باب 11- نادر فيما امتحن الله به أمير المؤمنين ص في حياة النبي ص و بعد وفاته

1-  ل، ]الخصال[ أبي و ابن الوليد معا عن سعد عن أحمد بن الحسين بن سعيد عن جعفر بن محمد النوفلي عن يعقوب بن الرائد قال قال أبو عبد الله جعفر بن أحمد بن محمد بن عيسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال حدثنا يعقوب بن عبد الله الكوفي عن موسى بن عبيد عن عمرو بن أبي المقدام عن أبي إسحاق عن الحارث عن محمد بن الحنفية و عمرو بن أبي المقدام عن جابر الجعفي عن أبي جعفر ع قال أتى رأس اليهود علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ع عند منصرفه من وقعة النهروان و هو جالس في مسجد الكوفة فقال يا أمير المؤمنين إني أريد أن أسألك عن أشياء لا يعلمها إلا نبي أو وصي نبي قال سل عما بدا لك يا أخا اليهود قال إنا نجد في الكتاب أن الله عز و جل إذا بعث نبيا أوحى إليه أن يتخذ من أهل بيته من يقوم بأمر أمته من بعده و أن يعهد إليهم فيه عهدا يحتذي عليه و يعمل به في أمته من بعده و أن الله عز و جل يمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء و يمتحنهم بعد وفاتهم فأخبرني كم يمتحن الله الأوصياء في حياة الأنبياء و كم يمتحنهم بعد وفاتهم من مرة و إلى ما يصير آخر أمر الأوصياء إذا رضي محنتهم فقال له علي ع و الله الذي لا إله غيره الذي فلق البحر لبني إسرائيل و أنزل التوراة على موسى لئن أخبرتك بحق عما تسأل عنه لتقرن به قال نعم قال و الذي فلق البحر لبني إسرائيل و أنزل التوراة على موسى لئن أجبتك لتسلمن قال نعم فقال له علي ع إن الله عز و جل يمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء في سبعة مواطن ليبتلي طاعتهم فإذا رضي طاعتهم و محنتهم أمر الأنبياء أن يتخذوهم أولياء في حياتهم و أوصياء بعد وفاتهم و يصير طاعة الأوصياء في أعناق الأمم ممن يقول بطاعة الأنبياء ع ثم يمتحن الأوصياء بعد وفاة الأنبياء في سبعة مواطن ليبلو صبرهم فإذا رضي محنتهم ختم لهم بالسعادة ليلحقهم بالأنبياء و قد أكمل لهم السعادة قال له رأس اليهود صدقت يا أمير المؤمنين فأخبرني كم امتحنك الله في حياة محمد ص من مرة و كم امتحنك بعد وفاته من مرة و إلى ما يصير آخر أمرك فأخذ علي ع بيده و قال انهض بنا أنبئك بذلك يا أخا اليهود فقام إليه جماعة من أصحابه فقالوا يا أمير المؤمنين أنبئنا بذلك معه فقال إني أخاف أن لا تحتمله قلوبكم قالوا و لم ذاك يا أمير المؤمنين قال لأمور بدت لي من كثير منكم فقام إليه الأشتر فقال يا أمير المؤمنين أنبئنا بذلك فو الله إنا لنعلم أنه ما على ظهر الأرض وصي نبي سواك و إنا لنعلم أن الله لا يبعث بعد نبينا ص نبيا سواه و إن طاعتك لفي أعناقنا موصولة بطاعة نبينا فجلس علي ع و أقبل على اليهودي فقال له يا أخا اليهود إن الله عز و جل امتحنني في حياة نبينا محمد ص في سبعة مواطن فوجدني فيهن من غير تزكية لنفسي بنعمة الله له مطيعا قال و فيم و فيم يا أمير المؤمنين قال أما أولهن فإن الله عز و جل أوحى إلى نبينا و حمله الرسالة و أنا أحدث أهل بيتي سنا أخدمه في بيته و أسعى بين يديه في أمره فدعا صغير بني عبد المطلب و كبيرهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله و أنه رسول الله فامتنعوا من ذلك و أنكروه عليه و هجروه و نابذوه و اعتزلوه و اجتنبوه و سائر الناس مقصين له و مبغضين و مخالفين عليه قد استعظموا ما أورده عليهم مما لم يحتمله قلوبهم و تدركه عقولهم فأجبت رسول الله وحدي إلى ما دعا إليه مسرعا مطيعا موقنا لم يتخالجني في ذلك شك فمكثنا بذلك ثلاث حجج و ما على وجه الأرض خلق يصلي أو يشهد لرسول الله بما آتاه الله غيري و غير ابنة خويلد رحمها الله و قد فعل ثم

 أقبل أمير المؤمنين ع على أصحابه فقال أ ليس كذلك قالوا بلى يا أمير المؤمنين فقال ع و أما الثانية يا أخا اليهود فإن قريشا لم تزل تخيل الآراء و تعمل الحيل في قتل النبي ص حتى كان آخر ما اجتمعت في ذلك يوم الدار دار الندوة و إبليس الملعون حاضر في صورة أعور ثقيف فلم تزل تضرب أمرها ظهر البطن حتى اجتمعت آراؤها على أن ينتدب من كل فخذ من قريش رجل ثم يأخذ كل رجل منهم سيفه ثم يأتي النبي ص و هو نائم على فراشه فيضربونه جميعا بأسيافهم ضربة رجل واحد فيقتلوه فإذا قتلوه منعت قريش رجالها و لم تسلمها فيمضي دمه هدرا فهبط جبرئيل ع على النبي ص فأنبأه بذلك و أخبره بالليلة التي يجتمعون فيها و الساعة التي يأتون فراشه فيها و أمره بالخروج في الوقت الذي خرج فيه إلى الغار فأخبرني رسول الله ص بالخبر و أمرني أن أضطجع في مضجعه و أقيه بنفسي فأسرعت إلى ذلك مطيعا له مسرورا لنفسي بأن أقتل دونه فمضى لوجهه و اضطجعت في مضجعه و أقبلت رجالات قريش موقنة في أنفسها أن تقتل النبي ص فلما استوى بي و بهم البيت الذي أنا فيه ناهضتهم بسيفي فدفعتهم عن نفسي بما قد علمه الله و الناس ثم أقبل على أصحابه فقال أ ليس كذلك قالوا بلى يا أمير المؤمنين فقال ع و أما الثالثة يا أخا اليهود فإن ابني ربيعة و ابن عتبة كانوا فرسان قريش دعوا إلى البراز يوم بدر فلم يبرز لهم خلق من قريش فأنهضني رسول الله ص مع صاحبي رضي الله عنهما و قد فعل و أنا أحدث أصحابي سنا و أقلهم للحرب تجربة فقتل الله عز و جل بيدي وليدا و شيبة سوى من قتلت من جحاجحة قريش في ذلك اليوم و سوى من أسرت و كان مني أكثر مما كان من أصحابي و استشهد ابن عمي في ذلك اليوم رحمة الله عليه ثم التفت إلى أصحابه فقال أ ليس كذلك قالوا بلى يا أمير المؤمنين فقال علي ع و أما الرابعة يا أخا اليهود فإن أهل مكة أقبلوا إلينا على بكرة أبيهم قد استحاشوا من يليهم من قبائل العرب و قريش طالبين بثأر مشركي قريش في يوم بدر فهبط جبرئيل على النبي ص فأنبأه بذلك فذهب النبي ص و عسكر بأصحابه في سد أحد و أقبل المشركون إلينا فحملوا علينا حملة رجل واحد و استشهد من المسلمين من استشهد و كان ممن بقي ما كان من الهزيمة و بقيت مع رسول الله ص و مضى المهاجرون و الأنصار إلى منازلهم من المدينة كل يقول قتل النبي و قتل أصحابه ثم ضرب الله عز و جل وجوه المشركين و قد جرحت بين يدي رسول الله ص نيفا و سبعين جرحة منها هذه و هذه ثم ألقى رداءه و أمر يده على جراحاته و كان مني في ذلك ما على الله عز و جل ثوابه إن شاء الله ثم التفت إلى أصحابه فقال أ ليس كذلك قالوا بلى يا أمير المؤمنين فقال و أما الخامسة يا أخا اليهود فإن قريشا و العرب تجمعت و عقدت بينها عقدا و ميثاقا لا ترجع من وجهها حتى تقتل رسول الله ص و تقتلنا معه معاشر بني عبد المطلب ثم أقبلت بحدها و حديدها حتى أناخت علينا بالمدينة واثقة بأنفسها فيما توجهت له فهبط جبرئيل على النبي ص فأنبأه بذلك فخندق على نفسه و من معه من المهاجرين و الأنصار فقدمت قريش فأقامت على الخندق محاصرة لنا ترى في أنفسها القوة و فينا الضعف ترعد و تبرق و رسول الله ص يدعوها إلى الله عز و جل و يناشدها بالقرابة و الرحم فتأبى و لا يزيدها ذلك إلا عتوا و فارسها و فارس العرب يومئذ عمرو بن عبد ود يهدر كالبعير المغتلم يدعو إلى البراز و يرتجز و يخطر برمحه مرة و بسيفه مرة لا يقدم عليه

 مقدم و لا يطمع فيه طامع و لا حمية تهيجه و لا بصيرة تشجعه فأنهضني إليه رسول الله ص و عممني بيده و أعطاني سيفه هذا و ضرب بيده إلى ذي الفقار فخرجت إليه و نساء أهل المدينة بواك إشفاقا علي من ابن عبد ود فقتله الله عز و جل بيدي و العرب لا تعد لها فارسا غيره و ضربني هذه الضربة و أومأ بيده إلى هامته فهزم الله قريشا و العرب بذلك و بما كان مني فيهم من النكاية ثم التفت إلى أصحابه فقال أ ليس كذلك قالوا بلى يا أمير المؤمنين فقال ع و أما السادسة يا أخا اليهود فإنا وردنا مع رسول الله مدينة أصحابك خيبر على رجال من اليهود و فرسانها من قريش و غيرها فتلقونا بأمثال الجبال من الخيل و الرجال و السلاح و هم في أمنع دار و أكثر عدد كل ينادي و يدعو و يبادر إلى القتال فلم يبرز إليهم من أصحابي أحد إلا قتلوه حتى إذا احمرت الحدق و دعيت إلى النزال و أهمت كل امرئ نفسه و التفت بعض أصحابي إلى بعض و كل يقول يا أبا الحسن انهض فأنهضني رسول الله ص إلى دارهم فلم يبرز إلي منهم أحد إلا قتلته و لا يثبت لي فارس إلا طحنه ثم شددت عليهم شدة الليث على فريسته حتى أدخلتهم جوف مدينتهم مسددا عليهم فاقتلعت باب حصنهم بيدي حتى دخلت عليهم مدينتهم وحدي أقتل من يظهر فيها من رجالها و أسبي من أجد من نسائها حتى افتتحتها وحدي و لم يكن لي فيها معاون إلا الله وحده ثم التفت إلى أصحابه فقال أ ليس كذلك قالوا بلى يا أمير المؤمنين فقال و أما السابعة يا أخا اليهود فإن رسول الله ص لما توجه لفتح مكة أحب أن يعذر إليهم و يدعوهم إلى الله عز و جل آخرا كما دعاهم أولا فكتب إليهم كتابا يحذرهم فيه و ينذرهم عذاب الله و يعهدهم الصفح و يمنيهم مغفرة ربهم و نسخ لهم في آخره سورة براءة لتقرأ عليهم ثم عرض على جميع أصحابه المضي به فكلهم يرى التثاقل فيه فلما رأى ذلك ندب منهم رجلا فوجهه به فأتاه جبرئيل ع فقال يا محمد لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك فأنبأني رسول الله ص بذلك و وجهني بكتابه و رسالته إلى

 مكة فأتيت مكة و أهلها من قد عرفتم ليس منهم أحد إلا و لو قدر أن يضع على كل جبل مني إربا لفعل و لو أن يبذل في ذلك نفسه و أهله و ولده و ماله فبلغتهم رسالة النبي ص و قرأت عليهم كتابه فكلهم يلقاني بالتهدد و الوعيد و يبدي إلي البغضاء و يظهر الشحناء من رجالهم و نسائهم فكان في ذلك ما قد رأيتم ثم التفت ع إلى أصحابه فقال أ ليس كذلك قالوا بلى يا أمير المؤمنين فقال ع يا أخا اليهود هذه المواطن التي امتحنني فيهن ربي عز و جل مع نبيه ص فوجدني فيها كلها بمنه مطيعا ليس لأحد فيها مثل الذي لي و لو شئت لوصفت ذلك و لكن الله عز و جل نهى عن التزكية فقالوا يا أمير المؤمنين صدقت و الله لقد أعطاك الله عز و جل الفضيلة بالقرابة من نبينا و أسعدك بأن جعلك أخاه تنزل منه بمنزلة هارون من موسى و فضلك بالمواقف التي باشرتها و الأحوال التي ركبتها و ذخر لك الذي ذكرت و أكثر منه مما لم تذكره و مما ليس لأحد من المسلمين مثله يقول ذلك من شهدك منا مع نبينا و من شهدك بعده فأخبرنا يا أمير المؤمنين ما امتحنك الله عز و جل به بعد نبينا فاحتملته و صبرت عليه فلو شئنا أن نصف ذلك لوصفناه علما منا به و ظهورا منا عليه إلا أنا نحب أن نسمع منك ذلك كما سمعنا منك ما امتحنك الله به في حياته فأطعته فيه فقال ع يا أخا اليهود إن الله عز و جل امتحنني بعد وفاة نبيه ص في سبعة مواطن فوجدني فيهن من غير تزكية لنفسي بمنه و نعمته صبورا أما أولهن يا أخا اليهود فإنه لم يكن لي خاصة دون المسلمين عامة أحد آنس به أو أعتمد عليه أو أستنيم إليه أو أتقرب به غير رسول الله هو رباني صغيرا و بوأني كبيرا و كفاني العيلة و جبرني من اليتم و أغناني عن الطلب و وقاني المكسب و عال لي النفس و الولد و الأهل هذا في تصاريف أمر الدنيا مع ما خصني به من الدرجات التي قادتني إلى معالي الحظوة

 عند الله عز و جل فنزل بي من وفاة رسول الله ص ما لم أكن أظن الجبال لو حملته عنوة كانت تنهض به فرأيت الناس من أهل بيتي ما بين جازع لا يملك جزعه و لا يضبط نفسه و لا يقوى على حمل فادح ما نزل به قد أذهب الجزع صبره و أذهل عقله و حال بينه و بين الفهم و الإفهام و القول و الاستماع و سائر الناس من غير بني عبد المطلب بين معز يأمر بالصبر و بين مساعد باك لبكائهم جازع لجزعهم و حملت نفسي على الصبر عند وفاته بلزوم الصمت و الاشتغال بما أمرني به من تجهيزه و تغسيله و تحنيطه و تكفينه و الصلاة عليه و وضعه في حفرته و جمع كتاب الله و عهده إلى خلقه لا يشغلني عن ذلك بادر دمعة و لا هائج زفرة و لا لاذع حرقة و لا جزيل مصيبة حتى أديت في ذلك الحق الواجب لله عز و جل و لرسوله ص علي و بلغت منه الذي أمرني به و احتملته صابرا محتسبا ثم التفت ع إلى أصحابه فقال أ ليس كذلك قالوا بلى يا أمير المؤمنين فقال ع و أما الثانية يا أخا اليهود فإن رسول الله ص أمرني في حياته على جميع أمته و أخذ على جميع من حضره منهم البيعة و السمع و الطاعة لأمري و أمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب ذلك فكنت المؤدي إليهم عن رسول الله ص أمره إذا حضرته و الأمير على من حضرني منهم إذا فارقته لا تختلج في نفسي منازعة أحد من الخلق لي في شي‏ء من الأمر في حياة النبي ص و لا بعد وفاته ثم أمر رسول الله ص بتوجيه الجيش الذي وجهه مع أسامة بن زيد عند الذي أحدث الله به من المرض الذي توفاه فيه فلم يدع النبي ص أحدا من أفناء العرب و لا من الأوس و الخزرج و غيرهم من سائر الناس ممن يخاف على نقضه و منازعته و لا أحدا ممن يراني بعين البغضاء ممن قد وترته بقتل أبيه أو أخيه أو حميمه إلا وجهه في ذلك الجيش و لا من المهاجرين و الأنصار و المسلمين و غيرهم و المؤلفة قلوبهم و المنافقين لتصفو قلوب من يبقى معي بحضرته و لئلا يقول قائل شيئا مما أكرهه و لا يدفعني دافع من الولاية و القيام بأمر رعيته من بعده ثم كان آخر ما تكلم به في شي‏ء من أمر أمته أن يمضي جيش أسامة و لا يختلف عنه أحد ممن أنهض معه و تقدم في ذلك أشد التقدم و أوعز فيه أبلغ الإيعاز و أكد فيه أكثر التأكيد فلم أشعر بعد أن قبض النبي ص إلا برجال من بعث أسامة بن زيد و أهل عسكره قد تركوا مراكزهم و أخلوا بمواضعهم و خالفوا أمر رسول الله ص فيما أنهضهم له و أمرهم به و تقدم إليهم من ملازمة أميرهم و السير معه تحت لوائه حتى ينفذ لوجهه الذي أنفذه إليه فخلفوا أميرهم مقيما في عسكره و أقبلوا يتبادرون على الخيل ركضا إلى حل عقدة عقدها الله عز و جل لي و رسوله في أعناقهم فحلوها و عهد عاهدوا الله و رسوله فنكثوه و عقدوا لأنفسهم عقدا ضجت به أصواتهم و اختصت به آراؤهم من غير مناظرة لأحد منا بني عبد المطلب أو مشاركة في رأي أو استقالة لما في أعناقهم من بيعتي فعلوا ذلك و أنا برسول الله مشغول و بتجهيزه عن سائر الأشياء مصدود فإنه كان أهمها و أحق ما بدئ به منها فكان هذا يا أخا اليهود أقرح ما ورد على قلبي مع الذي أنا فيه من عظيم الرزية و فاجع المصيبة و فقد من لا خلف منه إلا الله تبارك و تعالى فصبرت عليها إذ أتت بعد أختها على تقاربها و سرعة اتصالها ثم التفت ع إلى أصحابه فقال أ ليس كذلك قالوا بلى يا أمير المؤمنين فقال ع و أما الثالثة يا أخا اليهود فإن القائم بعد النبي ص كان يلقاني معتذرا في كل أيامه و يلزم غيره ما ارتكبه من أخذ حقي و نقض بيعتي و يسألني تحليله فكنت أقول تنقضي أيامه ثم يرجع إلي حقي الذي جعله الله لي عفوا هنيئا من غير أن أحدث في الإسلام مع حدوثه و قرب عهده بالجاهلية حدثا في طلب حقي بمنازعة لعل فلانا يقول فيها نعم و فلانا يقول لا فيئول ذلك من القول إلى الفعل و

 جماعة من خواص أصحاب محمد ص أعرفهم بالنصح لله و لرسوله و لكتابه و دينه الإسلام يأتوني عودا و بدءا و علانية و سرا فيدعوني إلى أخذ حقي و يبذلون أنفسهم في نصرتي ليؤدوا إلي بذلك بيعتي في أعناقهم فأقول رويدا و صبرا قليلا لعل الله يأتيني بذلك عفوا بلا منازعة و لا إراقة الدماء فقد ارتاب كثير من الناس بعد وفاة النبي ص و طمع في الأمر بعده من ليس له بأهل فقال كل قوم منا أمير و ما طمع القائلون في ذلك إلا لتناول غيري الأمر فلما دنت وفاة القائم و انقضت أيامه صير الأمر بعده لصاحبه فكانت هذه أخت أختها و محلها مني مثل محلها و أخذا مني ما جعله الله لي فاجتمع إلي من أصحاب محمد ص من مضى رحمه الله و من بقي ممن أخره الله من اجتمع فقالوا لي فيها مثل الذي قالوا في أختها فلم يعد قولي الثاني قولي الأول صبرا و احتسابا و يقينا و إشفاقا من أن تفنى عصبة تألفهم رسول الله ص باللين مرة و بالشدة أخرى و بالبذل مرة و بالسيف أخرى حتى لقد كان من تألفه لهم أن كان الناس في الكر و الفرار و الشبع و الري و اللباس و الوطاء و الدثار و نحن أهل بيت محمد ص لا سقوف لبيوتنا و لا أبواب و لا ستور إلا الجرائد و ما أشبهها و لا وطاء لنا و لا دثار علينا و يتداول الثوب الواحد في الصلاة أكثرنا و تطوي الليالي و الأيام جوعا عامتنا و ربما أتانا الشي‏ء مما أفاءه الله علينا و صيره لنا خاصة دون غيرنا و نحن على ما وصفت من حالنا فيؤثر به رسول الله ص أرباب النعم و الأموال تألفا منه لهم فكنت أحق من لم يفرق هذه العصبة التي ألفها رسول الله ص و لم يحملها على الخطة التي لا خلاص لها منها دون بلوغها أو فناء آجالها لأني لو نصبت نفسي فدعوتهم إلى نصرتي كانوا مني و في أمري على أحد منزلتين إما متبع مقاتل و إما مقتول إن لم يتبع الجميع و إما خاذل يكفر بخذلانه إن قصر في نصرتي أو أمسك عن طاعتي و قد علم أنني منه بمنزلة هارون من موسى يحل به في مخالفتي و الإمساك عن نصرتي ما أحل قوم موسى بأنفسهم في مخالفة هارون و ترك طاعته و رأيت تجرع الغصص و رد أنفاس الصعداء و لزوم الصبر حتى يفتح الله أو يقضي بما أحب أزيد لي في حظي و أرفق بالعصابة التي وصفت أمرهم وَ كانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً و لو لم أتق هذه الحالة يا أخا اليهود ثم طلبت حقي لكنت أولى ممن طلبه لعلم من مضى من أصحاب رسول الله و من بحضرتك منهم بأني كنت أكثر عددا و أعز عشيرة و أمنع رجالا و أطوع أمرا و أوضح حجة و أكثر في هذا الدين مناقب و آثارا لسوابقي و قرابتي و وراثتي فضلا عن استحقاقي ذلك بالوصية التي لا مخرج للعباد منها و البيعة المتقدمة في أعناقهم ممن تناولها و لقد قبض محمد ص و إن ولاية الأمة في يده و في بيته لا في يد الأولى تناولوها و لا في بيوتها و لأهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا أولى بالأمر من بعده من غيرهم في جميع الخصال ثم التفت ع إلى أصحابه فقال أ ليس كذلك قالوا بلى يا أمير المؤمنين فقال ع و أما الرابعة يا أخا اليهود فإن القائم بعد صاحبه كان يشاورني في موارد الأمور فيصدرها عن أمري و يناظرني في غوامضها فيمضيها عن رأيي لا أعلم أحدا و لا يعلمه أصحابي يناظره في ذلك غيري و لا يطمع في الأمر بعده سواي فلما أن أتته منيته على فجأة بلا مرض كان قبله و لا أمر كان أمضاه في صحة من بدنه لم أشك أني قد استرجعت حقي في عافية بالمنزلة التي كنت أطلبها و العاقبة التي كنت ألتمسها و إن الله سيأتي بذلك على أحسن ما رجوت و أفضل ما أملت فكان من فعله أن ختم أمره

 بأن سمى قوما أنا سادسهم و لم يستوفي بواحد منهم و لا ذكر لي حالا في وراثة الرسول و لا قرابة و لا صهر و لا نسب و لا لواحد منهم مثل سابقة من سوابقي و لا أثر من آثاري و صيرها شورى بيننا و صير ابنه فيها حاكما علينا و أمره أن يضرب أعناق النفر الستة الذين صير الأمر فيهم إن لم ينفذوا أمره و كفى بالصبر على هذا يا أخا اليهود صبرا فمكث القوم أيامهم كل يخطب لنفسه و أنا ممسك عن أن سألوني عن أمري فناظرتهم في أيامي و أيامهم و آثاري و آثارهم و أوضحت لهم ما لم يجهلوه من وجوه استحقاقي لها دونهم و ذكرتهم عهد رسول الله إليهم و تأكيد ما أكده من البيعة لي في أعناقهم دعاهم حب الإمارة و بسط الأيدي و الألسن في الأمر و النهي و الركون إلى الدنيا و الاقتداء بالماضين قبلهم إلى تناول ما لم يجعل الله لهم فإذا خلوت بالواحد ذكرته أيام الله و حذرته ما هو قادم عليه و صائر إليه التمس مني شرطا أن أصيرها له بعدي فلما لم يجدوا عندي إلا المحجة البيضاء و الحمل على كتاب الله عز و جل و وصية الرسول و إعطاء كل امرئ منهم ما جعله الله له و منعه ما لم يجعل الله له أزالها عني إلى ابن عفان رجل لم يستو به و بواحد ممن حضره حال قط فضلا عمن دونهم لا يبدر التي هي سنام فخرهم و لا غيرها من المآثر التي أكرم الله بها رسوله و من اختصه معه من أهل بيته ثم لم أعلم القوم أمسوا من يومهم ذلك حتى ظهرت ندامتهم و نكصوا على أعقابهم و أحال بعضهم على بعض كل يلوم نفسه و يلوم أصحابه ثم لم تطل الأيام بالمستبد بالأمر ابن عفان حتى أكفروه و تبرءوا منه و مشى إلى أصحابه خاصة و سائر أصحاب رسول الله ص على هذه يستقيلهم من بيعته و يتوب إلى الله من فلتته فكانت هذه يا أخا اليهود أكبر من أختها و أفظع و أحرى أن لا يصبر عليها فنالني منها الذي لا يبلغ وصفه و لا يحد وقته و لم يكن عندي فيها إلا الصبر على ما امض و أبلغ منها و لقد أتاني الباقون من الستة من يومهم كل راجع عما كان ركب مني يسألني خلع ابن عفان و الوثوب عليه و أخذ حقي و يؤتيني صفقته و بيعته على الموت تحت رايتي أو يرد الله عز و جل علي حقي فو الله يا أخا اليهود ما منعني إلا الذي منعني من أختيها قبلها و رأيت الإبقاء على من بقي من الطائفة أبهج لي و آنس لقلبي من فنائها و علمت أني إن حملتها على دعوة الموت ركبته فأما نفسي فقد علم من حضر ممن ترى و من غاب من أصحاب محمد ص أن الموت عندي بمنزلة الشربة الباردة في اليوم الشديد الحر من ذي العطش الصدى و لقد كنت عاهدت الله عز و جل و رسوله أنا و عمي حمزة و أخي جعفر و ابن عمي عبيدة على أمر وفينا به لله عز و جل و لرسوله فتقدمني أصحابي و تخلفت بعدهم لما أراد الله عز و جل فأنزل الله فينا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا حمزة و جعفر و عبيدة و أنا و الله المنتظر يا أخا اليهود و ما بدلت تبديلا و ما سكتني عن أبي عفان و حثني على الإمساك إلا أني عرفت من أخلاقه فيما اختبرت منه بما لن يدعه حتى يستدعي الأباعد إلى قتله و خلعه فضلا عن الأقارب و أنا في عزله فصبرت حتى كان ذلك لم أنطق فيه بحرف من لا و لا نعم ثم أتاني القوم و أنا علم الله كاره لمعرفتي بما تطاعموا به من اعتقاله الأموال و المرح في الأرض و علمهم بأن تلك ليست لهم عندي و شديد عادة منتزعة فلما لم يجدوا عندي تعللوا الأعاليل ثم التفت ع إلى أصحابه فقال أ ليس كذلك فقالوا بلى يا أمير المؤمنين فقال ع و أما الخامسة يا أخا اليهود فإن المتابعين لي لما لم يطمعوا في تلك مني وثبوا بالمرأة علي و أنا ولي أمرها و الوصي عليها فحملوها على الجمل و شدوها على الرحال و أقبلوا بها تخبط الفيافي و تقطع البراري و تنبح عليها كلاب الحوأب

 و تظهر لهم علامات الندم في كل ساعة و عند كل حال في عصبة قد بايعوني ثانية بعد بيعتهم الأولى في حياة النبي ص حتى أتت أهل بلدة قصيرة أيديهم طويلة لحاهم قليلة عقولهم عازبة آراؤهم جيران بدو و وراد بحر فأخرجتهم يخبطون بسيوفهم من غير علم و يرمون بسهامهم بغير فهم فوقفت من أمرهم على اثنتين كلتاهما في محلة المكروه ممن إن كففت لم يرجع و لم يعقل و إن أقمت كنت قد صرت إلى التي كرهت فقدمت الحجة بالإعذار و الإنذار و دعوت المرأة إلى الرجوع إلى بيتها و القوم الذين حملوها على الوفاء بيعتهم لي و الترك لنقضهم عهد الله عز و جل في و أعطيتهم من نفسي كل الذي قدرت عليه و ناظرت بعضهم فرجع و ذكرت فذكر ثم أقبلت على الناس بمثل ذلك فلم يزدادوا إلا جهلا و تماديا و غيا فلما أبوا إلا هي ركبتها منهم فكانت عليهم الدبرة و بهم الهزيمة و لهم الحسرة و فيهم الفناء و القتل و حملت نفسي على التي لم أجد منها بدا و لم يسعني إذ فعلت ذلك و أظهرته آخرا مثل الذي وسعني منه أولا من الإغضاء و الإمساك و رأيتني إن أمسكت كنت معينا لهم علي بإمساكي على ما صاروا إليه و طمعوا فيه من تناول الأطراف و سفك الدماء و قتل الرعية و تحكيم النساء النواقص العقول و الحظوظ على كل حال كعادة بني الأصفر و من مضى من ملوك سبإ و الأمم الخالية فأصير إلى ما كرهت أولا آخرا و أهملت المرأة و جندها يفعلون ما وصفت بين الفريقين من الناس و لم أهجم على الأمر إلا بعد ما قدمت و أخرت و تأنيت و راجعت و أرسلت و سافرت و أعذرت و أنذرت و أعطيت القوم كل شي‏ء التمسوه بعد أن أعرضت عليهم كل شي‏ء لم يلتمسوه فلما أبوا إلا تلك أقدمت عليها فبلغ الله بي و بهم ما أراد و كان لي عليهم بما كان مني إليهم شهيدا ثم التفت إلى أصحابه فقال أ ليس كذلك قالوا بلى يا أمير المؤمنين فقال ع و أما السادسة يا أخا اليهود فتحكيمهم و محاربة ابن آكلة الأكباد و هو طليق ابن طليق معاند لله عز و جل و لرسوله و المؤمنين منذ بعث الله محمدا ص إلى أن فتح الله عليه مكة عنوة فأخذت بيعته و بيعة أبيه لي معه في ذلك اليوم و في ثلاثة مواطن بعده و أبوه بالأمس أول من سلم علي بإمرة المؤمنين و جعل يحثني عن النهوض

 في أخذ حقي من الماضين قبلي و يجدد لي بيعته كلما أتاني و أعجب العجب أنه لما رأى ربي تبارك و تعالى قد رد إلي حقي و أقره في معدنه و انقطع طمعه أن يصير في دين الله رابعا و في أمانة حملناها حاكما كر على العاصي بن العاص فاستماله فمال إليه ثم أقبل به بعد إذ أطمعه مصر و حرام عليه أن يأخذ من الفي‏ء دون قسمه درهما و حرام على الراعي إيصال درهم إليه فوق حقه فأقبل يخبط البلاد بالظلم و يطؤها بالغشم فمن بايعه أرضاه و من خالفه ناواه ثم توجه إلي ناكثا علينا مغيرا في البلاد شرقا و غربا و يمينا و شمالا و الأنباء تأتيني و الأخبار ترد علي بذلك فأتاني أعور ثقيف فأشار علي أن أوليه البلاد التي هو بها لأداريه بما أوليه منها و في الذي أشار به الرأي في أمر الدنيا لو وجدت عند الله عز و جل في توليته لي مخرجا و أصبت لنفسي في ذلك عذرا فأعلمت الرأي في ذلك و شاورت من أثق بنصيحته لله عز و جل و لرسوله و لي و للمؤمنين فكان رأيه في ابن آكلة الأكباد كرأيي ينهاني عن توليته و يحذرني أن أدخل في أمر المسلمين يده و لم يكن الله ليراني أتخذ المضلين عضدا فوجهت إليه أخا بجيلة مرة و أخا الأشعريين مرة كلاهما ركن إلى الدنيا و تابع هواه فيما أرضاه فلما لم أره يزداد فيما انتهك من محارم الله إلا تماديا شاورت من معي من أصحاب محمد ص البدريين و الذين ارتضى الله عز و جل أمرهم و رضي عنهم بعد بيعتهم و غيرهم من صلحاء المسلمين و التابعين فكل يوافق رأيه رأيي في غزوه و محاربته و منعه مما نالت يده و إني نهضت إليه بأصحابي أنفذ إليه من كل موضع كتبي و أوجه إليه رسلي أدعوه إلى الرجوع عما هو فيه و الدخول فيما فيه الناس معي فكتب يتحكم علي و يتمنى علي الأماني و يشترط علي شروطا لا يرضاها الله عز و جل و رسوله و لا المسلمون و يشترط في بعضها أن أدفع إليه أقواما من أصحاب محمد ص أبرارا فيهم عمار بن ياسر و أين مثل عمار و الله لقد رأيتنا مع النبي و ما تقدمنا خمسة إلا كان سادسهم و لا أربعة إلا كان خامسهم اشترط دفعهم إليه ليقتلهم و يصلبهم و انتحل دم عثمان و لعمر الله ما ألب على عثمان و لا جمع الناس على قتله إلا هو و أشباهه من أهل بيته أغصان الشجرة الملعونة في القرآن فلما لم أجب إلى ما اشترط من ذلك كر مستعليا في نفسه بطغيانه و بغيه بحمير لا عقول لهم و لا بصائر فموه لهم أمرا فاتبعوه و أعطاهم من الدنيا ما أمالهم به إليه فناجزناهم و حاكمناهم إلى الله عز و جل بعد الإعذار و الإنذار فلما لم يزده ذلك إلا تماديا و بغيا لقيناه بعادة الله التي عودنا من النصر على أعدائه و عدونا و راية رسول الله ص بأيدينا لم يزل الله تبارك و تعالى يفل حزب الشيطان بها حتى يقضي الموت عليه و هو معلم رايات أبيه التي لم أزل أقاتلها مع رسول الله ص في كل المواطن فلم يجد من الموت منجى إلا الهرب فركب فرسه و قلب رايته لا يدرى كيف يحتال فاستعان برأي ابن العاص فأشار إليه بإظهار المصاحف و رفعها على الأعلام و الدعاء إلى ما فيها و قال إن ابن أبي طالب و حزبه أهل بصائر و رحمة و بقيا و قد دعوك إلى كتاب الله أولا و هم مجيبوك إليه آخرا فأطاعه فيما أشار به عليه إذ رأى أنه لا منجى له من القتل أو الهرب غيره فرفع المصاحف يدعو إلى ما فيها بزعمه فمالت إلى المصاحف قلوب من بقي من أصحابي بعد فناء خيارهم و جهدهم في جهاد أعداء الله و أعدائهم على بصائرهم فظنوا أن ابن آكلة الأكباد له الوفاء بما دعا إليه فأصغوا إلى دعوته و أقبلوا بأجمعهم في إجابته فأعلمتهم أن ذلك منه مكر و من ابن العاص معه و إنهما إلى النكث أقرب منهما إلى الوفاء فلم يقبلوا قولي و لم يطيعوا أمري و أبوا إلا إجابته كرهت أم هويت شئت أو أبيت حتى أخذ بعضهم يقول لبعض إن لم يفعل فألحقوه بابن عفان و ادفعوه إلى ابن هند برمته فجهدت علم الله جهدي

 و لم أدع علة في نفسي إلا بلغتها في أن يخلوني و رأيي فلم يفعلوا و راودتهم على الصبر على مقدار فواق الناقة أو ركضة الفرس فلم يجيبوا ما خلا هذا الشيخ و أومأ بيده إلى الأشتر و عصبة من أهل بيتي فو الله ما منعني أن أمضي على بصيرتي إلا مخافة أن يقتل هذان و أومأ بيده إلى الحسن و الحسين ع فينقطع نسل رسول الله و ذريته من أمته و مخافة أن يقتل هذا و هذا و أومأ بيده إلى عبد الله بن جعفر و محمد بن الحنفية رضي الله عنهما فإني أعلم لو لا مكاني لم يقفا ذلك الموقف فلذلك صبرت على ما أراد القوم مع ما سبق فيه من علم الله عز و جل فلما رفعنا عن القوم سيوفنا تحكموا في الأمور و تخيروا الأحكام و الآراء و تركوا المصاحف و ما دعوا إليه من حكم القرآن و ما كنت أحكم في دين الله أحدا إذ كان التحكيم في ذلك الخطأ الذي لا شك فيه و لا امتراء فلما أبوا إلا ذلك أردت أن أحكم رجلا من أهل بيتي أو رجلا ممن أرضى رأيه و عقله و أثق بنصيحته و مودته و دينه و أقبلت لا أسمي أحدا إلا امتنع منه ابن هند و لا أدعوه إلى شي‏ء من الحق إلا أدبر عنه و أقبل ابن هند يسومنا عسفا و ما ذلك إلا باتباع أصحابي له على ذلك فلما أبوا إلا غلبتي على التحكم تبرأت إلى الله عز و جل منهم و فوضت ذلك إليهم فقلدوه امرأ فخدعه ابن العاص خديعة ظهرت في شرق الأرض و غربها و أظهر المخدوع عليها ندما ثم أقبل ع على أصحابه فقال أ ليس كذلك قالوا بلى يا أمير المؤمنين فقال ع و أما السابعة يا أخا اليهود فإن رسول الله ص كان عهد إلي أن أقاتل في آخر الزمان من أيامي قوما من أصحابي يصومون النهار و يقومون الليل و يتلون الكتاب يمرقون بحلافهم علي و محاربتهم إياي من الدين مروق السهم من الرمية فيهم ذو الثدية يختم لي بقتلهم بالسعادة فلما انصرفت إلى موضعي هذا يعني بعد الحكمين أقبل بعض القوم على بعض باللائمة فيما صاروا إليه من تحكيم الحكمين فلم يجدوا لأنفسهم من ذلك مخرجا إلا أن قالوا كان ينبغي لأميرنا أن لا يتابع من أخطأ و أن يقضي بحقيقة رأيه على قتل نفسه و قتل من خالفه منا فقد كفر بمتابعته إيانا و طاعته لنا في الخطاء و أحل لنا بذلك قتله و سفك دمه فتجمعوا على ذلك و خرجوا راكبين

 رءوسهم ينادون بأعلى أصواتهم لا حكم إلا لله ثم تفرقوا فرقة بالنخيلة و أخرى بحروراء و أخرى راكبة رأسها تخبط الأرض شرقا حتى عبرت دجلة فلم تمر بمسلم إلا امتحنته فمن تابعها استحيته و من خالفها قتلته فخرجت إلى الأوليين واحدة بعد أخرى أدعوهم إلى طاعة الله عز و جل و الرجوع إليه فأبيا إلا السيف لا يقنعها غير ذلك فلما أعيت الحيلة فيهما حاكمتهما إلى الله عز و جل فقتل الله هذه و هذه و كانوا يا أخا اليهود لو لا ما فعلوا لكانوا ركنا قويا و سدا منيعا فأبى الله إلا ما صاروا إليه ثم كتبت إلى الفرقة الثالثة و وجهت رسلي تترى و كانوا من جلة أصحابي و أهل التعبد منهم و الزهد في الدنيا فأبت إلا اتباع أختيها و الاحتذاء على مثالهما و شرعت في قتل من خالفها من المسلمين و تتابعت إلي الإخبار بفعلهم فخرجت حتى قطعت إليهم دجلة أوجه السفراء و النصحاء و أطلب العتبى بجهدي بهذا مرة و بهذا مرة و أومأ بيده إلى الأشتر و الأحنف بن قيس و سعيد بن قيس الأرحبي و الأشعث بن قيس الكندي فلما أبوا إلا تلك ركبتها منهم فقتلهم الله يا أخا اليهود عن آخرهم و هم أربعة آلاف أو يزيدون حتى لم يفلت منهم مخبر فاستخرجت ذا الثدية من قتلاهم بحضرة من ترى له ثدي كثدي المرأة ثم التفت ع إلى أصحابه فقال أ ليس كذلك قالوا بلى يا أمير المؤمنين فقال ع قد وفيت سبعا و سبعا يا أخا اليهود و بقين الأخرى و أوشك بها فكان قد فبكى أصحاب علي ع و بكى رأس اليهود و قالوا يا أمير المؤمنين أخبرنا بالأخرى فقال الأخرى أن تخضب هذه و أومأ بيده إلى لحيته من هذه و أومأ بيده إلى هامته قال و ارتفعت أصوات الناس في المسجد الجامع بالضجة و البكاء حتى لم يبق بالكوفة دار إلا خرج أهلها فزعا و أسلم رأس اليهود على يدي علي ع من ساعته و لم يزل مقيما حتى قتل أمير المؤمنين ع و أخذ ابن ملجم لعنه الله فأقبل رأس اليهود حتى وقف على الحسن ع و الناس حوله و ابن ملجم لعنه الله بين يديه فقال له يا أبا محمد اقتله قتله الله فإني رأيت في الكتب التي أنزلت على موسى ع أن هذا أعظم عند الله عز و جل جرما من ابن آدم قاتل أخيه و من القدار عاقر ناقة ثمود

 ختص، ]الإختصاص[ جعفر بن أحمد الجعفري عن يعقوب الكوفي مثله

 بيان ندبه الأمر فانتدب له أي دعاه له فأجاب و قال الجزري الجحاجحة جمع جحجاح السيد الكريم و الهاء فيه لتأكيد الجمع و قال فيه جاءت هوازن على بكرة أبيها هذه كلمة للعرب يريدون بها الكثرة و توفر العدد و أنهم جاءوا جميعا لم يتخلف منهم أحد و ليس هناك بكرة في الحقيقة و هي التي يستقى عليها الماء فاستعيرت في هذا الموضع و قد تكررت في الحديث و قال الفيروزآبادي حاش الصيد جاءه من حواليه ليصرفه إلى الحبالة كأحاشه و أحوشه و الإبل جمعها و ساقها و التحويش التجميع و حاوشته عليه حرضته و قال الجزري يقال رعد و برق و أرعد و أبرق إذا توعد و تهدد و قال الهدير ترديد صوت البعير في حنجرته و قال الفيروزآبادي اغتلم البعير هاج من شهوة الضراب و قال خطر الرجل بسيفه و رمحه يخطر بالكسر رفعه مرة و وضعه أخرى و قال الجزري يقال نكيت في العدو أنكي نكاية فأنا ناك إذا أكثرت فيهم الجراح و القتل فوهنوا لذلك انتهى و الإرب بالكسر العضو و استنام إليه سكن و الحظوة بالضم و الكسر المكانة و المنزلة و العنوة القهر و الفادح الثقيل. قوله ع بادر دمعة أي الدمعة التي تبدر بغير اختيار و الزفرة بالفتح و قد يضم النفس الطويل و لذع الحب قلبه آلمه و النار الشي‏ء لفحته و أوعز إليه في كذا أي تقدم. قوله ع و يلزم غيره أي كان يقول لم يكن هذا مني بل كان من عمر و العفو السهل المتيسر و لعل الكر و الفر كناية عن الأخذ و الجر و يحتمل أن يكون تصحيف الكزم و القزم بالمعجمتين و الكزم بالتحريك شدة الأكل و القزم اللوم و الشح و الصعداء بضم الصاد و فتح العين تنفس ممدود و يقال دلوت الدلو أي نزعتها و أدليتها أي أرسلتها في البئر و دلوت الرجل و داليته رفقت به و داريته. قوله ع لم أشك أني قد استرجعت أقول أمثال هذا الكلام إنما صدر عنه ع بناء على ظاهر الأمر مع قطع النظر عما كان يعلمه بإخبار الله و رسوله من استيلاء هؤلاء الأشقياء و حاصل الكلام أن حق المقام كان يقتضي أن لا يشك في ذلك كما قيل في قوله تعالى لا رَيْبَ فِيهِ قوله ع و مشى إلى أصحابه ظاهره يدل أن عثمان في أول الأمر لما علم ندامة القوم استقالهم من بيعته و لم ينقل ذلك و يحتمل أن يكون المراد ما كان منه بعد حصره و إرادة قتله و أمض أوجع و الصدى مخففة الياء العطشان قوله ع بما تطاعموا به أي بما أوصل كل منهم إلى صاحبه في دولة الباطل طعمه و لذته من اعتقال الأموال أي اكتسابها و ضبطها من قولهم عقل البعير و اعتقله إذا شد يديه و في بعض النسخ بالدال و يئول إليه في المعنى يقال اعتقد ضيعة و مالا أي اقتناها. قوله ع و شديد عادة منتزعة كذا فيما عندنا من النسخ و لعل قوله عادة مبتدأ و شديد خبره أي انتزاع العادة و سلبها شديد و خبط البعير الأرض بيده خبطا ضربها و منه قيل خبط عشواء و هي الناقة التي في بصرها ضعف إذا مشت لا تتوقى

  شيئا و خبطه ضربه شديدا و القوم بسيفه جلدهم و الشجرة شدها ثم نفض ورقها و الدبرة بالتحريك الهزيمة و قال الجزري فيه اغزوا تغنموا بنات الأصفر يعني الروم لأن أباهم الأول كان أصفر اللون و هو روم بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم. قوله ع و جعل يحثني أي أبو سفيان في أول خلافة أبي بكر و أعور ثقيف هو المغيرة بن شعبة الثقفي و شرح تلك الفقرات مع ما مضى و غيرها مثبت في كتاب أحوال النبي ص و كتاب الفتن و المناجزة المبارزة و المقاتلة و فللت الجيش هزمته و الفواق الوقت ما بين الحلبتين لأنها تحلب ثم تترك سويعة يرضعها الفصيل لتدر ثم تحلب و العتبى الرجوع عن الإساءة إلى المسرة قوله ع فكان قد أي فكان قد وقعت