باب 1- باب بيعة أمير المؤمنين ع و ما جرى بعدها من نكث الناكثين إلى غزوة الجمل

1-  أقول قال ابن أبي الحديد في شرح النهج، ]نهج البلاغة[ قال علي ع للزبير يوم بايعه إني لخائف أن تغدر بي فتنكث بيعتي قال لا تخافن فإن ذلك لا يكون مني أبدا فقال علي ع فلي الله عليك بذلك راع و كفيل قال نعم الله لك علي بذلك راع و كفيل و لما بويع ع كتب إلى معاوية أما بعد فإن الناس قتلوا عثمان عن غير مشورة مني و بايعوني عن مشورة منهم و اجتماع فإذا أتاك كتابي فبايع لي و أوفد إلي في أشراف أهل الشام قبلك فلما قدم رسوله على معاوية و قرأ كتابه بعث رجلا من بني عبس و كتب معه كتابا إلى الزبير بن العوام و فيه بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الله الزبير أمير المؤمنين من معاوية بن أبي سفيان سلام عليك أما بعد فإني قد بايعت لك أهل الشام فأجابوا و استوثقوا الحلف فدونك الكوفة و البصرة لا يسبقنك لها ابن أبي طالب فإنه لا شي‏ء بعد  هذين المصرين و قد بايعت لطلحة بن عبيد الله من بعدك فأظهرا الطلب بدم عثمان و ادعوا الناس إلى ذلك و ليكن منكما الجد و التشمير أظهركما الله و خذل مناوئكما فلما وصل هذا الكتاب إلى الزبير سر به و أعلم به طلحة و أقرأه إياه فلم يشكا في النصح لهما من قبل معاوية و أجمعا عند ذلك على خلاف علي قال و جاء الزبير و طلحة إلى علي ع بعد البيعة له بأيام فقالا له يا أمير المؤمنين قد رأيت ما كنا فيه من الجفوة في ولاية عثمان كلها و علمت أن رأي عثمان كان في بني أمية و قد ولاك الله الخلافة من بعده فولنا بعض أعمالك فقال لهما ارضيا بقسم الله لكما حتى أرى رأيي و اعلما أني لا أشرك في أمانتي إلا من أرضى بدينه و أمانته من أصحابي و من قد عرفت دخيله فانصرفا عنه و قد دخلهما اليأس فاستأذناه في العمرة

 و روي أنهما طلبا منه أن يوليهما المصرين البصرة و الكوفة فقال حتى أنظر ثم لم يولهما فأتياه فاستأذناه للعمرة فقال ما العمرة تريدان فحلفا له بالله ما الخلاف عليه و لا نكث بيعته يريدان و ما رأيهما غير العمرة قال لهما فأعيدا البيعة لي ثانيا فأعاداها بأشد ما يكون من الأيمان و المواثيق فأذن لهما فلما خرجا من عنده قال لمن كان حاضرا و الله لا ترونهما إلا في فئة يقتتلان فيها قالوا يا أمير المؤمنين فمر بردهما عليك قال لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا فلما خرجا إلى مكة لم يلقيا أحدا إلا و قالا له ليس لعلي في أعناقنا بيعة و إنما بايعناه مكرهين فبلغ عليا قولهما فقال أبعدهما الله و أغرب دارهما أما و الله لقد علمت أنهما سيقتلان أنفسهما أخبث مقتل و يأتيان من وردا عليه بأشأم يوم و الله ما العمرة يريدان و لقد أتياني بوجهي فاجرين و رجعا بوجهي غادرين ناكثين و الله لا يلقيانني بعد اليوم إلا في كتيبة خشناء يقتلان فيها أنفسهما فبعدا لهما و سحقا

   -2  و قال ابن الأثير في الكامل لما قتل عثمان اجتمع أصحاب رسول الله من المهاجرين و الأنصار و فيهم طلحة و الزبير فأتوا عليا فقالوا له لا بد للناس من إمام قال لا حاجة لي في أمركم فمن اخترتم رضيت به فقالوا ما نختار غيرك و ترددوا إليه مرارا و قالوا له في آخر ذلك إنا لا نعلم أحدا أحق به منك لا أقدم سابقة و لا أقرب قرابة من رسول الله فقال لا تفعلوا فإني أكون وزيرا خير من أن أكون أميرا فقالوا و الله ما نحن بفاعلين حتى نبايعك قال ففي المسجد فإن بيعتي لا يكون خفيا و لا تكون إلا في المسجد و كان في بيته و قيل في حائط لبني عمرو بن مبذول فخرج إلى المسجد و عليه إزار و طاق قميص و عمامة خز و نعلاه في يده متوكئا على قوسه فبايعه الناس و كان أول من بايعه من الناس طلحة بن عبيد الله فنظر إليه حبيب بن ذؤيب فقال إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أول من بدأ بالبيعة من الناس يد شلاء لا يتم هذا الأمر فبايعه الزبير و قال لهما علي إن أحببتما أن تبايعا لي و إن أحببتما بايعتكما فقالا بل نبايعك و قالا بعد ذلك إنما صنعنا ذلك خشية على أنفسنا و عرفنا أنه لا يبايعنا و هربا إلى مكة بعد قتل عثمان بأربعة أشهر و بايعه الناس بعد ما بايعه طلحة و الزبير و جاءوا بسعد بن أبي وقاص فقال علي بايع قال لا حتى يبايع الناس و الله ما عليك مني بأس فقال خلوا سبيله و جاءوا بابن عمر فقالوا بايع فقال لا حتى يبايع الناس قال ائتني بكفيل قال لا أرى كفيلا قال الأشتر  دعني أضرب عنقه قال دعوه أنا كفيله إنك ما علمت لسيئ الخلق صغيرا و كبيرا و بايعت الأنصار إلا نفرا يسيرا منهم حسان بن ثابت و كعب بن مالك و سلمة بن مخلد و أبو سعيد الخدري و محمد بن مسلمة و النعمان بن بشير و زيد بن ثابت و كعب بن مالك و رافع بن خديج و فضالة بن عبيد و كعب بن عجرة و كانوا عثمانية فأما النعمان بن بشير فإنه أخذ أصابع نائلة امرأة عثمان التي قطعت و قميص عثمان الذي قتل فيه و هرب به فلحق بالشام فكان معاوية يعلق قميص عثمان و فيه الأصابع فإذا رأوا ذلك أهل الشام ازدادوا غيظا و جدوا في أمرهم و روي أنهم لما أتوا عليا ليبايعوه قال دعوني و التمسوا غيري فإنا مستقبلون أمرا له وجوه و له ألوان لا تقوم له القلوب و لا تثبت عليه العقول فقالوا ننشدك الله أ لا ترى ما نحن فيه أ لا ترى الإسلام أ لا ترى الفتنة أ لا تخاف الله فقال قد أجبتكم و اعلموا أني إن أجبتكم أركب بكم ما أعلم فإن تركتموني فإنما أنا كأحدكم إلا أني من أسمعكم و أطوعكم لمن وليتموه ثم افترقوا على ذلك و اتعدوا الغد فلما أصبحوا يوم البيعة و هو يوم الجمعة حضر الناس المسجد و جاء علي ع فصعد المنبر و قال أيها الناس عن ملإ و إذن إن هذا أمركم ليس لأحد فيه حق إلا من أمرتم و قد افترقنا بالأمس على أمر و كنت كارها لأمركم فأبيتم إلا أن أكون عليكم ألا و إنه ليس لي دونكم إلا مفاتيح ما لكم معي و ليس لي أن آخذ درهما دونكم فإن شئتم قعدت لكم و إلا فلا آخذ على أحد فقالوا نحن على ما فارقناك عليه بالأمس فقال اللهم اشهد  و بويع يوم الجمعة لخمس بقين من ذي الحجة سنة خمس و ثلاثين من الهجرة و أول خطبة خطبها علي ع حين استخلف حمد الله و أثنى عليه ثم قال إن الله أنزل كتابا هاديا بين فيه الخير و الشر فخذوا بالخير و دعوا الشر الفرائض أدوها إلى الله تؤدكم إلى الجنة إن الله حرم حرمات غير مجهولة و فضل حرمة المسلم على الحرم كلها و شد بالإخلاص و التوحيد حقوق المسلمين فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده إلا بالحق و لا يحل أذى امرئ مسلم إلا بما يجب بادروا أمر العامة و خاصة أحدكم الموت فإن الناس أمامكم و إنما خلفكم الساعة تحدوكم تخففوا تلحقوا فإنما ينتظر الناس بآخركم اتقوا الله عباد الله في عباده و بلاده إنكم مسئولون حتى عن البقاع و البهائم و أطيعوا الله و لا تعصوه فإذا رأيتم الخير فخذوه و إذا رأيتم الشر فدعوه

3-  شا، ]الإرشاد[ روت الخاصة و العامة عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه و ذكر ذلك أبو عبيدة معمر بن المثنى و غيره ممن لا يتهمه خصوم الشيعة في روايته أن أمير المؤمنين قال في أول خطبة خطبها بعد بيعة الناس له على الأمر و ذلك بعد قتل عثمان بن عفان أما بعد فلا يرعين مرع إلا على نفسه شغل من الجنة و النار أمامه ساع مجتهد و طالب يرجو و مقصر في النار ثلاثة و اثنان ملك طار بجناحيه و نبي أخذ الله بيديه لا سادس هلك من ادعى و ردي من اقتحم  اليمين و الشمال مضلة و الوسطى الجادة منهج عليه باقي الكتاب و السنة و آثار النبوة إن الله تعالى داوى هذه الأمة بدواءين السوط و السيف لا هوادة عند الإمام فيهما فاستتروا ببيوتكم و أصلحوا فيما بينكم و التوبة من ورائكم من أبدى صفحته للحق هلك قد كانت أمور لم تكونوا عندي فيها معذورين أما إني لو أشاء أن أقول لقلت عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ سبق الرجلان و قام الثالث كالغراب همته بطنه ويله ويحه لو قص جناحاه و قطع رأسه كان خيرا له انظروا فإن أنكرتم فأنكروا و إن عرفتم فبادروا فآزروا حق و باطل و لكل أهل و لئن أمر الباطل فلقديما فعل و لئن قل الحق فلربما و لعل و قل ما أدبر شي‏ء فأقبل و لئن رجعت إليكم أموركم نفوسكم إنكم لسعداء و إني لأخشى أن تكونوا في فترة و ما علي إلا الاجتهاد ألا و إن أبرار عترتي و أطايب أرومتي أحلم الناس صغارا و أعلم الناس كبارا ألا و إنا أهل بيت من علم الله علمنا و بحكم الله حكمنا و بقول صادق أخذنا من قول صادق سمعنا فإن تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا و إن لم تفعلوا يهلككم الله بأيدينا معنا راية الحق من تبعها لحق و من تأخر عنها غرق ألا و بنا تدرك ترة كل مؤمن و بنا تخلع ربقة الذل من أعناقكم و بنا فتح الله لا بكم و بنا يختم لا بكم

4-  أقول و في النهج هكذا شغل من الجنة و النار أمامه ساع سريع نجا  و طالب بطي‏ء رجا و مقصر في النار هوى اليمين و الشمال مضلة و الطريق الوسطى هي الجادة عليها باقي الكتاب و آثار النبوة و منها منفذ السنة و إليها مصير العاقبة هلك من ادعى و خابَ مَنِ افْتَرى من أبدى صفحته للحق هلك عند جهلة الناس و كفى بالمرء جهلا أن لا يعرف قدره لا يهلك على التقوى سنخ أصل و لا يظمأ عليها زرع حرث قوم فاستتروا ببيوتكم و أصلحوا ذات بينكم و التوبة من ورائكم فلا يحمد حامد إلا ربه و لا يلم لائم إلا نفسه

5  -11-  روى ابن أبي الحديد عن الجاحظ من كتاب البيان و التبيين عن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال أول خطبة خطبها أمير المؤمنين علي ع بالمدينة في خلافته حمد الله و أثنى عليه و صلى على النبي ص ثم قال ألا لا يرعين و ساق الخطبة كما مر إلى قوله و ما علينا إلا الاجتهاد ثم قال قال الجاحظ و قال أبو عبيدة و زاد فيها في رواية جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام ألا إن أبرار عترتي إلى قوله و بنا يختم لا بكم

 قال ابن أبي الحديد قوله لا يرعين أي لا يبقين يقال أرعيت عليه أي أبقيت يقول من أبقى على الناس فإنما أبقى على نفسه و الهوادة الرفق و الصلح و أصله اللين و السهولة و التهويد المشي رويدا و آزرت زيدا أعنته و الترة الوتر و الربقة الحبل يجعل في عنق الشاة و ردي هلك من الردى كقولك عمي من العمى و شجي من الشجا.  و قوله شغل من الجنة و النار أمامه يريد به أن من كانت هاتان الداران أمامه لفي شغل عن أمور الدنيا إن كان رشيدا. و قوله ساع مجتهد إلى قوله لا سادس كلام تقديره المكلفون على خمسة أقسام ساع مجتهد و طالب راج و مقصر هالك ثم قال ثلاثة أي فهو ثلاثة أقسام و هذا ينظر إلى قوله تعالى ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ. ثم ذكر القسمين الرابع و الخامس فقال هما ملك طار بجناحيه و نبي أخذ الله بيده يريد عصمة هذين النوعين من القبيح ثم قال لا سادس أي لم يبق في المكلفين قسم سادس. و قوله هلك من ادعى يريد هلك من ادعى و كذب لا بد من تقدير ذلك لأن الدعوى يعم الصدق و الكذب و كأنه يقول هلك من ادعى الإمامة و ردي من اقتحمها و ولجها من غير استحقاق لأن كلامه في هذه الخطبة كله كنايات عن الإمامة لا عن غيرها. و قوله اليمين و الشمال مضلة مثال لأن السالك الطريق المنهج اللاحب ناج و العادل عنها يمينا و شمالا معرض للخطر. و قوله ص كالغراب يعني في الحرص و الجشع و الغراب يقع على الجيفة و يقع على التمرة و على الحبة و في المثل أشجع من غراب و أحرص من غراب. و قوله ويحه لو قص يريد لو كان قتل أو مات قبل أن يتلبس بالخلافة لكان خيرا له من أن يعيش و يدخل فيها. ثم قال لهم افكروا فيما قد قلت فإن كان منكرا فأنكروه و إن كان حقا فأعينوا عليه. و قوله استتروا في بيوتكم نهي لهم عن العصبية و الاجتماع و التحزب فقد كان قوم بعد قتل عثمان تكلموا في قتله من شيعة بني أمية بالمدينة.  و أما قوله قد كانت أمور فمراده أمر عثمان و تقديمه في الخلافة عليه. و من الناس من يحمل ذلك على خلافة الشيخين أيضا و يبعد عندي أن يكون أراده لأن المدة قد كانت طالت و لم يبق من يعاتبه و لسنا نمنع من أن يكون في كلامه الكثير من التوجد و التألم لصرف الخلافة بعد وفاة رسول الله ص عنه و إنما كلامنا الآن في هذه اللفظات التي في هذه الخطبة على أن قوله سبق الرجلان و الاقتصار على ذلك فيه كفاية في انحرافه عنهما. و أما قوله حق و باطل إلى آخر الفصل فمعناه كل أمر إما حق و إما باطل و لكل واحد من هذين أهل و ما زال أهل الباطل أكثر من أهل الحق و لئن كان الحق قليلا فربما كثر و لعله ينتصر أهله ثم قال على سبيل التضجر بنفسه و قل ما أدبر شي‏ء فأقبل استبعد ع أن تعود دولة قوم بعد زوالها عنهم. ثم قال و لئن رجعت إليكم أموركم أي إن ساعدني الوقت و تمكنت من أن أحكم فيكم بحكم الله تعالى و رسوله و عادت إليكم أيام شبيهة بأيام رسول الله ص و سيرة مماثلة لسيرته في أصحابه إنكم لسعداء ثم قال و إني لأخشى أن تكونوا في فترة الفترة هي الأزمنة التي بين الأنبياء إذا انقطعت الرسل فيها فيقول ع إني لأخشى أن لا أتمكن من الحكم بكتاب الله تعالى فيكم فتكونوا كالأمم الذين في أزمنة الفترة لا يرجعون إلى نبي يشافههم بالشرائع و الأحكام و كأنه ع قد كان يعلم أن الأمر سيضطرب عليه.

   ثم قال و ما علينا إلا الاجتهاد يقول أنا أعمل بما يجب علي من الاجتهاد في القيام بالشريعة و عزل ولاة السوء عن المسلمين فإن تم ما أريده فذاك و إلا كنت قد أعذرت. و أما التتمة المروية عن جعفر بن محمد عليهما السلام فواضحة الألفاظ و قوله في آخرها و بنا يختم لا بكم إشارة إلى المهدي ع الذي يظهر في آخر الزمان من ولد فاطمة ع

6-  أقول روى ابن ميثم رحمه الله تمام الخطبة هكذا الحمد لله أحق محمود بالحمد و أولاه بالمجد إلها واحدا صمدا أقام أركان العرش فأشرق بضوئه شعاع الشمس خلق فأتقن و أقام فذلت له وطأة المستمكن و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمد عبده و رسوله أرسله بالنور الساطع و الضياء المنير أكرم خلق الله حسبا و أشرفهم نسبا لم يتعلق عليه مسلم و لا معاهد بمظلمة بل كان يظلم فأما بعد فإن أول من بغى على الأرض عناق ابنة آدم و كان مجلسها من الأرض جريبا و كان لها عشرون إصبعا و كان لها ظفران كالمنجلين فسلط الله عليها أسدا كالفيل و ذئبا كالبعير و نسرا كالحمار و كان ذلك في الخلق الأول فقتلها و قد قتل الله الجبابرة على أحسن أحوالهم و إن الله أهلك فرعون و هامان و قتل قارون بذنوبهم ألا و إن بليتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث الله نبيكم ص و الذي بعثه بالحق لتبلبلن بلبلة و لتغربلن غربلة حتى يعود أسفلكم أعلاكم و أعلاكم أسفلكم و ليسبقن سابقون كانوا قصروا و ليقصرن سابقون  كانوا سبقوا و الله ما كتمت وشمة و لا كذبت كذبة و لقد نبئت بهذا اليوم و هذا المقام ألا و إن الخطايا خيل شمس حمل عليها أهلها و خلعت لجمها فتقحمت بهم في النار فهم فيها كالحون ألا و إن التقوى مطايا ذلل حمل عليها أهلها فسارت بهم تأودا حتى إذا جاءوا ظلا ظليلا فُتِحَتْ أَبْوابُها وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ ألا و قد سبقني إلى هذا الأمر من لم أشركه فيه و من ليست له منه توبة إلا بنبي مبعوث و لا نبي بعد محمد ص أشفى منه عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ أيها الناس كتاب الله و سنة نبيه ص لا يرعى مرع إلا على نفسه شغل من الجنة و النار أمامه ساع نجا و طالب يرجو و مقصر في النار و لكل أهل و لئن أمر الباطل فقديما فعل و لئن قل الحق لربما و لعل و لقلما أدبر شي‏ء فأقبل و لئن رد أمركم عليكم إنكم لسعداء و ما علينا إلا الجهد قد كانت أمور مضت ملتم فيها ميلة كنتم عندي فيها غير محمودي الرأي و لو أشاء أن أقول لقلت عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ سبق الرجلان و قام الثالث كالغراب همه بطنه ويله لو قص جناحاه و قطع رأسه كان خيرا له شغل من الجنة و النار أمامه ساع مجتهد و طالب يرجو و مقصر في النار ثلاثة و اثنان خمسة ليس فيهم سادس و ملك طار بجناحيه و نبي أخذ الله بضبعيه هلك من ادعى و خاب من افترى اليمين و الشمال مضلة و وسط الطريق المنهج عليه باقي الكتاب و آثار النبوة  ألا و إن الله قد جعل أدب هذه الأمة بالسوط و السيف ليس عند إمام فيهما هوادة فاستتروا ببيوتكم و أصلحوا ذات بينكم و التوبة من ورائكم من أبدى صفحته للحق هلك ألا و إن كل قطيعة أقطعها عثمان أو مال أخذه من بيت مال المسلمين فهو مردود عليهم في بيت مالهم و لو وجدته قد تزوج به النساء و فرق في البلدان فإنه من لم يسعه الحق فالباطل أضيق عليه أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم

7-  و قال ابن أبي الحديد في شرح النهج نقلا عن أبي جعفر الإسكافي قال لما اجتمعت الصحابة بعد قتل عثمان في مسجد رسول الله ص في أمر الإمامة أشار أبو الهيثم بن التيهان و رفاعة بن رافع و مالك بن العجلان و أبو أيوب الأنصاري و عمار بن ياسر بعلي ع و ذكروا فضله و سابقته و جهاده و قرابته فأجابهم الناس إليه فقام كل واحد منهم خطيبا يذكر فضل علي ع فمنهم من فضله على أهل عصره خاصة و منهم من فضله على المسلمين كلهم كافة ثم بويع و صعد المنبر في اليوم الثاني من يوم البيعة و هو يوم السبت لإحدى عشرة ليلة بقين من ذي الحجة فحمد الله و أثنى عليه و ذكر محمدا فصلى عليه ثم ذكر نعمة الله على أهل الإسلام ثم ذكر الدنيا فزهدهم فيها و ذكر الآخرة فرغبهم إليها ثم قال أما بعد فإنه لما قبض رسول الله ص استخلف الناس أبا بكر ثم استخلف أبو بكر عمر فعمل بطريقه ثم جعلها شورى بين ستة  فأفضى الأمر منهم إلى عثمان فعمل ما أنكرتم و عرفتم ثم حصر و قتل ثم جئتموني فطلبتم إلي و إنما أنا رجل منكم لي ما لكم و علي ما عليكم و قد فتح الله الباب بينكم و بين أهل القبلة فأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم و لا يحمل هذا الأمر إلا أهل الصبر و البصر و العلم بمواقع الأمر و إني حاملكم على منهج نبيكم ص و منفذ فيكم ما أمرت به إن استقتم لي و الله المستعان ألا إن موضعي من رسول الله ص بعد وفاته كموضعي منه أيام حياته فامضوا لما تؤمرون به و قفوا عند ما تنهون عنه و لا تعجلوا في أمر حتى نبينه لكم فإن لنا عن كل أمر منكر تنكرونه عذرا ألا و إن الله عالم من فوق سمائه و عرشه إني كنت كارها للولاية على أمة محمد ص حتى اجتمع رأيكم على ذلك لأني سمعت رسول الله ص يقول أيما وال ولي الأمر من بعدي أقيم على حد الصراط و نشرت الملائكة صحيفته فإن كان عادلا أنجاه الله بعدله و إن كان جائرا انتقض به الصراط حتى تتزايل مفاصله ثم يهوي إلى النار فيكون أول ما يتقيها به أنفه و حر وجهه و لكني لما اجتمع رأيكم لما يسعني ترككم ثم التفت عليه السلام يمينا و شمالا فقال ألا لا يقولن رجال منكم غدا قد غمرتهم الدنيا فاتخذوا العقار و فجروا الأنهار و ركبوا الخيول الفارهة و اتخذوا الوصائف الروقة فصار ذلك عليهم عارا و شنارا إذا ما منعتهم ما كانوا يخوضون فيه و أصرتهم إلى حقوقهم التي يعلمون فينقمون ذلك و يستنكرون و يقولون حرمنا ابن أبي طالب حقوقنا ألا و أيما رجل من المهاجرين و الأنصار من أصحاب رسول الله ص يرى أن الفضل له على من سواه لصحبته فإن له الفضل النير غدا عند الله و ثوابه و أجره على الله و أيما رجل استجاب لله و للرسول فصدق ملتنا و دخل في ديننا و استقبل قبلتنا فقد استوجب حقوق الإسلام و حدوده فأنتم عباد الله و المال مال الله يقسم بينكم بالسوية لا فضل فيه لأحد على

  أحد و للمتقين عند الله غدا أحسن الجزاء و أفضل الثواب لم يجعل الله الدنيا للمتقين أجرا جزاء و لا ثوابا وَ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ و إذا كان غدا إن شاء الله فاغدوا علينا فإن عندنا مالا نقسمه فيكم و لا يتخلفن أحد منكم عربي و لا عجمي كان من أهل العطاء أو لم يكن إلا حضر إذا كان مسلما حرا أقول قولي هذا و أستغفر الله العظيم لي و لكم ثم نزل قال أبو جعفر و كان هذا أول ما أنكروه من كلامه ع و أورثهم الضغن عليه و كرهوا عطاءه و قسمه بالسوية فلما كان من الغد غدا و غدا الناس لقبض المال فقال لعبيد الله بن أبي رافع كاتبه ابدأ بالمهاجرين فنادهم و أعط كل رجل ممن حضر ثلاثة دنانير ثم ثن بالأنصار فافعل معهم مثل ذلك و من يحضر من الناس كلهم الأحمر و الأسود فاصنع به مثل ذلك فقال سهل بن حنيف يا أمير المؤمنين هذا غلامي بالأمس و قد أعتقته اليوم فقال نعطيه كما نعطيك فأعطى كل واحد منهما ثلاثة دنانير و لم يفضل أحدا على أحد و تخلف عن هذا القسم يومئذ طلحة و الزبير و عبد الله بن عمر و سعيد بن العاص و مروان بن الحكم و رجال من قريش و غيرها قال و سمع عبيد الله بن أبي رافع عبد الله بن الزبير يقول لأبيه و طلحة و مروان و سعيدا ما خفي علينا أمس من كلام على ما يريد فقال سعيد بن العاص و التفت إلى زيد بن ثابت إياك أعني و اسمعي يا جارة فقال ابن أبي رافع لسعيد و ابن الزبير إن الله يقول في كتابه وَ لكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ ثم إن ابن أبي رافع أخبر عليا ع بذلك فقال و الله إن بقيت و سلمت لهم لأقيمنهم على المحجة البيضاء و الطريق الواضح قاتل الله ابن  العاص لقد عرف من كلامي و نظري إليه أمس أني أريده و أصحابه ممن هلك فيمن هلك قال فبينا الناس في المسجد بعد الصبح إذ طلع الزبير و طلحة فجلسا ناحية عن علي ع ثم طلع مروان و سعيد و عبد الله بن الزبير فجلسوا إليهما ثم جاء قوم من قريش فانضموا إليهم فتحدثوا نجيا ساعة ثم قام الوليد بن عقبة فجاء إلى علي ع فقال يا أبا الحسن إنك قد وترتنا جميعا أما أنا فقتلت أبي يوم بدر صبرا و خذلت أخي يوم الدار بالأمس و أما سعيد فقتلت أباه يوم بدر في الحرب و كان ثور قريش و أما مروان فسخفت أباه عند عثمان إذا ضمه إليه و نحن إخوتك و نظراؤك من بني عبد مناف و نحن نبايعك اليوم على أن تضع عنا ما أصبناه من المال في أيام عثمان و إن تقتل قتلته و إنا إن خفناك تركتنا و التحقنا بالشام فقال عليه السلام أما ما ذكرتم من وتري إياكم فالحق وتركم و أما وضعي عنكم ما أصبتم فليس لي أن أضع حق الله عنكم و لا عن غيركم و أما قتلي قتلة عثمان فلو لزمني قتلهم اليوم لقتلتهم أمس و لكن لكم علي إن خفتموني أن أؤمنكم و إن خفتكم أن أسيركم فقام الوليد إلى أصحابه فحدثهم و افترقوا على إظهار العداوة و إشاعة الخلاف فلما ظهر ذلك من أمرهم قال عمار بن ياسر لأصحابه قوموا بنا إلى هؤلاء النفر من إخوانكم فإنه قد بلغنا عنهم و رأينا منهم ما نكره من الخلاف و الطعن على إمامهم و قد دخل أهل الجفاء بينهم و بين الزبير و الأعسر العاق يعني طلحة فقام أبو الهيثم و عمار و أبو أيوب و سهل بن حنيف و جماعة معهم فدخلوا على علي ع فقالوا يا أمير المؤمنين انظر في أمرك و عاتب قومك هذا الحي من قريش فإنهم قد نقضوا عهدك و أخلفوا وعدك و قد دعونا في السر إلى

  رفضك هداك الله لرشدك و ذاك لأنهم كرهوا الأسوة و فقدوا الأثرة و لما آسيت بينهم و بين الأعاجم أنكروا و استشاروا عدوك و عظموه و أظهروا الطلب بدم عثمان فرقة للجماعة و تألفا لأهل الضلالة فرأيك فخرج علي ع فدخل المسجد و صعد المنبر مرتديا بطاق مؤتزرا ببرد قطري متقلدا سيفا متوكئا على قوس فقال أما بعد فإنا نحمد الله ربنا و إلهنا و ولينا و ولي النعم علينا الذي أصبحت نعمه علينا ظاهرة و باطنة امتنانا منه بغير حول منا و لا قوة ليبلونا أ نشكر أم نكفر فمن شكر زاده و من كفر عذبه فأفضل الناس عند الله منزلة و أقربهم من الله وسيلة أطوعهم لأمره و أعملهم بطاعته و أتبعهم لسنة رسوله و أحياهم لكتابه ليس لأحد عندنا فضل إلا بطاعة الله و طاعة الرسول هذا كتاب الله بين أظهرنا و عهد رسول الله ص و سيرته فينا لا يجهل ذلك إلا جاهل عاند عن الحق منكر قال الله تعالى يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ ثم صاح بأعلى صوته أطيعوا الله و أطيعوا الرسول فإن توليتم فإن الله لا يحب الكافرين ثم قال يا معشر المهاجرين و الأنصار أ تمنون على الله و رسوله بإسلامكم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ثم قال أنا أبو الحسن و كان يقولها إذا غضب ثم قال ألا إن هذه الدنيا التي أصبحتم تتمنونها و ترغبون فيها و أصبحت تغضبكم و ترضيكم ليست بداركم و لا منزلكم الذي خلقتم له فلا تغرنكم فقد حذرتموها و استتموا نعم الله عليكم بالصبر لأنفسكم على طاعة الله و الذل لحكمه جل ثناؤه فأما هذا الفي‏ء فليس لأحد على أحد فيه أثرة فقد فرغ الله من قسمته فهو مال الله و أنتم عباد الله المسلمون و هذا كتاب الله به أقررنا و له أسلمنا و عهد نبينا  بين أظهرنا فمن لم يرض به فليتول كيف شاء فإن العامل بطاعة الله و الحاكم بحكم الله لا وحشة عليه ثم نزل عن المنبر فصلى ركعتين ثم بعث بعمار بن ياسر و عبد الرحمن بن حسل القرشي إلى طلحة و الزبير و هما في ناحية المسجد فأتياهما فدعواهما فقاما حتى جلسا إليه ع فقال لهما نشدتكما الله هل جئتماني طائعين للبيعة و دعوتماني إليها و أنا كاره لها قالا نعم فقال غير مجبرين و لا مقسورين فأسلمتما لي بيعتكما و أعطيتماني عهدكما قالا نعم قال فما دعاكما بعد إلى ما أرى قالا أعطيناك بيعتنا على أن لا تقضي في الأمور و لا تقطعها دوننا و أن تستشيرنا في كل أمر و لا تستبد بذلك علينا و لنا من الفضل على غيرنا ما قد عملت فأنت تقسم القسم و تقطع الأمر و تمضي الحكم بغير مشاورتنا و لا علمنا فقال لقد نقمتما يسيرا و أرجأتما كثيرا فاستغفرا الله يغفر لكما ألا تخبرانني أ دفعتكما عن حق وجب لكما فظلمتكما إياه قالا معاذ الله قال فهل استأثرت من هذا المال لنفسي بشي‏ء قالا معاذ الله قال أ فوقع حكم أو حق لأحد من المسلمين فجهلته أو ضعفت عنه قالا معاذ الله قال فما الذي كرهتما من أمري حتى رأيتما خلافي قالا خلافك عمر بن الخطاب في القسم إنك جعلت حقنا في القسم كحق غيرنا و سويت بيننا و بين من لا يماثلنا فيما أفاء الله تعالى بأسيافنا و رماحنا و أوجفنا عليه بخيلنا و رجلنا و ظهرت عليه دعوتنا و أخذناه قسرا و قهرا ممن لا يرى الإسلام إلا كرها فقال ع أما ما ذكرتموه من الاستشارة بكما فو الله ما كانت لي في الولاية رغبة و لكنكم دعوتموني إليها و جعلتموني عليها فخفت أن أردكم فتختلف الأمة فلما أفضت إلي نظرت في كتاب الله و سنة رسوله فأمضيت ما

  دلاني عليه و اتبعته و لم أحتج إلى رأيكما فيه و لا رأي غيركما و لو وقع حكم ليس في كتاب الله بيانه و لا في السنة برهانه و احتيج إلى المشاورة فيه لشاورتكما فيه و أما القسم و الأسوة فإن ذلك أمر لم أحكم فيه بادئ بدء قد وجدت أنا و أنتما رسول الله ص يحكم بذلك و كتاب الله ناطق به و هو الكتاب الذي لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ و أما قولكما جعلت فيئنا و ما أفاءته سيوفنا و رماحنا سواء بيننا و بين غيرنا فقديما سبق إلى الإسلام قوم و نصروه بسيوفهم و رماحهم فلم يفضلهم رسول الله ص في القسم و لا آثرهم بالسبق و الله سبحانه موف السابق و المجاهد يوم القيامة أعمالهم و ليس لكما و الله عندي و لا لغيركما إلا هذا أخذ الله بقلوبنا و قلوبكم إلى الحق و ألهمنا و إياكم الصبر ثم قال رحم الله امرأ رأى حقا فأعان عليه و رأى جورا فرده و كان عونا للحق على من خالفه قال ابن أبي الحديد فإن قلت فإن أبا بكر قسم بالسواء و لم ينكروا ذلك كما أنكروه أيام أمير المؤمنين ع قلت إن أبا بكر قسم محتذيا لقسم رسول الله ص فلما ولي عمر الخلافة و نفل قوما على قوم ألفوا ذلك و نسوا تلك القسمة الأولى و طالت أيام عمر و أشربت قلوبهم حب المال  و كثرة العطاء و أما الذين اهتضموا فقنعوا و مرنوا على القناعة فلما ولي عثمان أجرى الأمر على ما كان عمر يجريه فازداد وثوق العوام بذلك و من ألف أمرا شق عليه فراقه فلما ولي أمير المؤمنين ع أراد أن يرد الأمر إلى ما كان في أيام رسول الله ص و قد نسي ذلك و رفض و تخلل بين الزمانين اثنتان و عشرون سنة فشق ذلك عليهم و أنكروه و أكبروه حتى حدث ما حدث و لله أمر هو بالغه

 بيان قوله ع كنت كارها أي طبعا و إن أحبها شرعا أو كنت كارها قبل دعوتكم لعدم تحقق الشرائط و المراد بالوالي الوالي بغير الاستحقاق و العامل بغير أمر الله فيها فعلى الوجه الأول التعليل للكراهة طبعا لعسر العمل بأمر الله فيها و على الوجه الثاني التعليل لعدم التعرض قبل تحقق الشرائط لأنها تكون حينئذ ولاية جور أيضا. و قال الجوهري راقني الشي‏ء أعجبني و منه قولهم غلمان روقة و جوار روقة أي حسان. و لعل مفعول القول محذوف أو هو حرمنا و قوله يقولون تأكيد للقول أولا. و قال الجوهري الطاق ضرب من الثياب و قال القطر ضرب من البرود يقال لها القطرية

8-  و روى ابن أبي الحديد أيضا عن الطبري و غيره أن الناس غشوه و تكاثروا عليه يطلبون مبايعته و هو يأبى ذلك و يقول دعوني و التمسوا غيري فإنا مستقبلون أمرا له وجوه و ألوان لا تثبت عليه العقول و لا تقوم له القلوب  قالوا له ننشدك الله أ لا ترى الفتنة أ لا ترى إلى ما حدث في الإسلام أ لا تخاف الله فقال قد أجبتكم لما أرى منكم و اعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم و إن تركتموني فإنما أنا كأحدكم بل أنا أسمعكم و أطوعكم لمن وليتموه أمركم فقالوا ما نحن بمفارقيك حتى نبايعك قال إن كان لا بد من ذلك ففي المسجد إن بيعتي لا تكون خفيا و لا تكون إلا عن رضا المسلمين و في ملإ و جماعة فقام و الناس حوله فدخل المسجد و انثال عليه المسلمون فبايعوه و فيهم طلحة و الزبير

 قال و روى أبو عثمان الجاحظ قال أرسل طلحة و الزبير إلى علي ع قبل خروجهما إلى مكة مع محمد بن طلحة و قالا لا تقل له يا أمير المؤمنين و قل له يا أبا الحسن لقد قال فيك رأينا و خاب ظننا أصلحنا لك الأمر و وطدنا لك الإمرة و أجلبنا على عثمان حتى قتل فلما طلبك الناس لأمرهم جئناك و أسرعنا إليك و بايعناك و قدنا إليك أعناق العرب و وطئ المهاجرون و الأنصار أعقابنا في بيعتك حتى إذا ملكت عنانك استبددت برأيك عنا و رفضتنا رفض التريكة و ملكت أمرك الأشتر و حكيم بن جبلة و غيرهما من الأعراب و نزاع الأمصار فكنا فيما رجوناه منك كما قال الأول فكنت كمهريق الذي في سقائه لرقراق آل فوق رابية صلد فلما جاءه محمد بن طلحة و أبلغه ذلك قال ع اذهب إليهما فقل لهما فما الذي يرضيكما فذهب و جاء و قال إنهما يقولان ول أحدنا البصرة و الآخر الكوفة فقال و الله إني لا آمنهما و هما عندي بالمدينة فكيف آمنهما و قد وليتهما العراقين اذهب إليهما فقل أيها الشيخان احذرا من الله و نبيه على أمته و لا تبغيا المسلمين غائلة وكيدا و قد سمعتما قول الله تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ  نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ فقام محمد بن طلحة فأتاهما و لم يعد إليه و تأخرا عنه أياما ثم جاءاه فاستأذناه في الخروج إلى مكة للعمرة فأذن لهما بعد أن أحلفهما أن لا ينقضا بيعته و لا يغدرا به و لا يشقا عصا المسلمين و لا يوقعا الفرقة بينهم و أن يعودا بعد العمرة إلى بيوتهما بالمدينة فحلفا على ذلك كله ثم خرجا ففعلا ما فعلا قال و لما خرجا قال علي ع لأصحابه و الله ما يريدان العمرة و إنما يريدان الغدرة فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً

 و روي عن الطبري أنه لما بايع الناس عليا أتى الزبير فاستأذن عليه قال أبو حبيبة مولى الزبير فأعلمته به فسل السيف و وضعه تحت فراشه و قال ائذن له فأذنت له فدخل فسلم و هو واقف ثم خرج فقال الزبير لقد دخل لأمر ما قضاه قم مقامه و انظر هل ترى من السيف شيئا فقمت في مقامه فرأيت ذباب السيف فأخبرته فقال ذاك

9-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ أحمد بن محمد بن موسى بن الصلت عن أحمد بن محمد بن عقدة قال حدثنا الحسن بن صالح من كتابه في ربيع الأول سنة ثمان و سبعين و أحمد بن يحيى عن محمد بن عمرو عن عبد الكريم عن القاسم بن أحمد عن أبي الصلت الهروي  و قال ابن عقدة و حدثناه القاسم بن الحسن الحسيني عن أبي الصلت عن علي بن عبد الله بن النعجة عن أبي سهيل بن مالك عن مالك بن أوس بن الحدثان قال لما ولي علي بن أبي طالب ع أسرع الناس إلى بيعته المهاجرون و الأنصار و جماعة الناس لم يتخلف عنه من أهل الفضل إلا نفر يسير خذلوا و بايع الناس و كان عثمان قد عود قريشا و الصحابة كلهم و صبت عليهم الدنيا صبا و آثر بعضهم على بعض و خص أهل بيته من بني أمية و جعل لهم البلاد و خولهم العباد فأظهروا في الأرض فسادا و حمل أهل الجاهلية و المؤلفة قلوبهم على رقاب الناس حتى غلبوه على أمره فأنكر الناس ما رأوا من ذلك فعاتبوه فلم يعتبهم و راجعوه فلم يسمع منهم و حملهم على رقاب الناس حتى انتهى إلى أن ضرب بعضا و نفى بعضا و حرم بعضا فرأى أصحاب رسول الله ص أن يدفعوه و قالوا إنما بايعناه على كتاب الله و سنة نبيه ص و العمل بهما فحيث لم يفعل ذلك لم تكن له عليهم طاعة فافترق الناس في أمره على خاذل و قاتل فأما من قاتل فرأى أنه حيث خالف الكتاب و السنة و استأثر بالفي‏ء و استعمل من لا يستأهل رأوا أن جهاده جهاد و أما من خذله فإنه رأى أنه يستحق الخذلان و لم يستوجب النصرة بترك أمر الله حتى قتل و اجتمعوا على علي بن أبي طالب فبايعوه فقام و حمد الله و أثنى عليه بما هو أهله و صلى على النبي و آله ثم قال أما بعد فإني قد كنت كارها لهذه الولاية يعلم الله في سماواته و فوق عرشه على أمة محمد ص حتى اجتمعتم على ذلك فدخلت فيه و ذلك أني سمعت رسول الله ص يقول أيما وال ولي أمر أمتي من بعدي أقيم يوم القيامة على حد الصراط و نشرت الملائكة صحيفته فإن نجا فبعدله و إن جار انتقض به الصراط انتقاضة تزيل ما بين مفاصله حتى يكون بين كل عضو و عضو من أعضائه مسيرة مائة عام يخرق به الصراط فأول ما

  يلقى به النار أنفه و حر وجهه و لكني لما اجتمعتم علي نظرت فلم يسعني ردكم حيث اجتمعتم أقول ما سمعتم و أستغفر الله لي و لكم فقام إليه الناس فبايعوه فأول من قام فبايعه طلحة و الزبير ثم قام المهاجرون و الأنصار و سائر الناس حتى بايعه الناس و كان الذي يأخذ عليهم البيعة عمار بن ياسر و أبو الهيثم بن التيهان و هما يقولان نبايعكم على طاعة الله و سنة رسوله ص و إن لم نف لكم فلا طاعة لنا عليكم و لا بيعة في أعناقكم و القرآن إمامنا و إمامكم ثم التفت علي ع عن يمينه و عن شماله و هو على المنبر و هو يقول ألا لا يقولن رجال منكم غدا قد غمرتهم الدنيا فاتخذوا العقار و فجروا الأنهار و ركبوا الخيول الفارهة و اتخذوا الوصائف الروقة فصار ذلك عليهم عارا و شنارا إن لم يغفر لهم الغفار إذا منعوا ما كانوا فيه و صيروا إلى حقوقهم التي يعلمون يقولون حرمنا ابن أبي طالب و ظلمنا حقوقنا و نستعين بالله و نستغفره و أما من كان له فضل و سابقة منكم فإنما أجره فيه على الله فمن استجاب لله و لرسوله و دخل في ديننا و استقبل قبلتنا و أكل ذبيحتنا فقد استوجب حقوق الإسلام و حدوده فأنتم أيها الناس عباد الله المسلمون و المال مال الله يقسم بينكم بالسوية و ليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى و للمتقين عند الله خير الجزاء و أفضل الثواب لم يجعل الله الدنيا للمتقين جزاء وَ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ و إذا كان غدا فاغدوا فإن عندنا مالا اجتمع فلا يتخلفن أحد كان في عطاء أو لم يكن إذا كان مسلما حرا احضروا رحمكم الله فاجتمعوا من الغد و لم يتخلف عنه أحد فقسم بينهم ثلاثة دنانير لكل إنسان الشريف و الوضيع و الأحمر و الأسود و لم يفضل أحدا و لم يتخلف عنه أحد إلا هؤلاء الرهط طلحة و الزبير و عبد الله بن عمر و سعيد بن العاص و مروان بن حكم و ناس معهم  فسمع عبيد الله بن أبي رافع و هو كاتب علي بن أبي طالب ع عبد الله بن الزبير و هو يقول للزبير و طلحة و سعيد بن العاص لقد التفت إلى زيد بن ثابت فقلت له إياك أعني و اسمعي يا جارة فقال له عبيد الله يا سعيد بن العاص و عبد الله بن الزبير إن الله يقول في كتابه وَ أَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ قال عبيد الله فأخبرت عليا فقال لئن سلمت لأحملنهم على الطريق قاتل الله ابن العاص لقد علم في كلامي أني أريده و أصحابه بكلامي و الله المستعان قال مالك بن أوس و كان علي بن أبي طالب ع أكثر ما يسكن القناة فبينا نحن في المسجد بعد الصبح إذ طلع الزبير و طلحة فجلسا ناحية عن علي ع ثم طلع مروان و سعيد و عبد الله بن الزبير و المسور بن مخرمة فجلسوا و كان علي ع جعل عمار بن ياسر على الخيل فقال لأبي الهيثم بن التيهان و لخالد بن زيد أبي أيوب و لأبي حية و لرفاعة بن رافع في رجال من أصحاب رسول الله ص قوموا إلى هؤلاء القوم فإنه بلغنا عنهم ما نكره من خلاف أمير المؤمنين إمامهم و الطعن عليه و قد دخل معهم قوم من أهل الجفاء و العداوة فإنهم سيحملونهم على ما ليس من رأيهم فقال فقاموا و قمنا معهم حتى جلسوا إليهم فتكلم أبو الهيثم بن التيهان فقال إن لكم لقدما في الإسلام و سابقة و قرابة من أمير المؤمنين ع و قد بلغنا عنكم طعن و سخط لأمير المؤمنين فإن يكن أمر لكما خاصة فعاتبا ابن عمتكما و إمامكما و إن كان نصيحة للمسلمين فلا تؤخراه عنه و نحن عون لكما فقد علمتما أن بني أمية لن تنصحكما أبدا و قد عرفتما و قال أحمد عرفتم عداوتهم لكما و قد شركتما في دم عثمان و مالأتما فسكت الزبير و تكلم طلحة فقال افرغوا جميعا مما تقولون فإني قد عرفت أن في كل واحد منكم خطبة فتكلم عمار بن ياسر رحمه الله فحمد الله و أثنى عليه و صلى على النبي ص و قال أنتما صاحبا رسول الله ص و قد

  أعطيتما إمامكما للطاعة و المناصة و العهد و الميثاق على العمل بطاعة الله و طاعة رسوله و أن يجعل كتاب الله قال أحمد و جعل كتاب الله إماما ففيم السخط و الغضب على علي بن أبي طالب ع فغضب الرجال للحق انصرا نصركما الله فتكلم عبد الله بن الزبير فقال لقد تهذرت يا أبا اليقظان فقال له عمار ما لك تتعلق في مثل هذا يا أعبس ثم أمر به فأخرج فقام الزبير فقال عجلت يا أبا اليقظان على ابن أخيك رحمك الله فقال عمار يا أبا عبد الله أنشدك الله أن تسمع قول من رأيت فإنكم معشر المهاجرين لم يهلك من هلك منكم حتى استدخل في أمره المؤلفة قلوبهم فقال الزبير معاذ الله أن نسمع منهم فقال عمار و الله يا أبا عبد الله لو لم يبق أحد إلا خالف علي بن أبي طالب ع لما خالفته و لا زالت يدي مع يده و ذلك لأن عليا لم يزل مع الحق منذ بعث الله نبيه ص فإني أشهد أنه لا ينبغي لأحد أن يفضل عليه أحدا فاجتمع عمار بن ياسر و أبو الهيثم و رفاعة و أبو أيوب و سهل بن حنيف فتشاوروا أن يركبوا إلى علي ع بالقناة فيخبروه بخبر القوم فركبوا إليه فأخبروه باجتماع القوم و ما هم فيه من إظهار الشكوى و التعظيم لقتل عثمان و قال له أبو الهيثم يا أمير المؤمنين انظر في هذا الأمر فركب بغلة رسول الله ص و دخل المدينة و صعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه و اجتمع أهل الخير و الفضل من الصحابة و المهاجرين فقالوا لعلي ع إنهم قد كرهوا الأسوة و طلبوا الأثرة و سخطوا لذلك فقال علي ع ليس لأحد فضل في هذا المال هذا كتاب الله بيننا و بينكم و نبيكم محمد ص و سيرته ثم صاح بأعلى صوته يا معشر الأنصار أ تمنون علي بإسلامكم بل لله و رسوله المن عليكم إن كنتم صادقين و قال أحمد أ تمنون على الله بإسلامكم أنا أبو الحسن القرم  و نزل عن المنبر و جلس ناحية المسجد و بعث إلى طلحة و الزبير فدعاهما ثم قال لهما أ لم تأتياني و تبايعاني طائعين غير مكرهين فما أنكرتم أجور في حكم أو استيثار في في‏ء قالا لا قال أو في أمر دعوتماني إليه من أمر المسلمين فقصرت عنه قالا معاذ الله قال فما الذي كرهتمان أمري حتى رأيتما خلافي قالا خلافك عمر بن الخطاب في القسم و انتقاصنا حقنا من الفي‏ء جعلت حظنا في الإسلام كحظ غيرنا فيما أفاء الله علينا بسيوفنا ممن هو لنا في‏ء فسويت بيننا و بينهم فقال علي ع الله أكبر اللهم إني أشهدك و أشهد من حضر عليهما أما ما ذكرتما من الاستيثار فو الله ما كانت لي في الولاية رغبة و لا لي فيها محبة و لكنكم دعوتموني إليها و حملتموني عليها فكرهت خلافكم فلما أفضت إلي نظرت إلى كتاب الله و ما وضع و أمر فيه بالحكم و قسم و سن رسول الله ص فأمضيته و لم أحتج فيه إلى رأيكما و دخولكما معي و لا غيركما و لم يقع أمر جهلته فأتقوى فيه برأيكما و مشورتكما و لو كان ذلك لم أرغب عنكما و لا عن غيركما إذا لم يكن في كتاب الله و لا في سنة نبينا ص فأما ما كان فلا يحتاج فيه إلى أحد و أما ما ذكرتما من أمر الأسوة فإن ذلك أمر لم أحكم أنا فيه و وجدت أنا و أنتما قد جاء به محمد ص من كتاب الله فلم أحتج فيه إليكما قد فرغ من قسمه كتاب الله الذي لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ و أما قولكما جعلتنا فيه كمن ضربناه بأسيافنا و أفاء الله علينا و قد سبق رجال رجالا فلم يضرهم و لم يستأثرهم عليهم من سبقهم لم يضرهم حين  استجابوا لربهم و الله ما لكم و لا لغيركم إلا ذلك ألهمنا الله و إياكم الصبر عليه فذهب عبد الله بن الزبير يتكلم فأمر به فوجئت عنقه و أخرج من المسجد فخرج و هو يصيح و يقول اردد إليه بيعته فقال علي ع لست مخرجكما من أمر دخلتما فيه و لا مدخلكما في أمر خرجتما منه فقاما عنه و قالا أما إنه ليس عندنا أمر إلا الوفاء قال فقال ع رحم الله عبدا رأى حقا فأعان عليه أو رأى جورا فرده و كان عونا للحق على من خالفه

 بيان يخرق به الصراط أي من الأعوام التي يخرق بها الصراط أي يقطع بها. و في النهاية قناة واد من أودية المدينة عليه حرث و مال و زرع و قال في حديث علي ع أنا أبو حسن القرم أي المقدم في الرأي و القرم فحل الإبل أي أنا فيهم بمنزلة الفحل في الإبل. قال الخطابي و أكثر الروايات القوم بالواو و لا معنى له و إنما هو بالراء أي المقدم في المعرفة و تجارب الأمور

10-  الكافية لإبطال توبة الخاطئة، عن الحسين بن عيسى عن زيد عن أبيه قال حدثنا أبو ميمونة عن أبي بشير العائذي قال كنت بالمدينة حين قتل عثمان فاجتمع المهاجرون فيهم طلحة و الزبير فأتوا عليا ع فقالوا يا أبا الحسن هلم نبايعك قال لا حاجة لي في أمركم أنا بمن اخترتم راض قالوا ما نختار غيرك و اختلفوا إليه بعد قتل عثمان مرارا

   -11  و عن إسحاق بن راشد عن عبد الحميد بن عبد الرحمن القرشي عن أبي أروى قال لا أحدثك إلا بما رأته عيناي و سمعته أذناي لما برز الناس للبيعة عند بيت المال قال علي ع لطلحة ابسط يدك للبيعة فقال له طلحة أنت أحق بذلك مني و قد استجمع لك الناس و لم يجتمعوا لي فقال علي ع لطلحة و الله ما أخشى غيرك فقال طلحة لا تخشى فو الله لا تؤتى من قبلي أبدا فبايعه و بايع الناس

12-  و عن يحيى بن سلمة عن أبيه قال قال ابن عباس و الذي لا إله إلا هو إن أول خلق الله عز و جل ضرب على يد علي بالبيعة طلحة بن عبيد الله

 13-  و عن محمد بن عيسى النهدي عن أبيه عن الصلت بن دينار عن الحسن قال بايع طلحة و الزبير عليا ع على منبر رسول الله صلى الله عليه و آله طائعين غير مكرهين

14-  و عن عبيد الله بن حكيم بن جبير عن أبيه عن علي بن الحسين ع قال إن طلحة و الزبير بايعا عليا

15-  و عن الحسن بن مبارك عن بكر بن عيسى قال إن طلحة و الزبير أتيا عليا ع بعد ما بايعاه بأيام فقالا يا أمير المؤمنين قد عرفت شدة مئونة المدينة و كثرة عيالنا و أن عطاءنا لا يسعنا قال فما تريدان نفعل قالا تعطينا من هذه المال ما يسعنا فقال اطلبا إلى الناس فإن اجتمعوا على أن يعطوكما شيئا من حقوقهم فعلت قالا لم نكن لنطلب ذلك إلى الناس و لم يكونوا يفعلوا لو طلبنا إليهم قال فأنا و الله أحرى أن لا أفعل فانصرفا عنه

16-  و عن عمرو بن شمر عن جابر عن محمد بن علي ع أن طلحة و الزبير أتيا عليا ع فاستأذناه في العمرة فقال لهما لعلكما تريدان الشام و البصرة فقالا اللهم غفرا ما ننوي إلا العمرة

 17-  و عن الحسين بن مبارك عن بكر بن عيسى أن عليا أخذ عليهما عهد الله و ميثاقه و أعظم ما أخذ على أحد من خلقه أن لا يخالفا و لا  ينكثا و لا يتوجها وجها غير العمرة حتى يرجعا إليها فأعطياه ذلك من أنفسهما ثم أذن لهما فخرجا

18-  و عن أم راشد مولاة أم هانئ أن طلحة و الزبير دخلا على علي ع فاستأذناه في العمرة فأذن لهما فلما وليا و نزلا من عنده سمعتهما يقولان لا و الله ما بايعناه بقلوبنا إنما بايعناه بأيدينا قالت فأخبرت عليا ع بمقالتهما فقال إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً

19-  شا، ]الإرشاد[ و من كلامه صلوات الله عليه حين تخلف عن بيعته عبد الله بن عمر و سعد بن أبي وقاص و محمد بن مسلمة و حسان بن ثابت و أسامة بن زيد ما رواه الشعبي قال لما اعتزل سعد و من سميناه أمير المؤمنين ع و توقفوا عن بيعته حمد الله و أثنى عليه ثم قال أيها الناس إنكم بايعتموني على ما بويع عليه من كان قبلي و إنما الخيار للناس قبل أن يبايعوا فإذا بايعوا فلا خيار لهم و إن على الإمام الاستقامة و على الرعية التسليم و هذه بيعة عامة من رغب عنها رغب عن دين الإسلام و اتبع غير سبيل أهله و لم تكن بيعتكم إياي فلتة و ليس أمري و أمركم واحدا و إني أريدكم لله و أنتم تريدونني لأنفسكم و ايم الله لأنصحن للخصم و لأنصفن للمظلوم و قد بلغني عن سعد و ابن مسلمة و أسامة و عبد الله و حسان بن ثابت أمور كرهتها و الحق بيني و بينهم

   بيان و إنما الخيار أي بزعمكم و على ما تدعون من ابتناء الأمر على البيعة لم تكن بيعتكم إياي فلتة تعريض ببيعة أبي بكر 20-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ في جمل أنساب الأشراف أنه قال الشعبي في خبر لما قتل عثمان أقبل الناس لعلي ع ليبايعوه و قالوا إليه فمدوا يده فكفها و بسطوها فقبضها حتى بايعوه 21-  و في سائر التواريخ أن أول من بايعه طلحة بن عبيد الله و كانت إصبعه أصيبت يوم أحد فشلت فبصرها أعرابي حين بايع فقال ابتدأ هذا الأمر يد شلاء لا يتم ثم بايعه الناس في المسجد و يروى أن الرجل كان عبيد بن ذويب فقال يد شلاء و بيعة لا تتم و هذا عنى البرقي في بيته

و لقد تيقن من تيقن غدرهم إذ مد أولهم يدا شلاء

22-  جبلة بن سحيم عن أبيه أنه قال لما بويع علي ع جاء إليه المغيرة بن شعبة فقال إن معاوية من قد علمت قد ولاه الشام من كان قبلك فوله أنت كيما تتسق عرى الإسلام ثم اعزله إن بدا لك فقال أمير المؤمنين ع أ تضمن لي عمري يا مغيرة فيما بين توليته إلى خلعه قال لا قال لا يسألني الله عن توليته على رجلين من المسلمين ليلة سوداء أبدا وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً الخبر

 و لما بويع علي ع أنشأ خزيمة بن ثابت يقول.  

إذا نحن بايعنا عليا فحسبنا أبو حسن مما نخاف من الفتن. وجدناه أولى الناس بالناس إنه. أطب قريش بالكتاب و بالسنن.و إن قريشا لا تشق غباره. إذا ما جرى يوما على ضمر البدن.ففيه الذي فيهم من الخير كله. و ما فيهم مثل الذي فيه من حسن.وصي رسول الله من دون أهله. و فارسه قد كان في سالف الزمن.و أول من صلى من الناس كلهم . سوى خيرة النسوان و الله ذي المنن.و صاحب كبش القوم في كل وقعة. يكون لها نفس الشجاع لدى الذقن.فذاك الذي تثنى الخناصر باسمه. إمامهم حتى أغيب في الكفن.

 و قال أبو العباس أحمد بن عطية.

رأيت عليا خير من وطئ الحصا. و أكرم خلق الله من بعد أحمد.وصي رسول المرتضى و ابن عمه . و فارسه المشهور في كل مشهد.تخيره الرحمن من خير أسرة لأطهر مولود و أطيب مولد.إذا نحن بايعنا عليا فحسبنا . ببيعته بعد النبي محمد.

 بيان أطب قريش أي أعلمهم و رجل طب بالفتح أي عالم تكون لها أي لشدة الواقعة نفس الشجاع و روحه للخوف منها عند الذقن أي مشرفة على مفارقة البدن. أقول سيأتي في أعمال يوم النيروز عن المعلى بن خنيس عن أبي عبد الله ع أن اليوم الذي بويع فيه أمير المؤمنين ثانية كان يوم النيروز

23-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلام له ع لما أريد على البيعة بعد قتل عثمان دعوني و التمسوا غيري فإنا مستقبلون أمرا له وجوه و ألوان لا يقوم له القلوب و لا تثبت عليه العقول و إن الآفاق قد أغامت و الحجة قد تنكرت  و اعلموا إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم و لم أصغ إلى قول القائل و عتب العاتب و إن تركتموني فأنا كأحدكم و لعلي أسمعكم و أطوعكم لمن وليتموه أمركم و أنا لكم وزيرا خير لكم مني أميرا

 تبيين المخاطبون بهذا الخطاب هم الطالبون للبيعة بعد قتل عثمان و لما كان الناس نسوا سيرة النبي و اعتادوا بما عمل فيهم خلفاء الجور من تفضيل الرؤساء و الأشراف لانتظام أمورهم و أكثرهم إنما نقموا على عثمان استبداده بالأموال كانوا يطمعون منه ع أن يفضلهم أيضا في العطاء و التشريف و لذا نكث طلحة و الزبير في اليوم الثاني من بيعته و نقموا عليه التسوية في العطاء و قالوا آسيت بيننا و بين الأعاجم و كذلك عبد الله بن عمر و سعيد بن العاص و مروان و أضرابهم و لم يقبلوا ما قسم لهم فهؤلاء القوم لما طلبوا البيعة بعد قتل عثمان قال ع دعوني و التمسوا غيري إتماما للحجة عليهم و أعلمهم باستقبال أمور لها وجوه و ألوان لا يصبرون عليها و أنه بعد البيعة لا يجيبهم إلى ما طمعوا فيه و لا يصغي إلى قول القائل و عتب العاتب بل يقيمهم على المحجة البيضاء و يسير فيهم بسيرة رسول الله صلى الله عليه و آله. قوله و إن الآفاق قد أغامت أي أظلمت بغيم سنن أرباب البدع و خفاء شمس الحق تحت سحاب شبه أهل الباطل و المحجة جادة الطريق و تنكرها تغيرها و خفاؤها قوله ع ركبت بكم أي جعلتكم راكبين و تركهم إياه عدم طاعتهم له و اختيار غيره للبيعة حتى لا تتم شرائط الخلافة لعدم الناصر كقوله ع في الشقشقية لو لا حضور الحاضر و قيام الحجة بوجود الناصر لألقيت حبلها على غاربها و ليس الغرض ردعهم عن البيعة الواجبة بل إتمام للحجة و إبطال لما علم ع من ادعائهم الإكراه على البيعة كما فعل طلحة و الزبير بعد النكث مع أن المرء حريص على ما منع و الطبع نافر عما سورع إلى إجابته و الوزير من يحمل عن الملك ثقل التدبير.  و قال ابن أبي الحديد كما هو دأبه أن يأتي بالحق ثم عنه يحيد هذا الكلام يحمله أصحابنا على ظاهره و يقولون إنه ع لم يكن منصوصا عليه بالإمامة و إن كان أولى الناس بها لأنه لو كان منصوصا عليه لما جاز أن يقول دعوني و التمسوا غيري. ثم ذكر تأويل الإمامية منه أن يسير فيهم بسيرة الخلفاء و يفضل بعضهم على بعض في العطاء أو بأن الكلام خرج مخرج التضجر و التسخط لأفعال الذين عدلوا عنه ع قبل ذلك للأغراض الدنيوية أو بأنه خرج مخرج التهكم كقوله تعالى ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ أي بزعمك ثم قال و اعلم أن ما ذكروه ليس ببعيد لو دل عليه دليل فأما إذا لم يدل عليه دليل فلا يجوز صرف اللفظ عن ظاهره. و لا يخفى على اللبيب أنه بعد الإغماض عن الأدلة القاهرة و النصوص المتواترة لا فرق بين المذهبين في وجوب التأويل و لا يستقيم الحمل على ظاهره إلا على القول بأن إمامته ع كانت مرجوحة و أن كونه وزيرا أولى من كونه أميرا و هو ينافي القول بالتفضيل الذي قال به فإنه ع إذا كان أحق الإمامة و بطل تفضيل المفضول على ما هو الحق و اختاره أيضا كيف يجوز للناس أن يعدلوا عنه إلى غيره و كيف يجوز له ع أن يأمر الناس بتركه و العدول عنه إلى غيره مع عدم ضرورة تدعو إلى ترك الإمامة و مع وجود الضرورة كما جاز ترك الإمامة الواجبة بالدليل جاز ترك الإمامة المنصوص عليها فالتأويل واجب على التقديرين و لا نعلم أحدا قال بتفضيل غيره عليه و رجحان العدول إلى أحد سواه في ذلك الزمان.

   على أن الظاهر للمتأمل في أجزاء الكلام حيث علل الأمر بالتماس الغير باستقبال أمر لا تقوم له القلوب و تنكر المحجة و أنه إن أجابهم حملهم على الحق هو أن السبب في ذلك المانع دون عدم النص و أنه لم يكن متعينا للإمامة أو لم يكن أحق و أولى به و نحو ذلك و لعل الوجه في قوله ع لعلي أسمعكم و أطوعكم هو أنه إذا تولى الغير أمر الإمامة و لم تتم الشرائط في خلافته ع لم يكن ليعدل عن مقتضى التقية بخلاف سائر الناس حيث يجوز الخطأ عليهم. و أما قوله فأنا لكم وزيرا خير لكم مني أميرا فلعل المراد بالخيرية فيه موافقة الغرض أو سهولة الحال في الدنيا فإنه ع على تقدير الإمامة و بسط اليد لا يجب عليه العمل بمحض الحق و هو يصعب على النفوس و لا يحصل به آمال الطامعين بخلاف ما إذا كان وزيرا فإن الوزير يشير بالرأي مع تجويز التأثير في الأمير و عدم الخوف و نحوه من شرائط الأمر بالمعروف و لعل الأمير الذي يولونه الأمر يرى في كثير من الأمور ما يطابق آمال القوم و يوافق أطماعهم و لا يعمل بما يشير به الوزير فيكون وزارته أوفق لمقصود القوم فالحاصل أن ما قصدتموه من بيعتي لا يتم لكم و وزارتي أوفق لغرضكم و الغرض إتمام الحجة كما عرفت

24-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ الحسين بن عبد الله عن أحمد بن جعفر البزوفري عن حميد بن زياد عن العباس بن عبيد الله الدهقان عن إبراهيم بن صالح الأنماطي رفعه قال لما أصبح أمير المؤمنين ع بعد البيعة دخل بيت المال و دعي بمال كان قد اجتمع فقسمه ثلاثة دنانير بين من حضر من الناس كلهم فقام سهل بن حنيف فقال يا أمير المؤمنين قد أعتقت هذا الغلام فأعطاه ثلاثة دنانير مثل ما أعطى سهل بن حنيف

   -25  نهج، ]نهج البلاغة[ و من خطبة له ع قد طلع طالع و لمع لامع و لاح لائح و اعتدل مائل و استبدل الله بقوم قوما و بيوم يوما و انتظرنا الغير انتظار المجدب المطر و إنما الأئمة قوام الله على خلقه و عرفاؤه على عباده و لا يدخل الجنة إلا من عرفهم و عرفوه و لا يدخل النار إلا من أنكرهم و أنكروه و إن الله تعالى خصكم بالإسلام و استخلصكم له و ذلك لأنه اسم سلامة و جماع كرامة اصطفى الله تعالى منهجه و بين حججه من ظاهر علم و باطن حكم لا تفنى غرائبه و لا تنقصي عجائبه فيه مرابيع النعم و مصابيح الظلم لا تفتح الخيرات إلا بمفاتيحه و لا تكشف الظلمات إلا بمصابيحه قد أحمى حماه و أرعى مرعاه فيه شفاء المشتفي و كفاية المكتفي

 توضيح قيل هذه خطبة خطب بها ع بعد قتل عثمان و انتقال الخلافة إليه و يمكن أن يكون المراد بطلوع الطالع ظهور إمرته و خلافته ع و أن يشير بلموع اللامع إلى ظهورها من حيث هي حق له و سطوع أنوار العدل بصيرورتها إليه و بلوح اللائح إلى الحروب و الفتن الواقعة بعد انتقال الأمر إليه. و قيل المراد بالجميع واحد فيحتمل أن يكون المراد طلع ما كان طالعا فإن الخلافة كانت له ع حقيقة أي طلع ظاهرا ما كان طالعا حقيقة كقوله ع و اعتدل مائل أي الخلافة التي كانت مائلة عن مركزها أو أركان الدين القويم. و لعل انتظار الغير كناية عن العلم بوقوعه أو الرضى بما قضى الله من ذلك و المراد بالغير ما جرى قبل ذلك من قتل عثمان و انتقال الأمر إليه ع أو ما سيأتي من الحروب و الوقائع و الأول أنسب. قوله ع قوام الله أي يقومون بمصالحهم و قيم المنزل هو  المدبر له و العرفاء جمع عريف و هو القيم بأمور القبيلة و الجماعة يلي أمورهم و يتعرف الأمير منه أحوالهم فعيل بمعنى فاعل إلا من عرفهم أي بالإمامة و عرفوه أي بالتشيع و الولاية و منكرهم من لم يعرفهم و لم يقر بما أتوا به من ضروريات الدين فهو منكر لهم. قوله ع لأنه اسم سلامة أي الإسلام مشتق من السلامة و قال الجوهري جماع الشي‏ء بالكسر جمعه يقال الخمر جماع الإثم و المرابيع الأمطار التي تجي‏ء في أول الربيع فيكون سببا لظهور الكلإ و يقال أحميت المكان أي جعلته حمى. قال ابن أبي الحديد أحماه أي جعله عرضة لأن يحمى أي عرض الله سبحانه حماه و محارمه لأن يجتنب و أرعى مرعاه لأن يرعى أي مكن من الانتفاع بمواعظه لأنه خاطبنا بلسان عربي مبين. و يمكن أن يقال المعنى جعل له حرمات و نهى عن انتهاكها أو ارتكاب نواهيه و تعدي حدوده و رخصا أباح للناس التمتع بها. أو المراد بقوله ع قد أحمى حماه منع المغيرين من تغيير قواعده و بقوله أرعى مرعاه مكن المطيعين من طاعته التي هي الأغذية الروحانية للصالحين كما أن النبات غذاء للبهائم

26-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من خطبة له ع في أول خلافته أن الله تعالى أنزل كتابا هاديا بين فيه الخير و الشر فخذوا نهج الخير تهتدوا و اصدفوا عن سمت الشر تقصدوا الفرائض الفرائض أدوها إلى الله تؤدكم إلى الجنة إن الله تعالى حرم حراما غير مجهول و أحل حلالا غير مدخول و فضل حرمة المسلم على الحرم كلها و شد بالإخلاص و التوحيد حقوق المسلمين في معاقدها فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده إلا بالحق و لا يحل أذى المسلم إلا بما يجب  بادروا أمر العامة و خاصة أحدكم و هو الموت فإن الناس أمامكم و إن الساعة تحدوكم من خلفكم تخففوا تلحقوا فإنما ينتظر بأولكم آخركم اتقوا الله في عباده و بلاده فإنكم مسئولون حتى عن البقاع و البهائم أطيعوا الله و لا تعصوه و إذا رأيتم الخير فخذوا به و إذا رأيتم الشر فأعرضوا عنه

 بيان و اصدفوا أي أعرضوا عن طريقه و القصد العدل و نصب الفرائض على الإغراء. قوله ع و شد بالإخلاص أي ربط الحقوق بها فأوجب على المخلصين الموحدين المحافظة على حقوق المسلمين. قوله و خاصة أحدكم قال ابن أبي الحديد الموت و إن كان عاما لكل حيوان إلا أن له مع كل حيوان خصوصية و كيفية مخالفة مع غيره فإن الناس أمامكم أي سبقوكم إلى الموت و في بعض النسخ البأس بالباء الموحدة مع الهمزة أي الفتنة تحدوكم أي تسوقكم و الحداء سوق الإبل و الغناء لها تخففوا أي بالقناعة من الدنيا باليسير و ترك الحرص عليها و ارتكاب المأثم فإن المسافر الخفيف أحرى بلحوق أصحابه و بالنجاة إنما ينتظر أي للبعث و النشور

27-  فس، ]تفسير القمي[ أبي عن ابن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد الله قال خطب أمير المؤمنين صلوات الله عليه بعد ما بويع له بخمسة أيام خطبة فقال و اعلموا أن لكل حق طالبا و لكل دم ثائرا و الطالب كقيام الثائر بدمائنا و الحاكم في حق نفسه هو العدل الذي لا يحيف و الحاكم الذي لا يجوز و هو الله الواحد القهار  و اعلموا أن على كل شارع بدعة وزره و وزر كل مقتد به من بعده إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أوزار العاملين شيئا و سينتقم الله من الظلمة مأكل بمأكل و مشرب بمشرب من لقم العلقم و مشارب الصبر الأدهم فليشربوا الصلب من الراح السم المذاف و ليلبسوا دثار الخوف دهرا طويلا و لهم بكل ما أتوا و عملوا من أفاريق الصبر الأدهم فوق ما أتوا و عملوا أما إنه لم يبق إلا الزمهرير من شتائهم و ما لهم من الصيف إلا رقدة و يحبسهم و ما توازروا و جمعوا على ظهورهم من الآثام فيا مطايا الخطايا و يا زور الزور و أوزار الآثام مع الذين ظلموا اسمعوا و اعقلوا و توبوا و ابكوا على أنفسكم ف سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ فأقسم ثم أقسم لتحملنها بنو أمية من بعدي و ليعرفنها في دار غيرهم عما قليل فلا يبعد الله إلا من ظلم و على البادي يعني الأول ما سهل لهم من سبيل الخطايا مثل أوزارهم و أوزار كل من عمل بوزرهم إلى يوم القيامة وَ مِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ

 إيضاح و الطالب كقيام الثائر أي طلب الطالب للحق كقيام الطالب بدمائنا و الثأر بالهمز الدم و الطلب به و قاتل حميمك و الثائر من لا يبقى على شي‏ء حتى يدرك ثأره ذكره الفيروزآبادي و الحاكم في حق نفسه و لعل المعنى أن في قتلنا حقا لنا و حقا لله تعالى حيث قتلوا حجته و وليه و القائم يطلب حقنا و الله العادل يحكم في حق نفسه أن على كل شارع بدعة وزره شرع لهم كمنع سن و قوله وزره اسم إن و خبره الظرف المقدم أي يلزم مبدع البدعة و محدثها وزر نفسه و وزر كل من اقتدى به من لقم العلقم اللقم جمع اللقمة و العلقم الحنظل و كل شي‏ء مر و الأديم الأسود فليشربوا الصلب أي الشديد الغليظ فإن شربه أعسر أو هو تصحيف الصئب بالهمزة يقال صئب من الشراب كفرح إذا روي و امتلأ و الصبب بالباء محركة بمعنى المصبوب و الراح الخمر أطلق هنا تهكما و الدوف الخلط و البل بماء و نحوه و قال الفيروزآبادي الفرقة السقاء الممتلئ لا يستطاع يمخض حتى يفرق و الطائفة من الناس و الجمع فرق و جمع الجمع أفاريق  إلا الزمهرير من شتائهم أي لم يبق من شدائد الدنيا إلا ما أصابهم من تلك الشدة و ليس لهم في ذلك أجر إلا رقدة بالهاء أي إلا نومة و في بعض النسخ بالفاء مع الضمير و الرفد بالكسر العطاء و بالكسر و الفتح القدح الضخم و الحاصل أنه لم يبق لهم من راحة الدنيا إلا راحة قليلة ذهبت عنهم و يحبسهم ما توازروا أي يحبسهم يوم القيامة أوزارهم و في بعض النسخ و ما توازروا أي يحبسهم الله و يا زور الزور قال في القاموس الزورة الناقة التي تنظر بمؤخر عينها لشدتها و لعل في بعض الفقرات تصحيفات

28-  شا، ]الإرشاد[ مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله ع قال خطب أمير المؤمنين ع الناس بالمدينة فقال بعد حمد الله و الثناء عليه أما بعد فإن الله لم يقصم جباري دهر قط إلا من بعد تمهيل و رخاء و لم يجبر كسر عظم أحد من الأمم إلا من بعد أزل و بلاء أيها الناس و في دون ما استقبلتم من خطب و استدبرتم من عتب معتبر و ما كل ذي قلب بلبيب و لا كل ذي سمع بسميع و لا كل ذي ناظر عين ببصير ألا فأحسنوا النظر عباد الله فيما يعنيكم ثم انظروا إلى عرصات من قد أباده الله بعلمه كانوا على سنة من آل فرعون أهل جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ وَ زُرُوعٍ وَ مَقامٍ كَرِيمٍ فها هي عرصة المتوسمين وَ إِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ تنذر من يأتها من الثبور بعد النضرة و السرور و مقيل من الأمن و الحبور و لمن صبر منكم العاقبة وَ لِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ فواها لأهل العقول كيف أقاموا بمدرجة السيول و استضافوا غير مأمون ويسا لهذه الأمة الجائرة في قصدها الراغبة عن رشدها لا يقتفون أثر نبي و لا يقتدون بعمل وصي و لا يؤمنون بغيب و لا يرعوون من عيب كيف  و مفزعهم في المبهمات إلى قلوبهم و كل امرئ منهم إمام نفسه أخذ منها فيما يرى بعرى ثقات لا يألون قصدا و لن يزدادوا إلا بعدا لشدة أنس بعضهم ببعضهم و تصديق بعضهم بعضا حيادا كل ذلك عما ورث الرسول و نفورا عما أدى إليه من فاطر السماوات و الأرضين العليم الخبير فهم أهل عشوات و كهوف شبهات قادة حيرة و ريبة ممن وكل إلى نفسه فاغرورق في الأضاليل هذا و قد ضمن الله قصد السبيل لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ إِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ فيا ما أشبهها من أمة صدرت عن ولائها و رغبت عن رعاتها و يا أسفا أسفا يكلم القلب و يدمن الكرب من فعلات شيعتنا بعد مهلكي على قرب مودتها و تأشب ألفتها كيف يقتل بعضها بعضا و تحول ألفتها بغضا فلله الأسرة المتزحزحة غدا عن الأصل المخيمة بالفرع المؤملة الفتح من غير جهته المتوكفة الروح من غير مطلعه كل حزب منهم معتصم بغصن آخذ به أينما مال الغصن مال معه مع أن الله و له الحمد سيجمعهم كقزع الخريف و يؤلف بينهم و يجعلهم ركاما كركام السحاب يفتح الله لهم أبوابا يسيلون من مستشارهم إليها كسيل العرم حيث لم تسلم عليه قارة و لم تمنع منه أكمة و لم يرد ركن طود سننه يغرسهم الله في بطون أودية يسلكهم ينابيع في الأرض ينفى بهم عن حرمات قوم و يمكن لهم في ديار قوم لكي لا يغتصبوا ما غصبوا يضعضع الله بهم ركنا و ينقص بهم على الجندل من إرم و يملأ منهم بطنان الزيتون  الخيرة بل لله الخيرة و الأمر جميعا

 بيان قوله ع إلى عرصات من قد أباده الله أي انظروا إلى ديار من قد أهلكه الله بعمله كالخلفاء الثلاثة خصوصا عثمان فها هي أي عرصات هؤلاء عرصة المتوسمين و المتفكرين في الدنيا و عواقبها المعتبرين بها وَ إِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ أي عرصاتهم و منازلهم على سبيلكم تنظرون إليها صباحا و مساء تنذر تلك العرصة من يأتها معتبرا بلسان الحال بالويل و الثبور بعد ما كان أصحابها في النضرة و السرور و الحبور كالسرور لفظا و معنى. و استضافوا أي طلبوا الضيافة أو قبلوها ممن لا يؤمن من الغدر و هو الدنيا. ويسا لهذه الأمة قال الفيروزآبادي في القاموس ويس كلمة تستعمل في موضع رأفة و استملاح للصبي و الويس الفقر. و في بعض النسخ و يا لهذه الأمة أي يا قوم اعجبوا لهم لا يألون قصدا أي لا يقصرون في قصد الخيرات أو في طلب قصد السبيل و وسطه بزعمهم لكن لقصور علمهم لا يزيدون إلا بعدا. و في بعض النسخ لا يأتون و هو أصوب و قد ضمن الله إشارة إلى قوله تعالى وَ عَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ فيا ما أشبهها أي يا قوم ما أشبه هذه الأمة بأمة كذا تعريضا لهم و إعراضا عن التصريح بصدور هذه الأعمال منهم. و الأظهر ما في الكافي فما أشبه هؤلاء بأنعام قد غاب عنها رعاؤها و في الصحاح تأشب القوم اختلطوا و ائتشبوا أيضا يقال جاء فلان فيمن تأشب  إليه أي انضم إليه و قال تزحزح تنحى و قال خيم بالمكان أي أقام و التوكف الترقب و الانتظار و الحاصل أنهم تفرقوا عن أئمة الحق و لم ينصروهم و تعلقوا بالأغصان و الفروع التي لا ينفع التعلق بها كمختار و أبي مسلم و زيد و يحيى و إبراهيم و أمثالهم. قوله ع سيجمعهم إشارة إلى اجتماعهم على أبي مسلم لدفع بني أمية و الآنك بضم النون الأسرب. قوله ع و لعل الله يجمع شيعتي إشارة إلى ظهور القائم ع و قد مر و سيأتي مزيد توضيح للخطبة عند إيرادها بسند آخر

29-  ني، ]الغيبة للنعماني[ الكليني عن علي عن أبيه عن ابن محبوب عن يعقوب السراج و علي بن رئاب عن أبي عبد الله ع أنه قال لما بويع أمير المؤمنين ع بعد مقتل عثمان صعد المنبر و خطب خطبة ذكرها يقول فيها ألا إن بليتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث الله نبيكم و الذي بعثه بالحق لتبلبلن بلبلة و لتغربلن غربلة حتى يعود أسفلكم أعلاكم و أعلاكم أسفلكم و ليسبقن سباقون كانوا قصروا و ليقصرن سباقون كانوا سبقوا و الله ما كتمت وشمة و لا كذبت كذبة و لقد نبئت بهذا المقام و هذا اليوم

   -30  نهج، ]نهج البلاغة[ ذمتي بما أقول رهينة و أنا به زعيم إن من صرحت له العبر عما بين يديه من المثلات حجره التقوى عن تقحم الشبهات ألا و إن بليتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث الله نبيه له و لتساطن سوط القدر حتى يعود أسفلكم أعلاكم و أعلاكم أسفلكم و ليسبقن سابقون كانوا قصروا و ليقصرن سباقون كانوا سبقوا و الله ما كتمت وشمة و لا كذبت كذبة و لقد نبئت بهذا المقام و هذا اليوم ألا و إن الخطايا خيل شمس حمل عليها أهلها و خلعت لجمها فتقحمت بهم في النار ألا و إن التقوى مطايا ذلل حمل عليها أهلها و أعطوا أزمتها فأوردتهم الجنة حق و باطل و لكل أهل فلئن أمر الباطل لقديما فعل و لئن قل الحق لربما و لعل و لقلما أدبر شي‏ء فأقبل

 بيان الزعيم الكفيل أن من صرحت أي كشفت و المثلات العقوبات و قحم في الأمر و تقحمه رمى بنفسه فيه و الشبهات ما اشتبه حقيته و حليته. و قيل أراد بالشبهات ما يتوهم كونه حقا ثابتا باقيا من الأمور الزائلة الفانية و قد مر تفسير باقي الكلام في باب شكايته ع

   -31  نهج، ]نهج البلاغة[ و قال ع و قد قال له طلحة و الزبير نبايعك على أنا شركاؤك في هذا الأمر فقال ع لا و لكنكما شريكان في القوة و الاستعانة و عونان على العجز و الأود

 بيان قال ابن أبي الحديد أي إذا قوى أمر الإسلام بي قويتما أنتما أيضا و الاستعانة هنا الفوز و الظفر و عونان على العجز و الأود أي العوج. و قال ابن ميثم رحمه الله أي على رفع ما يعرض منهما أو حال وجودهما إذ كلمة على تفيد الحال

 و روى ابن أبي الحديد أنه قال في جوابهما أما المشاركة في الخلافة فكيف يكون ذلك و هل يصح أن يدبر أمر الرعية إمامان و هل يجمع السيفان ويحك في غمد

32-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلام له ع لما عوتب على التسوية في العطاء أ تأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه و الله لا أطور به ما سمر سمير و ما أم نجم في السماء نجما لو كان المال لي لسويت بينهم فكيف و إنما المال لهم فكيف و إنما المال مال الله ثم قال ع ألا و إن إعطاء المال في غير حقه تبذير و إسراف و هو يرفع صاحبه في الدنيا و يضعه في الآخرة و يكرمه في الناس و يهينه عند الله و لم يضع امرؤ ماله  في غير حقه و عند غير أهله إلا حرمه الله شكرهم و كان لغيره ودهم فإن زلت به النعل يوما فاحتاج إلى معونتهم فشر خدين و ألأم خليل

 إيضاح قوله ع أ تأمروني أصله تأمرونني فأسكنت الأولى و أدغمت لا أطور به أي لا أقربه أبدا و لا أدور حوله و قال الفيروزآبادي في القاموس السمر محركة الليل و حديثه. و ما أفعله ما سمر السمير أي ما اختلف الليل و النهار و ما أم نجم أي قصد أو تقدم لأن النجوم لا تزال يتبع بعضها بعضا فلا بد فيها من تقدم و تأخر و لا يزال يقصد بعضها بعضا فإن زلت به النعل أي إذا عثر و افتقر و الخدين الصديق

33-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلام له ع لم تكن بيعتكم إياي فلتة و ليس أمري و أمركم واحدا إني أريدكم لله و أنتم تريدونني لأنفسكم أيها الناس أعينوني على أنفسكم و ايم الله لأنصفن المظلوم و لأقودن الظالم بخزامته حتى أورده منهل الحق و إن كان كارها

 إيضاح الفلتة الأمر يقع من غير تدبر و لا روية و فيه تعريض ببيعة أبي بكر كما روت العامة عن عمر أنه قال كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله المسلمين شرها و من عاد إلى مثلها فاقتلوه. و قوله ع إني أريدكم الخطاب لغير الخواص من أصحابه ع و المعنى أني أريد إطاعتكم إياي لله و تريدون أن تطيعوني للمنافع الدنيوية. و قال الجوهري خزمت البعير بالخزامة و هي حلقة من شعر تجعل في وترة أنفه ليشد فيها الزمام

   -34  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلام له ع كلم به طلحة و الزبير بعد بيعته للخلافة و قد عتبا من ترك مشورتهما و الاستعانة في الأمور بهما لقد نقمتما يسيرا و أرجأتما كثيرا ألا تخبراني أي شي‏ء لكما فيه حق دفعتكما عنه و أي قسم استأثرت عليكما به أم أي حق رفعه إلى أحد من المسلمين ضعفت عنه أم جهلته أم أخطأت بابه و الله ما كانت لي في الخلافة رغبة و لا في الولاية إربة و لكنكم دعوتموني إليها و حملتموني عليها فلما أفضت إلي نظرت إلى كتاب الله و ما وضع لنا و أمرنا بالحكم به فاتبعته و ما استسن النبي ص فاقتديته فلم أحتج في ذلك إلى رأيكما و لا رأي غيركما و لم يقع حكم جهلته فأستشيركما و إخواني من المسلمين و لو كان ذلك لم أرغب عنكما و لا عن غيركما و أما ما ذكرتما من أمر الأسوة فإن ذلك أمر لم أحكم أنا فيه برأيي و لا وليته هوى مني بل وجدت أنا و أنتما ما جاء به رسول الله ص قد فرغ منه فلم أحتج إليكما فيما قد فرغ الله من قسمه و أمضى فيه حكمه فليس لكما و الله عندي و لا لغيركما في هذا عتبى أخذ الله بقلوبكم و قلوبنا إلى الحق و ألهمنا و إياكم الصبر رحم الله رجلا رأى حقا فأعان عليه أو رأى جورا فرده و كان عونا بالحق على صاحبه

 توضيح قال ابن الأثير في النهاية نقم فلان إذا بلغت به الكراهة حد السخط. و قال ابن أبي الحديد أي نقمتما من أحوالي اليسير و تركتما الكثير الذي  ليس لكما و لا لغيركما فيه مطعن فلم تذكراه فهلا اغتفرتما اليسير للكثير و ليس هذا اعترافا بأن ما نقماه موضع الطعن و العيب و لكنه على جهة الاحتجاج. و قال ابن ميثم أشار باليسير الذي نقماه إلى ترك مشورتهما و تسويتهما لغيرهما في العطاء فإنه و إن كان عندهما صعبا فهو لكونه غير حق في غاية السهولة و الكثير الذي أرجآه ما أخراه من حقه و لم يؤتياه إياه. و قيل يحتمل أن يريد أن الذي أبدياه و نقماه بعض ما في أنفسهما و قد دل ذلك على أن في أنفسهما أشياء كثيرة لم يظهراه و الاستيثار الانفراد بالشي‏ء و دفع الحق عنهما أعم من أن يصير إليه ع أو إلى غيره أو لم يصر إلى أحد بل بقي بحاله في بيت المال و الاستيثار عليهما به هو أن يأخذ حقهما لنفسه و جهل الحكم أن يكون الله قد حكم بحرمة شي‏ء فأحله الإمام و جهل الباب أن يصيب في الحكم و يخطئ في الاستدلال أو يكون جهل الحكم بمعنى التحير فيه و أن لا يعلم كيف يحكم و الخطأ في الباب أن يحكم بخلاف الواقع و الإربة بالكسر الحاجة و الأسوة بالضم و الكسر القدوة أي أسوتكما بغيركما في العطاء و يقال للأمر الذي لا يحتاج إلى تكميل مفروغ منه و العتبى الرجوع من الذنب و الإساءة

35-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلام له ع في وصف بيعته بالخلافة و بسطتم يدي فكففتها و مددتموها فقبضتها ثم تداككتم علي تداك الإبل الهيم على حياضها يوم ورودها حتى انقطعت النعل و سقطت الرداء و وطئ الضعيف و بلغ من سرور الناس ببيعتهم إياي أن ابتهج بها الصغير و هدج إليها الكبير و تحامل نحوها العليل و حسرت إليها الكعاب

   بيان تداككتم أي ازدحمتم ازدحاما شديدا يدك بعضكم بعضا و الدك الدق و الهيم العطاش و قال الجوهري الهدجان مشية الشيخ و هدج الظليم إذا مشى في ارتعاش و حسرت أي كشفت عن وجهها حرصا على حضور البيعة و الكعاب بالفتح المرأة حين تبدو ثديها للنهود و هي الكاعب و جمعها كواعب ذكره ابن الأثير في كتاب النهاية

36-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلام له ع يعني به الزبير في حال اقتضت ذلك يزعم أنه قد بايع بيده و لم يبايع بقلبه فقد أقر بالبيعة و ادعى الوليجة فليأت عليها بأمر يعرف و إلا فليدخل فيما خرج منه

 بيان الوليجة البطانة و الأمر يسر و يكتم قال ابن أبي الحديد كان الزبير يقول بايعت بيدي لا بقلبي و كان يدعي تارة أنه أكره عليها و تارة يدعي أنه ورى في البيعة تورية فقال ع بعد الإقرار لا يسمع دعوى بلا بينة و لا برهان

37-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلام له ع و قد أرعدوا و أبرقوا و مع هذين الأمرين الفشل و لسنا نرعد حتى نوقع و لا نسيل حتى نمطر

 بيان يقال أرعد الرجل و أبرق إذا توعد و تهدد قوله ع حتى نوقع لعل المعنى لسنا نهدد حتى نعلم أنا سنوقع قوله ع حتى نمطر أي إذا أوقعنا بخصمنا أوعدنا حينئذ بالإيقاع غيره من خصومنا

38-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من خطبة له ع ألا و إن الشيطان قد جمع حزبه و استجلب خيله و رجله و إن معي لبصيرتي ما لبست على نفسي و لا لبس علي و ايم الله لأفرطن لهم حوضا أنا ماتحه لا يصدرون عنه و لا يعودون إليه

   بيان قال ابن ميثم هذا الفصل ملتقط و ملفق من خطبة له ع لما بلغه أن طلحة و الزبير خلعا بيعته و هو غير منتظم و الرجل جمع راجل. و قال ابن أبي الحديد في قوله لأفرطن لهم من رواها بفتح الهمزة فأصله فرط ثلاثي يقال فرط القوم سبقهم و رجل فرط يسبق القوم إلى البئر فيهيئ لهم الأرشية و الدلاء و منه قوله أنا فرطكم على الحوض و يكون التقدير لأفرطن لهم إلى حوض فحذف الجار و عدي الفعل بنفسه كقوله تعالى وَ اخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ و يكون اللام في لهم إما للتقوية كقوله يؤمن للمؤمنين أي يؤمن المؤمنين أو يكون اللام للتعليل أي لأجلهم. و من رواها لأفرطن بضم الهمزة فهو من قولهم أفرط المزادة ملأها و الماتح بالتاء المستقي من قولهم متح يمتح بالفتح و المائح بالياء الذي ينزل إلى البئر فيملأ الدلو و قال معنى قوله أنا ماتحه أي أنا خبير به كما يقول من يدعي معرفة الدار أنا باني هذه الدار و حاصل المعنى لأملأن لهم حياض حرب هي من دربتي و عادتي أو لأسبقنهم إلى حياض حرب أنا متدرب بها مجرب لها إذا وردوها لا يصدرون عنها يعني قتلهم و إزهاق أنفسهم و من فر منها لا يعود إليها

39-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من خطبة له ع ألا و إن الشيطان قد ذمر حزبه و استجلب جلبه ليعود الجور إلى أوطانه و يرجع الباطل في نصابه و الله ما أنكروا علي منكرا و لا جعلوا بيني و بينهم نصفا و إنهم ليطلبون  حقا هم تركوه و دما هم سفكوه فلئن كنت شريكهم فيه فإن لهم لنصيبهم منه و لئن كانوا ولوه دوني فما التبعة إلا عندهم و إن أعظم حجتهم لعلى أنفسهم يرتضعون أما قد فطمت و يحيون بدعة قد أميتت يا خيبة الداعي من دعا و إلى ما أجيب و إني لراض بحجة الله تعالى عليهم و علمه فيهم فإن أبوا أعطيتهم حد السيف و كفى به شافيا من الباطل و ناصرا للحق و من العجب بعثهم إلي أن أبرز للطعان و أن أصبر للجلاد هبلتهم الهبول لقد كنت و ما أهدد بالحرب و لا أرهب بالضرب و إني لعلى يقين من ربي و غير شبهة من ديني

 بيان قوله ع قد ذمر يروى بالتخفيف و التشديد و أصله الحث و الترغيب و الجلب الجماعة من الناس و غيرهم يجمع و يؤلف. قوله ع ليعود الجور إلى أوطانه يروى ليعود الجور إلى قطابه و القطاب مزاج الخمر بالماء أي ليعود الجور ممتزجا بالعدل كما كان و يجوز أن يعني بالقطاب قطاب الجيب و هو مدخل الرأس فيه أي ليعود الجور إلى لباسه و ثوبه و النصاب الأصل و الذي أنكروه قتل عثمان و النصف بالكسر الاسم من الإنصاف. قوله ع يرتضعون أما أي يطلبون الشي‏ء بعد فواته لأن الأم إذا فطمت ولدها فقد انقضى رضاعها و لعل المراد به أن طلبهم لدم عثمان لغو لا فائدة فيه.  و قال ابن ميثم استعار لفظة الأم للخلافة فبيت المال لبنها و المسلمون أولادها المرتضعون و كنى بارتضاعهم لها عن طلبهم منه ع من الصلاة و التفضيلات مثل ما كان عثمان يصلهم و كونها قد فطمت عن منعه ع و قوله يحيون بدعة قد أميتت إشارة إلى ذلك التفضيل فيكون بمنزلة التأكيد للقرينة السابقة. و يحتمل أن يكون المراد بالأم التي قد فطمت ما كان عادتهم في الجاهلية من الحمية و الغضب و إثارة الفتن و بفطامها اندراسها بالإسلام فيكون ما بعده كالتفسير له. و النداء في قوله يا خيبة الداعي كالنداء في قوله تعالى يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ أي يا خيبة احضري فهذا أوانك و الداعي هو أحد الثلاثة طلحة و الزبير و عائشة ثم قال على سبيل الاستحقار لهم من دعا و إلى ما أجيب أي أحقر بقوم دعاهم هذا الداعي و أقبح بالأمر الذي أجابوه إليه فما أفحشه و أرذله. و قال الجوهري هبلته أمه بكسر الباء أي ثكلته و الهبول من النساء الثكول. قوله ع لقد كنت قال ابن أبي الحديد أي ما زلت لا أهدد بالحرب و الواو زائدة و هذه كلمة فصيحة كثيرا ما يستعملها العرب و قد ورد في القرآن العزيز كان بمعنى ما زال في قوله وَ كانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً

40-  أقول قال ابن ميثم رحمه الله بعد إيراد تلك الفقرات أكثر هذا الفصل من الخطبة التي ذكرنا أنه ع خطبها حين بلغه أن طلحة و الزبير خلعا  بيعته و فيه زيادة و نقصان و نحن نوردها بتمامها و هي بعد حمد الله و الثناء عليه و الصلاة على رسوله أيها الناس إن الله افترض الجهاد فعظمه و جعله نصرته و ناصره و الله ما صلحت دين و لا دنيا إلا به و قد جمع الشيطان حزبه و استجلب خيله و من أطاعه ليعود له دينه و سنته و خدعه و قد رأيت أمورا قد تمخضت و الله ما أنكروا علي منكرا و لا جعلوا بيني و بينهم نصفا و إنهم ليطلبون حقا تركوه و دما سفكوه فإن كنت شريكهم فيه فإن لهم لنصيبهم منه و إن كانوا لولوه دوني فما الطلبة إلا قبلهم و إن أول عدلهم لعلى أنفسهم و لا أعتذر مما فعلت و لا أتبرأ مما صنعت و إن معي لبصيرتي ما لبست و لا لبس علي و إنها للفئة الباغية فيها الحم و الحمة طالت جلبتها و انكفت جونتها ليعودن الباطل إلى نصابه يا خيبة الداعي لو قيل ما أنكر من ذلك و ما إمامه و فيمن سننه و فيما سنته و الله إذا لزاح الباطل عن نصابه و انقطع لسانه و ما أظن الطريق له فيه واضح حيث نهج و الله ما تاب من قتلوه قبل موته و لا تنصل عن خطيئته و ما اعتذر إليهم فعذروه و لا دعا فنصروه و ايم الله لأفرطن لهم حوضا أنا ماتحه لا يصدرون عنه بري و لا يعبون حسوة أبدا و إنها لطيبة نفسي بحجة الله عليهم و علمه فيهم و إني داعيهم فمعذر إليهم فإن تابوا و قبلوا و أجابوا و أنابوا فالتوبة مبذولة و الحق مقبول و ليس علي كفيل و إن أبوا أعطيتهم حد السيف و كفى به شافيا من باطل و ناصرا لمؤمن و مع كل صحيفة شاهدها و كاتبها و الله إن الزبير و طلحة و عائشة ليعلمون أني على الحق و هم مبطلون

 و قال رحمه الله تمخضت تحركت و التبعة ما يلحق الإنسان من درك و الحم بفتح و تشديد الميم بقية الألية التي أذيبت و أخذ دهنها و الحمة  السواد و هما استعارتان لأراذل الناس و عوامهم لمشابهتهم حم الألية و ما أسود منها في قلة المنفعة و الخير و الجلبة الأصوات و جونتها بالضم سوادها و انكفت و استكفت أي استدارت و زاح و انزاح تنحى و تنصل من الذنب تبرأ منه و العب الشرب من غير مص و الحسوة بضم الحاء قدر ما يحسى مرة واحدة و الجلاد المضاربة بالسيف و الهبول الثكلى و الهبل الثكل. و اعلم أنه ع نبه أولا على فضل الجهاد لأن غرضه استنفارهم لقتال أهل البصرة و قوله و قد رأيت أمورا إشارة إلى تعيين ما يستنفرهم إليه و هو ما يحس به من مخالفة القوم و أهبتهم لقتاله و قوله و الله ما أنكروا إشارة إلى بطلان ما ادعوه منكرا و نسبوه إليه من قتل عثمان و السكوت عن النكير على قاتليه فأنكر أولا إنكارهم عليه تخلفه عن عثمان الذي زعموا أنه منكر و لما لم يكن منكرا كان ذلك الإنكار عليه هو المنكر. و قوله و إنهم ليطلبون إشارة إلى طلبهم لدم عثمان مع كونهم شركاء فيه. روى الطبري في تاريخه أن عليا كان في ماله بخيبر لما أراد الناس حصر عثمان فقدم المدينة و الناس مجتمعون على طلحة في داره فبعث عثمان إليه يشكو أمر طلحة فقال أنا أكفيكه فانطلق إلى دار طلحة و هي مملوءة بالناس فقال له يا طلحة ما هذا الأمر الذي صنعت بعثمان فقال طلحة يا أبا الحسن أبعد أن مس الحزام الطبيين. فانصرف علي ع إلى بيت المال فأمر بفتحه فلم يجدوا المفتاح فكسر الباب و فرق ما فيه على الناس فانصرفوا من عند طلحة حتى بقي وحده فسر عثمان بذلك و جاء طلحة إلى عثمان فقال له يا أمير المؤمنين إني أردت  أمرا فحال الله بيني و بينه و قد جئتك تائبا فقال و الله ما جئت تائبا و لكن جئت مغلوبا الله حسيبك يا طلحة. و روى الطبري أيضا أنه كان لعثمان على طلحة خمسون ألفا فقال له طلحة يوما قد تهيأ مالك فاقبضه فقال هو لك معونة على مروتك فلما حصر عثمان قال علي ع لطلحة أنشدك الله إلا كففت عن عثمان فقال لا و الله حتى تعطي بنو أمية الحق من أنفسها فكان علي بعد ذلك يقول لحا الله ابن الصعبة أعطاه عثمان مثل ما أعطاه و فعل به ما فعل. و روي أن الزبير لما برز لعلي ع يوم الجمل قال له ما حملك يا أبا عبد الله على ما صنعت قال أطلب بدم عثمان فقال له أنت و طلحة وليتماه و إنما توبتك من ذلك أن تقدم نفسك و تسلمها إلى ورثته. و بالجملة فدخولهم في قتل عثمان ظاهر. قوله ع و إن أول عدلهم أي إن العدل الذي يزعمون أنهم يقيمونه في الدم المطلوب ينبغي أن يصنعوه أولا على أنفسهم. قوله و لا أعتذر أي الاعتذار الذي فعلته في وقت قتل عثمان لم يكن على وجه تقصير في الذي يوجب الاعتذار و التبرؤ منه. و قوله ع طالت جلبتها كناية عما ظهر من القوم من تهديدهم و توعدهم بالقتال و انكفت جونتها أي استدار سوادها و اجتمع كناية عن تجمع جماعتهم لما يقصدون. و قوله ع ليعودن توعد لهم بعود ما كانوا عليه من الباطل في الجاهلية و استنفار إلى القتال.

   و قوله ع يا خيبة الداعي خرج مخرج التعجب من عظم خيبة الدعاء إلى قتاله و من دعا و إلى ما أجيب استفهام على سبيل الاستحقار للمدعوين لقتاله و المناصرين إذ كانوا عوام الناس و رعاعهم و للمدعو إليه و هو الباطل الذي دعوا لنصرته. و قوله لو قيل إلى قوله و انقطع لسانه متصلة معناه و لو سأل سائل مجادلا لهؤلاء الدعاة إلى الباطل عما أنكروه من أمري و عن إمامهم الذي به يقتدون و فيمن سنتهم التي إليها يرجعون لشهد لسان حالهم بأني أنا إمامهم و في سنتهم فانزاح باطلهم الذي أتوا به و انقطع لسانه على الاستعارة أو بحذف المضاف أي لسان صاحبه. و قوله و ما أظن عطف على قوله و انقطع لسانه و واضح مبتدأ و فيه خبره و الجملة في محل النصب مفعول ثان لأظن أي ما أظن لو سأل السائل عن ذاك أن الطريق الذي يرتكبه المجيب له فيه مجال بين و مسلك واضح حيث سلك بل كيف توجه في الجواب انقطع و قوله و الله ما تاب إلى قوله فنصروه إشارة إلى عثمان و ذم لهم من جهة طلبهم بدم من اعتذر إليهم قبل موته فلم يعذروه و دعاهم إلى نصرته في حصاره فلم ينصروه مع تمكنهم من ذلك. و قوله و لا يعبون حسوة كناية عن عدم تمكينه لهم من هذا الأمر أو شي‏ء منه. و قوله و إنها لطيبة نفسي بحجة الله عليهم نفسي منصوب بدلا من الضمير المتصل بأن أو بإضمار فعل تفسير له و حجة الله إشارة إلى الأوامر الصادرة بقتل الفئة الباغية كقوله تعالى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي أي إني راض بقيام حجة الله عليهم و علمه بما يصنعون. و قوله و ليس علي كفيل أي لا أحتاج فيما أبذله لهم من الصفح و الأمان على تقدير إنابتهم إلى ضامن و شافيا و ناصرا منصوبان على التميز.  و قوله و مع كل صحيفة الواو للحال أي إنهم إن لم يرجعوا أعطيتهم حد السيف و الملائكة الكرام الكاتبون يكتب كل منهم أعمال من وكل به في صحيفته و يشهد بها في محفل القيامة انتهى. قوله أي ابن ميثم رحمه الله من اعتذر إليهم الظاهر أنه حمل الكلام على الاستفهام الإنكاري و يحتمل وجها آخر بأن يكون المراد نفي توبته و تنصله و اعتذاره و دعوته فيستحق النصرة لكن ما ذكره أوفق بالأخبار و الضمير في أنها يحتمل أن يكون للقصة

41-  أقول قال ابن أبي الحديد روى أبو مخنف عن مسافر بن عفيف بن أبي الأخنس قال لما رجعت رسل علي ع من عند طلحة و الزبير و عائشة يؤذنونه بالحرب قام فحمد الله و أثنى عليه و صلى على رسوله ثم قال أيها الناس إني قد راقبت هؤلاء القوم كي يرعووا أو يرجعوا و وبختهم بنكثهم و عرفتهم بغيهم فلم يستجيبوا و قد بعثوا إلي أن أبرز للطعان و أصبر للجلاد إنما تمنيك نفسك أماني الباطل و تعدك الغرور أ لا هبلتهم الهبول لقد كنت و ما أهدد بالحرب و لا أرهب بالضرب و لقد أنصف القارة من راماها فليرعدوا و ليبرقوا فقد رأوني قديما و عرفوا نكايتي فقد رأوني أنا أبو الحسن الذي فللت حد المشركين و فرقت جماعتهم و بذلك القلب ألقى عدوي اليوم و إني لعلى ما وعدني ربي من النصر و التأييد و على يقين من أمري و في غير شبهة من ديني أيها الناس إن الموت لا يفوته المقيم و لا يعجزه الهارب ليس عن الموت محيد  و لا محيص من لم يقتل مات و إن أفضل الموت القتل و الذي نفس علي بيده لألف ضربة بالسيف أهون من موتة واحدة على الفراش اللهم إن طلحة نكث بيعتي و ألب على عثمان حتى قتله ثم عضهني به و رماني اللهم فلا تمهله اللهم إن الزبير قطع رحمي و نكث بيعتي و ظاهر علي عدوي فاكفنيه اليوم بما شئت

42-  قال و روى أبو الحسن المدائني عن عبد الله بن جنادة قال قدمت من الحجاز أريد العراق في أول إمارة علي فمررت بمكة فاعتمرت ثم قدمت المدينة فدخلت مسجد رسول الله ص إذا نودي الصلاة جامعة فاجتمع الناس و خرج علي ع متقلدا سيفه فشخصت الأبصار نحوه فحمد الله و أثنى عليه و صلى على رسوله ثم قال أما بعد فإنه لما قبض الله نبيه قلنا نحن أهله و ورثته و عترته و أولياؤه دون الناس لا ينازعنا سلطانه أحد و لا يطمع في حقنا طامع إذا تنزى لنا قومنا فغصبونا سلطان نبينا فصارت الإمرة لغيرنا و صرنا سوقة يطمع فينا الضعيف و يتعزز علينا الذليل فبكت الأعين منا لذلك و خشنت الصدور و جزعت النفوس و ايم الله لو لا مخافة الفرقة بين المسلمين و أن يعود الكفر و يبور الدين لكنا على غير ما كنا لهم عليه فولي الأمر ولاة لم يألوا الناس خيرا ثم استخرجتموني أيها الناس من بيتي فبايعتموني على شنإ مني لأمركم و فراسة تصدقني عما في قلوب كثير منكم و بايعني هذان الرجلان في أول من بايع تعلمون ذلك و قد نكثا و غدرا و نهضا إلى البصرة بعائشة ليفرقا جماعتكم و يلقيا بأسكم بينكم اللهم فخذهما بما عملا أخذة رابية و لا تنعش لهما صرعة و لا تقلهما عثرة و لا تمهلهما فواقا فإنهما يطلبان حقا تركاه و دما سفكاه  اللهم إني اقتضيتك وعدك فإنك قلت و قولك الحق لمن بغي عليه لينصرنه الله اللهم فأنجز لي موعدي و لا تكلني إلى نفسي إنك على كل شي‏ء قدير ثم نزل

43-  و روى الكلبي قال لما أراد علي ع المسير إلى البصرة قام فخطب الناس فقال بعد أن حمد الله و صلى على رسوله إن الله لما قبض نبيه استأثرت علينا قريش بالأمر و دفعتنا عن حق نحن أحق به من الناس كافة فرأيت أن الصبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين و سفك دمائهم و الناس حديثو عهد بالإسلام و الدين يمخض مخض الوطب يفسده أدنى وهن و يعكسه أقل خلق فولي الأمر قوم لم يألوا في أمرهم اجتهادا ثم انتقلوا إلى دار الجزاء و الله ولي تمحيص سيئاتهم و العفو عن هفواتهم فما بال طلحة و الزبير و ليسا من هذا الأمر بسبيل لم يصبرا علي حولا و لا شهرا حتى وثبا و مرقا و نازعاني أمرا لم يجعل الله لهما إليه سبيلا بعد أن بايعا طائعين غير مكرهين يرتضعان أما قد فطمت و يحييان بدعة قد أميتت أ دم عثمان زعما يطالبان و الله ما التبعة إلا عندهم و فيهم و إن أعظم حجتهم لعلى أنفسهم و أنا راض بحجة الله عليهم و علمه فيهم فإن فاءا و أنابا فحظهما أحرزا و أنفسهما غنما و أعظم بها غنيمة و إن أبيا أعطيتهما حد السيف و كفى به ناصرا لحق و شافيا من باطل ثم نزل

44-  و روى أبو مخنف عن زيد بن صوحان قال شهدت عليا ع بذي قار و هو معتم بعمامة سوداء ملتف بساج يخطب فقال في خطبته الحمد لله على كل أمر و حال في الغدو و الآصال و أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله ابتعثه رحمة للعباد و حياه للبلاد حين امتلأت الأرض فتنة و اضطرب حبلها و عبد الشيطان في أكنافها و اشتمل عدو الله إبليس على عقائد أهلها فكان محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الذي أطفأها الله به نيرانها  و أخمد به شرارها و نزع به أوتادها و أقام به ميلها إمام الهدى و النبي المصطفى ص فلقد صدع بما أمره به و بلغ رسالات ربه فأصلح الله به ذات البين و آمن به السبل و حقن به الدماء و ألف به بين ذوي الضغائن الواغرة في الصدور حتى أتاه اليقين ثم قبضه الله إليه حميدا ثم استخلف الناس أبا بكر فلم يأل جهده ثم استخلف أبو بكر عمر فلم يأل جهده ثم استخلف الناس عثمان فنال منكم و نلتم منه حتى إذا كان من أمره ما كان أتيتموني لتبايعوني فقلت لا حاجة في ذلك و دخلت منزلي فاستخرجتموني فقبضت يدي فبسطتموها و تداككتم علي حتى ظننت أنكم قاتلي و أن بعضكم قاتل بعض فبايعتموني و أنا غير مسرور بذلك و لا جذل و قد علم الله سبحانه أني كنت كارها للحكومة بين أمة محمد ص و لقد سمعته ص يقول ما من وال يلي شيئا من أمر أمتي إلا أتي به يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه على رءوس الخلائق ثم ينشر كتابه فإن كان عادلا نجا و إن كان جائرا هوى حتى اجتمع علي ملاؤكم و بايعني طلحة و الزبير و أنا أعرف الغدر في أوجههما و النكث في أعينهما ثم استأذناني في العمرة فأعلمتهما أن ليسا العمرة يريدان فسارا إلى مكة و استخفا عائشة و خدعاها و شخص معهما أبناء الطلقاء فقدموا البصرة فقتلوا بها المسلمين و فعلوا المنكر و يا عجبا لاستقامتهما لأبي بكر و عمر و بغيهما علي و هما يعلمان أني لست دون أحدهما و لو شئت أن أقول لقلت و لقد كان معاوية كتب إليهما من الشام كتابا يخدعهما فيه فكتماه عني و خرجا يوهمان الطغام و الأعراب أنهما يطلبان بدم عثمان و الله ما أنكرا علي منكرا و لا جعلا بيني و بينهم نصفا و إن دم عثمان لمعصوب بهما و مطلوب منهما يا خيبة الداعي إلى م دعا و بما ذا أجيب و الله إنهما لعلى ضلالة صماء و جهالة عمياء و إن الشيطان قد ذمر لهما حزبه و استجلب منهما خيله و رجله ليعيد الجور إلى أوطانه و يرد الباطل إلى نصابه  ثم رفع يديه فقال اللهم إن طلحة و الزبير قطعاني و ظلماني و ألبا علي و نكثا بيعتي فاحلل ما عقدا و انكث ما أبرما و لا تغفر لهما أبدا و أرهما المساءة فيما عملا و أملا قال أبو مخنف فقام إليه الأشتر فقال الحمد لله الذي من علينا فأفضل و أحسن إلينا فأجمل قد سمعنا كلامك يا أمير المؤمنين و لقد أصبت و وفقت و أنت ابن عم نبينا و صهره و وصيه و أول مصدق به و مصل معه شهدت مشاهده كلها فكان لك الفضل فيها على جميع الأمة فمن اتبعك أصاب حظه و استبشر بفلجه و من عصاك و رغب عنك فإلى أمه الهاوية لعمري يا أمير المؤمنين ما أمر طلحة و الزبير و عائشة علينا بمخيل و لقد دخل الرجلان فيما دخلا فيه و فارقا على غير حدث أحدثت و لا جور صنعت فإن زعما أنهما يطلبان بدم عثمان فليقيدا من أنفسهما فإنهما أول من ألب عليه و أغرى الناس بدمه و أشهد الله لئن لم يدخلا فيما خرجا منه لنلحقنهما بعثمان فإن سيوفنا في عوائقنا و قلوبنا في صدورنا و نحن اليوم كما كنا أمس ثم قعد

 توضيح ارعوى عن القبيح أي كف و قال الجوهري القارة قبيلة سموا قارة لاجتماعهم و التقافهم لما أراد ابن الشداخ أن يفرقهم في بني كنانة و هم رماه و في المثل أنصف القارة من راماها و قال الجوهري نكيت في العدو نكاية إذا قتلت فيهم و جرحت و قال عضهه عضها رماه بالبهتان و قال التنزي التوثب و التسرع و في بعض النسخ إذا انبرى أي اعترض و هو أصوب و السوقة خلاف الملك قوله ع لم يألوا الناس خيرا فيه تقية و مصلحة قال الجوهري ألا يألوا من باب دعا أي قصر و فلان لا يألوك نصحا أي لا يقصر في نصحك. و قال قال الفراء في قوله تعالى أَخْذَةً رابِيَةً أي زائدة كقولك أربيت إذا أخذت أكثر مما أعطيت و قال الفواق ما بين الحلبتين من الوقت لأنهما تحلب ثم تترك سويعة يرضعها الفصيل لتدر ثم تحلب يقال ما أقام عنده إلا فواقا قوله ع لمن بغي عليه أي قال في حق من بغي عليه و المقول لينصرنه الله و الآية هكذا وَ مَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ  بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ و الوطب بالفتح الزق الذي يكون فيه السمن و اللبن. و المراد بالخلق إما قدم اللبن و مضي زمان عليه أو خلق الزق فإنه يفسد اللبن و أعظم بها للتعجب أي ما أعظمها و الجذل بالتحريك الفرح لمعصوب بهما أي مشدود عليهما

45-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى أبي موسى الأشعري و هو عامله على الكوفة و قد بلغه تثبيطه الناس عن الخروج إليه لما ندبهم لحرب أصحاب الجمل من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس أما بعد فقد بلغني عنك قول هو لك و عليك فإذا قدم عليك رسولي فارفع ذيلك و اشدد مئزرك و اخرج من جحرك و اندب من معك فإن حققت فانفذ و إن تفشلت فأبعد و ايم الله لتؤتين حيث أنت و لا تترك حتى تخلط زبدك بخاثرك و ذائبك بجامدك و حتى تعجل عن قعدتك و تحذر من أمامك كحذرك من خلفك و ما هي بالهوينا التي ترجو و لكنها الداهية الكبرى يركب جملها و يذل صعبها و يسهل جبلها فاعقل عقلك و أملك أمرك و خذ نصيبك و حظك فإن كرهت فتنح إلى غير رحب و لا في نجاة فبالحري لتكفين و أنت نائم حتى لا يقال أين فلان و الله إنه لحق مع محق و ما يبالي ما صنع الملحدون و السلام

 بيان هو لك و عليك قال ابن أبي الحديد فإن أبا موسى كان يقول لأهل الكوفة إن عليا إمام هدى و بيعته صحيحة إلا أنه لا يجوز القتال معه لأهل القبلة انتهى. و أقول كون هذا الكلام له و عليه لاشتماله على الحق و الباطل و الحق ينفعه و الباطل يضره أو ظاهر الكلام له تستحسنه العوام و باطنه حجة عليه إذ بعد  الإقرار بصحة البيعة لا مجال للأمر بالمخالفة أو ظن أن هذا الكلام ينفعه و في الواقع يضره أو ينفعه في الدنيا و يضره في العقبى. و الأمر برفع الذيل و شد المئزر كنايتان عن الاهتمام في الأمر و الخروج من الجحر استهانة به حيث جعله ثعلبا أو ضبعا و الجحر بالضم كل شي‏ء تحفره السباع و الهوام لأنفسها قوله ع فإن حققت أي أمرك مبني على الشك فإن حققت لزوم طاعتي فانفذ أي فسر حتى تقدم علي و إن أقمت على الشك فاعتزل العمل أو إن أنكرت الطاعة فأظهر إنكارك و اعمل بمقتضاه. و الخاثر اللبن الغليظ و الزبد خلاصة اللبن و صفوته يقال للرجل إذا ضرب حتى أثخن ضرب حتى خلط زبده بخاثره و ذائبه بجامده كأنه خلط ما رق و لطف من أخلاطه بما كثف و غلظ منها و هذا مثل و معناه ليفسدن حالك و ليضطربن ما هو الآن منتظم من أمرك و القعدة بالكسر هيئة القعود كالحلبة و الركبة. قوله و تحذر من أمامك قيل كناية عن غاية الخوف و إنما جعل ع خوفا و قيل حتى تخاف من الدنيا كما تخاف من الآخرة و يحتمل أن يكون المعنى حتى تحذر من هذا الأمر الذي أقبلت إليه و أقدمت عليه و هو تثبيط الناس عن الجهاد كما تحذر مما خلفته وراء ظهرك و لم تقدم عليه و هو الجهاد. و قال ابن أبي الحديد أي يأتيكم أهل البصرة مع طلحة و نأتيكم بأهل المدينة و الحجاز فيجتمع عليكم سيفان من أمامكم و من خلفكم. و قال في قوله ع و ما بالهوينا أي ليست هذه الداهية بالشي‏ء الهين الذي ترجو اندفاعه بسهولة فإن قصد الجيوش الكوفة من كلا الجانبين أمر صعب المرام فإنه ليركبن أهل الحجاز و أهل البصرة هذا الأمر المستصعب لأنا نحن نطلب أن نملك الكوفة و أهل البصرة كذلك فيجتمع عليها الفريقان.  و قال ابن الأثير في النهاية الهون الرفق و اللين و التثبت و الهوينا تصغير الهونى تأنيث الأهون. و قوله فاعقل عقلك يحتمل المصدر و قيل هو مفعول به و خذ نصيبك و حظك أي من طاعة الإمام و ثواب الله و قيل أي لا تتجاوز إلى ما ليس لك فإن كرهت فتنح أي عن العمل فإني قد عزلتك إلى غير رحب أي سعة بل يضيق عليك الأمر بعده و قال في النهاية بالحري أن يكون كذا أي جدير. و قال ابن أبي الحديد أي جدير أن تكفي هذه المئونة التي دعيت إليها و أنت نائم أي لست معدودا عندنا و عند الناس من الرجال الذين يفتقر الحرب و التدبيرات إليهم فسيغني الله عنك و لا يقال أين فلان

46-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى بعض أمراء جيشه فإن عادوا إلى ظل الطاعة فذاك الذي نحب و إن توافت الأمور بالقوم إلى الشقاق و العصيان فانهد بمن أطاعك إلى من عصاك و استغن بمن انقاد معك عمن تقاعس عنك فإن المتكاره مغيبه خير من شهوده و قعوده أغنى من نهوضه

 توضيح قال ابن ميثم روي أن الأمير الذي كتب إليه عثمان بن حنيف عامله على البصرة و ذلك حين انتهت أصحاب الجمل إليها و عزموا على الحرب فكتب عثمان إليه يخبره بحالهم فكتب ع إليه كتابا فيه الفصل المذكور. و إن توافت الأمور أي تتابعت بهم المقادير و أسباب الشقاق و العصيان إليهما و يقال نهد القوم إلى عدوهم إذا صمدوا له و شرعوا في قتالهم  و تقاعس أبطأ و تأخر و المتكاره من يظهر الكراهة و لا يطيع بقلبه و النهوض القيام

47-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرة أما بعد فإني خرجت من حيي هذا إما ظالما و إما مظلوما و إما باغيا و إما مبغيا عليه و أنا أذكر الله من بلغه كتابي هذا لما نفر إلي فإن كنت محسنا أعانني و إن كنت مسيئا استعتبني

 بيان لما نفر بالتشديد بمعنى إلا أي أذكره في كل وقت إلا وقت النفور كقولهم سألتك لما فعلت. و في بعض النسخ بالتخفيف فكلمة ما زائدة كما قيل في قوله تعالى لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ فإنه قرئ بالتخفيف و التشديد معا و الاستعتاب طلب العتبى و هو الرجوع

48-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ أحمد بن محمد بن الصلت عن ابن عقدة عن جعفر بن عبد الله العلوي عن عمه القاسم بن جعفر عن عبد الله بن محمد العلوي عن أبيه عن عبد الله بن أبي بكر عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلم قال حدثني عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري قال سماني رسول الله ص عبد الرحمن قال لما بلغ عليا مسير طلحة و الزبير خطب الناس فحمد الله و أثنى عليه و صلى على النبي ص ثم قال  أما بعد فقد بلغني مسير هذين الرجلين و استخفافهما حبيس رسول الله ص و استفزازهما أبناء الطلقاء و تلبيسهما على الناس بدم عثمان و هما ألبا عليه و فعلا به الأفاعيل و خرجا ليضربا الناس بعضهم ببعض اللهم فاكف المسلمين مئونتهما و اجزهما الجوازي و حض الناس على الخروج في طلبهما فقام إليه أبو مسعود عقبة بن عمرو فقال يا أمير المؤمنين إن الذي يفوتك من الصلاة في مسجد رسول الله ص و مجلسك فيما بين قبره و منبره أعظم مما ترجو من الشام و العراق فإن كنت إنما تسير لحرب فقد أقام عمر و كفاه سعد زحف القادسية و كفاه حذيفة بن اليمان زحف نهاوند و كفاه أبو موسى زحف تستر و كفاه خالد بن الوليد زحف الشام فإن كنت سائرا فخلف عندنا شقة منك نرعاه فيك و نذكرك به ثم قال أبو مسعود

بكت الأرض و السماء على الشاخص منا يريد أهل العراق‏يا وزير النبي قد عظم الخطب و طعم الفراق مر المذاق‏و إذا القوم خاصموك فقوم ناكسو الطرف خاضعوا الأعناق‏لا يقولون إذ تقول و إن قلت فقول المبرز السباق‏فعيون الحجار تذرف بالدمع و تلك القلوب عند التراقي‏فعليك السلام ما ذرت به الشمس و لاح السراب بالرقراق

فقال قيس بن سعد يا أمير المؤمنين ما على الأرض أحد أحب إلينا أن يقيم فينا منك لأنك نجمنا الذي نهتدي به و مفزعنا الذي نصير إليه و إن فقدناك لتظلمن أرضنا و سماؤنا و لكن و الله لو خليت معاوية للمكر ليرومن مصر و ليفسدن اليمن و ليطمعن في العراق و معه قوم يمانيون قد أشربوا قتل عثمان و قد اكتفوا بالظن عن العلم و بالشك عن اليقين و بالهوى عن الخير فسر بأهل الحجاز و أهل العراق ثم ارمه بأمر يضيق فيه خناقه و يقصر له من نفسه فقال أحسنت و الله يا قيس و أجملت

 و كتبت أم الفضل بنت الحارث إلى علي ع تخبره بمسير عائشة  و طلحة و الزبير فأزمع المسير فبلغه تثاقل سعد و أسامة بن زيد و محمد بن مسلمة فقال سعد لا أشهر سيفا حتى يعرف المؤمن من الكافر و قال أسامة لا أقاتل رجلا يقول لا إله إلا الله و لو كنت في زبية الأسد لدخلت فيه معك و قال محمد بن مسلمة أعطاني رسول الله ص سيفا و قال إذا اختلف المسلمون فاضرب به عرض أحد و الزم بيتك و تخلف عنه عبد الله بن عمر فقال عمار بن ياسر دع القوم أما عبد الله فضعيف و أما سعد فحسود و أما محمد بن مسلمة فذنبك إليه أنك قتلت بأخيه مرحبا ثم قال عمار لمحمد بن مسلمة أ ما تقاتل المحاربين فو الله لو مال علي جانبا لملت مع علي و قال كعب بن مالك يا أمير المؤمنين إنه بلغك عنا معشر الأنصار ما لو كان غيرنا لم يقم معك و الله ما كل ما رأينا حلالا حلال و لا كل ما رأينا حراما حرام و في الناس من هو أعلم بعذر عثمان ممن قتله و أنت أعلم بحالنا منا فإن كان قتل ظالما قبلنا قولك و إن كان قتل مظلوما فاقبل قولنا فإن وكلتنا فيه إلى شبهة فعجب ليقيننا و شكك و قد قلت لنا عندي نقض ما اجتمعوا عليه و فصل ما اختلفوا فيه و قال

كان أولى أهل المدينة بالنصر علي وال عبد مناف‏للذي في يديه من حرم الله و قرب الولاء بعد التصافي

  و كان كعب بن مالك من شيعة عثمان و قام الأشتر إلى علي ع فكلمه بكلام يحضه على أهل الوقوف فكره ذلك علي ع حتى شكاه و كان من رأى علي ع أن لا يذكرهم بشي‏ء فقال الأشتر يا أمير المؤمنين إنا و إن لم نكن من المهاجرين و الأنصار فإنا فيهم و هذه بيعة عامة و الخارج منها عاص و المبطئ عنها مقصر و إن أدبهم اليوم باللسان و غدا بالسيف و ما من ثقل عنك كمن خف معك و إنما أرادك القوم لأنفسهم فأردهم لنفسك فقال علي ع يا مالك دعني و أقبل علي ع عليهم فقال أ رأيتم لو أن من بايع أبا بكر أو عمر أو عثمان ثم نكث بيعته أ كنتم تستحلون قتالهم قالوا نعم قال و كيف تحرجون من القتال معي و قد بايعتموني قالوا إنا لا نزعم أنك مخطئ و أنه لا يحل لك قتال من بايعك ثم نكث بيعتك و لكن نشك في قتال أهل الصلاة فقال الأشتر دعني يا أمير المؤمنين أوقع بهؤلاء الذين يتخلفون عنك فقال له كف عني فانصرف الأشتر و هو مغضب ثم إن قيس بن سعد لقي مالكا الأشتر في نفر من المهاجرين و الأنصار فقال قيس للأشتر يا مالك كلما ضاق صدرك بشي‏ء أخرجته و كلما استبطأت أمرا استعجلته إن أدب الصبر التسليم و أدب العجلة الأناة و إن شر القول ما ضاهى العيب و شر الرأي ما ضاهى التهمة فإذا ابتليت فاسأل و إذا أمرت فأطع و لا تسأل قبل البلاء و لا تكلف قبل أن ينزل الأمر فإن في أنفسنا ما في نفسك فلا تشق على صاحبك فغضب الأشتر ثم إن الأنصار مشوا إلى الأشتر في ذلك فرضوه من غضبه فرضي فلما هم علي ع بالشخوص قام أبو أيوب خالد بن زيد صاحب منزل رسول الله ص فقال يا أمير المؤمنين إن أقمت بهذه البلدة فإنها مهاجر رسول الله ص و بها قبره و منبره فإن  استقامت لك العرب كنت كمن كان قبلك و إن وكلت إلى المسير فقد أعذرت فأجابه ع بعذرة في المسير ثم خرج لما سمع توجه طلحة و الزبير إلى البصرة و تمكث حتى عظم جيشه و أغذ السير في طلبهم فجعلوا لا يرتحلون من منزل إلا نزله حتى نزل بذي قار فقال و الله إنه ليحزنني أن أدخل على هؤلاء في قلة من معي فأرسل إلى الكوفة الحسن بن علي ع و عمار بن ياسر و قيس بن سعد و كتب إليهم كتابا فقدموا الكوفة فخطب الناس الحسن بن علي ع فحمد الله و أثنى عليه و ذكر عليا و سابقته في الإسلام و بيعة الناس له و خلاف من خالفه ثم أمر بكتاب علي ع فقرئ عليهم بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني أخبركم عن أمر عثمان حتى يكون سمعه عيانه إن الناس طعنوا عليه و كنت رجلا من المهاجرين أكثر استعتابه و أقل عيبه و كان هذان الرجلان أهون سيرهما فيه الوجيف و قد كان من أمر عائشة فلتة على غضب فأتيح له قوم فقتلوه ثم إن الناس بايعوني غير مستكرهين و كان هذان الرجلان أول من فعل على ما بويع عليه من كان قبلي ثم إنهما استأذناني في العمرة و ليسا يريدانها فنقضا العهد و آذنا بحرب و أخرجا عائشة من بيتها ليتخذانها فئة و قد سارا إلى البصرة اختيارا لها و قد سرت إليكم اختيارا لكم و لعمري ما إياي تجيبون ما تجيبون إلا الله و رسوله و لن أقاتلهم و في نفسي منهم حاجة و قد بعثت إليكم بالحسن بن علي و عمار بن ياسر و قيس بن سعد

  مستنفرين فكونوا عند ظني بكم و لا حول و لا قوة إلا بالله فلما قرئ الكتاب على الناس قام خطباء الكوفة شريح بن هاني و غيره فقالوا و الله لقد أردنا أن نركب إلى المدينة حتى نعلم علم عثمان فقد أنبأنا الله به في بيوتنا ثم بذلوا السمع و الطاعة و قالوا رضينا بأمير المؤمنين و نطيع أمره و لا نتخلف عن دعوته و الله لو لم يستنصرنا لنصرناه سمعا و طاعة فلما سمع الحسن بن علي ع ذلك قام خطيبا فقال أيها الناس إنه قد كان من أمير المؤمنين علي ما تكفيكم جملته و قد أتيناكم مستنفرين لكم لأنكم جبهة الأمصار و رؤساء العرب و قد كان من نقض طلحة و الزبير بيعتهما و خروجهما بعائشة ما قد بلغكم و هو ضعف النساء و ضعف رأيهن و قد قال الله تعالى الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ و ايم الله لو لم ينصره أحد لرجوت أن يكون له فيمن أقبل معه من المهاجرين و الأنصار و من يبعث الله له من نجباء الناس كفاية فانصروا الله ينصركم ثم جلس و قام عمار بن ياسر فقال يا أهل الكوفة إن كانت غابت عنكم أبداننا فقد انتهت إليكم أمورنا إن قاتلي عثمان لا يعتذرون إلى الناس و قد جعلوا كتاب الله بينهم و بين محاجيهم أحيا من أحيا و قتل من قتل و إن طلحة و الزبير أول من طعن و آخر من أمر ثم بايعا أول من بايع فلما أخطأهما ما أملا نكثا بيعتهما على غير حدث كان و هذا ابن الرسول يستنفركم في المهاجرين و الأنصار فانصروا ينصركم الله و قام قيس بن سعد فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أيها الناس إن هذا الأمر لو استقبلنا به الشورى لكان علي أحق الناس به في سابقته و هجرته و علمه و كان قتال من أبى ذلك حلالا و كيف و الحجة قامت على طلحة و الزبير و قد بايعاه و خلعاه حسدا  فقام خطباؤهم فأسرعوا الرد بالإجابة فقال النجاشي في ذلك

رضينا بقسم الله إذ كان قسمنا علي و أبناء النبي محمدو قلنا له أهلا و سهلا و مرحبا نقبل يديه من هوى و توددفمرنا بما ترضى نجبك إلى الرضا بصم العوالي و الصفيح المهندو تسويد من سودت غير مدافع و إن كان من سودت غير مسودفإن نلت ما تهوى فذاك نريده و إن تخط ما تهوى فغير تعمد

و قال قيس بن سعد حين أجاب أهل الكوفة

جزى الله أهل الكوفة اليوم نصرة أجابوا و لم يأتوا بخذلان من خذل‏و قالوا علي خير حاف و ناعل رضينا به من ناقض العهد من بدل‏هما أبرزا زوج النبي تعمدا يسوق بها الحادي المنيخ على جمل‏فما هكذا كانت وصاة نبيكم و ما هكذا الإنصاف أعظم بذا المثل‏فهل بعد هذا من مقال لقائل إلا قبح الله الأماني و العلل

فلما فرغ الخطباء و أجاب الناس قام أبو موسى فخطب الناس و أمرهم بوضع السلاح و الكف عن القتال ثم قال أما بعد فإن الله حرم علينا دماءنا و أموالنا فقال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ... وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً و قال وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها يا أهل الكوفة

 هذا تمام الحديث. بيان شقة الثوب و العصا بالكسر ما شق منه مستطيلا و لعلها كناية استعيرت هنا للأولاد و ترقرق تحرك و الشي‏ء لمع و الشمس صارت كأنها تدور. قوله ع في نفسي منهم حاجة أي لا أعلمهم مسلمين و لا أنتظر رجوعهم و عالية الرمح ما دخل في السنان إلى ثلثه و الصفيحة السيف العريض و المهند السيف المطبوع من حديد الهند

   -49  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلام له ع قال لعبد الله بن العباس لما أنفذه إلى الزبير يستفيئه إلى طاعته قبل حرب الجمل لا تلقين طلحة فإنك إن تلقه تجده كالثور عاقصا قرنه يركب الصعب و يقول هو الذلول و لكن الق الزبير فإنه ألين عريكة فقل له يقول لك ابن خالك عرفتني بالحجاز و أنكرتني بالعراق فما عدا مما بدا

 قال السيد رضي الله عنه هو ع أول من سمعت منه هذه الكلمة أعني فما عدا مما بدا. بيان يستفيئه أي يسترجعه إن تلقه تجده و في رواية إن تلفه تلفه بالفاء أي تجده عاقصا أي عاطفا قد التوى قرناه على أذنيه يقال عقص شعره أي ضفره و فتله و الأعقص من التيوس و غيرها ما التوى قرناه على أذنيه من خلفه و عاقصا إما مفعول ثان لتجده أو حال عن الثور يركب الصعب أي يستهين المستصعب من الأمور و العريكة الطبيعة. و التعبير بابن الخال كقول هارون لموسى يا ابن أم للاستمالة بالإذكار بالنسب و الرحم. قوله ع فما عدا مما بدا قال ابن أبي الحديد معنى الكلام فما صرفك فما بدا منك أي ظهر أي ما الذي صدك عن طاعتي بعد إظهارك لها و من هاهنا بمعنى عن و قد جاءت في كثير من كلامهم و حذف ضمير المفعول كثير جدا. و قال الراوندي له معنيان أحدهما ما الذي منعك مما كان قد بدا منك من البيعة قبل هذه الحالة الثاني ما الذي عاقك من البداء الذي يبدو  للإنسان و يكون المفعول الأول لعدا محذوفا يدل عليه الكلام أي ما عداك يريد ما منعك عما كان بدا لك من نصرتي. و قال ابن ميثم أقول هذه الوجوه و إن احتملت أن تكون تفسيرا إلا أن في كل منها عدولا عن الظاهر و الحق أن يقال إن عدا بمعنى جاوز و من لبيان الجنس و المراد ما الذي جاوز لك عن بيعتي مما بدا لك بعدها من الأمور التي ظهرت لك و تبقى الألفاظ على أوضاعها الأصلية مع استقامة المعنى و حسنه.

 و روي عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن جده ع قال سألت ابن عباس عن تلك الرسالة فقال بعثني فأتيت الزبير فقلت له فقال إني أريد ما تريد كأنه يقول الملك و لم يزدني على ذلك فرجعت إلى أمير المؤمنين فأخبرته

50-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من خطبة له ع عند خروجه لقتال أهل البصرة قال عبد الله بن العباس دخلت على أمير المؤمنين بذي قار و هو يخصف نعله فقال لي ما قيمة هذه النعل فقلت لا قيمة لها قال و الله لهي أحب إلي من إمرتكم إلا أن أقيم حقا أو أدفع باطلا ثم خرج فخطب الناس فقال إن الله سبحانه بعث محمدا صلى الله عليه و آله و ليس أحد من العرب يقرأ كتابا و لا يدعي نبوة فساق الناس حتى بوأهم محلتهم و بلغهم منجاتهم فاستقامت قناتهم و اطمأنت صفاتهم أما و الله إن كنت لفي ساقتها حتى تولت بحذافيرها ما عجزت و لا جبنت و إن مسيري هذا لمثلها فلأنقبن الباطل حتى يخرج الحق من جنبه ما لي و لقريش و الله لقد قاتلتهم كافرين و لأقاتلنهم مفتونين و إني لصاحبهم بالأمس كما أنا صاحبهم اليوم

   بيان ذو قار موضع قريب من البصرة حتى بوأهم أي أسكنهم محلتهم أي ضرب الناس بسيفه على الإسلام حتى أوصلهم إليه. و قال ابن ميثم المراد بالقناة القوة و الغلبة و الدولة التي حصلت لهم مجازا من باب إطلاق السبب على المسبب فإن الرمح أو الظهر سبب للقوة و الغلبة و الصفاة الحجارة الملساء أي كانوا قبل الإسلام متزلزلين في أحوالهم بالنهب و الغارة و أمثالها. إن كنت لفي ساقتها هي جمع سائق كحائك و حاكة ثم استعملت للأخير لأن السائق إنما يكون في آخر الركب و الجيش و شبه أمر الجاهلية إما بعجاجة ثائرة أو بكتيبة مقبلة للحرب فقال إني طردتها فولت بين يدي أطردها حتى لم يبق منها شي‏ء لمثلها أي لمثل تلك الحالة التي كنت عليها معهم في زمن الرسول ص فلأنقبن و في بعض النسخ لأبقرن الباطل حتى أخرج الحق من خاصرته شبه ع الباطل بحيوان ابتلع جوهرا ثمينا أعن منه فاحتيج إلى شق بطنه في استخلاص ما ابتلع. و في نسخة ابن أبي الحديد بعد قوله ع صاحبهم اليوم و الله ما تنقم منا قريش إلا أن الله اختارنا عليهم فأدخلناهم في حيزنا كما قال الأول أدمت لعمري شربك المحض صابحا. و أكلك بالزبد المقشرة البجرا. و نحن وهبناك العلاء و لم تكن. عليا و حطنا حولك الجرد و السمرا. أقول المقشرة التمرة التي أخرج منها نواتها و البجر بالضم الأمر العظيم و العجب و لعله هنا كناية عن الكثرة أو الحسن أو اللطافة و يحتمل أن يكون مكان المفعول المطلق يقال بجر كفرح فهو بجر امتلأ بطنه من اللبن و الماء و لم يرو و تبجر النبيذ ألح في شربه و كثير بجير إتباع و الجرد بالضم جمع الأجرد و هو الفرس الذي رقت شعرته و قصرت و هو مدح و السمر جمع الأسمر و هو الرمح

   -51  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلام له ع في معنى طلحة و الزبير و الله ما أنكروا علي منكرا و لا جعلوا بيني و بينهم نصفا و إنهم ليطلبون حقا تركوه و دما سفكوه فإن كنت شريكهم فيه فإن لهم نصيبهم منه و إن كانوا ولوه دوني فما الطلبة إلا قبلهم و إن أول عدلهم للحكم على أنفسهم و إن معي لبصيرتي و الله ما لبست و لا لبس علي و إنها للفئة الباغية فيها الحماء و الحمة و الشبهة المغدفة و إن الأمر لواضح و قد زاح الباطل عن نصابه و انقطع لسانه عن شغبه و ايم الله لأفرطن لهم حوضا أنا ماتحه لا يصدرون عنه بري و لا يعبون بعده في حسي

 و منها فأقبلتم إلى إقبال العوذ المطافيل على أولادها تقولون البيعة البيعة قبضت كفي فبسطتموها و نازعتكم يدي فجاذبتموها اللهم إنهما قطعاني و ظلماني و نكثا بيعتي و ألبا الناس علي فاحلل ما عقدا و لا تحكم لهما ما أبرما و أرهما المساءة فيما أملا و عملا و لقد استثبتهما قبل القتال و استأنيت بهما أمام الوقاع فغمطا النعمة و ردا العافية

 تبيين النصف بالكسر و التحريك الإنصاف و العدل أي إنصافا أو حكما ذا إنصاف و يقال ولي أمرا أي قام به و الطلبة بكسر اللام ما طلبته من شي‏ء و قال في النهاية لبست الأمر بالفتح إذا خلطت بعضه ببعض و ربما شدد للتكثير. و قال ابن أبي الحديد الحماء الطين الأسود و حمة العقرب سمها أي في هذه الفئة الضلال و الفساد و يروى الحمى بألف مقصورة و هو كناية عن الزبير  لأن كل من كان نسيب الرجل فهم الأحماء واحدهم حمى مثل قفا و أقفاء و ما كان نسيب المرأة فهم الأختان فأما الأصهار فيجمع الجهتين و كان الزبير ابن عمة رسول الله ص و قد كان النبي صلى الله عليه و آله أعلم عليا بأن فئة تبغي عليه في أيام خلافته فيها بعض زوجاته و بعض أحمائه فكنى ع عن الزوجة بالحمة و هي سم للعقرب و الحماء يضرب مثلا لغير الطيب الغير الصافي. و قال ابن ميثم المغدفة الخفية و أصله المرأة تغدف وجهها أي تستره و روي المغذفة بكسر الذال من أغذف أي أظلم و هي إشارة إلى شبهتهم في الطلب بدم عثمان و قد زاح الباطل أي بعد و ذهب عن نصابه أي مركزه و مقره و الشغب بالتسكين تهييج الشر و قد يحرك و العب الشرب بلا مص و الحسي ماء كامن في رمل يحفر عنه فيستخرج و يكون باردا عذبا و هذه كناية عن الحرب و الهيجاء و تهديد بهما و ما يتعقبهما من القتل و الهلاك. و قال الجوهري العوذ حديثات النتائج من الظباء و الخيل و الإبل واحدها عائد مثل حائل و حول و ذلك إذا ولدت عشرة أيام أو خمسة عشر يوما ثم هي مطفل. و في القاموس المطفل كمحسن ذات الطفل من الأنس و الوحش و الجمع مطافيل. و قيل إن في الجمع بين الوصفين تجوز و على ما في القاموس لا يحتاج إلى ذلك و ألبا بتشديد اللام من التأليب و هو التحريض قوله و استثبتهما استفعال من ثاب يثوب إذا رجع أي طلبت منهما أن يرجعا و روي بالتاء المثناة من التوبة و استأنيت أي انتظرت من الإناءة فغمطا بالكسر أي حقرا

   -52  نهج، ]نهج البلاغة[ و من خطبة له ع في ذكر أهل البصرة كل واحد منهما يرجو الأمر له و يعطفه عليه دون صاحبه لا يمتان بحبل و لا يمدان إليه بسبب كل واحد منهما صاحب حامل ضب لصاحبه و عما قليل يكشف قناعه به و الله لئن أصابوا الذي يريدون لينتزعن هذا نفس هذا و ليأتين هذا على هذا قد قامت الفئة الباغية فأين المحتسبون و قد سنت لهم السنن و قدم لهم الخبر و لكل ضلة علة و لكل ناكث شبهة و الله لا أكون كمستمع اللدم يسمع الناعي و يحضر الباكي ثم لا يعتبر

 إيضاح قوله ع كل واحد منهما أي طلحة و الزبير لا يمتان قال في النهاية المت التوسل و التوصل بحرمة أو قرابة أو غير ذلك و قال السبب في الأصل الحبل الذي يتوصل به إلى ماء ثم استعير لكل ما يتوصل به إلى شي‏ء كقوله تعالى وَ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ أي الوصل و المودات و قال الضب الغضب و الحقد و الظاهر أن الضمير المجرور في قناعه راجع إلى كل واحد منهما و الباء في به للسببية و الضمير للضب يكشف قناعه الذي استتر به و يظهر حاله بسبب حقده و بغضه فأين المحتسبون أي العاملون لله و الطالبون للأجر و يقال أيضا احتسب عليه أي أنكر و تقديم الخبر هو إخبار النبي ص بقتال الناكثين و القاسطين و المارقين و ضمير في قوله لهم في الموضعين للمحتسبين أو للفئة الباغية و علة ضلتهم هي البغي و الحسد و شبهتهم في نكث البيعة الطلب بدم  عثمان كما قيل أو المعنى أن لكل ضلالة غالبا علة و لكل ناكث شبهة بخلاف هؤلاء فإنهم يعدلون عن الحق مع وضوحه بغير عذر و شبهة. و مستمع اللدم الضبع و اللدم هو صوت الحجر يضرب به الأرض أو حيلة يفعلها الصائد عند باب جحرها فتنام و لا تتحرك حتى يجعل الحبل في عرقوبها فيخرجها و المعنى لا أغتر و لا أغفل عن كيد الأعداء فاستمع الناعي بقتل طائفة من المسلمين و يحضر الباكي على قتلاهم فلا أحاربهم حتى يحيطوا بي. و قيل لا أكون كمن يسمع الضرب و البكاء ثم لا يصدق حتى يجي‏ء لمشاهدة الحال. و قال الجوهري اللدم ضرب المرأة صدرها و عضديها في النياحة

53-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلام له ع عند مسير أصحاب الجمل إلى البصرة إن الله بعث رسولا هاديا بكتاب ناطق و أمر قائم لا يهلك عنه إلا هالك و إن المبتدعات المشبهات هن من المهلكات إلا ما حفظ الله منها كذا و إن في سلطان الله عصمة لأمركم فأعطوه طاعتكم غير ملومة و لا مستكره بها و الله لتفعلن أو لينقلن الله عنكم سلطان الإسلام ثم لا ينقله إليكم أبدا حتى يأرز الأمر إلى غيركم إن هؤلاء قد تمالئوا على سخطه إمارتي و سأصبر ما لم أخف على جماعتكم فإنهم إن تمموا على فيالة هذا الرأي انقطع نظام المسلمين و إنما طلبوا هذه الدنيا حسدا لمن أفاءها الله عليه فأرادوا رد الأمور على أدبارها و لكم علينا العمل بكتاب الله تعالى و سيرة رسول الله ص و القيام بحقه و النعش لسنته

   بيان و أمر قائم أي باق و حكمه غير منسوخ و قيل أي مستقيم ليس بذي عوج لا يهلك عنه أي معرضا و عادلا عنه إلا هالك أي من بلغ الغاية في الهلاك و المشبهات بالفتح أي التي أشبهت السنن و ليست منها أو بالكسر أي التي تشبه الأمر على الناس. و قوله ع إلا ما حفظ الله استثناء من بعض متعلقات المهلكات أي أنها مهلكة في جميع الأحوال إلا حال حفظ الله بالعصمة عن ارتكابها أو كل أحد إلا من حفظه الله فما بمعنى من. قوله ع و إن في سلطان الله أو دين الله أو حجة الله أو الإمام أي في طاعته. قوله ع غير ملومة أي مخلصين غير ملوم صاحبها بأن ينسب إلى النفاق و الرياء. و في بعض النسخ على التفعيل للمبالغة و يروى غير ملوية أي غير معوجة من لويت العود إذا عطفته. قوله حتى يأرز أي ينقبض و ينضم و يجتمع. إن هؤلاء أي طلحة و الزبير و عائشة قد تمالئوا أي تساعدوا و اجتمعوا أو تعاونوا و الفيالة الضعف أي إن بقوا على ضعف رأيهم قطعوا نظام المسلمين و الفي‏ء الرجوع. قوله فأرادوا رد الأمور أي أرادوا انتزاع الأمر منه ع كما انتزع أولا و النعش الرفع و الضميران في حقه و سنته راجعان إلى الرسول

54-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلامه ع في ذكر السائرين إلى البصرة لحربه  ع فقدموا على عمالي و خزان بيت مال المسلمين الذي في يدي و على أهل مصر كلهم في طاعتي و على بيعتي فشتتوا كلمتهم و أفسدوا على جماعتهم و وثبوا على شيعتي فقتلوا طائفة منهم غدرا و طائفة عضوا على أسيافهم فضاربوا حتى لقوا الله صادقين

 توضيح شتته فرقه و قال ابن الأثير في النهاية أصل العض اللزوم يقال عض عليه عضا و عضيضا إذا لزمه انتهى أي طائفة من الشيعة لزموا سيوفهم و يروى طائفة بالنصب أي و قتلوا طائفة شأنهم ذلك

55-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلام له ع كلم به بعض العرب و قد أرسله قوم من أهل البصرة لما قرب ع منها يعلم لهم منه حقيقة حاله مع أصحاب الجمل لتزول الشبهة من نفوسهم فبين له ع من أمره معهم ما علم به أنه على الحق ثم قال له بايع فقال إني رسول قوم و لا أحدث حدثا حتى أرجع إليهم فقال ع أ رأيت لو أن الذين وراءك بعثوك رائدا تبتغي لهم مساقط الغيث فرجعت إليهم و أخبرتهم عن الكلإ و الماء فخالفوك إلى المعاطش و المجادب ما كنت صانعا قال كنت تاركهم و مخالفهم إلى الكلإ و الماء فقال له ع فامدد إذا يدك فقال الرجل فو الله ما استطعت أن أمتنع عند قيام الحجة علي فبايعته ع

 و الرجل يعرف بكليب الجرمي.  بيان المجادب محال الجدب

56-  نهج، ]نهج البلاغة[ من كتاب له ع إلى أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرة من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى أهل الكوفة جبهة الأنصار و سنام العرب أما بعد فإني أخبركم في أمر عثمان حتى يكون سمعه كعيانه إن الناس طعنوا عليه فكنت رجلا من المهاجرين أكثر استعتابه و أقل عتابه و كان طلحة و الزبير أهون سيرهما فيه الوجيف و أرفق حدائهما العنيف و كان من عائشة فيه فلتة غضب فأتيح له قوم قتلوه و بايعني الناس غير مستكرهين و لا مجبرين بل طائعين مخيرين و اعلموا أن دار الهجرة قد قلعت بأهلها و قلعوا بها و جاشت جيش المرجل و قامت الفتنة على القطب فأسرعوا إلى أميركم و بادروا جهاد عدوكم إن شاء الله

57-  و من كتاب له ع إليهم بعد فتح البصرة و جزاكم الله من أهل مصر عن أهل بيت نبيكم أحسن ما يجزي العاملين بطاعته و الشاكرين لنعمته فقد سمعتم و أطعتم و دعيتم فأجبتم

 بيان أكثر استعتابه أي أكثر طلب العتبى منه و الرجوع إلى ما يرضى به القوم منه و أقل عتابه أي لائمته على وجه الإذلال و المؤاخذة إما لعدم النفع أو للمصلحة و الوجيف السير السريع قوله ع فلتة غضب أي فجاءة غضب و الحاصل أن هؤلاء الثلاثة كانوا أشد الناس عليه فأتيح له أي قدر و هيئ و جاشت غلت و المرجل القدر من النحاس و دار الهجرة المدنية و الغرض إعلامهم باضطراب حال المدينة و أهلها حين علموا بمسير القوم إلى البصرة للفتنة.  أقول قال ابن ميثم رحمه الله كتب ع كتاب الأول حين نزل بماء العذيب متوجها إلى البصرة و بعثه مع الحسن ع و عمار بن ياسر

58-  و قال ابن أبي الحديد في الشرح روى محمد بن إسحاق عن عمه عبد الرحمن بن يسار القرشي قال لما نزل علي ع الربذة متوجها إلى البصرة بعث إلى الكوفة محمد بن جعفر بن أبي طالب و محمد بن أبي بكر و كتب إليهم هذا الكتاب يعني الكتاب الأول و زاد في آخره فحسبي بكم إخوانا و للدين أنصارا ف انْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالًا وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لعلكم تفلحون

59-  و روى أبو مخنف قال حدثني الصقعب قال سمعت عبد الله بن جنادة يحدث أن عليا ع لما نزل الربذة بعث هاشم بن عتبة بن أبي وقاص إلى أبي موسى الأشعري و هو الأمير يومئذ على الكوفة لينفر إليه الناس و كتب إليه معه من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس أما بعد فإني بعثت إليك هاشم بن عتبة لتشخص إلي من قبلك من المسلمين ليتوجهوا إلى قوم نكثوا بيعتي و قتلوا شيعتي و أحدثوا في الإسلام هذا الحدث العظيم فأشخص بالناس إلي معه حين يقدم عليك فإني لم أولك المصر الذي أنت به و لم أقرك عليه إلا لتكون من أعواني على الحق و أنصاري على هذا الأمر و السلام

   -60  و روى محمد بن إسحاق أنه لما قدم محمد بن جعفر و محمد بن أبي بكر الكوفة استنفرا الناس فمنعهم أبو موسى فلحقا بعلي ع فأخبراه بالخبر

61-  و روى أبو مخنف أن هاشم بن عتبة لما قدم الكوفة دعا أبا موسى فقال اتبع ما كتب به إليك فأبى ذلك فبعث إلى هاشم يتوعده فكتب إلى علي بامتناعه و أنه شاق بعيد الود ظاهر الغل و الشنآن و أنه هدده بالسجن و القتل فلما ورد كتابه على أمير المؤمنين ع و قد أتاه به المحل بن خليفة فسلم عليه ثم قال الحمد لله الذي أدى الحق إلى أهله و وضعه موضعه فكره ذلك قوم و قد و الله كرهوا نبوة محمد ص ثم بارزوه و جاهدوه فرد الله كيدهم في نحورهم و جعل دائرة السوء عليهم و الله يا أمير المؤمنين لنجاهدنهم معك في كل موطن حفظا لرسول الله ص في أهل بيته إذ صاروا أعداء لهم بعده فرحب به علي ع و قال له خيرا ثم أجلسه إلى جانبه و قرأ كتاب هاشم و سأله عن الناس و عن أبي موسى فقال يا أمير المؤمنين ما أثق به و لا آمنه على خلافك إن وجد من يساعده على ذلك فقال علي ع و الله ما كان عندي بمؤتمن و لا ناصح و لقد أردت عزله فأتاني الأشتر فسألني أن أقره و ذكر أن أهل الكوفة به راضون فأقررته

 و روى أبو مخنف قال و بعث علي ع من الربذة بعد وصول المحل بن خليفة عبد الله بن عباس و محمد بن أبي بكر إلى أبي موسى و كتب معهما من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس أما بعد يا ابن الحائك  يا عاض أير أبيه فو الله إن كنت لأرى أن بعدك من هذا الأمر الذي لم يجعلك الله له أهلا و لا جعل لك فيه نصيبا سيمنعك من رد أمري و الافتراء علي و قد بعثت إليك ابن عباس و ابن أبي بكر فخلهما و المصر و أهله و اعتزل عملنا مذءوما مدحورا فإن فعلت و إلا فإني قد أمرتهما أن ينابذاك على سواء إن الله لا يهدي كيد الخائنين فإذا ظهرا عليك قطعاك إربا إربا و السلام على من شكر النعمة و وفى بالبيعة و عمل برجاء العافية قال أبو مخنف فلما أبطأ ابن عباس و ابن أبي بكر عن علي ع و لم يدر ما صنعا رحل عن الربذة إلى ذي قار فنزلها قال فلما نزل ذا قار بعث إلى الكوفة الحسن ابنه ع و عمار بن ياسر و زيد بن صوحان و قيس بن سعد بن عبادة و معهم كتاب إلى أهل الكوفة فأقبلوا حتى كانوا بالقادسية فتلقاهم الناس فلما دخلوا الكوفة قرءوا كتاب علي ع و هو من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من بالكوفة من المسلمين أما بعد فإني خرجت مخرجي هذا إما ظالما و إما مظلوما و إما باغيا و إما مبغيا علي فأنشد الله رجلا بلغه كتابي هذا إلا نفر إلي فإن كنت مظلوما أعانني و إن كنت ظالما استعتبني و السلام قال فلما دخل الحسن ع و عمار الكوفة اجتمع إليهما الناس فقام الحسن فاستقر فاستنفر الناس فحمد الله و صلى على رسوله ثم قال أيها الناس إنا جئناكم ندعوكم إلى الله و إلى كتابه و سنة رسوله و إلى أفقه من تفقه من المسلمين و أعدل من تعدلون و أفضل من تفضلون و أوفى من  تبايعون من لم يعيه القرآن و لم تجهله السنة و لم تقعد به السابقة إلى من قربه الله إلى رسوله قرابتين قرابة الدين و قرابة الرحم إلى من سبق الناس إلى كل مأثرة إلى من كفى الله به رسوله و الناس متخاذلون فقرب منه و هم متباعدون و صلى معه و هم مشركون و قاتل معه و هم منهزمون و بارز معه و هم مجمحون و صدقه و هم مكذبون إلى من لم ترد له راية و لا تكافئ له سابقة و هو يسألكم النصر و يدعوكم إلى الحق و يسألكم بالمسير إليه لتوازروه و تنصروه على قوم نكثوا بيعته و قتلوا أهل الصلاح من أصحابه و مثلوا بعماله و انتهبوا بيت ماله فأشخصوا إليه رحمكم الله فمروا بالمعروف و انهوا عن المنكر و احضروا بما يحضر به من الصالحون

 قال أبو مخنف و حدثني جابر بن يزيد عن تميم بن حذيم قال قدم علينا الحسن بن علي ع و عمار بن ياسر يستنفران الناس إلى علي ع و معهما كتابه فلما فرغا من كتابه قام الحسن و هو فتى حدث و الله إني لأرثي له من حداثة سنه و صعوبة مقامه فرماه الناس بأبصارهم و هم يقولون اللهم سدد منطق ابن بنت نبينا فوضع يده على عمود يتساند إليه و كان عليلا من شكوى به فقال الحمد لله العزيز الجبار الواحد القهار الكبير المتعال سواء منكم من أسر القول و من جهر به و من هو مستخف بالليل و سارب بالنهار أحمده على حسن البلاء و تظاهر النعماء و على ما أحببنا و كرهنا من شدة و رخاء و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله امتن علينا بنبوته و اختصه برسالته و أنزل عليه وحيه و اصطفاه على جميع خلقه و أرسله إلى الإنس و الجن حين عبدت الأوثان و أطيع الشيطان و جحد الرحمن فصلى الله عليه و آله و جزاه أفضل ما جزى المرسلين أما بعد فإني لا أقول لكم إلا ما تعرفون إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أرشد الله أمره و أعز نصره بعثني إليكم يدعوكم إلى الصواب و إلى العمل  بالكتاب و الجهاد في سبيل الله و إن كان في عاجل ذاك ما تكرهون فإن في آجله ما تحبون إن شاء الله و قد علمتم أن عليا صلى مع رسول الله ص وحده و أنه يوم صدق به لفي عاشرة من سنه ثم شهد مع رسول الله جميع مشاهده و كان من اجتهاده في مرضاة الله و طاعة رسوله و آثاره الحسنة في الإسلام ما قد بلغكم و لم يزل رسول الله ص راضيا عنه حتى غمضه بيده و غسله وحده و الملائكة أعوانه و الفضل ابن عمه ينقل إليه الماء ثم أدخله حفرته و أوصاه بقضاء دينه و عداته و غير ذلك من من الله عليه ثم و الله ما دعاهم إلى نفسه و لقد تداك الناس عليه تداك الإبل الهيم عند ورودها فبايعوه طائعين ثم نكث منهم ناكثون بلا حدث أحدثه و لا خلاف أتاه حسدا له و بغيا عليه فعليكم عباد الله بتقوى الله و الجد و الصبر و الاستعانة بالله و الخفوف إلى ما دعاكم إليه أمير المؤمنين عصمنا الله و إياكم بما عصم به أولياءه و أهل طاعته و ألهمنا و إياكم تقواه و أعاننا و إياكم على جهاد أعدائه و أستغفر الله العظيم لي و لكم ثم مضى إلى الرحبة فهيأ منزلا لأبيه أمير المؤمنين ع قال جابر فقلت لتميم كيف أطاق هذا الغلام ما قد قصصته من كلامه فقال و ما سقط عني من قوله أكثر و لقد حفظت بعض ما سمعت قال أبو مخنف و لما فرغ الحسن ع من خطبته قام عمار و خطب الناس و استنفرهم فلما سمع أبو موسى خطبتهما صعد المنبر و قال الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد فجمعنا بعد الفرقة و جعلنا إخوانا متحابين بعد العداوة و حرم علينا دماءنا و أموالنا قال الله سبحانه لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ و قال تعالى وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ فاتقوا الله عباد الله و ضعوا أسلحتكم و كفوا عن قتال إخوانكم  إلى آخر خطبته الملعونة التي تركها أولى من ذكرها و تنادي بكفر صاحبها و نفاقه قال فلما أتت الأخبار عليا باختلاف الناس بالكوفة بعث الأشتر إليها فأخرجه منها صاغرا قال أبو مخنف و لما نزل علي ع ذا قار كتبت عائشة إلى حفصة أما بعد فإني أخبرك أن عليا قد نزل ذا قار و أقام بها مرعوبا خائفا لما بلغه من عدتنا و جماعتنا فهو بمنزلة الأشقر إن تقدم عقر و إن تأخر نحر فدعت حفصة جواري لها يتغنين و يضربن بالدفوف فأمرتهن أن يقلن في غنائهن ما الخبر ما الخبر علي في السفر كالفرس الأشقر إن تقدم عقر و إن تأخر نحر و جعلت بنات الطلقاء يدخلن على حفصة و يجتمعن لسماع ذلك الغناء فبلغ أم كلثوم بنت علي ع ذلك فلبست جلابيبها و دخلت عليهن في نسوة متنكرات ثم أسفرت عن وجهها فلما عرفتها حفصة خجلت و استرجعت فقالت أم كلثوم لئن تظاهرتما عليه اليوم لقد تظاهرتما على أخيه من قبل فأنزل الله فيكما ما أنزل فقالت حفصة كفى رحمك الله و أمرت  بالكتاب فمزق و استغفرت الله فقال سهل بن حنيف في ذلك

عذرنا الرجال بحرب الرجال فما للنساء و ما للسباب‏أ ما حسبنا ما أتينا به لك الخير من هتك ذاك الحجاب‏و مخرجها اليوم من بيتها يعرفها الذنب نبح الكلاب‏إلى أن أتاها كتاب لها مشوم فيا قبح ذاك الكتاب

 أقول الأير الذكر و قال ابن الأثير في النهاية و فيه من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه و لا تكنوا أي فقولوا له اعضض بأير أبيك و لا تكنوا بالأير عن الهن تنكيرا له و تأديبا. و أيضا قال في مادة أير في حديث علي ع من يطل أير أبيه ينطق به هذا مثل ضربه أي من كثرت إخوته اشتد ظهره بهم انتهى. و لعل المعنى هنا أخذه بسنة أبيه الكافر و لزومه بجهله و عصبيته و معايبه أو قلة أعوانه و أنصاره و دناءته   -62  و ذكر المفيد قدس سره في كتاب الكافية قصة حفصة بسندين آخرين نحوا مما مر

63-  الكافية في إبطال توبة الخاطئة، رووا أنه ع لما بلغه و هو بالربذة خبر طلحة و الزبير و قتلهما حكيم بن جبلة و رجالا من الشيعة و ضربهما عثمان بن حنيف و قتلهما السبابجة قام على الغرائر فقال إنه أتاني خبر متفظع و نبأ جليل أن طلحة و الزبير وردا البصرة فوثبا على عاملي فضرباه ضربا مبرحا و ترك لا يدري أ حي هو أم ميت و قتلا العبد الصالح حكيم بن جبلة في عدة من رجال المسلمين الصالحين لقوا الله موفون ببيعتهم ماضين على حقهم و قتلا السبابجة خزان بيت المال الذي للمسلمين قتلوهم طائفة منهم صبرا و قتلوا طائفة منهم غدرا فبكى الناس بكاء شديدا و رفع أمير المؤمنين ع يديه يدعو و يقول اللهم اجز طلحة و الزبير جزاء الظالم الفاجر و الخفور الغادر

64-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من خطبة له ع في ذكر أصحاب الجمل فخرجوا يجرون حرمة رسول الله ص كما تجر الأمة عند شرائها متوجهين بها البصرة فحبسا نساءهما في بيوتهما و أبرزا حبيس رسول الله ص لهما و لغيرهما في جيش ما منهم رجل إلا و قد أعطاني الطاعة و سمح لي بالبيعة طائعا غير مكره فقدموا على عاملي بها و خزان بيت مال المسلمين و غيرهم من أهلها فقتلوا طائفة صبرا و طائفة غدرا فو الله لو لم يصيبوا من المسلمين إلا رجلا واحدا معتمدين لقتله بلا جرم جره لحل لي قتل ذلك الجيش كله إذ حضروه فلم ينكروه و لم يدفعوا بلسان و لا بيد دع ما أنهم  قد قتلوا من المسلمين مثل العدة التي دخلوا بها عليهم

 بيان الحرمة ما يحرم انتهاكه و المراد بها هنا الزوجة كالحبيس و الضمير في حبسا راجع إلى طلحة و الزبير و قوله ع صبرا أي بعد الأسر و غدرا أي بعد الأمان قوله ع جره أي جذبه أو من الجريرة قال في القاموس الجر الجذب و الجريرة الذنب جر على نفسه و غيره جريرة يجرها بالضم و الفتح جرا. قال ابن ميثم فإن قلت المفهوم من هذا الكلام تعليل جواز قتله ع لذلك الجيش بعدم إنكارهم للمنكر فهل يجوز قتل من لم ينكر المنكر قلت أجاب ابن أبي الحديد عنه فقال يجوز قتلهم لأنهم اعتقدوا ذلك القتل مباحا كمن يعتقد إباحة الزنا و شرب الخمر. و أجاب الراوندي رحمه الله بأن جواز قتلهم لدخولهم في عموم قوله تعالى إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا الآية و هؤلاء قد حاربوا رسول الله لقوله ص يا علي حربك حربي و سعوا في الأرض بالفساد. و اعترض المجيب الأول عليه فقال الإشكال إنما هو في التعليل بعدم إنكار المنكر و التعليل بعموم الآية لا ينفعه. و أقول الجواب الثاني أسد و الجواب الأول ضعيف لأن القتل و إن وجب على من اعتقد إباحة ما علم من الدين ضرورة لكن هؤلاء كان جميع ما فعلوه من القتل و الخروج بالتأويل و إن كان معلوم الفساد فظهر الفرق بين اعتقاد حل الخمر و الزنا و بين اعتقاد هؤلاء إباحة ما فعلوه.  و أما الاعتراض على الجواب الثاني فضعيف أيضا لأن له أن يقول إن قتل المسلم إذا صدر عن بعض الجيش و لم ينكر الباقون مع تمكنهم و حضورهم كان ذلك قرينة على الرضا من جميعهم و الراضي بالقتل شريك القاتل خصوصا إذا كان معروفا بصحبته و الاتحاد به لاتحاد بعض الجيش ببعض و كان خروج ذلك الجيش على الإمام محاربة لله و لرسوله ص و سعيا في الأرض بالفساد و ذلك عين مقتضى الآية انتهى ملخص كلامه. و يمكن أن يجاب عن اعتراضه على الجواب بأن هؤلاء كانوا مدعين لشبهة لم تكن شبهة محتملة لأنهم خرجوا على الإمام بعد البيعة طائعين غير مكرهين كما ذكره ع مع أن الاحتمال كاف له فتأمل. و يمكن الجواب عن أصل السؤال بأن التعليل ليس بعدم إنكار المنكر مطلقا بل بعدم إنكار هؤلاء لهذا المنكر الخاص أي قتل واحد من المسلمين المعاونين للإمام ع بالخروج عليه و ربما يشعر بذلك قوله ع لحل لي قتل ذلك الجيش. و يمكن حمل كلام الراوندي على ذلك و أما ما ذكره أخيرا من جواز قتل الراضي بالقتل فإن أراد الحكم كليا فلا يخفى إشكاله و إن أراد في هذه المادة الخاصة فصحيح. و يرد على جواب ابن أبي الحديد مثل ما أورده هو على الراوندي رحمه الله بأن الإشكال إنما هو في التعليل بعدم إنكار المنكر لا في استحلال القتل و لو قدر في كلامه ع كان يقول المراد إذ حضروه مستحلين فلم ينكروا لأمكن للراوندي أن يقول إذ حضروه محاربين. و لو أجاب بأن الحضور مع عدم الإنكار هو الاستحلال فبطلانه ظاهر مع أن للراوندي رحمه الله أن يقول الحضور في جيش قد قتل بعضهم أحدا من أتباع الإمام من حيث إنه من شيعته مع عدم الإنكار و الدفع محاربة لله و لرسوله ص و لا ريب أنه كذلك

   -65  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلام له ع في معنى طلحة بن عبيد الله قد كنت و ما أهدد بالحرب و لا أرهب بالضرب و أنا على ما وعدني ربي من النصر و الله ما أستعجل متجردا لطلب بدم عثمان إلا خوفا من أن يطالب بدمه لأنه كان مظنته و لم يكن في القوم أحرص عليه منه فأراد أن يغالط بما أجلب فيه ليلتبس الأمر و يقع الشك و و الله ما صنع في أمر عثمان واحدة من ثلاث لئن كان ابن عفان ظالما كما كان يزعم لقد كان ينبغي له أن يؤازر قاتليه أو ينابذ ناصريه و لئن كان مظلوما لقد كان ينبغي له أن يكون من المنهنهين عنه و المعذرين فيه و لئن كان في شك من الخصلتين لقد كان ينبغي له أن يعتزله و يركد جانبا و يدع الناس معه فما فعل واحدة من الثلاث و جاء بأمر لم يعرف بابه و لم يسلم معاذيره

 بيان قوله ع قد كنت قال ابن أبي الحديد كان هاهنا تامة و الواو للحال أي خلقت و وجدت بهذه الصفة و يجوز أن يكون الواو زائدة و كان ناقصة و خبرها ما أهدد و تجرد في الأرض أي جد فيه ذكره الجوهري. و قال ابن الأثير في مادة جلب من كتاب النهاية و في حديث علي ع أراد أن يغالط بما أجلب فيه يقال أجلبوا عليه إذا تجمعوا و تألبوا و أجلبه أي أعانه و أجلب عليه إذا صاحبه و استحثه. و قال الجوهري لبست عليه الأمر ألبس خلطت و قال أعذر أي صار  ذا عذر و في النهاية فما نهنهها شي‏ء دون العرش أي ما منعها و كفها عن الوصول إليه و الركود السكون و الثبات

66-  نهج، ]نهج البلاغة[ و قال ع لأنس بن مالك و قد كان بعثه إلى طلحة و الزبير لما جاء إلى البصرة يذكرهما شيئا مما سمعه من رسول الله في معناهما فلوى عن ذلك فرجع إليه فقال إني أنسيت ذلك الأمر فقال ع له إن كنت كاذبا فضربك الله بها بيضاء لامعة لا تواريها العمامة يعني البرص فأصاب أنسا هذا الداء فيما بعد في وجهه فكان لا يرى إلا متبرقعا

67-  ج، ]الإحتجاج[ احتجاجه ع على الناكثين في خطبة خطبها حين نكثوها فقال إن الله ذو الجلال و الإكرام لما خلق الخلق و اختار خيرة من خلقه و اصطفى صفوة من عباده و أرسل رسولا منهم و أنزل عليه كتابه و شرع له دينه و فرض فرائضه فكانت الجملة قول الله جل ذكره حيث أمر فقال أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فهو لنا أهل البيت خاصة دون غيرنا فانقلبتم على أعقابكم و ارتددتم و نقضتم الأمر و نكثتم العهد و لم تضروا الله شيئا و قد أمركم الله أن تردوا الأمر إلى الله و إلى رسوله و إلى أولي الأمر منكم المستنبطين للعلم فأقررتم ثم جحدتم و قد قال الله لكم أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَ إِيَّايَ فَارْهَبُونِ إن أهل الكتاب و الحكمة و الإيمان و آل إبراهيم بينه الله لهم فحسدوه و أنزل الله جل ذكره أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَ كَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً فنحن آل إبراهيم فقد حسدنا كما حسد آباؤنا  و أول من حسد آدم الذي خلقه الله عز و جل بيده و نفخ فيه من روحه و أسجد له ملائكته و علمه الأسماء و اصطفاه على العالمين فحسده الشيطان فكان من الغاوين ثم حسد قابيل هابيل فقتله فكان من الخاسرين و نوح ع حسده قومه فقالوا ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَ يَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ وَ لَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ و لله الخيرة يختار من يشاء و يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ يؤتي الحكمة و العلم من يشاء ثم حسدوا نبينا ص ألا و نحن أهل البيت الذين أذهب الله عنا الرجس و نحن المحسودون كما حسد آباؤنا قال الله عز و جل إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ و قال وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ فنحن أولى الناس بإبراهيم و نحن ورثناه و نحن أولو الأرحام الذين ورثنا الكعبة و نحن آل إبراهيم أ فترغبون عن ملة إبراهيم و قد قال الله تعالى فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي يا قوم أدعوكم إلى الله و إلى رسوله و إلى كتابه و إلى ولي أمره و إلى وصيه و إلى وارثه من بعده فاستجيبوا لنا و اتبعوا آل إبراهيم و اقتدوا بنا فإن ذلك لنا آل إبراهيم فرضا واجبا و الأفئدة من الناس تهوي إلينا و ذلك دعوة إبراهيم ع حيث قال فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ فهل نقمتم منا إلا أن آمنا بالله و ما أنزل علينا و لا تتفرقوا فتضلوا و الله شهيد عليكم و قد أنذرتكم و دعوتكم و أرشدتكم ثم أنتم و ما تختارونه

68-  ج، ]الإحتجاج[ روي عن ابن عباس رحمة الله عليه أنه قال كنت قاعدا عند  علي ع حين دخل عليه طلحة و الزبير فاستأذناه في العمرة فأبى أن يأذن لهما و قد قال اعتمرتما فأعادا عليه الكلام فأذن لهما ثم التفت إلي فقال و الله ما يريدان العمرة قلت فلا تأذن لهما فردهما ثم قال و الله ما تريدان العمرة و ما تريدان إلا نكثا لبيعتكما و إلا فرقة لأمتكما فحلفا له فأذن لهما ثم التفت إلي فقال و الله ما يريدان العمرة قلت فلم أذنت لهما قال حلفا لي بالله قال فخرجا إلى مكة فدخلا على عائشة فلم يزالا بها حتى أخرجاها

69-  شاج، ]الإرشاد و الإحتجاج[ و روي عنه ع أنه قال عند توجههما إلى مكة للاجتماع مع عائشة في التأليب عليه بعد أن حمد الله تعالى و أثنى عليه أما بعد فإن الله عز و جل بعث محمدا ص للناس كافة و جعله رحمة للعالمين فصدع بما أمر به و بلغ رسالة ربه فلم به الصدع و رتق به الفتق و آمن به السبل و حقن به الدماء و ألف به بين ذوي الإحن و العداوة و الوغر في الصدور و الضغائن الراسخة في القلوب ثم قبضه الله إليه حميدا لم يقصر في الغاية التي إليها أدى الرسالة و لأبلغ شيئا كان في التقصير عنه القصد و كان من بعده ما كان من التنازع في الإمرة فتولى أبو بكر و بعده عمر ثم تولى عثمان فلما كان من أمره ما كان أتيتموني فقلتم بايعنا فقلت لا أفعل قلتم بلى فقلت لا و قبضت يدي فبسطتموها و نازعتكم فجذبتموها و حتى تداككتم علي كتداكك الإبل الهيم على حياضها يوم ورودها حتى ظننت أنكم قاتلي و أن بعضكم قاتل بعض و بسطت يدي  فبايعتموني مختارين و بايعني في أولكم طلحة و الزبير طائعين غير مكرهين ثم لم يلبثا أن استأذناني في العمرة و الله يعلم أنهما أرادا الغدرة فجددت عليهما العهد في الطاعة و أن لا يبغيا الأمة الغوائل فعاهداني ثم لم يفيا لي و نكثا بيعتي و نقضا عهدي فعجبا لهما من انقيادهما لأبي بكر و عمر و خلافهما لي و لست بدون أحد الرجلين و لو شئت أن أقول لقلت اللهم اغضب عليهما بما صنعا و أظفرني بهما

 بيان اللم الإصلاح و الجمع و الإحن كعنب جمع إحنة بالكسر و هي الحقد و يقال في صدره علي وغر بالتسكين أي ضغن و عداوة و توقد من الغيظ و المصدر بالتحريك قوله ع و لو شئت أن أقول لقلت كناية أبلغ من الصريح في ذم الرجلين و كفرهما

70-  ج، ]الإحتجاج[ و قال ع في أثناء كلام آخر و هذا طلحة و الزبير ليسا من أهل بيت النبوة و لا من ذرية الرسول حين رأيا أن الله قد رد علينا حقنا بعد أعصر فلم يصبرا حولا كاملا و لا شهرا كاملا حتى وثبا على دأب الماضين قبلهما ليذهبا بحقي و يفرقا جماعة المسلمين عني ثم دعا عليهما

71-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ المفيد عن الكاتب عن الزعفراني عن الثقفي عن عبيد الله بن إسحاق الضبي عن حمزة بن نصر عن إسماعيل بن رجاء الزبيدي قال لما رجعت رسل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع من عند طلحة و الزبير و عائشة يؤذنونه بالحرب قام فحمد الله و أثنى عليه و صلى على محمد ص ثم قال يا أيها الناس إني قد راقبت هؤلاء القوم كيما يرعووا و يرجعوا و قد وبختهم بنكثهم و عرفتهم بغيهم فليسوا يستجيبون ألا و قد بعثوا إلي أن أبرز للطعان و اصبر للجلاد فإنما منتك نفسك من أنباء الأباطيل هبلتهم الهبول قد كنت و ما أهدد بالحرب و لا أرهب بالضرب و أنا على ما وعدني ربي من النصر و التأييد و الظفر و إني لعلى يقين من ربي و في غير شبهة من أمري أيها الناس إن الموت لا يفوته المقيم و لا يعجزه الهارب ليس عن الموت محيص من لم يقتل يمت إن أفضل الموت القتل و الذي نفس ابن أبي طالب بيده لألف ضربة السيف لأهون علي من موت على فراش يا عجبا لطلحة ألب على ابن عفان حتى إذا قتل أعطاني صفقة يمينه طائعا ثم نكث بيعتي و طفق ينعى ابن عفان ظالما و جاء يطلبني يزعم بدمه و الله ما صنع في أمر عثمان واحدة من ثلاث لئن كان ابن عفان ظالما كما كان يزعم حين حصره و ألب عليه إنه كان لينبغي أن يؤازر قاتليه و أن ينابذ ناصريه و إن كان في تلك الحال مظلوما إنه لينبغي أن يكون معه و إن كان في شك من الخصلتين لقد كان ينبغي أن يعتزله و يلزم بيته و يدع الناس جانبا فما فعل من هذه الخصال واحدة و ها هو ذا قد أعطاني صفقة يمينه غير مرة ثم نكث بيعته اللهم فخذه و لا تمهله ألا و إن الزبير قطع رحمي و قرابتي و نكث بيعتي و نصب لي الحرب و هو يعلم أنه ظالم لي اللهم فاكفنيه بم شئت

  -72  جا، ]المجالس للمفيد[ ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ المفيد عن الكاتب عن الزعفراني عن الثقفي عن إسماعيل بن أبان عن عمرو بن شمر قال سمعت جابر بن يزيد الجعفي يقول سمعت أبا جعفر محمد بن علي ع يقول حدثني أبي عن جدي قال لما توجه أمير المؤمنين ع من المدينة إلى الناكثين بالبصرة نزل الربذة فلما ارتحل منها لقيه عبد الله بن خليفة الطائي و قد نزل بمنزل يقال له قائد فقربه أمير المؤمنين ع فقال له عبد الله الحمد لله الذي رد الحق إلى أهله و وضعه في موضعه كره ذلك قوم أم سروا به فقد و الله كرهوا محمدا ص و نابذوه و قاتلوه فرد الله كيدهم في نحورهم و جعل دائرة السوء عليهم و الله لنجاهدن معك في كل موطن حفظا لرسول الله صلى الله عليه و آله فرحب به أمير المؤمنين و أجلسه إلى جنبه و كان له حبيبا و وليا و أخذ يسائله عن الناس إلى أن سأله عن أبي موسى الأشعري فقال و الله ما أنا واثق به و ما آمن عليك خلافه إن وجد مساعدا على ذلك فقال أمير المؤمنين و الله ما كان عندي مؤتمنا و لا ناصحا و لقد كان الذين تقدموني استولوا على مودته و ولوه و سلطوه بالإمرة على الناس و لقد أردت عزله فسألني الأشتر فيه و أن أقره فأقررته على كره مني له و عملت على صرفه من بعد قال فهو مع عبد الله في هذا و نحوه إذ أقبل سواد كثير من قبل جبال طي‏ء فقال أمير المؤمنين ع انظروا ما هذا السواد و قد ذهبت الخيل تركض فلم تلبث أن رجعت فقيل هذه طي‏ء قد جاءتك تسوق الغنم و الإبل و الخيل فمنهم من جاءك بهداياه و كرامته و منهم من يريد النفوذ معك إلى عدوك فقال أمير المؤمنين ع جزى الله طيا خيرا وَ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً فلما انتهوا إليه سلموا عليه قال عبد الله بن خليفة فسرني و الله ما رأيت من جماعتهم و حسن هيئتهم و تكلموا فأقروا و الله لعيني ما رأيت خطيبا أبلغ من خطيبهم و قام عدي بن حاتم الطائي فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد فإني كنت أسلمت على عهد رسول الله ص و أديت الزكاة على عهده و قاتلت أهل ردة من بعده أردت بذلك ما عند الله و على الله ثواب من أحسن و أتقى و قد بلغنا أن رجالا من أهل مكة نكثوا بيعتك و خالفوا عليك ظالمين فأتيناك لننصرك بالحق فنحن بين يديك فمرنا بما أحببت ثم أنشأ يقول فنحن نصرنا الله من قبل ذاكم و أنت بحق جئتنا فسننصر سنكفيك دون الناس طرا بنصرنا و أنت به من سائر الناس أجدر فقال أمير المؤمنين ع جزاكم الله من حي عن الإسلام و أهله خيرا فقد أسلمتم طائعين و قاتلتم المرتدين و نويتم نصر المسلمين و قام سعيد بن عبيد البختري من بني بختر فقال يا أمير المؤمنين إن من الناس من يقدر أن يعبر بلسانه عما في قلبه و منهم من لا يقدر أن يبين ما يجده في نفسه بلسانه فإن تكلف ذلك شق عليه و إن سكت عما في قلبه برح به الهم و البرم و إني و الله ما كل ما في نفسي أقدر أن أودية إليك بلساني و لكن و الله لأجهدن على أن أبين لك و الله ولي التوفيق أما أنا فإني ناصح لك في السر و العلانية و مقاتل معك الأعداء في كل موطن و أرى لك من الحق ما لم أكن أراه لمن كان قبلك و لا لأحد اليوم من أهل زمانك لفضيلتك في الإسلام و قرابتك من الرسول و لن أفارقك أبدا حتى تظفر أو أموت بين يديك فقال أمير المؤمنين ع يرحمك الله فقد أدى لسانك ما يجد ضميرك لنا و نسأل الله أن يرزقك العافية و يثيبك الجنة و تكلم نفر منهم فما حفظت غير كلام هذين الرجلين ثم ارتحل أمير المؤمنين و اتبعه منهم ستمائة رجل حتى نزل ذا قار فنزلها في ألف و ثلاثمائة رجل

73-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ المفيد عن الكاتب عن الزعفراني عن الثقفي عن الفضل بن دكين عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال لما نزل علي بالربذة سألت عن قدومه إلينا فقيل خالف عليه طلحة و الزبير و عائشة و صاروا إلى البصرة فخرج يريدهم فصرت إليه فجلست حتى صلى الظهر و العصر فلما فرغ من صلاته قام إليه ابنه الحسن بن علي ع فجلس بين يديه ثم بكى و قال يا أمير المؤمنين إني لا أستطيع أن أكلمك و بكى فقال له أمير المؤمنين لا تبك يا بني و تكلم و لا تحن حنين الجارية فقال يا أمير المؤمنين إن القوم حصروا عثمان يطلبونه بما يطلبونه إما ظالمون أو مظلومون فسألتك أن تعتزل الناس و تلحق بمكة حتى تؤب العرب و تعود إليها أحلامها و تأتيك وفودها فو الله لو كنت في جحر ضب لضربت إليك العرب آباط الإبل حتى تستخرجك منه ثم خالفك طلحة و الزبير فسألتك أن لا تتبعهما و تدعهما فإن اجتمعت الأمة فذاك و إن اختلفت رضيت بما قسم الله و أنا اليوم أسألك أن لا تقدم العراق و أذكرك بالله أن لا تقتل بمضيعة فقال أمير المؤمنين ع أما قولك إن عثمان حصر فما ذاك و ما علي منه و قد كنت بمعزل عن حصره و أما قولك ائت مكة فو الله ما كنت لأكون الرجل الذي يستحل به مكة و أما قولك اعتزل العراق و دع طلحة و الزبير فو الله ما كنت لأكون كالضبع تنتظر حتى يدخل عليها طالبها فيضع الحبل في رجلها حتى يقطع عرقوبها ثم يخرجها فيمزقها إربا إربا و لكن أباك يا بني يضرب بالمقبل إلى الحق المدبر عنه و بالسامع المطيع العاصي المخالف أبدا حتى يأتي علي يومي فو الله ما زال أبوك مدفوعا عن حقه مستأثرا عليه منذ قبض الله نبيه ص حتى يوم الناس هذا فكان طارق بن شهاب أي وقت حدث بهذا الحديث بكى

74-  جا، ]المجالس للمفيد[ ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ المفيد عن الجعابي عن ابن عقدة عن أبي عوانة موسى بن يوسف عن عبد السلام بن عاصم عن إسحاق بن إسماعيل عن عمرو بن أبي قيس عن ميسرة بن حبيب عن المنهال بن عمرو قال أخبرني رجل من بني تميم قال كنا مع علي بن أبي طالب ع بذي قار و نحن نرى أنا سنختطف في يومنا فسمعته يقول و الله لنظهرن على هذه الفرقة و لنقتلن هذين الرجلين يعني طلحة و الزبير و لنستبيحن عسكرهما قال التميمي فأتيت إلى عبد الله بن العباس فقلت أ ما ترى إلى ابن عمك و ما يقول فقال لا تعجل حتى ننظر ما يكون قال فلما كان من أمر البصرة ما كان أتيته فقلت لا أرى ابن عمك إلا قد صدق فقال ويحك إنا كنا نتحدث أصحاب محمد أن النبي ص عهد إليه ثمانين عهدا لم يعهد شيئا منها إلى أحد غيره فلعل هذا مما عهد إليه

75-  ل، ]الخصال[ فيما أجاب أمير المؤمنين ع اليهودي السائل عما فيه من خصال الأوصياء قال علي ع و أما الخامسة يا أخا اليهود فإن المتابعين لي لما لم يطمعوا في تلك مني وثبوا بالمرأة علي و أنا ولي أمرها و الوصي عليها فحملوها على الجمل و شدوها على الرحال و أقبلوا بها تخبط الفيافي و تقطع البراري و تنبح عليها كلاب الحوأب و تظهر لهم علامات الندم في كل ساعة و عند كل حال في عصبة قد بايعوني ثانية بعد بيعتهم الأولى في حياة النبي ص حتى أتت أهل بلدة قصيرة أيديهم طويلة لحاهم قليلة عقولهم عازبة آراؤهم و هم جيران بدو و وراد بحر فأخرجتهم يخبطون بسيوفهم من غير علم و يرمون بسهامهم بغير فهم فوقفت من أمرهم على اثنتين كلتاهما في محلة المكروه ممن إن كففت لم يرجع و لم يعقل لم يرجعوا و لم يقلعوا و إن أقمت كنت قد صرت إلى التي كرهت فقدمت الحجة بالإعذار و الإنذار و دعوة المرأة إلى الرجوع إلى بيتها و القوم الذين حملوها على الوفاء ببيعتهم لي و الترك لنقضهم عهد الله عز و جل في و أعطيتهم من نفسي كل الذي قدرت عليه و ناظرت بعضهم فرجع و ذكرت فذكر ثم أقبلت على الناس بمثل ذلك فلم يزدادوا إلا جهلا و تماديا و غيا فلما أبوا إلا هي ركبتها منهم فكانت عليهم الدبرة و بهم الهزيمة و لهم الحسرة و فيهم الفناء و القتل و حملت نفسي على التي لم أجد منها بدا و لم يسعني إذ فعلت ذلك و أظهرته آخرا مثل الذي وسعني منه أولا من الإغضاء و الإمساك و رأيتني إن أمسكت كنت معينا لهم علي بإمساكي على ما صاروا إليه و طمعوا فيه من تناول الأطراف و سفك الدماء و قتل الرعية و تحكيم النساء النواقص العقول و الحظوظ على كل حال كعادة بني الأصفر و من مضى من ملوك سبإ و الأمم الخالية فأصير إلى ما كرهت أولا و آخرا و قد أهملت المرأة و جندها يفعلون ما وصفت بين الفريقين من الناس و لم أهجم على الأمر إلا بعد ما قدمت و أخرت و تأنيت و راجعت و أرسلت و سافرت و شافهت أعذرت و أنذرت و أعطيت القوم كل شي‏ء التمسوه بعد أن عرضت عليهم كل شي‏ء لم يلتمسوه فلما أبوا إلا تلك أقدمت عليها فبلغ الله بي و بهم ما أراد و كان لي عليهم بما كان مني إليهم شهيدا

76-  فس، ]تفسير القمي[ أبي عن فضالة عن أبان بن عثمان عن ضريس عن أبي جعفر ع في قوله تعالى وَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ قال نزلت في طلحة و الزبير و الجمل جملهم

77-  فس، ]تفسير القمي[ قال علي بن إبراهيم في قوله وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا ثم ضرب الله فيهما مثلا فقال ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما قال و الله ما عنا بقوله

  بيان المراد بفلان طلحة و هذا إن كان رواية فهي شاذة مخالفة لبعض الأصول و إن كان قد يبدو من طلحة ما يدل على أنه كان في ضميره الخبيث مثل ذلك لكن وقوع أمثال ذلك بعيد عقلا و نقلا و عرفا و عادة و ترك التعرض لأمثاله أولى

78-  فس، ]تفسير القمي[ قال أمير المؤمنين في كتابه الذي كتبه إلى شيعته و يذكر فيه خروج عائشة إلى البصرة و عظم خطأ طلحة و الزبير فقال و أي خطيئة أعظم مما أتيا أخرجا زوجة رسول الله ص من بيتها و كشفا عنها حجابا ستره الله عليها و صانا حلائلهما في بيوتهما ما أنصفا لا لله و لا لرسوله من أنفسها ثلاث خصال مرجعها على الناس في كتاب الله البغي و المكر و النكث قال الله يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ و قال فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ و قال وَ لا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ و قد بغيا علينا و نكثا بيعتي و مكرا بي

79-  فس، ]تفسير القمي[ لما أنزل الله النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ و حرم الله نساء النبي على المسلمين غضب طلحة فقال يحرم محمد علينا نساءه و يتزوج هو بنسائنا لئن أمات الله محمدا لنركضن بين خلاخيل نسائه كما ركض بين خلاخيل نسائنا فأنزل الله وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً إلى قوله إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيماً

  -80  ل، ]الخصال[ سمعت شيخنا محمد بن الحسن رضي الله عنه يروي أن الصادق ع قال ما زال الزبير منا أهل البيت حتى أدرك فرخه فنفاه عن رأيه

81-  ير، ]بصائر الدرجات[ أحمد بن محمد و الحسن بن علي بن النعمان عن أبيه عن محمد بن سنان رفعه قال إن عائشة قالت التمسوا لي رجلا شديدا العداوة لهذا الرجل حتى أبعثه إليه قال فأتيت به فمثل بين يديها فرفعت إليه رأسها فقالت له ما بلغ من عداوتك لهذا الرجل قال فقال لها كثيرا ما أتمنى على ربي أنه و أصحابه في وسطي فضربت ضربة بالسيف يسبق السيف الدم قالت فأنت له فاذهب بكتابي هذا فادفعه إليه ظاعنا رأيته أو مقيما أما إنك إن رأيته ظاعنا رأيته راكبا على بغلة رسول الله ص متنكبا قوسه معلقا كنانته بقربوس سرجه و أصحابه خلفه كأنهم طير صواف فتعطيه كتابي هذا و إن عرض عليك طعامه و شرابه فلا تناولن منه شيئا فإن فيه السحر قال فاستقبلته راكبا فناولته الكتاب ففض خاتمه ثم قرأه فقال تبلغ إلى منزلنا فتصيب من طعامنا و شرابنا و نكتب جواب كتابك فقال هذا و الله ما لا يكون قال فساء خلقه فأحدق به أصحابه ثم قال له أسألك قال نعم قال و تجيبني قال نعم قال فنشدتك الله هل قالت التمسوا لي رجلا شديدا عداوته لهذا الرجل فأتوها بك فقالت لك ما بلغ من عداوتك هذا الرجل فقلت كثيرا ما أتمنى على ربي أنه و أصحابه في وسطي و أني ضربت ضربة بالسيف يسبق السيف الدم قال اللهم نعم قال فنشدتك الله أ قالت لك اذهب بكتابي هذا فادفعه إليه ظاعنا كان أو مقيما أما إنك إن رأيته ظاعنا رأيته راكبا على بغلة رسول الله ص متنكبا قوسه معلقا كنانته بقربوس سرجه و أصحابه خلفه كأنهم طير صواف فقال اللهم نعم قال فنشدتك بالله هل قالت لك إن عرض عليك طعامه و شرابه فلا تناولن منه شيئا فإن فيه السحر قال اللهم نعم قال فمبلغ أنت عني قال اللهم نعم فإني قد أتيتك و ما في الأرض خلق أبغض إلي منك و أنا الساعة ما في الأرض أحب إلي منك فمرني بما شئت قال ارجع إليها بكتابي هذا و قل لها ما أطعت الله و لا رسوله حيث أمرك الله بلزوم بيتك فخرجت ترددين في العساكر و قل لهما ما أطعتما الله و لا رسوله حيث خلفتم حلائلكم في بيوتكم و أخرجتم حليلة رسول الله ص قال فجاء بكتابه حتى طرحه إليها و أبلغها مقالته ثم رجع إليه فأصيب بصفين فقالت عائشة ما نبعث إليه بأحد إلا أفسده علينا

82-  يج، ]الخرائج و الجرائح[ علي بن النعمان و محمد بن سنان مثله

83-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ علي بن النعمان و محمد بن يسار مثله

 بيان قوله فضربت على بناء المجهول و حاصله أنه تمنى أن يكونوا مشدودين على وسطه فيضرب ضربة على وسطه يكون فيها هلاكهم و هلاكه و سبق السيف الدم كناية عن سرعة نفوذها و قوتها

84-  يج، ]الخرائج و الجرائح[ روي عن جابر الجعفي عن أبي جعفر ع قال مر رسول الله يوما على علي و الزبير قائم معه يكلمه فقال رسول الله ص ما تقول له فو الله لتكونن أول العرب تنكث بيعته

85-  يج، ]الخرائج و الجرائح[ روي عن عيسى بن عبد الله الهاشمي عن أبيه عن جده عن علي ع قال لما رجع الأمر إليه أمر أبا الهيثم بن التيهان و عمار بن ياسر و عبيد الله بن أبي رافع فقال اجمعوا الناس ثم انظروا ما في بيت مالهم و اقسموا بينهم بالسوية فوجدوا نصيب كل واحد منهم ثلاثة دنانير فأمرهم يقعدون للناس و يعطونهم قال و أخذ مكتله و مسحاته ثم انطلق إلى بئر الملك يعمل فيها فأخذ الناس ذلك القسم حتى بلغوا الزبير و طلحة و عبد الله بن عمر أمسكوا بأيديهم و قالوا هذا منكم أو من صاحبكم قالوا بل هذا أمره لا نعمل إلا بأمره قالوا فاستأذنوا لنا عليه قالوا ما عليه إذن هو ذا ببئر الملك يعمل فركبوا دوابهم حتى جاءوا إليه فوجدوه في الشمس و معه أجير له يعينه فقالوا له إن الشمس حارة فارتفع معنا إلى الظل فارتفع معهم إليه فقالوا له لنا قرابة من نبي الله و سابقة و جهاد إنك أعطيتنا بالسوية و لم يكن عمر و لا عثمان يعطوننا بالسوية كانوا يفضلوننا على غيرنا فقال علي أيهما عندكم أفضل عمر أو أبو بكر قالوا أبو بكر قال فهذا قسم أبي بكر و إلا فدعوا أبا بكر و غيره و هذا كتاب الله فانظروا ما لكم من حق فخذوه قالا فسابقتنا قال أنتما أسبق مني بسابقتي قالوا لا قالا قرابتنا بالنبي ص قال أ هي أقرب من قرابتي قالوا لا قالوا فجهادنا قال أعظم من جهادي قالوا لا قال فو الله ما أنا في هذا المال و أجيري هذا إلا بمنزلة سواء قالا أ فتأذن لنا في العمرة قال ما العمرة تريدان و إني لأعلم أمركم و شأنكم فاذهبا حيث شئتما فلما وليا قال فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ

86-  شا، ]الإرشاد[ من كلام أمير المؤمنين ع قال بعد حمد الله و الثناء عليه أما بعد فإن الله تعالى لما قبض نبيه ص قلنا نحن أهل بيته و عصبته و ورثته و أولياؤه و أحق الخلق به لا ننازع حقه و سلطانه فبينما نحن كذلك إذ نفر المنافقون و انتزعوا سلطان نبينا منا و ولوه غيرنا فبكت و الله لذلك العيون و القلوب منا جميعا معا و خشنت له الصدور و جزعت النفوس منا جزعا أرغم و ايم الله لو لا مخافتي الفرقة بين المسلمين و أن يعود أكثرهم إلى الكفر و يعوز الدين لكنا قد غيرنا ذلك ما استطعنا و قد بايعتموني الآن و بايعني هذان الرجلان طلحة و الزبير على الطوع منهما و منكم و الإيثار ثم نهضا يريدان البصرة ليفرقا جماعتكم و يلقيا بأسكم بينكم اللهم فخذهما لغشهما لهذه الأمة و سوء نظرهما للعامة ثم قال انفروا رحمكم الله في طلب هذين الناكثين القاسطين الباغيين قبل أن يفوت تدارك ما جنياه

 أقول قد أوردناه بسند متصل مع زيادة في باب شكايته ع نقلا عن كتاب جا

87-  و رواه أيضا المفيد في كتاب الكافية عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر محمد بن علي عن أبيه ع قال كتبت أم الفضل بنت الحارث مع عطاء مولى ابن عباس إلى أمير المؤمنين ع بنفير طلحة و الزبير و عائشة من مكة فيمن نفر معهم من الناس فلما وقف أمير المؤمنين على الكتاب قال محمد بن أبي بكر ما للذين أوردوا ثم أصدروا غداة الحساب من نجاة و لا عذر ثم نودي من مسجد رسول الله ص الصلاة جامعة فخرج الناس و خرج أمير المؤمنين ع فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد فإن الله تبارك و تعالى لما قبض نبيه ص إلى آخر ما مر مما رواه في كتاب شا

88-  شا، ]الإرشاد[ لما اتصل بأمير المؤمنين صلوات الله عليه مسير عائشة و طلحة و الزبير من مكة إلى البصرة حمد الله و أثنى عليه ثم قال قد سارت عائشة و طلحة و الزبير كل منهما يدعي الخلافة دون صاحبه و لا يدعي طلحة الخلافة إلا أنه ابن عم عائشة و لا يدعيها الزبير إلا أنه صهر أبيها و الله لئن ظفرا بما يريدان ليضربن الزبير عنق طلحة و ليضربن طلحة عنق الزبير ينازع هذا على الملك هذا و لقد علمت و الله أن الراكبة الجمل لا تحل عقدة و لا تسير عقبة و لا تنزل منزلة إلا إلى معصية الله حتى تورد نفسها و من معها موردا يقتل ثلثهم و يهرب ثلثهم و يرجع ثلثهم و الله إن طلحة و الزبير ليعلمان أنهما مخطئان و ما يجهلان و لرب عالم قتله جهله و علمه معه لا ينفعه و الله لتنبحنها كلاب الحوأب فهل يعتبر معتبر و يتفكر متفكر لقد قامت الفئة الباغية فأين المحسنون

89-  أقول و رواه أيضا مرسلا في الكافية و زاد في آخره ما لي و قريش أما و الله لأقتلنهم كافرين و لأقتلنهم مفتونين و إني لصاحبهم بالأمس و ما لنا إليها من ذنب غير أنا خيرنا عليها فأدخلناهم في خيرنا أما و الله لا يترك الباطل حتى أخرج الحق من خاصرته إن شاء الله فلتضج مني قريش ضجيجا

90-  شا، ]الإرشاد[ لما توجه أمير المؤمنين ع إلى البصرة نزل الربذة فلقيه بها آخر الحاج فاجتمعوا ليسمعوا من كلامه و هو في خبائه قال ابن عباس رضي الله عنه فأتيته فوجدته يخصف نعلا فقلت له نحن إلى أن تصلح أمرنا أحوج منا إلى ما تصنع فلم يكلمني حتى فرغ من نعله ثم ضمها إلى صاحبتها و قال لي قومهما فقلت ليس لهما قيمة قال على ذاك قلت كسر درهم قال و الله لهما أحب إلي من أمركم هذا إلا أن أقيم حقا أو أدفع باطلا قلت إن الحاج اجتمعوا ليسمعوا من كلامك فتأذن لي أن أتكلم فإن كان حسنا كان منك و إن كان غير ذلك كان مني قال لا أنا أتكلم ثم وضع يده على صدري و كان شثن الكفين فآلمني ثم قام فأخذت بثوبه و قلت نشدتك الله و الرحم قال لا تنشدني ثم خرج فاجتمعوا عليه فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد فإن الله بعث محمدا ص و ليس في العرب أحد يقرأ كتابا و لا يدعي نبوة فساق الناس إلى منجاتهم أم و الله ما زلت في ساقتها ما غيرت و لا بدلت و لا خنت حتى تولت بحذافيرها ما لي و لقريش أم و الله لقد قاتلتهم كافرين و لأقاتلنهم مفتونين و إن مسيري هذا عن عهد إلي فيه أم و الله لأبقرن الباطل حتى يخرج الحق من خاصرته ما تنقم منا قريش إلا أن الله اختارنا عليهم فأدخلناهم في حيزنا في خيرنا و أنشد

أدمت لعمري شربك المحض خالصا و أكلك بالزبد المقشرة التمراو نحن وهبناك العلاء و لم تكن عليا و حطنا حولك الجرد و السمرا

91-  شا، ]الإرشاد[ و لما نزل ع بذي قار أخذ البيعة على من حضره ثم تكلم فأكثر من الحمد لله و الثناء عليه و الصلاة على رسول الله صلى الله عليه و آله ثم قال قد جرت أمور صبرنا عليها و في أعيننا القذى تسليما لأمر الله فيما امتحننا به رجاء الثواب على ذلك و كان الصبر عليها أمثل من أن يتفرق المسلمون و يسفك دماؤهم نحن أهل البيت و عترة الرسول و أحق الخلق بسلطان الرسالة و معدن الكرامة التي ابتدأ الله بها هذه الأمة و هذا طلحة و الزبير ليسا من أهل النبوة و لا من ذرية الرسول حين رأيا أن الله قد رد علينا حقنا بعد أعصر لم يصبرا حولا واحدا و لا شهرا كاملا حتى وثبا على دأب الماضين قبلهما ليذهبا بحقي و يفرقا جماعة المسلمين عني ثم دعا ع عليهما

 بيان قوله ع على ذاك أي قومهما على ذاك التحقير الذي تظهره قوله نشدتك الله لعله نشده على أن يدع الكلام إليه إذ كان يظن أن المصلحة في ذلك. و قال الجوهري المحض اللبن الخالص و هو الذي لم يخالطه الماء حلوا كان أو حامضا و قال الجرد فضاء لا نبات فيه و قال السمرة بضم الميم شجر الطلح و الجمع سمر و سمرات و أسمر

92-  شا، ]الإرشاد[ روى عبد الحميد بن عمران العجلي عن سلمة بن كهيل قال لما التقى أهل الكوفة أمير المؤمنين صلوات الله عليه بذي قار حيوا به ثم قالوا الحمد لله الذي خصنا بجوارك و أكرمنا بنصرتك فقام أمير المؤمنين ع فيهم خطيبا فحمد الله و أثنى عليه و قال يا أهل الكوفة إنكم من أكرم المسلمين و أقصدهم تقويما و أعدلهم سنة و أفضلهم سهما في الإسلام و أجودهم في العرب مركبا و نصابا أنتم أشد العرب ودا للنبي ص و أهل بيته و إنما جئتكم ثقة بعد الله بكم للذي بذلتم من أنفسكم عند نقض طلحة و الزبير و خلفهما خلعهما طاعتي و إقبالهما بعائشة للفتنة و إخراجهما إياها من بيتها حتى أقدماها البصرة فاستغووا طغامها و غوغاءها مع أنه قد بلغني أن أهل الفضل منهم و خيارهم في الدين قد اعتزلوا و كرهوا ما صنع طلحة و الزبير ثم سكت ع فقال أهل الكوفة نحن أنصارك و أعوانك على عدوك و لو دعوتنا إلى أضعافهم من الناس احتسبنا في ذلك الخير و رجوناه فدعا لهم أمير المؤمنين و أثنى عليهم ثم قال لقد علمتم معاشر المسلمين أن طلحة و الزبير بايعاني طائعين غير مكرهين راغبين ثم استأذناني في العمرة فأذنت لهما فسارا إلى البصرة فقتلا المسلمين و فعلا المنكر اللهم إنهما قطعاني و ظلماني و جنياني و نكثا بيعتي و ألبا الناس علي فاحلل ما عقدا و لا تحكم ما أبرما و أرهما المساءة فيما عملا

 بيان الطغام بالفتح أوغاد الناس الواحد و الجمع فيه سواء و الغوغاء الجراد بعد الدباء و به سمي الغوغاء و الغاغة من الناس و هم الكثر المختلطون ذكره الجوهري

93-  شا، ]الإرشاد[ من كلامه ع و قد نفر من ذي قار متوجها إلى البصرة بعد حمد الله و الثناء عليه و الصلاة على رسول الله أما بعد فإن الله تعالى فرض الجهاد و عظمه و جعله نصرة له و الله ما صلحت دنيا قط و لا دين إلا به و إن الشيطان قد جمع حزبه و استجلب خيله و شبه في ذلك و خدع و قد بانت الأمور و تمحضت و الله ما أنكروا علي منكرا و لا جعلوا بيني و بينهم نصفا و إنهم ليطلبون حقا تركوه و دما سفكوه و لئن كنت شركتهم فيه إن لهم نصيبهم منه و لئن كانوا ولوه دوني فما تبعته إلا قبلهم و إن أعظم حجتهم لعلى أنفسهم و إني لعلى بصيرتي ما التبست علي و إنها للفئة الباغية فيها اللحم و اللحمة قد طالت هينتها و أمكنت درتها يرضعون أما فطمت و يحيون بيعة تركت ليعود الضلال إلى نصابه ما أعتذر مما فعلت و لا أتبرأ مما صنعت فيا خيبة للداعي و من دعا لو قيل له إلى من دعوتك و إلى من أجبت و من إمامك و ما سنته إذا لزاح الباطل عن مقامه و لصمت لسانه فما نطق و ايم الله لأفرطن لهم حوضا أنا ماتحه و لا يصدرون عنه و لا يلقون بعده ريا أبدا و إني لراض بحجة الله عليهم و عذره فيهم إذ أنا داعيهم فمعذر إليهم فإن تابوا و أقبلوا فالتوبة مبذولة و الحق مقبول و ليس على الله كفران و إن أبوا أعطيتهم حد السيف فكفى به شافيا من باطل و ناصرا لمؤمن

 بيان قوله ع فيها اللحم و اللحمة لحم كل شي‏ء لبه و اللحمة بالضم القرابة أي فيها من يظن الناس أنهم لب الصحابة و فيهم من يدعي قرابة الرسول كالزبير و في بعض النسخ الحمأ و الحمة كما مر قد طالت هينتها الهينة و الرفق و السكون شبه ع تلك الفئة و فتنتها بناقة طال سكونها و أمكنت من حلبها كناية عن استمرار الفتنة و تمكنها في أهل الجهل و في بعض النسخ هلبتها قال الجوهري الهلبة ما غلظت من شعر الذنب و هلبة الزمان شدته

94-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ بلغ عائشة قتل عثمان و بيعة علي بسرف فانصرفت إلى مكة تنتظر الأمر فتوجه طلحة و الزبير و عبد الله بن عامر بن كريز فعزموا على قتال علي و اختاروا عبد الله بن عمر للإمامة فقال أ تلقونني بين مخالب علي و أنيابه ثم أدركهم يعلى بن منبه قادما من اليمن و أقرضهم ستين ألف دينار و التمست عائشة من أم سلمة الخروج فأبت و سألت حفصة فأجابت ثم خرجت عائشة في أول نفر فكتب الوليد بن عتبة 

بني هاشم ردوا سلاح ابن أختكم و لا تهبوه لا تحل مواهبه

و أيضا أنشأ الوليد لما ظفر علي أمير المؤمنين ع

ألا أيها الناس عندي الخبر بأن الزبير أخاكم غدرو طلحة أيضا حذا فعله و يعلى بن منبه فيمن نفر

فأنشأ أمير المؤمنين ع أبياتا منها

فتن تحل بهم و هن شوارع تسقى أواخرها بكأس الأول‏فتن إذا نزلت بساحة أمه أذنت بعدل بينهم متنفل

فقدمت عائشة إلى الحوأب و هو ماء نسب إلى الحوأب بنت كليب بن وبرة فصاحت كلابها فقالت إنا لله و إنا إليه راجعون ردوني

 و ذكر الأعثم في الفتوح و الماوردي في أعلام النبوة و شيرويه في الفردوس و أبو يعلى في المسند و ابن مردويه في فضائل أمير المؤمنين و الموفق في الأربعين و شعبة و الشعبي و سالم بن أبي الجعد في أحاديثهم و البلاذري و الطبري في تاريخيهما أن عائشة لما سمعت نباح الكلاب قالت أي ماء هذا فقالوا الحوأب قالت إنا لله و إنا إليه راجعون إني لهيه قد سمعت رسول الله و عنده نساؤه يقول ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب

 و في رواية الماوردي أيتكن صاحبة الجمل الأدبب تخرج فتنبحها كلاب الحوأب يقتل من يمينها و يسارها قتلى كثيرة تنجو بعد ما كادت تقتل فلما نزلت الخريبة قصدهم عثمان بن حنيف و حاربهم فتداعوا إلى الصلح فكتبوا بينهم كتابا أن لعثمان دار الإمارة و بيت المال و المسجد إلى أن يصل إليهم علي فقال طلحة لأصحابه في السر و الله لئن قدم علي البصرة لنؤخذن بأعناقنا فأتوا على عثمان بياتا في ليلة ظلماء و هو يصلي بالناس العشاء الآخرة و قتلوا منهم خمسين رجلا و استأسروه و نتفوا شعره و حلقوا رأسه و حبسوه فبلغ ذلك سهل بن حنيف فكتب إليهما أعطي الله عهدا لئن لم تخلوا سبيله لأبلغن من أقرب الناس إليكما فأطلقوه ثم بعثا عبد الله بن الزبير في جماعة إلى بيت المال فقتل أبا سالمة الزطي في خمسين رجلا و بعثت عائشة إلى أحنف تدعوه فأبى و اعتزل بالجلحاء من البصرة في فرسخين و هو في ستة آلاف فأمر علي سهل بن حنيف على المدينة و قثم بن العباس على مكة و خرج في ستة آلاف إلى الربذة و منها إلى ذي قار و أرسل الحسن و عمارا إلى الكوفة و كتب إليهم من عبد الله و وليه علي أمير المؤمنين إلى أهل الكوفة جبهة الأنصار و سنام العرب ثم ذكر فيه قتل عثمان و فعل طلحة و الزبير و عائشة ثم قال إن دار الهجرة قد قلعت بأهلها و قلعوا بها و جاشت جيش المرجل و قامت الفتنة على القطب فأسرعوا إلى أميركم و بادروا عدوكم فلما بلغا الكوفة قال أبو موسى الأشعري يا أهل الكوفة اتقوا الله وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً الآية فسكنه عمار فقال أبو موسى هذا كتاب عائشة تأمرني أن تكف أهل الكوفة فلا تكونن لنا و لا علينا ليصل إليهم صلاحهم فقال عمار إن الله تعالى أمرها بالجلوس فقامت و أمرنا بالقيام لندفع الفتنة فنجلس فقام زيد بن صوحان و مالك الأشتر في أصحابهما و تهددوه فلما أصبحوا قام زيد بن صوحان و قرأ الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ الآيات ثم قال يا أيها الناس سيروا إلى أمير المؤمنين و انفروا إليه أجمعين تصببوا الحق راشدين ثم قال عمار هذا ابن عم رسول الله يستنفركم فأطيعوه في كلام له و قال الحسن بن علي ص أجيبوا دعوتنا و أعينونا على ما بلينا به في كلام له فخرج قعقاع بن عمرو و هند بن عمرو و هيثم بن شهاب و زيد بن صوحان و المسيب بن نجبة و يزيد بن قيس و حجر بن عدي و ابن مخدوج و الأشتر يوم الثالث في تسعة آلاف فاستقبلهم علي على فرسخ و قال مرحبا بكم أهل الكوفة و فئة الإسلام و مركز الدين

 في كلام له و خرج إلى علي من شيعته من أهل البصرة من ربيعته ثلاثة آلاف رجل و بعث الأحنف إليه إن شئت أتيتك في مائتي فارس فكنت معك و إن شئت اعتزلت ببني سعد فكففت عنك ستة آلاف سيف فاختار ع اعتزاله

 الأعثم في الفتوح أنه كتب أمير المؤمنين إليهما أما بعد فإني لم أرد الناس حتى أرادوني و لم أبايعهم حتى أكرهوني و أنتما ممن أراد بيعتي ثم قال ع بعد كلام و دفعكما هذا الأمر قبل أن تدخلا فيه كان أوسع لكما من خروجكما منه بعد إقراركما

 البلاذري لما بلغ عليا قولهما ما بايعناه إلا مكرهين تحت السيف قال أبعدهما الله أقصى دار و أحر نار

 الأعثم و كتب إلى عائشة أما بعد فإنك خرجت من بيتك عاصية لله عز و جل و لرسوله محمد تطلبين أمرا كان عنك موضوعا ثم تزعمين أنك تريدين الإصلاح بين المسلمين فخبريني ما للنساء و قود العساكر و الإصلاح بين الناس و طلبت كما زعمت بدم عثمان و عثمان رجل من بني أمية و أنت امرأة من بني تيم بن مرة و لعمري إن الذي عرضك للبلاء و حملك على العصبية لأعظم إليك ذنبا من قتلة عثمان و ما غضبت حتى أغضبت و لا هجت حتى هيجت فاتقي الله يا عائشة و ارجعي إلى منزلك و أسبلي عليك سترك و قالت عائشة قد جل الأمر عن الخطاب احكم كما تريد فلن ندخل في طاعتك فأنشأ حبيب بن يساف الأنصاري

أبا حسن أيقظت من كان نائما و ما كان من يدعي إلى الحق يتبع‏و إن رجالا بايعوك و خالفوا هواك و أجروا في الضلال و ضيعواو طلحة فيها و الزبير قرينه و ليس لما لا يدفع الله مدفع‏و ذكرهم قتل ابن عفان خدعة هم قتلوه و المخادع يخدع

و سأل ابن الكواء و قيس بن عباد أمير المؤمنين عن قتال طلحة و الزبير فقال إنهما بايعاني بالحجاز و خلعاني بالعراق فاستحللت قتالهما لنكثهما بيعتي

 تاريخي الطبري و البلاذري أنه ذكر مجي‏ء طلحة و الزبير إلى البصرة قبل الحسن فقال يا سبحان الله أ ما كان للقوم عقول أن يقولوا و الله ما قتله غيركم

  تاريخ الطبري قال يونس النحوي فكرت في أمر علي و طلحة و الزبير إن كانا صادقين أن عليا قتل عثمان فعثمان هالك و إن كذبا عليه فهما هالكان تاريخ الطبري قال رجل من بني سعد

صنتم حلائلكم و قدتم أمكم هذا لعمري قلة الإنصاف‏أمرت بجر ذيولها في بيتها فهوت تشق البيد بالإيجاف‏عرضا يقاتل دونها أبناؤها بالنبل و الخطي و الأسياف

 و أنفذ أمير المؤمنين زيد بن صوحان و عبد الله بن عباس فوعظاها و خوفاها

 و في كتاب رامش أفزاي أنها قالت لا طاقة لي بحجج علي فقال ابن عباس لا طاقة لك بحجج المخلوق فكيف طاقتك بحجج الخالق

95-  شي، ]تفسير العياشي[ عن جعفر بن مروان قال إن الزبير اخترط سيفه يوم قبض النبي ص و قال لا أغمده حتى أبايع لعلي ثم اخترط سيفه فضارب عليا ع و كان ممن أعير الإيمان فمشى في ضوء نوره ثم سلبه الله إياه

96-  شي، ]تفسير العياشي[ عن سعيد بن أبي الأصبغ قال سمعت أبا عبد الله ع و هو يسأل عن مستقر و مستودع قال مستقر في الرحم و مستودع في الصلب و قد يكون مستودع الإيمان ثم ينزع منه و لقد مشى الزبير في ضوء الإيمان و نوره حتى قبض رسول الله ص حتى مشى بالسيف و هو يقول لا نبايع إلا عليا

  -97  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ عمار و ابن عباس أنه لما صعد علي ع المنبر قال لنا قوموا فتخللوا الصفوف و نادوا هل من كاره فتصارخ الناس من كل جانب اللهم قد رضينا و سلمنا و أطعنا رسولك و ابن عمه فقال يا عمار قم إلى بيت المال فأعط الناس ثلاثة دنانير لكل إنسان و ارفع لي ثلاثة دنانير فمضى عمار و أبو الهيثم مع جماعة من المسلمين إلى بيت المال و مضى أمير المؤمنين إلى مسجد قباء يصلي فيه فوجدوا فيه ثلاث مائة ألف دينار و وجدوا الناس مائة ألف فقال عمار جاء و الله الحق من ربكم و الله ما علم بالمال و لا بالناس و إن هذه لآية وجبت عليكم بها طاعة هذا الرجل فأبى طلحة و الزبير و عقيل أن يقبلوها القصة

98-  شي، ]تفسير العياشي[ عن زرارة عن أحدهما ع قال قلت الزبير شهد بدرا قال نعم و لكنه فر يوم الجمل فإن كان قاتل المؤمنين فقد هلك بقتاله إياهم و إن كان قاتل كفارا فقد باء بغضب من الله حين ولاهم دبره

99-  شي، ]تفسير العياشي[ عن إسماعيل بن السري عن قوله وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً قال أخبرت أنهم أصحاب الجمل

  -100  جا، ]المجالس للمفيد[ علي بن خالد المراغي عن الحسن بن علي الكوفي عن جعفر بن محمد بن مروان عن إسحاق بن يزيد عن سليمان بن قرم عن أبي الجحاف عن عمار الدهني عن أبي عثمان مؤذن بني أفصى قال سمعت علي بن أبي طالب ع حين خرج طلحة و الزبير لقتاله يقول عذيري من طلحة و الزبير بايعاني طائعين غير مكرهين ثم نكثا بيعتي من غير حدث ثم تلا هذه الآية وَ إِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَ طَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ

101-  جا، ]المجالس للمفيد[ محمد بن داود الحتمي عن عبد الله بن سليمان بن الأشعث عن أحمد بن محمد بن عبد الله عبدان عن إبراهيم الخولي عن سعيد بن داود بن الزبير عن مالك بن أنس عن أبي سهل بن مالك عن أبيه قال إني لواقف مع المغيرة بن شعبة عند نهوض علي بن أبي طالب ع من المدينة إلى البصرة إذ أقبل عمار بن ياسر رضي الله عنه فقال له هل لك في الله عز و جل يا مغيرة فقال و أين هو يا عمار قال تدخل في هذه الدعوة فتلحق بمن سبقك و تسود من خلفك فقال له المغيرة أو خير من ذلك يا أبا اليقظان قال عمار و ما هو قال ندخل بيوتنا و نغلق علينا أبوابنا حتى يضي‏ء لنا الأمر فنخرج و نحن مبصرون و لا نكون كقاطع السلسلة فر من الضحل فوقع في الغمر فقال له عمار هيهات هيهات أ جهل بعد علم و عمى بعد استبصار و لكن اسمع لقولي فو الله لن تراني إلا في الرعيل الأول قال فطلع عليهما أمير المؤمنين ع فقال يا أبا اليقظان ما يقول لك الأعور فإنه و الله دائما يلبس الحق بالباطل و يموه فيه و لن يتعلق من الدين إلا بما يوافق الدنيا ويحك يا مغيرة إنها دعوة تسوق من يدخل فيها إلى الجنة فقال له المغيرة صدقت يا أمير المؤمنين إن لم أكن معك فلن أكون عليك

102-  كش، ]رجال الكشي[ روي أن عائشة كتبت من البصرة إلى زيد بن صوحان إلى الكوفة من عائشة زوجة النبي صلى الله عليه و آله إلى ابنها زيد بن صوحان الخالص أما بعد إذا أتاك كتابي هذا فاجلس في بيتك و خذل الناس عن علي بن أبي طالب حتى يأتيك أمري فلما قرأ زيد كتابها قال أمرت بأمر و أمرنا بغيره فركبت ما أمرنا به و أمرتنا أن نركب ما أمرت هي به أمرت أن تقر في بيتها و أمرنا أن نقاتل حتى لا تكون فتنة و السلام

103-  كشف، ]كشف الغمة[ من غزواته صلوات الله عليه وقعة الجمل و المجتمعون لها لما رفضوا عليا و نقضوا بيعته و نكثوا عهده و غدروا به و خرجوا عليه و جمعوا الناس لقتاله مستخفين بعقد بيعته التي لزمهم فرض حكمها مسفين إلى إثارة فتنة عامة باءوا بإثمها لم ير إلا مقاتلتهم على مسارعتهم إلى نكث بيعته و مقاتلتهم عن الخروج عن حكم الله و لزوم طاعته و كان من الداخلين في البيعة أولا و الملتزمين لها ثم من المحرضين ثانيا على نكثها و نقضها طلحة و الزبير فأخرجا عائشة و جمعا من استجاب لهما و خرجوا إلى البصرة و نصبوا لعلي ع حبائل الغوائل و ألبوا عليه مطيعهم من الرامح و النابل مظهرين المطالبة بدم عثمان مع علمهم في الباطن أن عليا ع ليس بالآمر و لا القاتل و من العجب أن عائشة حرضت الناس على قتل عثمان بالمدينة و قالت اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا فلقد أبلى سنة رسول الله و هذه ثيابه لم تبل و خرجت إلى مكة و قتل عثمان و عادت إلى بعض الطريق فسمعت بقتله و أنهم بايعوا عليا فورم أنفها و عادت و قالت لأطالبن بدمه فقيل لها يا أم المؤمنين أنت أمرت بقتله و تقولين هذا قالت لم يقتلوه حيث قلت و تركوه حتى تاب و عاد كالسبيكة من الفضة و قتلوه و خرج طلحة و الزبير من المدينة على خفية و وصلا إليها بمكة و أخرجاها إلى البصرة و رحل علي ع من المدينة يطلبهم فلما قرب من البصرة كتب إلى طلحة و الزبير أما بعد فقد علمتما أني لم أرد الناس حتى أرادوني و لم أبايعهم حتى أكرهوني و أنتما ممن أرادوا بيعتي و بايعوا و لم تبايعا لسلطان غالب و لا لعرض غرض حاضر فإن كنتما بايعتما طائعين فتوبا إلى الله عز و جل عما أنتما عليه و إن كنتما بايعتما مكرهين فقد جعلتما السبيل عليكما بإظهاركما الطاعة و إسراركما المعصية و أنت يا زبير فارس قريش و أنت يا طلحة شيخ المهاجرين و دفعكما هذا الأمر قبل أن تدخلا فيه كان أوسع لكما من خروجكما منه بعد إقراركما به و أما قولكما إني قتلت عثمان بن عفان فبيني و بينكما من تخلف عني و عنكما من أهل المدينة ثم يلزم كل امرئ بقدر ما احتمل و هؤلاء بنو عثمان إن قتل مظلوما كما تقولان أولياؤه و أنتما رجلان من المهاجرين و قد بايعتماني و نقضتما بيعتي و أخرجتما أمكما من بيتها الذي أمر الله أن تقر فيه و الله حسيبكما و السلام و كتب إلى عائشة أما بعد فإنك خرجت من بيتك عاصية لله تعالى و لرسوله تطلبين أمرا كان عنك موضوعا ثم تزعمين أنك تريدين الإصلاح بين الناس فخبريني ما للنساء و قود العساكر و زعمت أنك طالبة بدم عثمان و عثمان رجل من بني أمية و أنت امرأة من بني تيم بن مرة و لعمري إن الذي عرضك للبلاء و حملك على المعصية لأعظم إليك ذنبا من قتلة عثمان و ما غضبت حتى أغضبت و لا هجت حتى هيجت فاتقي الله يا عائشة و ارجعي إلى منزلك و أسبلي عليك سترك و السلام فجاء الجواب إليه يا ابن أبي طالب جل الأمر عن العتاب و لن ندخل في طاعتك أبدا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ و السلام

104-  فر، ]تفسير فرات بن إبراهيم[ الحسن بن محمد معنعنا عن أبي الطفيل رضي الله عنه قال سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع يقول علم المحفوظون من أصحاب محمد ص و عائشة بنت أبي بكر أن أصحاب الجمل و أصحاب النهروان ملعونون على لسان النبي ص وَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ

  -105  كا، ]الكافي[ علي عن أبيه عن ابن محبوب عن سلام بن عبد الله و محمد بن الحسن و علي بن محمد عن سهل بن زياد و أبو علي الأشعري عن محمد بن حسان جميعا عن محمد بن علي عن علي بن أسباط عن سلام بن عبد الله الهاشمي قال محمد بن علي و قد سمعته عنه عن أبي عبد الله ع قال بعث طلحة و الزبير رجلا من عبد القيس يقال له خداش إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه و قالا له إنا نبعثك إلى رجل طال ما كنا نعرفه و أهل بيته بالسحر و الكهانة و أنت أوثق من بحضرتنا من أنفسنا من أن تمتنع من ذلك منه و أن تحاجه لنا حتى تقفه تفقه على أمر معلوم و اعلم أنه أعظم الناس دعوى فلا يكسرنك ذلك عنه و من الأبواب التي يخدع الناس بها الطعام و الشراب و العسل و الدهن و أن يخالي الرجل فلا تأكل له طعاما و لا تشرب له شرابا و لا تمس له عسلا و لا دهنا و لا تخل معه و احذر هذا كله منه و انطلق على بركة الله فإذا رأيته فاقرأ آية السخرة و تعوذ بالله من كيده و كيد الشيطان فإذا جلست إليه فلا تمكنه من بصرك كله و لا تستأنس به ثم قل له إن أخويك في الدين و ابني عميك يناشدانك القطيعة و يقولان لك أ ما تعلم أنا تركنا الناس لك و خالفنا عشائرنا فيك منذ قبض الله عز و جل محمدا ص فلما نلت أدنى منال ضيعت حرمتنا و قطعت رجاءنا ثم قد رأيت أفعالنا فيك و قدرتنا على النأي عنك و سعة البلاد دونك و أن من كان يصرفك عنا و عن صلتنا كان أقل لك نفعا و أضعف عنك دفعا منا و قد وضح الصبح لذي عينين و قد بلغنا عنك انتهاك لنا و دعاء علينا فما الذي يحملك على ذلك فقد كنا نرى أنك أشجع فرسان العرب أ تتخذ اللعن لنا دينا و ترى أن ذلك يكسرنا عنك فلما أتى خداش أمير المؤمنين صلوات الله عليه صنع ما أمراه فلما نظر إليه علي ع و هو يناجي نفسه ضحك و قال هاهنا يا أبا عبد قيس و أشار له إلى مجلس قريب منه فقال ما أوسع المكان أريد أن أودي إليك رسالة قال بل تطعم و تشرب و تخلي ثيابك و تدهن ثم تؤدي رسالتك قم يا قنبر فأنزله قال ما بي إلى شي‏ء مما ذكرت حاجة قال فأخلو بك قال كل سر لي علانية قال فأنشدك الله الذي هو أقرب إليك من نفسك الحائل بينك و بين قلبك الذي يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور أ تقدم لك الزبير بما عرضت عليك قال اللهم نعم قال لو كتمت بعد ما سألتك ما ارتد إليك طرفك فأنشدك الله هل علمك كلاما تقوله إذا أتيتني قال اللهم نعم قال علي ع آية السخرة قال نعم قال فاقرأها فقرأها و جعل علي ع يكررها عليه و يرددها و يفتح عليه إذا أخطأ حتى إذا قرأها سبعين مرة قال الرجل ما يرى أمير المؤمنين ع أمره بترددها سبعين مرة قال له أ تجد قلبك اطمأن قال إي و الذي نفسي بيده قال فما قالا لك فأخبره فقال قل لهما كفى بمنطقكما حجة عليكما و لكن الله لا يهدي القوم الظالمين زعمتما أنكما أخواي في الدين و ابنا عمي في النسب أما النسب فلا أنكره و إن كان النسب مقطوعا إلا ما وصله الله بالإسلام و أما قولكما إنكما أخواي فإن كنتما صادقين فقد فارقتما كتاب الله عز و جل و عصيتما أمره بأفعالكما في أخيكما في الدين و إلا فقد كذبتما و افتريتما بادعائكما أنكما أخواي في الدين و أما مفارقتكما الناس منذ قبض الله محمدا فإن كنتما فارقتماهم بحق فقد نقضتما ذلك الحق بفراقكما إياي أخيرا و إن فارقتماهم بباطل فقد وقع إثم ذلك الباطل عليكما مع الحدث الذي أحدثتما مع أن صفقتكما بمفارقتكما الناس لم يكن إلا لطمع الدنيا زعمتما و ذلك قولكما قطعت رجاءنا لا تعيبان بحمد الله علي من ديني شيئا

 و أما الذي صرفني عن صلتكما فالذي صرفكما عن الحق و حملكما على خلعه من رقابكما كما يخلع الحرون لجامه و هو الله ربي لا أشرك به شيئا فلا تقولا هو أقل نفعا و أضعف دفعا فتستحقا اسم الشرك مع النفاق و أما قولكما إني أشجع فرسان العرب و هربكما من لعني و دعائي فإن لكل موقف عملا إذا اختلفت الأسنة و ماجت لبود الخيل و ملأ سحراكما أجوافكما فثم يكفيني الله بكمال القلب و أما إذا أبيتما بأني أدعو الله فلا تجزعا من أن يدعو عليكما رجل ساحر من قوم سحره زعمتما ثم قال اللهم أقعص الزبير شر قتلة و اسفك دمه على ضلالة و عرف طلحة المذلة و ادخر لهما في الآخرة شرا من ذلك إن كانا ظلماني و افتريا علي و كتما شهادتهما و عصياني و عصيا رسولك في قل آمين قال خداش آمين ثم قال خداش لنفسه و الله ما رأيت لحية قط أبين خطأ منك حامل حجة ينقض بعضها بعضا لم يجعل الله لها سماكا أنا أبرأ إلى الله منهما ثم قال علي ع ارجع إليهما و أعلمهما ما قلت قال لا و الله حتى تسأل الله أن يردني إليك عاجلا و أن يوفقني لرضاه فيك ففعل فلم يلبث أن انصرف و قتل معه يوم الجمل رحمه الله

 توضيح خداش بكسر الخاء و تخفيف الدال و قول من أنفسنا بيان لمن أي من الذين هم منا و في بعض النسخ في أنفسنا و هو أظهر و قوله من أن تمتنع متعلق بقوله أوثق و من تعليلية و أن تحاجه معطوف على أن تمتنع حتى تفقه أي تتفقه بحذف إحدى التاءين و تضمين معنى الاطلاع و الأظهر تقفه من وقفته بمعنى أطلعته و أن يخالي الرجل أي يخلو به فلا تمكنه من بصرك أي لا تنظر إليه كثيرا و إنما نهياه عن ذلك لئلا يرى محاسن أخلاقه و آدابه فيميل إلى الحق و ابني عمك إنما قالا ذلك لكونهما من قريش يناشدانك القطيعة أي يقسمان عليك أن لا تقطع الرحم فلما نلت أدنى منال أي أصبت أدنى مقدرة و جاه أ تتخذ اللعن لنا دينا غرضهما أن اللعن دأب العاجزين و كنا نظن أنك أشجع الفرسان و تخلي ثيابك أي من القمل و الأدناس و في بعض النسخ و تحل و لعله أظهر الحائل بينك و بين قلبك أي يعلم من قلبك ما تغفل عنه أو هو أملك لقلبك منك و خائنة الأعين نظرها إلى ما لا ينبغي و مسارقة النظر و تحريك الجفون للغمز و نحوه ما ارتد إليك طرفك كناية عن الموت قال الرجل أي في نفسه متعجبا من أمره بتكريره الآية و كان ذلك لرفع سحرهما و شبههما عن قلبه و تنوير قلبه بالإيمان مع الحدث الذي أحدثتما أي من إبراز زوجة النبي ص من بيتها و إحداث الفتنة بين المسلمين. أو المعنى أنكم تعلمون أني على الحق و أن ما أردتم بي باطل فلزمكم الإثم من جهتين متناقضتين. أو المراد نصرتهما له مع علمهما بكونه على الباطل و لعل الأول أظهر زعمتما أي أنكما تصيبانها. و قال الجوهري فرس حرون لا ينقاد و إذا اشتد به الجري وقف. و هو الله ربي أي الذي صرفني عن صلتكما هو الله تعالى فلا تقولا هو أقل نفعا و أضعف دفعا فتكفرا. أو صارفهما عن الحق أيضا هو الله مجازا لسلب توفيقه عنهما. أو المراد أن صارفي عن الصلة هو سوء عقيدتكم و سريرتكم الذي حملكم على نقض البيعة و الصارف عن الصلة حقيقة هو الله تعالى لأنه نهى عن صلة الكافرين. و قيل الضمير للشأن و لا يخفى ما فيه و هربكما في بعض النسخ و هزؤكما و هو أظهر و اللبود جمع اللبد و هو الشعر المتراكم بين كتفي الفرس.

  و السحر بالضم و التحريك الرئة و يقال للجبان قد انتفخ سحره ذكره الجوهري و قال ضربه فأقعصه أي قتله مكانه ما رأيت لحية أي ذا لحية أو المراد بقوله منك من لحيتك

106-  كا، ]الكافي[ علي عن أبيه عن بعض أصحابه عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر ع قال لما خرج أمير المؤمنين ع يريد البصرة نزل بالربذة فأتاه رجل من محارب فقال يا أمير المؤمنين إني تحملت في قومي حمالة و إني سألت في طوائف منهم المواساة و المعونة فسبقت إلى ألسنتهم بالنكد فمرهم يا أمير المؤمنين بمعونتي و حثهم على مواساتي فقال أين هم فقال هؤلاء فريق منهم حيث ترى قال فنص راحلته فأدلفت كأنها ظليم فأدلف بعض أصحابه في طلبها فلأيا بلأي ما لحقت فانتهى إلى القوم فسلم عليهم و سألهم ما يمنعهم من مواساة صاحبهم فشكوه و شكاهم فقال أمير المؤمنين ع وصل امرؤ عشيرته فإنهم أولى ببره و ذات يده و وصلت العشيرة أخاها إن عثر به دهر و أدبرت عنه دنيا فإن المتواصلين المتباذلين مأجورون و إن المتقاطعين المتدابرين موزورون قال ثم بعث راحلته و قال حل خل

 بيان الربذة قرية معروفة قرب المدينة و محارب اسم قبيلة و الحمالة بالفتح ما يتحمله الإنسان من غيره من دية أو غرامة و النكد الشدة و العسر و نص راحلته استخرج أقصى ما عندها من السير ذكره الجوهري و قال الدلف المشي الرويد يقال دلف الشي‏ء إذا مشى و قارب الخطو و دلفت الكتيبة في الحرب إذا تقدمت. و قال الفيروزآبادي في القاموس اندلف علي انصب و تدلف إليه تمشي و دنا انتهى. و المراد هنا الركض و التقدم و الظليم ذكر النعامة و الضمير في طلبها راجع إلى الراحلة. و قال الجوهري يقال فعل كذا بعد لأي أي بعد شدة و إبطاء و لأى لأيا أي أبطأ. و قال في النهاية في حديث أم أيمن فبلأي ما استغفر لهم أي بعد مشقة و جهد و إبطاء انتهى. و ما زائدة للإبهام و المبالغة أي فلحقت راحلة بعض الأصحاب راحلته ع بعد إبطاء مع إبطاء و شدة فلأيا إما حال أو مفعول مطلق من غير اللفظ و يمكن أن يقرأ لحقت على بناء المفعول وصل امرؤ أمر في صورة الخبر و النكرة للعموم كقولهم أنجز حر ما وعد و ذات يده أي ما في يده من الأموال و قال حل بالحاء المهملة و تخفيف اللام و هو زجر للناقة كما ذكره الجوهري و في بعض النسخ بالخاء المعجمة و تشديد اللام فكان الرجل كان آخذا بزمام الناقة أو بغرزها فلما فرغ أمير المؤمنين من وعظهم قال للرجل خل سبيل الناقة

107-  كا، ]الكافي[ العدة عن سهل عن ابن يزيد عن محمد بن جعفر العقبي رفعه قال خطب أمير المؤمنين فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أيها الناس إن آدم لم يلد عبدا و لا أمة و إن الناس كلهم أحرار و لكن الله خول بعضكم بعضا فمن كان له بلاء فصبر في الخير فلا يمن به على الله جل و عز ألا و قد حضر شي‏ء و نحن مسوون فيه بين الأسود و الأحمر فقال مروان لطلحة و الزبير ما أراد بهذا غيركما قال فأعطى كل واحد ثلاثة دنانير و أعطى رجلا من الأنصار ثلاثة دنانير و جاء بعده غلام أسود فأعطاه ثلاثة دنانير فقال الأنصاري يا أمير المؤمنين هذا غلام أعتقته بالأمس تجعلني و إياه سواء فقال إني نظرت في كتاب الله فلم أجد لولد إسماعيل على ولد إسحاق فضلا

108-  مد، ]العمدة[ بإسناده إلى مسند عبد الله بن أحمد بن حنبل عنه عن أبيه عن وكيع عن سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين ع قال حدثني ابن عباس قال أرسلني علي إلى طلحة و الزبير يوم الجمل قال فقلت لهما إن أخاكما يقرئكما السلام و يقول لكما هل وجدتما علي حيفا في حكم أو في استئثار في في‏ء أو في كذا قال فقال الزبير لا و لا في واحدة منهما و لكن مع الخوف شدة المطامع

109-  مد، ]العمدة[ من الجمع بين الصحاح الستة لرزين العبدري من موطإ مالك بإسناده عن أبي وائل قال دخل أبو وائل و ابن مسعود على عمار حين بعثه علي مع الحسن ابنه إلى الكوفة يستنفرهم فقالا له ما رأيناك أتيت أمرا أكره عندنا من إسراعك في هذا الأمر منذ أسلمت فقال لهما عمار ما رأيت منكما منذ أسلمتما أمرا أكره عندي من إبطائكما عن هذا الأمر و كساهما ابن مسعود حلة حلة

110-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلام له ع لما أشير عليه بأن لا يتبع طلحة و الزبير و لا يرصد يصدر لهما القتال و الله لا أكون كالضبع تنام على طول اللدم حتى يصل إليها طالبها و يختلها راصدها و لكن أضرب بالمقبل إلى الحق المدبر عنه و بالسامع المطيع العاصي المريب أبدا حتى يأتي علي يومي فو الله ما زلت مدفوعا عن حقي مستأثرا علي منذ قبض الله نبيه ص حتى يوم الناس هذا

 بيان اللدم على زنة اللطم و الشتم صوت الحجر أو العصاء أو غيرهما يضرب بها الأرض ضربا ليس بشديد يحكى أن الضبع يستغفل في جحرها بمثل ذلك فيسكن حتى يصاد و يضرب بها المثل في الحمق

111-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى طلحة و الزبير مع عمران بن الحصين الخزاعي ذكره أبو جعفر الإسكافي في كتاب المقامات أما بعد فقد علمتما و إن كتمتما إني لم أرد الناس حتى أرادوني و لم أبايعهم حتى بايعوني و أنكما ممن أرادني و بايعني و إن العامة لم تبايعني لسلطان غاصب و لا لحرص حاضر فإن كنتما بايعتماني طائعين فارجعا و توبا إلى الله من قريب و إن كنتما بايعتماني كارهين فقد جعلتما لي عليكما السبيل بإظهاركما الطاعة و إسراركما المعصية و لعمري ما كنتما بأحق المهاجرين بالتقية و الكتمان و إن دفعكما هذا الأمر قبل تدخلا فيه كان أوسع عليكما من خروجكما منه بعد إقراركما به و قد زعمتما أني قتلت عثمان فبيني و بينكما من تخلف عني و عنكما من أهل المدينة ثم يلزم كل امرئ بقدر ما احتمل فارجعا أيها الشيخان عن رأيكما فإن الآن أعظم أمركما العار من قبل أن يجتمع العار و النار و السلام

 بيان قوله ع من قبل متعلق بقوله فارجعا

112-  أقول قال ابن أبي الحديد في شرح النهج قال كل من صنف من أهل السير و الأخبار إن عائشة كانت من أشد الناس على عثمان حتى أنها أخرجت ثوبا من ثياب رسول الله ص فنصبته في منزلها و كانت تقول للداخلين إليها هذا ثوب رسول الله ص لم يبل و عثمان قد أبلى سنته و قالوا أول من سمى عثمان نعثلا عائشة

 و النعثل الكثير شعر اللحية و الجسد

 و كانت تقول اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا

  و روى المدائني في كتاب الجمل قال لما قتل عثمان كانت عائشة بمكة و بلغ قتله إليها و هي بشراف فلم تشك في أن طلحة صاحب الأمر و قالت بعدا لنعثل و سحقا إيه ذا الإصبع إيه أبا شبل إيه يا ابن عم لكأني أنظر إلى إصبعه و هو يبايع له حنوها لا بل و ذعذعوها قال و قد كان طلحة حين قتل عثمان أخذ مفاتيح بيت المال و أخذ نجائب كانت لعثمان في داره ثم فسد أمره فدفعها إلى علي ع

 و قال أبو مخنف في كتابه إن عائشة لما بلغها قتل عثمان و هي بمكة أقبلت مسرعة و هي تقول إيه ذا الإصبع لله أبوك أما إنهم وجدوا طلحة و الزبير لها كفوا فلما انتهت إلى شراف استقبلها عبيد بن أبي سلمة فقالت له ما عندك قال قتل عثمان قالت ثم ما ذا قال ثم جارت بهم الأمور إلى خير مجار بايعوا عليا فقالت لوددت أن السماء انطبقت على الأرض إن تم هذا انظر ما تقول قال هو ما قلت لك يا أم المؤمنين فولولت فقال لها ما شأنك يا أم المؤمنين و الله ما أعرف بين لابتيها أحدا أولى بها منه و لا أحق و لا أرى له نظيرا في جميع حالاته فلما ذا تكرهين ولايته قال فما ردت جوابا

 و في رواية قيس بن أبي حازم ثم ردت ركائبها إلى مكة فرأيتها في مسيرها تخاطب نفسها قتلوا ابن عفان مظلوما فقلت لها يا أم المؤمنين أ لم أسمعك آنفا تقولين أبعده الله و قد رأيتك قبل أشد الناس عليه و أقبحهم فيه قولا فقالت لقد كان ذلك و لكني نظرت في أمره فرأيتهم استتابوه حتى إذا تركوه كالفضة البيضاء أتوه صائما محرما في شهر حرام فقتلوه قال و كتب طلحة و الزبير إلى عائشة و هي بمكة كتابا أن خذلي الناس عن بيعة علي و أظهري الطلب بدم عثمان و حملا الكتاب مع ابن أختها عبد الله بن الزبير فلما قرأت الكتاب كاشفت و أظهرت الطلب بدم عثمان قال و لما عزمت عائشة على الخروج إلى البصرة طلبوا لها بعيرا أيدا يحمل هودجها فجاءهم يعلى بن أمية منية ببعير يسمى عسكرا و كان عظيم الخلق شديدا فلما رأته أعجبها و أنشأ الجمال يحدثها بقوته و شدته و يقول في أثناء كلامه عسكر فلما سمعت هذه اللفظة استرجعت و قالت ردوه لا حاجة لي فيه و ذكرت حيث سئلت أن رسول الله ص ذكر لها هذا الاسم و نهاها عن ركوبه و أمرت أن يطلب لها غيره فلم يوجد لها ما يشبهه فغير لها بجلال غير جلاله و قيل لها قد أصبنا لك أعظم منه خلقا و أشد منه قوة و أتيت به فرضيت قال أبو مخنف و أرسلت إلى حفصة تسألها الخروج و المسير معها فبلغ ذلك عبد الله بن عمر فأتى أخته فعزم عليها فأقامت و حطت الرحال بعد ما همت و كتب الأشتر من المدينة إلى عائشة و هي بمكة أما بعد فإنك ظعينة رسول الله ص و قد أمرك أن تقري في بيتك فإن فعلت فهو خير لك و إن أبيت إلا أن تأخذي منسأتك و تلقي جلبابك و تبدي للناس شعيراتك قاتلتك حتى أردك إلى بيتك و الموضع الذي يرضاه لك ربك فكتبت إليه في الجواب أما بعد فإنك أول العرب شب الفتنة و دعا إلى الفرقة و خالف الأئمة و سعى في قتل الخليفة و قد علمت أنك لن تعجز الله حتى يصيبك منه بنقمة ينتصر بها منك للخليفة المظلوم و قد جاءني كتابك و فهمت ما فيه و سنكفيك و كل من أصبح مماثلا لك في غيك و ضلالك إن شاء الله قال أبو مخنف لما انتهت عائشة في مسيرها إلى الحوأب و هو ماء لبني عامر بن صعصعة نبحتها الكلاب حتى نفرت صعاب إبلها فقال قائل من أصحابها أ لا ترون ما أكثر كلاب الحوأب و ما أشد نباحها فأمسكت زمام بعيرها و قالت و إنها لكلاب الحوأب ردوني ردوني فإني سمعت رسول الله يقول و ذكرت الخبر فقال لها قائل مهلا يرحمك الله فقد جزنا ماء الحوأب فقالت فهل من شاهد فلفقوا لها خمسين أعرابيا جعلوا لهم جعلا فحلفوا لها أن هذا ليس بماء الحوأب فسارت لوجهها و لما انتهوا إلى حفر أبي موسى قريبا من البصرة أرسل عثمان بن حنيف و هو يومئذ عامل علي ع على البصرة إلى القوم أبا الأسود الدؤلي يعلم له علمهم فجاء حتى دخل على عائشة فسألها عن مسيرها فقالت أطلب بدم عثمان قال إنه ليس بالبصرة من قتلة عثمان أحد قالت صدقت و لكنهم مع علي بن أبي طالب بالمدينة و جئت أستنهض أهل البصرة لقتاله أ نغضب لكم من سوط عثمان و لا نغضب لعثمان من سيوفكم فقال لها ما أنت من السوط و السيف إنما أنت حبيس رسول الله أمرك أن تقري في بيتك و تتلي كتاب ربك ليس على النساء قتال و لا لهن الطلب بالدماء و إن عليا لأولى بعثمان منك و أمس رحما فإنهما ابنا عبد مناف فقالت لست بمنصرفة حتى أمضي لما قدمت له أ فتظن يا أبا الأسود أن أحدا يقدم على قتالي فقال أما و الله لتقاتلن قتالا أهونه الشديد ثم قام فأتى الزبير فقال يا أبا عبد الله عهد الناس بك و أنت يوم بويع أبو بكر آخذ بقائم سيفك تقول لا أحد أولى بهذا الأمر من ابن أبي طالب و أين هذا المقام من ذاك فذكر له دم عثمان قال أنت و صاحبك وليتماه فيما بلغناه قال فانطلق إلى طلحة فاسمع ما يقول فذهب إلى طلحة فوجده

  مصرا على الحرب و الفتنة فرجع إلى عثمان بن حنيف فقال إنها الحرب فتأهب لها قال و لما نزل علي ع البصرة كتبت عائشة إلى زيد بن صوحان العبدي من عائشة بنت أبي بكر الصديق زوج النبي إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان أما بعد فأقم في بيتك و خذل عن علي و ليبلغني عنك ما أحب فإنك أوثق أهلي عندي و السلام فكتب إليها من زيد بن صوحان إلى عائشة بنت أبي بكر أما بعد فإن الله أمرك بأمر و أمرنا بأمر أمرك أن تقري في بيتك و أمرنا أن نجاهد و قد أتاني كتابك فأمرتني أن أصنع خلاف ما أمرني الله فأكون قد صنعت ما أمرك الله به و صنعت ما أمرني الله به فأمرك عندي غير مطاع و كتابك غير مجاب و السلام بيان حنوها أي جعلوا إصبعه منحنية للبيعة لا بل و ذعذعوها أي كسروها و بددوها لهجومهم على البيعة و الظعينة الامرأة في الهودج و المنسأة العصا تهمز و لا تهمز

 113-  الكافية في إبطال توبة الخاطئة عن نوح بن دراج عن إسحاق قال دعا عثمان بن حنيف عمران بن الحصين الخزاعي و كان من أصحاب رسول الله ص فبعثه و بعث معه أبا الأسود الدؤلي إلى طلحة و الزبير و عائشة فقال انطلقا فأعلما ما أقدم علينا هؤلاء القوم و ما يريدون قال أبو الأسود فدخلنا على عائشة فقال لها عمران بن الحصين يا أم المؤمنين ما أقدمك بلدنا و لم تركت بيت رسول الله الذي فارقك فيه و قد أمرك أن تقري في بيتك و قد علمت أنك إنما أصبت الفضيلة و الكرامة و الشرف و سميت أم المؤمنين و ضرب عليك الحجاب ببني هاشم فهم أعظم الناس عليك منة و أحسنهم عندك يدا و لست من اختلاف الناس في شي‏ء لو لا لك من الأمر شي‏ء و علي أولى بدم عثمان فاتقي الله و احفظي قرابته و سابقته فقد علمت أن الناس بايعوا أباك فما أظهر عليه خلافا و بايع أبوك عمر و جعل الأمر له دونه فصبر و سلم و لم يزل بهما برا ثم كان من أمرك و أمر الناس و عثمان ما قد علمت ثم بايعتم عليا ع فغبنا عنكم فأتتنا رسلكم بالبيعة فبايعنا و سلمنا فلما قضى كلامه قالت عائشة يا أبا عبد الله ألقيت أخاك أبا محمد يعني طلحة فقال لها ما لقيته بعد و ما كنت لآتي أحدا و لا أبدأ به قبلك قالت فأته فانظر ما ذا يقول قال فأتيناه فكلمه عمران فلم يجد عنده شيئا مما يحب فخرجنا من عنده فأتينا الزبير و هو متكئ و قد بلغه كلام عمران و ما قال لعائشة فلما رآنا قعد و قال أ يحسب ابن أبي طالب أنه حين ملك ليس لأحد معه أمر فلما رأى ذلك عمران لم يكلمه فأتى عمران عثمان فأخبره 114-  و عن أسوس أشرس العبدي عن عبد الجليل بن إبراهيم إن الأحنف بن قيس أقبل حين نزلت عائشة أول مرحلة من البصرة فدخل عليها فقال يا أم المؤمنين و ما الذي أقدمك و ما أشخصك و ما تريدين قالت يا أحنف قتلوا عثمان فقال يا أم المؤمنين مررت بك عام أول بالمدينة و أنا أريد مكة و قد أجمع الناس على قتل عثمان و رمي بالحجارة و حيل بينه و بين الماء فقلت لك يا أم المؤمنين اعلمي أن هذا الرجل مقتول و لو شئت لتردين عنه و قلت فإن قتل فإلى من فقلت إلى علي بن أبي طالب قالت يا أحنف صفوه حتى إذا جعلوه مثل الزجاجة قتلوه فقال لها أقبل قولك في الرضا و لا أقبل قولك في الغضب ثم أتى طلحة فقال يا أبا محمد ما الذي أقدمك و ما الذي أشخصك و ما تريد فقال قتلوا عثمان قال مررت بك عاما أول بالمدينة و أنا أريد العمرة و قد أجمع الناس على قتل عثمان و رمي بالحجارة و حيل بينه و بين الماء فقلت لكم إنكم أصحاب محمد ص لو تشاءون أن تردوا عنه فعلتم فقلت دبر فأدبر فقلت لك فإن قتل فإلى من فقلت إلى علي بن أبي طالب ع فقال ما كنا نرى أن أمير المؤمنين صلى الله عليه و آله يرى أن يأكل الأمر وحده 115-  و عن حريز بن حازم عن أبي سلمة عن أبي نضرة عن رجل من ضبيعة قال لما قدم طلحة و الزبير و نزلا طاحية ركبت فرسي فأتيتهما فقلت لهما إنكما رجلان من أصحاب رسول الله ص و أنا أصدقكما و أثق بكما خبراني عن مسيركما هذا شي‏ء عهده إليكما رسول الله ص أما طلحة فنكس رأسه و أما الزبير فقال حدثنا أن هاهنا دراهم كثيرة فجئنا لنأخذ منها و عن أشعث عن ابن سيرين عن أبي الجليل و كان من خيار المسلمين قال دخلنا على طلحة و الزبير حين قدما البصرة فقلنا أ رأيتما مقدمكما هذا شي‏ء عهد إليكما رسول الله أم رأي رأيتماه فقالا لا و لكنا أردنا أن نصيب من دنياكم 116-  أقول و روى أحمد بن أعثم الكوفي أنه لما قضت عائشة حجها و توجهت إلى المدينة استقبلها عبيد بن سلمة الليثي و كان يسمى ابن أم كلاب فسألته عائشة عن المدينة و أهلها فقال قتل عثمان قالت فما فعلوا قال بايعوا علي بن أبي طالب ع فقالت ليت السماء سقطت على

  الأرض و لم أسمع ذلك منك و الله لقد قتل عثمان مظلوما و لأطلبن بثأره و و الله إن يوما من عمر عثمان أفضل من حياة علي فقال عبيد أ ما كنت تثنين على علي ع و تقولين ما على وجه الأرض أحد أكرم على الله من علي بن أبي طالب ع فما بدا لك إذ لم ترضي بإمامته و أ ما كنت تحرضين الناس على قتل عثمان و تقولين اقتلوا نعثلا فقد كفر فقالت عائشة قد كنت قلته و لكني علمته خيرا فرجعت عن قولي و قد استتابوه فتاب و غفر له فرجعت عائشة إلى مكة و كان من أمرها ما ستر 117-  و روى ابن الأثير في الكامل أنه لما أخبرها عبيد بن سلمة بقتل عثمان و اجتماع الناس على بيعة أمير المؤمنين قالت أ يتم الأمر لصاحبك ردوني ردوني فانصرفت إلى مكة و هي تقول قتل و الله عثمان مظلوما و الله لأطلبن بدمه فقال لها لقد كنت تقولين اقتلوا نعثلا فقد كفر فقالت إنهم استتابوه ثم قتلوه و قد قلت و قالوا و قولي الأخير خير من قولي الأول فقال لها ابن أم الكلاب

فمنك البداة و منك الغير و منك الرياح و منك المطرو أنت أمرت بقتل الإمام و قلت لنا إنه قد كفرفهبنا أطعناك في قتله و قاتله عندنا من أمرو لم يسقط السقف من فوقنا و لم ينكسف شمسنا و القمر

 و قد بايع الناس ذا بدرة يزيل الشبا و يقيم الصغرو تلبس للحرب أثوابها و ما من وفى مثل من قد غدر

 فانصرفت عائشة إلى مكة فقصدت الحجر فاجتمع الناس إليها فقالت أيها الناس إن الغوغاء من أهل الأمصار و أهل المياه و عبيد أهل المدينة اجتمعوا على هذا الرجل المقتول ظلما بالأمس و نقموا عليه استعمال من حدث سنه و قد استعمل أمثالهم من قبله و مواضع من الحمى حماها لهم فتابعهم و نزع لهم عنها فلما لم يجدوا حجة و لا عذرا بادروا بالعدوان فسفكوا الدم الحرام و استحلوا البلد الحرام و الشهر الحرام و أخذوا المال الحرام و الله لإصبع من عثمان خير من طباق الأرض أمثالهم و و الله لو أن الذي اعتدوا به عليه كان ذنبا لخلص منه كما يخلص الذهب من خبثه و الثوب من درنه إذ ماصوه كما يماص الثوب بالماء فقال عبد الله بن عامر الحضرمي و كان عامل عثمان على مكة ها أنا أول طالب بدمه فكان أول مجيب و تبعه بنو أمية و كانوا هربوا من المدينة بعد قتل عثمان إلى مكة فرفعوا رءوسهم و كان أول ما تكلموا بالحجاز و تبعهم سعيد بن العاص و الوليد بن عتبة و سائر بني أمية و قدم عليهم عبد الله بن عامر من البصرة بمال كثير و يعلى بن منية من اليمن و معه ست مائة بعير و ستة آلاف دينار فأناخ بالأبطح و قدم طلحة و الزبير من المدينة و لقيا عائشة فقالت ما وراءكما قالا إنا تحملنا هرابا من المدينة من غوغاء و أعراب و فارقنا قوما حيارى لا يعرفون حقا و لا ينكرون باطلا و لا يمنعون أنفسهم فقالت انهضوا إلى هذه الغوغاء فقالوا نأتي الشام فقال ابن عامر كفاكم الشام معاوية فأتوا البصرة فاستقام الرأي على البصرة و كانت أزواج النبي ص معها على قصد المدينة فلما تغير رأيها إلى البصرة تركن ذلك و أجابتهم حفصة إلى المسير معهم فمنعها أخوها عبد الله و جهزهم يعلى بن منية بستمائة بعير و ستمائة ألف درهم و جهزهم بن عامر بمال كثير و نادى مناديها إن أم المؤمنين و طلحة و الزبير شاخصون إلى البصرة فمن أراد إعزاز الإسلام و قتال المستحلين و الطلب بثأر عثمان و ليس له مركب فليأت فحملوا على ستمائة بعير و ساروا في ألف و قيل في تسعمائة من أهل المدينة و مكة و لحقهم الناس فكانوا في ثلاثة آلاف رجل فلما بلغوا ذات عرق بكوا على الإسلام فلم ير يوم كان أكثر باكيا من ذلك اليوم و كان يسمى يوم النحيب فمضوا و معهم أبان و الوليد ابنا عثمان و أعطى يعلى بن منية عائشة جملا اسمه عسكر اشتراه بمائتي دينار و يقال اشتراه بثمانين دينارا فركبته و قيل كان جملها لرجل من عرينة قال العرني بينما أنا أسير على جمل إذ عرض لي راكب فقال أ تبيع جملك قلت نعم قال بكم قلت بألف درهم قال أ مجنون أنت قلت و لم و الله ما طلبت عليه أحدا إلا أدركته و لا طلبني و أنا عليه أحد إلا فته قال لو تعلم لمن نريده إنما نريده لأم المؤمنين عائشة فقلت خذه بغير ثمن قال بل ارجع معنا إلى الرحل فنعطيك ناقة و دراهم قال فرجعت و أعطوني ناقة مهرية و أربعمائة درهم أو ستمائة و قالوا لي يا أخا عرينة هل لك دلالة بالطريق قلت أنا من أدل الناس قالوا فسر معنا فسرت معهم فلا أمر على واد إلا سألوني عنه حتى طرقنا الحوأب و هو ماء فنبحتها كلابه فقالوا أي ماء هذا فقلت هذا ماء الحوأب فصرخت عائشة بأعلى صوتها فقالت إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ إني لهيه سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول و عنده نساؤه ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب ثم ضربت عضد بعيرها و أناخته و قالت ردوني أنا و الله صاحبة ماء الحوأب فأناخوا حولها يوما و ليلة فقال عبد الله بن الزبير إنه كذب و لم يزل بها و هي تمتنع فقال لها النجاء النجاء قد أدرككم علي بن أبي طالب فارتحلوا نحو البصرة انتهى كلام ابن الأثير

118-  و قال الدميري في حيات الحيوان روى الحاكم عن قيس بن أبي حازم و ابن أبي شيبة من حديث ابن عباس أن النبي قال لنسائه أيتكن صاحبة الجمل الأدبب تسير أو تخرج حتى تنبحها كلاب الحوأب

 قال و الحوأب نهر بقرب البصرة و الأدبب الأدب و هو الكثير شعر الوجه. قال ابن دحية و العجب من ابن العربي كيف أنكر هذا الحديث في كتاب العواصم و القواصم له و ذكر أنه لا يوجد له أصل و هو أشهر من فلق الصبح

 و روي أن عائشة لما خرجت مرت بماء يقال له الحوأب فنبحتها الكلاب فقالت ردوني ردوني فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول كيف بإحداكن إذا نبحتها كلاب الحوأب انتهى كلام الدميري

  -119  و قال السيد علم الهدى في شرح قصيدة السيد الحميري رضي الله عنهما روي أن عائشة لما نبحتها كلاب الحوأب و أرادت الرجوع قالوا لها ليس هذا ماء الحوأب فأبت أن تصدقهم فجاءوا بخمسين شاهدا من العرب فشهدوا أنه ليس بماء الحوأب و حلفوا لها فكسوهم أكسية و أعطوهم دراهم قال السيد و قيل كانت هذه أول شهادة زور في الإسلام

120-  و روى الصدوق قدس الله روحه في الفقيه عن الصادق ع أنه قال أول شهادة شهد بها بالزور في الإسلام شهادة سبعين رجلا حين انتهوا إلى ماء الحوأب فنبحتهم كلابها فأرادت صاحبتهم الرجوع و قالت سمعت رسول الله ص يقول لأزواجه إن إحداكن تنبحها كلاب الحوأب في التوجه إلى قتال وصيي علي بن أبي طالب فشهد عندها سبعون رجلا أن ذلك ليس بماء الحوأب فكانت أول شهادة شهد بها في الإسلام بالزور

121-  كش، ]رجال الكشي[ جبرئيل بن أحمد عن الحسن بن خرزاد عن ابن مهران عن أبان بن جناح عن الحسن بن حماد بلغ به قال كان سلمان إذا رأى الجمل الذي يقال له عسكر يضربه فيقال يا أبا عبد الله ما تريد من هذه البهيمة فيقول ما هذا ببهيمة و لكن هذا عسكر بن كنعان الجني يا أعرابي لا ينفق جملك هاهنا و لكن اذهب به إلى الحوأب فإنك تعطى به ما تريد

122-  و بهذا الإسناد عن ابن مهران عن البطائني عن أبي بصير عن أبي جعفر ع قال اشتروا عسكرا بسبعمائة درهما و كان شيطانا

  -123  نهج، ]نهج البلاغة[ و من خطبة له ع خطبها بذي قار و هو متوجه إلى البصرة ذكرها الواقدي في كتاب الجمل فصدع بما أمر به و بلغ رسالة ربه فلم الله به الصدع و رتق به الفتق و ألف به بين ذوي الأرحام بعد العداوة الواغرة في الصدور و الضغائن الفادحة في القلوب