باب 3- تمهيد غصب الخلافة و قصة الصحيفة الملعونة

1-  كا، ]الكافي[ العدة عن سهل عن ابن فضال عن سفيان بن إبراهيم الجريري عن الحارث بن حصيرة الأسدي عن أبي جعفر ع قال كنت دخلت مع أبي الكعبة فصلى على الرخامة الحمراء بين العمودين فقال في هذا الموضع تعاقد القوم إن مات رسول الله ص أن لا يردوا هذا الأمر في أحد من أهل بيته أبدا قال قلت و من كان قال الأول و الثاني و أبو عبيدة بن الجراح و سالم بن الحبيبة

2-  فس، ]تفسير القمي[ أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن أبي بكر الحضرمي و بكر بن أبي بكر قالا حدثنا سليمان بن خالد قال سألت أبا جعفر ع عن قول الله إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ قال الثاني قوله ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ قال فلان و فلان و أبو فلان أمينهم حين اجتمعوا و دخلوا الكعبة فكتبوا بينهم كتابا إن مات محمد أن لا يرجع الأمر فيهم أبدا

   بيان أبو فلان أبو عبيدة

3-  إرشاد القلوب، بحذف الإسناد قال لما استخلف عثمان بن  عفان آوى إليه عمه الحكم بن العاص و ولده مروان و الحارث بن الحكم و وجه عماله في الأمصار و كان فيمن وجه عمر بن سفيان بن المغيرة بن أبي العاص بن أمية إلى مشكان و الحارث بن الحكم إلى المدائن فأقام فيها مدة يتعسف أهلها و يسي‏ء معاملتهم فوفد منهم إلى عثمان وفد شكوا إليه و أعلموه بسوء ما يعاملهم به و أغلظوا عليه في القول فولى حذيفة بن اليمان عليهم و ذلك في آخر أيامه فلم ينصرف حذيفة بن اليمان من المدائن إلى أن قتل عثمان و استخلف علي بن أبي طالب ع فأقام حذيفة عليها و كتب إليه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من عبد الله علي أمير المؤمنين ع إلى حذيفة بن اليمان سلام عليك فإني وليتك ما كنت تليه لمن كان قبل من حرف المدائن و قد جعلت إليك أعمال الخراج و الرستاق و جباية أهل الذمة فاجمع إليك ثقاتك و من أحببت ممن ترضى دينه و أمانته و  استعن بهم على أعمالك فإن ذلك أعز لك و لوليك و أكبت لعدوك و إني آمرك بتقوى الله و طاعته في السر و العلانية فاحذر عقابه في المغيب و المشهد و أتقدم إليك بالإحسان إلى المحسن و الشدة على المعاند و آمرك بالرفق في أمورك و اللين و العدل في رعيتك فإنك مسئول عن ذلك و إنصاف المظلوم و العفو عن الناس و حسن السيرة ما استطعت فالله يجزي المحسنين و آمرك أن تجبي خراج الأرضين على الحق و النصفة و لا تتجاوز ما تقدمت به إليك و لا تدع منه شيئا و لا تبتدع فيه أمرا ثم اقسمه بين أهله بالسوية و العدل و اخفض لرعيتك جناحك و واس بينهم في مجلسك و ليكن القريب و البعيد عندك في الحق سواء و احكم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ و أقم فيهم بالقسط وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى و لا تخف في الله لومة لائم ف إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ و قد وجهت إليك كتابا لتقرأه على أهل مملكتك ليعلموا رأينا فيهم و في جميع المسلمين فأحضرهم و اقرأ عليهم و خذ البيعة لنا على الصغير و الكبير منهم إن شاء الله تعالى فلما وصل عهد أمير المؤمنين ع إلى حذيفة جمع الناس فصلى بهم ثم أمر بالكتاب فقرئ عليهم و هو بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من بلغه كتابي هذا من المسلمين سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو و أسأله أن يصلي على محمد و آله فأما بعد فإن الله تعالى اختار الإسلام دينا لنفسه و ملائكته و رسله و إحكاما لصنعه و حسن تدبيره و نظرا منه لعباده و خص منه من أحب من خلقه فبعث إليهم محمدا ص فعلمهم الكتاب و الحكمة إكراما و تفضلا لهذه الأمة و أدبهم لكي يهتدوا و جمعهم لئلا يتفرقوا و فقههم لئلا يجوروا فلما قضى ما كان عليه من ذلك مضى إلى رحمة ربه حميدا محمودا ثم إن بعض المسلمين أقاموا بعده رجلين رضوا بهديهما و سيرتهما قاما

  ما شاء الله ثم توفاهما الله عز و جل ثم ولوا بعدهما الثالث فأحدث أحداثا و وجدت الأمة عليه فعالا فاتفقوا عليه ثم نقموا منه فغيروا ثم جاءوني كتتابع الخيل فبايعوني فأنا أستهدي الله بهداه و أستعينه على التقوى ألا و إن لكم علينا العمل بكتاب الله و سنة نبيه و القيام بحقه و إحياء سنته و النصح لكم بالمغيب و المشهد و بالله نستعين على ذلك و هو حسبنا وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ و قد وليت أموركم حذيفة بن اليمان و هو ممن أرتضي بهداه و أرجو صلاحه و قد أمرته بالإحسان إلى محسنكم و الشدة على مريبكم و الرفق بجميعكم أسأل الله لنا و لكم حسن الخيرة و الإحسان و رحمته الواسعة في الدنيا و الآخرة و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته قال ثم إن حذيفة صعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه و صلى على النبي و آله ثم قال الحمد لله الذي أحيا الحق و أمات الباطل و جاء بالعدل و أدحض الجور و كبت الظالمين أيها الناس إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ و أمير المؤمنين حقا حقا و خير من نعلمه بعد نبينا محمد رسول الله و أولى الناس بالناس و أحقهم بالأمر و أقربهم إلى الصدق و أرشدهم إلى العدل و أهداهم سبيلا و أدناهم إلى الله وسيلة و أمسهم برسول الله ص رحما أنيبوا إلى طاعة أول الناس سلما و أكثرهم علما و أقصدهم طريقا و أسبقهم إيمانا و أحسنهم يقينا و أكثرهم معروفا و أقدمهم جهادا و أعزهم مقاما أخي رسول الله و ابن عمه و أبي الحسن و الحسين و زوج الزهراء البتول سيدة نساء العالمين فقوموا أيها الناس فبايعوا على كتاب الله و سنة نبيه ص فإن لله في ذلك رضى و لكم مقنع و صلاح و السلام فقام الناس بأجمعهم فبايعوا أمير المؤمنين ع أحسن بيعة و أجمعها فلما استتمت البيعة قام إليه فتى من أبناء العجم و ولاة الأنصار لمحمد بن عمارة بن التيهان أخو أبو الهيثم بن التيهان يقال له مسلم متقلدا سيفا فناداه من أقصى الناس أيها الأمير إنا سمعناك تقول إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ و أمير  المؤمنين حقا حقا تعريضا بمن كان قبله من الخلفاء أنهم لم يكونوا أمراء المؤمنين حقا فعرفنا ذلك أيها الأمير رحمك الله و لا تكتمنا فإنك ممن شهد و عاين و نحن مقلدون ذلك أعناقهم و الله شاهد عليكم فيما تأتون به من النصيحة لأمتكم و صدق الخبر عن نبيكم ص فقال حذيفة أيها الرجل أما إذا سألت و فحصت هكذا فاسمع و افهم ما أخبرك به أما من تقدم من الخلفاء قبل علي بن أبي طالب ع ممن تسمى أمير المؤمنين فإنهم تسموا بذلك فسماهم الناس بذلك و أما علي بن أبي طالب ع فإن جبرئيل ع سماه بهذا الاسم عن الله تعالى و شهد له رسول الله ص عن سلام جبرئيل ع له بإمرة المؤمنين و كان أصحاب رسول الله ص يدعونه في حياة رسول الله ص بإمرة المؤمنين قال الفتى خبرنا كيف كان ذلك يرحمك الله قال حذيفة إن الناس كانوا يدخلون على رسول الله ص قبل الحجاب إذا شاءوا فنهاهم رسول الله ص أن يدخل أحد إليه و عنده دحية بن خليفة الكلبي و كان رسول الله ص يراسل قيصرا ملك الروم و بني حنيفة و ملوك بني غسان على يده و كان جبرئيل ع يهبط على صورته و لذلك نهى رسول الله ص أن يدخل المسلمون عليه إذا كان عنده دحية قال حذيفة و إني أقبلت يوما لبعض أموري إلى رسول الله ص مهجرا رجاء أن ألقاه خاليا فلما صرت بالباب فإذا أنا بالشملة قد سدلت على الباب فرفعتها و هممت بالدخول و كذلك كنا نصنع فإذا أنا بدحية قاعد عند رسول الله و النبي نائم و رأسه في حجر دحية فلما رأيته انصرفت فلقيني علي بن أبي طالب ع في بعض الطريق فقال يا ابن اليمان من أين أقبلت قلت من عند رسول الله ص قال و ما ذا صنعت عنده قلت أردت الدخول عليه في كذا و كذا فذكرت الأمر الذي جئت له فلم يتهيأ لي ذلك قال و لم قلت كان عنده دحية الكلبي و سألت عليا ع معونتي على رسول الله ص في ذلك قال فارجع معي فرجعت معه

  فلما صرنا إلى باب بالدار جلست بالباب و رفع علي الشملة و دخله و سلم فسمعت دحية يقول و عليك السلام يا أمير المؤمنين و رحمة الله و بركاته ثم قال اجلس فخذ رأس أخيك و ابن عمك من حجري فأنت أولى الناس به فجلس علي ع و أخذ رأس رسول الله ص فجعله في حجره و خرج دحية من البيت فقال علي ادخل يا حذيفة فدخلت و جلست فما كان بأسرع أن انتبه رسول الله ص فضحك في وجه علي ع ثم قال يا أبا الحسن من حجر من أخذت رأسي فقال من حجر دحية الكلبي فقال ذلك جبرئيل ع فما قلت له حين دخلت و ما قال لك قال دخلت فسلمت فقال لي و عليك السلام يا أمير المؤمنين و رحمة الله و بركاته فقال رسول الله ص يا علي سلمت عليك ملائكة الله و سكان سماواته بإمرة المؤمنين من قبل أن يسلم عليك أهل الأرض يا علي إن جبرئيل ع فعل ذلك من أمر الله تعالى و قد أوحي إلي عن ربي عز و جل من قبل دخولك أن أفرض ذلك على الناس و أنا فاعل ذلك إن شاء الله تعالى فلما كان من الغد بعثني رسول الله ص إلى ناحية فدك في حاجة فلبثت أياما فقدمت فوجدت الناس يتحدثون أن رسول الله ص أمر الناس أن يسلموا على علي ع بإمرة المؤمنين و إن جبرئيل أتاه بذلك عن الله عز و جل فقلت صدق رسول الله ص و أنا قد سمعت جبرئيل ع يسلم على علي ع بإمرة المؤمنين و حدثتهم الحديث فسمعني عمر بن الخطاب و أنا أحدث الناس في المسجد فقال لي أنت رأيت جبرئيل و سمعته اتق القول فقد قلت قولا عظيما أو قد خولط بك فقلت نعم أنا سمعت ذلك و رأيته فأرغم الله أنف من رغم فقال يا أبا عبد الله لقد رأيت و سمعت عجبا قال حذيفة و سمعني بريدة بن الحصيب الأسلمي و أنا أحدث ببعض

  ما رأيت و سمعت فقال لي و الله يا ابن اليماني لقد أمرهم رسول الله ص بالسلام على علي بإمرة المؤمنين قلت يا بريدة أ كنت شاهدا ذلك اليوم فقال نعم من أوله إلى آخره فقلت له حدثني به يرحمك الله تعالى فإني كنت عن ذلك اليوم غائبا فقال بريدة كنت أنا و عمار أخي مع رسول الله ص في نخيل بني النجار فدخل علينا علي بن أبي طالب ع فسلم فرد عليه السلام رسول الله ص و ردنا ثم قال له يا علي اجلس هناك فجلس و دخل رجال فأمرهم رسول الله ص بالسلام على علي بإمرة المؤمنين فسلموا و ما كادوا ثم دخل أبو بكر و عمر فسلما فقال لهما رسول الله ص سلما على علي ع بإمرة المؤمنين فقالا إن الأمر من الله و رسوله فقال نعم ثم دخل طلحة و سعد بن مالك فسلما فقال لهما رسول الله ص سلما على علي بإمرة المؤمنين فقالا أمر من الله و رسوله فقال نعم قالا سَمِعْنا وَ أَطَعْنا ثم دخل سلمان الفارسي و أبو ذر الغفاري رضي الله عنهما فسلما فرد عليهما السلام ثم قال سلما على علي بإمرة المؤمنين فسلما و لم يقولا شيئا ثم دخل خزيمة بن ثابت و أبو الهيثم التيهان فسلما فرد عليهما السلام ثم قال سلما على علي بإمرة المؤمنين فسلما و لم يقولا شيئا ثم دخل عمار و المقداد فسلما فرد عليهما السلام و قال سلما على علي بإمرة المؤمنين ففعلا و لم يقولا شيئا ثم دخل عثمان و أبو عبيدة فسلما فرد عليهما السلام ثم قال سلما على علي بإمرة المؤمنين قالا عن الله و رسوله قال نعم ثم دخل فلان و فلان و عد جماعة من المهاجرين و الأنصار كل ذلك يقول رسول الله ص سلموا على علي بإمرة المؤمنين فبعض يسلم و لا يقول شيئا و بعض يقول للنبي أ عن الله و رسوله فيقول نعم حتى غص المجلس بأهله و امتلأت الحجرة و جلس بعض على الباب و في الطريق و كانوا يدخلون فيسلمون و يخرجون ثم قال لي و لأخي قم يا بريدة أنت و أخوك فسلما على علي ع بإمرة المؤمنين  فقمنا و سلمنا ثم عدنا إلى مواضعنا قال ثم أقبل رسول الله ص عليهم جميعا فقال اسمعوا و عوا أني أمرتكم أن تسلموا على علي بإمرة المؤمنين و إن رجالا سألوني أ ذلك عن أمر الله و أمر رسوله ما كان لمحمد أن يأتي أمرا من تلقاء نفسه بل بوحي ربه و أمره أ فرأيتم و الذي نفسي بيده لئن أبيتم و نقضتموه لتكفرن و لتفارقن ما بعثني به ربي فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ قال بريدة فلما خرجنا سمعت بعض أولئك الذين أمروا بالسلام على علي بإمرة المؤمنين يقول لصاحبه و قد التفت بهما طائفة من الجفاة البطاء عن الإسلام من قريش أ ما رأيت ما صنع محمد ص بابن عمه من علو المنزلة و المكان و لو يستطيع و الله لجعله نبيا من بعده فقال له صاحبه أمسك لا يكبرن عليك هذا الأمر فلو أنا فقدنا محمدا لكان فعله هذا تحت أقدامنا فقال حذيفة و مضى بريدة إلى بعض طرق الشام و رجع و قد قبض رسول الله ص و بايع الناس أبا بكر فأقبل بريدة و قد دخل المسجد و أبو بكر على المنبر و عمر دونه بمرقاة فناداهما من ناحية المسجد يا أبا بكر و يا عمر قالا و ما لك يا بريدة أ جننت فقال لهما و الله ما جننت و لكن أين سلامكما بالأمس على علي ع بإمرة المؤمنين فقال له أبو بكر يا بريدة الأمر يحدث بعده الأمر و إنك غبت و شهدنا و الشاهد يرى ما لا يرى الغائب فقال لهما رأيتما ما لم يره الله و رسوله و وفى لك صاحبك بقوله لو فقدنا محمدا لكان قوله هذا تحت أقدامنا إلا أن المدينة حرام علي أن أسكنها أبدا حتى أموت فخرج بريدة بأهله و ولده فنزل بين قومه بني أسلم فكان يطلع في الوقت دون الوقت فلما أفضى الأمر إلى أمير المؤمنين ع سار إليه و كان معه حتى قدم العراق فلما أصيب أمير المؤمنين ع صار إلى خراسان فنزلها و لبث هناك إلى أن مات برحمة الله تعالى قال حذيفة فهذا نبأ ما سألتني عنه فقال الفتى لا جزى الله الذين شهدوا رسول الله ص و سمعوه يقول هذا القول في علي خيرا فقد خانوا الله و رسوله

  و أزالوا الأمر عن وصي رسول الله ص و أقروه فيمن لم يره الله و لا رسوله لذلك أهلا لا جرم و الله لن يفلحوا بعدها أبدا فنزل حذيفة من منبره فقال يا أخا الأنصار إن الأمر كان أعظم مما تظن أنه عزب و الله البصر و ذهب اليقين و كثر المخالف و قل الناصر لأهل الحق فقال له الفتى فهلا انتضيتم أسيافكم و وضعتموها على رقابكم و ضربتم بها الزائلين عن الحق قدما قدما حتى تموتوا أو تدركوا الأمر الذي تحبونه من طاعة الله عز و جل و طاعة رسوله فقال له أيها الفتى إنه أخذ و الله بأسماعنا و أبصارنا و كرهنا الموت و زينت عندنا الدنيا و سبق علم الله بإمرة الظالمين و نحن نسأل الله التغمد لذنوبنا و العصمة فيما بقي من آجلنا فإنه مالك رحيم ثم انصرف حذيفة إلى منزله و تفرق الناس قال عبد الله بن سلمة فبينا أنا ذات يوم عند حذيفة أعوده في مرضه الذي مات فيه و قد كان يوم قدمت فيه من الكوفة من قبل قدوم علي ع إلى العراق فبينما أنا عنده إذ جاء الفتى الأنصاري فدخل على حذيفة فرحب به و أدناه و قربه من مجلسه و خرج من كان عند حذيفة من عواده و أقبل عليه الفتى فقال يا أبا عبد الله سمعتك يوما تحدث عن بريدة بن الحصيب الأسلمي أنه سمع بعض القوم الذين أمرهم رسول الله ص أن يسلما على علي بإمرة المؤمنين يقول لصاحبه أ ما رأيت القوم ما صنع محمد بابن عمه من التشريف و علو المنزلة حتى لو قدر أن يجعله نبيا لفعل فأجابه صاحبه فقال لا يكبرن عليك فلو فقدنا محمدا لكان قوله تحت أقدامنا و قد ظننت نداء بريدة لهما و هما على المنبر أنهما صاحبا القول قال حذيفة أجل القائل عمر و المجيب أبو بكر فقال الفتى إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ هلك و الله القوم و بطلت أعمالهم قال حذيفة و لم يزل القوم على ذلك الارتداد و ما يعلم الله منهم أكثر  قال الفتى قد كنت أحب أن أتعرف هذا الأمر من فعلهم و لكني أجدك مريضا و أنا أكره أن أملك بحديثي و مسألتي و قام لينصرف فقال حذيفة لا بل اجلس يا ابن أخي و تلق مني حديثهم و إن كربني ذلك فلا أحسبني إلا مفارقكم إني لا أحب أن تغتر بمنزلتهما في الناس فهذا ما أقدر عليه من النصيحة لك و لأمير المؤمنين ع من الطاعة له و لرسول الله ص و ذكر منزلته فقال يا أبا عبد الله حدثني بما عندك من أمورهم لأكون على بصيرة من ذلك فقال حذيفة إذا و الله لأخبرنك بخبر سمعته و رأيته و لقد و الله دلنا على ذلك من فعلهم على أنهم و الله ما آمنوا بالله و لا برسوله طرفة عين و أخبرك أن الله تعالى أمر رسوله في سنة عشر من مهاجرته من مكة إلى المدينة أن يحج هو و يحج الناس معه فأوحى إليه بذلك وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَ عَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ فأمر رسول الله ص المؤذنين فأذنوا في أهل السافل و العالية ألا إن رسول الله ص قد عزم على الحج في عامه هذا ليفهم الناس حجهم و يعلمهم مناسكهم فيكون سنة لهم إلى آخر الدهر قال فلم يبق أحد ممن دخل في الإسلام إلا حج مع رسول الله ص لسنة عشر ليشهدوا منافع لهم و يعلمهم حجهم و يعرفهم مناسكهم و خرج رسول الله ص بالناس و خرج بنسائه معه و هي حجة الوداع فلما استتم حجهم و قضوا مناسكهم و عرف الناس جميع ما يحتاجون إليه و أعلمهم أنه قد أقام لهم ملة إبراهيم ع و قد أزال عنهم جميع ما أحدثه المشركون بعده و رد الحجر الحج إلى حالته الأولى و دخل مكة فأقام بها يوما واحدا فهبط جبرئيل ع بأول سورة العنكبوت فقال يا محمد اقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ لَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ فقال

  رسول الله ص يا جبرئيل و ما هذه الفتنة فقال يا محمد إن الله يقرئك السلام و يقول إني ما أرسلت نبيا قبلك إلا أمرته عند انقضاء أجله أن يستخلف على أمته من بعده من يقوم مقامه و يحيي لهم سنته و أحكامه فالمطيعون لله فيما يأمرهم به رسول الله هم الصادقون و المخالفون على أمره الكاذبون و قد دنا يا محمد مصيرك إلى ربك و جنته و هو يأمرك أن تنصب لأمتك من بعدك علي بن أبي طالب ع و تعهد إليه فهو الخليفة القائم برعيتك و أمتك إن أطاعوه و إن عصوه و سيفعلون ذلك و هي الفتنة التي تلوت الآي فيها و إن الله عز و جل يأمرك أن تعلمه جميع ما علمك و تستحفظه جميع ما حفظك و استودعك فإنه الأمين المؤتمن يا محمد إني اخترتك من عبادي نبيا و اخترته لك وصيا قال فدعا رسول الله ص عليا ع يوما فخلا به يوم ذلك و ليلته و استودعه العلم و الحكمة التي آتاه إياها و عرفه ما قال جبرئيل ع و كان ذلك في يوم عائشة بنت أبي بكر فقالت يا رسول الله لقد طالت استخلاؤك بعلي ع منذ اليوم قال فأعرض عنها رسول الله ص فقالت لم تعرض عني يا رسول الله بأمر لعله يكون لي صلاحا فقال صدقت و ايم الله إنه لأمر صلاح لمن أسعده الله بقبوله و الإيمان به و قد أمرت بدعاء الناس جميعا إليه و ستعلمين ذلك إذا أنا قمت به في الناس قالت يا رسول الله و لم لا تخبرني به الآن لأتقدم بالعمل به و الأخذ بما فيه الصلاح قال سأخبرك به فاحفظيه إلى أن أومر بالقيام به في الناس جميعا فإنك إن حفظتيه حفظك الله في العاجلة و الآجلة جميعا و كانت لك الفضيلة بالسبقة و المسارعة إلى الإيمان بالله و رسوله و إن أضعته و تركت رعاية ما ألقي إليك منه كفرت بربك و حبط أجرك و برئت منك ذمة الله و ذمة رسوله و كنت من الخاسرين و لن يضر الله ذلك و لا رسوله فضمنت له حفظه و الإيمان به و رعايته فقال إن الله تعالى أخبرني أن عمري قد انقضى و أمرني أن أنصب عليا للناس علما و أجعله فيهم إماما و أستخلفه  كما استخلف الأنبياء من قبلي أوصياءهم و إني صائر إلى أمر ربي و آخذ فيه بأمره فليكن الأمر منك تحت سويداء قلبك إلى أن يأذن الله بالقيام به فضمنت له ذلك و قد اطلع الله نبيه على ما يكون منها فيه و من صاحبتها حفصة و أبويهما فلم تلبث أن أخبرت حفصة و أخبرت كل واحدة منهما أباها فاجتمعا و أرسلا إلى جماعة الطلقاء و المنافقين فخبراهم بالأمر فأقبل بعضهم على بعض و قالوا إن محمدا يريد أن يجعل هذا الأمر في أهل بيته كسنة كسرى و قيصر إلى آخر الدهر و لا و الله ما لكم في الحياة من حظ إن أفضى هذا الأمر إلى علي بن أبي طالب ع و إن محمدا عاملكم على ظاهركم و إن عليا يعاملكم على ما يجد في نفسه منكم فأحسنوا النظر لأنفسكم في ذلك و قدموا رأيكم فيه و دار الكلام فيما بينهم و أعادوا الخطاب و أجالوا الرأي فاتفقوا على أن ينفروا بالنبي ص ناقته على عقبة هرشى و قد كانوا عملوا مثل ذلك في غزوة تبوك فصرف الله الشر عن نبيه ص فاجتمعوا في أمر رسول الله ص من القتل و الاغتيال و إسقاء السم على غير وجه و قد كان اجتمع أعداء رسول الله ص

  من الطلقاء من قريش و المنافقين من الأنصار و من كان في قلبه الارتداد من العرب في المدينة و ما حولها فتعاقدوا و تحالفوا على أن ينفروا به ناقته و كانوا أربعة عشر رجلا و كان من عزم رسول الله ص أن يقيم عليا ع و ينصبه للناس بالمدينة إذا قدم فسار رسول الله ص يومين و ليلتين فلما كان في اليوم الثالث أتاه جبرئيل ع بآخر سورة الحجر فقال اقرأ فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ قال و رحل رسول الله ص و أغذ السير مسرعا على دخوله المدينة لينصب عليا ع علما للناس فلما كانت الليلة الرابعة هبط جبرئيل في آخر الليل فقرأ عليه يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ و هم الذين هموا برسول الله ص فقال رسول الله ص أ ما تراني يا جبرئيل أغذ السير مجدا فيه لأدخل المدينة فأفرض ولايته على الشاهد و الغائب فقال له جبرئيل إن الله يأمرك أن تفرض ولايته غدا إذا نزلت منزلك فقال رسول الله ص نعم يا جبرئيل غدا أفعل إن شاء الله و أمر رسول الله ص بالرحيل من وقته و سار الناس معه حتى نزل بغدير خم و صلى بالناس و أمرهم أن يجتمعوا إليه و دعا عليا ع و رفع رسول الله ص يد علي اليسرى بيده اليمنى و رفع صوته بالولاء لعلي ع على الناس أجمعين و فرض طاعته عليهم و أمرهم أن لا يتخلفوا عليه بعده و خبرهم أن ذلك عن أمر الله عز و جل و قال لهم أ لست أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى يا رسول الله قال فمن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله ثم أمر الناس أن يبايعوه فبايعه الناس  جميعا و لم يتكلم منهم أحد و قد كان أبو بكر و عمر تقدما إلى الجحفة فبعث و ردهما ثم قال لهما النبي ص متهجما يا ابن أبي قحافة و يا عمر بايعا عليا بالولاية من بعدي فقالا أمر من الله و من رسوله فقال و هل يكون مثل هذا عن غير أمر الله نعم أمر من الله و من رسوله فقال و بايعا ثم انصرفا و سار رسول الله ص باقي يومه و ليلته حتى إذا دنوا من عقبة هرشى تقدمه القوم فتواروا في ثنية العقبة و قد حملوا معهم دبابا و طرحوا فيها الحصا فقال حذيفة فدعاني رسول الله ص و دعا عمار بن ياسر و أمره أن يسوقها و أنا أقودها حتى إذا صرنا رأس العقبة ثار القوم من ورائنا و دحرجوا الدباب بين قوائم الناقة فذعرت و كادت أن تنفر برسول الله ص فصاح بها النبي ص أن اسكني و ليس عليك بأس فأنطقها الله تعالى بقول عربي مبين فصيح فقالت و الله يا رسول الله ص لا أزلت يدا عن مستقر يد و لا رجلا عن موضع رجل و أنت على ظهري فتقدم القوم إلى الناقة ليدفعوها فأقبلت أنا و عمار نضرب وجوههم بأسيافنا و كانت ليلة مظلمة فزالوا عنا و أيسوا مما ظنوا و قدروا و دبروا فقلت يا رسول الله من هؤلاء القوم الذين يريدون ما ترى فقال ص يا حذيفة هؤلاء المنافقون في الدنيا و الآخرة فقلت أ لا تبعث إليهم يا رسول الله رهطا فيأتوا برءوسهم فقال إن الله أمرني أن أعرض عنهم فأكره أن تقول الناس إنه دعا أناسا من قومه و أصحابه إلى دينه فاستجابوا فقاتل بهم حتى إذا ظهر على عدوه أقبل عليهم فقتلهم و لكن دعهم يا حذيفة فإن الله لهم بالمرصاد و سيمهلهم قليلا ثم يضطرهم إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ فقلت و من هؤلاء القوم المنافقون يا رسول الله ص أ من المهاجرين أم من الأنصار فسماهم لي رجلا رجلا حتى فرغ منهم و قد كان فيهم أناس أنا كاره

 أن يكونوا فيهم فأمسكت عند ذلك فقال رسول الله ص يا حذيفة كأنك شاك في بعض من سميت لك ارفع رأسك إليهم فرفعت طرفي إلى القوم و هم وقوف على الثنية فبرقت برقة فأضاءت جميع ما حولنا و ثبتت البرقة حتى خلتها شمسا طالعة فنظرت و الله إلى القوم فعرفتهم رجلا رجلا فإذا هم كما قال رسول الله ص و عدد القوم أربعة عشر رجلا تسعة من قريش و خمسة من سائر الناس فقال له الفتى سمهم لنا يرحمك الله تعالى قال حذيفة هم و الله أبو بكر و عمر و عثمان و طلحة و عبد الرحمن بن عوف و سعد بن أبي وقاص و أبو عبيدة بن الجراح و معاوية بن أبي سفيان و عمرو بن العاص و هؤلاء من قريش و أما الخمسة الأخر فأبو موسى الأشعري و المغيرة بن شعبة الثقفي و أوس بن الحدثان البصري و أبو هريرة و أبو طلحة الأنصاري قال حذيفة ثم انحدرنا من العقبة و قد طلع الفجر فنزل رسول الله ص فتوضأ و انتظر أصحابه حتى انحدروا من العقبة و اجتمعوا فرأيت القوم بأجمعهم و قد دخلوا مع الناس و صلوا خلف رسول الله ص فلما انصرف من صلاته التفت فنظر إلى أبي بكر و عمر و أبي عبيدة يتناجون فأمر مناديا فنادى في الناس لا تجتمع ثلاثة نفر من الناس يتناجون فيما بينهم بسر و ارتحل رسول الله ص بالناس من منزل العقبة فلما نزل المنزل الآخر رأى سالم مولى حذيفة أبا بكر و عمر و أبا عبيدة يسار بعضهم بعضا فوقف عليهم و قال أ ليس قد أمر رسول الله ص أن لا تجتمع ثلاثة نفر من الناس على سر واحد و الله لتخبروني فيما أنتم و إلا أتيت رسول الله ص حتى أخبره بذلك منكم فقال أبو بكر يا سالم عليك عهد الله و ميثاقه لئن خبرناك بالذي نحن فيه و بما اجتمعنا له إن أحببت أن تدخل معنا فيه دخلت و كنت رجلا منا و إن كرهت ذلك كتمته علينا فقال سالم لكم ذلك و أعطاهم بذلك عهده و ميثاقه و كان سالم شديد البغض و العداوة لعلي بن أبي طالب ع و قد عرفوا ذلك منه فقالوا له إنا قد اجتمعنا على أن نتحالف و نتعاقد على أن لا نطيع محمدا فيما فرض علينا من ولاية علي بن أبي طالب بعده فقال لهم سالم عليكم عهد الله و ميثاقه إن في هذا الأمر كنتم تخوضون و تتناجون قالوا أجل علينا عهد الله و ميثاقه أنا إنما كنا في هذا الأمر بعينه لا في شي‏ء سواه قال سالم و أنا و الله أول من يعاقدكم على هذا الأمر و لا يخالفكم عليه إنه و الله ما طلعت الشمس على أهل بيت أبغض إلي من بني هاشم و لا في بني هاشم أبغض إلي و لا أمقت من علي بن أبي طالب فاصنعوا في

 هذا الأمر ما بدا لكم فإني واحد منكم فتعاقدوا من وقتهم على هذا الأمر ثم تفرقوا فلما أراد رسول الله ص المسير أتوه فقال لهم فيما كنتم تتناجون في يومكم هذا و قد نهيتكم عن النجوى فقالوا يا رسول الله ما التقينا غير وقتنا هذا فنظر إليهم النبي ص مليا قال لهم أَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ثم سار حتى دخل المدينة و اجتمع القوم جميعا و كتبوا صحيفة بينهم على ذكر ما تعاهدوا عليه في هذا الأمر و كان أول ما في الصحيفة النكث لولاية علي بن أبي طالب ع و إن الأمر إلى أبي بكر و عمر و أبي عبيدة و سالم معهم ليس بخارج منهم و شهد بذلك أربعة و ثلاثون رجلا هؤلاء أصحاب العقبة و عشرون رجلا آخر و استودعوا الصحيفة أبا عبيدة بن الجراح و جعلوه أمينهم عليها قال فقال الفتى يا أبا عبد الله يرحمك الله هبنا نقول إن هؤلاء القوم رضوا بأبي بكر و عمر و أبي عبيدة لأنهم من مشيخة قريش فما بالهم رضوا بسالم و هو ليس من قريش و لا من المهاجرين و لا من الأنصار و إنما هو عبد لامرأة من الأنصار قال حذيفة يا فتى إن القوم أجمع تعاقدوا على إزالة هذا الأمر عن علي بن أبي طالب ع حسدا منهم له و كراهة لأمره و اجتمع لهم مع ذلك ما كان في قلوب قريش من سفك الدماء و كان خاصة رسول الله ص و كانوا يطلبون الثأر الذي أوقعه رسول الله بهم من علي من بني هاشم فإنما كان العقد على إزالة الأمر عن علي ع من هؤلاء الأربعة عشر و كانوا يرون أن سالما رجل منهم فقال الفتى فخبرني يرحمك الله عما كتب جميعهم في الصحيفة لأعرفه فقال حذيفة حدثتني بذلك أسماء بنت عميس الخثعمية امرأة أبي بكر إن القوم اجتمعوا في منزل أبي بكر فتآمروا في ذلك و أسماء تسمعهم و تسمع جميع ما يدبرونه في ذلك حتى اجتمع رأيهم على ذلك فأمروا سعيد بن العاص الأموي فكتب هو الصحيفة باتفاق منهم و كانت نسخة الصحيفة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هذا ما اتفق عليه الملأ من أصحاب محمد رسول الله ص من المهاجرين و الأنصار الذين مدحهم الله في كتابه على لسان نبيه ص اتفقوا جميعا بعد أن أجهدوا في رأيهم و تشاوروا في أمرهم و كتبوا هذه الصحيفة نظرا منهم إلى الإسلام و أهله على غابر الأيام و باقي الدهور ليقتدي بهم من يأتي من المسلمين من بعدهم أما بعد فإن الله بمنه و كرمه بعث محمدا ص رسولا إلى الناس كافة بدينه الذي ارتضاه لعباده فأدى من ذلك و بلغ ما أمره الله به و أوجب علينا القيام بجميعه حتى إذا أكمل الدين و فرض الفرائض و أحكم السنن اختار الله له ما عنده فقبضه إليه مكرما محبورا من غير أن يستخلف أحدا من بعده و جعل الاختيار إلى المسلمين يختارون لأنفسهم من وثقوا برأيه و نصحه لهم و إن للمسلمين في رسول الله أسوة حسنة قال الله تعالى لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ و إن رسول الله ص لم يستخلف أحدا لئلا يجري ذلك في أهل بيت واحد فيكون إرثا دون سائر المسلمين و لئلا يكون دولة بين الأغنياء منهم و لئلا يقول المستخلف إن هذا الأمر باق في عقبه من والد إلى ولد إلى يوم القيامة و الذي يجب على المسلمين عند مضي خليفة من الخلفاء أن يجتمع ذوو الرأي و الصلاح فيتشاوروا في أمورهم فمن رأوه مستحقا لها ولوه أمورهم و جعلوه القيم عليهم فإنه لا يخفى على أهل كل زمان من يصلح منهم للخلافة فإن ادعى مدع من الناس جميعا أن رسول الله ص استخلف رجلا بعينه نصبه للناس و نص عليه باسمه و نسبه فقد أبطل في قوله و أتى بخلاف ما يعرفه أصحاب رسول الله ص و خالف على جماعة المسلمين و إن ادعى مدع أن خلافة رسول الله ص إرث و أن رسول الله ص

 يورث فقد أحال في قوله لأن رسول الله قال نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة و إن ادعى مدع أن الخلافة لا تصلح إلا لرجل واحد من بين الناس و إنها مقصورة فيه و لا تنبغي لغيره لأنها تتلو النبوة فقد كذب لأن النبي ص قال أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم و إن ادعى مدع أنه مستحق للخلافة و الإمامة بقربه من رسول الله ص ثم هي مقصورة عليه و على عقبه يرثها الولد منهم عن والده ثم هي كذلك في كل عصر و زمان لا تصلح لغيرهم و لا ينبغي أن يكون لأحد سواهم إلى أن يرث الله الأرض و من عليها فليس له و لا لولده و إن دنا من النبي نسبه لأن الله يقول و قوله القاضي على كل أحد إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ و قال رسول الله ص إن ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم و كلهم يد على من سواهم فمن آمن بكتاب الله و أقر بسنة رسول الله ص فقد استقام و أناب و أخذ بالصواب و من كره ذلك من فعالهم فقد خالف الحق و الكتاب و فارق جماعة المسلمين فاقتلوه فإن في قتله صلاحا للأمة و قد قال رسول الله ص من جاء إلى أمتي و هم جميع ففرقهم فاقتلوه و اقتلوا الفرد كائنا من كان من الناس فإن الاجتماع رحمة و الفرقة عذاب و لا تجتمع أمتي على الضلال أبدا و إن المسلمين يد واحدة على من سواهم و إنه لا يخرج من جماعة المسلمين إلا مفارق و معاند لهم و مظاهر عليهم أعداءهم فقد أباح الله و رسوله دمه و أحل قتله و كتب سعيد بن العاص باتفاق ممن أثبت اسمه و شهادته آخر هذه الصحيفة في المحرم سنة عشرة من الهجرة وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ و صلى الله على سيدنا محمد و آله و سلم ثم دفعت الصحيفة إلى أبي عبيدة بن الجراح فوجه بها إلى مكة فلم تزل الصحيفة في الكعبة مدفونة إلى أوان عمر بن الخطاب فاستخرجها من موضعها و هي الصحيفة التي تمنى أمير المؤمنين ع لما توفي عمر فوقف به و هو مسجى بثوبه قال ما أحب إلي أن ألقى الله بصحيفة هذا المسجى ثم انصرفوا و صلى رسول الله ص بالناس صلاة الفجر ثم جلس في مجلسه يذكر الله تعالى حتى طلعت الشمس فالتفت إلى أبي عبيدة بن الجراح فقال له بخ بخ من مثلك و قد أصبحت أمين هذه الأمة ثم تلا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَ وَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ لقد أشبه هؤلاء رجال في هذه الأمة يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَ هُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَ كانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً ثم قال لقد أصبح في هذه الأمة في يومي هذا قوم ضاهوهم في صحيفتهم التي كتبوها علينا في الجاهلية و علقوها في الكعبة و إن الله تعالى يمتعهم ليبتليهم و يبتلي من يأتي بعدهم تفرقة بين الخبيث و الطيب و لو لا أنه سبحانه أمرني بالإعراض عنهم للأمر الذي هو بالغه لقدمتهم فضربت أعناقهم قال حذيفة فو الله لقد رأينا هؤلاء النفر عند قول رسول الله ص هذه المقالة و قد أخذتهم الرعد فما يملك أحد منهم من نفسه شيئا و لم يخف على أحد ممن حضر مجلس رسول الله ص ذلك اليوم إن رسول الله ص إياهم عنى بقوله و لهم ضرب تلك الأمثال بما تلا من القرآن قال و لما قدم رسول الله ص من سفره ذلك نزل منزل أم سلمة زوجته فأقام بها شهرا لا ينزل منزلا سواه من منازل أزواجه كما كان يفعل قبل ذلك قال فشكت عائشة و حفصة ذلك إلى أبويهما فقالا لهما إنا لنعلم لم صنع ذلك و لأي شي‏ء هو امضيا إليه فلاطفاه في الكلام و خادعاه عن نفسه فإنكما تجدانه حييا

 كريما فلعلكما تسلان ما في قلبه و تستخرجان سخيمته قال فمضت عائشة وحدها إليه فأصابته في منزل أم سلمة و عنده علي بن أبي طالب ع فقال لها النبي ما جاء بك يا حميراء قالت يا رسول الله أنكرت تخلفك عن منزلك هذه المرة و أنا أعوذ بالله من سخطك يا رسول الله فقال لو كان الأمر كما تقولين لما أظهرت سرا أوصيتك بكتمانه لقد هلكت و أهلكت أمة من الناس قال ثم أمر خادمة لأم سلمة فقال اجمعي هؤلاء يعني نساءه فجمعتهن في منزل أم سلمة فقال لهن اسمعن ما أقول لكن و أشار بيده إلى علي بن أبي طالب ع فقال لهن هذا أخي و وصيي و وارثي و القائم فيكن و في الأمة من بعدي فأطعنه فيما يأمركن به و لا تعصينه فتهلكن بمعصيته ثم قال يا علي أوصيك بهن فأمسكهن ما أطعن الله و أطعنك و أنفق عليهن من مالك و مرهن بأمرك و انههن عما يريبك و خل سبيلهن إن عصينك فقال علي ع يا رسول الله إنهن نساء و فيهن الوهن و ضعف الرأي فقال ارفق بهن ما كان الرفق أمثل بهن فمن عصاك منهن فطلقها طلاقا يبرأ الله و رسوله منها قال و كل نساء النبي قد صمتن فلم يقلن شيئا فتكلمت عائشة فقالت يا رسول الله ما كنا لتأمرنا بشي‏ء فنخالفه بما سواه فقال لها بلى يا حميراء قد خالفت أمري أشد خلاف و ايم الله لتخالفن قولي هذا و لتعصنه بعدي و لتخرجن من البيت الذي أخلفك فيه متبرجة قد حف بك فئام من الناس فتخالفينه ظالمة له عاصية لربك و لتنبحنك في طريقك كلاب الحوأب ألا إن ذلك كائن ثم قال قمن فانصرفن إلى منازلكن قال فقمن فانصرفن قال ثم إن رسول الله ص جمع أولئك النفر و من مالأهم على علي ع و طابقهم على عداوته و من كان من الطلقاء و المنافقين و كانوا زهاء أربعة آلاف رجل فجعلهم تحت يدي أسامة بن زيد مولاه و أمره عليهم و أمره بالخروج إلى ناحية من الشام فقالوا يا رسول الله إنا قدمنا من سفرنا الذي كنا فيه معك و نحن نسألك أن تأذن لنا في المقام لنصلح من شأننا ما يصلحنا في سفرنا قال فأمرهم أن يكونوا في المدينة ريث ما يحتاجون إليه و أمر أسامة بن زيد فعسكر بهم على أميال من المدينة فأقام بمكانه الذي حد له رسول الله ص منتظر للقوم أن يوافوه إذا فرغوا من أمورهم و قضاء حوائجهم و إنما أراد رسول الله ص بما صنع من ذلك أن تخلو المدينة منهم و لا يبقى بها أحد من المنافقين قال فهم على ذلك من شأنهم و رسول الله ص رائب يحثهم و يأمرهم بالخروج و التعجيل إلى الوجه الذي ندبهم إليه إذ مرض رسول الله ص مرضه الذي توفي فيه فلما رأوا ذلك تباطئوا عما أمرهم رسول الله ص من الخروج فأمر قيس بن عبادة و كان سباق رسول الله ص و الحباب بن المنذر في جماعة من الأنصار يرحلوا بهم إلى عسكرهم فأخرجهم قيس بن سعد و الحباب بن المنذر حتى ألحقاهم بعسكرهم و قالا لأسامة إن رسول الله لم يرخص لك في التخلف فسر من وقتك هذا ليعلم رسول الله ص ذلك فارتحل بهم أسامة و انصرف قيس و الحباب إلى رسول الله ص فأعلماه برحلة القوم فقال لهما إن القوم غير سائرين قال فخلا أبو بكر و عمر و أبو عبيدة بأسامة و جماعة من أصحابه فقالوا إلى أين ننطلق و نخلي المدينة و نحن أحوج ما كنا إليها و إلى المقام بها فقال لهم و ما ذلك قالوا إن رسول الله قد نزل به الموت و و الله لئن خلينا المدينة لتحدثن بها أمور لا يمكن إصلاحها ننظر ما يكون من أمر رسول الله ص ثم المسير بين أيدينا قال فرجع القوم إلى المعسكر الأول و أقاموا به و بعثوا رسولا يتعرف لهم أمر رسول الله ص فأتى الرسول إلى عائشة فسألها عن ذلك سرا فقالت امض إلى أبي و عمر و من معهما و قل لهما إن رسول الله ص قد ثقل فلا يبرحن أحد منكم و أنا أعلمكم بالخبر وقتا بعد وقت و اشتدت علة رسول الله ص فدعت عائشة صهيبا فقالت امض إلى أبي

 بكر و أعلمه أن محمدا في حال لا يرجى فهلم إلينا أنت و عمر و أبو عبيدة و من رأيتم أن يدخل معكم و ليكن دخولكم في الليل سرا قال فأتاهم الخبر فأخذوا بيد صهيب فأدخلوه إلى أسامة فأخبروه الخبر و قالوا له كيف ينبغي لنا أن نتخلف عن مشاهدة رسول الله ص و استأذنوه في الدخول فأذن لهم و أمرهم أن لا يعلم بدخولهم أحد و إن عوفي رسول الله رجعتم إلى عسكركم و إن حدث حادث الموت عرفونا ذلك لنكون في جماعة الناس فدخل أبو بكر و عمر و أبو عبيدة ليلا المدينة و رسول الله ص قد ثقل فأفاق بعض الإفاقة فقال لقد طرق ليلتنا هذه المدينة شر عظيم فقيل له و ما هو يا رسول الله فقال إن الذين كانوا في جيش أسامة قد رجع منهم نفر يخالفون عن أمري ألا إني إلى الله منهم بري‏ء ويحكم نفذوا جيش أسامة فلم يزل يقول ذلك حتى قالها مرات كثيرة قال و كان بلال مؤذن رسول الله ص يؤذن بالصلاة في كل وقت صلاة فإن قدر على الخروج تحامل و خرج و صلى بالناس و إن هو لم يقدر على الخروج أمر علي بن أبي طالب ع فصلى بالناس و كان علي بن أبي طالب ع و الفضل بن العباس لا يزايلانه في مرضه ذلك فلما أصبح رسول الله ص من ليلته تلك التي قدم فيها القوم الذين كانوا تحت يدي أسامة أذن بلال ثم أتاه يخبره كعادته فوجده قد ثقل فمنع من الدخول إليه فأمرت عائشة صهيبا أن يمضي إلى أبيها فيعلمه أن رسول الله ص قد ثقل في مرضه و ليس يطيق النهوض إلى المسجد و علي بن أبي طالب ع قد شغل به و بمشاهدته عن الصلاة بالناس فاخرج أنت إلى المسجد فصل بالناس فإنها حالة تهنئك و حجة لك بعد اليوم قال فلم يشعر الناس و هم في المسجد ينتظرون رسول الله ص أو عليا ع يصلي بهم كعادته التي عرفوها في مرضه إذ دخل أبو بكر المسجد و قال إن رسول الله ص قد ثقل و قد أمرني أن أصلي بالناس فقال له رجل من أصحاب رسول الله ص و أنى لك ذلك و أنت في جيش أسامة و لا و الله لا أعلم أحدا بعث إليك و لا أمرك بالصلاة

 ثم نادى الناس بلال فقال على رسلكم رحمكم الله لأستأذن رسول الله ص في ذلك ثم أسرع حتى أتى الباب فدقه دقا شديدا فسمعه رسول الله ص فقال ما هذا الدق العنيف فانظروا ما هو قال فخرج الفضل بن العباس ففتح الباب فإذا بلال فقال ما وراءك يا بلال فقال إن أبا بكر قد دخل المسجد و قد تقدم حتى وقف في مقام رسول الله ص و زعم أن رسول الله ص أمره بذلك قال أ و ليس أبو بكر مع جيش أسامة هذا هو و الله الشر العظيم الذي طرق البارحة المدينة لقد أخبرنا رسول الله ص بذلك و دخل الفضل و أدخل بلالا معه فقال ما وراءك يا بلال فأخبر رسول الله الخبر فقال أقيموني أقيموني أخرجوا بي إلى المسجد و الذي نفسي بيده قد نزلت بالإسلام نازلة و فتنة عظيمة من الفتن ثم خرج معصوب الرأس يتهادى بين علي و الفضل بن العباس و رجلاه تجران في الأرض حتى دخل المسجد و أبو بكر قائم في مقام رسول الله ص و قد أطاف به عمر و أبو عبيدة و سالم و صهيب و النفر الذين دخلوا و أكثر الناس قد وقفوا عن الصلاة ينتظرون ما يأتي بلال فلما رأى الناس رسول الله ص قد دخل المسجد و هو بتلك الحالة العظيمة من المرض أعظموا ذلك و تقدم رسول الله ص فجذب أبا بكر من ورائه فنحاه عن المحراب و أقبل أبو بكر و النفر الذين كانوا معه فتواروا خلف رسول الله ص و أقبل الناس فصلوا خلف رسول الله ص و هو جالس و بلال يسمع الناس التكبير حتى قضى صلاته ثم التفت فلم ير أبا بكر فقال أيها الناس أ لا تعجبون من ابن أبي قحافة و أصحابه الذين أنفذتهم و جعلتهم تحت يدي أسامة و أمرتهم بالمسير إلى الوجه الذي وجهوا إليه فخالفوا ذلك و رجعوا إلى المدينة ابتغاء الفتنة ألا و إن الله قد أركسهم فيها أعرجوا بي إلى المنبر فقام و هو مربوط حتى قعد على أدنى مرقاة فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أيها الناس إني قد جاءني من أمر ربي ما الناس إليه صائرون و إني قد تركتكم على الحجة الواضحة ليلها كنهارها فلا تختلفوا من بعدي كما اختلف من كان قبلكم من بني إسرائيل أيها الناس إنه لا أحل لكم إلا ما أحله القرآن و لا أحرم عليكم إلا ما حرمه القرآن و إني مخلف فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا و لن تزلوا كتاب الله و عترتي أهل بيتي هما الخليفتان فيكم و إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فأسائلكم بما ذا خلفتموني فيهما و ليذادن يومئذ رجال عن حوضي كما تذاد الغريبة من الإبل فتقول رجال أنا فلان و أنا فلان فأقول أما الأسماء فقد عرفت و لكنكم ارتددتم من بعدي فسحقا لكم سحقا ثم نزل عن المنبر و عاد إلى حجرته و لم يظهر أبو بكر و لا أصحابه حتى قبض رسول الله ص و كان من الأنصار و سعد من السقيفة ما كان فمنعوا أهل بيت نبيهم حقوقهم التي جعلها الله عز و جل لهم و أما كتاب الله فمزقوه كل ممزق و فيما أخبرتك يا أخا الأنصار من خطب معتبر لمن أحب الله هدايته فقال الفتى سم لي القوم الآخرين الذين حضروا الصحيفة و شهدوا فيها فقال حذيفة أبو سفيان و عكرمة بن أبي جهل و صفوان بن أمية بن خلف و سعيد بن العاص و خالد بن الوليد و عياش بن أبي ربيعة و بشير بن سعد و سهيل بن عمرو و حكيم بن حزام و صهيب بن سنان و أبو الأعور السلمي و مطيع بن الأسود المدري و جماعة من هؤلاء ممن سقط عني إحصاء عددهم فقال الفتى يا أبا عبد الله ما هؤلاء في أصحاب رسول الله ص حتى قد انقلب الناس أجمعون بسببهم فقال حذيفة إن هؤلاء رءوس القبائل و أشرافها و ما من رجل من هؤلاء إلا و معه من الناس خلق عظيم يسمعون له و يطيعون و أشربوا في قلوبهم من حب أبي بكر كما أشرب قلوب بني إسرائيل من حب العجل و السامري حتى تركوا هارون و استضعفوه

 قال الفتى فإني أقسم بالله حقا حقا أني لا أزال لهم مبغضا و إلى الله منهم و من أفعالهم متبرئا و لا زلت لأمير المؤمنين ع متواليا و لأعاديه معاديا و لألحقن به و إني لأؤمل أن أرزق الشهادة معه وشيكا إن شاء الله تعالى ثم ودع حذيفة و قال هذا وجهي إلى أمير المؤمنين ع فخرج إلى المدينة و استقبله و قد شخص من المدينة يريد العراق فسار معه إلى البصرة فلما التقى أمير المؤمنين ع مع أصحاب الجمل كان ذلك الفتى أول من قتل من أصحاب أمير المؤمنين و ذلك أنه لما صاف القوم و اجتمعوا على الحرب أحب أمير المؤمنين ع أن يستظهر عليهم بدعائهم إلى القرآن و حكمه فدعا بمصحف و قال من يأخذ هذا المصحف يعرضه عليهم و يدعوهم إلى ما فيه فيحيي ما أحياه و يميت ما أماته قال و قد شرعت الرماح بين العسكرين حتى لو أراد امرؤ أن يمشي عليها لمشى قال فقام الفتى فقال يا أمير المؤمنين أنا آخذه و أعرضه عليهم و أدعوهم إلى ما فيه قال فأعرض عنه أمير المؤمنين ع ثم نادى الثانية من يأخذ هذا المصحف فيعرضه عليهم و يدعوهم إلى ما فيه فلم يقم إليه أحد فقام الفتى و قال يا أمير المؤمنين أنا آخذه و أعرضه عليهم و أدعوهم إلى ما فيه قال فأعرض عنه أمير المؤمنين ع ثم نادى الثالثة فلم يقم إليه أحد من الناس إلا الفتى و قال أنا آخذه و أعرضه عليهم و أدعوهم إلى ما فيه فقال أمير المؤمنين ع إنك إن فعلت ذلك فإنك لمقتول فقال و الله يا أمير المؤمنين ع ما شي‏ء أحب إلي من أن أرزق الشهادة بين يديك و أن أقتل في طاعتك فأعطاه أمير المؤمنين ع المصحف فتوجه به نحو عسكرهم فنظر إليه أمير المؤمنين ع و قال إن الفتى ممن حشا الله قلبه نورا و إيمانا و هو مقتول و لقد أشفقت عليه من ذلك و لن يفلح القوم بعد قتلهم إياه فمضى الفتى بالمصحف حتى وقف بإزاء عسكر عائشة و طلحة و الزبير حينئذ عن يمين الهودج و شماله و كان له صوت فنادى بأعلا صوته معاشر الناس هذا كتاب الله فإن أمير المؤمنين يدعوكم إلى كتاب الله و الحكم بما أنزل الله فيه فأنيبوا إلى طاعة الله و العمل بكتابه قال و كانت عائشة و طلحة و الزبير يسمعون قوله فأمسكوا فلما رأى ذلك أهل عسكرهم بادروا إلى الفتى و المصحف في يمينه فقطعوا يده اليمنى فتناول المصحف بيده اليسرى و ناداهم بأعلا صوته مثل ندائه أول مرة فبادروا إليه و قطعوا يده اليسرى فتناول المصحف و احتضنه و دماؤه تجري عليه و ناداهم مثل ذلك فشدوا عليه فقتلوه و وقع ميتا فقطعوه إربا إربا و لقد رأينا شحم بطنه أصفر قال و أمير المؤمنين ع واقف يراهم فأقبل على أصحابه و قال إني و الله ما كنت في شك و لا لبس من ضلالة القوم و باطلهم و لكن أحببت أن يتبين لكم جميعا ذلك من بعد قتلهم الرجل الصالح حكيم بن جبلة العبدي في رجال صالحين معه و تضاعف ذنوبهم بهذا الفتى و هو يدعوهم إلى كتاب الله و الحكم به و العمل بموجبه فثاروا إليه فقتلوه و لا يرتاب بقتلهم مسلم و وقدت الحرب و اشتدت فقال أمير المؤمنين ع احملوا بأجمعكم عليهم بسم الله حم لا ينصرون و حمل هو بنفسه و الحسنان و أصحاب رسول الله ص معه فغاص في القوم بنفسه فو الله ما كان إلا ساعة من نهار حتى رأينا القوم كله شلايا يمينا و شمالا صرعى تحت سنابك الخيل و رجع أمير المؤمنين ع مؤيدا منصورا و فتح الله عليه و منحه أكتافهم و أمر بذلك الفتى و جميع من قتل معه فلفوا في ثيابهم بدمائهم لم تنزع عنهم ثيابهم و صلى عليهم و دفنهم و أمرهم أن لا يجهزوا على جريح و لا يتبعوا لهم مدبرا و أمر بما حوى العسكر فجمع له فقسمه بين أصحابه و أمر محمد بن أبي بكر أن يدخل أخته البصرة فيقيم بها أياما ثم يرحلها إلى منزلها بالمدينة قال عبد الله بن سلمة كنت ممن شهد حرب أهل الجمل فلما وضعت الحرب أوزارها رأيت أم ذلك الفتى واقفة عليه فجعلت تبكي عليه و تقبله و أنشأت يقول 

يا رب إن مسلما أتاهم يتلو كتاب الله لا يخشاهم‏يأمرهم بالأمر من مولاهم فخضبوا من دمه قناهم‏و أمهم قائمة تراهم تأمرهم بالغي لا تنهاهم

 توضيح قوله ع من حرف المدائن في بعض النسخ بالحاء المهملة أي من كسب المدائن من قولهم حرف لعياله أي كسب أو هو بمعنى الطرف و الذروة لكونه في جانب من بلاد العراق أو من أعالي البلاد و في بعضها بالجيم قال في القاموس الجرف المال من الناطق و الصامت و الخصب و الكلاء الملتف و بالكسر و قد يضم المكان الذي لا يأخذه السيل و بالضم ما تجرفته السيول و أكلته من الأرض و لا يخفى مناسبة أكثرها للمقام و يقال كبت الله العدو أي صرفه و أذله قوله ع أحمد إليكم الله و لعله ضمن معنى الإنهاء أي أحمد الله منهيا إليكم نعمه قال في النهاية في كتابه ص أما بعد فإني أحمد إليك الله أي أحمده معك فأقام إلى مقام مع و قيل معناه أحمد إليك نعمة الله بتحديثك إياها انتهى و الإدحاض الإبطال و التهجير و التهجر السير في الهاجرة و هي نصف النهار عند اشتداد الحر و الشملة كساء يشتمل به. قوله و ما كادوا أي ما كادوا يفعلون ذلك لعسره عليهم كما قال تعالى فَذَبَحُوها وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ و يحتمل أن يكون من الكيد أي لم يسألوا شيئا كما سأل المنافقون بعد ذلك كيدا و مكرا و بطؤ ككرم ضد أسرع كأبطأ فالبطاء جمع الباطي و يقال مللته و منه أي سئمته و أملني و أمل علي أبرمني و كربه الغم أحزنه و قال الجزري فيه ذكر العالية و العوالي في غير موضع و هي أماكن بأعلا أراضي المدينة على أربعة أميال و أبعدها من جهة نجد ثمانية. قوله تعالى فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ أي علما حاليا متعلقا بالموجود و به يكون الثواب و العقاب. قوله تعالى أَنْ يَسْبِقُونا أي يفوتونا فلا نقدر أن نجازيهم على مساويهم و قال الجوهري حفظته الكتاب حملته على حفظه و استحفظته سألته أن يحفظه قوله و أغذ بالمعجمتين أي أسرع قال القاموس و أغذ السير و فيه أسرع و قال جهمه استقبله بوجه كريه كتجهمه و قال هرشى كسكرى ثنية قرب الجحفة و الحبرة النعمة الحسنة و الدولة بالضم ما تتداوله الأغنياء و تدور بينهم و أبطل أتى بالباطل و تكلم به كأحال أي أتى بالمحال. قوله يسعى بها أدناهم أي يجب على المسلمين إمضاء أمان أدناهم لآحاد المشركين قوله و كلهم يد أي هم مجتمعون على دفع أعدائهم لا يسع التخاذل بينهم بل يعاون بعضهم بعضا على جميع الأديان و الملل كأنه جعل أيديهم يدا واحدة و فعلهم فعلا واحدا. قوله أحب أن ألقى الله أي أحب أن أخاصمه عند الله بسبب صحيفته التي كتبها و في بعض النسخ ما أحب إلي أن ألقى الله بصيغة التعجب و المسجى بالتشديد على بناء المفعول المغطى بثوب و الرعدة بالكسر و الفتح الاضطراب و في النهاية و الرأب الجمع و الشد يقال رأب الصدع إذا شعبه و رأب الشي‏ء إذا جمعه و شده برفق و الرسل بالكسر الهنيئة و التأني يقال افعل كذا على رسلك أي اتئد فيه و قال في الحديث إنه خرج في مرضه يتهادى بين رجلين أي يمشي بينهما معتمدا عليهما من ضعفه و تمايله من تهادت المرأة في مشيتها إذا تمايلت و كل من فعل ذلك بأحد فهو يهاديه قوله و هو مربوط أي مشدود الرأس معصوب و التمزيق التخريق و المزق أيضا مصدر و الحضن بالكسر ما دون الإبط إلى

  الكشح أو الصدر و العضدان و ما بينهما و حضن الشي‏ء و احتضنه جعله في حضنه قوله فشدوا أي حملوا عليه و الإرب بالكسر العضو و اللبس بالضم الشبهة. قوله و وقدت الحرب كوعد أي التهبت نار الحرب و قال الجزري في حديث الجهاد إذ أبيتم فقولوا حم لا ينصرون قيل معناه اللهم لا ينصرون و يريد به الخبر لا الدعاء لأنه لو كان دعاء لقال لا ينصروا مجزوما فكأنه قال و الله لا ينصرون و قيل إن السور التي أولها حم سور لها شأن فنبه أن ذكرها لشرف منزلتها مما يستظهر به على استنزال النصر من الله و قوله لا ينصرون كلام مستأنف كأنه حين قال قولوا حم قيل ما ذا يكون إذا قلناها فقال لا ينصرون. و في القاموس الشلو بالكسر العضو و الجسد من كل شي‏ء كالشلا و كل مسلوخ أكل منه شي‏ء و بقيت منه بقية و الجمع أشلاء و الشلية الفدرة و بقية المال انتهى قوله و منحه أكتافهم لعله كناية عن تسلطه ع كأنه ركب أكتافهم أو عن انهزامهم و تعاقب عسكره ع لهم كما مر في حديث بدر و إلا فاركبوا أكتافهم أي اتبعوهم أو عن الظفر عليهم مكتوفين قولها قناهم هي جمع القناة و هي الرمح

4-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ عن الباقر ع في قوله تعالى كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ إذا عاينوا عند الموت ما أعد لهم من العذاب الأليم و هم أصحاب الصحيفة التي كتبوا على مخالفة علي وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ

 و عنه ع في قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً أعلمهم بما في قلوبهم و هم أصحاب الصحيفة

5-  مع، ]معاني الأخبار[ ماجيلويه عن عمه عن البرقي عن أبيه عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر قال سألت أبا عبد الله ع عن معنى قول أمير المؤمنين ع لما نظر إلى الثاني و هو مسجى بثوبه ما أحد أحب إلي أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجى فقال عنى بها صحيفته التي كتبت في الكعبة

  بيان هذا مما عد الجمهور من مناقب ]رمع[ زعما منهم أنه ع أراد بالصحيفة كتاب أعماله و بملاقاة الله بها أن يكون أعماله مثل أعماله المكتوبة فيه فبين ع أنه ص أراد بالصحيفة العهد الذي كتبوا ردا على الله و على رسوله في خلافة أمير المؤمنين ع أن لا يمكنوه منها و بالملاقاة بها مخاصمة أصحابها عند الله تعالى فيها. و قال في الصراط المستقيم و يعضده ما أسنده سليم إلى معاذ بن جبل أنه عند وفاته دعا على نفسه بالويل و الثبور فقيل له لم ذاك قال لموالاتي عتيقا و ]رمع[ على أن أزوي خلافة رسول الله ص عن علي ع و روي مثل ذلك عن ابن عمر أن أباه قاله عند وفاته و كذا ]عتيق[ و قال هذا رسول الله ص و معه علي بيده الصحيفة التي تعاهدنا عليها في الكعبة و هو يقول و قد وفيت بها و تظاهرت على ولي الله أنت و أصحابك فأبشر بالنار في أسفل السافلين ثم لعن ابن صهاك و قال هو الذي صدني عن الذكر بعد إذ جاءني. قال العباس بن الحارث لما تعاقدوا عليها نزلت إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ و قد ذكرها أبو إسحاق في كتابه و ابن حنبل في مسنده و الحافظ في حليته و الزمخشري في فائقه و نزل وَ مَكَرُوا مَكْراً وَ مَكَرْنا مَكْراً الآيتان. و عن الصادق ع نزلت أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ الآيتان و لقد وبخهما النبي ص لما نزلت فأنكرا فنزلت يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَ لَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ الآية. و رووا أن ]رمع[ أودعها أبا عبيدة فقال له النبي ص أصبحت أمين هذه الأمة و روته العامة أيضا. و قال ]رمع[ عند موته ليتني خرجت من الدنيا كفافا لا علي و لا لي فقال ابنه تقول هذا فقال دعني نحن أعلم بما صنعنا أنا و صاحبي و أبو عبيدة و معاذ. و كان أبي يصيح في المسجد ألا هلك أهل العقدة فيسأل عنهم فيقول ما ذكرناه ثم قال لئن عشت إلى الجمعة لأبينن للناس أمرهم فمات قبلها

6-  كا، ]الكافي[ بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع في قول الله عز و جل ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَ لا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ قال نزلت هذه الآية في فلان و فلان و أبي عبيدة بن الجراح و عبد الرحمن بن عوف و سالم مولى أبي حذيفة و المغيرة بن شعبة حيث كتبوا الكتاب بينهم و تعاهدوا و توافقوا لئن مضى محمد ص لا تكون الخلافة في بني هاشم و لا النبوة أبدا فأنزل الله عز و جل فيهم هذه الآية قال قلت قوله عز و جل أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَ نَجْواهُمْ بَلى وَ رُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ قال و هاتان الآيتان نزلتا فيهم ذلك اليوم قال أبو عبد الله ع لعلك ترى أنه كان يوم يشبه يوم كتب الكتاب إلا يوم قتل الحسين ع و هكذا كان في سابق علم الله عز و جل الذي أعلمه رسول الله ص أن إذا كتب الكتاب قتل الحسين ع و خرج الملك من بني هاشم فقد كان ذلك كله الحديث

7-  أقول وجدت في كتاب سليم بن قيس، عن أبان بن أبي عياش عنه قال شهدت أبا ذر مرض مرضا على عهد عمر في إمارته فدخل عليه عمر يعوده و عنده أمير المؤمنين ع و سلمان و المقداد و قد أوصى أبو ذر إلى علي ع و كتب و أشهد فلما خرج عمر قال رجل من أهل أبي ذر من بني عمه بني غفار ما منعك أن توصي إلى أمير المؤمنين عمر قال قد أوصيت إلى أمير المؤمنين حقا أمرنا به رسول الله ص و نحن ثمانون رجلا أربعون رجلا من العرب و أربعون رجلا من العجم فسلمنا على علي بإمرة المؤمنين فينا هذا القائم الذي سميته أمير المؤمنين و ما أحد من العرب و لا من الموالي العجم راجع رسول الله ص إلا هذا و صويحبه الذي استخلفه فإنهما قالا أ حق من الله و من رسوله قال اللهم نعم حق من الله و رسوله أمرني الله بذلك فآمركم به قال سليم فقلت يا أبا الحسن و أنت يا سلمان و أنت يا مقداد تقولون كما قال أبو ذر قالوا نعم صدق قلت أربعة عدول و لو لم يحدثني غير واحد ما شككت في صدقه و لكن أربعتكم أشد لنفسي و بصيرتي قلت أصلحك الله أ تسمون الثمانين من العرب و الموالي فسماهم سلمان رجلا رجلا فقال علي ع و أبو ذر و المقداد صدق سلمان رحمة الله و مغفرته عليه و عليهم فكان ممن سمى أبو بكر و عمر و أبو عبيدة و سالم و الخمسة من الشوري و في رواية أخرى و الخمسة أصحاب الصحيفة و عمار بن ياسر و سعد بن عبادة و معاذ بن جبل و الباقي من صحابة العقبة و في رواية و النقباء من أصحاب العقبة و أبي بن كعب و أبو ذر و المقداد و جلهم و عظمهم من أهل بدر و عظمهم من الأنصار فيهم أبو الهيثم بن التيهان و خالد بن زيد أبو أيوب و أسيد بن حضير و بشير بن سعد قال سليم فأظنني قد لقيت عليتهم فسألتهم و خلوت بهم رجلا رجلا فمنهم من سكت عني فلم يجبني بشي‏ء و كتمني و منهم من حدثني ثم قال أصابتنا فتنة أخذت بقلوبنا و أسماعنا و أبصارنا و ذلك لما ادعى أبو بكر أنه سمع رسول الله ص يقول بعد ذلك إنا أهل بيت أكرمنا الله و اختار لنا الآخرة على الدنيا و إن الله أبى أن يجمع لنا أهل البيت النبوة و الخلافة فاحتج بذلك أبو بكر على علي ع حين جي‏ء به للبيعة و صدقه و شهد له أربعة كانوا عندنا خيارا غير متهمين منهم أبو عبيدة و سالم و عمر و معاذ و ظننا أنهم قد صدقوا فلما بايع علي ع خبرنا أن رسول الله ص قال ما قاله و أخبر أن هؤلاء الخمسة كتبوا بينهم كتابا تعاهدوا عليه و تعاقدوا في ظل الكعبة إن مات محمد أو قتل أن يتظاهروا علي فيزووا هذا الأمر و استشهد أربعة سلمان و أبا ذر و المقداد و الزبير و شهدوا له بعد ما وجبت في أعناقنا لأبي بكر بيعته الملعونة الضالة فعلمنا أن عليا ع لم يكن ليروي عن رسول الله ص باطلا و شهد له الأخيار من أصحاب محمد عليه و آله السلام فقال جل من قال هذه المقالة إنا تدبرنا الأمر بعد ذلك فذكرنا قول نبي الله ع و نحن نسمع أن الله يحب أربعة من

 أصحابي و أمرني بحبهم و أن الجنة تشتاق إليهم فقلنا من هم يا رسول الله فقال أخي و وزيري و وارثي و خليفتي في أمتي و ولي كل مؤمن من بعدي علي بن أبي طالب ع و سلمان الفارسي و أبو ذر و المقدار بن الأسود و في رواية أنه قال ألا إن عليا منهم ثم سكت ثم قال ألا إن عليا منهم ثم سكت ثم قال ألا إن عليا منهم و أبو ذر و سلمان و المقداد و إنا نستغفر الله و نتوب إليه مما ركبناه و مما أتيناه قد سمعنا رسول الله ص يقول قولا لم نعلم تأويله و معناه إلا خيرا قال ليردن علي الحوض أقوام ممن صحبني و من أهل المكانة مني و المنزلة عندي حتى إذا وقفوا على مراتبهم اختلسوا دوني و في رواية اختلجوا دوني و أخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب أصحابي أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك و إنهم لم يزالوا مرتدين على أدبارهم القهقرى منذ فارقتهم و لعمرنا لو أنا حين قبض رسول الله ص سلمنا الأمر إلى علي ع فأطعناه و تابعناه و بايعناه لرشدنا و اهتدينا و وفقنا و لكن الله قضى الاختلاف و الفرقة و البلاء فلا بد من أن يكون ما علم الله و قضى و قدر سليم بن قيس قال فشهدت أبا ذر بالربذة حين سيره عثمان و أوصى إلى علي ع في أهله و ماله فقال له قائل لو كنت أوصيت إلى أمير المؤمنين عثمان فقال قد أوصيت إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة و السلام سلمنا عليه بإمرة المؤمنين على عهد رسول الله ص بأمر رسول الله ص قال ص لنا سلموا على أخي و وزيري و وارثي و خليفتي في أمتي و ولي كل مؤمن بعدي بإمرة المؤمنين فإنه زر الأرض الذي تسكن إليه و لو قد فقدتموه أنكرتم الأرض و أهلها فرأيت عجل هذه الأمة و سامريها راجعا رسول الله ص فقالا حق من الله و رسوله فغضب رسول الله ص ثم قال حق من الله و رسوله أمرني بذلك فلما سلما عليه أقبلا على أصحابهما سالم و أبي عبيدة حين خرجا من بيت علي ع من بعد ما سلما عليه فقالا لهم ما بال هذا الرجل ما زال رفع خسيسة ابن عمه و قال أحدهما إنه أمر ابن عمه و قال الجميع ما لنا عنده خير ما بقي علي قال فقلت يا أبا ذر هذا التسليم بعد حجة الوداع أو قبلها قال أما التسليمة الأولى قبل حجة الوداع و أما التسليمة الأخرى فبعد حجة الوداع قلت فمعاقدة هؤلاء الخمسة متى كان قال في حجة الوداع قلت أخبرني أصلحك الله عن الاثني عشر أصحاب العقبة المتلثمين الذين أرادوا أن ينفروا برسول الله ص الناقة متى كان ذلك قال بغدير خم مقفل رسول الله ص قلت أصلحك الله تعرفهم قال إي و الله كلهم قلت من أين تعرفهم و قد أسرهم رسول الله ص إلى حذيفة قال عمار بن ياسر كان قائدا و حذيفة سائقا فأمر حذيفة بالكتمان و لم يأمر بذلك عمارا قلت تسميهم لي قال خمسة أصحاب الصحيفة و الخمسة أصحاب الشورى و عمرو بن العاص و معاوية قلت أصلحك الله كيف تردد عمار و حذيفة في أمرهم بعد رسول الله ص حين رأياهم و في رواية أخرى فكيف نزل عمار و حذيفة في أمرهم بعد رسول الله ص قال إنهم أظهروا التوبة و الندامة بعد ذلك و ادعى عجلهم منزلة و شهد له سامريهم و الثلاثة معه بأنهم سمعوا رسول الله ص يقول ذلك فقالوا لعلي ع هذا أمر حدث بعد الأول فشك من شك منهم إلا أنهما تابا و عرفا و سلما قال سليم بن قيس فلقيت عمارا في خلافة عثمان بعد ما مات أبو ذر فأخبرته بما قال أبو ذر فقال صدق أخي إنه لأبر و أصدق من أن يحدث عن عمار بما لا يسمع منه فقلت أصلحك الله و بما تصدق أبا ذر قال أشهد لقد سمعت رسول الله ص يقول ما أظلت الخضراء و لا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر و لا أبر قلت يا نبي الله و لا أهل بيتك قال إنما أعني غيرهم من الناس ثم لقيت حذيفة بالمدائن رحلت إليه من الكوفة فذكرت له ما قال أبو ذر فقال سبحان الله أبو ذر أصدق و أبر من أن يحدث عن رسول الله ص بغير ما قال

 بيان قال في النهاية في حديث أبي ذر قال يصف عليا ع و إنه لعالم الأرض و زرها الذي تسكن إليه أي قوامها و أصله من زر القلب و هو عظم صغير يكون قوام القلب به و أخرج الهروي هذا الحديث عن سلمان و قال يقال رفعت خسيسته و من خسيسته إذا فعلت به فعلا يكون فيه رفعته

 تبيين و تتميم

 اعلم أنه لما كان أمر الصلاة عمدة ما يصول به المخالفون في خلافة أبي بكر و ظهر من تلك الأخبار أنه حجة عليهم لا لهم أردت أن أوضح ذلك بنقل أخبارهم و الإشارة إلى بطلان حججهم. فمن جملة الأخبار التي رووه في هذا ما أسندوه في صحاحهم إلى عائشة

  -1  روي في جامع الأصول عنها، أن رسول الله ص قال في مرضه مروا أبا بكر يصلي بالناس قالت عائشة قلت إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء فمر عمر فليصل فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس فقالت عائشة فقلت لحفصة قولي له إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء فمر عمر فليصل بالناس ففعلت حفصة فقال رسول الله ص إنكن لأنتن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس فقالت حفصة لعائشة ما كنت لأصيب منك خيرا

2-  و روي في الباب المذكور أيضا عنها أنها قالت أمر رسول الله ص أبا بكر أن يصلي بالناس في مرضه و كان يصلي بهم قال عروة فوجد رسول الله ص من نفسه خفة فخرج فإذا أبو بكر يؤم الناس فلما رآه أبو بكر استأخر فأشار إليه رسول الله ص أن كما أنت فجلس رسول الله ص حذاء أبي بكر إلى جنبه و كان أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله ص و الناس يصلون بصلاة أبي بكر

  -3  قال صاحب جامع الأصول و في رواية قال الأسود بن يزيد كنا عند عائشة فذكرنا المواظبة على الصلاة و التعظيم لها قالت لما مرض رسول الله ص مرضه الذي مات فيه فحضرت الصلاة فأذن فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس فقيل له إن أبا بكر رجل أسيف إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس فأعادها فأعادوا فأعاد الثالثة فقال إنكن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس فخرج أبو بكر يصلي فوجد النبي ص من نفسه خفة فخرج يهادي بين رجلين كأني أنظر رجليه تخطان من الوجع فأراد أبو بكر أن يتأخر فأومأ إليه النبي ص أن مكانك ثم أتيا به حتى جلس إلى جنبه فقيل للأعمش فكان النبي ص يصلي و أبو بكر يصلي بصلاته و الناس يصلون بصلاة أبي بكر فقال برأسه نعم قال البخاري و زاد أبو معاوية جلس عن يسار أبي بكر و كان أبو بكر قائما

  -4  و في رواية للبخاري و فيه جاء بلال يؤذنه للصلاة فقال مروا أبا بكر يصلي بالناس قالت فقلت يا رسول الله إن أبا بكر رجل أسيف أنه متى يقوم مقامك لا يسمع الناس فلو أمرت عمر فقال مروا أبا بكر يصلي بالناس ثم ذكر قولها لحفصة و قول النبي ص إنكن لأنتن صواحب يوسف و أنه وجد من نفسه خفة فخرج ثم ذكر إلى قوله حتى جلس عن يسار أبي بكر فكان أبو بكر يصلي قائما و كان رسول الله ص يصلي قاعدا يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله ص و الناس يقتدون بصلاة أبي بكر و في أخرى نحوه و فيه أن أبا بكر رجل أسيف إن يقم مقامك يبك فلا يقدر على القراءة و لم يذكر قولها لحفصة و في آخره فتأخر أبو بكر و قعد النبي ص إلى جنبه و أبو بكر يسمع الناس التكبير

5-  و في أخرى لهما أن عائشة قالت لقد راجعت رسول الله ص في ذلك و ما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلا قام مقامه أبدا و إني كنت أرى أنه لن يقوم مقامه أحد إلا تشاءم الناس به فأردت أن يعدل ذلك رسول الله ص عن أبي بكر

6-  و في أخرى لهما قالت لما دخل رسول الله ص بيتي قال مروا أبا بكر فليصل بالناس قالت فقلت يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق إذا قرأ القرآن لا يملك دمعه فلو أمرت غير أبي بكر قالت و الله ما بي إلا كراهة أن يتشاءم الناس بأول من يقوم مقام رسول الله ص قالت فراجعته مرتين أو ثلاثا فقال ليصل بالناس أبو بكر فإنكن صواحب يوسف قال صاحب جامع الأصول في باب فضل أبي بكر بعد ذكر تلك الروايات هذه روايات البخاري و مسلم و سيجي‏ء لهما روايات في مرض النبي ص و موته في كتاب الموت من حرف الميم قال و أخرج الموطأ الرواية الأولى و أخرج الرواية الثانية عن عروة مرسلا و أخرج الترمذي الرواية الأولى و أخرج النسائي الأولى و الثانية

7-  و له في أخرى قالت إن رسول الله ص أمر أبا بكر يصلي بالناس و قالت و كان رسول الله ص بين يدي أبي بكر يصلي قاعدا و أبو بكر يصلي بالناس و الناس خلف أبي بكر

8-  و في أخرى له قالت إن أبا بكر صلى للناس و رسوله ص في الصف

9-  و أخرج أيضا هاتين الروايتين حديثا واحدا و قال فيه إن أبا بكر رجل أسيف إذا قام مقامك لم يسمع و قال في آخره فقام فكان عن يسار أبي بكر جالسا و كان رسول الله ص يصلي بالناس جالسا و الناس يقتدون بصلاة أبي بكر هذا ما ذكره في جامع الأصول من روايات عائشة في باب فضل أبي بكر

10-  و روي عن عبيد الله بن عبد الله عن عائشة في باب مرض النبي ص و موته قال دخلت على عائشة فقلت لها أ لا تحدثيني عن مرض رسول الله ص قالت بلى ثقل النبي ص فقال أ صلى الناس قلنا لا هم ينتظرونك يا رسول الله قال ضعوا لي ماء في المخضب قال ففعلنا فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق فقال أ صلى الناس فقلنا لا هم ينتظرونك يا رسول الله قال ضعوا لي ماء في المخضب فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق فقال أ صلى الناس فقلنا لا و هم ينتظرونك قالت و الناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله ص لصلاة العشاء الآخرة قالت فأرسل رسول الله ص إلى أبي بكر أن يصلي بالناس فأتاه الرسول فقال إن رسول الله يأمرك أن تصلي بالناس فقال أبو بكر رجلا رقيقا يا عمر صل بالناس فقال عمر أنت أحق بذلك قالت فصلى بهم أبو بكر تلك الأيام ثم إن رسول الله ص وجد في نفسه خفة فخرج بين رجلين أحدهما العباس لصلاة الظهر و أبو بكر يصلي بالناس فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر فأومأ إليه النبي ص أن لا يتأخر فقال لهما أجلساني إلى جنبه فأجلساه إلى جنب أبي بكر فكان أبو بكر يصلي و هو يأتم بصلاة النبي ص و الناس يصلون بصلاة أبي بكر و النبي ص قاعد قال عبيد الله دخلت على عبد الله بن عباس فقلت أ لا أعرض عليك ما حدثتني عائشة عن مرض النبي ص قال هات فعرضت حديثها عليه فما أنكر منه شيئا غير أنه قال أ سمت لك الرجل الذي كان مع العباس قلت لا قال هو علي صلوات الله عليه و هذا الخبر رواه البخاري و مسلم و رواه في المشكاة في الفصل الثالث من باب ما على المأموم من المتابعة و عدة من المتفق عليه

11-  و روي في جامع الأصول، في فروع الاقتداء عن عائشة قالت صلى النبي ص خلف أبي بكر في مرضه الذي مات فيه قاعدا قال أخرجه الترمذي

12-  قال و قال و قد روي عنها أن النبي ص خرج في مرضه و أبو بكر يصلي بالناس فصلى إلى جنب أبي بكر الناس يأتمون بأبي بكر و أبو بكر يأتم بالنبي ص فهذه روايات ينتهي سندها إلى عائشة

13-  و من جملة ما روي في أمر الصلاة ما أسندوه إلى أنس بن مالك فمنها ما رواه في جامع الأصول في فروع الاقتداء عنه قال صلى رسول الله ص في مرضه خلف أبي بكر قاعدا في ثوب متوشحا به قال أخرجه الترمذي و أخرجه النسائي و لم يذكر قاعدا و قال في ثوب واحد و إنها آخر صلاة صلاها

14-  و روي عن أنس في باب فضل أبي بكر أن أبا بكر كان يصلي بهم في وجع النبي الذي توفي فيه حتى إذا كان يوم الإثنين و هم صفوف في الصلاة كشف رسول الله ص ستر الحجرة فنظر إلينا و هو قائم كأن وجهه ورقة مصحف ثم تبسم فضحك فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤية النبي ص فنكص أبو بكر على عقبه ليصل الصف و ظن أن النبي ص خارج إلى الصلاة فأشار إلينا النبي ص أن أتموا صلاتكم و أرخى الستر فتوفي من يومه

15-  قال و في أخرى لم يخرج رسول الله ص ثلاثا و أبو بكر يصلي بالناس فأقيمت الصلاة فذهب أبو بكر يتقدم فقال رسول الله ص بالحجاب فرفعه فلما وضح وجه رسول الله ص ما نظرنا منظرا كان أعجب إلينا من رسول الله ص حين وضح لنا فأومأ بيده إلى أبي بكر أن يتقدم و أرخى الحجاب فلم نقدر عليه حتى مات

  -16  قال و في أخرى بيناهم في صلاة الفجر من يوم الإثنين و أبو بكر يصلي بهم لم يفجأهم إلا رسول الله ص قد كشف ستر حجرة عائشة فنظر إليهم و هم في صفوف ثم تبسم يضحك فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف و ظن أن رسول الله ص يريد أن يخرج إلى الصلاة قال أنس و هم المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم فرحا برسول الله ص فأشار إليهم بيده أن أتموا صلاتكم ثم دخل الحجرة و أرخى الستر

17-  قال و في أخرى قال آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله ص كشف الستارة يوم الإثنين و ذكر نحوه الذي قبله أتم

18-  و أخرج النسائي هذه الأخيرة و هذا لفظه قال آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله ص كشف الستارة و الناس صفوف خلف أبي بكر فأراد أبو بكر أن يرتد فأشار إليهم أن امكثوا و ألقى السجف و توفي من آخر ذلك اليوم يوم الإثنين هذه رواياته عن أنس بن مالك

19-  و من جملة رواياتهم في أمر الصلاة ما رواه في جامع الأصول في الباب المذكور عن عبد الله بن زمعة قال لما استعز برسول الله ص وجعه و أنا عنده في نفر من الناس دعاه بلال إلى الصلاة فقال رسول الله ص مروا أبا بكر يصلي بالناس قال فخرجنا فإذا عمر في الناس و كان أبو بكر غائبا فقلت يا عمر فقم فصل بالناس فتقدم و كبر فلما سمع رسول الله ص صوته و كان عمر رجلا مجهرا قال فأين أبو بكر يأبى الله ذلك و المسلمون فبعث إلى أبي بكر فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصلاة فصلى بالناس

20-  و زاد في رواية قال لما أن سمع النبي ص صوت عمر خرج النبي حتى أطلع رأسه من حجرته ثم قال لا لا لا ليصل بالناس ابن أبي قحافة يقول ذلك مغضبا قال أخرجه أبو داود

21-  و من جملتها ما رواه في الباب المذكور عن أبي موسى قال مرض النبي ص فاشتد مرضه فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس قالت عائشة يا رسول الله ص إنه رجل رقيق إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس فقال ص مروا أبا بكر فليصل بالناس فعاودته فقال مروه فليصل بالناس فإنكن صواحب يوسف فأتاه الرسول فصلى بالناس في حياة رسول الله ص قال أخرجه البخاري و مسلم

22-  و من جملتها ما رواه في الباب المذكور عن ابن عمر قال لما اشتد برسول الله ص وجعه قيل له في الصلاة فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس قالت عائشة إن أبا بكر رجل رقيق إذا قرأ غلبه البكاء قال مروه فليصل إنكن صواحب يوسف قال أخرجه البخاري

23-  و من جملتها ما رواه ابن عبد البر في الإستيعاب قال روى الحسن البصري عن قيس بن عباد قال قال علي بن أبي طالب صلوات الله عليه إن رسول الله ص مرض ليالي و أياما ينادي بالصلاة فنقول مروا أبا بكر يصلي بالناس فلما قبض رسول الله ص نظرت فإذا الصلاة علم الإسلام و قوام الدين فرضينا لدنيانا من رضي رسول الله ص لديننا فبايعنا أبا بكر

 فهذه ما وقفت عليه من أخبارهم في هذا الباب بعد التصفح و لنوضح بعض ألفاظها قال في النهاية رجل أسيف أي سريع البكاء و الحزن و قيل هو الرقيق و قال المخضب بالكسر شبه المركن و هي إجانة يغسل فيها الثياب و قال ناء ينوء نوءا نهض قوله أن نفتتن أي نقطع الصلاة مفتونين برؤيته و السجف بالفتح و الكسر الستر و في النهاية في حديث مرض النبي فاستعز برسول الله أي اشتد به المرض و أشرف على الموت يقال عز يعز بالفتح إذا اشتد به المرض و غيره و استعز عليه إذا اشتد عليه و غلبه ثم يبنى الفعل للمفعول به الذي هو الجار و المجرور و قال في حديث عمر إنه كان مجهرا أي صاحب جهر و رفع لصوته يقال جهر بالقول إذا رفع به صوته فهو جهر و أجهر فهو مجهر إذا عرف بشدة الصوت و قال الجوهري رجل مجهر بكسر الميم إذا كان من عادته أن يجهر بكلامه أقول فإذ قد تبينت لك تلك الأخبار فلنشرع في الكلام عليها و إبطال التمسك بها فنقول. أما الجواب عنها على وجه الإجمال فهو أنها أخبار آحاد لم تبلغ حد التواتر و قد وردت من جانب الخصوم و تعارضها رواياتنا الواردة عن أهل البيت ع و قد تقدم بعضها فلا تعويل عليها. و أما على التفصيل فإن أكثر الروايات المذكورة تنتهي إلى عائشة و هي امرأة لم تثبت لها العصمة بالاتفاق و توثيقها محل الخلاف بيننا و بين المخالفين و سيأتي في أخبارنا من ذمها و القدح فيها و أنها كانت ممن يكذب على رسول الله ص ما فيه كفاية للمستبصر و مع ذلك يقدح في رواياتها تلك بخصوصها أن فيها التهمة من وجهين. أحدهما بغضها لأمير المؤمنين ع كما ستطلع عليه من الأخبار الواردة في ذلك من طرق أصحابنا و المخالفين. و ذكر السيد الأجل رضي الله عنه في الشافي أن محمد بن إسحاق روى أن عائشة لما وصلت إلى المدينة راجعة من البصرة لم تزل تحرض الناس على أمير المؤمنين ع و كتبت إلى معاوية و أهل الشام مع الأسود بن أبي البختري تحرضهم عليه. قال و روي عن مسروق أنه قال دخلت على عائشة فجلست إليها فحدثتني و استدعت غلاما لها أسود يقال له عبد الرحمن فجاء حتى وقف فقالت يا مسروق أ تدري لم سميته عبد الرحمن فقلت لا قالت حبا مني لعبد الرحمن بن ملجم. و في رواية عبيد الله بن عبد الله التي ذكرناها في هذا المقام دلالة واضحة لأولي البصائر على بغضها حيث سمت أحد الرجلين اللذين خرج رسول الله ص معتمدا عليهما و تركت تسمية الآخر و ليس ذلك إلا إخفاء لقربه هذا من الرسول ص و فضله و قد أشعر سؤال ابن عباس بذلك فلا تغفل. و بالجملة بغضها لأمير المؤمنين ع أولا و آخرا هو أشهر من كفر إبليس فلا يؤمن عليها التدليس و كفى حجة قاطعة عليه قتالها و خروجها عليه كما أنه كاف في الدلالة على كفرها و نفاقها المانعين من قبول روايتها مطلقا و سيأتي في أبواب فضائل أمير المؤمنين ع من الأخبار العامية و غيرها الدالة على كفر مبغضه ع ما فيه كفاية و لو قبلنا من المخالفين دعواهم الباطل في توبتها و رجوعها فمن أين لهم إثبات ورود تلك الأخبار بعدها فبطل التمسك بها. و ثانيهما جر النفع في الروايات المذكورة للفخر بخلافة أبيها إذ أمر الصلاة كما ستطلع عليه إن شاء الله تعالى كان عمدة أسباب انعقاد الخلافة لأبيها كما رووه في أخبارهم و أيضا في أسانيد تلك الروايات جماعة من النواصب المبغضين المنحرفين عن أمير المؤمنين ع و في بعضها مكحول و قد روي في كتاب الإختصاص عن سعيد بن عبد العزيز قال كان الغالب على مكحول عداوة علي بن أبي طالب صلوات الله عليه و كان إذا ذكر عليا ع لا يسميه و يقول أبو زينب.

  و بعد التنزل عن هذا المقام نقول رواياتها تشتمل على أنواع من الاختلاف فكثير منها تدل على أنه لما جاء رسول الله ص جلس إلى جنب أبي بكر و بعضها يدل على أنه كان بين يدي أبي بكر يصلي قاعدا و أبو بكر يصلي بالناس و الناس خلف أبي بكر و بعضها يدل على أن رسول الله ص كان في الصف و لعل عائشة في بعض المواطن استحيت في حضور طائفة من العارفين بصورة الواقعة فقربت كلامها إلى ما رواه أصحابنا من أنه ص تقدمه في الصلاة و عزله عن الإمامة و في الجهلة البالغين غايته قالت كان في صف هذا هو الصحيح في وجه الجمع بين تلك الأخبار. و من جملة وجوه اختلافها أن كثيرا منها يدل على أن الناس كانوا يصلون بصلاة أبي بكر و في بعض تصريح بأنهم كانوا يأتمون بأبي بكر و في بعضها أنه يسمعهم التكبير و تفطن لذلك شارح المواقف ففسر بعد ما ذكر رواية البخاري عن عروة عن أبيه عن عائشة المشتملة على أن الناس كانوا يصلون بصلاة أبي بكر قال أي بتكبيره و الصحيح في وجه الجمع هو ما ذكرنا. و من جملتها أن في بعض الأخبار أن أبا بكر أراد أن يتأخر فأشار إليه رسول الله ص أن لا يتأخر و يبعد من ديانة أبي بكر أن يخالف أمره و في بعضها تصريح بأنه تأخر و قعد رسول الله ص إلى جنبه. و من جملتها أن أكثرها صريحة في اقتداء أبي بكر بالنبي ص و في رواية الترمذي التي ذكرها في جامع الأصول في فروع الاقتداء تصريح بأنه ص في مرضه الذي مات فيه صلى قاعدا خلف أبي بكر و هذا غير ما ذكرنا من اختلافها في جلوسه ص و في اقتداء الناس به فلا تغفل. و من جملتها أن بعضها يدل على أن قول الرسول ص إنكن صواحب يوسف كان لمعاودتها القول بأن أبا بكر رجل أسيف لا يقدر على القراءة و لا يملك نفسه من البكاء و في بعضها أن ذلك كان لبعث حفصة إلى عمر أن يصلي بالناس و أنها قالت لعائشة ما كنت لأصيب منك خيرا و ليت شعري إذا كان أبو بكر لا يملك نفسه من البكاء و لا يستطيع القراءة لقيامه مقام رسول الله ص في حياته و لا ريب أن حزنه و بكاءه كان لاحتمال أن يكون ذلك مرض موته ع فكيف ملك نفسه في السعي إلى السقيفة لعقدة البيعة و لم يمنعه الحزن و الأسف عن الحيل و التدابير في جلب الخلافة إلى نفسه و عن القيام مقامه ص في الرئاسة العامة مع أن جسده الطاهر المطهر كان بين أظهرهم لم ينقل إلى مضجعه. فهذه وجوه التخالف في أخبار عائشة مع قطع النظر عن مخالفتها لما رواه غيرها. و أما روايات أنس فأول ما فيها أن أنسا من الثلاثة الكذابين كما سبق في كتاب أحوال النبي ص و سيأتي و هو الذي دعا عليه أمير المؤمنين ع لما أنكر حديث الغدير فابتلاه الله بالبرص و بعد قطع النظر عن حاله و حال من روى عنه.

  فمن رواياته ما صرحت بأن رسول الله لم يخرج إلى الصلاة في مرض موته لأنه قال لم يخرج رسول الله ثلاثا و أبو بكر يصلي بالناس و أقيمت الصلاة فذهب أبو بكر يتقدم فرفع رسول الله الحجاب فأومأ إلى أبي بكر أن يتقدم و أرخى الحجاب فلم نقدر عليه حتى مات و سوق الكلام في بعض رواياته الأخر أيضا يدل على ذلك و هي مخالفة لروايات عائشة و هو ظاهر و لروايته المذكورة أولا الدالة على أنه ص صلى خلف أبي بكر في مرضه و أنها كانت آخر صلاة صلاها و لعل السر في وضع أنس تلك الأخبار الدالة على أنه ع لم يخرج إلى الصلاة أنه أراد إبطال ما كانت الشيعة يتمسكون به من أنه ص لما سمع صوته خرج إلى الصلاة و أخره عن المحراب فتفطن. و من وجوه تخالفها أنه قوله فذهب أبو بكر يتقدم و قوله فأومأ بيده إلى أبي بكر أن يتقدم صريح في أن رفع الحجاب و الإيماء كان قبل الصلاة و قبل أن يتقدم أبو بكر و قوله في الرواية الأخرى بينما هم في صلاة الفجر و أبو بكر يصلي بهم و قوله في الرواية الأخرى و هم المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم و قوله أن أتموا صلاتكم يدل على أنه كان بعد اشتغالهم بالصلاة و التأويلات البعيدة ظاهرة البطلان. و أما رواية عبد الله بن زمعة فكونه من رجال أهل الخلاف واضح و ذكره ابن الأثير و غيره في كتبهم و لم يذكروا له توثيقا و لا مدحا قالوا عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشي الأسدي عداده في المدنيين روى عنه عروة الزبير و أبو بكر بن عبد الرحمن و روايته تخالف رواية عبيد الله بن عبد الله لدلالتها على أنه لما قال رسول الله ص مروا أبا بكر يصلي بالناس و جاء الرسول كان أبو بكر غائبا فقام عمر فصلى بالناس تلك الصلاة و لما سمع الرسول ص صوت عمر قال يأبى الله ذلك و المسلمون و كرر ذلك القول و بعث إلى أبي بكر فجاء بعد ما صلى عمر و دلالة رواية عبيد الله على أنه لما أمر رسول الله ص أبا بكر بالصلاة فجاء الرسول خاطب أبا بكر فقال أبو بكر يا عمر صل بالناس فقال عمر أنت أحق بذلك فدلت على أن أبا بكر كان حاضرا حينئذ. و من القرائن على وضع هذه الرواية هذا التكرير المذكور و تكرير لفظة لا ثلاثا و لقد تنبه لذلك صاحب الإستيعاب فحذف هذه التكريرات لئلا يظن الكذب بهذا الراوي تعصبا و ترويجا للباطل بقدر الإمكان و الرواية على ما ذكره في الإستيعاب في ترجمة أبي بكر توافق ما رواه أصحابنا من أنه لم يأمر رسول الله ص أبا بكر على الخصوص بالصلاة بل قال مروا من يصلي بالناس و أنا أذكرها بلفظها ليتضح هذا المعنى.

 قال روى الزهري عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله بن زمعة بن الأسود قال كنت عند رسول الله ص و هو عليل فدعاه بلال إلى الصلاة فقال لنا مروا من يصلي بالناس قال فخرجت فإذا عمر في الناس و كان أبو بكر غائبا فقلت قم يا عمر فصل بالناس فقام عمر فلما كبر سمع رسول الله ص صوته و كان مجهرا فقال رسول الله ص فأين أبو بكر يأبى الله ذلك و المسلمون فبعث إلى أبي بكر فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصلاة فصلى بالناس طول علته حتى مات ص

 ثم إن هاهنا نكتة لا ينبغي الغفلة عنها و هي أنه إذا كان رسول الله ص أمر أولا على وجه العموم الشامل لكل بر و فاجر أن يصلي بالناس أحد ثم سمع صوت عمر و قال يأبى الله ذلك و المسلمون مرة واحدة على ما في هذه الرواية أو كرر هذا القول أو قال لا لا لا ثلاثا و قال ليصل بالناس ابن أبي قحافة مغضبا و قد كان رضي بصلاة عبد الرحمن بن عوف بالناس بل صلى بنفسه خلفه على ما أطبقت عليه رواياتهم و كان إمامة الصلاة دليلا على استحقاق الخلافة كما سيجي‏ء في رواياتهم إن شاء الله تعالى من أنه باحتجاج عمر بأمر الصلاة تمت بيعة أبي بكر لكان ذلك دليلا على عدم استحقاق عمر للخلافة. و لو تنزلنا عن ذلك فهل يبقى لأحد ريب بعد ذلك في أن عبد الله الرحمن بن عوف الذي صلى رسول الله ص خلفه و لو ركعة واحدة كما ذكره بعضهم كان أولى بالخلافة من عمر بن الخطاب فيكف نص أبو بكر على عمر في الخلافة و ترك عبد الرحمن بن عوف. و كيف كان يقول لطلحة لما خوفه من سؤال الله يوم القيامة أ بالله تخوفني إذا لقيت ربي فساءلني قلت استخلفت عليهم خير أهلك فقال طلحة أ عمر خير الناس يا خليفة رسول الله فاشتد غضبه و قال إي و الله هو خيرهم و أنت شرهم. و كيف قال لعثمان لو تركت عمر لما عدوتك يا عثمان و قد كان عبد الرحمن بن عوف حاضرا عنده و هو ممن شاوره أبو بكر في تعيين الخليفة فعاب عمر بالغلظة ثم لما حكم أبو بكر صريحا بأن طلحة شر الناس و جعل عثمان خير الناس و أولى بالخلافة بعد عمر كيف جعل عمر طلحة و عثمان عدلين في الخلافة و الشورى و هل كان ما فعلوه إلا خبطا في خبط و لا ينفع ابتناء الكلام على جواز تفضيل المفضول إذ كلام أبي بكر صريح في أن خروجه عن عهدة السؤال يوم القيامة يكون باستخلافه الأفضل. فظهر أنه لا يخلو الحال عن أحد الأمرين إما أن لا يدل التقديم في الصلاة على فضل فانهدم أساس خلافتهم أو كان تصريحا أو تلويحا يجري مجرى التصريح باستحقاق الخلافة كما صرح به صاحب الإستيعاب فكان أبو بكر يرى رأي رسول الله ص باطلا و لذا لم يعد عبد الرحمن في أمر الخلافة شيئا و كان يجوز مخالفة الرسول ص في اجتهاده كما زعموه و مع ذلك كان يثب على عمر بن الخطاب و يجر لحيته لما أشار بعزل أسامة للمصلحة كما سيجي‏ء إن شاء الله تعالى و كان يقول له ثكلتك أمك يا ابن الخطاب لو اختطفتني الطير كان أحب إلي من أن أرد قضاء قضى به رسول الله ص فانظر بعين البصيرة حتى يتضح لك أن القوم لم يسلكوا في غيهم مسلكا واحدا بل تاهوا في حيرتهم شمالا و يمينا و خسروا خسرانا مبينا. و أما أبو موسى و ابن عمر فحالهما في عداوة أمير المؤمنين ع ظاهر لا يحتاج إلى البيان و الظاهر أن روايتهما على وجه الإرسال عن عائشة و على تقدير ادعائهما الحضور لا ينتهض قولهما حجة لكونهما من أهل الخلاف و من المجروحين. و أما رواية صاحب الإستيعاب عن الحسن البصري ففيها أن الحسن ممن ورد في ذمه من طرق العامة و الخاصة كقول أمير المؤمنين ع فيه هذا سامري هذه الأمة و كدعائه عليه لا زلت مسوءا لما طعن على أمير المؤمنين بإراقة دماء المسلمين و غير ذلك مما سيأتي في أبواب أصحاب أمير المؤمنين ع و قد عده ابن أبي

  الحديد من المنحرفين عن علي ع و حكى أبو المعالي الجويني على ما ذكره بعض الأصحاب عن الشافعي أنه قال بعد ذكر الحسن و فيه كلام. و بعد التنزل عن كونه خصما مجروحا و تسليم أن الطريق إليه حسن نقول إذا كان ذلك من كلام أمير المؤمنين ع فلما ذا ترك بيعة أبي بكر ستة أشهر أو أقل حتى يقاد بأعنف العنف و يهدد بالقتل بعد ظهور أماراته و كيف كان يتظلم و يبث الشكوى منهم في كل مشهد و مقام كما سيأتي في باب الشكوى و إسناد الكذب إلى الحسن أحسن من إسناد التناقض إلى كلامه ع و غرضه من الوضع على لسانه ع إلزام الشيعة و إتمام الحجة عليهم و إلا فإنكاره ع لصدور الأمر بالصلاة من الرسول ص و تعيينه أبا بكر من المشهورات و قد روى ابن أبي الحديد عن شيخه أبي يعقوب يوسف بن إسماعيل اللمعاني أن عليا ع كان ينسب عائشة إلى أنها أمرت بلالا أن يأمر أبا بكر بأن يصلي بالناس و أن رسول الله ص قال ليصل بهم رجل و لم يعين أحدا فقالت مر أبا بكر يصلي بالناس و كان ع يذكر ذلك لأصحابه في خلواته كثيرا و يقول إنه لم يقل ص إن كن كصويحبات يوسف إلا إنكارا لهذه الحال و غضبا منه لأنها و حفصة تبادرتا إلى تعيين أبيهما و أنه استدركها رسول الله ص بخروجه و صرفه عن المحراب انتهى. فاتضح لك ضعف التمسك بهذه الأخبار سيما في أركان الدين. و قال السيد الأجل رضي الله عنه في موضع من الشافي ذكر فيه تمسك قاضي القضاة بحكاية الصلاة إن خبر الصلاة خبر واحد و الإذن فيها ورد من جهة عائشة و ليس بمنكر أن يكون الإذن صدر من جهتها لا من جهة الرسول ص و قد استدل أصحابنا على ذلك بشيئين أحدهما بقول النبي ص على ما أتت به الرواية لما عرف تقدم أبي بكر في الصلاة و سمع قراءته في المحراب إن كن كصويحبات يوسف و بخروجه متحاملا من الضعف معتمدا على أمير المؤمنين و الفضل بن العباس إلى المسجد و عزله لأبي بكر عن المقام و إقامة الصلاة بنفسه و هذا يدل دلالة واضحة على أن الإذن في الصلاة لم يكن منه ص. و قال بعض المخالفين أن السبب في قوله إن كن صويحبات يوسف إنه ص لما أوذن بالصلاة و قال مروا أبا بكر ليصلي بالناس فقالت له عائشة إن أبا بكر رجل أسيف لا يحتمل قلبه أن يقوم مقامك في الصلاة و لكن تأمر عمر أن يصلي بالناس فقال عند ذلك إن كن صويحبات يوسف و هذا ليس بشي‏ء لأن النبي لا يجوز أن يكون أمثاله إلا وفقا لأغراضه و قد علمنا أن صويحبات يوسف لم يكن منهن خلاف على يوسف و لا مراجعة له في شي‏ء أمرهن به و إنما افتتن بأسرهن بحسنه و أرادت كل واحدة منهن مثل ما أرادته صاحبتها فأشبهت حالهن حال عائشة في تقديمها أباها للصلاة للتجمل و الشرف بمقام رسول الله ص و لما يعود بذلك عليها و على أبيها من الفخر و جميل الذكر. و لا عبرة بمن حمل نفسه من المخالفين على أن يدعي أن الرسول ص لما خرج إلى المسجد لم يعزل أبا بكر عن الصلاة و أقره في مقامه لأن هذا من قائله غلط فظيع من حيث يستحيل أن يكون النبي ص و هو الإمام المتبع في سائر الدين متبعا مأموما في حال من الأحوال و كيف يجوز أن يتقدم على النبي ص غيره في الصلاة و قد دلت الأخبار على أنه لا يتقدم فيها إلا الأفضل على الترتيب و التنزيل المعروف. و أقول ذلك من مذهب أصحابنا معلوم لا يحتاج إلى بيان و قد ورد من صحاح الأخبار عند المخالفين ما يدل عليه

 روى مسلم في صحيحه عن ابن مسعود قال قال رسول الله ص يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا و لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه و لا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه و في رواية له و لا يؤمن الرجل الرجل في أهله

و روي في جامع الأصول ما يدل على هذا المعنى بتغيير في اللفظ عن مسلم و الترمذي و النسائي و أبي داود و قال قال شعبة قلت لإسماعيل ما تكرمته قال فراشه.

 و روى مسلم في صحيحه أيضا عن أبي سعيد قال قال ص إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم و أحقهم بالإمامة أقرؤهم و روى أبو داود في صحيحه عن أبي عباس قال قال النبي ص ليؤذن لكم خياركم و ليؤمكم قراؤكم

و قد ذكر في المشكاة هذه الروايات على الوجه الذي ذكرناها. و قد قال بالترتيب في الإمامة جمهور العامة و إنما اختلفوا في تقدم الفقه أو القراءة فذهب أصحاب أبي حنيفة إلى تقدم القراءة لظاهر الخبر و الشافعي و مالك إلى تقدم الفقه على القراءة فلو دل التقدم على الأفضلية فتقدم أحد على الرسول ص مما لا نزاع في بطلانه و لو لم يدل عليها و جاز تقديم المفضول و كان من قبيل ترك الأولى فسقط الاحتجاج بتقدم أبي بكر و أضرابه إذا يجوز حينئذ أن يكون مفضولا بالنسبة إلى كل واحد من مؤتميه و هو واضح. و أنت بعد اطلاعك على أخبارهم السالفة لا ترتاب في بطلان القول بأنه ص صلى خلف أبي بكر إذ بعض روايات عائشة صريحة في أنه جلس بين يدي أبي بكر و بعضها صريحة في أنه اقتدى أبو بكر بصلاته ص و إن كان جلس إلى جنب أبي بكر و بعض روايات أنس دلت على عدم خروجه في مرضه إلى الصلاة كما سبق فكان منافيا لما دل على اقتدائه بأبي بكر و تلك الروايات أكثر فلا يصلح ما دلت على أنه ص صلى خلف أبي بكر معارضة لها و لو سلمنا كونها صالحة للمعارضة لها فإذا تعارضتا تساقطتا فبقي ما رواه أصحابنا سليما عن معارض و قد صرح الثقات عندهم من أرباب السير كصاحب الكامل و غيره بأنه كان يصلي بصلاة رسول الله ص و كفاك شاهدا على بطلانه اعتراف قاضي القضاة الذي يتشبث بكل رطب و يابس فلو لا أنه رأى القول بذلك فظيعا ظاهر البطلان لما فاته التمسك به. فظهر أن ما ذكره المتعصبون من متأخريهم كصاحب المواقف و شارحه و الشارح الجديد للتجريد من أنه ص صلى خلفه و أن الروايات الصحيحة متعاضدة على ذلك إنما نشأ من فرط الجهل و الطغيان في العصبية و لقد أحال السيد حيث أورد في بيان تعاضد الروايات الصحيحة روايتين مجهولتين غير مسندتين إلى أصل أو كتاب قال روي عن ابن عباس أنه قال لم يصل النبي ص خلف أحد من أمته إلا خلف أبي بكر و صلى خلف عبد الرحمن بن عوف في سفر ركعة واحدة. قال و روي عن رافع بن عمرو بن عبيد عن أبيه أنه قال لما ثقل النبي ص عن الخروج أمر أبا بكر أن يقوم مقامه فكان يصلي بالناس و ربما خرج النبي ص بعد ما دخل أبو بكر في الصلاة فصلى خلفه و لم يصل خلف أحد غيره إلا أنه صلى خلف عبد الرحمن بن عوف ركعة واحدة في سفر. ثم ذكر رواية أنس الدالة على أنه رفع الستر فنظر إلى صلاتهم و تبسم كما سبق ثم قال و أما ما روى البخاري عن عروة عن أبيه عن عائشة و ذكر الرواية السابقة إلى قولها فكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله ص و الناس يصلون بصلاة أبي بكر ثم فسره فقال أي بتكبيره و جمع بينها و بين الخبرين السابقين

  بأن هذا إنما كان في وقت آخر. و ليت شعري إذا كانت الروايتان صحيحتين فلم لم يسندهما إلى كتاب أو أصل معروف كما أسند رواية عروة عن عائشة و لو كان رسول الله ص صلى خلفه في مرضه فلم كانت عائشة مع حرصها على إثبات فضل لأبيها تارة تروي اقتداء الناس بأبي بكر و اقتداء أبي بكر بصلاته ص و تارة جلوسه بين يدي أبي بكر و لم لم يقل عمر يوم السقيفة أيكم تطيب نفسه أن يتقدم على من فضله رسول الله ص على نفسه و صلى خلفه. و العجب من السيد الشريف أنه ترك التمسك برواية الترمذي عن عائشة و روايته و رواية النسائي عن أنس و تمسك بهاتين لها فعجز عن إسنادهما إلى أصل. و أما ما ذكره في وجه الجمع فظاهر البطلان إذ لو كان المراد بوقت آخر غير مرض موته ص فكثير من الروايات السابقة مع اتفاق كلمة أرباب السير يشهد بخلافه و لو كان المراد وقوع الأمرين كليهما في مرض الموت كل في وقت فسوق رواية عبيد الله بن عبد الله عن عائشة التي رواها البخاري و مسلم و عدوها من المتفق عليه و سوق كلام أرباب السير أيضا ينادي بفساده و لو كان المراد أن ما تضمنه خبر رافع بن عمرو بن عبيد عن أبيه كان في غير مرض موته ص فواضح البطلان إذ لم يذكر أحد من أرباب السير و الرواة أنه أمر ص أبا بكر أن يصلي بالناس إلا في تلك الحال و لم يكن أحد يفهم من قولهم لما ثقل النبي ص عن الخروج و من حكايتهم الصلاة في مرضه و أمره أبا بكر بالصلاة إلا مرض الموت مع أن رواية الترمذي و النسائي صريحة في وقوعه حينئذ. على أن التمسك بصلاته ص خلف أبي بكر في إثبات الفضل لأبي بكر حماقة عجيبة إذ هو من قبيل الاستدلال بمقدمة مع الاعتراف بنقيضها فإن التقدم في الصلاة لو دل على فضل الإمام لكان أبو بكر أفضل من الرسول ص و إلا فانقلع الأساس من أصله و قد نبهناك عليه فلا تغفل. ثم قال السيد رضي الله عنه و مما يدل على بطلان هذه الدعوى أنه ص لو لم يعزله عند خروجه عن الصلاة لما كان فيما وردت به الرواية من الاختلاف في أنه ص لما صلى بالناس ابتدأ من القرآن من حيث ابتدأ أبو بكر أو من حيث انتهى معنى على أنا لا نعلم لو تجاوزنا عن جميع ما ذكرناه وجها يكون منه خبر الصلاة شبهة في النص مع تسليم أن النبي ص أمر بها أيضا لأن الصلاة ولاية مخصوصة في حالة مخصوصة لا تعلق لها بالإمامة لأن الإمامة تشتمل على ولايات كثيرة من جملتها الصلاة ثم هي مستمرة في الأوقات كلها فأي نسبة مع ما ذكرناه بين الأمرين. على أنه لو كانت الصلاة دالة على النص لم يخل من أن يكون دالة من حيث كانت تقديما في الصلاة أو من حيث اختصت مع أنها تقديم فيها بحال المرض فإن دلت من الوجه الأول وجب أن يكون جميع من قدمه الرسول في طول حياته للصلاة إماما للمسلمين و قد علمنا أنه ص قد ولى الصلاة جماعة لا يجب شي‏ء من هذا فيهم و إن دلت من الوجه الثاني فالمرض لا تأثير له في إيجاب الإمامة فلو دل تقديمه في الصلاة في حال المرض على الإمامة لدل على مثله التقديم في حال الصحة و لو كان للمرض تأثير لوجب أن يكون تأميره أسامة بن زيد و تأكيده أمره في حال المرض مع أن ولايته تشتمل على الصلاة و غيرها موجبا للإمامة لأنه لا خلاف في أن النبي ص كان يقول إلى أن فاضت نفسه الكريمة صلوات الله عليه و آله نفذوا جيش أسامة و يكرر ذلك و يردده. فإن قيل لم تدل الصلاة على الإمامة من الوجهين اللذين أفسدتموهما لكن

  من حيث كان النبي ص مؤتما بأبي بكر في الصلاة و مصليا خلفه قلنا قد مضى ما يبطل هذا الظن فكيف يجعل ما هو مستحيل في نفسه حجة على أن الرسول ص عند مخالفينا قد صلى خلف عبد الرحمن بن عوف و لم يكن ذلك موجبا له الإمامة و خبر صلاة عبد الرحمن بن عوف أثبت عندهم و أظهر فيهم من صلاته خلف أبي بكر لأن الأكثر منهم يعترف بعزله عن الصلاة عند خروجه ص و قد بينا أن المرض لا تأثير له فليس لهم أن يفرقوا بين صلاته خلف عبد الرحمن و بينها خلف أبي بكر للمرض انتهى أقول ما ذكره السيد رضي الله تعالى عنه من عزله عن الصلاة فقد عرفت اشتمال رواياتهم عليه إذ في بعض روايات عائشة أن رسول الله ص كان بين يدي أبي بكر يصلي قاعدا و ظهر من رواياتها الأخرى التي رواها مسلم و البخاري أن أبا بكر كان يسمع الناس التكبير و قد عرفت اعتراف شارح المواقف بذلك و تأويله ما في الروايات الأخر من أن الناس كانوا يصلون بصلاة أبي بكر بأن المراد يصلون بتكبيره و لا بد لهم من هذا الجمع و إلا لتناقضت رواياتهم الصحيحة و قد صرح بهذا التأويل بعض فقهائهم بناء على عدم جواز إمامة المأموم و لعله لم يقل أحد بصحة الصلاة على هذا الوجه و ظاهر المقام أيضا ذلك إذ ما بال أبي بكر يقتدي برسول الله ص و الناس يقتدون بأبي بكر مع حضوره ص و لم يدل دليل على عدم جواز العدول في نية الاقتداء بإمام إلى الايتمام بإمام آخر سيما الرسول ص و جواز العدول من الإمامة إلى الايتمام حتى يجوز اقتداء أبي بكر بصلاته ص و لا يجوز اقتداء الناس. على أن علم عائشة بأن الناس كانوا يأتمون بأبي بكر لا يخلو عن غرابة إذ يبعد أن تكون عائشة سألت الناس واحدا واحدا فأجابوا بأنا اقتدينا بأبي بكر و مجرد تأخر أفعالهم عن أفعاله على تقدير وقوعه لا يدل على ايتمامهم به و إلا لكان الناس خلف كل إمام مؤتمين بمن يرفع صوته بالتكبير مع أن أكثر الناس كانوا لا يرون رسول الله ص لكونه جالسا فكانوا ينتظرون سماع صوت بالتكبير و نحوه و لا يخفى أن العزل عن الصلاة ليس إلا هذا فعلى تقدير مساعدتهم على أنه أمر أبا بكر بالصلاة نقول إنه ص أمر أبا بكر أولا أن يصلي بالناس فلما وجد من نفسه خفة خرج فعزله عنها فظهر أنه قد جرت قصة الصلاة مجرى قصة البراءة و الحمد لله وحده. و أما ما ذكره السيد رضوان الله عليه من أنه ص ولى الصلاة جماعة فمنهم سالم مولى أبي حذيفة على ما رواه البخاري و أبو داود في صحيحيهما و حكاه عنهما في جامع الأصول في صفة الإمام و ذكره في المشكاة في الفصل الثالث من باب الإمامة عن ابن عمر قال لما قدم المهاجرون الأولون المدينة كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة و فيهم عمر و أبو سلمة بن عبد الأسد. قال في جامع الأصول و في رواية أخرى نحوه و فيها و فيهم عمر و أبو سلمة و زيد و عامر بن ربيعة أخرجه البخاري و أبو داود و الظاهر أنه كان على وجه الاستمرار كما يدل عليه لفظة كان و أنه كان بأمره ص عموما أو خصوصا و إلا لعزله و لم يصل الأصحاب خلفه. و منهم ابن أم مكتوم على ما رواه أبو داود في صحيحه و ذكره في جامع الأصول في صفة الإمام و أورده في المشكاة في الفصل الثاني من الباب المذكور عن أنس قال استخلف رسول الله ص ابن أم مكتوم يؤم الناس و هو أعمى و استدلوا بهذا الخبر على إمامة الأعمى. و قال في مصباح الأنوار أمر رسول الله ص ابن عبد المنذر في غزاة بدر أن يصلي بالناس فلم يزل يصلي بهم حتى انصرف النبي ص و استخلف عام الفتح ابن أم مكتوم الأعمى فلم يزل يصلي بالناس في المدينة و استخلف في غزاة حنين كلثوم بن حصين أحد بني غفار و استخلف عام خيبر أبا ذر الغفاري و في غزاة الحديبية ابن عرفطة و استخلف عتاب بن أسيد على مكة و رسول الله ص

  مقيم بالأبطح و أمره أن يصلي بمكة الظهر و العصر و العشاء الآخرة و كان النبي ص يصلي بهم الفجر و المغرب و استخلف في غزاة ذات السلاسل سعد بن عبادة و استخلف في طلب كرز بن جابر الفهري زيد بن حارثة و استخلف في غزاة سعد العشيرة أبا سلم بن عبد الأسد المخزومي و استخلف في غزاة الأكيدر ابن أم مكتوم و استخلف في غزاة بدر الموعد عبد الله بن رواحة فما ادعى أحد منهم الخلافة و لا طمع في الإمرة و الولاية انتهى. و قد ذكر ابن عبد البر في الإستيعاب استخلاف كلثوم بن حصين الغفاري على المدينة مرتين مرة في عمرة القضاء و مرة عام الفتح في خروجه إلى مكة و حنين و الطائف و استعمال عتاب بن أسيد على مكة عام الفتح حين خرج إلى حنين و أنه أقام للناس الحج تلك السنة و هي سنة ثمان قال فلم يزل عتاب أميرا على مكة حتى قبض ص و أقره أبو بكر عليها إلى أن مات و استعمال زيد بن حارثة و عبد الله بن رواحة. و أما ما ذكره السيد رضوان الله عليه من أنهم زعموا أنه ص صلى خلف عبد الرحمن فيدل عليه رواياتهم و كلام علمائهم و قد روي في جامع الأصول في باب إمامة الصلاة و في كتاب الطهارة روايات عديدة حكاها عن البخاري و مسلم و أبي داود و النسائي و عن الموطأ لا فائدة في ذكرها بلفظها و قد اعترف بها من المخالفين من ادعى صلاته ع خلف أبي بكر كشارح المواقف و من اعترف منهم بأنه ص لم يصل خلف أبي بكر كقاضي القضاة. و قد ذكر ابن عبد البر صلاته ص خلف عبد الرحمن بن عوف و لم يذكر ما ذكره في المغني من ضيق الوقت و كذا ليس ذلك في رواياتهم التي أشرنا إليها و لا يذهب عليك أنه اعتذار سخيف إذ على تقدير ضيق الوقت كان يجوز له ص أن يصلي منفردا أو يقوم إلى جانب عبد الرحمن و يصلي حتى يصلي عبد الرحمن بصلاته ص و الناس بصلاة عبد الرحمن كما دلت عليه كثير من رواياتهم التي اعتمدوا عليها في صلاة أبي بكر أو يصلوا جميعا بصلاة رسول الله ص فصلاة عبد الرحمن أبلغ و أقوى في الدلالة على الخلافة على ما زعموه مع أنه لم يقل أحد بخلافة عبد الرحمن و لا ادعاها هو و حينئذ فنقول إذا صلى رسول الله ص خلف عبد الرحمن على ما زعموه و لم يصل خلف أبي بكر فليس ذلك إلا إزالة لهذه الشبهة الضعيفة و إن كان لو صلى لم يدل على استحقاقه للإمامة كما لم يدل في حق عبد الرحمن. و أما الفرق بين التقدم في الصلاة و الإمامة فغير منحصر فيما ذكره السيد رضي الله عنه أما على مذهب الأصحاب من اشتراط العصمة و التنصيص فواضح و أما على زعم المخالفين فلإطباقهم بل لاتفاق المسلمين على أن الإمامة لا تكون إلا في قريش قال صاحب المغني قد استدل شيوخنا على ذلك بما روي عنه ص أن الأئمة من قريش. و روي عنه ص أنه قال هذا الأمر لا يصلح إلا في هذا الحي من قريش و قووا ذلك بما كان يوم السقيفة من كون ذلك سببا لصرف الأنصار عما كانوا عزموا عليه لأنهم عند هذه الرواية انصرفوا عن ذلك و تركوا الخوض فيه و قووا ذلك بأن أحدا لم ينكره في تلك الحال فإن أبا بكر استشهد في ذلك بالحاضرين فشهدوا حتى صار خارجا عن باب خبر الواحد إلى الاستفاضة و قووا ذلك بأن ما جرى هذا المجرى إذا ذكر في ملإ من الناس و ادعى عليه المعرفة فتركهم النكير يدل على صحة الخبر المذكور. ثم حكى في فصل آخر عن أبي علي أنه قال إذا لم يوجد في قريش من يصلح للإمامة يجوز أن ينصب من غيرهم و أما على تقدير وجوده في قريش فلا خلاف في عدم جواز العدول عنهم إلى غيرهم و لا خلاف بين الأمة في أن إمام الصلاة لا يشترط فيه أن يكون قرشيا فالاستدلال بصلوح الرجل لإمامة الصلاة على كونه صالحا للخلافة باطل باتفاق الكل. و أيضا اتفق الكل على اشتراط العدالة في الإمام و جوزت العامة أن يتقدم في الصلاة كل بر و فاجر

 و مما رووه في ذلك من الأخبار ما رواه أبو داود في صحيحه و رواه في المشكاة عن أبي هريرة قال قال النبي ص الجهاد واجب عليكم مع كل أمير برا كان أو فاجرا و إن عمل الكبائر و الصلاة واجبة عليكم خلف كل مسلم برا كان أو فاجرا و إن عمل الكبائر

و أيضا يشترط في الإمام الحرية بالاتفاق بخلاف المتقدم في الصلاة فقد اختلف الأصحاب في اشتراطها و ذهب أكثر العامة إلى جواز الاقتداء بالعبد من غير كراهة و استدل عليه في شرح الوجيز بأن عائشة كان يؤمها عبد لها يكنى أبا عمر و ذهب أبو حنيفة إلى أنه يكره إمامة العبد و أيضا يشترط في الإمام أن يكون بالغا بالاتفاق و جوز الشافعي الاقتداء بالصبي المميز و استدلوا عليه بأن عمرو بن سلمة كان يؤم قومه على عهد رسول الله ص و هو ابن سبع و منع أبو حنيفة و مالك و أحمد من الاقتداء به في الفريضة و في النافلة اختلف الرواية عنهم. و أيضا يشترط في الإمام بالاتفاق نوع من العلم فيما يتعلق بحقوق الناس و السياسات و لم يشترط ذلك في المتقدم في الصلاة بالاتفاق فظهر أن الإمامة بمراحل عن تولي الصلاة و مع ذلك فقد تم بما تمسك به عمر بن الخطاب يوم السقيفة من إمامة أبي بكر في الصلاة أمر بيعته و انصرف الأنصار بذلك عن دعواهم روى ابن عبد البر في الإستيعاب بإسناده عن عبد الله بن مسعود قال كان رجوع الأنصار يوم سقيفة بني ساعدة بكلام قاله عمر بن الخطاب نشدتكم الله هل تعلمون أن رسول الله ص أمر أبا بكر أن يصلي بالناس قالوا اللهم نعم قال فأيكم تطيب نفسه أن يزيله عن مقام أقامه فيه رسول الله ص فقالوا كلنا لا تطيب نفسه و نستغفر الله و قد روى هذا المعنى كثير من الثقات عندهم و نقلة آثارهم. فانظر أيها العاقل بعين الإنصاف كيف استزلهم الشيطان و قادهم إلى النار بكلام عمر بن الخطاب كما استهوى قوم موسى بخوار العجل و أنساهم ما نطق به الرسول الأمين ص من النصوص الصريحة في أمير المؤمنين ع كما أغفل بني إسرائيل عن آيات رب العالمين فنبذوا الحق وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَ اشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ. و قد أورد السيد بن طاوس رضي الله تعالى عنه في كتاب الطرائف فصلا طويلا في ذلك تركناه حذرا من التكرار و الإطناب و فيما أوردناه غنية لأولي الألباب