باب 6- منازعة أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه العباس في الميراث

 ج عن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه، عن أبي رافع قال قال، إنّي لعند أبي بكر إذ اطلع عليّ و العباس يتدافعان و يختصمان في ميراث النبيّ )ص(. فقال أبو بكر يكفيكم القصير الطويل، يعني بالقصير عليا، و بالطويل العباس. فقال العباس أنا عمّ النبي و وارثه، و قد حال عليّ بيني و بين تركته. قال أبو بكر فأين كنت يا عباس حين جمع النبيّ بني عبد المطلب و أنت أحدهم، فقال أيّكم يوازرني و يكون وصييّ و خليفتي في أهلي، ينجز عدتي، و يقضي ديني، فأحجمتم عنها إلّا عليا، فقال النبي )ص( أنت كذلك.  قال العباس فما أقعدك مجلسك هذا تقدّمته و تأمّرت عليه. قال أبو بكر أعذرونا بني عبد المطلب.  توضيح و تفضيح لعلّه كان أغدرونا بني عبد المطلب بتقديم المعجمة على المهملة أي أ تنازعون و ترفعون إليّ للغدر، و ليس غرضكم التنازع. و ظاهر أنّ منازعتهما كان لذلك، و لم يكن عباس ينازع أمير المؤمنين عليه السلام فيما أعطاه الرسول صلّى اللّه عليه و آله بمحضره و محضر غيره.  و يؤيّده ما   روي أنّ يحيى بن خالد البرمكي سأل هشام بن الحكم بمحضر من الرشيد. فقال أخبرني يا هشام، هل يكون الحقّ في جهتين مختلفتين قال هشام الظاهر لا. قال فأخبرني عن رجلين اختصما في حكم في الدين، و تنازعا و اختلفا، هل يخلو من أن يكونا محقّين، أو مبطلين، أو أن يكون أحدهما محقّا و الآخر مبطلا فقال هشام لا يخلو من ذلك. قال له يحيى بن خالد فأخبرني عن عليّ و العبّاس لما اختصما إلى أبي بكر في الميراث، أيّهما كان المحقّ و من المبطل إذ كنت لا تقول أنّهما كانا محقّين و لا مبطلين. قال هشام فنظرت فإذا إنّني إن قلت إنّ عليّا عليه السلام كان مبطلا كفرت و خرجت من مذهبي، و إن قلت إنّ العباس كان مبطلا ضرب الرشيد عنقي، و وردت عليّ مسألة لم أكن سألت عنها قبل ذلك الوقت، و لا أعددت لها جوابا، فذكرت قول أبي عبد اللّه عليه السلام يا هشام، لا تزال مؤيّدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك، فعلمت أني لا أخذل، و عنّ لي الجواب في الحال. فقلت له لم يكن لأحدهما خطأ حقيقة، و كانا جميعا محقّين، و لهذا نظير قد نطق به القرآن في قصّة داود عليه السلام، يقول اللّه عزّ و جلّ وَ هَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ إلى قوله خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى  بَعْضٍ، فأيّ الملكين كان مخطئا و أيّهما كان مصيبا أم تقول أنّهما كانا مخطئين، فجوابك في ذلك جوابي. فقال يحيى لست أقول إنّ الملكين أخطئا، بل أقول إنّهما أصابا، و ذلك أنّهما لم يختصما في الحقيقة و لم يختلفا في الحكم، و إنّما أظهرا ذلك لينبّها داود عليه السلام في الخطيئة و يعرفاه الحكم و يوقفاه عليه. قال هشام قلت له كذلك عليّ عليه السلام و العباس، لم يختلفا في الحكم و لم يختصما في الحقيقة، و إنّما أظهرا الاختلاف و الخصومة لينبّها أبا بكر على خطئه، و يدلّاه على أنّ لهما في الميراث حقّاً، و لم يكونا في ريبٍ من أمرهما، و إنّما كان ذلك منهما على حدّ ما كان من الملكين. فاستحسن الرشيد ذلك الجواب.  ثمّ اعلم أنّ بعض الأصحاب ذكر أنّ أبا بكر ناقض روايته الّتي رواها في الميراث، حيث دفع سيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و بغلته و عمامته و غير ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام، و قد نازعه العباس فيها، فحكم بها لأمير المؤمنين عليه السلام. إمّا لأنّ ابن العم إذا كان أبوه عمّ الميت من الأب و الأم أولى من العمّ الّذي كان عمّ الميت من جانب الأب فقط، لأن المتقرّب إلى الميت بسببين أولى من المتقرّب إليه بسبب واحد. و إمّا لعدم توريث العم مع البنت، كما هو مذهب أهل البيت عليهم السلام.  و قد تنازعا عند عمر بن الخطاب فيما أفاء اللّه تعالى على رسوله و في سهمه من خيبر و غيره، فدفعها إلى أمير المؤمنين عليه السلام، أو دفعها إليهما و قال اقتصلا أنتما فيما بينكما، فأنتما أعرف بشأنكما. ثم إنّ أزواج النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أرسلن عثمان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهنّ من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،، و قد كان عثمان في زعمهم أحد الشهود على أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال لا نورّث، ما تركناه صدقة كما سبق. و حكى قاضي القضاة، عن أبي علي أنّه قال لم يثبت أنّ أبا بكر دفع ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام على جهة الإرث. قال و كيف يجوز ذلك مع الخبر الذي رواه و كيف يجوز لو كان وارثا أن يخصّه بذلك، و لا إرث له مع العمّ لأنه عصبة، فإن كان وصل إلى فاطمة عليها السلام فقد كان ينبغي أن يكون العباس شريكا في ذلك و أزواج النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و لوجب أن يكون ذلك ظاهرا مشهودا، ليعرف أنّهم أخذوا  نصيبهم من غير ذلك أو بدله، و لا يجب إذا لم يدفع إليه أبو بكر على جهة الإرث أن لا يحصل في يده، لأنه قد يجوز أن يكون النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نحله و يجوز أيضا أن يكون أبو بكر رأى الصلاح في ذلك أن يكون في يده، لما فيه من تقوية الدين، و تصدّق ببدله بعد التقويم، لأن للإمام أن يفعل ذلك. قال و أمّا البردة و القضيب فلا يمتنع أن يكون جعله عدّة في سبيل اللّه و تقوية على المشركين، فتداولته الأئمة، لما فيه من التقوية، و رأى أنّ ذلك أولى من أن يتصدّق به إن ثبت أنّه عليه السلام لم يكن قد نحله غيره في حياته. ثم أجاب قاضي القضاة من طلب الأزواج الميراث و تنازع أمير المؤمنين عليه السلام و العباس بعد موت فاطمة بأنّه يجوز أن يكونوا لم يعرفوا رواية أبي بكر و غيره للخبر. قال و قد روي أن عائشة لمّا عرّفتهنّ الخبر أمسكن، و قد بيّنا أنّه لا يمتنع في مثل ذلك أن يخفى على من يستحقّ الإرث و يعرفه من يتقلّد الأمر، كما يعرف العلماء و الحكام من أحكام المواريث ما لا يعرفه أرباب الإرث.    و قال السيد الأجلّ المرتضى رضي اللّه عنه أمّا قول أبو علي و كيف يجوز ذلك مع الخبر الّذي رواه.. إلى آخره. فما نراه زاد على التعجب، و ممّا عجب منه عجبنا، و لم نثبت عصمة أبي بكر فتنفى عن أفعاله التناقض. و قوله و يجوز أن يكون رأى الصلاح في أن يكون ذلك في يده، لما فيه من تقوية الدين، أو أن يكون النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نحله. فكلّ ما ذكره جائز، إلّا أنّه قد كان يجب أن يظهر أسباب النحلة و الشهادة بها و الحجّة عليها، و لم يظهر شي‏ء من ذلك فنعرفه. و من العجائب أن تدّعي فاطمة عليها السلام فدك نحلة و تستشهد على قولها أمير المؤمنين عليه السلام و غيره، فلا يصغى إليها و إلى قولها، و يترك السيف و البغلة و العمامة في يد أمير المؤمنين عليه السلام على سبيل النحلة بغير بيّنة ظهرت و لا شهادة قامت، على أنّه كان يجب على أبي بكر أن يبيّن ذلك و يذكر وجهه بعينه أيّ شي‏ء كان لمّا نازع العباس فيه، فلا وقت لذكر الوجه في ذلك أولى من هذا الوقت. و القول في البردة و القضيب إن كان نحلة أو على الوجه الآخر يجري مجرى  ما ذكرناه في وجوب الظهور و الاستشهاد، و لسنا نرى أصحابنا يطالبون نفوسهم في هذا الموضع بما يطالبونا بمثله إذا ادعينا وجوها و أسبابا و عللا مجوّزة، لأنّهم لا يقنعون منّا بما يجوز و يمكن، بل يوجبون فيما ندعيه الظهور و الاشتهار و إذا كان ذلك عليهم نسوه أو تناسوه. فأمّا قوله إنّ أزواج النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إنّما طلبن الميراث لأنهنّ لم يعرفن رواية أبي بكر للخبر، و كذلك إنّما نازع العباس أمير المؤمنين عليه السلام بعد موت فاطمة عليها السلام في الميراث لهذا الوجه فمن أقبح ما يقال في هذا الباب و أبعده من الصواب. و كيف لا يعرف أمير المؤمنين عليه السلام رواية أبي بكر و بها دفعت زوجته عن الميراث و هل مثل ذلك المقام الذي قامته و ما رواه أبو بكر في دفعها يخفى على من هو في أقاصي البلاد، فضلا عمّن هو في المدينة شاهدا حاضرا يعتني بالأخبار و يراعيها إنّ هذا ]لخروج[ في المكابرة عن الحدّ. و كيف يخفى على الأزواج ذلك حتّى يطلبنه مرّة بعد أخرى، و يكون عثمان المترسّل لهنّ، و المطالب عنهن و عثمان على زعمهم أحد من شهد أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لا يورّث، و قد سمعن على كلّ حال أنّ بنت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم تورّث ماله، و لا بدّ أن يكنّ قد سألن عن السبب في دفعها، فذكر  لهن الخبر، فكيف يقال ]إنّهن[ لن يعرفنه و الإكثار في هذا الموضع يوهم أنّه موضع شبهة، و ليس كذلك، انتهى كلامه، رفع مقامه.