باب 19- ما أظهر أبو بكر و عمر من الندامة

 1-  قال أبو الصلاح قدّس اللّه روحه في تقريب المعارف لمّا طعن عمر جمع بني عبد المطلب و قال يا بني عبد المطلب أ راضون أنتم عنّي. فقال رجل من أصحابه و من ذا الذي يسخط عليك.. فأعاد الكلام ثلاث مرات، فأجابه رجل بمثل جوابه، فانتهره عمر و قال نحن أعلم بما أشعرنا قلوبنا، إنّا و اللّه أشعرنا قلوبنا ما.. نسأل اللّه أن يكفينا شرّه، و إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة نسأل اللّه أن يكفينا شرّها. و قال لابنه عبد اللّه و هو مسنده إلى صدره ويحك ضع رأسي بالأرض، فأخذته الغشية، قال فوجدت من ذلك، فقال ويحك ضع رأسي بالأرض، فأخذته الغشية، قال فوجدت من ذلك، فقال ويحك ضع رأسي بالأرض، فوضعت رأسه بالأرض فعفّر بالتراب، ثم قال ويل لعمر و ويل لأمّه إن لم يغفر اللّه له. و قال أيضا حين حضره الموت أتوب إلى اللّه من ثلاث من اغتصابي هذا الأمر أنا و أبو بكر من دون الناس، و من استخلافي عليهم، و من تفضيلي المسلمين بعضهم على بعض. و قال أيضا أتوب إلى اللّه من ثلاث من ردي رقيق اليمن، و من رجوعي عن جيش أسامة بعد أن أمّره رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ علينا، و من تعاقدنا على أهل البيت إن قبض رسول اللّه أن لا نولي منهم أحدا.

 و رووا عن عبد اللّه بن شداد بن الهاد، قال كنت عند عمر و هو يموت فجعل يجزع، فقلت يا أمير المؤمنين أبشر بروح اللّه و كرامته، فجعلت كلّما رأيت جزعه قلت هذا، فنظر إليّ فقال ويحك فكيف بالممالأة على أهل بيت محمّد صلّى اللّه عليه ]و آله[. انتهى ما أخرجناه من التقريب.

 و قال الزمخشري في ربيع الأبرار لمّا حضرت عمر بن الخطاب الوفاة قال لبنيه و من حوله لو أنّ لي مل‏ء الأرض من صفراء أو بيضاء لافتديت به من أهوال ما أرى.

 2-  ل المظفّر العلوي، عن ابن العياشي، عن أبيه، عن محمد بن حاتم، عن عبد اللّه بن حمّاد و سليمان بن معبد، هما عن عبد اللّه بن صالح، عن الليث بن سعد، عن علوان بن داود بن صالح، عن صالح بن كيسان، عن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، قال قال أبو بكر في مرضه الذي قبض فيه أما إنّي لا آسى من الدنيا إلّا على ثلاث فعلتها، و وددت أنّي تركتها، و ثلاث تركتها وددت أنّي فعلتها، و ثلاث وددت أنّي كنت سألت عنهنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، أمّا التي وددت أنّي تركتها، فوددت أنّي لم أكن كشفت بيت فاطمة و إن كان علق عليّ الحرب، و وددت أنّي لم أكن حرقت الفجاءة و أنّي قتلته سريحا أو أطلقته نجيحا، و وددت أنّي يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين عمر أو أبي عبيدة فكان أميرا و كنت وزيرا. و أمّا التي تركتها فوددت أنّي يوم أتيت بالأشعث أسيرا كنت ضربت عنقه، فإنّه يخيّل إليّ أنّه لم ير صاحب شرّ إلّا أعانه، و وددت أنّي حين سيّرت خالدا إلى أهل الردّة كنت قدمت إلى قربه فإن ظفر المسلمون ظفروا و إن هزموا كنت بصدد لقاء أو مدد، و وددت أنّي كنت إذ وجّهت خالدا إلى الشام قذفت المشرق بعمر بن الخطاب، فكنت بسطت يدي يميني و شمالي في سبيل اللّه. و أمّا التي وددت أنّي كنت سألت عنهنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فوددت أنّي كنت سألته فيمن هذا الأمر فلم ننازعه أهله، و وددت أنّي كنت سألته هل للأنصار في هذا الأمر نصيب، و وددت أنّي كنت سألته عن ميراث الأخ و العمّ، فإنّ في نفسي منها حاجة.

 قال الصدوق رضي اللّه عنه إنّ يوم غدير خمّ لم يدع لأحد عذرا، هكذا قالت سيّدة النسوان فاطمة عليها السلام لمّا منعت من فدك و خاطبت الأنصار فقالوا يا بنت محمّد لو سمعنا هذا الكلام منك قبل بيعتنا لأبي بكر ما عدلنا بعليّ أحدا. فقالت و هل ترك أبي يوم غدير خمّ لأحد عذرا

 3-  ل أبي، عن المؤدّب، عن أحمد الأصبهاني، عن الثقفي، عن يحيى ابن الحسن بن الفرات، عن هارون بن عبيدة، عن يحيى بن عبد اللّه بن الحسن ابن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام قال قال عمر حين حضره الموت أتوب إلى اللّه من ثلاث اغتصابي هذا الأمر أنا و أبو بكر من دون الناس، و استخلافي عليهم، و تفضيلي المسلمين بعضهم على بعض.

 4-  ل بالإسناد إلى الثقفي، عن المسعودي، عن الحسن بن حمّاد الطائي، عن زياد بن المنذر، عن عطيّة فيما يظنّ، عن جابر بن عبد اللّه، قال شهدت عمر عند موته يقول أتوب إلى اللّه من ثلاث من ردي رقيق اليمن، و من رجوعي عن جيش أسامة بعد أن أمّره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله علينا، و من تعاقدنا على أهل هذا البيت إن قبض اللّه رسوله لا نولي منهم أحدا.

 5-  ل بالإسناد إلى الثقفي، عن محمد بن علي، عن الحسين بن سفيان، عن أبيه، عن فضل بن الزبير، عن أبي عبيدة الحذّاء، قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول لمّا حضر عمر الموت قال أتوب إلى اللّه من رجوعي من جيش أسامة، و أتوب إلى اللّه من عتقي سبي اليمن، و أتوب إلى اللّه من شي‏ء كنّا أشعرناه قلوبنا نسأل اللّه أن يكفينا ضرّه، و أنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة.

بيان قال في النهاية في حديث عمر »إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى اللّه شرّها«، أراد بالفلتة الفجأة، و مثل هذه البيعة جدير بأن تكون مهيّجة للشّرّ و الفتنة، فعصم اللّه عن ذلك و وقى، و الفلتة كلّ شي‏ء فعل من غير رويّة و إنّما يورد بها خوف انتشار الأمر، و قيل أراد بالفلتة الخلسة.. أي إنّ الإمامة يوم السّقيفة مالت إلى تولّيها الأنفس و لذلك كثر فيها التّشاجر، فما قلّدها أبو بكر إلّا انتزاعا من الأيدي و اختلاسا، و قيل الفلتة آخر ليلة من الأشهر الحرم، فيختلفون أ من الحلّ هي أم من الحرام فيتسارع الموتود إلى درك الثّار فيكثر الفساد و يسفك الدّماء، فشبّه أيّام النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بالأشهر الحرم و يوم موته بالفلتة في وقوع الشّرّ من ارتداد العرب و تخلّف الأنصار عن الطّاعة، و منع من منع الزّكاة، و الجري على عادة العرب في أن لا يسود القبيلة إلّا رجل منها. انتهى. و لا يخفى ضعف تلك التأويلات على عاقل، و سيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى.

 6-  جا الجعابي، عن العباس بن المغيرة، عن أحمد بن منصور، عن سليمان بن حرب، عن حمّاد بن بريد، عن يحيى بن سعيد، عن عاصم، عن عبيد اللّه بن عبد الرحمن بن أبان بن عثمان، عن أبيه، عن عثمان بن عفان، قال كنت آخر الناس عهدا بعمر بن الخطاب، دخلت عليه و رأسه في حجر ابنه عبد اللّه و هو يولول، فقال له ضع خدي بالأرض، فأبى عبد اللّه، فقال له ضع خدي بالأرض لا أمّ لك، فوضع خده على الأرض، فجعل يقول ويل أمّي ويل أمّي إن لم تغفر لي.. فلم يزل يقولها حتى خرجت نفسه.

 7-  إرشاد القلوب بحذف الإسناد مرفوعا إلى عبد الرحمن بن غنم الأزدي ختن معاذ بن جبل و حين مات كانت ابنته تحت معاذ بن جبل، و كان أفقه أهل الشام و أشدّهم اجتهادا، قال مات معاذ بن جبل بالطاعون، فشهدت يوم مات و الناس متشاغلون بالطاعون، قال و سمعته حين احتضر و ليس في البيت غيري و ذلك في خلافة عمر بن الخطاب، فسمعته يقول ويل لي ويل لي. فقلت في نفسي أصحاب الطاعون يهذون و يقولون الأعاجيب. فقلت له أ تهذي. قال لا، رحمك اللّه. قلت فلم تدعو بالويل و الثبور. قال لموالاتي عدوّ اللّه على وليّ اللّه. فقلت له من هم. قال موالاتي عتيقا و ]رمع[ على خليفة رسول اللّه و وصيّه عليّ بن أبي طالب عليه السلام. فقلت إنّك لتهجر. فقال يا ابن غنم و اللّه ما أهجر، هذان، رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عليّ بن أبي طالب عليه السلام يقولان لي يا معاذ أبشر بالنار أنت و أصحابك. أ فليس قلتم إن مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أو قتل زوينا الخلافة عن عليّ بن أبي طالب )ع( فلن تصل إليه، فاجتمعت أنا و ]عتيق و رمع[ و أبو عبيدة و سالم، قال قلت متى يا معاذ. قال في حجّة الوداع، قلنا نتظاهر على عليّ )ع( فلا ينال الخلافة ما حيينا، فلمّا قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قلت لهم أنا أكفيكم قومي الأنصار فأكفوني قريشا، ثم دعوت على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى هذا الذي تعاهدنا عليه بشر بن سعيد و أسيد بن حصين فبايعاني على ذلك، فقلت يا معاذ إنّك لتهجر، فألصق خدّه بالأرض فلمّا زال يدعو بالويل و الثبور حتى مات. فقال ابن غنم ما حدّثت بهذا الحديث يا ابن قيس بن هلال أحدا إلّا ابنتي امرأة معاذ و رجلا آخر، فإنّي فزعت ممّا رأيت و سمعت من معاذ. قال فحججت و لقيت الذي غمّض أبا عبيدة و سالما فأخبراني أنّه حصل لهما ذلك عند موتهما، لم يزد فيه حرفا و لم ينقص حرفا، كأنّهما قالا مثل ما قال معاذ بن جبل، فقلت أ و لم يقتل سالم يوم التهامة. قال بلى، و لكنّا احتملناه و به رمق. قال سليم فحدّثت بحديث ابن غنم هذا كلّه محمد بن أبي بكر، فقال لي اكتم عليّ و اشهد أنّ أبي قد قال عند موته مثل مقالتهم، فقالت عائشة إنّ أبي يهجر. قال محمد فلقيت عبد اللّه بن عمر في خلافة عثمان و حدّثته بما سمعت من أبي عند موته فأخذت عليه العهد و الميثاق ألّا يكتم عليّ. فقال لي ابن عمر اكتم عليّ، فو اللّه لقد قال أبي مثل ما قال أبوك و ما زاد و لا نقص، ثم تداركها ابن عمر بعد و تخوّف أن أخبر بذلك عليّ بن أبي طالب عليه السلام لما علم من حبّي له و انقطاعي إليه، فقال إنّما كان يهجر. فأتيت أمير المؤمنين عليه السلام فأخبرته بما سمعته من أبي و ما حدّثني به ابن عمر. فقال عليّ )ع( قد حدّثني بذلك عن أبيك و عن أبيه و عن أبي عبيدة و سالم و عن معاذ من هو أصدق منك و من ابن عمر. فقلت و من ذاك يا أمير المؤمنين. فقال بعض من حدّثني. فعرفت ما عنى، فقلت صدقت، إنّما ظننت إنسانا حدّثك، و ما شهد أبي و هو يقول ذلك غيري. قال سليم قلت لابن غنم مات معاذ بالطاعون فبما مات أبو عبيدة. قال مات بالدّبيلة، فلقيت محمد بن أبي بكر فقلت هل شهد موت أبيك غيرك و أخيك عبد الرحمن و عائشة و عمر. قال لا. قلت و هل سمعوا منه ما

 سمعت. قال سمعوا منه طرفا فبكوا. و قال هو يهجر، فأمّا كلّ ما سمعت أنا فلا، قلت فالذي سمعوا ما هو. قال دعا بالويل و الثبور، فقال له عمر يا خليفة رسول اللّه لم تدعو بالويل و الثبور. قال هذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و معه عليّ بن أبي طالب يبشّراني بالنار، و معه الصحيفة التي تعاهدنا عليها في الكعبة، و هو يقول قد وفيت بها و ظاهرت على وليّ اللّه فأبشر أنت و صاحبك بالنار في أسفل السافلين، فلمّا سمعها عمر خرج و هو يقول إنّه ليهجر قال لا و اللّه لا أهجر أين تذهب. قال عمر كيف لا تهجر و أنت ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ قال الآن أيضا أ و لم أحدّثك أنّ محمّدا و لم يقل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لي و أنا معه في الغار إنّي أرى سفينة جعفر و أصحابه تعوم في البحر، فقلت أرنيها، فمسح يده على وجهه فنظرت إليها، و أضمرت عند ذلك أنّه ساحر، و ذكرت لك ذلك بالمدينة، فأجمع رأيي و رأيك أنّه ساحر، فقال عمر يا هؤلاء إنّ أباكم يهجر فاكتموا ما تسمعون عنه لئلّا يشمت بكم أهل هذا البيت، ثم خرج و خرج أخي و خرجت عائشة ليتوضئوا للصلاة، فأسمعني من قوله ما لم يسمعوا، فقلت له لمّا خلوت به يا أبة قل لا إله إلّا اللّه، قال لا أقولها و لا أقدر عليها أبدا حتى أرد النار فأدخل التابوت، فلمّا ذكر التابوت ظننت أنّه يهجر، فقلت له أيّ تابوت. فقال تابوت من نار مقفل بقفل من نار فيه اثنا عشر رجلا، أنا و صاحبي هذا، قلت عمر. قال نعم، و عشرة في جبّ من جهنّم عليه صخرة إذا أراد اللّه أن يسعر جهنّم رفع الصخرة. قلت أ تهذي. قال لا و اللّه ما أهذي، و لعن اللّه ابن صهاك هو الذي أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي فَبِئْسَ الْقَرِينُ، ألصق خدّي بالأرض، فألصقت خدّه بالأرض، فما زال يدعو بالويل و الثبور حتى غمّضته، ثم دخل عمر عليّ، فقال هل قال بعدنا شيئا فحدّثته. فقال يرحم اللّه خليفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، اكتم هذا كلّه هذيان، و أنتم أهل بيت يعرف لكم الهذيان في موتكم. قالت عائشة صدقت، ثم قال لي عمر إيّاك أن يخرج منك شي‏ء ممّا سمعت به إلى عليّ بن أبي طالب )ع( و أهل بيته. قال قال سليم قلت لمحمد من تراه حدّث أمير المؤمنين عليه السلام عن هؤلاء الخمسة بما قالوا، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، إنّه يراه في

 كلّ ليلة في المنام و حديثه إيّاه في المنام مثل حديثه إيّاه في اليقظة و الحياة، و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من رآني في المنام فقد رآني فإنّ الشيطان لا يتمثّل بي في نوم و لا يقظة و لا بأحد من أوصيائي إلى يوم القيامة. قال سليم فقلت لمحمد فمن حدّثك بهذا. قال عليّ. فقلت قد سمعت أنا أيضا منه كما سمعت أنت، قلت لمحمد فلعلّ ملكا من الملائكة حدّثه. قال أ و ذاك قلت فهل تحدّث الملائكة إلّا الأنبياء. قال أ ما تقرأ كتاب اللّه و ما أرسلنا من قبلك من رسول و لا نبيّ و لا محدّث. قلت أنا أمير المؤمنين محدّث. قال نعم، و فاطمة محدّثة، و لم تكن نبيّة، و مريم محدّثة و لم تكن نبيّة، و أمّ موسى محدّثة و لم تكن نبيّة، و سارة امرأة إبراهيم قد عاينت الملائكة و لم تكن نبيّة، فبشّروها بِإِسْحاقَ وَ مِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ. قال سليم فلمّا قتل محمد بن أبي بكر بمصر و عزّينا أمير المؤمنين، جئت إلى أمير المؤمنين عليه السلام و خلوت به فحدّثته بما أخبرني به محمد بن أبي بكر و بما حدّثني به ابن غنم. قال صدق محمد رحمه اللّه، أما انّه شهيد حيّ مرزوق، يا سليم إنّي و أوصيائي أحد عشر رجلا من ولدي أئمّة هدى مهديّون محدّثون. قلت يا أمير المؤمنين و من هم. قال ابني الحسن و الحسين، ثم ابني هذا و أخذ بيد عليّ بن الحسين عليهم السلام و هو رضيع ثم ثمانية من ولده واحدا بعد واحد، و هم الذين أقسم اللّه بهم فقال وَ والِدٍ وَ ما وَلَدَ، فالوالد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أنا، و ما ولد يعني هؤلاء الأحد عشر وصيّا صلوات اللّه عليهم. قلت يا أمير المؤمنين يجتمع إمامان. قال لا، إلّا و أحدهما صامت لا ينطق حتى يهلك الأول.

 8-  أقول وجدت الخبر في كتاب سليم عن أبان عن سليم عن عبد الرحمن بن غنم.. و ذكر الحديث مثله سواء.

بيان هذا الخبر أحد الأمور التي صارت سببا للقدح في كتاب سليم، لأنّ محمدا ولد في حجّة الوداع كما ورد في أخبار الخاصّة و العامّة فكان له عند موت أبيه سنتان و أشهر، فكيف كان يمكنه التكلّم بتلك الكلمات، و تذكر تلك الحكايات. و لعلّه ممّا صحّف فيه النساخ أو الرواة، أو يقال إنّ ذلك كان من معجزات أمير المؤمنين عليه السلام ظهر فيه. و قال بعض الأفاضل رأيت فيما وصل إليّ من نسخة هذا الكتاب أنّ عبد اللّه بن عمر وعظ أباه عند موته. و الحقّ أنّ بمثل هذا لا يمكن القدح في كتاب معروف بين المحدّثين اعتمد عليه الكليني و الصدوق و غيرهما من القدماء، و أكثر أخباره مطابقة لما روي بالأسانيد الصحيحة في الأصول المعتبرة، و قلّ كتاب من الأصول المتداولة يخلو عن مثل ذلك. قال النعماني في كتاب الغيبة بعد ما أورد من كتاب سليم أخبارا كثيرة ما هذا لفظه.. كتابه أصل من الأصول التي رواها أهل العلم و حملة حديث أهل البيت عليهم السلام و أقدمها، لأنّ جميع ما اشتمل عليه هذا الكتاب إنّما هو عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السلام و المقداد و سلمان الفارسي و أبي ذرّ و من جرى مجراهم ممّن شهد رسول اللّه و أمير المؤمنين عليهما السلام و سمع منهما، و هو من الأصول التي ترجع الشيعة إليها و تعول عليها. انتهى.

 9-  و قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة المبرّد في الكامل، عن عبد الرحمن بن عوف، قال دخلت على أبي بكر أعوده في مرضه الذي مات فيه، فسلّمت و سألته فاستوى جالسا، فقلت لقد أصبحت بحمد اللّه بارئا. فقال أما إنّي على ما ترى لوجع، و جعلتم لي معشر المهاجرين شغلا مع وجعي، جعلت لكم عهدا من بعدي، و اخترت لكم خيركم في نفسي، فكلّكم ورم لذلك أنفه رجاء أن يكون الأمر له، و رأيتم الدنيا قد أقبلت، و اللّه لتتّخذنّ ستور الحرير و نضائد الديباج، و تألمون ضجائع الصوف الأزدريّ، كأنّ أحدكم على حسك السّعدان، و اللّه لئن يقدّم أحدكم فيضرب عنقه في غير حدّ لخير له من أن يسبح في غمرة الدنيا، و إنّكم غدا لأوّل صال بالنار، تجودون عن الطريق يمينا و شمالا، يا هادي الطريق جرت، إنّما هو البحر أو الفجر. فقال له عبد الرحمن لا تكثر على ما بك فيهيضك، و اللّه ما أردت إلّا الخير، و أنا صاحبك لذو خير، و ما النّاس إلّا رجلان، رجل رأى ما رأيت فلا خلاف عليك منه، و رجل رأى غير ذلك، و إنّما يشير عليك برأيه، فسكن و سكت هنيئة، فقال عبد الرحمن ما أرى بك بأسا، و الحمد للّه، فلا تأس على الدنيا، فو اللّه إن علمناك إلّا صالحا مصلحا. فقال أما إنّي لا آسى إلّا على ثلاث فعلتهنّ وددت أنّي لم أفعلهنّ، و ثلاث لم أفعلهنّ وددت أنّي فعلتهنّ، و ثلاث وددت أنّي سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عنهنّ. فأمّا الثلاث التي فعلتها و وددت أنّي لم أكن فعلتها، فوددت أنّي لم أكن كشفت عن بيت فاطمة )ع( و تركته و لو أغلق على حرب، و وددت أنّي يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين، عمر أو أبي عبيدة، فكان أميرا و كنت وزيرا، و وددت أنّي إذ أتيت بالفجاءة لم أكن أحرقته. و أمّا الثلاث التي لم أفعلها و وددت أنّي فعلتها، فوددت أنّي يوم أتيت بالأشعث أسيرا كنت ضربت عنقه، فإنّه يخيّل إليّ أنّه لا يرى شرّا إلّا أعان عليه، و وددت أنّي حيث وجّهت خالدا إلى أهل الردّة أقمت بذي القصّة، فإن ظفر المسلمون و إلّا كنت ردءا لهم، و وددت حيث وجّهت خالدا إلى الشام كنت وجّهت عمر إلى العراق، فأكون قد بسطت كلتا يديّ اليمين و الشمال في سبيل اللّه. و أمّا الثلاث اللواتي وددت أنّي كنت سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ عنهنّ، فوددت أنّي سألته فيمن هذا الأمر، فكنّا لا ننازعه أهله و وددت أنّي سألته هل للأنصار في هذا الأمر نصيب و وددت أنّي سألته عن ميراث العمّة و ابنة الأخ فإنّ في نفسي منهما حاجة.

توضيح قوله ورم أنفه.. أي امتلأ و انتفخ من ذلك غضبا، و خصّ الأنف بالذّكر لأنّه موضع الأنفة و الكبر، كما يقال شمخ بأنفه، و منه قول الشّاعر

و لا يهاج إذا ما أنفه ورما

و في النهاية، في حديث أبي بكر لتتّخذنّ نضائد الدّيباج.. أي الوسائد، واحدتهما نضيدة. و الآزري نسبة إلى آزر، و هي كهاجر ناحية بين الأهواز و رامهرمز. و في النهاية الأزربي، قال في حديث أبي بكر لتأملنّ النّوم على الصّوف الأزربي كما يألم أحدكم النّوم على حسك السّعدان.. الأزربي منسوب إلى آذربيجان على غير قياس هكذا تقوله العرب، و القياس أن تقول أزريّ بغير باء كما يقال في النّسب إلى رامهرمز و أمّي و هو مطّرد في النّسب إلى الأسماء المركّبة، و السّعدان نبت ذو شوك يشبه حلمة الثّدي، و الحسك جمع الحسكة بتحريكهما و هي شوكة صلبة. و الجور الميل عن الطّريق. و قال ابن الأثير في حديث أبي بكر »إنّما هو الفجر أو البجر« البجر بالفتح و الضّم الدّاهية و الأمر العظيم.. أي إن انتظرت حتّى يضي‏ء الفجر أبصرت الطّريق، و إن خبطت الظّلماء أفضت بك إلى المكروه، و يروى البحر بالحاء يريد غمرات الدّنيا، شبّهها بالبحر لتبحّر أهلها فيها. و الهيض بالفتح الكسر بعد الجبر و هو أشدّ ما يكون من الكسر، يقال هاضه الأمر يهيضه. و لا تأس.. أي لا تحزن. تذييل اعلم أنّ ما اشتمل عليه هذا الخبر أحد المطاعن المشهورة لأبي بكر ذكره الأصحاب، قالوا إنّ قوله ليتني كنت سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هل للأنصار في هذا الأمر حقّ يدلّ على شكّه في صحّة بيعته، و قوله ليتني تركت بيت فاطمة عليها السلام لم أكشفه، و ليتني في ظلّة بني ساعدة كنت ضربت على يد أحد الرجلين.. يدلّ على ما روي من إقدامه على بيت فاطمة عليها السلام عند اجتماع عليّ عليه السلام و الزبير و غيرهما فيه، و على أنّه كان يرى الفضل لغيره لا لنفسه. و قوله وددت أنّي سألت فيمن هذا الأمر فكنّا لا ننازعه أهله.. كالصريح في أنّه لم يكن أهلا للإمامة. و قوله وددت أنّي سألت عن ميراث العمّة و الخالة.. اعتراف بجهله بأحكام الدين. و أجاب عنه قاضي القضاة في المغني بأنّ قوله ليتني.. لا يدلّ على الشك فيما تمنّاه، و قول إبراهيم عليه السلام رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي أقوى في الشبهة من ذلك، ثم حمل تمنّيه على أنّه أراد سماع شي‏ء مفصّل، أو أراد ليتني سألته عند الموت لقرب العهد، لأنّ ما قرب عهده لا ينسى، و يكون أردع للأنصار عمّا حاولوه. ثم قال على أنّه ليس في ظاهره أنّه تمنّى أن يسأل هل له حقّ للإمامة أم لا لأنّ الإمامة قد يتعلّق بها حقوق سواها، ثم دفع الرواية المتعلّقة ببيت فاطمة عليها السلام، و قال فأمّا تمنّيه أن يبايع غيره، فلو ثبت لم يكن ذمّا، لأنّ من اشتدّ التكليف عليه فهو يتمنّى خلافه. و ذكر شارح المقاصد الطعن بأنّه شكّ عند موته في استحقاقه للإمامة، حيث قال وددت أنّي سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]و آله[ عن هذا الأمر فيمن هو و كنّا لا ننازع أهله ثم أجاب بأنّ هذا على تقدير صحّته لا يدلّ على الشك، بل على عدم النّص، و بأنّ إمامته كانت بالبيعة و الاختيار، و أنّه في طلب الحقّ بحيث يحاول أن لا يكتفي بذلك، بل يريد اتّباع النّص خاصّة. و بنحو ذلك أجاب الفخر الرازي في نهاية العقول عن الطعن بقوله ليتني سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله هل للأنصار فيه حقّ.. إلّا أنّه لم يمنع صحّة الرواية. و أورد السيّد الأجلّ رضي اللّه عنه في الشافي على كلام صاحب المغني بأنّه ليس يجوز أن يقول أبو بكر ليتني سألت عن.. كذا إلّا مع الشكّ و الشبهة، لأنّ مع العلم و اليقين لا يجوز مثل هذا القول، هكذا يقتضي الظاهر، فأمّا قول إبراهيم عليه السلام فإنّما ساغ أن يعدل عن ظاهره، لأنّ الشكّ لا يجوز على الأنبياء عليهم السلام و يجوز على غيرهم، على أنّه عليه السلام قد نفى عن نفسه الشكّ بقوله بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي، و قد قيل إنّ نمرود قال له إذا كنت تزعم أنّ لك ربّا يحيي الموتى فاسأله أن يحيي لنا ميّتا إن كان على ذلك قادرا، فإن لم يفعل ذلك قتلتك، فأراد بقوله وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي.. أي لآمن

 من توعّد عدوّك، و قد يجوز أن يكون طلب ذلك لقومه و قد سألوه أن يرغب إلى اللّه فيه، فقال ليطمئنّ قلبي إلى إجابتك لي و إلى إزاحة علّة قومي، و لم يرد ليطمئنّ قلبي إلى أنّك تقدر أن تحيي الموتى، لأنّ قلبه قد كان بذلك مطمئنا، و أيّ شي‏ء يريد أبو بكر من التفصيل أكثر من قوله إنّ هذا الأمر لا يصلح إلّا لهذا الحيّ من قريش، و أيّ فرق بين ما يقال عند الموت و بين ما يقال قبله إذا كان محفوظا معلوما لم يرفع حكمه و لم ينسخ. و بعد، فظاهر الكلام لا يقتضي هذا التخصيص و نحن مع الإطلاق و الظاهر، و أيّ حقّ يجوز أن يكون للأنصار في الإمامة غير أن يتولّاها رجل منهم حتى يجوز أن يكون الحقّ الذي تمنّى أن يسأل عنه غير الإمامة و هل هذا إلّا تعسّف و تكلّف و أيّ شبهة تبقى بعد قول أبي بكر ليتني كنت سألته هل للأنصار في هذا الأمر حقّ فكنّا لا ننازعه أهله و معلوم أنّ التنازع بينهم لم يقع إلّا في الإمامة نفسها لا في حقّ آخر من حقوقها. فأمّا قوله إنّا قد بيّنّا أنّه لم يكن منه في بيت فاطمة عليها السلام ما يوجب أن يتمنّى أنّه لم يفعله، فقد بيّنا فساد ظنّه فيما تقدّم. فأمّا قوله إنّ من اشتدّ التكليف عليه قد يتمنّى خلافه.. فليس بصحيح، لأنّ ولاية أبي بكر إذا كانت هي التي اقتضاها الدين و النظر للمسلمين في تلك الحال، و ما عداها كان مفسدة و مؤدّيا إلى الفتنة، فالتمنّي بخلافها لا يكون إلّا قبيحا.

 10-  كتاب الاستدراك قال ذكر عيسى بن مهران في كتاب الوفاة، بإسناده عن الحسن بن الحسين العرني، قال حدّثنا مصبح العجلي، عن أبي عوانة، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال لمّا ثقل أبي أرسلني إلى عليّ عليه السلام فدعوته، فأتاه، فقال يا أبا الحسن إنّي كنت ممّن شغب عليك، و أنا كنت أوّلهم، و أنا صاحبك، فأحبّ أن تجعلني في حلّ. فقال نعم، على أن تدخل عليك رجلين فتشهدهما على ذلك. قال فحوّل وجهه إلى الحائط، فمكث طويلا ثم قال يا أبا الحسن ما تقول. قال هو ما أقول لك. قال فحوّل وجهه.. فمكث طويلا ثم قام فخرج. قال قلت يا أبة قد أنصفك، ما عليك لو أشهدت له رجلين. قال يا بنيّ إنّما أراد أن لا يستغفر لي رجلان من بعدي.

بيان يقال شغب عليه كمنع و فرح هيّج الشّرّ عليه.

 11-  الكافية في إبطال توبة الخاطئة عن سليم، عن محمد بن أبي بكر، قال لمّا حضر أبا بكر أمره جعل يدعو بالويل و الثبور، و كان عمر عنده، فقال لنا اكتموا هذا الأمر على أبيكم، فإنّه يهذي، و أنتم قوم معروفون لكم عند الوجع الهذيان. فقالت عائشة صدقت، فخرج عمر فقبض أبو بكر.

 12-  و عن هشام بن عروة، عن عبد اللّه بن عمر، قال قيل لعمر أ لا تستخلف. فقال إن أستخلف فقد استخلف من هو خير منّي، أبو بكر، و إن أترك فقد ترك من هو خير منّي أبو بكر، و إن أترك فقد ترك من هو خير منّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فأثنوا عليه، فقال راغبا راهبا وددت أنّي كفافا لا عليّ و لا لي.

 13-  و عن شعبة، عن عاصم بن عبد اللّه بن عباس بن ربيعة، قال رأيت عمر بن الخطاب أخذ تبنة من الأرض، فقال ليتني كُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا، ليت أمّي لم تلدني.

 14-  و عن سفيان، عن عاصم، قال حدّثني أبان بن عثمان، قال آخر كلمة قالها عمر حتى قضى ويل أمّي إن لم يغفر لي ربّي ويل أمّي إن لم يغفر لي ربّي.

 15-  و عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة، قال قال عمر حين حضره الموت لو أنّ لي الدنيا و ما فيها لافتديت بها من النار.

 16-  و عن شعبة، عن سمّاك اليماني، عن ابن عباس، قال أتيت على عمر فقال وددت أنّي أنجو منها كفافا لا أجر و لا وزر.

 17-  و عن حصين بن عبد الرحمن، عن عمر بن ميمون، قال جاء شابّ إلى عمر فقال أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى اللّه لك من القدم في الإسلام و صحبة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما قد علمت، ثم وليت فعدلت، ثم شهادة. فقال يا ابن أخي وددت أنّ ذلك كفافا لا عليّ و لا لي.

 18-  و عن ابن أبي إياس، عن سليمان بن حنان، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن ابن عباس، قال دخلت على عمر حين طعن، فقلت أبشر يا أمير المؤمنين أسلمت حين كفر الناس، و قبض صلّى اللّه عليه و آله و هو عنك راض، و لم يختلف في خلافتك، و قتلت شهيدا. فقال عمر أعد عليّ قولك.. فأعدته عليه. فقال إنّ المغرور من غررتموه، و الذي لا إله غيره لو كان لي ما على الأرض من صفراء و بيضاء لافتديت به من هول المطّلع.