما بقي يأمن إن لم يكن أوحي إليه أنه لا خوف عليه أن يبلغ صاحبه من الجزع الذي ظهر عليه إلى أن يخرج من الغار و يخبر به الطالبين له من الأشرار فصار معه كالمشغول بحفظ نفسه من ذل صاحبه و ضعفه زيادة على ما كان مشغولا بحفظ نفسه. و من أسرار هذه المهاجرة أن مولانا عليا ع بات على فراش المخاطرة و جاد بمهجته لمالك الدنيا و الآخرة و لرسوله ص فاتح أبواب النعم الباطنة و الظاهرة و لو لا ذلك المبيت و اعتقاد الأعداء أن النائم على الفراش هو سيد الأنبياء ص لما كانوا صبروا عن طلبه إلى النهار حتى وصل إلى الغار فكانت سلامة صاحب الرسالة من قبل أهل الضلالة صادرة عن تدبير الله جل جلاله بمبيت مولانا علي ع في مكانه و آية باهرة لمولانا علي ع شاهدة بتعظيم شأنه و أنزل الله جل جلاله في مقدس قرآنه وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَ اللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ فأخبر أن لمولانا علي ع كانت بيعا لنفسه الشريفة و طلبا لرضاء الله جل جلاله دون كل مراد و قد ذكرنا في الطرائف من روى هذا الحديث من المخالف و مباهاة الله جل جلاله تلك الليلة و جبرئيل و ميكائيل في بيع

   مولانا علي ع بمهجته و أنه سمح بما لم يسمح به خواص ملائكته. و منها أن الله جل جلاله زاد مولانا عليا ع من القوة الإلهية و القدرة الربانية إلى أنه ما قنع له أن يفدي النبي ص بنفسه الشريفة حتى أمره أن يكون مقيما بعده في مكة مهاجرا للأعداء قد هربه منهم و ستره بالمبيت على الفراش و غطاه عنهم و هذا ما لا يحتمله قوة البشر إلا بآيات باهرة من واهب النفع و دافع الضرر. و منها أن الله جل جلاله لم يقنع لمولانا علي ع بهذه الغاية الجليلة حتى زاده من المناقب الجميلة و جعله أهلا أن يقيم ثلاثة أيام بمكة لحفظ عيال سيدنا رسول الله ص و أن يسير بهم ظاهرا على رغم الأعداء و هو وحيد من رجاله و من يساعده على ما بلغ من المخاطرة إليه. و منها أن هذا الاستسلام من مولانا علي ع للقتل و فديه النبي ص أظهر مقاما و أعظم تماما من استسلام جده الذبيح إسماعيل لإبراهيم الخليل عليه و عليهما السلام لأن ذلك استسلام لوالد شفيق يجوز معه أن يرحمه الله جل جلاله و يقيله من ذبح ولده كما جرى الحال عليه من التوفيق و مولانا علي ع استسلم للأعداء الذين لا يرحمون و لا يرجون لمسامحة في البلاء.  و منها أن إسماعيل كان يجوز أن الله جل جلاله يكرم إياه بأنه لا يجد للذبح ألما فإن الله تعالى قادر أن يجعله سهلا رحمة لأبيه و تكرما و مولانا علي ع استسلم للذين طبعهم القتل في الحال على الاستقصاء و ترك الإبقاء و التعذيب إذا ظفروا بما قدروا من الابتلاء. و منها أن ذبح إسماعيل بيد أبيه الخليل ع ما كان فيه شماتة و مغالبة و مقاهرة من أهل العداوات و إنما هو شي‏ء من الطاعات المقتضية للسعادات و العنايات و مولانا علي ع كان قد خاطر بنفسه لشماتة الأعداء و الفتك به بأبلغ غايات الاشتقاء و الاعتداء و التمثيل بمهجته الشريفة و التعذيب له بكل إرادةمن الكفار سخيفة. و منها أن العادة قاضية و حاكمة أن زعيم العسكر إذا اختفى و اندفع عن مقام الأخطار و انكسر علم القوة و الاقتدار فإنه لا يكلف رعية المعلقون عليه أن يقفوا موقفا قد فارقه زعيمهم و كان معذورا في ترك الصبر عليه و مولانا علي ع كلف الصبر و الثبات على مقامات قد اختفى فيها زعيمه الذي يعول عليه و انكسر علم القوة الذي تنظر عيون الجيش إليه فوقف مولانا علي ع و زعيمه غير حاضر فهو موقف قاهر فهذا فضل من الله جل جلاله لمولانا علي ع باهر بمعجزات تخرق عقول ذوي الألباب و يكشف لك أنه القائم مقامه في الأسباب. و منها أن فدية مولانا علي ع لسيدنا رسول الله ص كانت من أسباب التمكين من مهاجرته و من كل ما جرى من السعادات و العنايات بنبوته فيكون مولانا علي ع قد صار من أسباب التمكين من كل ما جرت حال الرسالة عليه  و مشاركا في كل خير فعله النبي ص و بلغ حاله إليه و قد اقتصرت في ذكر أسرار المهاجرة الشريفة النبوية على هذه المقامات الدينية و لو أردت بالله جل جلاله أوردت مجلدا منفردا في هذه الحال و لكن هذا كاف شاف للمنصفين و أهل الإقبال

 52-  الفائق للزمخشري، خرج من مكة مهاجرا إلى المدينة و أبو بكر و مولى أبي بكر عامر بن فهيرة و دليلهما الليثي عبد الله بن أريقط فمروا على خيمتي أم معبد و كانت برزة جلدة تحتبي بفناء القبة ثم تسقي و تطعم فسألوها لحما و تمرا يشترونه منها فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك و كان القوم مرملين مشتين و روي مسنتين فنظر رسول الله ص إلى شاة في كسر الخيمة فقال ما هذه الشاة يا أم معبد قالت شاة خلفها الجهد عن الغنم فقال هل بها من لبن قالت هي أجهد من ذلك قال أ تأذنين أن أحلبها قالت بأبي أنت و أمي إن رأيت بها حلبا فاحلبها. و روي أنه نزل هو و أبو بكر بأم معبد وذفان مخرجه إلى المدينة فأرسلت إليهم شاة فرأى فيها بصرة من لبن فنظر إلى ضرعها فقال إن بهذه لبنا و لكن ابغيني شاة ليس فيها لبن فبعثت إليه بعناق جذعة فدعا بها رسول الله ص فمسح بيده ضرعها و سمى الله و دعا لها في شاتها فتفاجت عليه و درت و اجترت.  و روي أنه قال لابن أم معبد يا غلام هات قروا فأتاه به فضرب ظهر الشاة فاجترت و درت و دعا بإناء يربض الرهط فحلب فيه ثجا حتى علاه البهاء و روي الثمال. ثم سقاها حتى رويت و سقى أصحابه حتى رووا و شرب آخرهم ثم أراضوا عللا بعد نهل ثم حلب فيه ثانيا بعد بدء حتى ملأ الإناء ثم غادره عندها ثم بايعها ثم ارتحلوا عنها فقلما لبثت حتى جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا عجافا تشاركن هزلا. و روي تساوك و روي تساوق. مخهن قليل فلما رأى أبو معبد اللبن عجب و قال من أين لك هذا يا أم معبد و الشاء عازب حيال و لا حلوب في البيت قالت لا و الله إلا أنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا و كذا قال صفيه لي يا أم معبد قالت رأيت رجلا ظاهر الوضاءة أبلج الوجه حسن الخلق لم تعبه ثجلة و لم تزر به صقلة. و روي صعلة و روي لم يعبه نحلة و لم تزر به صقلة وسيما قسيما في عينيه دعج و في أشفاره عطف أو قال غطف و روي وطف و في صوته صحل و في عنقه سطع و في لحيته كثاثة أزج أقرن إن صمت فعليه الوقار و إن تكلم سما و علاه البهاء أجمل الناس و أبهاه من بعيد و أحسنه و أجمله من قريب حلو المنطق فصل لا نزر و لا هذر كأنما منطقه خرزات نظم يتحدرن ربعة لا يأس من طول و لا تقتحمه عين من قصر غصن بين غصنين فهو أنضر الثلاثة منظرا و أحسنهم قدرا له رفقاء يحفونه إن قال أنصتوا لقوله و إن أمر تبادروا إلى أمره محفود محشود لا عابس و لا معتد. قال أبو معبد هو و الله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة لقد هممت أن أصحبه و لأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا و لقد أصبح صوت بمكة عاليا يسمعون الصوت و لا يدرون من صاحبه

جزى الله رب الناس خير جزائه رفيقين قالا خيمتي أم معبد.هما نزلاها بالهدى و اهتدت بهم. فقد فاز من أمسى رفيق محمد.فيا لقصي ما زوى الله عنكم. به من فعال لا يجازى و سودد.ليهنئ بني كعب مقام فتاتهم. و مقعدها للمؤمنين بمرصد.سلوا أختكم عن شاتها و إنائها. فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد.دعاها بشاة حائل فتحلبت. له بصريح ضرة الشاة مزبد.فغادرها رهنا لديها بحالب. يرددها في مصدر ثم مورد.

 ثم قال الزمخشري البرزة العفيفة الرزينة التي يتحدث إليها الرجال فتبرز لهم و هي كهلة قد خلا بها سن فخرجت عن حد المحجوبات و قد برزت برازة المرمل الذي نفد زاده و فرقت حاله و سخفت من الرمل و هو نسج سخيف و منه الأرملة لرقة حالها بعد قيمها المشتي الداخل في الشتاء و المسنت الداخل في السنة و هي القحط و تاؤه بدل من ياء الكسر بالكسر و الفتح جانب البيت. وذفان مخرجه أي حدثان خروجه و هو من توذف إذا مر مرا سريعا البصرة أثر من اللبن يبصر في الضرع التفاج تفاعل من الفجج و هو أشد من الفحج و منه قوس فجاء. و عن ابنة الخس في وصف ناقة ضبعة عينها هاج و صلاها راج و تمشي و تفاج. القرو إناء صغير يردد في الحوائج من قروت الأرض إذا جلت فيها و ترددت الإرباض الإرواء إلى أن يثقل الشارب فيربض. انتصاب ثجا بفعل مضمر أي يثج ثجا أو يحلب لأن فيه معنى ثج و يحتمل أن يكون بمعنى قولك ثاجا نصبا على الحال المراد بالبهاء و بيض الرغوة و الثمال جمع ثمالة و هي الرغوة أراضوا من أراض الحوض إذا استنقع فيه الماء أي نقعوا بالري مرة بعد أخرى تشاركن هزلا أي عمهن الهزال فكأنهن قد اشتركن فيه و التساوك التمايل من الضعف تساوق الغنم تتابعها في المسير كأن بعضها يسوق بعضا و المعنى أنها لضعفها و فرط هزالها تتخاذل و يتخلف بعضها عن بعض و الحلوب التي تحلب و هذا مما يستغربه أهل اللغة زاعمين أنه فعول بمعنى مفعولة نظرا إلى الظاهر و الحقيقة أنه بمعنى فاعلة و الأصل فيه أن الفعل كما يسند إلى مباشرة يسند إلى الحامل عليه و المطرق إلى إحداثه و منه قوله إذا رد عافي القدر من يستعيرها و قولهم هزم الأمير العدو و بني المدينة ثم قيل على هذا النهج ناقة حلوب لأنها تحمل على احتلابها بكونها ذات حلب فكأنها تحلب نفسها لحملها على الحلب و من ذلك الماء الشروب و الطريق الركوب و أشباههما بلج الوجه بياضه و إشراقه و منه الحق أبلج الثجلة و الثجل عظم البطن و الصقلة و الصقل طول الصقل و هو الخصر و قيل ضمره و قلة لحمه و قد صقل و هو من باب قولهم صقلت الناقة إذا أضمرتها بالسير و المعنى أنه لم يكن بمنتفخ الخصر و لا ضامره جدا. و النحل النحول و الصعلة صغر الرأس يقال صعل و أصعل و امرأة صعلاء القسام الجمال و رجل مقسم الوجه و كأن المعنى أخذ كل موضع منه من الجمال قسما فهو جميل كله ليس فيه شي‏ء يستقبح. العطف طول الأشفار و انعطافها أي تثنيها و الغطف انعطافها و انعطف و انغطف و انغضف أخوات و الوطف الطول الصحل صوت فيه بحة لا تبلغ أن تكون جشة و هو يستحسن لخلوه عن الحدة الموذية للصماخ السطع طول العنق و رجل أسطع و امرأة سطعاء و هو من سطوع النار سما قيل ارتفع و علا على جلسائه و قيل علا برأسه أو بيده و يجوز أن يكون الفعل للبهاء أي سماه البهاء و علاه على سبيل التأكيد للمبالغة في وصفه بالبهاء و الرونق إذا أخذ في الكلام لأنه كان ص أفصح العرب فصل مصدر موضوع موضع اسم الفاعل أي منطقه وسط بين النزر و الهذر فاصل بينهما قالوا رجل ربعة فأنثوا و الموصوف مذكر على تأويل نفس ربعة و مثله غلام يفعة لا يأس من طول يروى أنه كان فريق الربعة فالمعنى أنه لم يكن في حد الربعة غير متجاوز له فجعل ذلك القدر

  من تجاوز حد الربعة عدم يأس من بعض الطول و في تنكير الطول دليل على معنى البعضية و روي ربعة لا يائس من طول. يقال في المنظر المستقبح اقتحمته العين أي ازدرته كأنها وقعت من قبحه في قحمة و هي الشدة. محفود مخدوم و أصل الحفد مداركة الخطو محشود مجتمع عليه يعني أن أصحابه يزفون في خدمته يجتمعون عليه. خيمتي نصب على الظرف أجرى المحدود مجرى المبهم كبيت الكتاب كما عسل الطريق الثعلب. اللام في لقصي للتعجب كالتي في قولهم يا للدواهي و يا للماء و المعنى تعالوا يا قصي ليتعجب منكم فيما أغفلتموه من حظكم و أضعتموه من عزكم بعصيانكم رسول الله و إلجائكم إياه إلى الخروج من بين أظهركم. و قوله ما زوى الله عنكم تعجب أيضا معناه أي شي‏ء زوى الله عنكم الضرة أصل الضرع الذي لا يخلو من اللبن و قيل هي الضرع كله ما خلا الأطباء