باب 12- باب جمل ما وقع بصفين من المحاربات و الاحتجاجات إلى التحكيم

394-  قال ابن أبي الحديد موافقا لما وجدته في أصل كتاب صفين لنصر بن المزاحم لما ملك علي ع الماء بصفين ثم سمح لأهل الشام بالمشاركة فيه و المساهمة استمالة لقلوبهم مكث أياما لا يرسل إلى معاوية أحدا و لا يأتيه من عند معاوية أحد و استبطأ أهل العراق إذنه لهم في القتال و قالوا يا أمير المؤمنين خلفنا ذرارينا و نساءنا بالكوفة ائذن لنا في قتال القوم فإن الناس قد قالوا قال علي ع ما قالوا فقال منهم قائل إنهم يظنون أنك تكره الحرب كراهية للموت و منهم من يظن أنك في شك في قتال أهل الشام فقال ع و متى كنت كارها للحرب قط إن من العجب حبي لها غلاما و يفعا و كراهيتي لها شيخا بعد نفاد العمر و قرب الوقت و أما شكي في القوم فلو شككت فيهم لشككت في أهل البصرة فو الله لقد ضربت هذا الأمر ظهرا و بطنا فما وجدت يسعني إلا القتال أو أن أعصي الله و رسوله و لكني أستأني بالقوم عسى أن يهتدوا أو يهتدي فيهم طائفة فإن رسول الله ص قال لي يوم الخيبر لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس

 قال نصر بن مزاحم فبعث علي ع إلى معاوية بشر بن عمرو و سعيد بن قيس و شبث بن ربعي فقال ائتوا هذا الرجل فادعوه إلى الطاعة و الجماعة و إلى اتباع أمر الله سبحانه فقال شبث يا أمير المؤمنين أ لا نطمعه في سلطان توليه إياه و منزلة يكون له بها أثرة عندك إن هو بايعك قال ائتوه الآن و القوه و احتجوا عليه و انظروا ما رأيه في هذا فدخلوا عليه فابتدأ بشر بن عمرو بن محصن فحمد الله و أثنى عليه و قال أما بعد يا معاوية فإن الدنيا عنك زائلة و إنك راجع إلى الآخرة و إن الله مجازيك بعملك و محاسبك بما قدمت يداك و إنني أنشدك الله أن تفرق جماعة هذه الأمة و أن تسفك دماءها بينها فقطع معاوية عليه الكلام فقال فهلا أوصيت صاحبك فقال سبحان الله إن صاحبي لا يوصي إن صاحبي ليس مثلك صاحبي أحق الناس بهذا الأمر في الفضل و الدين و السابقة في الإسلام و القرابة من الرسول قال معاوية فتقول ما ذا قال أدعوك إلى تقوى ربك و إجابة ابن عمك إلى ما يدعوك إليه من الحق فإنه أسلم لك في دينك و خير لك في عاقبة أمرك قال و يطل دم عثمان لا و الرحمن لا أفعل ذلك أبدا فذهب سعيد بن قيس ليتكلم فبدره شبث بن ربعي فحمد الله و أثنى عليه ثم قال يا معاوية قد فهمت ما رددت على ابن محصن أنه لا يخفى علينا ما تطلب إنك لا تجد شيئا تستغوي به الناس و تستميل به أهواءهم إلا أن قلت لهم قتل إمامكم مظلوما فهلموا نطلب بدمه فاستجاب لك سفلة طغام رذال و قد علمنا أنك أبطأت عنه بالنصر و أحببت له القتل لهذه المنزلة التي تطلب و رب مبتغي أمرا و طالب له يحول الله دونه و ربما أوتي المتمني أمنيته و ربما لم يؤتها و و الله ما لك في واحدة منهما خير و الله إن أخطأك ما ترجو إنك لشر العرب حالا و لئن أصبت ما تتمناه لا تصيبه حتى تستحق صلى النار فاتق الله يا معاوية و دع ما أنت عليه و لا تنازع الأمر أهله فحمد معاوية الله و أثنى عليه و قال أما بعد فإن أول ما عرفت به سفهك و خفة حلمك قطعك على هذا الحسيب الشريف سيد قومه منطقه ثم عنفت بعد فيما لا علم لك به و لقد كذبت و لومت أيها الأعرابي الجلف الجافي في كل ما وصفت انصرفوا من عندي فإنه ليس بيني و بينكم إلا السيف و غضب فخرج القوم و شبث يقول أ علينا تهول بالسيف أما و الله لنعجلنه إليك

 قال نصر و خرج قراء أهل العراق و قراء أهل الشام فعسكروا في ناحية صفين في ثلاثين ألفا

 قال و عسكر علي ع على الماء و عسكر معاوية فوقه على الماء أيضا و مشت القراء بين علي ع و معاوية منهم عبيدة السلماني و علقمة بن قيس النخعي و عبد الله بن عتبة و عمار بن عبد القيس فدخلوا على معاوية فقالوا يا معاوية ما الذي تطلب قال أطلب بدم عثمان قالوا ممن تطلب بدم عثمان قال أطلبه من علي قالوا أ و علي قتله قال نعم هو قتله و آوى قتلته فانصرفوا من عنده فدخلوا على علي ع و قالوا إن معاوية زعم أنك قتلت عثمان قال اللهم لكذب علي لم أقتله فرجعوا إلى معاوية فأخبروه فقال إن لم يكن قتله بيده فقد أمر و مالأ فرجعوا إليه ع و قالوا يزعم أنك إن لم تكن قتلت بيدك فقد أمرت و مالأت على قتل عثمان فقال اللهم لكذب فيما قال فرجعوا إلى معاوية فقالوا إن عليا يزعم أنه لم يفعل فقال معاوية إن كان صادقا فليقدنا من قتلة عثمان فإنهم في عسكره و جنده و أصحابه و عضده فرجعوا إلى علي ع فقالوا إن معاوية يقول لك إن كنت صادقا فادفع إلينا قتلة عثمان أو مكنا منهم فقال لهم إن القوم تأولوا عليه القرآن و وقعت الفرقة و قتلوه في سلطانه و ليس على ضربهم قود فخصم علي معاوية فقال لهم معاوية إن كان الأمر كما تزعمون فلم ابتز الأمر دوننا على غير مشورة منا و لا ممن هاهنا معنا فقال علي ع إن الناس تبع المهاجرين و الأنصار و هم شهود للمسلمين في البلاد على ولاتهم و أمراء دينهم فرضوا بي و بايعوني و لست أستحل أن أدع ضرب معاوية يحكم على هذه الأمة و يركبهم و يشق عصاهم فرجعوا إلى معاوية فأخبروه بذلك فقال ليس كما يقول فما بال من هاهنا من المهاجرين و الأنصار لم يدخلوا في هذا الأمر فانصرفوا إليه ع فأخبروه بقوله فقال ويحكم هذا للبدريين دون الصحابة و ليس في الأرض بدري إلا و قد بايعني و هو معي أو قد أقام و رضي فلا يغرنكم معاوية من أنفسكم و دينكم

 قال نصر فتراسلوا بذلك ثلاثة أشهر ربيع الآخر و جماديين و هم مع ذلك يفزعون الفزعة فيما بينها و يزحف بعضهم إلى بعض و يحجز القراء بينهم قال ففزعوا في ثلاثة أشهر خمسا و ثلاثين فزعة يزحف بعضهم إلى بعض و يحجز القراء بينهم

 قال نصر و خرج أبو أمامة الباهلي و أبو الدرداء فدخلا على معاوية فقالا يا معاوية علام تقاتل هذا الرجل فو الله لهو أقدم منك سلما و أحق منك بهذا الأمر و أقرب من رسول الله ص فعلام تقاتله قال أقاتله على دم عثمان فإنه آوى قتلته فقولوا له فليقدنا من قتلته و أنا أول من بايعه من أهل الشام فانطلقوا إلى علي ع فأخبروه فقال إنما يطلب الذين ترون فخرج عشرون ألفا و أكثر متسربلين في الحديد لا يرى منهم إلا الحدق فقالوا كلنا قتله فإن شاءوا فليروموا ذلك منا فرجع أبو أمامة و أبو الدرداء فلم يشهدا شيئا من القتال حتى إذا كان في رجب و خشي معاوية أن يبايع القراء عليا ع جد في المكر و كتب في سهم من عبد الله الناصح أني أخبركم أن معاوية يريد أن يفجر عليكم الفرات فيغرقكم فخذوا حذركم ثم رمى السهم في عسكر علي ع فوقع السهم في يد رجل فقرأه ثم أقرأ صاحبه فلما قرأه من أقبل و أدبر قالوا هذا أخ لنا ناصح كتب إليكم يخبركم بما أراد معاوية فلم يزل السهم يقرأ و يرتفع حتى رفع إلى علي ع و بعث معاوية فأتى رجال من العملة إلى عاقول من النهر بأيديهم المرور و الزبل يحفرون فيها بحيال عسكر علي ع فقال ع ويحكم إن الذي يعالج معاوية لا يستقيم له و لا يقوى عليه إنما يريد أن يزيلكم عن مكانكم فانتهوا عن ذلك و دعوه فقالوا له هم و الله يحفرون و الله لنرتحلن و إن شئت فأقم فارتحلوا و صعدوا بعسكرهم مليا و ارتحل علي ع في أخريات الناس و هو يقول

فلو أني أطعت عصبت قومي إلى ركن اليمامة أو شمام‏و لكني متى أبرمت أمرا منيت بخلف آراء الطغام

 قال فارتحل معاوية حتى نزل بمعسكر علي ع الذي كان فيه فدعا علي ع الأشتر فقال أ لم تغلبني على رأيي أنت و الأشعث برأيكما فقال الأشعث أنا أكفيك يا أمير المؤمنين سأداوي ما أفسدت اليوم من ذلك فجمع كندة فقال لهم يا معشر كندة لا تفضحوني اليوم و لا تخزوني فإنما أنا أقارع بكم أهل الشام فخرجوا معه رجاله يمشون و بيده رمح له يلقيه على الأرض و يقول امشوا قيس رمحي هذا فيمشون فلم يزل يقيس لهم الأرض برمحه و يمشون معه حتى أتى معاوية وسط بني سليم واقفا على الماء و قد جاءه أداني عسكره فاقتتلوا قتالا شديدا على الماء ساعة و انتهى أوائل أهل العراق فنزلوا و أقبل الأشتر في جند من أهل العراق فحمل على معاوية و الأشعث يحارب في ناحية أخرى فانحاز معاوية في بني سليم فردوا وجوه إبله قدر ثلاثة فراسخ ثم نزل و وضع أهل الشام أثقالهم و الأشعث يهدر و يقول أ رضيتك يا أمير المؤمنين و قال الأشتر يا أمير المؤمنين قد غلب الله لك على الماء

  قال نصر و كان كل واحد من علي و معاوية يخرج الرجل الشريف في جماعة و يقاتل مثله و كانوا يكرهون أن يزاحفوا بجميع الفيلق مخافة الاستيصال و الهلاك فاقتتل الناس ذا الحجة كله فلما انقضى تداعوا إلى أن يكف بعضهم عن بعض إلى أن ينقضي المحرم لعل الله أن يجري صلحا أو اجتماعا فكف الناس في المحرم بعضهم عن بعض قال نصر حدثنا عمر بن سعد عن أبي المجاهد عن المحل بن خليفة قال لما توادعوا في المحرم اختلف الرسل فيما بين الرجلين رجاء الصلح فأرسل علي ع إلى معاوية عدي بن حاتم و شبث بن ربعي و يزيد بن قيس و زياد بن خصفة فلما دخلوا عليه حمد الله تعالى عدي بن حاتم و أثنى عليه و قال أما بعد فقد أتيناك لندعوك إلى أمر يجمع الله به كلمتنا و أمتنا و يحقن دماء المسلمين ندعوك إلى أفضل الناس سابقة و أحسنهم في الإسلام آثارا و قد اجتمع له الناس و قد أرشدهم الله بالذي رأوا و أتوا فلم يبق أحد غيرك و غير من معك فانته يا معاوية من قبل أن يصيبك الله و أصحابك بمثل يوم الجمل فقال له معاوية كأنك إنما جئت متهددا و لم تأت مصلحا هيهات يا عدي إني لابن حرب ما يقعقع لي بالشنان أما و الله إنك من المجلبين على عثمان و إنك لمن قتلته و إني لأرجو أن تكون ممن يقتله الله فقال له شبث بن ربعي و زياد بن خصفة و تنازعا كلاما واحدا أتيناك فيما يصلحنا و إياك فأقبلت تضرب لنا الأمثال دع ما لا ينفع من القول و الفعل و أجبنا فيما يعمنا و إياك نفعه و تكلم يزيد بن قيس فقال إنا لم نأتك إلا لنبلغك الذي بعثنا به إليك و لنؤدي عنك ما سمعنا منك و لم ندع أن ننصح لك و أن نذكر ما ظننا أن فيه عليك حجة أو أنه راجع بك إلى الأمة و الجماعة إن صاحبنا من قد عرفت و عرف المسلمون فضله و لا أظنه يخفى عليك إن أهل الدين و الفضل لا يعدلونك بعلي و لا يساوون بينك و بينه فاتق الله يا معاوية و لا تخالف عليا فإنا و الله ما رأينا رجلا قط أعلم بالتقوى و لا أزهد في الدنيا و لا أجمع لخصال الخير كلها منه فحمد معاوية الله و أثنى عليه و قال أما بعد فإنكم دعوتم إلى الجماعة و الطاعة فأما التي دعوتهم إليها فنعما هي و أما الطاعة لصاحبكم فإنه لا نرضى به إن صاحبكم قتل خليفتنا و فرق جماعتنا و آوى ثارنا و قتلتنا و صاحبكم يزعم أنه لم يقتله فنحن لا نرد ذلك عليه أ رأيتم قتلة صاحبنا أ لستم تعلمون أنهم أصحاب صاحبكم فليدفعهم إلينا فلنقتلنهم به و نحن نجيبكم إلى الطاعة و الجماعة فقال له شبث أ يسرك يا معاوية إن أمكنت من عمار بن ياسر فقتلته قال و ما يمنعني من ذلك و الله لو أمكنني صاحبكم من ابن سمية ما أقتله بعثمان و لكن كنت أقتله بنائل مولى عثمان فقال شبث و إله السماء ما عدلت معدلا و لا و الذي لا إله إلا هو لا تصل إلى قتل ابن ياسر حتى تندر الهام عن كواهل الرجال و تضيق الأرض الفضاء عليك برحبها فقال معاوية إذا كان ذلك كانت عليك أضيق ثم رجع القوم عن معاوية فبعث إلى زياد بن

  خصفة من بينهم فأدخل عليه فحمد معاوية الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد يا أخا ربيعة فإن عليا قطع أرحامنا و قتل إمامنا و آوى قتلة صاحبنا و إني أسألك النصرة عليه بأسرتك و عشيرتك و لك على عهد الله و ميثاقه إذا ظهرت أن أوليك أي المصرين أحببت قال زياد فلما قضى معاوية كلامه حمدت الله و أثنيت عليه ثم قلت أما بعد فإني لعلى بينة من ربي و بما أنعم الله علي فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ ثم قمت فقال معاوية لعمرو بن العاص و كان إلى جانبه ما لهم عضبهم الله ما قلبهم إلا قلب رجل واحد قال نصر و بعث معاوية حبيب بن مسلمة الفهري إلى علي ع و بعث معه شرحبيل بن السمط و معن بن يزيد فدخلوا عليه ع فتكلم حبيب و حمد الله و أثنى عليه و قال أما بعد فإن عثمان بن عفان كان خليفة مهديا يعمل بكتاب الله و ينيب إلى أمر الله فاستثقلتم حياته و استبطأتم وفاته فعدوتم عليه فقتلتموه فادفع إلينا قتلة عثمان لنقتلهم به فإن قلت إنك لم تقتله فاعتزل أمر الناس فيكون أمرهم شورى بينهم يولي الناس أمرهم من أجمع عليه رأيهم فقال له علي ع و من أنت لا أم لك و الولاية و العزل و الدخول في هذا الأمر اسكت فإنك لست هناك و لا بأهل لذاك فقام حبيب بن مسلمة و قال و الله لتريني حيث تكره فقال له علي ع و ما أنت و لو أجلبت بخيلك و رجلك اذهب فصوب و صعد ما بدا لك فلا أبقى الله عليك إن أبقيت فقال شرحبيل بن السمط إن كلمتك فلعمري ما كلامي لك إلا نحو كلام صاحبي فهل عندك جواب غير الذي أجبته قال نعم قال فقله فحمد الله علي ع و أثنى عليه ثم قال أما بعد فإن الله سبحانه بعث محمدا ص فأنقذ به من الضلالة و نعش به من الهلكة و جمع به بعد الفرقة ثم قبضه الله إليه و قد أدى ما عليه فاستخلف الناس أبا بكر ثم استخلف أبو بكر عمر فأحسنا السيرة و عدلا في الأمة و قد وجدنا عليهما أن توليا الأمر دوننا و نحن آل الرسول و أحق بالأمر فغفرنا ذلك لهما ثم ولي أمر الناس عثمان فعمل بأشياء عابها الناس عليه فسار إليه ناس فقتلوه ثم أتاني الناس و أنا معتزل أمرهم فقالوا لي بايع فأبيت عليهم فقالوا لي بايع فإن الأمة لن ترضى إلا بك و إنا نخاف إن لم تفعل أن يفترق الناس فبايعتهم فلم يرعني إلا شقاق رجلين قد بايعاني و خلاف معاوية إياي الذي لم يجعل الله له سابقة في الدين و لا سلف صدق في الإسلام طليق ابن طليق و حزب من الأحزاب لم يزل لله و لرسوله عدوا هو و أبوه حتى دخلا في الإسلام كارهين مكرهين فيا عجبا لكم و لانقيادكم له و تدعون آل نبيكم الذي لا ينبغي لكم شقاقهم و لا خلافهم و لا أن تعدلوا بهم أحدا من الناس إني أدعوكم إلى كتاب الله عز و جل و سنة نبيكم ص و إماتة الباطل و إحياء معالم الدين أقول قولي هذا و أستغفر الله لنا و لكل مؤمن و مؤمنة و مسلم و مسلمة فقال له شرحبيل و معن بن يزيد أ تشهد أن عثمان قتل مظلوما فقال لهما

  إني لا أقول ذلك قالا فمن لا يشهد أن عثمان قتل مظلوما فنحن برآء منه ثم قاما فانصرفا فقال علي ع إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَ لا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ وَ ما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ ثم أقبل على أصحابه فقال لا يكن هؤلاء في ضلالتهم بأولى بالجد منكم في حقكم و طاعة إمامكم ثم مكث الناس متوادعين إلى انسلاخ المحرم فلما انسلخ شهر المحرم و استقبل الناس صفر من سنة سبع و ثلاثين من هجرة النبي بعث علي ع نفرا من أصحابه حتى إذا كانوا من عسكر معاوية حيث يسمعونهم الصوت قام يزيد بن الحارث فنادى عند غروب الشمس يا أهل الشام إن أمير المؤمنين عليا ع و أصحاب رسول الله ص يقولون لكم إنا و الله لم نكف عنكم شكا في أمركم و لا بقيا عليكم و إنما كففنا عنكم لخروج المحرم و قد انسلخ و إنا قد نبذنا إليكم على سواء فإن الله لا يحب الخائنين قال فسار الناس إلى رؤسائهم و أمرائهم 395-  قال نصر و أما رواية عمرو بن شمر عن جابر عن أبي الزبير أن نداء ابن مرثد الخثعمي كانت صورته يا أهل الشام ألا إن أمير المؤمنين ع يقول لكم إني قد استأنيت بكم لتراجعوا الحق و تنيبوا إليه و احتججت عليكم بكتاب الله و دعوتكم إليه فلم تتناهوا عن طغيان و لم تجيبوا إلى حق فإني قد نبذت إليكم على سواء إن الله لا يحب الخائنين قال فسار الناس إلى رؤسائهم و خرج معاوية و عمرو بن العاص يكتبان الكتائب و يعبئان العساكر و أوقدوا النيران و جاءوا بالشموع و بات علي ع ليلته تلك كلها يعبئ الناس و يكتب الكتائب و يدور في الناس و يحرضهم قال نصر فخرجوا أول يوم من صفر سنة سبع و ثلاثين و هو يوم الأربعاء فاقتتلوا قتالا شديدا جل النهار ثم تراجعوا و قد انتصف بعضهم من بعض ثم خرج في اليوم الثاني هاشم بن عتبة في خيل و رجال حسن عددها و عدتها فخرج إليه من أهل الشام أبو الأعور السلمي فاقتتلوا يومهم ذلك تحمل الخيل على الخيل و الرجال على الرجال ثم انصرفوا و قد صبر القوم بعضهم لبعض و خرج في اليوم الثالث عمار بن ياسر و خرج إليه عمرو بن العاص فاقتتل الناس كأشد قتال كان و جعل عمار يقول يا أهل الإسلام أ تريدون أن تنظروا إلى من عادى الله و رسوله و جاهدهما و بغى على المسلمين و ظاهر المشركين فلما أراد الله أن يظهر دينه و ينصر رسوله أتى إلى النبي ص فأسلم و هو و الله فيما يرى راهب غير راغب ثم قبض الله رسوله و إنا و الله لنعرفه بعداوة المسلم و مودة المجرم ألا و إنه معاوية فقاتلوه و العنوة فإنه ممن يطفي نور الله و يظاهر أعداء الله قال و كان مع عمار زياد بن النضر على الخيل فأمره أن يحمل في الخيل فحمل فصبروا له و شد عمار في الرجالة فأزال عمرو بن العاص عن موقفه و رجع الناس يومهم ذلك

396-  قال نصر و حدثني أبو عبد الرحمن المسعودي عن يونس بن الأرقم عمن حدثه من شيوخ بكر بن وائل قال كنا مع علي ع بصفين فرفع عمرو بن العاص شقة خميصة سوداء في رأس رمح فقال ناس هذا لواء عقد له رسول الله ص فلم يزالوا يتحدثون حتى وصل ذلك إلى علي ع فقال أ تدرون ما هذا اللواء إن عمرا أخرج له رسول الله ص هذه الشقة فقال من يأخذها بما فيها فقال عمرو و ما فيها يا رسول الله فقال لا تقاتل بها مسلما و لا تقربها من كافر فأخذها فقد و الله قربها من المشركين و قاتل بها اليوم المسلمين و الذي فلق الحبة و برئ النسمة ما أسلموا و لكنهم استسلموا و أسروا الكفر فلما وجدوا عليه أعوانا أظهروه

 بيان قوله ع عصبت قومي يقال عصبت الشجرة إذا ضممت أغصانها ثم ضربتها ليسقط ورقها قال الحجاج لأعصبنكم عصب السلم و اليمامة ناحية من الحجاز و اليمن و الشآم على فعال الشامي كاليمان و في الديوان المصرع الثاني هكذا

و لكني إذا أبرمت أمرا تخالفني أقاويل الطغام.

 و قال الميداني القعقعة تحريك الشي‏ء اليابس الصلب مع صوت مثل السلاح و غيره و الشنان جمع شن و هي القربة اليابسة و هم يحركونها إذا أرادوا حث الإبل على السير لتفزع فتسرع قال النابغة

كأنك من جمال بني أقيس يقعقع خلف رجليه بشن.

 يضرب لمن لا يتضع لما تنزل به من حوادث الدهر و لا يروعه ما لا حقيقة له. و قال أيضا ابن أبي الحديد كما وجدته في أصل الكتاب كان أول أيام الحرب بصفين في صفر من سنة سبع و ثلاثين

 قال نصر بن مزاحم كان علي ع يركب بغلة له قبل أن تلتقي الفئتان بصفين فلما حضرت الحرب و بات تلك الليلة يعبئ الكتائب حتى أصبح قال ائتوني بفرسي فأتي بفرس له أدهم يبحث الأرض بيديه جميعا له حمحمة و صهيل فركبه و قال سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَ ما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم

397-  قال نصر و حدثنا عمرو بن شمر عن جابر الجعفي قال كان علي ع إذا سار إلى قتال ذكر اسم الله تعالى حين يركب كان يقول الحمد لله على نعمه علينا و فضله العظيم سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَ ما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَ إِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ ثم يستقبل القبلة و يرفع يديه إلى السماء و يقول اللهم إليك نقلت الأقدام و أتعبت الأبدان و أفضت القلوب و رفعت الأيدي و شخصت الأبصار رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ ثم يقول سيروا على بركة الله ثم يقول الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله و الله أكبر يا الله يا أحد يا صمد يا رب محمد اكفف عنا شر الظالمين الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ بسم الله الرحمن الرحيم و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم و كانت هذه الكلمات شعاره بصفين

  -398  قال و روى سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة قال ما كان علي في قتال قط إلا نادى يا كهيعص

399-  قال نصر و حدثنا قيس بن ربيع عن عبد الواحد بن حسان العجلي عمن حدثه عن علي أنه سمعه يقول يوم صفين اللهم إليك رفعت الأبصار و بسطت الأيدي و نقلت الأقدام و دعت الألسن و أفضت القلوب و إليك التحاكم في الأعمال فاحكم بيننا و بينهم بالحق و أنت خير الحاكمين اللهم إنا نشكو إليك غيبة نبينا و كثرة عدونا و قلة عددنا و تشتت أهوائنا و شدة الزمان و ظهور الفتن فأعنا على ذلك بفتح تعجله و نصر تعز به سلطان الحق و تظهره

400-  و عن عمر بن سعد عن سلام بن سويد عن علي ع في قوله وَ أَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى قال هي لا إله إلا الله و في قوله الله أكبر قال هي آية النصر

 قال نصر هذه كانت شعاره يقولها في الحرب ثم يحمل فيورد و الله من اتبعه و من حاده حياض الموت

401-  قال نصر و حدثنا عمر بن سعد عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه قال لما كان غداة الخميس لسبع خلون من شهر صفر سنة سبع و ثلاثين صلى علي ع الغداة فغلس ما رأيت عليا غلس بالغداة أشد من تغليسه يومئذ و خرج بالناس إلى أهل الشام فزحف نحوهم و كان هو يبدؤهم فيسير إليهم فإذا رأوه قد زحف استقبلوه بزحوفهم

402-  و عن عمر بن سعد عن مالك بن أعين عن زيد بن وهب قال لما خرج علي ع إليهم غداة ذلك اليوم فاستقبلوه رفع يديه إلى السماء فقال اللهم رب هذا السقف المحفوظ المكفوف الذي جعلته مغيضا لليل و النهار و جعلت فيه مجرى للشمس و القمر و منازل الكواكب و النجوم و جعلت سكانه سبطا من الملائكة لا يسأمون العبادة و رب هذه الأرض التي جعلتها قرارا للأنام و الهوام و الأنعام و ما لا يحصى مما يرى و مما لا يرى من خلقك العظيم و رب الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس و رب السحاب المسخر بين السماء و الأرض و رب البحر المسجور و المحيط بالعالمين و رب الجبال الرواسي التي جعلتها للأرض أوتادا و للخلق متاعا إن أظهرتنا على عدونا فجنبنا البغي و سددنا للحق و إن أظهرتهم علينا فارزقنا الشهادة و اعصم بقية أصحابي من الفتنة

 قال فلما رأوه قد أقبل تقدموا إليه بزحوفهم و كان على ميمنته يومئذ عبد الله بن بديل و الناس على راياتهم و مراكزهم و علي ع في القلب في أهل المدينة جمهورهم الأنصار و معه من خزاعة و كنانة عدد حسن

 قال نصر و رفع معاوية قبة عظيمة و ألقى عليها الكرابيس و جلس تحتها و قد كان لهم قبل هذا اليوم ثلاثة أيام و هو اليوم الرابع من صفر و خرج في هذا اليوم محمد بن الحنفية في جمع من أهل العراق فخرج إليه معاوية عبيد الله بن عمر بن الخطاب في جمع من أهل الشام فاقتتلوا فطلب عبيد الله محمدا إلى المبارزة فلما خرج إليه دعاه علي ع و خرج بنفسه راجلا بيده سيفه و قال أنا أبارزك فهلم فقال عبيد الله لا حاجة بي إلى مبارزتك فرجع إلى صفه

 قال نصر و أما اليوم الخامس فإنه خرج عبد الله بن العباس فخرج إليه الوليد بن عقبة و أكثر من سب بني عبد المطلب فأرسل إليه ابن عباس أبرز إلي فأبى أن يفعل و قاتل ابن عباس ذلك اليوم قتالا شديدا ثم انصرفوا و كل غير غالب و خرج ذلك اليوم شمر بن أبرهة بن الصباح الحميري فلحق بعلي ع في ناس من قراء أهل الشام ففت ذلك في عضد معاوية و عمرو بن العاص و قال عمرو يا معاوية إنك تريد أن تقاتل بأهل الشام رجلا له من محمد ص قرابة قريبة و رحم ماسة و قدم في الإسلام ليس لأحد مثله قد سار إليك بأصحاب محمد المعدودين و فرسانهم و أشرافهم و مهما نسيت فلا تنس أنك على باطل و عليا على الحق فبادر الأمر قبل اضطرابه عليك فقام معاوية في أهل الشام خطيبا و حثهم على القتال فخطب علي ع أصحابه قال أبو سنان الأسلمي كأني أنظر إليه متكئا على قوسه و قد جمع أصحاب رسول الله ص و هم يلونه كأنه أحب أن يعلم الناس أن الصحابة متوافرون معه فقال أيها الناس اسمعوا مقالتي و عوا كلامي فإن الخيلاء من التجبر و إن النخوة من التكبر و إن الشيطان عدو حاضر يعدكم الباطل ألا إن المسلم أخو المسلم فلا تنابذوا و لا تجادلوا ألا إن شرائع الدين واحدة و سبله قاصدة من أخذ بها لحق و من فارقها محق و من تركها مرق ليس المسلم بالخائن إذا ائتمن و لا بالمخلف إذا وعد و لا الكاذب إذا نطق نحن أهل بيت الرحمة و قولنا الصدق و فعلنا القصد و منا خاتم النبيين و فينا قادة الإسلام و فينا حملة الكتاب إلا أنا ندعوكم إلى الله و إلى رسوله و إلى جهاد عدوه و الشدة في أمره و ابتغاء مرضاته و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و حج البيت و صيام شهر رمضان و توفير الفي‏ء على أهله ألا و إن من أعجب العجائب أن معاوية بن أبي سفيان الأموي و عمرو بن العاص السهمي أصبحا يحرضان على طلب الدين بزعمهما و لقد علمتم أني لم أخالف رسول الله ص قط و لم أعصه في أمر قط أقيه بنفسي في المواطن التي تنكص فيها الأبطال و ترعد فيها الفرائص نجدة أكرمني الله سبحانه بها و له الحمد و لقد قبض رسول الله ص و إن رأسه لفي حجري و لقد وليت غسله بيدي وحدي تقلبه الملائكة المقربون معي و ايم الله ما اختلفت أمة قط بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها إلا ما شاء الله

 قال فقال أبو سنان الأسدي فسمعت عمار بن ياسر يقول أما أمير المؤمنين فقد أعلمكم أن الأمة لم تستقم عليه أولا و أنها لن تستقيم عليه آخرا ثم تفرق الناس و قد نفذت بصائرهم

403-  و عن زيد بن وهب أن عليا ع قال في هذه الليلة حتى متى لا نناهض القوم بأجمعنا فقام في الناس عشية الثلاثاء بعد العصر فقال الحمد لله الذي لا يبرم ما نقض و لا ينقض ما أبرم و لو شاء ما اختلف اثنان من هذه الأمة و لا من خلقه و لا تنازع البشر في شي‏ء من أمره و لا جحد المفضول ذا الفضل فضله و قد ساقتنا و هؤلاء القوم اللأقدار حتى لفت بيننا في هذا الموضع و نحن من ربنا بمرأى و مسمع و لو شاء لعجل النقمة و لكان منه التغيير حتى يكذب الله الظالم و يعلم الحق أين مصيره و لكنه جعل الدنيا دار الأعمال و جعل الآخرة دار الجزاء و القرار لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ألا إنكم لاقوا العدو غدا إن شاء الله فأطيلوا الليلة القيام و أكثروا تلاوة القرآن و اسألوا الله الصبر و النصر و القوهم بالجد و الحزم و كونوا صادقين

 قال فوثب الناس إلى رماحهم و سيوفهم و نبالهم ليصلحونها و خرج ع و عبأ الناس ليلته تلك كلها حتى أصبح و عقد الألوية و أمر الأمراء و بعث إلى أهل الشام مناديا ينادي فيهم اغدوا على مصافكم فضج أهل الشام في معسكرهم و اجتمعوا إلى معاوية فعبأ خيله و عقد ألويته و أمر أمراءه و كتب كتائبه و كان أهل الشام أكثر من أهل العراق بالضعف و نصب لمعاوية منبر فقعد إليه في قبة ضربها عظيمة ألقي عليها الثياب و الدرانك ثم تناهض القوم يوم الأربعاء سادس صفر و اقتتلوا إلى آخر نهارهم و انصرفوا عند المساء و كل غير غالب فأما اليوم السابع فكان القتال فيه شديدا و الخطب عظيما و كان عبد الله بن بديل الخزاعي على ميمنة العراق فزحف نحو حبيب بن مسلمة و هو على مسيرة أهل الشام حتى اضطرهم إلى قبة معاوية وقت الظهر

404-  قال نصر و حدثنا عمر بن سعد عن عبد الرحمن بن أبي عمرو عن أبيه أن عليا ع خطب هذا اليوم فقال معاشر المسلمين استشعروا الخشية

 إلى آخر ما سيأتي بطوله و بالإسناد أن عليا خطب ذلك اليوم فقال أيها الناس إن الله تعالى ذكره قد دلكم عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ إيمان بالله و رسوله و جهاد في سبيله

 إلى آخر ما سيأتي برواية المفيد رحمه الله ثم قام قيس بن سعد و خطب خطبة بليغة حث الناس فيها على الجهاد. ثم قام الأشتر رضي الله عنه بمثل ذلك و كذا يزيد بن قيس الأرحبي و غيرهم

405-  و روي عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر ع و زيد بن الحسن قالا طلب معاوية إلى عمرو بن العاص أن يسوي صفوف أهل الشام فقال لهم عمرو يا معشر أهل الشام سووا صفوفكم قص الشارب و أعيرونا جماجمكم ساعة فإنه قد بلغ الحق مقطعه فلم يبق إلا ظالم أو مظلوم و أقبل أبو الهيثم بن التيهان و كان من أصحاب محمد ص بدريا عقبيا يسوي صفوف أهل العراق و هو يقول يا معشر أهل العراق إنه ليس بينكم و بين الفتح العاجل أو الجنة في الآجل إلا ساعة من النهار فارسوا أقدامكم و سووا صفوفكم و أعيروا ربكم جماجمكم و استعينوا بالله ربكم وَ اصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ

406-  و روي عن عمرو بن شمر عن جابر عن الشعبي أن أول فارسين التقيا في هذا اليوم و هو اليوم السابع و كان من الأيام العظيمة حجر بن عدي من أصحاب علي ع و ابن عم حجر من أصحاب معاوية كلاهما من كندة فأطعنا برمحيهما و خرج خزيمة الأسدي من عسكر معاوية فضرب حجر بن عدي ضربة برمحه فحمل أصحاب علي ع فقتلوا خزيمة و نجا ابن عم حجر فخرج رفاعة الحميري من صف العراق و قتل قرن بن عدي ثم إن عليا دعا أصحابه إلى أن يذهب واحد منهم بمصحف كان في يده إلى أهل الشام فقال من يذهب إليهم فيدعوهم إلى ما في هذا المصحف فسكت الناس و أقبل فتى اسمه سعيد فقال أنا صاحبه و قال ثانيا و لم يجب إلا الفتى فقبضه بيده ثم أتاهم فناشدهم و دعاهم إلى ما فيه فقتلوه فقال أمير المؤمنين ع لعبد الله بن بديل احمل عليهم الآن فحمل عليهم بمن معه من أهل الميمنة و عليه يومئذ سيفان و درعان فجعل يضرب بسيفه قدما و يرتجز فلم يزل يحمل حتى انتهى إلى معاوية و الذين بايعوه على الموت فأمرهم أن يصمدوا لابن بديل و بعث إلى حبيب بن مسلمة الفهري و هو في الميسرة أن يحمل عليه بجمع من أصحابه و اختلط الناس و اصطدم الصفان ميمنة أهل العراق و ميسرة أهل الشام و أقبل ابن بديل يضرب الناس بسيفه قدما حتى أزال معاوية عن موقفه و تراجع معاوية عن مكانه القهقرى كثيرا و أشفق على نفسه و أرسل إلى حبيب بن مسلمة مرة ثانية و ثالثة يستنجده و يستصرخه و يحمل حبيب حملة شديدة بميسرة معاوية على ميمنة العراق فكشفها حتى لم يبق مع ابن بديل إلا نحو مائة إنسان من القراء فاستند بعضهم إلى بعض يحمون أنفسهم و لحج ابن بديل في الناس و صمم على قتل معاوية و جعل يطلب موقفه حتى انتهى إليه فنادى معاوية في الناس ويلكم الصخرة و الحجارة إذا عجزتم عن السلاح أثخنوه فرضخه الناس بالحجارة حتى أثخنوه فسقط فأقبلوا عليه بسيوفهم فقتلوه و جاء معاوية و عبد الله بن عامر حتى وقفا عليه فألقى عبد الله عمامته على وجهه و ترحم عليه و كان له أخا و صديقا من قبل فقال معاوية اكشف عن وجهه فقال لا و الله لا يمثل به و في روح فقال له معاوية قد وهبناه لك فكشف عن وجهه فقال معاوية هذا كبير القوم و رب الكعبة اللهم ظفرني بالأشتر النخعي و الأشعث الكندي قال فاستعلى أهل الشام عند قتل ابن بديل على أهل العراق يومئذ و انكشف أهل العراق من قبل الميمنة و أجفلوا إجفالا شديدا فأمر علي ع سهل بن حنيف فاستقدم ممن كان معه ليريد الميمنة بعقدها فاستقبلهم جموع أهل الشام في خيل عظيمة فحملت عليهم فأحلقتهم بالميمنة و كانت ميمنة أهل العراق متصلة بموقف علي ع في القلب في أهل اليمن فلما انكشفوا انتهت الهزيمة إلى علي ع فانصرف يمشي نحو الميسرة فانكشفت عنه مضر من الميسرة فلم يبق مع علي ع من أهل العراق إلا ربيعة وحدها في الميسرة

407-  و روي عن زيد بن وهب قال لقد مر علي يومئذ و معه بنوه نحو المسيرة و معه ربيعة وحدها و إني لأرى النبل يمر من بين عاتقه و منكبه و ما من بنيه إلا يقيه بنفسه فيكره على ذلك فيتقدم عليه و يحول بينه و بين أهل الشام و يأخذ بيده إذا فعل ذلك فيلقيه من ورائه و بصر به أحمر مولى بني أمية و كان شجاعا فقال علي و رب الكعبة قتلني الله إن لم أقتلك فأقبل نحوه فخرج إليه كيسان مولى علي ع فاختلفا ضربتين فقتله أحمر و خالط عليا ع ليضربه بالسيف فمد على يده إلى جيب درعه فجذبه عن فرسه و حمله على عاتقه و الله لكأني أنظر إلى رجلي أحمر يختلفان على عنق علي ثم ضرب به الأرض فكسر منكبيه و عضديه و شد أبناء علي حسين و محمد فضرباه بأسيافهما حتى برد فكأني أنظر إلى علي ع قائما و شبلاه يضربان الرجل حتى إذا أتيا عليه أقبلا على أبيهما ثم إن أهل الشام دنوا عنه يريدونه و الله ما يزيده قربهم منه و دنوهم سرعة في مشيه فقال له الحسن ما ضرك لو أسرعت حتى تنتهي إلى الذين صبروا بعدك من أصحابك قال يعني ربيعة الميسرة فقال علي ع يا بني إن لأبيك يوما لا يبطئ به عنه السعي و لا يقربه إليه الوقوف إن أباك لا يبالي وقع على الموت أو وقع الموت عليه

  -408  قال نصر و روى عمرو بن شمر عن جابر عن أبي إسحاق قال خرج علي ع يوما من أيام صفين و في يده عنزة فمر على سعيد بن قيس الهمداني فقال له سعيد أ ما تخشى يا أمير المؤمنين أن يغتالك أحد و أنت قرب عدوك فقال علي ع إنه ليس من أحد إلا و عليه من الله حفظة يحفظونه من أن يتردى في قليب أو يخرب عليه حائط أو تصيبه آفة فإذا جاء القدر خلوا بينه و بينه

409-  و عن عمرو عن فضيل بن خديج عن مولى الأشتر قال لما انهزمت ميمنة العراق يومئذ أقبل على نحو الميسرة يركض ليستثيب الناس و يستوقفهم و يأمرهم بالرجوع نحو الفزع فمر بالأشتر فقال يا مالك قال لبيك يا أمير المؤمنين قال ائت هؤلاء القوم فقل لهم أين فراركم عن الموت الذي لن تعجزوه إلى الحياة التي لا تبقى لكم فمضى الأشتر فاستقبل الناس منهزمين فقال لهم الكلمات فناداهم أيها الناس أنا مالك بن الحارث فلم يلتفت أحد منهم إليه فقال أيها الناس أنا الأشتر فأقبلت إليه طائفة و ذهبت عنه طائفة فقال عضضتم بهن أبيكم و ما أقبح ما قاتلتم اليوم أيها الناس غضوا الأبصار و عضوا على النواجذ فاستقبلوا الناس بهامكم و شدوا عليهم شدة قوم موتورين بآبائهم و أبنائهم و إخوانهم حنقا على عدوهم قد وطنوا على الموت أنفسهم كيلا يسبقوا بثأر إن هؤلاء القوم و الله لن يقاتلوكم إلا عن دينكم ليطفئوا السنة و يحيوا البدعة و يدخلوكم في دين قد أخرجكم الله منه بحسن البصيرة فطيبوا عباد الله نفسا بدمائكم دون دينكم فإن الفرار فيه سلب العز و الغلبة على الفي‏ء و ذل المحيا و الممات و عار الدنيا و الآخرة و سخط الله و أليم عقابه ثم قال أيها الناس أخلصوا إلي مذحجا فاجتمعوا إليه فقال عضضتم بصم الجندل و الله ما أرضيتم اليوم ربكم و لا نصحتم له في عدوه و كيف ذلك و أنتم أبناء الحرب و أصحاب الغارات و فرسان الطرار و حتوف الأقران و مذحج الطعان الذين لم يكونوا يسبقون بثأرهم و لم تطل دماؤهم و لم يعرفوا في موطن من المواطن بخسف و أنتم سادة مصركم و أعز حي في قومكم و ما تفعلوا في هذا اليوم مأثور بعد اليوم فاتقوا مأثور الحديث في غد و اصدقوا عدوكم اللقاء فإن الله مع الصابرين و الذي نفسي بيده ما من هؤلاء و أشار بيده إلى أهل الشام رجل في مثل جناح البعوضة من دين الله الله ما أحسنتم اليوم القراع أجلوا سواد وجهي يرجع في وجهي دمي و عليكم بهذا السواد الأعظم فإن الله لو قد فضه تبعه من بجانبه كما يتبع السيل مقدمه فقالوا خذ بنا حيث أحببت فصمد بهم نحو عظمهم و استقبله سنام من همدان و هم نحو ثمان مائة مقاتل قد انهزموا آخر الناس و كانوا قد صبروا في ميمنة علي حتى قتل منهم مائة و ثمانون رجلا و أصيب منهم أحد عشر رئيسا كلما قتل منهم رئيسا أخذ الراية آخر فانصرفوا و هم يقولون ليت لنا عديدا من العرب يحالفوننا ثم نستقدم نحن و هم فلا ننصرف حتى نقتل أو نظهر فقال لهم الأشتر إني أحالفكم و أعاقدكم على أن لا نرجع أبدا حتى نظفر أو نهلك فوقفوا معه على هذه النية و العزيمة و زحف نحو الميمنة و ثاب إليه ناس تراجعوا من أهل الصبر و الوفاء و الحياء فأخذ لا يصمد لكتيبة إلا كشفها و لا بجمع إلا جازه و رده

410-  فروي عن مولى للأشتر قال لما اجتمع إلى الأشتر من كان انهزم من الميمنة حمل على صفوف أهل الشام حتى كشفهم فألحقهم بمضارب معاوية و ذلك بين العصر و المغرب

411-  و عن زيد بن وهب أن عليا ع لما رأى ميمنته قد عادت إلى موقفها و مصافها و كشفت من بإزائها أقبل حتى انتهى إليهم فقال قد رأيت جولتكم و انحيازكم عن صفوفكم تحوزكم الجفاة الطغام أعراب أهل الشام و أنتم لهاميم العرب و السنام الأعظم و عمار الليل بتلاوة القرآن و أهل دعوة الحق إذ ضل الخاطئون فلو لا قتالكم بعد إدباركم و كركم بعد انحيازكم وجب عليكم ما وجب على المولي يوم الزحف و كنتم فيما أرى من الهالكين و لقد هون علي بعض وجدي و شفى بعض لاعج نفسي إن رأيتكم بأخرة حزتموهم كما حازوكم فأزلتموهم عن مصافهم كما أزالوكم تحسونهم بالسيف يركب أولهم آخرهم كالإبل المطرودة الهيم فالآن فاصبروا نزلت عليكم السكينة و ثبتكم اليقين و ليعلم المنهزم أنه مسخط ربه و موبق نفسه و في الفرار موجدة الله عليه و الذل لازم عليه و مفسدة العيش عليه و أن الفار لا يزيد الفرار في عمره و لا يرضى ربه لموت الرجل محقا قبل إتيان هذه الخصال خير من الرضا بالتلبيس بها و الإصرار عليها

 قال نصر فحمل أبو كعب الخثعمي رأس خثعم العراق على خثعم الشام و اقتتلوا أشد قتال فجعل أبو كعب يقول لأصحابه يا معشر خثعم خذموا أي اضربوا الخذمة و هي الخلخال يعني اضربوهم في سوقهم فحمل شمر بن عبد الله على أبي كعب فطعنه فقتله ثم انصرف يبكي و يقول رحمك الله أبا كعب لقد قتلتك في طاعة قوم أنت أمس إلي رحما و أحب إلي منهم نفسا و لكني و الله لا أدري ما أقول و لا أرى الشيطان إلا قد فتننا و لا أرى قريشا إلا قد لعبت بنا فوثب كعب بن أبي كعب إلى راية أبيه فأخذها ففقئت عينه و صرع ثم أخذها شريح بن مالك فقاتل القوم تحتها حتى صرع منهم حول رأيتهم نحو ثمانين رجلا و أصيب من خثعم الشام مثل ذلك ثم ردها شريح إلى كعب بن أبي كعب

412-  و قال نصر و حدثنا عمرو قال حدثنا عبد السلام بن عبد الله بن جابر إن راية بجيلة في صفين مع أهل العراق كانت في أحمس مع أبي شداد فقالت له بجيلة خذ رايتنا قال غيري خير لكم مني قالوا لا نريد غيرك قال فو الله لئن أعطيتها لا أنتهي بكم دون صاحب الترس المذهب الذي هو قائم على رأس معاوية يستره من الشمس فقالوا اصنع ما شئت فأخذها ثم زحف بها و هم حوله يضربون الناس بأسيافهم حتى انتهى إلى صاحب الترس المذهب و هو في خيل عظيمة من أصحاب معاوية فاقتتل الناس هناك قتالا شديدا و شد أبو شداد بسيفه نحو صاحب الترس فتعرض له رومي فضرب قدم أبي شداد فقطعها و ضرب أبو شداد ذلك الرومي فقتله فأشرعت إليه الأسنة فقتل فأخذ الراية عبد الله بن قلع الأحمسي و قاتل حتى قتل فأخذها أخوه عبد الرحمن نقاتل حتى قتل ثم أخذها عفيف بن أياس فلم يزل بيده حتى تحاجز الناس فحمل غطفان العراق على غطفان الشام و قتل منهما كثير و كذا أزد العراق على أزد الشام و كذا كل قبيلة على من بإزائهم

413-  قال نصر و روى عمر بن سعد عن الحارث بن حصيرة عن أشياخ النمر أن عتبة بن جوية قال يوم صفين أن مرعى الدنيا قد أصبح هشيما و أصبح شجرها حصيدا و جديدها سملا و حلوها مر المذاق ألا و إني أنبئكم نبأ امرئ صادق إني سئمت الدنيا و عزفت نفسي عنها و قد كنت أتمني الشهادة و أتعرض لها في كل حين فأبى الله إلا أن يبلغني هذا اليوم ألا و إني متعرض ساعتي هذه لها و قد طمعت أن لا أحرمها فما تنتظرون عباد الله من جهاد أعداء الله أخوف الموت القادم عليكم الذاهب بأنفسكم لا محالة أو من ضربة كف أو حس بالسيف أ تستبدلون الدنيا بالنظر إلى وجه الله عز و جل و مرافقة النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين في دار القرار ما هذا بالرأي السديد ثم قال يا إخوتاه إني قد بعت هذه الدار بالدار التي أمامها و هذا وجهي إليه لا يبرح الله وجوهكم و لا يقطع الله أرحامكم فتبعه أخواه عبيد الله و عوف و قالا لا نطلب رزق الدنيا بعدك قبح الله العيش بعدك اللهم إنا نحتسب أنفسنا عندك فاستقدموا فقاتلوا حتى قتلوا قال فاقتتل الناس قتالا شديدا يوم الأربعاء فقال رجل من أصحاب علي ع و الله لأحملن على معاوية حتى أقتله فأخذ فرسا فركبه ثم ضربه حتى إذا قام على سنابكه دفعه فلم ينهنهه شي‏ء عن الوقوف على رأس معاوية و دخل معاوية خباءه فنزل الرجل عن فرسه و دخل عليه فخرج معاوية من الخباء و طلع الرجل في أثره فخرج معاوية فأحاط به الناس و قال ويحكم إن السيوف لم يؤذن لها في هذا و لو لا ذلك لم يصل إليكم عليكم بالحجارة فرضخوه بالحجارة حتى همد الرجل ثم عاد معاوية إلى مجلسه

 قال نصر فلما انقضى هذا اليوم بما فيه أصبحوا في اليوم الثاني و الفيلقان متقابلان فخرج رجل من أهل الشام فسأل المبارزة فخرج إليه رجل من أهل العراق فاقتتلا قتالا شديدا ثم إن العراقي اعتنقه فوقعا جميعا و عاد الفرسان ثم إن العراقي قهره فجلس على صدره و كشف المغفر عنه يريد أن يذبحه فإذا هو أخوه لأبيه فصاح به أصحاب علي ع ويحك أجهز عليه قال إنه أخي قالوا فاتركه قال لا و الله حتى يأذن أمير المؤمنين فأخبر علي ع بذلك فأرسل إليه أن دعه فتركه و عاد إلى صف معاوية

  -414  و عن الجرجاني قال كان معاوية يعد لكل عظيم حريثا مولاه و كان يلبس سلاح معاوية متشبها به فإذا قاتل قال الناس ذاك معاوية و إن معاوية دعاه و قال يا حريث اتق عليا و ضع رمحك حيث شئت فأتاه عمرو بن العاص و قال يا حريث إنك و الله لو كنت قرشيا لأحب لك معاوية أن تقتل عليا و لكن كره أن يكون لك حظها فإن رأيت فرصة فاقتحم و خرج علي ع في هذا اليوم و كان أمام الخيل فحمل عليه حريث

 و في رواية عمرو بن شمر عن جابر قال برز حريث مولى معاوية هذا اليوم و كان شديدا ذا بأس لا يرام فصاح يا علي هل لك في المبارزة فأقدم أبا حسن إن شئت فأقبل علي و هو يقول

أنا علي و ابن عبد المطلب نحن لعمر الله أولى بالكتب‏منا النبي المصطفى غير كذب أهل اللواء و المقام و الحجب‏نحن نصرناه على كل العرب

ثم خالطه فما أمهله أن ضربه ضربة واحدة فقطعه نصفين فجزع معاوية عليه جزعا شديدا و عاب عمرا في إغرائه بعلي فلما قتل حريث برز عمرو بن الحصين السكسكي فنادى أبا حسن هلم إلى المبارزة فأومى علي إلى سعيد بن قيس الهمداني فبارزه فضربه بالسيف فقتله

 قال نصر و كان لهمدان بلاء عظيم في نصرة علي ع في صفين و من الشعر الذي لا يشك أن قائله علي لكثرة الرواية له

دعوت فلباني من القوم عصبة فوارس من همدان غير لئام‏بكل رديني و عضب تخاله إذا اختلف الأقوام شعل ضرام‏لهمدان أخلاق كرام يزينهم و بأس إذا لاقوا و جد خصام

 و جد و صدق في الحروب و نجدة و قول إذا قالوا بغير أثام‏متى تأتهم في دارهم تستضيفهم تبت ناعما في خدمة و طعام‏جزى الله همدان الجنان فإنها سمام العدى في كل يوم زحام‏فلو كنت بوابا على باب جنة لقلت لهمدان ادخلوا بسلام

415-  قال نصر و حدثنا عمرو بن شمر قال ثم قام علي بين الصفين و نادى يا معاوية يكررها فقال معاوية سلوه ما شأنه قال أحب أن يظهر لي فأكلمه بكلمة واحدة فبرز معاوية و معه عمرو بن العاص فلما قارباه لم يلتفت إلى عمرو و قال لمعاوية ويحك علام تقتل الناس بيني و بينك و يقتل بعضهم بعضا ابرز إلي فأينا قتل فالأمر إلى صاحبه فالتفت معاوية إلى عمرو فقال ما ترى يا أبا عبد الله قال قد أنصفك الرجل فاعلم أنك إن نكلت عنه لم تزل سبة عليك و على عقبك ما بقي على ظهر الأرض عربي فقال معاوية يا ابن العاص ليس مثلي يخدع عن نفسه و الله ما بارز ابن أبي طالب شجاع قط إلا و سقي الأرض بدمه ثم انصرف معاوية راجعا حتى انتهى إلى آخر الصفوف و عمرو معه فلما رأى علي ع ذلك ضحك و عاد إلى موقفه

 قال و حقدها معاوية على عمرو باطنا

 قال نصر ثم التقى الناس و اقتتلوا قتالا شديدا و حاربت طي مع أمير المؤمنين ع حروبا عظيمة و قتل منها أبطال كثيرون و قاتلت النخع أيضا معه ذلك اليوم قتالا شديدا و قطعت رجل علقمة بن قيس النخعي و قتل أخوه أبي بن قيس فكان علقمة يقول بعد ما أحب أن رجلي أصح ما كان لما أرجو بها الثواب و قال رأيت أخي في نومي فقلت له ما الذي قد متم عليه قال التقينا نحن و أهل الشام بين يدي الله سبحانه فاحتججنا عنده فحججنا فسررت بذلك

  -416  و روي عن الحضين بن المنذر أنه لما تصاف الناس ذلك اليوم و حمل بعضهم على بعض و ضعضعت ميمنة أهل العراق فجاءنا علي ع و معه بنوه فنادى بصوت جهر لمن هذه الرايات فقلنا رايات ربيعة فقال بل هي رايات عصم الله أهلها و صبرها و ثبت أقدامها ثم قال لي و أنا حامل راية ربيعة يا فتى أ لا تدني رايتك هذه ذراعا فقلت بلى و الله عشرة أذرع ثم ملت بها هكذا فأدنيتها فقال لي حسبك

 و روي أنهم أعطوا الراية الحضين بن المنذر الرقاشي و هو يومئذ غلام و هو يزحف براية ربيعة و كانت حمراء فأعجب عليا ع زحفه و ثباته فقال

لمن راية حمراء يخفق ظلها إذا قيل قدمها حضين تقدماو يدنو بها في الصف حتى يديرها حمام المنايا تقطر الموت و الدماءجزى الله قوما صابروا في لقائهم لدى البأس حرا ما أعز و أكرماو أحزم صبرا يوم يدعى إلى الوغى إذا كان أصوات الكماة تغمغماربيعة أعني أنهم أهل نجدة و بأس إذا لاقوا خميسا عرمرماو قد صبرت عك و لخم و حمير لمذحج حتى لم تفارق دم دماو نادت جذام يا لمذحج ويحكم جزى الله شرا أينا كان أظلماأ ما تتقون الله في حرماتكم و ما قرب الرحمن منها و عظماأذقنا ابن حرب طعننا و ضرابنا بأسيافنا حتى تولى و أحجماو مر ينادي الزبرقان مراطم و نادى كلاعا و الكريب و أنعما

 و عمرا و سفيانا و جهما و مالكا و حوشب و الغاوي سريحا و أظلماو كرز بن نبهان و عمرو بن جحدر و صباحا العبسي يدعو و أسلما

 قال نصر و أقبل ذو الكلاع في الحمير و من لف لفها و معهم عبيد الله بن عمر بن الخطاب في أربعة آلاف من قراء أهل الشام فحملوا على ربيعة و هم ميسرة أهل العراق و فيهم عبد الله بن العباس حملة شديدة فضعضعت رايات ربيعة ثم إن أهل الشام انصرفوا فلم يلبثوا إلا قليلا حتى كروا ثانية و عبيد الله بن عمر في أولهم يقول يا أهل الشام هذا الحي من العراق قتلة عثمان و أنصار علي فإن هزمتم هذه القبيلة أدركتم ثاركم في عثمان فشدوا على الناس شدة عظيمة فثبتت لهم ربيعة و صبرت صبرا حسنا إلا قليلا من الضعفاء و اشتد القتال بين ربيعة و حمير و عبيد الله بن عمر و كثرت القتلى ثم خرج نحو خمس مائة فارس أو أكثر من أصحاب علي ع على رءوسهم البيض و هم غائصون في الحديد لا يرى منهم إلا الحدق و خرج إليهم من أهل الشام نحوهم في العدة فاقتتلوا بين الصفين و الناس وقوف تحت راياتهم فلم يرجع من هؤلاء مخبر لا عراقي و لا شامي قتلوا جميعا بين الصفين و كان بصفين تل يلقى عليه الجماجم من الرجال فكان يدعى تل الجماجم قال نصر ثم ذهب هذا اليوم بما فيه فأصبحوا من اليوم التاسع من صفر و قد خطب معاوية أهل الشام و حرضهم فحمل عبيد الله و قراء أهل الشام و معه ذو الكلاع في حمير على ربيعة في ميسرة علي ع فقاتلوا قتالا شديدا فأتى زياد بن خصفة إلى عبد القيس فقال لا يكونن وائل بعد اليوم إن ذا الكلاع و عبيد الله بن عمر قد أبادا ربيعة فانهضوا لهم و إلا هلكت فركبت عبد القيس و جاءت كأنها غمامة سوداء فشدت أزر الميسرة و عظم القتال فقتل ذو الكلاع قتله رجل من بكر بن وائل اسمه خندف و تضعضعت أركان حمير و ثبتت بعد ذي الكلاع تحارب مع عبيد الله بن عمر فأرسل عبيد الله إلى الحسن بن علي ع إن لي إليك حاجة فألقني فلقيه الحسن ع فقال له عبيد الله إن أباك قد وتر قريشا أولا و آخرا و قد شنئه الناس فهل لك في خلعه و أن تتولى أنت هذا الأمر فقال كلا و الله ثم قال يا ابن الخطاب و الله لكأني أنظر إليك مقتولا في يومك أو في غدك أما إن الشيطان قد زين لك و خدعك حتى أخرجك مخلقا بالخلوق ترى نساء أهل الشام موقفك و سيصرعك الله و يبطحك لوجهك قتيلا قال فو الله ما كان إلا بياض النهار حتى قتل عبيد الله و هو في كتيبة رقطاء و كانت تدعى الخضرية كانوا أربعة آلاف عليهم ثياب مخضر فمر الحسن فإذا رجل متوسد رجل قتيل و قد ركز رمحه في عينه و ربط فرسه برجله فقال الحسن لمن معه انظروا إلى هذا و إذا رجل من همدان و إذا القتيل عبيد الله بن عمر قد قتله الهمداني في أول الليل و بات عليه حتى أصبح قال نصر و قد اختلفت الرواة في قاتله فقالت همدان نحن قتلناه قتله هانئ بن الخطاب و قالت حضرموت نحن قتلناه قتله مالك بن عمرو و قال بكر بن وائل قتله منا محرز بن الصحصح و روي أن قاتله حريث بن جابر بن الجعفي  -417  قال نصر و حدثنا عمرو بن شمر عن جابر قال لما حمل ذو الكلاع ذلك اليوم بالفيلق العظيم من حمير على صفوف العراق ناداهم أبو شجاع الحميري تبت أيديكم أ ترون معاوية خيرا من علي أسد الله أضل الله سعيكم ثم أنت يا ذا الكلاع قد كنا نرى أن لك نية في الدين فقال ذو الكلاع إيها يا أبا شجاع و الله ما معاوية بأفضل من علي و لكني أقاتل عن دم عثمان قال فأصيب ذو الكلاع حينئذ قتله خندف البكري في المعركة

 قال نصر و قال معاوية لما قتل ذو الكلاع لأنا أشد فرحا بقتل ذي الكلاع مني بفتح مصر لو فتحتها قال لأن ذا الكلاع كان يحجر على معاوية في أشياء كان يأمر بها

 قال نصر فلما قتل ذو الكلاع اشتدت الحرب و شد عك و لخم و جذام و الأشعريون من أهل الشام على مذحج من أهل العراق

418-  و قال نصر و حدثني عمرو بن الزبير قال لقد سمعت الحصين بن المنذر يقول أعطاني على ذلك اليوم راية ربيعة و مضر و قال بسم الله سر يا حضين و اعلم أنه لا تخفق على رأسك براية مثلها أبدا هذه راية رسول الله

 قال فجاء أبو عرفاء جبلة بن عطية الذهلي إلى الحضين فقال هل لك أن تعطيني الراية أحملها فيكون لك ذكرها و يكون لي أجرها فقال الحضين و ما غناي يا عم عن أجرها مع ذكرها فقال إنه لا غناء بك عن ذلك و لكن أعرها عمك ساعة فما أسرع ما ترجع إليك قال حضين فعلمت أنه قد استقتل و أنه يريد أن يموت مجاهدا قال فقلت له خذها فأخذها ثم قال لأصحابه إن عمل الجنة كره كله و ثقيل و إن عمل النار خف كله و حبيب إن الجنة لا يدخلها إلا الصابرون الذين صبروا أنفسهم على فرائض الله و أمره و ليس شي‏ء مما افترض الله على العباد أشد من الجهاد هو أفضل الأعمال ثوابا عند الله فإذا رأيتموني قد شددت فشدوا ويحكم أ ما تشتاقون إلى الجنة أ ما تحبون أن يغفر الله لكم فشد و شدوا معه و قاتلوا قتالا شديدا فقتل أبو عرفاء و شدت ربيعة بعدها شدة عظيمة على صفوف أهل الشام

 و قال نصر فاضطرب الناس ذلك اليوم بالسيوف حتى قطعت و تكسرت و صارت كالمناجل و تطاعنوا بالرماح حتى تناثرت أسنتها ثم جثوا على الركب فتحاثوا بالتراب ثم تعانقوا و تكادموا بالأفواه ثم تراموا بالصخرة و الحجارة ثم تحاجزوا فكان الرجل من أهل العراق يمر على أهل الشام فيقول كيف أصير إلى رايات بني فلان فيقول هاهنا لا هداك الله و يمر الرجل من أهل الشام على أهل العراق فيقول كيف أمضي إلى رايات بني فلان فيقولون هاهنا لا حفظك الله فلما أصبحوا في اليوم العاشر أصبحوا و ربيعة محدقة بعلي ع إحداق بياض العين بسوادها قال نصر و حدثني عمرو أنه لما وقف ع تحت رايات ربيعة قال عتاب بن لقيط يا معشر ربيعة حاموا عن علي منذ اليوم فإن أصيب فيكم افتضحتم أ لا ترونه قائما تحت راياتكم فقال لهم شقيق بن ثور يا معشر ربيعة ليس لكم عذر عند العرب إن أصيب علي و فيكم رجل حي فامنعوه اليوم و اصدقوا عدوكم اللقاء فتعاقدت ربيعة و تحالفت بالأيمان العظيمة و تبايع منهم سبعة آلاف على أن لا ينظر رجل خلفه حتى يردوا سرادق معاوية فقاتلوا ذلك اليوم قتالا شديدا لم يكن قبله مثله و أقبلوا نحو سرادق معاوية فلما نظر إليهم قد أقبلوا قال

إذا قلت قد ولت ربيعة أقبلت كتائب منها كالجبال تجالد

 ثم قال لعمرو يا عمرو ما ترى قال أرى أن لا تحنث أخوالي اليوم فقام معاوية و خلا لهم سرادقه و رحله و خرج فارا عنه لائذا ببعض مضارب العسكر في أخريات الناس و انتهبت ربيعة سرادقه و رحله و بعث إلى خالد بن المعمر أنك قد ظفرت و لك إمرة خراسان إن لم تتم فقطع خالد القتال و لم يتمه و قال لربيعة قد برت أيمانكم فحسبكم فلما كان عام الجماعة و بايع الناس معاوية أمره معاوية على خراسان و بعثه إليها فمات قبل أن يبلغها

419-  قال نصر و في حديث عمر بن سعد أن عليا ع صلى بهم هذا اليوم صلاة الغداة ثم زحف بهم فلما أبصروه استقبلوه بزحوفهم فاقتتلوا قتالا شديدا ثم إن خيل الشام حملت على خيل العراق فاقتطعوا من أصحاب علي ع ألف رجل أو أكثر فأحاطوا بهم و حالوا بينهم و بين أصحابهم فلم يروهم فنادى علي ع أ لا رجل يشري نفسه لله و يبيع دنياه بآخرته فأتاه رجل من جعف يقال له عبد العزيز بن الحارث على فرس أدهم كأنه غراب مقنعا في الحديد فقال يا أمير المؤمنين مرني بأمرك فقال علي ع

سمحت بأمر لا يطاق حفيظة و صدقا و إخوان الحفاظ قليل

 جزاك إله الناس خيرا فقد وفت يداك بفضل ما هناك جزيل

فقال ع يا أبا الحارث شد الله ركنك احمل على أهل الشام حتى تأتي أصحابك فتقول لهم إن أمير المؤمنين ع يقرأ عليكم السلام و يقول لكم هللوا و كبروا من ناحيتكم و نهلل و نكبر من ناحيتنا و احملوا و نحمل عليهم فضرب الجعفي فرسه و قاتلهم حتى خلص إلى أصحابه فلما رأوه استبشروا به و فرحوا و قالوا ما فعل أمير المؤمنين قال صالح يقرئكم السلام و يقول هللوا و كبروا و احملوا حملة رجل واحد و نحمل من جانبنا ففعلوا ما أمرهم به و هللوا و كبروا و هلل علي و كبر هو و أصحابه و حمل على أهل الشام و حملوهم من وسط أهل الشام فانفرج القوم عنهم و خرجوا و ما أصيب منهم رجل واحد و لقد قتل من فرسان الشام يومئذ زهاء سبعمائة نفر و كان علي ع من أعظم الناس اليوم عناء قال و كان علي لا يعدل بربيعة أحدا من الناس فشق ذلك على مضر و أظهروا لهم القبيح و أبدوا ذات أنفسهم فقام أبو الطفيل عامر بن واثلة و عمير بن عطارد و قبيصة بن جابر و عبد الله بن الطفيل في وجوه قبائلهم فأتوا عليا ع فتكلم أبو الطفيل فقال إنا و الله يا أمير المؤمنين ما نحسد قوما خصهم الله منك بخير و إن هذا الحي من ربيعة قد ظنوا أنهم أولى بك منا فاعفهم عن القتال أياما و اجعل لكل امرئ منا يوما نقاتل فيه فإنا إذا اجتمعنا اشتبه عليك بلاؤنا فقال ع نعم أعطيكم ما طلبتم و أمر ربيعة أن تكف عن القتال و كانت بإزاء اليمن من صفوف الشام فغدا أبو الطفيل في قومه من كنانة و هم جماعة عظيمة فتقدم أمام الخيل و اقتتلوا قتالا شديدا ثم انصرف إلى علي ع و أثنى عليه خيرا ثم غدا في اليوم الثاني عمير بن عطارد بجماعة من بني تميم و هو يومئذ سيد مضر كوفة فقاتل أصحابه قتالا شديدا ثم غدا في اليوم الثالث قبيصة في بني أسد فقاتل القوم إلى أن دخل الليل ثم غدا في اليوم الرابع عبد الله بن الطفيل في جماعة هوازن فحاربهم حتى الليل فانصرفوا

 قال نصر و كتب عقبة بن مسعود عامل علي ع على الكوفة إلى سليمان بن صرد الخزاعي و هو مع علي ع أما بعد ف إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَ لَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً فعليك بالجهاد و الصبر مع أمير المؤمنين ع و السلام

420-  قال نصر و حدثنا عمر بن سعد و عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر ع قال قام علي ع فخطب الناس بصفين فقال الحمد لله على نعمه الفاضلة على جميع من خلق من البر و الفاجر و على حججه البالغة على خلقه من أطاعه منهم و من عصاه أن يرحم فبفضله و منه و إن عذب فبما كسبت أيديهم وَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ أحمده على حسن البلاء و تظاهر النعماء و أستعينه على ما نابنا من أمر الدنيا و الآخرة و أتوكل عليه وَ كَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا ثم إني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله أرسله بالهدى و دين الحق ارتضاه لذلك و كان أهله و اصطفاه على جميع العباد لتبليغ رسالته و جعله رحمة منه على خلقه و كان كعلمه فيه رءوفا رحيما أكرم خلق الله حسبا و أجمله منظرا و أسخاه نفسا و أبره بوالد و أوصله لرحم و أفضله علما و أثقله حلما و أوفاه بعهد و آمنه على عقد لم يتعلق عليه مسلم و لا كافر بمظلمة قط بل كان يظلم فيغفر و يقدر فيصفح فيعفو حتى مضى ص مطيعا لله صابرا على ما أصابه مجاهدا في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ص فكان ذهابه أعظم المصيبة على جميع أهل الأرض البر و الفاجر ثم إنه ترك فيكم كتاب الله يأمركم بطاعة الله و ينهاكم عن معصيته و قد عهد إلي رسول الله ص عهدا فلست أحيد عنه و قد حضرتم عدوكم و علمتم أن رئيسهم منافق بن منافق يدعوهم إلى النار و ابن عم نبيكم معكم و بين أظهركم يدعوكم إلى الجنة و إلى طاعة ربكم و العمل بسنة نبيكم و لا سواء من صلى قبل كل ذكر لم يسبقني بالصلاة مع رسول الله ص أحد و أنا من أهل بدر و معاوية طليق بن طليق و الله أنا على الحق و إنهم على الباطل و لا يجتمعن عليه و تتفرقوا عن حقكم حتى يغلب باطلهم حقكم قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ فإن لم تفعلوا ليعذبنهم الله بأيدي غيركم فقام أصحابه فقالوا يا أمير المؤمنين ع انهض بنا إلى عدونا و عدوك إذا شئت فو الله ما نريد بك بدلا بل نموت معك و نحيا معك فقال لهم و الذي نفسي بيده لنظر إلي النبي ص و أضرب بين يديه بسيفي هذا فقال لا سيف إلا ذو الفقار و لا فتى إلا علي فقال لي يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي و موتك و حياتك يا علي معي و الله ما كذبت و لا كذبت و لا ضللت و لا ضل بي و لا نسيت ما عهد إلي و إني على بينة من ربي و على الطريق الواضح ألقطه لقطا ثم نهض إلى القوم فاقتتلوا من حين طلعت الشمس حتى غاب الشفق الأحمر و ما كانت صلاة القوم في ذلك اليوم إلا تكبيرا

421-  قال نصر و حدثنا عمرو بن شمر عن جابر عن الشعبي عن صعصعة بن صوحان قال برز في أيام صفين رجل اشتهر بالبأس و النجدة اسمه كريب بن الوضاح فنادى من يبارز فخرج إليه المرتفع بن الوضاح فقتله ثم نادى من يبارز فخرج إليه الحارث بن الجلاح فقتله ثم نادى من يبارز فخرج إليه عائذ بن مسروق الهمداني فقتله ثم رمى بأجسادهم بعضها فوق بعض و نادى من يبارز فخرج إليه علي ع و ناداه ويحك يا كريب إني أحذرك الله و بأسه و نقمته و أدعوك إلى سنة الله و سنة رسوله ويحك لا يدخلنك معاوية النار فكان جوابه أن قال ما أكثر ما قد سمعت منك هذه المقالة و لا حاجة لنا فيها أقدم إذا شئت من يشتري سيفي و هذا أثره فقال علي و لا حول و لا قوة إلا بالله ثم مشى إليه فلم يمهله أن ضربه ضربة خر منها قتيلا يتشحط في دمه ثم نادى من يبارز فبرز إليه الحارث بن وداعة الحميري فقتل الحارث ثم نادى من يبارز فبرز إليه المطاع بن المطلب القيني فقتل مطاعا ثم نادى من يبرز فلم يبرز إليه أحد فنادى الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ يا معاوية هلم إلي فبارزني و لا يقتلن الناس فيما بيننا فقال عمرو بن العاص اغتنمه منتهزا قد قتل ثلاثة من أبطال العرب و إني أطمع أن يظفرك الله به فقال معاوية و الله لن تريد إلا أن أقتل فتصيب الخلافة بعدي اذهب إليك فليس مثلي يخدع

 قال نصر و خطب عبد الله بن العباس في هذا اليوم و قال بعد الحمد و الثناء و الشهادة بالتوحيد و الرسالة و قد ساقنا قدر الله إلى ما ترون حتى كان مما اضطرب من حبل هذه الأمة و انتشر من أمرها أن معاوية بن أبي سفيان وجد من طغام الناس أعوانا على ابن عم رسول الله ص و صهره و أول ذكر صلى معه بدري قد شهد مع رسول الله ص كل مشاهده التي منها الفضل و معاوية مشرك يعبد الأصنام و الذي ملك الملك وحده و بان به و كان أهله لقد قاتل علي بن أبي طالب مع رسول الله ص و هو يقول صدق الله و رسوله و معاوية يقول كذب الله و رسوله فعليكم بتقوى الله و الجد و الحزم و الصبر و الله إنكم لعلى حق و إن القوم لعلى باطل فلا يكونن أولى بالجد على باطلهم منكم في حقكم و إنا لنعلم أن سيعذبهم الله بأيديكم أو بأيدي غيركم اللهم أعنا و لا تخذلنا و انصرنا على عدونا و لا تخل عنا و افْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ

422-  قال نصر و حدثنا عمرو عن عبد الرحمن بن جندب بن عبد الله قال قام عمار يوم صفين فقال انهضوا معي عباد الله إلى قوم يزعمون أنهم يطلبون بدم الظالم لنفسه الحاكم على عباد الله بغير ما في كتاب الله إنما قتله الصالحون المنكرون للعدوان الآمرون بالإحسان فقالوا هؤلاء الذين لا يبالون إذا سلمت لهم دنياهم لو درس هذا الدين لم قتلتموه فقلنا لأحداثه فقالوا إنه لم يحدث شيئا و ذلك لأنه مكنهم من الدنيا فهم يأكلونها و يرعونها و لا يبالون لو انهدمت الجبال و الله ما أظنهم يطلبون بدم إنهم ليعلمون إنه لظالم و لكن القوم دانوا للدنيا فاستحبوها و استمرءوها و علموا أن صاحب الحق لو وليهم لحال بينهم و بين ما يأكلون و يرعون منها إن القوم لم تكن لهم سابقة في الإسلام يستحقون بها الطاعة و الولاية فخدعوا أتباعهم بأن قالوا قتل إمامنا مظلوما ليكونوا بذلك جبابرة و ملوكا تلك مكيدة قد بلغوا بها ما ترون و لولاها ما بايعهم من الناس رجلان اللهم إن تنصرنا فطال ما نصرت و إن تجعل لهم الأمر فادخر لهم بما أحدثوا لعبادك العذاب الأليم ثم مضى و مضى معه أصحابه فدنا من عمرو بن العاص فقال يا عمرو بعت دينك بمصر فتبا لك فطال ما بغيت الإسلام عوجا

 و في كتاب نصر ثم نادى عمار عبيد الله بن عمر و ذلك قبل مقتله فقال يا ابن عمر صرعك الله بعت دينك بالدنيا من عدو الله و عدو الإسلام قال كلا و لكني أطلب بدم عثمان الشهيد المظلوم قال كلا أشهد على علمي فيك أنك أصبحت لا تطلب بشي‏ء من فعلك وجه الله و أنك إن لم تقتل اليوم فتموت غدا فانظر إذا أعطى الله العباد على نياتهم ما نيتك

 ثم قال اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلت اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أضع ظبة سيفي في بطني ثم أنحني عليه حتى يخرج من ظهري لفعلت اللهم إني أعلم مما علمتني إني لا أعمل عملا اليوم هذا هو أرضى لك من جهاد هؤلاء القاسطين و لو أعلم اليوم عملا هو أرضى لك منه لفعلته

  -423  و روى ابن ديزيل في كتاب صفين عن سيف الضبي عن الصعب بن حكيم بن شريك بن نملة المحاربي عن أبيه عن جده شريك قال كان الناس من أهل العراق و أهل الشام يقتتلون أيام صفين و يتزايلون فلا يستطيع الرجل أن يرجع إلى مكانه حتى يسفر الغبار عنه فاقتتلوا يوما و أسفر الغبار فإذا علي ع تحت رايتنا يعني بني محارب فقال هل من ماء فأتيته بإداوة فخنثتها له ليشرب فقال لا إنا نهينا أن نشرب من أفواه الأسقية ثم علق سيفه و إنه لمخضب بالدم من ظبته إلى قائمه فصببت له على يديه فغسلهما حتى أنقاهما ثم شرب بيديه حتى إذا روي رفع رأسه ثم قال أين مضر فقلت أنت فيهم يا أمير المؤمنين فقال من أنتم بارك الله فيكم فقلنا نحن بنو محارب فعرف موقفه ثم رجع إلى موضعه

 قال ابن أبي الحديد خنثت الإداوة إذا ثنيت فاها إلى خارج و إنما نهى رسول الله ص عن اختناث الأسقية لأن رجلا اختنث سقاء فشرب فدخل إلى جوفه حية كانت في السقاء

424-  قال و روى نصر بن مزاحم عن يحيى بن يعلى عن صباح المزني عن الحارث بن حصيرة عن زيد بن أبي رجاء عن أسماء بن حكيم الفزاري قال كنا بصفين مع علي تحت راية عمار بن ياسر ارتفاع الضحى و قد استظللنا برداء أحمر إذ أقبل رجل فقال أيكم عمار بن ياسر فقال أنا عمار قال أبو اليقظان قال نعم قال إن لي إليك حاجة فأنطق بها سرا أو علانية قال اختر لنفسك أيهما شئت قال لا بل علانية قال فانطق قال إني خرجت من أهلي مستبصرا في الحق الذي نحن الذي عليه لا أشك في ضلالة هؤلاء القوم و أنهم على الباطل فلم أزل على ذلك مستبصرا حتى ليلتي هذه فإني رأيت في مقامي هذا تقدم منادينا فقام و أذن و شهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله ص و نادى بالصلاة و الفلاح و نادى مناديهم بمثل ذلك ثم أقيمت الصلاة فصلينا صلاة واحدة و تلونا كتابا واحدا و دعونا دعوة واحدة و رسولنا واحد فأدركني الشك في ليلتي هذه فبت بليلة لا يعلمها إلا الله حتى أصبحت فأتيت أمير المؤمنين فذكرت ذلك له فقال هل لقيت عمار بن ياسر قلت لا قال فالقه فانظر ما يقول لك فاتبعه فجئتك لذلك فقال عمار تعرف صاحب الراية السوداء المقابلة لي و أومأ إلى راية عمرو بن العاص قاتلتها مع رسول الله ص مرات و هذه الرابعة فما هي بخيرهن و لا أبرهن بل هي شرهن و أفجرهن أشهدت بدرا واحدا و يوم حنين أو شهدها أب لك فيخبرها لك قال لا قال فإن مراكزنا اليوم على مراكز رايات رسول الله ص يوم بدر و يوم أحد و يوم حنين و إن مراكز هؤلاء على مراكز رايات المشركين من الأحزاب فهل ترى هذا العسكر و من فيه و الله لوددت أن جميع من أقبل فيه مع معاوية ممن يريد قتالنا مفارقا للذي نحن عليه كانوا خلقا واحدا فقطعته و ذبحته و الله لدماؤهم جميعا أحل من دم عصفور أ ترى دم عصفور حراما قال لا بل حلال قال فإنهم حلال كذلك أ تراني بينت قال قد بينت قال فاختر أي ذلك أحببت فانصرف الرجل فدعاه عمار ثم قال سيضربونكم بأسيافهم حتى يرتاب المبطلون منكم فيقولوا لو لم يكونوا على حق ما ظهروا علينا و الله ما هم من الحق على ما يقذي عين ذباب و الله لو ضربونا بأسيافهم حتى يبلغونا سعفات هجر لعلمنا أنا على حق و أنهم على باطل

  -425  قال نصر و حدثنا يحيى بن يعلى عن الأصبغ بن نباتة قال جاء رجل إلى علي ع فقال يا أمير المؤمنين هؤلاء القوم الذين تقاتلهم الدعوة واحدة و الرسول واحد و الصلاة واحدة و الحج واحد فما ذا أسميهم قال سمهم بما سماهم الله في كتابه قال ما كل ما في الكتاب أعلمه قال أ ما سمعت الله يقول تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ إلى قوله وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَ لكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَ مِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ فلما وقع الاختلاف كنا نحن أولى بالله و بالكتاب و بالنبي و بالحق فنحن الذين آمنوا و هم الذين كفروا و شاء الله قتالهم فقتالنا هذا بمشيته الله و إرادته

 توضيح الأدهم الأسود و الحمحمة صوت الفرس إذا طلب العلف و الصهيل صوته المعروف و ما كنا له مقرنين أي مطيقين و أفضت القلوب أي دنت و قربت و وصلت أو أفضت بسرها أو سرها فحذف المفعول أو ظهرت لك بما فيها من عيوبها و أسرارها أو خرجت إلى فضاء رحمتك و ساحة مغفرتك. قال الجوهري أفضيت إذا خرجت إلى الفضاء و أفضيت إلى فلان سري و قال الخليل في العين أفضى فلان إلى فلان أي وصل إليه و أصله أنه سار في فضاء. و قال الجوهري شخص بصره فهو شاخص إذا فتح عينيه و جعل لا يطرف و المناع اسم جبل و أريد هنا ما يمتنع به و يلجأ إليه. و سيأتي أكثر الأدعية و الخطب برواية أخرى مع شرحها. و قال الفيروزآبادي الفت الدق و الكسر بالأصابع و فت في ساعده أضعفه. و قال الجوهري نابذه الحرب كاشفه. قوله قص الشارب قص الشعر قطعه أي كما يسوي القاص شعرات الشارب و قال ابن الأثير في مادة لحج من كتاب النهاية لحج في الأمر يلحج إذا دخل فيه و نشب قوله عضضتم بهن أبيكم العض اللزوم و هن كناية عن الشي‏ء القبيح أي لزمتم عادات السوء التي كانت لآبائكم و الشدة بالفتح الحملة و الموتور الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه و الثأر بالهمزة و قد يخفف طلب الدم و قاتل الحميم إلا عن دينكم أي بسببه أو يزيلوكم عنه عضضتم بصم الجندل أي الحجارة الصلبة و لعله دعاء عليهم بالخيبة أو إخبار بأنهم خيبوا أنفسهم و الحتوف جمع الحتف و هو الموت لم تطل أي لم تبطل فهو مأثور أي مذكور و قال الجوهري الصدق بالفتح الصلب من الرماح و يقال المستوي و يقال أيضا رجل صدق اللقاء و يقال للرجل الشجاع إنه لذو مصدق بالفتح أي صادق الحملة كأنه ذو صدق فيما يعدك من ذلك و استقبله سنام أي طائفة عظيمة على المجاز قوله قد رأيت جولتكم

426-  أقول روى الكليني عن مالك بن أعين أنه قال أمير المؤمنين ع حين مر براية لأهل الشام أصحابها لا يزالون عن مواضعهم إنهم لن يزالوا عن مواقفهم دون طعن دراك يخرج منه النسيم و ضرب يفلق الهام و يطيح العظام و تسقط منه المعاصم و الأكف و حتى تصدع جباههم بعمد الحديد و تنشر حواجبهم على الصدور و الأذقان أين أهل الصبر و طلاب الأجر و صارت إليه عصابة من المسلمين فعادت ميمنته إلى موقفها و مصافها و كشفت من بإزائها فأقبل حتى انتهى إليهم و قال ع إني رأيت جولتكم و ساق الحديث نحو ما مر إلى قوله فأزلتموهم من مصافهم كما أزالوكم و أنتم تضربونهم بالسيوف حتى ركب أولهم آخرهم كالإبل المطرودة الهيم الآن فاصبروا نزلت عليكم السكينة و ثبتكم الله باليقين و ليعلم المنهزم بأنه مسخط ربه و موبق نفسه إن في الفرار موجدة الله و الذل اللازم و العار الباقي و إن الفار لغير مزيد في عمره و لا محجوز بينه و بين يومه و لا يرضى ربه و لموت الرجل محقا قبل إتيان هذه الخصال خير من الرضا بالتلبس بها و الإقرار عليها

427-  و في النهج، ]نهج البلاغة[ و أنتم لهاميم العرب و يآفيخ الشرف و الأنف المقدم و السنام الأعظم و لقد شفا وحاوح صدري أن رأيتكم بأخرة تحوزونهم كما حازوكم و تزيلونهم عن مواقفهم كما أزالوكم حسا بالنصال و شجرا بالرماح تركب أولاهم آخرهم كالإبل الهيم المطرودة ترمى عن حياضها و تذاد عن مواردها

428-  و قد روى المفيد في الإرشاد الكلام الأول إلى قوله أين أهل النصر أين طلاب الأجر و سيأتي شرحه عند إيراد ما رواه الرضي رضي الله عنه

 و يقال جال جولة أي طاف و انحاز عنه أي عدل و انحاز القوم أي تركوا مراكزهم و الجفاة هم الذين بعدوا عن الآداب الحسنة و الطغام الأراذل و في الكافي الطغاة و اللهاميم جمع لهموم و هو الجواد من الناس و الخيل. و اليآفيخ جمع يافوخ و هو الموضع الذي يتحرك من رأس الطفل و لعجه الضرب أي آلمه و أحرق جلده و يقال هوى لاعج لحرقة الفؤاد من الحب. و الوحوحة صوت معه بحح يصدر عن المتألم و في الكافي و شفى بعض حاج صدري و الحاج بالتخفيف جمع الحاجة و ضرب من الشوك و يقال ما قد صدري حوجاء و لا لوجاء أي لا مرية و لا شك بأخرة بالتحريك أي أخيرا و الحوز الجمع و السوق اللين و الشديد و حسناها حسا أي استأصلناهم قتلا و النصال جمع نصل السهم أو السيف و غيرهما و في بعض النسخ النضال بالمعجمة و هو مصدر ناضلته إذا رميته و شجرت زيدا بالرمح طعنته و الهيم بالكسر العطاش و الذود الصد و المنع و مواردها المواضع التي تردها للشرب و العار الباقي أي في الأعقاب أوله بين الناس و يومه أجله المقدر لموته و في القاموس الخذمة محركة السير الغليظ المحكم مثل الحلقة يشد في رسغ البعير و يشد إليها سرائح نعلها و الخلخال و الساق و الهشيم من النبات اليابس المتكسر و الهمود الموت و طفؤ النار. قوله ع منا النبي ص. أقول في الديوان هكذا و بالنبي المصطفى غير الكذب و فيه رجز آخر مخاطبا لحريث

. أنا الغلام العربي المنتسب. من غير عود و مصاص المطلب.يا أيها العبد اللئيم المنتدب. إن كنت للموت محبا فاقترب.و اثبت رويدا أيها الكلب الكلب. أو لا فول هاربا ثم انقلب.

 و العود بالفتح القديم من السؤدد و فلان مصاص قومه بالضم إذا كان أخلصهم نسبا و ندبه لأمر أي دعاه و حثه له فانتدب أي أجاب و رجل كلب بكسر اللام شديد الحرص و كلب كلب أي مجنون يكلب بلحوم الناس. قوله ع أو لا أي أو لا تثبت و قيل أو بمعنى بل. و يروى أنه لما قتل حريث قال معاوية.

حريث أ لم تعلم و علمك ضائر. بأن عليا للفوارس قاهر. و أن عليا لا يبارز فارسا. من الناس إلا أقصدته الأظافر.أمرتك أمرا حازما فعصيتني. فجدك إذ لم تقبل النصح عاثر.فدلاك عمرو و الحوادث جمة. غرورا و ما جرت عليك المقادر.و ظن حريث أن عمرا نصيحة. و قد يهلك الإنسان إذ لا يحاذر.أ يركب عمرو رأسه خوف نفسه. و يصلي حريثا إنه لمماكر.

 و روي في الديوان أبياته ع في مدح همدان هكذا

و لما رأيت الخيل تقرع بالقنا فوارسها حمر العيون دوامي‏و أقبل رهج في السماء كأنه غمامة جن ملبس بقتام‏و نادى ابن هند ذا الكلاع و يحصبا و كندة في لخم و حي جذام‏تيممت همدان الذين هم إذا ناب أمر جنتي و سهامي‏و ناديت فيهم دعوة فأجابني فوارس من همدان غير لئام‏فوارس من همدان ليسوا بعزل غداة الوغى من يشكر و شبام‏و من أرحب الشم المطاعين بالقنا و رهم و أحياء السبيع و يام‏و من كل حي قد أتتني فوارس ذوو نجدات في اللقاء كرام‏بكل رديني و عصب تخاله إذا اختلف الأقوام شعل ضرام‏يقودهم حامي الحقيقة منهم سعيد بن قيس و الكريم يحامي‏فخاضوا لظاها و اصطلوا بشرارها و كانوا لدى الهيجاء كشرب مدام‏جزى الله همدان الجنان فإنهم سمام العدى في كل يوم خصام‏لهمدان أخلاق و دين يزينهم و لين إذا لاقوا و حسن كلام‏متى تأتهم في دارهم لضيافة تبت عندهم في غبطة و طعام

 ألا إن همدان الكرام أعزة كما عن ركن البيت عند مقام‏أناس يحبون النبي و رهطه سراع إلى الهيجاء غير كهام‏إذا كنت بوابا على باب جنة أقول لهمدان ادخلوا بسلام

429-  قال الشارح و روى ابن أعثم أن عمرو بن حصين أتى عليا ع من عقبه ليغتاله بسنان رمحه فقتله سعيد بن قيس و قال

أ لا أبلغ معاوية بن صخر و رجم الغيب يكشفه الظنون‏بأنا لا نزال لكم عدوا طوال الدهر ما سمع الحنين‏أ لم تر أن والدنا علي أبو حسن و نحن له بنون‏و إنا لا نريد به سواه و ذاك الرشد و الحظ السمين

فلما سمعه معاوية بعث ذا الكلاع مع كثير من القبائل و قال اخرج و اقصد بحربك همدان خاصة فلما رآهم علي قال يا لهمدان عليكم بهذه الخيل فإن معاوية قد قصدكم بها خاصة دون غيركم فأقبل عليهم ابن قيس مع همدان فهزمهم فقال علي ع لهم أنتم درعي و رمحي و سناني و جنتي و الله لو كانت الجنة في يدي لأدخلنكم إياها خاصة يا معشر همدان ثم أنشأ هذه الأبيات

 و الدامي الملطخ بالدم و الرهج الغبار و الدجن البأس الغيم السماء و القتام الغبار الأسود و يحصب بكسر الصاد حي من يمن و كذا اللخم و الجذام قبيلتان من يمن و تيممت أي قصدت و الأعزل الذي لا سلاح معه و العزل بالتشديد جمعه. و يشكر بضم الكاف و شبام بكسر الشين و أرحب بالحاء المهملة و رهم بضم المهملة و سبيع بفتح السين و يام بالمثناة التحتانية قبائل همدان و الشم جمع الأشم و هو السيد ذو الأنفة و المطاعين جمع المطعان و هو كثير الطعن. و قال الجوهري القناة الردينية و الرمح الرديني زعموا أنه منسوب إلى امرأة السمهري تسمى ردينة و كانا يقومان القنا بخط هجر و العضب السيف القاطع و الشرب بالفتح جمع شارب و المدام الخمر و السمام بالكسر جمع سم و فرس كهام أي بطي‏ء. قوله ع لمن راية حمراء

 أقول في الديوان هكذا

لنا الراية السوداء يخفق ظلها إذا قيل قدمها حضين تقدمافيوردها في الصف حتى يزيرها حياض المنايا يقط الموت و الدماءتراه إذا ما كان يوم كريهة أبى فيه إلا عزة و تكرماو أجمل صبرا حين يدعى إلى الوغى إذا كان أصوات الرجال تغمغماو قد صبرت عك و لخم و حمير لمذحج حتى أورثتها تندماو نادى جذام يا لمذحج ويحكم جزى الله شرا أينا كان أظلماأ ما تتقون الله في حرماتنا و ما قرب الرحمن منا و عظماجزى الله قوما قاتلوا في لقائهم لدى الموت قدما ما أعز و أكرماربيعة أعنى أنهم أهل نجدة و بأس إذا لاقوا خميسا عرمرماأذقنا ابن هند طعننا و ضرابنا بأسيافنا حتى تولى و أحجماو ولى ينادي زبرقان بن ظالم و ذا كلع يدعو كريبا و أنعماو عمرا و نعمانا و بسرا و مالكا و حوشب و الداعي معاد و أظلماو كرز بن نبهان و ابني محرق و حرثا و قينيا عبيدا و سلما

. و خفقت الراية تخفق و تخفق على زنة تضرب و تنصر اضطربت حتى يزيرها أي يذهب بها إلى الزيارة و الكماة جمع الكمي و هو الشجاع المتكمي في سلاحه لأنه كمى نفسه أي سترها بالدرع و البيضة و الغمغمة أصوات الأبطال عند القتال و الكلام الذي لا يبين كالتغمغم و العك و اللخم بالخاء المعجمة و حمير كمنبر و مذحج بالذال المعجمة كمسجد و جذام بضم الجيم و إعجام الذال قبائل من اليمن و اللام في قوله يا لمذحج للاستغاثة و الخميس الجيش و العرمرم الجيش الكثير و الزبرقان بكسر الزاي و الراء ابن بدر الفزاري. و ذو كلع بفتح الكاف و اللام و كريب مصغر كرب بن صباح الحميري و عمرو بن العاص و نعمان بن بشير القيسي و بسر ابن أرطاة و مالك بن مسهر القضاعي و حوشب المكني ذا الظليم و كرز بضم الكاف و تقديم المهملة و نبهان بالنون ثم الباء الموحدة ابنا محرق بالحاء المهملة و الراء المشددة و حرث بالثاء المثلثة ابن وداع الحميري و القيني مطاع بن مطلب و عبيد الله بن عمر بن الخطاب و سلم أبو الأعور السلمي كلهم أشقياء من أصحاب معاوية عليهم اللعنة و أنعم أي أجاب و معاو مرخم معاوية للشعر و أظلم أي أتى بالظلم أو كان أشد ظلما أو كان مظلما ذا سواد و شقاوة. و قتل ذو الكلاع بصفين و قتل كريب بيد أمير المؤمنين بعد أن قتل مترقع بن وضاح الخولاني و شرحبيل بن طارق و حرب بن الجلاج و عباد بن مسروق مبارزة و قتل مالك بسيف حجر بن عدي و حوشب بسيف سليمان بن صرد الخزاعي و حرث و مطاع بسيفه ع و عبيد الله بسيف عبد الله بن سوار أو حريث بن خالد أو هانئ بن خطاب أو هانئ بن عمر أو محرز بن صحصح. و قال الجوهري و قولهم جاءوا و من لف لفهم أي و من عد فيهم و تأشب إليهم.

 430-  أقول ثم قال نصر بن مزاحم في كتاب صفين، بعد ما ذكر قتل عمار و هاشم بن عتبة رضي الله عنهما كما سيأتي في الباب الآتي و بعث علي ع خيلا ليحبسوا عن معاوية مادته فبعث معاوية الضحاك بن قيس الفهري في خيل إلى تلك الخيل فأزالوها و جاءت عيون علي ع فأخبرته بما قد كان فقال ع لأصحابه فما ترون فيما هاهنا فاختلفوا فقال ع فاغدوا إلى القتال فأمرهم غدوة بالقتال فانهزم أهل الشام و انهزم عتبة بن أبي سفيان حتى أتى الشام

  -431  و عن عمر بن سعد عن سليمان الأعمش عن إبراهيم الهجري عن القعقاع بن الأبرد قال و الله إني لواقف قريبا من علي ع بصفين يوم وقعة الخميس و قد التقت مذحج و كانوا في ميمنة علي و عك و جذام و لخم و الأشعريون و كانوا مستبصرين في قتال علي ع فلقد سمعت من قتالهم صوتا ليست أصوات هد الجبال و لا الصواعق بأعظم هولا في الصدور من ذلك الصوت و علي ع يقول لا حول و لا قوة إلا بالله المستعان الله ثم نهض حين قام قائم الظهيرة و هو يقول ربنا افتح بيننا و بين قومنا بالحق و أنت خير الفاتحين فلا و الله ما حجز بيننا و بينهم إلا الله رب العالمين في قريب من ثلث الليل و قتلت يومئذ أعلام العرب و كان في رأس علي ع ثلث ضربات و في وجهه ضربتان قال و كتب معاوية كتابين أحدهما إلى أبي أيوب الأنصاري و كتب فيه لا تنسى شيباء أبا عذرتها و لا قاتل بكرها فلم يدر أبو أيوب ما هو فأتى به عليا ع و قال يا أمير المؤمنين ع إن معاوية كتب إلي بكتاب لا أدري ما هو فقال ع هذا مثل ضربه لك يقول ما أنسى الذي لا تنسى الشيباء هي لا تنسى أبا عذرتها الشيباء المرأة البكر ليلة افتضاضها لا تنسى بعلها الذي افترعها أبدا و لا تنسى قاتل بكرها و هو أول ولدها كذلك لا أنسى أنا قتلة عثمان و كتب الآخر إلى زياد ابن سمية و كان عاملا لعلي على بعض فارس فكتب إليه يتهدده و يوعده فقال زياد ويلي على ابن آكلة الأكباد و كهف المنافقين و بقية الأحزاب يتهددني و يوعدني و بيني و بينه ابن عم محمد ص معه سبعون ألف طوائع سيوفهم عند أذقانهم و لا يلتفت أحد منهم وراءه حتى يموت أما و الله لو خلص الأمر إلي ليجدني أحمر ضرابا بالسيف و الأحمر يعني أنه مولى فلما ادعاه معاوية صار عربيا منافيا و كتب معاوية في أسفل كتاب أبي أيوب أبياتا فأجابه أبو أيوب بأبيات ردها عليه و كان نص كتابه في جواب معاوية أما بعد فإنك كتبت إلي لا تنسى الشيباء ثكل ولدها و لا أبا عذرتها فضربتها مثلا بقتل عثمان و ما نحن و قتل عثمان إن الذي تربص بعثمان و ثبط يزيد بن أسد و أهل الشام في نصرته لأنت و إن الذين قتلوه لغير الأنصار فلما أتي معاوية بكتاب أبي أيوب كسره

432-  و عن عمر بن سعد عن مجالد عن الشعبي عن زياد بن النضر الحارثي قال شهدت مع علي ع بصفين فاقتتلنا ثلاثة أيام و ثلاثة ليال حتى تكسرت الرماح و نفدت السهام ثم صارت إلى المسايفة فاجتلدنا بها إلى نصف الليل حتى صرنا في أهل الشام في اليوم الثالث و عانق بعضنا بعضا و لقد قاتلنا بجميع السلاح فلم يبق شي‏ء من السلاح إلا قاتلنا به حتى تحاثينا بالتراب و تكاد منا حتى صرنا قياما ينظر بعضنا إلى بعض ما يستطيع واحد من الفريقين ينهض إلى صاحبه و لا يقاتل فلما كان نصف الليل انحاز معاوية و خيله من الصف من الليلة الثالثة و غلب علي ع على القتلى تلك الليلة و أقبل علي ع على أصحاب محمد ص فدفنهم و قتل شمر بن أبرهة و قتل جماعة كثيرة من أصحاب علي ع يومئذ

 433-  و عن ابن أبي شقيق أن عبد الله بن جعفر ذا الجناحين كان يحمل على الخيل بصفين إذ جاء رجل من خزيمة فقال هل من فرس قال نعم خذ أي الخيل شئت فلما ولى قال ابن جعفر إن يصيب أفضل الخيل يقتل قال فما عتم أن أخذ أفضل الخيل فركبه و حمل على الذي دعاه إلى البراز فقتله الشامي و حمل غلامان من الأنصار جميعا أخوان حتى انتهيا إلى سرادق معاوية فقتلا عنده و أقبلت الكتائب بعضها نحو بعض فاقتتلت قياما على الركب لا يسمع السامعون إلا وقع السيوف على البيض و الدروع

 قال و جاء عدي بن حاتم يلتمس عليا ما يطأ إلا على إنسان ميت أو قدم أو ساعد فوجده تحت رايات بكر بن وائل فقال يا أمير المؤمنين أ لا نقوم حتى نموت فقال علي ع ادنه فدنا حتى وضع أذنه عند أنفه فقال ويحك إن عامة من معي يعصيني و إن معاوية فيمن يطيعه و لا يعصيه

 قال و كتب إلى معاوية أما بعد فإنك قد ذقت ضراء الحرب و أذقتها و إني عارض عليكم ما عرض المخارق على بني فالج 

أيا راكبا إما عرضت فبلغا بني فالج حيث استقر قرارهاهلموا إلينا لا تكونوا كأنكم بلاقع أرض طار عنها غبارهاسليم بن منصور أناس بحرة و أرضهم أرض كثير وبارها

 فأجابه معاوية من معاوية إلى علي أما بعد عافانا الله و إياك فإني إنما قاتلت على دم عثمان و كرهت التدهين في أمره و إسلام حقه فإن أدرك به فبها و إلا فإن الموت على الحق أجمل من الحياة على الضيم ثم تمثل ببعض الأبيات قال و أرسل علي ع إلى معاوية أن ابرز لي و اعف الفريقين من القتال فأينا قتل صاحبه كان الأمر له قال عمرو لقد أنصفك الرجل فقال معاوية إني لأكره أن أبارز الأهوج الشجاع لعلك طمعت فيها يا عمرو و قال علي ع وا نفساه أ يطاع معاوية و أعصى ما قاتلت أمة قط أهل بيت نبيها و هي مقر بنبيها إلا هذه الأمة ثم إن عليا ع أمر الناس أن يحملوا على أهل الشام فحملت خيل علي ع على صفوف أهل الشام فقوضت صفوفهم فقال عمرو يومئذ على من هذا الرهج فقيل على ابنيك عبد الله و محمد فقال عمرو يا وردان قدم لواءك فتقدم فأرسل إليه معاوية أنه ليس على ابنيك بأس فلا تنقض الصف و الزم موقفك فقال عمرو هيهات

الليث يحمي شبليه ما خيره بعد ابنيه

ثم قال إنك لم تلدهما إني أنا ولدتهما فأرسل علي ع إلى أهل الكوفة و أهل البصرة أن احملوا فحمل الناس من كل جانب فاقتتلوا قتالا شديدا فخرج رجل من أهل الشام فقال من يبارز فخرج إليه رجل من أصحاب علي ع فاقتتلا ساعة ثم إن العراقي ضرب رجل الشامي فقطعها فقاتل ساعة ثم ضرب يده فقطعها فرمى الشامي بسيفه بيده اليسرى إلى أهل الشام ثم قال يا أهل الشام دونكم سيفي هذا فاستعينوا به على عدوكم فأخذه فاشترى معاوية ذلك السيف من أولياء المقتول بعشرة آلاف

434-  قال نصر و حدثني رجل عن مالك الجهني عن زيد بن وهب أن عليا ع مر على جماعة من أهل الشام فيهم الوليد بن عقبة و هم يشتمونه فأخبروه بذلك فوقف في ناس من أصحابه فقال انهدوا إليهم و عليكم بالسكينة و سيماء الصالحين و وقار الإسلام و الله لأقرب قوم من الجهل بالله عز و جل قوم قائدهم و مؤدبهم معاوية و ابن النابغة و أبو الأعور السلمي و ابن أبي معيط شارب الحرام و المجلود حدا في الإسلام و هم أولى يقومون فيقصبوني و يشتموني و قبل اليوم ما قاتلوني و شتموني و أنا إذ ذاك أدعوهم إلى الإسلام و هم يدعوني إلى عبادة الأصنام فالحمد لله و لا إله إلا الله و قديما ما عاداني الفاسقون إن هذا هو الخطب الجليل أن فساقا كانوا عندنا غير مرضيين و على الإسلام و أهله متخوفين أصبحوا و قد خدعوا شطر هذه الأمة فأشربوا قلوبهم حب الفتنة و استمالوا أهواءهم بالإفك و البهتان و قد نصبوا لنا الحرب و جدوا في إطفاء نور الله وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ اللهم فإنهم قد ردوا الحق فافضض جمعهم و شتت كلمتهم و أبسلهم بخطاياهم فإنه لا يذل من واليت و لا يعز من عاديت

435-  و عن نمير بن وعلة عن عامر الشعبي أن علي بن أبي طالب ع مر بأهل راية فرآهم لا يزولون عن موقفهم فحرض الناس على قتالهم و ذكر أنهم غسان فقال إن هؤلاء القوم لن يزولوا عن موقفهم دون طعن دراك يخرج منه النسيم و ضرب يفلق الهام و يطيح العظام و تسقط منه المعاصم و الأكف حتى تصدع جباههم و تنشر حواجبهم على الصدور و الأذقان أين أهل الصبر و طلاب الخير أين من يشري وجهه لله عز و جل فثابت إليه عصابة من المسلمين فدعا ابنه محمدا فقال له امش نحو هذه الراية مشيا رويدا على هينتك حتى إذا أشرعت في صدورهم الرماح فأمسك يدك حتى يأتيك أمري و رأيي ففعل و أعد على مثلهم فلما دنا منهم محمد و أشرع الرماح في صدورهم أمر على الذين أعد فشدوا عليهم و نهض محمد في وجوههم فزالوا عن مواقفهم و أصابوا منهم رجالا و اقتتل الناس بعد المغرب قتالا شديدا فما صلى كثير من الناس إلا إيماء

 436-  و عن شيخ من حضرموت قال كان منا رجل يدعى هاني بن نمر فخرج رجل من أهل الشام يدعو إلى المبارزة فلم يخرج إليه أحد فقال سبحان الله ما يمنعكم أن يخرج منكم إلى هذا فلو لا أني موعوك و إني أجد لذلك ضعفا لخرجت إليه فما رد عليه رجل من أصحابه شيئا فوثب فقال أصحابه سبحان الله تخرج إليه و أنت موعوك قال و الله لأخرجن إليه و لو قتلني فلما رآه عرفه و إذا الرجل من قومه يقال له معمر بن أسيد الحضرمي و بينهما قرابة من قبل النساء فقال له يا هانئ ارجع إنه إن يخرج إلى غيرك أحب إلي إني لست أريد قتلك قال له هانئ ما خرجت إلا و أنا موطن نفسي على القتل ما أبالي أنت قتلتني أو غيرك ثم مشى نحوه فقال اللهم في سبيلك و سبيل رسولك و نصرا لابن عم نبيك ثم اختلفا ضربتين فقتل هانئ صاحبه و شد أصحابه نحوه و شد أصحاب هانئ نحوهم ثم اقتتلوا و انفرجوا عن اثنين و ثلاثين قتيلا ثم إن عليا ع أرسل إلى الناس أن احملوا فحمل الناس على راياتهم كل قوم بحيالهم فتجالدوا بالسيوف و عمد الحديد لا يسمع إلا أصوات الحديد و مرت الصلوات كلها و لم يصلوا إلا تكبيرا عند مواقيت الصلوات حتى تفانوا و رق الناس فخرج رجل بين الصفين فقال أ خرج فيكم المحلقون قلنا لا قال إنهم سيخرجون ألسنتهم أحلى من العسل و قلوبهم أمر من الصبر لهم حمة كحمة الحيات ثم غاب الرجل فلم يعلم من هو  -437  و عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي يحيى عن عبد الرحمن بن حاطب قال خرجت ألتمس أخي في القتلى بصفين سويدا فإذا رجل قد أخذ بثوبي صريع في القتلى فالتفت فإذا بعبد الرحمن بن كلدة فقلت إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ هل لك في الماء قال لا حاجة لي في الماء قد أنفذ في السلاح و خرقني و لست أقدر على الشرب هل أنت مبلغ عني أمير المؤمنين ع رسالة قلت نعم قال إذا رأيته فأقرئه مني السلام و قل يا أمير المؤمنين احمل جراحك إلى عسكرك حتى تجعلهم من وراء القتلى فإن الغلبة لمن فعل ذلك ثم لم أبرح حتى مات فخرجت حتى أتيت عليا ع فقلت له إن عبد الرحمن بن كلدة يقرأ عليك السلام قال و عليه أين هو قلت قد و الله يا أمير المؤمنين أنفذه السلاح و خرقه فلم أبرح حتى توفي فاسترجع قلت قد أرسلني إليك برسالة قال فما هي فلما أبلغته الرسالة قال صدق و الذي نفسي بيده فنادى منادي العسكر أن احملوا جرحاكم إلى عسكركم ففعلوا فلما أصبح نظر أهل الشام و قد ملوا من الحرب و أصبح علي قد رحل الناس و هو يريد أن ينزل على أهل الشام في عسكرهم فقال معاوية فأخذت معرفة فرسي و وضعت رجلي في الركاب حتى ذكرت أبيات ابن الأطنابة

أبت لي عفتي و أبى بلائي و أخذي الحمد بالثمن الربيح

 إلى آخر الأبيات فعدت إلى مقعدي فأصبت خير الدنيا و كان علي ع إذا أراد القتال هلل و كبر ثم قال

من أي يومي من الموت أفر يوم لم يقدر أم يوم قدر

 و أقبل عبد الرحمن بن خالد بن الوليد و معه لواء معاوية الأعظم مرتجزا فاستقبله جارية بن قدامة و أطعنا مليا و مضى عبد الرحمن و انصرف جارية و عبد الرحمن لا يأتي على شي‏ء إلا أهمده فغم ذلك عليا ع و أقبل عمرو بن العاص في خيل من بعده فقال أقحم يا ابن سيف الله فإنه الظفر و أقبل الناس على الأشتر فقالوا يوم من أيامك الأول و قد بلغ لواء معاوية حيث ترى فأخذ الأشتر لواءه ثم حمل فضارب القوم حتى ردهم على أعقابهم فرجعت خيل عمرو و ذكروا أنه لما رد لواء معاوية و رجعت خيل عمرو انتدب لعلي ع همام بن قبيصة و كان من أشتم الناس لعلي ع و كان معه لواء هوازن فقصد المذحج فقال عدي بن حاتم لصاحب لوائه ادن مني فأخذه فحمل و طعن ساعة ثم رجع ثم حمل جندب بن زهير مرتجزا فلما رأى ابن العاص الشر استقبل فقال له معاوية ائت ببني أبيك فقاتل بهم فأتى جماعة أهل اليمن فقال أنتم اليوم الناس و غدا لكم الشأن هذا يوم له ما بعده من الأمر احملوا معي على هذا الجمع قالوا نعم فحملوا و حمل عمرو فقال عمرو بن الحمق دعوني و الرجل فإن القوم قومي فقال له ابن بديل دع القوم يلقى بعضهم بعضا فأبى عليه و حمل ثم طعنه في صدره فقتله و ولت الخيل و أزال القوم عن مراكزهم ثم إن حوشبا ذا ظليم أقبل في جمعه و صاحب لوائه يرتجز فحمل عليه سليمان بن صرد الخزاعي فطعنه فقتله و استدار القوم و قتل حوشب و ابن بديل و صبر بعضهم لبعض و فرح أهل الشام بقتل هاشم و اختلط أمرهم حتى ترك أهل الرايات مراكزهم و أقحم أهل الشام من آخر النهار و تفرق الناس عن علي ع فأتى ربيعة و كان فيهم و تعاظم الأمر و أقبل عدي بن حاتم يطلب عليا ع في موضعه الذي تركه فيه فلم يجده فأصابه في مصاف ربيعة فقال يا أمير المؤمنين أما إذا كنت حيا فالأمر أمم ما مشيت إليك إلا على قتيل و ما أبقت هذه الواقعة لنا و لهم عميدا فقاتل حتى يفتح الله عليك فإن في الناس بقية بعد و أقبل الأشعث يلهث جزعا فلما رأى عليا ع هلل و كبر و قال يا أمير المؤمنين خيل كخيل و رجال كرجال و لنا الفضل إلى ساعتنا هذه فعد إلى مقامك الذي كنت فيه فإن الناس يظنونك حيث تركوك و أرسل سعيد بن قيس إلى أمير المؤمنين ع إنا مشتغلون بأمرنا مع القوم و فينا فضل فإن أردت أن نمد أحدا أمددناه و أقبل علي ع على ربيعة فقال أنتم درعي و رمحي فقال عدي بن حاتم إن قوما أنست بهم و كنت فيهم في هذه الجولة لعظيم حقهم علينا و الله إنهم لصبر عند الموت أشداء عند القتال و ركب على فرسه الذي كان لرسول الله ص و كان يقال له المرتجز ثم قدم على بغلة رسول الله ص الشهباء فركبها ثم تعصب بعمامة رسول الله ص السوداء ثم نادى أيها الناس من يشري نفسه لله يربح هذه يوم له ما بعده إن عدوكم قد قرح كما قرحتم فانتدب له من بين العشرة آلاف إلى اثني عشر ألفا وضعوا سيوفهم على عواتقهم و تقدمهم علي ع على بغلة رسول الله ص و هو يقول

دبوا دبيب النمل لا تفوتوا و أصبحوا بحربكم و بيتواحتى تنالوا الثأر أو تموتوا أو لا فإني طال ما عصيت‏قد قلتم لو جئتنا فجئت ليس لكم ما شئتم و شئت‏بل ما يريد المحيي المميت

 و تبعه ابن عدي بن حاتم مرتجزا و تقدم الأشتر مرتجزا و حمل الناس حملة واحدة فلم يبق لأهل الشام صف إلا انتفض و أهمدوا ما أتوا عليه حتى أفضى الأمر إلى مضرب معاوية و علي ع يضربهم بسيفه و يقول

أضربهم و لا أرى معاوية الأخزر العين العظيم الحاويةهوت به في النار أم هاوية

 فدعا معاوية بفرسه لينجو عليه فوضع رجله في الركاب ثم ندم و تمثل بأبيات و قال يا ابن العاص اليوم صبر و غدا فخر فقال عمرو صدقت و انصرفوا و قد غلبوا و قهروا و كل قد كره صاحبه ثم إن معاوية لما أسرع أهل العراق في أهل الشام قال إن هذا يوم تمحيص إن القوم قد أسرع فيهم ما أسرع فيكم اصبروا يومكم هذا و خلاكم ذم و حض علي ع أصحابه فقام إليه الأصبغ بن نباتة فقال يا أمير المؤمنين إنك جعلتني على شرطة الخميس و قدمتني في الثقة دون الناس و إنك اليوم لا تفقد لي صبرا و لا نصرا أما أهل الشام فقد هدهم ما أصبنا منهم و أما نحن ففينا بعض البقية فاطلب بنا أمرك و أذن لي في التقدم فقال له علي ع تقدم بسم الله و أقبل الأحنف بن قيس السعدي فقال يا أهل العراق و الله لا تصيبون هذا الأمر أذل عنقا منه اليوم قد كشف القوم عنكم قناع الحياء و ما يقاتلون على دين و ما يصبرون إلا حياء فتقدموا فقالوا إنا إن تقدمنا اليوم فقد تقدمنا أمس فما تقول يا أمير المؤمنين قال تقدموا في موضع التقدم و تأخروا في موضع التأخر تقدموا من قبل أن يتقدموا إليكم و حمل أهل العراق و تلقاهم أهل الشام فاجتلدوا و حمل عمرو بن العاص معلما مرتجزا فاعترضه علي ع و هو يقول

قد علمت ذات القرون الميل و الخصر و الأنامل الطفول‏إني بنصل السيف خنشليل أحمي و أرمي أول الرعيل‏بصارم ليس بذي فلول

 ثم طعنه فصرعه و اتقاه عمرو برجله فبدت عورته فصرف علي وجهه عنه و ارتث فقال القوم أفلت الرجل يا أمير المؤمنين قال و هل تدرون من هو إنه عمرو بن العاص تلقاني بعورته فصرفت وجهي عنه فلما رجع عمرو إلى صفه قال له معاوية احمد الله و عورتك ثم ذكر نصر سعي معاوية في افتتان الأشعث بن قيس و عبد الله بن العباس و المراسلة و المكاتبة إليهما و إجابتهما بما لم يرض به و ندم ثم قال و لما تعاظمت الأمور على معاوية دعا عمروا و بسرا و عبيد الله بن عمر عبد الرحمن بن خالد فقال لهم قد غمني رجال من أصحاب علي منهم سعيد بن قيس في همدان و الأشتر في قومه و المرقال و عدي بن حاتم و قيس بن سعد في الأنصار و قد وقتكم بما نيتكم بأنفسها أياما كثيرة حتى لقد استحييت لكم و أنتم عدتهم من قريش و قد عبأت لكل رجل منهم رجلا منكم فاجعلوا ذلك إلي فقالوا ذلك إليك قال فأنا أكفيكم سعيد بن قيس و قومه غدا و أنت يا عمرو لأعور بني زهرة المرقال و أنت يا بسر لقيس بن سعد و أنت يا عبيد الله للأشتر و أنت يا عبد الرحمن لعدي بن حاتم ثم ليرد كل رجل منكم من حماة الخيل فجعلها نوائب في خمسة أيام لكل رجل منهم يوما فأصبح معاوية في غده فلم يدع فارسا إلا دعاه ثم قصد لهمدان بنفسه و تقدم الخيل فطعن في أعراض الخيل مليا ثم إن همدان نادت بشعارها و أقحم سعيد بن قيس على فرسه على معاوية و اشتد القتال و حجز بينهم الليل و ذكرت همدان أن معاوية فاته ركضا فانصرف معاوية و لم يعمل شيئا و إن عمرو بن العاص غدا في اليوم الثاني في حماة الخيل نحو المرقال و مع المرقال لواء علي الأعظم في حماة الناس و كان عمرو من فرسان قريش فتقدم و ارتجز و طعن في أعراض الخيل مزبدا فحمل هاشم مرتجزا و طعن عمروا حتى رجع و اشتد القتال و انصرف الفريقان و لم يسر معاوية ذلك و إن بسرا غدا في اليوم الثالث في حماة الخيل فلقي قيس بن سعد في كماة الأنصار كأنه فنيق مقرم فطعن في خيل بسر و برز له بسر بعد ملإ و طعن بسر قيسا فضربه قيس بالسيف فرده على عقبه و رجع القوم جميعا و لقيس الفضل و إن عبيد الله بن عمر تقدم في اليوم الرابع و لم يترك شيئا و جمع من استطاع فقال له معاوية إنك تلقى أفاعي أهل العراق فارفق و اتئد فلقيه الأشتر أمام الخيل مزبدا و كان الأشتر إذا أراد القتال أزبد فرد الخيل فاستحيا عبيد الله فبرز أمام الخيل و كان فارسا فحمل عليه الأشتر فطعنه و اشتد الأمر و انصرف القوم و للأشتر الفضل فغم ذلك معاوية و إن عبد الرحمن غدا في اليوم الخامس و كان أرجأهم عند معاوية فقواه بالخيل و السلاح و كان يعده ولدا فلقيه عدي بن حاتم في حماة مذحج و قضاعة فبرز عبد الرحمن أمام الخيل ثم حمل فطعن الناس و قصده عدي بن حاتم و حمل في حماة الناس حتى تواروا في العجاج و فضح القوم و رجع عبد الرحمن إلى معاوية و انكسر معاوية و إن القرشيين استحيوا مما صنعوا و شمتت بهم اليمانية و عيرهم معاوية و أنبهم فانقطعوا عنه أياما ثم اعتذر إليهم معاوية في أبيات فأتوه و اعتذروا إليه و استقاموا له على ما يحب

  ثم إن معاوية ضاعف الفرائض و العطايا لعك و الأشعريين و هم بذلوا جهدهم في القتال و وفى لهم بذلك فلم يبق من أهل العراق أحد في قلبه مرض إلا طمع في معاوية و شخص بصره إليه حتى فشا ذلك في الناس و بلغ عليا ع فساءه ذلك فقال المنذر بن أبي حميصة و كان فارس همدان و شاعرهم يا أمير المؤمنين إن عكا و الأشعريين طلبوا إلى معاوية الفرائض و العطاء فأعطاهم فباعوا الدين بالدنيا و أنا قد رضينا بالآخرة من الدنيا و بالعراق من الشام و بك من معاوية و الله لآخرتنا خير من دنياهم و لعراقنا خير من شامهم و لإمامنا أهدى من إمامهم فامتحنا بالصبر و احملنا على الموت فقال علي ع حسبك رحمك الله و أثنى عليه و على قومه خيرا و لما أصبح الناس غدوا على مصافهم و نادى معاوية في أحياء اليمن فقال علي ع يا آل همدان فأجابه سعيد بن قيس فقال له احمل فحمل حتى خلط الخيل بالخيل و اشتد القتال و حطمتهم همدان حتى ألحقوهم بمعاوية و أسرع في فرسان أهل الشام القتل و أثنى علي ع على همدان و قال أنتم درعي و رمحي يا همدان ما نصرتم إلا الله و لا أجبتم غيره فقال سعيد أجبنا الله و إياك و نصرنا نبي الله ص في قبره و قاتلنا معك من ليس مثلك فارم بنا حيث أحببت فدعا معاوية مروان و أمره أن يخرج فأبى ثم دعا عمرو بن العاص و أمره بالخروج فلما خرج لقيه الأشتر أمام الخيل فلما غشيه الأشتر بالرمح راوغه عمرو فطعنه الأشتر في وجهه فلم يصنع شيئا و لوى عمرو عنان فرسه و جعل يده على وجهه و رجع إلى العسكر فجاء ذو الكلاع إلى معاوية و قال تولى علينا من لا يقاتل معنا ول رجلا منا و إلا فلا حاجة لنا بك فقال لهم معاوية لا أولي عليكم بعد يومي هذا إلا رجلا منكم قال و حرض علي ع أصحابه فقام إليه الأصبغ بن نباتة فقال يا أمير المؤمنين قدمني في البقية من الناس فإنك لا تفقد لي اليوم صبرا و لا نصرا قال ع تقدم باسم الله و البركة فتقدم و أخذ رايته فمضى بالراية مرتجزا فرجع و قد خضب سيفه و رمحه دما و كان شيخا ناسكا عابدا و كان إذا لقي القوم لا يغمد سيفه و كان من ذخائر علي ع ممن قد بايعه على الموت و كان من فرسان أهل العراق و كانوا قد ثقلوا عن البراز حين عضتهم الحرب فقال الأشتر يا أهل العراق أ ما من رجل يشري نفسه لله فخرج آثال بن حجل فنادى بين العسكرين هل من مبارز فدعى معاوية حجلا فقال دونك الرجل و كانا مستبصرين في رأيهما فبرز كل منهما إلى صاحبه فبدره الشيخ بطعنه فطعنه الغلام فانتسبا فإذا هو ابنه فنزلا و اعتنق كل منهما صاحبه و بكيا فقال له الأب أي آثال هلم إلى الدنيا فقال له الغلام يا أباه هلم إلى الآخرة و الله يا أبت لو كان من رأيي الانصراف إلى أهل الشام لكان من رأيك لي أن تنهاني وا سوأتاه فما يقول لي علي كن على ما أنت عليه و أنا أكون على ما أنا عليه و انصرف كل منهما إلى أصحابهما ثم إن معاوية دعا النعمان بن بشير و مسلمة بن مخلد فقال يا هذان ما لقيت من الأوس و الخزرج صاروا واضعي سيوفهم على عواتقهم يدعون إلى النزال حتى و الله جبنوا أصحابي الشجاع منهم و الجبان حتى و الله ما أسأل عن فارس من أهل الشام إلا قالوا قتلته الأنصار أما و الله لاعبين لكل فارس منهم فارسا ينشب في حلقة ثم لألقينهم بأعدادهم من قريش رجال لم يغذهم التمر و الطفيشل يقولون نحن الأنصار قد و الله آووا و نصروا و لكن أفسدوا حقهم بباطلهم

  فغضب النعمان و قال يا معاوية لا تلومن الأنصار بسرعتهم في الحرب فإنهم كذلك كانوا في الجاهلية و أما دعاؤهم إلى النزال فقد رأيتهم مع رسول الله ص و أما لقاؤك إياهم في أعدادهم من قريش فإن لها وفاء به و أما التمر و الطفيشل فإن التمر كان لنا فلما أن ذقتموه شاركتمونا فيه و أما الطفيشل فكان لليهود فلما أكلناهم غلبناهم عليه كما غلبت قريش على السخينة ثم تكلم مسلمة بنحو من ذلك و لم يكن مع معاوية غير هذين الرجلين من الأنصار و انتهى الكلام إلى الأنصار فجمع قيس بن سعد الأنصار و قام خطيبا فيهم و قال إن معاوية قد قال ما بلغكم و أجاب عنكم صاحباكم فلعمري لئن غظتم معاوية اليوم لقد غظتموه أمس و إن وترتموه في الإسلام لقد وترتموه في الشرك و ما لكم إليه من ذنب أعظم من نصر هذا الذي أنتم عليه فجدوا اليوم جدا تنسونه ما كان أمس و جدوا غدا فتنسونه ما كان اليوم و أنتم مع هذا اللواء الذي كان يقاتل عن يمينه جبرئيل و عن يساره ميكائيل و القوم مع لواء أبي جهل و الأحزاب و أما التمر فإنا لم نغرسه و لكن غلبنا عليه من غرسه و أما الطفيشل فلو كان طعامنا سميناه اسما كما سميت قريش السخينة و تحركت الخيل غدوة فظن قيس أن فيها معاوية فحمل على رجل يشبهه فقنعه بالسيف فإذا غير معاوية و حمل الثانية على آخر يشبهه أيضا فضربه ثم انصرف ثم إن النعمان خرج حتى وقف بين الصفين فقال يا قيس أنا النعمان بن بشير قال قيس ما حاجتك قال يا قيس إنه قد أنصفكم من دعاكم إلى ما رضي لنفسه أ لستم معشر الأنصار تعلمون أنكم أخطأتم في خذل عثمان يوم المدينة و قتلتم أنصاره يوم الجمل و إقحامكم على خيولكم أهل الشام بصفين فلو كنتم إذ خذلتم عثمان خذلتم عليا و لكنكم خذلتم حقا و نصرتم باطلا ثم لم ترضوا أن تكونوا كالناس حتى أعلمتم في الحرب و دعوتم إلى البراز ثم لم ينزل بعلي أمر قط إلا و هونتم عليه المصيبة و وعدتموه الظفر و قد أخذت الحرب منا و منكم ما قد رأيتم فاتقوا الله في البقية قال فضحك قيس ثم قال ما كنت أراك يا نعمان تجترئ على هذه المقالة إنه لا ينصح أخاه من غش نفسه و أنت و الله الغاش الضال المضل و أما ذكرك عثمان فإن كانت الأخبار تكفيك فخذها مني واحدة قتل عثمان من لست خيرا منه و خذله من هو خير منك و أما أصحاب الجمل فقاتلناهم على النكث و أما معاوية فو الله لئن اجتمعت عليه العرب لقاتلته الأنصار و أما قولك إنا لسنا كالناس فنحن في هذه الحروب كما كنا مع رسول الله ص نتقي السيوف بوجوهنا و الرماح بنحورنا حتى جاء الحق و ظهر أمر الله و هم كارهون و لكن انظر يا نعمان هل ترى مع معاوية إلا طليقا أو أعرابيا أو يمانيا مستدرجا بغرور

  انظر أين المهاجرون و الأنصار و التابعون لهم بإحسان الذين رضي الله عنهم و رضوا عنه ثم انظر هل ترى مع معاوية أنصاريا غيرك و غير صويحبك و لستما و الله ببدريين و لا عقبيين و لا أحديين و لا لكما سابقة في الإسلام و لا آية في القرآن و لعمري لئن شغبت علينا لقد شغب علينا أبوك

 438-  و ذكروا أنه كان فارس أهل كوفة الذي لا ينازع رجلا يقال له العكبر بن جدير الأسدي و كان فارس أهل الشام الذي لا ينازع عوف بن مجزأة المرادي و كان العكبر له عبارة و لسان لا يطاق فلما خرج الناس إلى مصافهم خرج المرادي نادرا من الناس و كذلك كان يصنع و قد كان قتل قبل ذلك نفرا من أهل العراق مبارزة فنادى يا أهل العراق هل من رجل عصاه سيفه يبارزني و لا أغركم من نفسي فأنا عوف بن مجزأة فارس زوف فصاح الناس بالعكبر فخرج إليه منقطعا من أصحابه و الناس وقوف و وقف المرادي مرتجزا فبرز إليه العكبر و ارتجز فاطعنا فصرعه العكبر فقتله و معاوية على التل في أناس من قريش و أناس من الناس قليل فوجه العكبر فرسه فملأ فروجه ركضا و يضربه بالسوط مسرعا نحو التل فنظر إليه معاوية فقال إن هذا الرجل مغلوب على عقله أو مستأمن فاسألوه فأتاه رجل فناداه فلم يجبه فمضى حتى انتهى إلى معاوية و جعل يطعن في أعراض الخيل و رجا العكبر أن يفردوا له معاوية فقتل رجلا و قام القوم دون معاوية بالسيوف و الرماح فلما لم يصل إلى معاوية نادى أولى لك يا ابن هند أنا الغلام الأسدي و رجع إلى علي ع فقال له علي ع ما ذا دعاك إلى ما صنعت يا عكبر لا تلق نفسك إلى الهلكة قال أردت غرة ابن هند فحيل بيني و بينه و انكسر أهل الشام لقتل المرادي و نذر معاوية دم العكبر فقال العكبر يد الله فوق يد معاوية فأين دفاع الله عن المؤمنين ثم إن عليا ع دعا قيس بن سعد فأثنى عليه خيرا و سوده على الأنصار و كان طلائع أهل الشام و أهل العراق يلتقون فيما بين ذلك و يتناشدون الأشعار و يفخر بعضهم على بعض و يحدث بعضهم بعضا على أمان 439-  قال نصر و روى عمر بن سعد عن عبد الرحمن بن عبد الله أن عبد الله بن كعب قتل يوم صفين فمر به الأسود بن قيس و هو بآخر رمق فقال عز علي و الله مصرعك أما و الله لو شهدتك لآسيتك و لدافعت عنك و لو أعرف الذي أشعرك لأحببت أن لا يزايلني حتى أقتله أو يلحقني بك ثم نزل إليه فقال و الله إن كان جارك ليأمن بوائقك و إن كنت من الذاكرين الله كثيرا أوصني رحمك الله قال أوصيك بتقوى الله و أن تناصح أمير المؤمنين و أن تقاتل معه المحلين حتى يظهر الحق أو تلحق بالله و أبلغه عني السلام و قل له قاتل على المعركة حتى تجعلها خلف ظهرك فإنه من أصبح و المعركة خلف ظهره كان الغالب ثم لم يلبث أن مات فأقبل الأسود إلى علي ع فأخبره فقال يرحمه الله جاهد معنا عدونا في الحياة و نصح لنا في الوفاة ثم إن عليا ع غلس بالناس بصلاة الفجر ثم زحف بهم فخرج الناس على راياتهم و أعلامهم و زحف إليهم أهل الشام 440-  قال نصر و حدثني عمرو بن شمر عن جابر عن عامر عن صعصعة بن صوحان و الحارث بن أدهم أن أبرهة بن الصباح قام فقال ويلكم يا معشر أهل اليمن و الله إني لأظن الله آذن بفنائكم ويحكم خلوا بين هذين الرجلين فليقتتلا فأيهما قتل صاحبه ملنا معه جميعا و كان أبرهة من أصحاب معاوية

  فبلغ ذلك عليا ع فقال صدق أبرهة بن الصباح و الله ما سمعت بخطبة منذ وردت الشام أنا بها أشد سرورا مني بهذه و بلغ معاوية كلام أبرهة فتأخر آخر الصفوف و قال لمن حوله و الله إني لأظنه مصابا في عقله فارتج أهل الشام يقولون و الله إن أبرهة لأفضلنا دينا و رأيا و بأسا و لكن معاوية كره مبارزة علي ع و برز يومئذ عروة بن داود الدمشقي فقال إن كان معاوية كره مبارزتك يا أبا الحسن فهلم إلي فتقدم إليه علي و حمل عليه و قتله ثم قال يا عروة اذهب فأخبر قومك أما و الذي بعث محمدا ص بالحق لقد عاينت النار و أصبحت من النادمين فنظر إليه معاوية و كان واقفا على التل فقال و الله لقد دعاني علي إلى البراز حتى لقد استحييت من قريش و إنما أراد بذلك أن يبرز إليه بسر بن أرطاة فقبل بسر أن يبارزه ع ثم ندم و استحيا من الاستعفاء فغدا علي ع منقطعا من خيله و معه الأشتر و هو يريد التل فاستقبله بسر قريبا من التل فطعنه و هو لا يعرفه فاتقاه بسر برجله فانكشف عورته فانصرف علي ع عنه و ناداه الأشتر يا أمير المؤمنين إنه بسر قال دعه عليه لعنة الله و حمل ابن عم لبسر على علي ع فطعنه الأشتر فكسر صلبه و قام بسر من طعنة علي و ولت خيله فقال له معاوية قد أدال الله عمروا منك فكان بسر بعد ذلك إذا لقي الخيل التي فيها علي ع تنحى ناحية و تحامى فرسان أهل الشام عليا ع 441-  و عن عمر بن سعد بإسناده قال كان من أهل الشام بصفين رجل يقال له الأصبغ بن ضرار و كان يكون طليعة و مسلحة لمعاوية فندب علي ع له الأشتر فأخذه أسيرا من غير أن يقاتل و كان علي ع ينهى عن قتل الأسير الكاف فجاء به ليلا و شد وثاقه و ألقاه مع أضيافه ينتظر به الصباح فأنشد فيها أشعار أثرت في الأشتر فغدا به الأشتر على علي ع فقال يا أمير المؤمنين هذا رجل من المسلحة لقيته بالأمس فو الله لو علمت أن قتله الحق قتلته و قد بات عندنا الليلة و حركنا بشعره فإن كان فيه القتل فاقتله و إن غضبنا فيه و إن كنت فيه بالخيار فهبه لنا قال هو لك يا مالك فإذا أصبت أسيرا فلا تقتله فإن أسير أهل القبلة لا يفادى و لا يقتل فرجع به الأشتر إلى منزله و قال لك ما أخذنا منك ليس لك عندنا غيره و ذكروا أن عليا ع أظهر أنه مصبح معاوية و مناجزه فبلغ ذلك معاوية ففزع أهل الشام لذلك و انكسروا لقوله فكتب معاوية إليه ع أما بعد فإني أظنك أن لو علمت أن الحرب تبلغ بنا و بك ما بلغت إلى آخر ما سيأتي برواية سليم الهلالي و ما جرى بين معاوية و بين عمرو في ذلك قال ثم إن عليا ع غلس بالناس صلاة الغداة ثم زحف إليهم فخرج الناس على راياتهم و أعلامهم و زحف إليهم أهل الشام إلى آخر ما سيأتي

  توضيح قوله لا تنسى شيباء هذا مثل لمن وقع به من رجل سوء شديد و ضرر عظيم فإنه لا ينساها و يظهر من المثل أن مضربها امرأة تزوجت رجلا فلما كان ليلة الزفاف غلب على زوجها رجل فقتله و أخذها قهرا فإنها لا تنسى تلك الواقعة أبدا فمثل بذلك قتل عثمان و أخذ الخلافة لأمير المؤمنين ع. قال الجوهري باتت فلانة بليلة شيباء بالإضافة إذا افتضت و باتت بليلة حرة إذا لم تفتض. و قال الفيروزآبادي باتت بليلة شيباء بالإضافة و بليلة الشيباء إذا غلبت على نفسها ليلة هدائها و قال العذرة البكارة و مفتضها أبو عذرها. و في بعض الكتب يقال فلان أبو عذرة هذا الكلام أي هو الذي اخترعه و لم يسبقه إليه أحد و هو مستعار من قولهم أبو عذرتها أي هو الذي افتض بكارتها و يقال إن المرأة لا تنسى أبا عذرتها. و قال الميداني في مجمع الأمثال لا تنسى المرأة أبا عذرها و قاتل بكرها أي أول من ولدها يضرب في المحافظة على الحقوق انتهى و الأظهر هنا ما ذكرنا. و قال ابن الأثير في مادة حمر من كتاب النهاية في حديث علي ع قيل له غلبتنا عليك هذه الحمراء يعنون العجم و الروم و العرب تسمي الموالي الحمراء و في حديث عبد الملك أراك أحمر قرفا قال الحسن أحمر يعني أن الحسن في الحمرة و منه قول الشاعر. و إذا ظهرت تقنعي. بالحمر أن الحسن أحمر. و قيل كني بالأحمر عن المشقة و الشدة أي من أراد الحسن صبر على أشياء يكرهها انتهى. قوله و خضدت السهام الخضد الكسر و القطع و في بعض النسخ بالمهملتين على الاستعارة. و قال الجوهري العتم الإبطاء و يقال ما عتم أن فعل كذا بالتشديد أي ما لبث و ما أبطأ. و قال في النهاية الأهوج المتسرع إلى الأمور كما يتفق و قيل الأحمق القليل الهداية انتهى. و التقويض الهدم و الرهج بالتحريك الغبار و يقال قصبه يقصبه أي عابه و أبسلت فلانا أسلمته للهلكة. و قال في النهاية في حديث الحسن لا يزال أمر هذه الأمة أمما ما ثبتت الجيوش في أماكنها الأمم القرب و اليسير. و قال الجوهري قال ابن السكيت الأمم بين القريب و البعيد و هو من المقاربة و الأمم الشي‏ء اليسير و يقال أخذت ذلك من أمم أي من قرب و داري أمم داره أي مقابلتها و القرن الذؤابة و الخصلة من الشعر و بالتحريك السيف و النبل و الأول أنسب و الحضر بالحاء المهملة محركة ضيق الصدر و العي في المنطق و بالخاء المعجمة وسط الإنسان و كشح مخصر دقيق. و قال الجوهري الطفل بالفتح الناعم يقال جارية طفلة و بنان طفل انتهى أي يعرف النساء المخدرات النواعم ذلك فكيف الرجال و الخنشليل الماضي و الرعيل القطعة من الخيل و مقدمتها و يقال ارتث فلان على ما لم يسم فاعله أي حمل من المعركة رثيثا أي جريحا و به رمق و الفنيق الفحل المكرم و المقرم البعير لا يحمل عليه و لا يذلل. و قال في القاموس راغ الرجل و الثعلب روغا و روغانا مال و حاد عن الشي‏ء و المراوغة المصارعة و أن يطلب بعض القوم بعضا و قال الطفيشل كسميدع نوع من المرق.

  و في النهاية في حديث فاطمة أنها جاءت النبي ص ببرمة فيها سخينة أي طعام حار و قيل طعام يتخذ من دقيق و سمن و قيل دقيق و تمر أغلظ من الحساء و أرق من العصيدة و كانت قريش تكثر من أكلها فعيرت بها حتى سموا سخينة انتهى. و الشغب تهييج الشر و اطعنا على بناء الافتعال أي طعن كل منهما صاحبه. و في النهاية و في حديث أبي جعفر الأنصاري فملأت ما بين فروجي جمع فرج و هو ما بين رجلين يقال للفرس ملأ فروجه و فرجه إذا عدا و أسرع و به سمي فرج الرجل و المرأة لأنهما بين الرجلين و قال إشعار البدن هو أن يشق أحد جانبي السنام حتى يسيل دمها و يجعل ذلك علامة يعرف بها أنها هدي و منه حديث مكحول لا سلب إلا لمن أشعر علجا أو قتل أي طعنه حتى يدخل السنان جوفه

 442-  أقول ثم قال ابن أبي الحديد قال نصر بن مزاحم في الجزء من كتاب صفين و هو ثقة ثبت صحيح النقل غير منسوب إلى هوى و لا إدغال و هو من رجال أصحاب الحديث حدثنا عمرو بن شمر عن أبي ضرار عن عمار بن ربيعة قال غلس علي ع صلاة الغداة يوم الثلاثاء عاشر شهر ربيع الأول سنة سبع و ثلاثين و قيل عاشر صفر ثم زحف إلى أهل الشام بعسكر العراق و الناس على راياتهم و أعلامهم و زحف إليهم أهل الشام و قد كانت الحرب أكلت الفريقين و لكنها في أهل الشام أشد نكاية و أعظم وقعا قد ملوا الحرب و كرهوا القتال و تضعضعت أركانهم قال فخرج رجل من أهل العراق على فرس كميت ذنوب عليه السلاح لا يرى منه إلا عيناه و بيده الرمح فجعل يضرب رءوس أهل العراق بالقناة و يقول سووا صفوفكم رحمكم الله حتى إذا عدل الصفوف و الرايات استقبلهم بوجهه و ولى أهل الشام ظهره ثم حمد الله و أثنى عليه و قال الحمد لله الذي جعل فينا ابن عم نبيه أقدمهم هجرة و أولهم إسلاما سيف من سيوف الله صبه الله على أعدائه فانظروا إذا حمي الوطيس و ثار القتام و تكسر المران و جالت الخيل بالأبطال فلا أسمع إلا غمغمة أو همهمة فاتبعوني و كونوا في أثري قال ثم حمل على أهل الشام فكسر فيهم رمحه ثم رجع فإذا هو الأشتر قال و خرج رجل من أهل الشام و نادى بين الصفين يا أبا الحسن يا علي ابرز إلي فخرج إليه علي ع حتى اختلفت أعناق دابتيهما بين الصفين فقال إن لك يا علي لقدما في الإسلام و الهجرة فهل لك في أمر أعرضه عليك يكون فيه حقن هذه الدماء و تأخير هذه الحروب حتى ترى رأيك قال و ما هو قال ترجع إلى عراقك فنخلي بينك و بين العراق و نرجع نحن إلى شامنا فتخلى بيننا و بين الشام فقال علي ع قد عرفت ما عرضت إن هذه لنصيحه و شفقة و لقد أهمني هذا الأمر و أسهرني و ضربت أنفه و عينه فلم أجد إلا القتال أو الكفر بما أنزل الله على محمد ص إن الله تعالى ذكره لم يرض من أوليائه أن يعصى في الأرض و هم سكوت مذعنون لا يأمرون بمعروف و لا ينهون عن منكر فوجدت القتال أهون علي من معالجة الأغلال في جهنم قال فرجع الرجل و هو يسترجع و زحف الناس بعضهم إلى بعض فارتموا بالنبل و الحجارة حتى فنيت ثم تطاعنوا بالرماح حتى تكسرت و اندقت ثم مشى القوم بعضهم إلى بعض بالسيوف و عمد الحديد فلم يسمع السامعون إلا وقع الحديد بعضه على بعض لهو أشد هولا في صدور الرجال من الصواعق و من جبال تهامة يدك بعضها بعضا و انكسفت الشمس بالنقيع و ثار القطام و القسطل فضلت الألوية و الرايات و أخذ الأشتر يسير فيما بين الميمنة و الميسرة فيأمر كل قبيلة أو كتيبة من القراء بالإقدام على التي تليها فاجتلدوا بالسيوف و عمد الحديد من صلاة الغداة من اليوم المذكور إلى نصف الليل لم يصلوا لله صلاة فلم يزل الأشتر يفعل ذلك حتى أصبح و المعركة خلف ظهره و افترقوا على سبعين ألف قتيل في ذلك اليوم و تلك الليلة و هي ليلة الهرير المشهورة و كان الأشتر في ميمنة الناس علي ع في القلب و الناس يقتتلون ثم استمر القتال من نصف الليل الثاني إلى ارتفاع الضحى و الأشتر يقول لأصحابه و هو يزحف بهم نحو أهل الشام ازحفوا قيد رمحي هذا و يلقي رمحه فإذا فعلوا ذلك قال ازحفوا قاب هذه القوس فإذا فعلوا ذلك سألهم مثل ذلك حتى مل أكثر الناس من الإقدام فلما رأى ذلك قال أعيذكم بالله أن ترضعوا الغنم سائر اليوم ثم دعا بفرسه و ركز رايته و كانت مع حيان بن هوذة النخعي و سار بين الكتائب و هو يقول أ لا من يشري نفسه لله و يقاتل مع الأشتر حتى يظهر أمر الله أو يلحق بالله فلا يزال الرجل من الناس يخرج إليه فيقاتل معه

443-  قال نصر و حدثني عمر بن سعد عن أبي ضرار عن عمار بن ربيعة قال مر بي الأشتر فأقبلت معه حتى رجع إلى المكان الذي كان به فقام في أصحابه فقال شدوا فداء لكم عمي و خالي شدة ترضون بها الله و تعزون بها الدين إذا أنا حملت فاحملوا ثم نزل يضرب وجه دابته و قال لصاحب رايته اقدم فتقدم بها ثم شد على القوم و شد معه أصحابه فضرب أهل الشام حتى انتهى بهم إلى معسكرهم فقاتلوا عند المعسكر قتالا شديدا و قتل صاحب رايتهم و أخذ علي ع لما رأى الظفر قد جاء من قبله يمده بالرجال

  -444  و روى نصر عن رجاله قال لما بلغ القوم إلى ما بلغوا إليه قام علي ع خطيبا فحمد الله و أثنى عليه و قال أيها الناس قد بلغ بكم الأمر و بعدوكم ما قد رأيتم و لم يبق منهم إلا آخر نفس و إن الأمور إذا أقبلت اعتبر آخرها بأولها و قد صبر لكم القوم على غير دين حتى بلغنا منهم ما بلغنا و أنا غاد عليهم بالغداة أحاكمهم إلى الله

 قال فبلغ ذلك معاوية فدعا عمرو بن العاص و قال يا عمرو إنما هي الليلة حتى يغدو علينا بالفضل فما ترى قال إن رجالك لا يقومون لرجاله و لست مثله و هو يقاتلك على أمر و أنت تقاتله على غيره أنت تريد البقاء و هو يريد الفناء و أهل العراق يخافون منك إن ظفرت بهم و أهل الشام لا يخافون عليا إن ظفر بهم و لكن ألق إلى القوم أمرا إن قبلوه اختلفوا و إن ردوه اختلفوا ادعهم إلى كتاب الله حكما فيما بينك و بينهم فإنك بالغ به حاجتك في القوم و إني لم أزل أدخر هذا الأمر لوقت حاجتك إليه فعرف معاوية ذلك و قال له صدقت

445-  قال نصر و حدثنا عمرو بن شمر عن جابر بن عمير الأنصاري قال و الله لكأني أسمع عليا ع يوم الهرير و ذلك بعد ما طحنت رحى مذحج فيما بينها و بين عك و لخم و جذام و الأشعريين بأمر عظيم تشيب منه النواصي حتى استقلت الشمس و قام قائم الظهيرة و علي ع يقول لأصحابه حتى متى نخلي بين هذين الحيين قد فنيا فنيتا و أنتم وقوف تنظرون أ ما تخافون مقت الله ثم انفتل إلى القبلة و رفع يديه إلى الله عز و جل ثم نادى يا الله يا رحمان يا واحد يا صمد يا الله يا إله محمد إليك اللهم نقلت الأقدام و أفضت القلوب و رفعت الأيدي و مدت الأعناق و شخصت الأبصار و طلبت الحوائج اللهم إنا نشكو إليك غيبة نبينا و كثرة عدونا و تشتت أهوائنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ سيروا على بركة الله ثم نادى لا إله إلا الله و الله أكبر كلمة التقوى

 قال فلا و الذي بعث محمدا بالحق نبيا ما سمعنا برئيس قوم منذ خلق الله السماوات و الأرض أصاب بيده في يوم واحد ما أصاب إنه قتل فيما ذكر العادون زيادة على خمسمائة من أعلام العرب يخرج بسيفه منحنيا فيقول معذرة إلى الله و إليكم من هذا لقد هممت مرات أن أفلقه و لكن يحجزني عنه أني سمعت رسول الله ص يقول كثيرا لا سيف إلا ذو الفقار و لا فتى إلا علي و أنا أقاتل به دونه ع قال فكنا نأخذه و نقومه ثم يتناوله من أيدينا فيقتحم به عرض الصف فلا و الله ما ليث بأشد نكاية منه في عدوه

 446-  و عن عمرو بن شمر عن جابر عن تميم بن حذيم قال لما أصبحنا من ليلة الهرير نظرنا فإذا أشباه الرايات أمام أهل الشام في وسط الفيلق حيال موقف علي ع و معاوية فلما أسفرنا إذا هي المصاحف قد ربطت في أطراف الرماح و هي عظام مصاحف العسكر و قد شدوا ثلاثة رماح جميعا و ربطوا عليها مصحف المسجد الأعظم يمسكه عشرة رهط

  -447  قال نصر و قال أبو جعفر و أبو الطفيل استقبلوا عليا بمائة مصحف و وضعوا في كل مجنبة مائتي مصحف و كان جميعها خمسمائة مصحف قال أبو جعفر ع ثم قام الطفيل بن أدهم حيال علي ع و قام أبو شريح حيال الميمنة و ورقاء بن المعتمر حيال الميسرة ثم نادوا يا معشر العرب الله الله في النساء و البنات و الأبناء من الروم و الأتراك و أهل فارس غدا إذا فنيتم الله الله في دينكم هذا كتاب الله بيننا و بينكم فقال علي ع اللهم إنك تعلم أنهم ما الكتاب يريدون فاحكم بيننا و بينهم إنك أنت الحكم الحق المبين فاختلف أصحاب علي ع في الرأي فطائفة قالت القتال و طائفة قالت المحاكمة إلى الكتاب و لا يحل لنا الحرب و قد دعينا إلى حكم الكتاب فعند ذلك بطلت الحرب و وضعت أوزارها

448-  قال نصر و حدثنا عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر الباقر ع قال لما كان اليوم الأعظم قال أصحاب معاوية و الله لا نبرح اليوم العرصة حتى نموت أو يفتح لنا و قال أصحاب أمير المؤمنين علي ع مثل ذلك فباكروا القتال غدوة في يوم من أيام الشعرى طويل شديد الحر فتراموا حتى فنيت النبال و تطاعنوا حتى تقصفت الرماح ثم نزل القوم عن خيولهم و مشى بعضهم إلى بعض بالسيوف حتى تكسرت جفونها و قام الفرسان في الركب ثم اضطربوا بالسيوف و عمد الحديد فلم يسمع السامعون إلا تغمغم القوم و صليل الحديد في الهام و تكادم الأفواه و كسفت الشمس و ثار القتام و ضلت الألوية و الرايات و مرت مواقيت أربع صلوات ما يسجد فيهن لله إلا تكبيرا و نادت المشيخة في تلك الغمرات يا معشر العرب الله الله في الحرمات من النساء و البنات قال جابر فبكى أبو جعفر ع و هو يحدثنا بهذا الحديث قال و أقبل الأشتر على فرس كميت محذوف قد وضع مغفره على قربوس السرج و هو يقول اصبروا يا معشر المؤمنين فقد حمي الوطيس و رجعت الشمس من الكسوف و اشتد القتال و أخذت السباع بعضها بعضا فقال رجل في تلك الحال أي رجل هذا لو كانت له نية فقال له صاحبه و أي نية أعظم من هذه ثكلتك أمك و هبلتك أن رجلا فيما قد ترى قد سبح في الدماء و ما أضجرته الحرب و قد غلت هام الكمأة من الحر و بلغت القلوب الحناجر و هو كما تراه جذعا يقول هذه المقالة اللهم لا تبقنا بعد هذا

449-  قال نصر و روى الشعبي عن صعصعة أنه بدر من الأشعث بن قيس ليلة الهرير قول نقله الناقلون إلى معاوية فاغتنمه و بنا عليه تدبيره و ذلك أنه خطب أصحابه من كندة تلك الليلة و قال في خطبته قد رأيتم يا معشر المسلمين ما قد كان في يومكم هذا الماضي و قد فني فيه من العرب فو الله لقد بلغت من السن ما شاء الله أن أبلغ فما رأيت مثل هذا اليوم قط ألا فليبلغ الشاهد الغائب و إنا إن نحن تواقفنا غدا إنه لفناء العرب و ضيعة الحرمات أو قال نحو ذلك مما يخذلهم عن القتال فلما بلغ ذلك معاوية قال أصاب و رب الكعبة فدبر تلك الليلة ما دبر من رفع المصاحف على الرماح فأقبلوا بالمصاحف ينادون كتاب الله بيننا و بينكم قال فجاء عدي بن حاتم فقال يا أمير المؤمنين إنه لم تصب منا عصبة إلا و قد أصيب منهم مثلها و كل مقروح و لكنا أمثل بقية منهم و قد جزع القوم و ليس بعد الجزع إلا ما تحب فناجزهم و قام الأشتر فقال يا أمير المؤمنين إن معاوية لا خلف له من رجاله و لك بحمد الله الخلف و لو كان له مثل رجالك لم يكن له مثل صبرك و لا نصرك فاقرع الحديد بالحديد و استعن بالله المجيد و قال عمرو بن الحمق يا أمير المؤمنين إنا و الله ما أجبناك و لا نصرناك على الباطل و لا أجبنا إلا الله و لا طلبنا إلا الحق و لو دعانا غيرك إلى ما دعوتنا إليه لاستشرى فيه اللجاج و طال فيه النجوى و قد بلغ الحق مقطعه و ليس لنا معك رأي فقام الأشعث مغضبا فقال يا أمير المؤمنين إنا لك اليوم على ما كنا عليه أمس و ليس آخر أمرنا كأوله و ما من القوم أحد أحنى على أهل العراق و لا أوتر لأهل الشام مني فأجب القوم إلى كتاب الله عز و جل فإنك أحق به منهم و قد أحب الناس البقاء و كرهوا القتال فقال علي ع هذا أمر ينظر فيه و نادى الناس من كل جانب الموادعة الموادعة

 و في حديث عمر بن سعد قال لما رفع أهل الشام المصاحف على الرماح قال علي ع أيها الناس إني أحق من أجاب إلى كتاب الله و لكن معاوية و عمرو بن العاص و ابن أبي معيط و ابن أبي سرح و ابن مسلمة ليسوا بأصحاب دين و لا قرآن إني أعرف بهم منكم صحبتهم صغارا و رجالا فكانوا شر صغار و شر رجال ويحكم إنها كلمة حق يراد بها باطل إنهم ما رفعوها و إنهم يعرفونها و لا يعملون بها و لكنها الخديعة و الوهن و المكيدة أعيروني سواعدكم و جماجمكم ساعة واحدة فقد بلغ الحق مقطعه و لم يبق إلا أن يقطع دابر الظالمين فجاءه من أصحابه زهاء عشرين ألفا مقنعين في الحديد شاكي السلاح سيوفهم على عواتقهم و قد اسودت جباههم من السجود يتقدمهم مسعر بن فدكي و زيد بن حصين و عصابة من القراء الذين صاروا خوارج من بعد فنادوه باسمه لا بإمرة المؤمنين قالوا يا علي أجب القوم إلى كتاب الله إذا دعيت إليه و إلا قتلناك كما قتلنا ابن عفان فو الله لنفعلنها إن لم تجبهم فقال لهم علي ع ويحكم أنا أول من دعا إلى كتاب الله و أول من أجاب إليه و ليس يحل لي و لا يسعني في ديني أن أدعى إلى كتاب الله فلا أقبله إني إنما أقاتلهم ليدينوا بحكم القرآن فإنهم قد عصوا الله فيما أمرهم و نقضوا عهده و نبذوا كتابه و لكني قد أعلمتكم أنهم قد كادوكم و أنهم ليس العمل بالقرآن يريدون قالوا فابعث إلى الأشتر ليأتيك و قد كان الأشتر صبيحة ليلة الهرير قد أشرف على عسكر معاوية ليدخله

 450-  قال نصر فحدثني فضيل بن خديج قال سأل مصعب بن الزبير إبراهيم بن الأشتر عن الحال كيف كانت فقال كنت عند علي ع حين بعث إلى الأشتر ليأتيه و قد كان الأشتر أشرف على عسكر معاوية ليدخله فأرسل إليه علي ع يزيد بن هانئ أن ائتني فأتاه فأبلغه فقال له الأشتر آتيه فقل له ليس هذه الساعة التي ينبغي لك أن تزيلني عن موقفي إني قد رجوت الفتح فلا تعجلني فرجع يزيد إليه ع فأخبره فما هو إلا أن انتهى إلينا حتى ارتفع الرهج و علت الأصوات من قبل الأشتر و ظهرت دلائل الفتح و النصر لأهل العراق و دلائل الخذلان و الإدبار على أهل الشام فقال القوم لعلي ما نراك أمرته إلا بالقتال قال أ رأيتموني ساررت رسولي إليه أ ليس إلا كلمته على رءوسكم علانية و أنتم تسمعون قالوا فابعث إليه فليأتك و إلا و الله اعتزلناك فقال ويحك يا يزيد قل له أقبل إلي فإن الفتنة قد وقعت فأتاه فأخبره فقال الأشتر أ برفع هذه المصاحف قال نعم قال أما و الله لقد ظننت أنها حين رفعت ستوقع اختلافا و فرقة إنها مشورة ابن النابغة ثم قال ليزيد بن هانئ ويحك أ لا ترى إلى الفتح أ لا ترى إلى ما يلقون أ لا ترى إلى الذي يصنع الله لنا أ ينبغي أن ندع هذا و ننصرف عنه فقال له يزيد أ تحب أنك ظفرت هاهنا و أن أمير المؤمنين ع بمكانه الذي هو فيه يفرج عنه و يسلم إلى عدوه فقال سبحان الله لا و الله لا أحب ذلك قال فإنهم قد قالوا له و حلفوا عليه لترسلن إلى الأشتر فليأتينك أو لنقتلنك بأسيافنا كما قتلنا عثمان أو لنسلمنك إلى عدوك فأقبل الأشتر حتى انتهى إليهم فصاح يا أهل الذل و الوهن أ حين علوتم القوم و ظنوا أنكم لهم قاهرون رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها و قد و الله تركوا ما أمر الله فيها و تركوا سنة من أنزلت عليه فلا تجيبوهم أمهلوني فواقا فإني قد أحسست بالفتح قالوا لا نمهلك قال فأمهلوني عدوة الفرس فإني قد طمعت في النصر قالوا إذا ندخل معك في خطيئتك قال فحدثوني عنكم و قد قتل أماثلكم و بقي أراذلكم متى كنتم محقين أ حين كنتم تقتلون أهل الشام فأنتم الآن حين أمسكتم عن قتالهم مبطلون أم أنتم الآن في إمساككم عن القتال محقون فقتلاكم إذن الذين لا تنكرون فضلهم و أنهم خير منكم في النار قالوا دعنا منك يا أشتر قاتلناهم في الله و ندع قتالهم في الله إنا لسنا نطيعك فاجتنبنا فقال خدعتم و الله فانخدعتم و دعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم يا أصحاب الجباه السود كنا نظن صلاتكم زهادة في الدنيا و شوقا إلى لقاء الله فلا أرى فراركم إلا إلى الدنيا من الموت ألا فقبحا يا أشباه النيب الجلالة ما أنتم براءين بعدها عزا أبدا فابعدوا كما بعد القوم الظالمون فسبوه و سبهم و ضربوا بسياطهم وجه دابته و ضرب بسوطه وجوه دوابهم و صاح بهم علي ع فكفوا

  و قال الأشتر يا أمير المؤمنين أحمل الصف على الصف تصرع القوم فتصايحوا أن أمير المؤمنين قد قبل الحكومة و رضي بحكم القرآن فقال الأشتر إن كان أمير المؤمنين قد قبل و رضي فقد رضيت بما يرضى به أمير المؤمنين فأقبل الناس يقولون قد رضي أمير المؤمنين ع قد قبل أمير المؤمنين ع و هو ساكت لا يفيض بكلمة مطرق إلى الأرض ثم قام فسكت الناس كلهم فقال أيها الناس إن أمري لم يزل معكم على ما أحب إلى أن أخذت منكم الحرب و قد و الله أخذت منكم و تركت و أخذت من عدوكم فلم تترك و إنها فيهم أنكى و أنهك ألا و إني كنت أمس أمير المؤمنين فأصبحت اليوم مأمورا و كنت ناهيا فأصبحت منهيا و قد أحببتم البقاء و ليس لي أن أحملكم على ما تكرهون ثم قعد ثم تكلم رؤساء القبائل فكل قال ما يراه و يهواه إما من الحرب أو من السلم 451-  قال ابن أبي الحديد و ذكر ابن ديزيل في كتاب صفين قال خرج عبد الرحمن بن خالد بن الوليد و معه لواء معاوية فارتجز فخرج إليه جارية بن قدامة ثم أطعنا فلم يصنعا شيئا و انصرف كل واحد منهما عن صاحبه فقال عمرو بن العاص لعبد الرحمن أقحم يا ابن سيف الله فتقدم عبد الرحمن بلوائه و تقدم أصحابه فأقبل علي ع على الأشتر فقال له قد بلغ لواء معاوية حيث ترى فدونك القوم فأخذ الأشتر لواء علي ع و ارتجز و ضارب القوم حتى ردهم فانتدب له همام بن قبيصة و كان مع معاوية فشد عليه في مذحج فانتصر عدي بن حاتم للأشتر فحمل عليه في طي فاشتد القتال جدا فدعا علي ع ببغلة رسول الله ص فركبها ثم تعصب بعمامة رسول الله ص و نادى أيها الناس من يشري نفسه لله إن هذا يوم له ما بعده فانتدب معه ما بين عشرة آلاف إلى اثني عشر ألفا فتقدم علي ع و قال

دبوا دبيب النمل لا تفوتوا و أصبحوا في أمركم و بيتواحتى تنالوا الثأر أو تموتوا

 و حمل الناس كلهم حملة واحدة فلم يبق لأهل الشام صف إلا أزالوه حتى أفضوا إلى معاوية فدعا معاوية بفرسه ليفر عليه فكان معاوية بعد ذلك يحدث و يقول لما وضعت رجلي في الركاب ذكرت قول عمرو بن الأطنابة

أبت لي عفتي و أبى بلائي و أخذي الحمد بالثمن الربيح‏و إقدامي على المكروه نفسي و ضربي هامة البطل المشيح‏و قولي كلما جشأت و جاشت مكانك تحمدي أو تستريحي

 فأخرجت رجلي من الركاب و أقمت و نظرت إلى عمرو فقلت له اليوم صبر و غدا فخر فقال صدقت فكان ذلك يوم الهرير و رفعت المصاحف بعده و روى إبراهيم بن ديزيل عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن ربيعة بن لقيط قال شهدنا صفين فمطرت السماء علينا دما عبيطا قال و في حديث الليث بن سعد إن كانوا ليأخذونه بالصحاف و الآنية و في حديث ابن لهيعة حتى إن الصحاف و الآنية لتمتلئ و نهريقها و ذلك في يوم الهرير و فزع أهل الشام و هموا أن يتفرقوا فقام عمرو بن العاص فيهم فقال أيها الناس إنما هذه آية من آيات الله فأصلح امرؤ ما بينه و بين الله ثم لا عليه أن ينتطح هذا الجبلان فأخذوا في القتال

  و عن ابن عباس قال حدثني معاوية أنه كان يومئذ قد قرب إليه فرس له أنثى بعيدة البطن من الأرض ليهرب عليها حتى أتاه آت من أهل العراق فقال له إني قد تركت أصحاب علي ع في مثل ليلة الصدر من منى فأقمت

 قال نصر و إبراهيم أيضا و كتب معاوية إلى علي ع أما بعد إن هذا الأمر قد طال بيننا و بينك و كل منا يرى أنه على الحق فيما يطلب من صاحبه و لن يعطي واحد منا الطاعة للآخر و قد قتل فيما بيننا بشر كثير و أنا أتخوف أن يكون ما بقي أشد مما مضى و إنا سوف نسأل عن هذه المواطن و لا يحاسب به غيري و غيرك و قد دعوتك إلى أمر لنا و لك فيه حياة و عذر و براءة و صلاح للأمة و حقن الدماء و ذهاب للضغائن و الفتن و أن تحكم بيني و بينك حكمين مرضيين أحدهما من أصحابي و الآخر من أصحابك فيحكمان بيننا بما أنزل الله فهو خير لي و لك و أقطع لهذه الفتن فاتق الله فيما دعيت إليه و ارض بحكم القرآن إن كنت من أهله و السلام

 فكتب إليه علي ع من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فإن أفضل ما شغل به المرء المسلم نفسه اتباع ما حسن به فعله و استوجب فضله و سلم من عيبه و إن البغي و الزور يزريان بالمرء في دينه و دنياه و يبديان من خلله عند من يغنيه ما استرعاه الله ما لا يغني عنه تدبيره فاحذر الدنيا فإنه لا فرح في شي‏ء وصلت إليه منها و لقد علمت أنك غير مدرك ما قضى فواته و قد رام قوم أمرا بغير الحق و تأولوه على الله جل و عز فأكذبهم و متعهم قليلا ثم اضطرهم إلى عذاب غليظ فاحذر يوما يغتبط فيه من أحمد عاقبة عمله و يندم فيه من أمكن الشيطان من قياده و لم يحاده و غرته الدنيا و اطمأن إليها ثم إنك قد دعوتني إلى حكم القرآن و قد علمت أنك لست من أهل القرآن و لا حكمه تريد و المستعان الله فقد أجبنا القرآن إلى حكمه و لسنا إياك أجبنا نعم فبيننا و بينك حكم القرآن و من لم يرض بحكم القرآن فقد ضل ضلالا بعيدا

 فكتب معاوية إلى أمير المؤمنين أما بعد عافانا الله و إياك فقد آن لك أن تجيب إلى ما فيه صلاحنا و ألفة ما بيننا و قد فعلت الذي فعلت و أنا أعرف حقي و لكني اشتريت بالعفو صلاح الأمة و لم أكثر فرحا بشي‏ء جاء و لا ذهب و إنما أدخلني في هذا الأمر القيام بالحق فيما بين الباغي و المبغي عليه و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و دعوت إلى كتاب الله فيما بيننا و بينك فإنه لا يجمعنا و إياكم إلا هو نحيي ما أحيا القرآن و نميت ما أمات القرآن و السلام

 قال نصر فكتب ع إلى عمرو بن العاص يعظه و يرشده أما بعد فإن الدنيا مشغلة عن غيرها و لن يصب صاحبها منها شيئا إلا فتحت له حرصا يزيده فيها رغبة و لن يستغني صاحبها بما نال عما لم يبلغ و من وراء ذلك فراق ما جمع و السعيد من وعظ بغيره فلا تحبط أبا عبد الله أجرك و لا تجار معاوية في باطله و السلام

 فكتب إليه عمرو بن العاص الجواب أما بعد فالذي فيه صلاحنا و ألفتنا الإنابة إلى الحق و قد جعلنا القرآن بيننا حكما و أجبنا إليه فصبر الرجل منا نفسه على ما حكم عليه القرآن و عذره الناس بعد المحاجزة و السلام

  فكتب إليه علي ع أما بعد فإن الذي أعجبك من الدنيا مما نازعتك إليه نفسك و وثقت به منها لمنقلب عنك و مفارق لك فلا تطمئن إلى الدنيا فإنها غرارة و لو اعتبرت بما مضى لحفظت ما بقي و انتفعت منها بما وعظت به و السلام

 فأجابه عمرو أما بعد فقد أنصف من جعل القرآن إماما و دعا الناس إلى أحكامه فاصبر أبا حسن فإنا غير منيليك إلا ما أنالك القرآن و السلام

 قال نصر و جاء الأشعث إلى علي ع فقال يا أمير المؤمنين ما أرى الناس إلا و قد رضوا و سرهم أن يجيبوا القوم إلى ما دعوهم إليه من حكم القرآن فإن شئت أتيت معاوية فسألته ما يريد و نظرت ما الذي يسأل قال ائته إن شئت فأتاه فسأله يا معاوية لأي شي‏ء رفعتم هذه المصاحف قال لنرجع نحن و أنتم إلى ما أمر الله به فيها فابعثوا رجلا منكم ترضون به و نبعث منا رجلا و نأخذ عليهما أن يعملا بما في كتاب الله و لا يعدانه ثم نتبع ما اتفقا عليه فقال الأشعث هذا هو الحق و انصرف إلى علي ع فأخبره فبعث علي ع قراء من أهل العراق و بعث معاوية قراء من أهل الشام فاجتمعوا بين الصفين و معهم المصحف فنظروا فيه و تدارسوه و اجتمعوا على أن يحيوا ما أحيا القرآن و يميتوا ما أمات القرآن و رجع كل فريق إلى صاحبه فقال أهل الشام إنا قد رضينا و اخترنا عمرو بن العاص و قال الأشعث و القراء الذين صاروا خوارج فيما بعد و قد رضينا نحن و اخترنا أبا موسى الأشعري فقال لهم علي ع فإني لا أرضى بأبي موسى و لا أرى أن أوليه فقال الأشعث و زيد بن حصين و مسعر بن فدكي في عصابة إنا لا نرضى إلا به فإنه قد كان حذرنا ما وقعنا فيه فقال ع فإنه ليس لي برضا و قد فارقني و خذل الناس عني و هرب مني حتى آمنته بعد أشهر و لكن هذا ابن عباس أوليه ذلك قالوا و الله ما نبالي أ كنت أنت أو ابن عباس و لا نريد إلا رجلا هو منك و من معاوية سواء ليس إلى واحد منكما أدنى من الآخر فقال علي ع فإني أجعل الأشتر فقال الأشعث و هل سعر الأرض علينا إلا الأشتر و هل نحن إلا في حكم الأشتر قال علي ع و ما حكمه قال حكمه أن يضرب بعضنا بعضا بالسيف حتى يكون ما أردت و ما أراد

452-  قال نصر و حدثنا عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر محمد بن علي ع قال لما أراد الناس عليا أن يضع الحكمين قال لهم إن معاوية لم يكن ليضع لهذا الأمر أحدا هو أوثق برأيه و نظره من عمرو بن العاص و إنه لا يصلح للقرشي إلا القرشي فعليكم بعبد الله بن العباس فارموه به فإن عمروا لا يعقد عقدة إلا حلها عبد الله و لا يحل عقدة إلا عقدها و لا يبرم أمرا إلا نقضه و لا ينقض أمرا إلا أبرمه فقال الأشعث لا و الله لا يحكم فينا مضريان حتى تقوم الساعة و لكن نجعل رجلا من أهل اليمن إذ جعلوا رجلا من أهل مضر فقال ع إني أخاف أن يخدع يمنيكم فإن عمروا ليس من الله في شي‏ء إذا كان له في أمر هوى فقال الأشعث و الله لأن يحكما ببعض ما نكره و أحدهما من أهل اليمن أحب إلينا من أن يكون بعض ما نحب في حكمهما و هما مضريان

 قال و ذكر الشعبي أيضا مثل ذلك

 قال نصر و في حديث عمرو فقال علي ع قد أبيتم إلا أبا موسى قالوا نعم قال فاصنعوا ما شئتم فبعثوا إلى أبي موسى و هو بأرض من أرض الشام يقال لها عرض قد اعتزل القتال فأتاه مولى له فقال إن الناس قد اصطلحوا قال الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ قال و قد جعلوك حكما فقال إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ فجاء أبو موسى حتى دخل عسكر علي ع و جاء الأشتر عليا فقال يا أمير المؤمنين الزنى بعمرو بن العاص فو الله الذي لا إله غيره لئن ملئت عيني منه لأقتلنه و جاء الأحنف بن قيس عليا ع فقال يا أمير المؤمنين إنك قد رميت بحجر الأرض و من حارب الله و رسوله أنف الإسلام و إني قد عجمت هذا الرجل يعني أبا موسى و حلبت أشطره فوجدته كليل الشفرة قريب القعر كليل المدية و إنه لا يصلح لهؤلاء القوم إلا رجل يدنو منهم حتى يكون في أكفهم و يتباعد منهم حتى يكون بمنزلة النجم منهم فإن شئت أن تجعلني حكما فاجعلني و إن شئت أن تجعلني ثانيا أو ثالثا فإن عمروا لا يعقد عقدة إلا عقدت لك أشد منها فعرض علي ع ذلك على الناس فأبوه و قالوا لا يكون إلا أبو موسى فبعث أيمن بن خريم الأسدي و كان معتزلا لمعاوية بأبيات تدل على أن صلاحهم في اختيار ابن عباس و ترك أبي موسى فطارت أهواء قوم من أولياء علي ع و شيعته إلى ابن عباس و أبت القراء إلا أبا موسى قال نصر فلما رضي أهل الشام بعمرو و أهل العراق بأبي موسى أخذوا في سطر كتاب الموادعة و كانت صورته هذا ما تقاضى عليه على أمير المؤمنين و معاوية بن أبي سفيان فقال معاوية بئس الرجل أنا إن أقررت أنه أمير المؤمنين ثم قاتلته و قال عمرو لا بل نكتب اسمه و اسم أبيه إنما هو أميركم فأما أميرنا فلا فلما أعيد إليه الكتاب أمر بمحوه فقال الأحنف لا تمح اسم إمرة المؤمنين عنك فإني أتخوف أن محوتها أن لا ترجع إليك أبدا فلا تمحها فقال علي ع إن هذا اليوم كيوم الحديبية حين كتبت الكتاب عن رسول الله ص هذا ما تصالح عليه محمد رسول الله ص و سهيل بن عمرو فقال سهيل لو أعلم إنك لرسول الله لم أقاتلك و لم أخالفك إني لظالم لك إن منعتك أن تطوف بيت الله و أنت رسوله و لكن اكتب من محمد بن عبد الله فقال لي رسول الله ص يا علي إني لرسول الله و أنا محمد بن عبد الله و لن يمحوا عني الرسالة كتابي لهم من محمد بن عبد الله فاكتبها فامح ما أراد محوه أما إن لك مثلها ستعطيها و أنت مضطهد

453-  قال نصر و روي أن عمروا عاد بالكتاب إليه ع و طلب أن يمحو اسمه من إمرة المؤمنين فقص علي عليه و على من حضر قصة صلح الحديبية و قال إن ذلك الكتاب أنا كتبته بيننا و بين المشركين و اليوم أكتبه إلى أبنائهم كما كان رسول الله ص كتبه إلى آبائهم شبها و مثلا فقال عمرو سبحان الله أ تشبهنا بالكفار و نحن مسلمون فقال علي ع يا ابن النابغة و متى لم تكن للكافرين وليا و للمسلمين عدوا فقام عمرو و قال و الله لا يجمع بيني و بينك مجلس بعد اليوم فقال علي ع أما و الله إني لأرجو أن يظهر الله عليك و على أصحابك و جاءت عصابة قد وضعت سيوفها على عواتقها فقالوا يا أمير المؤمنين مرنا بما شئت فقال لهم سهل بن حنيف أيها الناس اتهموا رأيكم فلقد شهدنا صلح رسول الله ص يوم الحديبية و لو نرى قتالا لقاتلنا

  -454  و روى أبو إسحاق الشيباني أنه قيل لعلي ع حين أراد أن يكتب الكتاب بينه و بين معاوية و أهل الشام أ تقر أنهم مؤمنون مسلمون فقال علي ع ما أقر لمعاوية و لا لأصحابه أنهم مؤمنون و لا مسلمون و لكن يكتب معاوية ما شاء و يقر بما شاء لنفسه و لأصحابه و يسمي نفسه بما شاء و أصحابه فكتبوا هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب و معاوية بن أبي سفيان قاضى علي بن أبي طالب على أهل العراق و من كان معه من شيعته من المؤمنين و المسلمين و قاضى معاوية بن أبي سفيان على أهل الشام و من كان معه من شيعته من المؤمنين و المسلمين أنا ننزل عند حكم الله و كتابه و لا يجمع بيننا إلا إياه و أن كتاب الله سبحانه بيننا من فاتحته إلى خاتمته نحيي ما أحيا القرآن و نميت ما أمات القرآن فإن وجد الحكمان أن ذلك في كتاب الله اتبعناه و إن لم يجداه أخذا بالسنة العادلة غير المفرقة و الحكمان عبد الله بن قيس و عمرو بن العاص و قد أخذ الحكمان من علي و معاوية و من الجندين أنهما آمنان على أنفسهما و أموالهما و أهلهما و الأمة لهما أنصار و على الذي يقضيان عليه و على المؤمنين و المسلمين من الطائفتين عهد الله أن يعملوا بما يقضيان عليه مما وافق الكتاب و السنة و أن الأمن و الموادعة و وضع السلاح متفق عليه بين الطائفتين إلى أن يقع الحكم و على كل واحد من الحكمين عهد الله ليحكمن بين الأمة بالحق لا بالهوى و أجل الموادعة سنة كاملة فإن أحب الحكمان أن يعجلا الحكم عجلاه و إن توفي أحدهما فلأمير شيعته أن يختار معه رجلا لا يألوا الحق و العدل و إن توفي أحد الأميرين كان نصب غيره إلى أصحابه ممن يرتضون أمره و يحمدون طريقه اللهم إنا نستنصرك على من ترك ما في هذه الصحيفة و أراد فيها إلحادا أو ظلما

455-  قال نصر هذه رواية محمد بن علي بن الحسين ع و الشعبي و روى جابر عن زيد بن الحسن بن الحسن زيادات على هذه النسخة أقول و ذكر تلك الرواية و ساقها إلى أن قال و شهد فيه من أصحاب علي ع عشرة و من أصحاب معاوية عشرة و تاريخ كتابته لليلة بقيت من صفر سنة سبع و ثلاثين قال و لما كتبت الصحيفة دعي لها الأشتر ليشهد مع الشهود عليه فقال لا صحبتني يميني و لا نفعتني بعدها الشمال إن كتب لي في هذه الصحيفة اسم على صلح أو موادعة أو لست على بينة من أمري و يقين من ضلال عدوي أو لستم قد رأيتم الظفر إن لم تجمعوا على الخور و جرى بينه و بين الأشعث كلام ثم قال و لكني قد رضيت بما يرضى به أمير المؤمنين و دخلت فيما دخل فيه و خرجت مما خرج منه فإنه لا يدخل إلا في الهدى و الصواب قال فلما تم الكتاب خرج الأشعث و معه ناس بنسخة الكتاب يقرأها على الناس و يعرضها عليهم فمر به على صفوف من أهل الشام و هم على راياتهم فأسمعهم إياه فرضوا به ثم مر على صفوف من أهل العراق و هم على راياتهم فأسمعهم إياه فرضوا به حتى مر برايات عنزة و كان معه ع منهم أربعة آلاف فقال فتيان منهم لا حكم إلا لله ثم حملا على أهل الشام بسيوفهما حتى قتلا ثم مر به على مراد فقال صالح بن شقيق و كان من رءوسهم لا حكم إلا لله و لو كره المشركون ثم مر على رايات بني راسب فقرأ عليهم فقالوا لا حكم إلا لله لا نرضى و لا نحكم الرجال في دين الله ثم مر على رايات تميم فقارأه عليهم فقال رجل منهم لا حكم إلا لله يقضي بالحق و هو خير الفاصلين يشد عليه رجل بسيفه فرجع إلى علي ع فأخبره بما جرى فقال ع هل هي غير راية أو رأيتين أو نبذ من الناس قال لا قال فدعهم فظن ع أنهم قليلون فما راعه إلا نداء الناس من كل ناحية لا حكم إلا لله الحكم لله يا علي لا لك لا نرضى بأن نحكم الرجال في دين الله إن الله قد أمضى حكمه في معاوية و أصحابه أن يقتلوا أو يدخلوا تحت حكمنا عليهم و قد كنا زللنا حين رضينا بالحكمين و قد بان لنا زللنا و خطؤنا فرجعنا إلى الله و تبنا فارجع أنت يا علي كما رجعنا و تب إلى الله كما تبنا و إلا برأنا منك فقال ع ويحكم أ بعد الرضا و الميثاق و العهد نرجع أ ليس الله تعالى قد قال أَوْفُوا بِالْعُقُودِ المائدة و قال أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَ لا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا النحل فأبى أن يرجع و أبت الخوارج إلا تذليل التحكيم و الطعن فيه فبرءوا من علي و برئ منهم علي

456-  و عن عمر بن سعد بإسناده قال أتى سليمان بن صرد عليا أمير المؤمنين ع بعد كتاب الصحيفة و وجهه مضروب بالسيف فلما نظر إليه علي ع قال فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا و أنت ممن ينتظر و ممن لم يبدل فقال يا أمير المؤمنين أما لو وجدت أعوانا ما كتبت هذه الصحيفة أبدا أما و الله لقد مشيت في الناس ليعودوا إلى أمرهم الأول فما وجدت أحدا عنده خيرا إلا قليلا و قام محرز بن حويش فقال يا أمير المؤمنين ع أ ما إلى الرجوع عن هذا الكتاب سبيل فو الله إني لأخاف أن يورث ذلا فقال ع أ بعد أن كتبناه ننقضه إن هذا لا يحل

  -457  قال نصر و حدثني عمرو بن نمير عن أبي الوداك قال لما كتبت صحيفة الصلح و التحكيم قال علي ع إنما فعلت ما فعلت لما بدا فيكم من الخور و الفشل عن الحرب فجاءت إليه همدان كأنها ركن حصير فيهم سعيد بن قيس و ابنه عبد الرحمن فقال سعيد ها أنا ذا و قومي لا نرد أمرك فقل ما شئت نعمله فقال أما لو كان هذا قبل سطر الصحيفة لأزلتهم عن عسكرهم أو تنفرد سالفتي و لكن انصرفوا راشدين فلعمري ما كنت لأعرض قبيلة واحدة للناس

458-  قال نصر و روى الشعبي أن عليا ع قال يوم صفين حين أقر الناس بالصلح إن هؤلاء القوم لم يكونوا لينيبوا إلى الحق و لا ليجيبوا إلى كلمة سواء حتى يرموا بالمناسر تتبعها العساكر و حتى يرجموا بالكتائب تقفوها الجلائب و حتى تجر ببلادهم الخميس يتلوه الخميس و حتى تدعق الخيول في نواحي أرضهم و بأعنان مساربهم و مسارحهم و حتى تشن عليهم الغارات من كل فج و حتى تتلقاهم قوم صدق صبر لا يزيدهم هلاك من هلك من قتلاهم و موتاهم في سبيل الله إلا جدا في طاعة الله و حرصا على لقاء الله و لقد كنا مع رسول الله ص نقتل آباءنا و أبناءنا و أخوالنا و أعمامنا لا يزيدنا ذلك إلا إيمانا و تسليما و مضيا على أمض الألم و جدا على جهاد العدو و الاستقلال بمبارزة الأقران و لقد كان الرجل منا و الآخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين و يتخالسان أنفسهما أيهما يسقي صاحبه كأس المنون فمرة لنا من عدونا و مرة لعدونا منا فلما رآنا الله صدقا صبرا أنزل بعدونا الكبت و أنزل علينا النصر و لعمري لو كنا نأتي مثل هذا الذي أتيتم ما قام الدين و لا عز الإسلام و ايم الله لتحلبنها دما فاحفظوا ما أقول لكم يعني الخوارج

459-  و روى نصر عن عمرو بن شمر عن فضيل بن خديج قال قيل لعلي ع لما كتب الصحيفة إن الأشتر لم يرض بما في الصحيفة و لا يرى إلا قتال القوم فقال علي ع بلى إن الأشتر ليرضى إذا رضيت و رضيتم و لا يصلح الرجوع بعد الرضا و لا التبديل بعد الإقرار إلا أن يعصى الله و يتعدى ما في كتابه و أما الذي ذكرتم من تركه أمري و ما أنا عليه فليس من أولئك و لا أعرفه على ذلك و ليت فيكم مثله اثنان بل ليت فيكم مثله واحد يرى في عدوي مثل رأيه إذا لخفت مئونتكم علي و رجوت أن يستقيم لي بعض أودكم و أما القضية فقد استوثقنا لكم فيها و قد طمعت أن لا تضلوا إن شاء الله رب العالمين و كان الكتاب في صفر و الأجل في شهر رمضان لثمانية أشهر يلتقي الحكمان ثم إن الناس أقبلوا على قتلاهم يدفنونهم

  إيضاح الوطيس شبه التنور أو الضراب في الحرب أو حجارة مدورة حيث لم يقدر أحد يطؤها عبر به عن اشتباك الحرب و قيامها على ساق و قد مر مرارا و القتام الغبار و المران كعثمان رماح القنا و الغمغمة أصوات الأبطال عند القتال و الكلام الذي لا يبين و النقع و القسطل الغبار و المجنبة بفتح النون المقدمة و المجنبتان بالكسر الميمنة و الميسرة. و قال الجوهري صل المسمار و غيره يصل صليلا أي صوت و قال الكدم العض بأدنى الفم كما يكدم الحمار و أصحرته الشمس المت دماغه. و في القاموس لزه لزا و لززا شده و ألصقه كألزه و اللز الطعن و لزوم الشي‏ء بالشي‏ء و إلزامه به. و قال في النهاية فيه و عجمتك الأمور أي جربتك من العجم العض يقال عجمت العود إذا عضضته لتنظر أ صلب هو أم رخو. و قال و في حديث الأحنف إني قد عجمت الرجل و حلبت أشطره الأشطر جمع شطر و هو خلف الناقة و قيل للناقة أربعة أخلاف كل خلفين منها شطر و جعل الأشطر موضع الشطرين كما تجعل الحواجب موضع الحاجبين يقال حلب فلان الدهر أشطره أي اختبر ضروبه من خيره و شره تشبها بحلب جميع أخلاف الناقة ما كان منها حفلا و غير حفل و دارا و غير دار و المدية السكين. و قال و في حديث الحديبية لأقاتلنهم على أمري حتى تنفرد سالفتي هي صفحة العنق و مجمعها و هما سالفتان من جانبيه و كنى بانفرادها عن الموت لأنها لا تنفرد عن ما يليها إلا بالموت و قيل أراد حتى يفرق بين رأسي و جسدي

  -460  شا، ]الإرشاد[ و من كلامه ع أن هؤلاء القوم لم يكونوا لينيبوا إلى الحق إلى آخر ما مر برواية ابن أبي الحديد و زاد في آخره و ايم الله لتحتلبنها دما عبيطا فاحفظوا ما أقول

 بيان السواء العدل و الوسط و المعنى إلى كلمة حق نساوي نحن و هم فيه كما قال تعالى إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ و المنسر قطعة من الجيش يكون أمام الجيش الأعظم و الكتيبة طائفة من الجيش و أجلبوا إذا جاءوا من كل أوب للنصرة و الأعناق النواحي و أحناء الوادي جمع حنو بالكسر و هو منعطفه و المسارب المراعي و المسرح أيضا المرعى و الفرق بينهما أن السروح إنما يكون في أول النهار و ليس ذلك بشرط في السروب

461-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلام له ع و لقد كنا مع رسول الله ص نقتل آباءنا و أبناءنا و إخواننا و أعمالنا ما يزيدنا ذلك إلا إيمانا و تسليما و مضيا على اللقم و صبرا على مضض الألم و جدا في جهاد العدو و لقد كان الرجل منا و الآخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين يتخالسان أنفسهما أيهما يسقي صاحبه كأس المنون فمرة لنا من عدونا و مرة لعدونا منا فلما رأى الله صدقنا أنزل بعدونا الكبت و أنزل علينا النصر حتى استقر الإسلام ملقيا جرانه و متبوأ أوطانه و لعمري لو كنا نأتي ما أتيتم ما قام للدين عمود و لا أخضر للإيمان عود و ايم الله لتحتلبنها دما و لتتبعنها ندما

  توضيح اللقم منهج الطريق و المضض حرقة الألم يتصاولان أي يحمل كل من القرنين على صاحبه و التخالس التسالب أنفسهما أي كل منهما يختلس نفس صاحبه أو نفسه من يد صاحبه و الأول أظهر و المنون الموت و الكبت الإذلال و الصرف و الجران مقدم عنق البعير من منحره إلى مذبحه و إلقاؤه كناية عن استقراره في قلوب عباد الله كالبعير الذي أخذ مكانه و استقر فيه و تبوأ وطنه سكن فيه و لعله شبه الإسلام بالرجل الخائف المتزلزل الذي استقر في وطنه بعد خوفه لتحتلبنها الضمير المؤنث مبهم يرجع في المعنى إلى أفعالهم و كذا في قوله لتتبعنها شبهها بالناقة التي أصيب ضرعها بآفة من تفريط صاحبها فيها و المقصود عدم انتفاعهم بتلك الأفعال عاجلا و آجلا

462-  كتاب الصفين، قال نصر حدثني عمر بن سعد عن عبد الرحمن بن جندب قال لما أقبل علي ع من صفين أقبلنا معه فقال علي ع آئبون عائدون لربنا حامدون اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر و كآبة المنقلب و سوء المنظر في المال و الأهل قال ثم أخذ بنا طريق البر على شاطئ الفرات حتى انتهينا إلى هيت و أخذنا على صندودا فخرج الأنماريون بنو سعد بن حزيم و استقبلوا عليا فعرضوا عليه النزل فلم يقبل فبات بها ثم غدا و أقبلنا معه حتى جزنا النخيلة و رأينا بيوت الكوفة فإذا نحن بشيخ جالس في ظل بيت على وجهه أثر المرض فأقبل إليه علي ع و نحن معه حتى سلم و سلمنا عليه قال فرد ردا حسنا ظننا أن قد عرفه فقال له على ما لي أرى وجهك منكفئا أ من مرض قال نعم قال فلعلك كرهته فقال ما أحب أنه بغيري قال أ ليس احتسابا للخير فيما أصابك منه قال بلى أبشر برحمة ربك و غفران ذنبك فمن أنت يا عبد الله قال أنا صالح بن سليم قال أنت ممن قال أما الأصل فمن سلامان بن طي‏ء و أما الجوار و الدعوة فمن بني سليم بن منصور قال سبحان الله ما أحسن اسمك و اسم أبيك و اسم أدعيائك و اسم من اعتزيت إليه هل شهدت معنا غزاتنا هذه قال لا و الله ما شهدتها و لقد أردتها و لكن ما ترى في من لجب الحمى خذلني عنها قال علي ع لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَ لا عَلَى الْمَرْضى وَ لا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَ رَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ أخبرني ما يقول الناس فيما كان بيننا و بين أهل الشام قال منهم المسرور فيما كان بينك و بينهم و أولئك أغشاء الناس و منهم المكبوت الأسف لما كان من ذلك و أولئك نصحاء الناس لك فذهب لينصرف فقال صدقت جعل الله ما كان من شكواك حطا لسيئاتك فإن المرض لا أجر فيه و لكن لا يدع للعبد ذنبا إلا حطه إنما الأجر في القول باللسان و العمل باليد و الرجل و إن الله عز و جل يدخل بصدق النية و السريرة الصالحة عالما جما من عباده الجنة ثم مضى غير بعيد فلقيه عبد الله بن وديعة الأنصاري فدنا منه و سأله فقال له ما سمعت الناس يقولون في أمرنا هذا قال منهم المعجب به و منهم المكاره له و الناس كما قال الله تعالى وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ فقال له فما يقول ذوو الرأي قال يقولون إن عليا كان له جمع عظيم ففرقه و حصن حصين فهمه فحتى متى يبني مثل ما هدم و حتى متى يجمع مثل ما قد فرق فلو أنه كان مضى بمن أطاعه إذ عصاه من عصاه فقاتل حتى يظهره الله أو يهلك إذا كان ذلك هو الحزم فقال ع أنا هدمت أم هم هدموا أم أنا فرقت أم هم تفرقوا و أما قولهم لو أنه كان مضى بمن أطاعه إذ عصاه من عصاه فقاتل حتى يظفر أو يهلك إذا كان ذلك هو الحزم فو الله ما غبي عني ذلك الرأي و إن كنت لسخيا بنفسي عن الدنيا طيب النفس بالموت ع و لقد هممت بالإقدام فنظرت إلى هذين قد استقدماني فعلمت أن هذين إن هلكا انقطع نسب محمد ص من هذه الأمة فكرهت ذلك و أشفقت على هذين أن يهلكا و لقد علمت أن لو لا مكاني لم يستقدما يعني بذلك ابنيه الحسن و الحسين و ايم الله لئن لقيتهم بعد يومي لألقينهم و ليس هما معي في عسكر و لا دار

 قال ثم مضى حتى جزنا دور بني عوف فإذا نحن عن أيماننا بقبور سبعة أو ثمانية فقال أمير المؤمنين ع ما هذه القبور فقال له قدامة بن العجلان الأزدي يا أمير المؤمنين إن خباب بن الأرت توفي بعد مخرجك فأوصى أن يدفن في الظهر و كان الناس يدفنون في دورهم و أفنيتهم فدفن الناس إلى جنبه فقال رحم الله خبابا فقد أسلم راغبا و هاجر طائعا و عاش مجاهدا و ابتلي في جسده أحوالا و لن يضيع الله أجر من أحسن عملا فجاء حتى وقف عليهم ثم قال عليكم السلام يا أهل الديار الموحشة و المحال المقفرة من المؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات أنتم لنا سلف و فرط و نحن لكم تبع و بكم عما قليل لاحقون اللهم اغفر لنا و لهم و تجاوز عنا و عنهم ثم قال الحمد لله الذي جعل الأرض كفاتا أحياء و أمواتا الحمد لله الذي جعل منها خلقنا و فيها يعيدنا و عليها يحشرنا طوبى لمن ذكر المعاد و عمل للحساب و قنع بالكفاف و رضي عن الله بذلك ثم أقبل حتى دخل سكة الثوريين فقال خشوا بين هذه الأبيات

 و عن عمر بن سعد عن عبد الله بن العاصم الفائشي قال لما مر علي ع بالثوريين يعني ثور همدان سمع البكاء فقال ما هذه الأصوات قيل هذا البكاء على من قتل بصفين قال أما إني شهيد لمن قتل منهم صابرا محتسبا بالشهادة ثم مر بالفائشيين فسمع الأصوات فقال ذلك ثم مر بالشاميين فسمع رنة شديدة و صوتا مرتفعا عاليا فخرج إليه حرب بن شرحبيل الشامي فقال علي ع أ تغلبكم نساؤكم أ لا تنهونهن عن هذا الصياح و الرنين قال يا أمير المؤمنين لو كانت دارا أو دارين أو ثلاثة قدرنا على ذلك و لكن من هذا الحي ثمانون و مائة قتيل فليس من دار إلا و فيها بكاء أما نحن معاشر الرجال فإنا لا نبكي و لكن نفرح لهم بالشهادة فقال علي ع رحم الله قتلاكم و موتاكم و أقبل يمشي معه و علي راكب فقال له علي ع ارجع فإن مشي مثلك مع مثلي فتنة للوالي و مذلة للمؤمن ثم مضى حتى مر بالناعطيين فسمع رجلا منهم يقال له عبد الرحمن بن مرثد فقال ما صنع علي و الله شيئا ذهب ثم انصرف في غير شي‏ء فلما نظر إلى أمير المؤمنين ع أبلس فقال ع لأصحابه قوم فارقتهم آنفا خير من هؤلاء ثم قال

أخوك الذي إن أجهضتك ملمة من الدهر لم يبرح لبثك واجماو ليس أخوك بالذي إن تشعبت عليك أمور ظل يلحاك لائما

ثم مضى فلم يزل يذكر الله حتى دخل الكوفة

 بيان قال في النهاية فيه أنه انكفأ لونه عام الرمادة أي تغير عن حاله و منه حديث الأنصاري ما لي أرى لونك منكفئا قال من الجوع انتهى و الإجهاض الغلبة و لم يبرح أي لم يزل. و الواجم الذي اشتد حزنه حتى أمسك عن الكلام و التشعب التفرق

  -463  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلام له ع فتداكوا علي تداك الإبل الهيم يوم ورودها قد أرسلها راعيها و خلعت مثانيها حتى ظننت أنهم قاتلي أو بعضهم قاتل بعض لدي و قد قلبت هذا الأمر بطنه و ظهره حتى منعني النوم فما وجدتني يسعني إلا قتالهم أو الجحود بما جاء به محمد ص فكانت معالجة القتال أهون علي من معالجة العقاب و موتات الدنيا أهون علي من موتات الآخرة

 بيان قال ابن ميثم هذا إشارة إلى صفة أصحابه بصفين لما طال منعه لهم من قتال أهل الشام كما هو الظاهر من آخر الكلام لكن كثير من الشواهد تدل على أنه لبيان حالة البيعة بعد هلاك عثمان كما سيأتي بعضها لا سيما ما كان في نسخة ابن أبي الحديد فإنه ذكر العنوان هكذا و من كلام له ع في ذكر البيعة. قوله ع تداكوا أي دك بعضهم بعضا و الدك هو الدق و قيل أصله الكسر و الهيم العطاش و الورد بالكسر النصيب من الماء و الإشراف عليه و في بعض النسخ ورودها و هو حضورها لشرب الماء و أرسلها أي أهملها و أطلقها و المثاني جمع مثناة بفتح الميم و كسرها و هي حبل من صوف أو شعر أو غيره تثني و يعقل بها البعير و قاتلي على صيغة الجمع مضافة إلى ياء المتكلم و جملة يسعني مفعول ثان و الضمير في قتالهم يعود إلى معاوية و أصحابه على الأول و إلى الناكثين على الثاني. و المعالجة المزاولة و موتات الدنيا شدائدها و أهوالها و متاعبها بقرينة موتات الآخرة. و يحتمل أن يراد بالأولى أنواع الموت و بالثانية الشدائد التي هي أشد من الموت

  -464  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلام له ع و قد استبطأ أصحابه إذنه لهم في القتال بصفين أما قولكم كل ذلك كراهية الموت فو الله ما أبالي دخلت إلى الموت أو خرج الموت إلي و أما قولكم شكا في أهل الشام فو الله ما دفعت الحرب يوما إلا و أنا أطمع أن تلحق بي طائفة فتهتدي بي و تعشوا إلى ضوئي و ذلك أحب إلي من أن أقتلها على ضلالها و إن كانت تبوء بآثامها

 توضيح استبطأه أي عده بطيئا و زعم أن المصلحة في التعجيل.

 روى ابن ميثم أنه ع لما ملك الماء بصفين و سمح بأهل الشام في المشاركة كما سبق مكث أياما لا يرسل إلى معاوية أحدا و لا يأتيه من عنده أحد قال له أهل العراق يا أمير المؤمنين خلفنا نساءنا و ذرارينا بالكوفة و جئنا إلى أطراف الشام لنتخذها وطنا فأذن لنا في القتال فإن الناس يظنون أنك تكره الحرب كراهية الموت و منهم من يظن أنك في شك من قتال أهل الشام فأجابهم ع بذلك.

و كل مرفوع و كراهيته منصوب في أكثر النسخ و روي كل ذلك بالنصب و هو مفعول فعل مقدر أي تفعل كل ذلك و كراهية منصوب بأنه مفعول لأجله و من رواه بالرفع أجاز في كراهية الرفع و النصب أما الرفع فبالخبرية و أما النصب فلكونه مفعولا له للخبر المحذوف. و عشى النار و إليها عشوا و عشوا رآها ليلا من بعيد ببصر ضعيف فقصدها و يقال لكل قاصد عاش و فيه تعريض بضعف بصائر أهل الشام و تبوء بآثامها أي ترجع إلى ربها متلبسة بمعاصيها

465-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلام له ع في بعض أيام صفين معاشر المسلمين استشعروا الخشية و تجلببوا السكينة و عضوا على النواجذ فإنه أنبى للسيوف عن الهام و أكملوا اللأمة و قلقلوا السيوف في أغمادها قبل سلها و الحظوا الخزر و اطعنوا الشزر و نافحوا بالظبى و صلوا السيوف بالخطى و اعلموا أنكم بعين الله مع ابن عم رسول الله فعاودوا الكر و استحيوا من الفر فإنه عار في الأعقاب و نار يوم الحساب و طيبوا عن أنفسكم نفسا و امشوا إلى الموت مشيا سجحا و عليكم بهذا السواد الأعظم و الرواق المطنب فاضربوا ثبجه فإن الشيطان كامن في كسره قد قدم للوثبة يدا و أخر للنكوص رجلا فصمدا صمدا حتى ينجلي لكم عمود الحق وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَ اللَّهُ مَعَكُمْ وَ لَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ

 إيضاح قال بعض الشارحين هذا الكلام خطب به أمير المؤمنين عليه. و في رواية نصر بن مزاحم أنه خطب به أول أيام الحرب بصفين و ذلك في صفر من سنة سبع و ثلاثين. و المعشر الجماعة و استشعار الخشية أن يجعلوا الخوف من الله عز و جل ملازما لهم كالشعار و هو من اللباس ما يلي شعر الجسد و يحتمل على بعد أن يراد به إخفاء الخوف عن العدو إذا لم يمكن سلبه عن النفس و الجلباب بالكسر القميص أو ثوب واسع للمرأة دون الملحفة أو الملحفة أو الخمار أو ثوب كالمقنعة تغطي به المرأة رأسها و ظهرها و صدرها و تجلبب أي اتخذه جلبابا و السكينة الوقار و التأني في الحركة و السير و النواجذ أقاصي الأضراس و هي أربعة بعد الأرحاء و قيل هي الضواحك التي تبدوا عند الضحك و قيل الأنياب و قيل التي تليها و قيل الأضراس كلها. و نبا السيف عن الضريبة إذا لم يعمل فيها و الهام جمع هامة و هي رأس كل شي‏ء. و الأمر إما محمول على الحقيقة لأن هذا العض يصلب الأعصاب و العضلات فيكون تأثير السيف في الرأس أقل أو كناية عن شدة الاهتمام بأمر الحرب أو الصبر و تسكين القلب و ترك الاضطراب فإنه أشد إبعادا لسيف العدو عن الرأس و أقرب إلى النصر. و الضمير في قوله فإنه يعود إلى المصدر الذي دل عليه عضوا كقولك من أحسن كان خيرا له و اللأمة بفتح اللام و الهمزة الساكنة الدرع و قيل جميع آلات الحرب و السلاح و إكمال اللأمة على الأول أن يزاد البيضة و السواعد و نحوهما أو اتخاذها كاملة شاملة للجسد و القلقلة التحريك و الغمد بالكسر جفن السيف و سل السيف إخراجه من الغمد و قبل سلها أي قبل وقت الحاجة إلى سلها و اللحظ النظر بمؤخر العين. و الخزر بسكون الزاي النظر بلحظ العين و الشزر بالفتح الطعن عن اليمين و الشمال و قيل أكثر ما يستعمل في الطعن عن اليمين خاصة. و قال ابن الأثير في النهاية في حديث علي ع الحظوا الشزر و اطعنوا اليسر و الشزر النظر بمؤخر العين و هو نظر الغضبان و اليسر بالفتح الطعن حذاء الوجه و الخزر و الشزر صفتان لمصدرين محذوفين أي الحظوا لحظا خزرا و اطعنوا طعنا شزرا و اللام للعهد. و فائدة الأمر الأول واضحة فإن النظر بمؤخر بالعين يهيج الحمية و الغضب و يدفع طمع العدو و يغفله عن التعرض و بملاء العين يورث الجبن و علامة له عند العدو و يصير سببا لتحرزه و أخذ أهبته و التوجه إلى القرن. و أما الأمر الثاني فقيل إنه يوسع المجال على الطاعن و أكثر المناقشة للخصم في الحرب تكون عن يمينه و عن شماله و يمكن أن تكون الفائدة أن احتراز العدو عن الطعن حذاء الوجه أسهل و الغفلة عنه أقل هذا على ما في الأصل و ما في النهاية يخالفه. و المنافحة المضاربة و المدافعة و الظبى جمع ظبة بالضم فيهما و هي طرف السيف و حده و يطلق على حد السيف و السنان قيل المعنى قاتلوا بالسيوف و أصله أن يقرب أحد المتقاتلين إلى الآخر بحيث يصل نفح كل منهما أي ريحه و نفسه إلى صاحبه و قيل أي ضاربوا بأطراف السيوف و فائدته أن مخالطة العدو و القرب الكثير منه يشغل عن التمكن من حربه و أيضا لا يؤثر الضرب كما ينبغي مع القرب المفرط قوله ع و صلوا السيوف بالخطى وصل الشي‏ء بالشي‏ء جعله متصلا به و الخطى جمع خطوة بالضم فيهما و المعنى إذا قصرت السيوف عن الضريبة فتقدموا تلحقوا و لا تصبروا حتى يلحقكم العدو و هذا التقدم يورث إلقاء الرعب في قلب العدو. و روي أنه قيل له ع في بعض الغزوات ما أقصر سيفك فقال أطوله بخطوة. و في رواية ابن الأثير صلوا السيوف بالخطى و الرماح بالنبل أي إذا لم تلحقهم بالرماح فارموهم بالسهام. و المراد بكونهم بعين الله أنه سبحانه يراهم و يعلم أعمالهم و الباء مثلها في قولك أنت بمرأى مني و مسمع أي بحيث أراك و أسمع كلامك فيكون تمهيدا للنهي عن الفرار و أنه سبحانه يحفظهم و ينصرهم لكونهم على الحق كما يناسب كونهم مع ابن عم الرسول ص. و الكر الرجوع و الحملة و معاودته عند التحرف للقتال أو التحيز إلى فئة أو عند الفرار جبنا لو كان أو المراد لا تقصروا على حمله لليأس عن حصول الغرض بل عاودوا و احملوا كرة بعد أخرى.

  و الأعقاب جمع عقب بالضم و بضمتين أي العاقبة و المعنى أن الفرار عار في عاقبة أمركم و ما يتحدث به الناس في مستقبل الزمان على ما قيل أو جمع عقب ككتف أو عقب بالفتح أي الولد و ولد الولد و المعنى أن الفرار مما يعير به أولادكم. و طاب نفسي بالشي‏ء و طيب به نفسا إذا لم يكرهك عليه أحد و التعدية بعن لتضمين معنى التجافي و التجاوز و نفسا منصوب على التميز و إفراده مع عدم اللبس أولى و لعل المعنى وطنوا أنفسكم على بذلها في سبيل الله و ارضوا به للحياة الباقية و اللذات الدائمة. و السجح بضمتين السهل و سواد الناس عامتهم و المراد معظم القوم المجتمعين على معاوية. و الرواق ككتاب الفسطاط و القبة و قيل هو ما بين يدي البيت. و المطنب المشدود بالأطناب و المراد مضرب معاوية و كان في قبة عالية و حوله صناديد أهل الشام. و ثبج الشي‏ء بالتحريك وسطه و معظمه و كمن كنصر و سمع أي استخفى و كسر الخباء بالكسر الشقة السفلى يرفع أحيانا و يرخى أخرى و الوثبة الطفرة و نكص كنصر و ضرب أي رجع و الشيطان هو إبليس لا معاوية كما قيل لأنه كان بارزا في الصدر لا كامنا في الكسر إلا أن يكون ذلك لبيان جبنه و تقديم اليد للوثبة و تأخير الرجل للنكوص لا ينافي إرادة إبليس فإنه كان من رفقاء معاوية و أصحابه يثب بوثوبهم و يرجع برجوعهم. و يمكن أن يراد بوثبته طمعه في غلبة أصحاب معاوية و تحريضهم على القتال و بالنكوص ما يقابله. و يحتمل أن يراد بالشيطان عمرو بن العاص و الأول أظهر و حمله على القوة الوهمية كما قيل من الأوهام الفاسدة. و الصمد بالفتح القصد و ناصبه محذوف و التأكيد للتحريص على قصد العدو و الصبر على الجهاد أو التقرب إلى الله تعالى و إخلاص النية في الأعمال التي من جملتها الجهاد. و انجلى الشي‏ء و تجلى أي انكشف و ظهر و عمود الحق لعله للتشبيه بالفجر الأول و فيه إشعار بعدم الظهور لأكثر القوم كما ينبغي و أنتم الأعلون الواو للحال أي الغالبون على الأعداء بالظفر أو بأنكم على الحق و الله معكم أي بالنصر و الحياطة أو لأنكم أنصاره و لن يتركم أي لا ينقصكم الله جزاء أعمالكم بل يوفيكم أجوركم و قيل أي لا يضيع أعمالكم من وترت الرجل إذا قتلت له حميما و لعل حاصل المعنى اقصدوا ربكم بأعمالكم التي منها جهاد أعدائكم و أخلصوا نياتكم حتى ينجلي لكم أنكم على الحق كما قال تعالى وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَ إِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ و الجملة الحالية تفيد أنهم على الحق و من أنصار الله و حزبه. أو اقصدوا أعداءكم بتصميم العزم حتى يظهر آية النصر و ينجز الله لكم ما وعد من الظفر و وعده الحق. و يمكن أن يراد بالحق الطريقة المستقيمة و أن يكون الظفر سببا لظهوره للقوم

466-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلام له ع و قد سمع قوما من أصحابه يسبون أهل الشام أيام حربهم بصفين إني أكره لكم أن تكونوا سبابين و لكنكم لو وصفتم أعمالهم و ذكرتم حالهم كان أصوب في القول و أبلغ في العذر فقلتم مكان سبكم إياهم اللهم احقن دماءنا و دماءهم و أصلح ذات بيننا و بينهم و اهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق من جهله و يرعوي عن الغي و العدوان من لهج به

 بيان قوله ع و أبلغ في العذر أي العذر في القتال معهم أو في إتمام الحجة عليهم و إبداء عذر الله تعالى في عقابهم. و في النهاية حقنت له دمه إذا منعت من قتله و إراقته أي جمعته له و حبسته عليه و يرعوي أي يرجع و يكف و اللهج بالشي‏ء الولع به و قد لهج بالكسر أغرى به

467-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلام له ع في بعض أيام صفين و قد رأى الحسن يتسرع إلى الحرب أملكوا عني هذا الغلام لا يهدني فإني أنفس بهذين يعني الحسن و الحسين ع على الموت لئلا ينقطع بهما نسل رسول الله ص

 قال السيد الرضي و قوله ع أملكوا عني هذا الغلام من أعلى الكلام و أفصحه. بيان في أكثر النسخ أملكوا بفتح الهمزة و قال ابن أبي الحديد الألف في املكوا ألف وصل لأن الماضي ثلاثي من ملكت الفرس و الدار املك بالكسر أي احجروا عليه كما يحجر المالك على مملوكه و عن متعلقة بمحذوف و تقديره استولوا عليه و أبعدوه عني و لما كان الملك سبب الحجر عبر بالسبب عن المسبب. و وجه علو هذا الكلام و فصاحته أنه لما كان في أملكوا معنى البعد أعقبه بعن و ذلك أنهم لا يملكونه دونه إلا و قد أبعدوه عنه قوله لا يهدني أي لئلا يهدني و هد البناء كسره و نفست به بالكسر أي بخلت به

468-  كا، ]الكافي[ في حديث مالك بن أعين قال حرض أمير المؤمنين ع الناس بصفين فقال إن الله عز و جل قد دلكم عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ و تشفي بكم على الخير و الإيمان بالله و الجهاد في سبيل الله و جعل ثوابه مغفرة للذنب وَ مَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ و قال جل و عز إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ الصف فسووا صفوفكم كالبنيان المرصوص فقدموا الدارع و أخروا الحاسر و عضوا على النواجذ فإنه أنبى للسيوف عن الهام و التووا على أطراف الرماح فإنه أمور للأسنة و غضوا الأبصار فإنه أربط للجأش و أسكن للقلوب و أميتوا الأصوات فإنه أطرد للفشل و أولى بالوقار و لا تميلوا براياتكم و لا تزيلوها و لا تجعلوها إلا مع شجعانكم فإن المانع للذمار و الصابر عند نزول الحقائق هم أهل الحفاظ و لا تمثلوا بقتيل و إذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا و لا تدخلوا دارا و لا تأخذوا شيئا من أموالهم إلا ما وجدتم في عسكرهم و لا تهيجوا امرأة بأذى و إن شتمن أعراضكم و سببن أمراءكم و صلحاءكم فإنهن ضعاف القوى و الأنفس و العقول و قد كنا نؤمر بالكف عنهن و هن مشركات و إن كان الرجل ليتناول المرأة فيعير بها و عقبه من بعده و اعلموا أن أهل الحفاظ هم الذين يحفون براياتكم و يكتنفونها و يصبرون حفافيها و وراءها و أمامها و لا يضيعونها لا يتأخرون عنها فيسلموها و لا يتقدمون عليها فيفردوها رحم الله امرأ واسى أخاه بنفسه و لم يكل قرنه إلى أخيه فيجتمع عليه قرنه و قرن أخيه فيكتسب بذلك اللائمة و يأتي بدناءة و كيف لا يكون كذلك و هو يقاتل الاثنين و هذا ممسك يده قد خلى قرنه على أخيه هاربا ينظر إليه و هذا فمن يفعله يمقته الله فلا تعرضوا لمقت الله عز و جل فإنما ممركم إلى الله و قد قال الله عز و جل لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَ إِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا و ايم الله لئن فررتم من سيوف العاجلة لا تسلمون من سيوف الآجلة فاستعينوا بالصبر و الصدق فإنما ينزل النصر بعد الصبر ف جاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ و لا قوة إلا بالله

  -469  و في كلام آخر له قال ع و إذا لقيتم هؤلاء القوم غدا فلا تقاتلوهم حتى يقاتلوكم فإذا بدءوا بكم فانهدوا إليهم و عليكم السكينة و الوقار و عضوا على الأضراس فإنه أنبى للسيوف عن الهام و غضوا الأبصار و مدوا جباه الخيول و وجوه الرجال و أقلوا الكلام فإنه أطرد للفشل و أذهب بالوهل و وطنوا أنفسكم على المبارزة و المنازلة و المجالة و اثبتوا و اذكروا الله عز و جل كثيرا فإن المانع للذمار عند نزول الحقائق هم أهل الحفاظ الذين يحفون براياتهم و يضربون حافتيها و أمامها و إذا حملتم فافعلوا فعل رجل واحد و عليكم بالتحامي فإن الحرب سجال لا يشتدن عليكم كرة بعد فرة و لا حملة بعد جولة و من ألقى إليكم السلام فاقبلوا منه و استعينوا بالصبر فإن بعد الصبر النصر من الله عز و جل إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ

 بيان قال الجوهري رصصت الشي‏ء رصا ألصقت بعضه ببعض و منه بنيان مرصوص و الدارع لابس الدرع و الحاسر الذي لا مغفر عليه و لا درع. قوله ع و التووا على أطراف الرماح في القاموس تلوى انعطف كالتوى و المور التحرك و الاضطراب أي إذا وصلت إليكم أطراف الرماح فانعطفوا ليزلق و يتحرك فلا ينفذ. و حمله ابن ميثم على الالتواء عند إرسال الرمح و رميه إلى العدو بأن يميل صدره و يده فإن ذلك أنفذ و فيه بعد. و قال الجوهري الجأش جأش القلب و هو رواعه إذا اضطرب عند الفزع يقال فلان رابط الجأش أي ربط نفسه عن الفرار لشجاعته. و مثله في القاموس و زاد و نفس الإنسان و قد لا يهمز و جمعه جؤش. و إنما أمرهم ع بغض الأبصار لئلا يروا ما يهولهم لئلا يرى العدو منهم جبنا و كذا قلة الكلام و ترك رفع الأصوات علامة الشجاعة فإن الجبان يصيح و يرعد و يبرق. و قال الجوهري قولهم فلان حامي الذمار أي إذا زمر و غضب و حمي و يقال الذمار ما وراء الرجل مما يحق عليه أن يحميه لأنهم قالوا حامي الذمار كما قالوا حامي الحقيقة و سمي ذمارا لأنه يحق على أهله الدفع عنها. فالأظهر أن الحقائق هنا جمع الحقيقة بمعنى ما يحق للرجل أن يحميه و المراد بنزول الحقائق نزولها به أو نزوله بها و ما يعرض للإنسان في الحرب هي حالة تحق أن يحمي عنها. و يحتمل أن يكون جمع الحقيقة بمعنى الراية كما ذكره الجوهري و الفيروزآبادي. و قال ابن ميثم أي الشدائد الحقة المتيقنة و أما ما ذكره ابن أبي الحديد و تبعه غيره من أن الحقائق جمع حاقة و هي الأمر الصعب الشديد ففي كونه جمعا لها نظر و الحفاظ بالكسر الذب عن المحارم و قوله ع حفافيها متعلق بقوله يكتنفونها أو بقوله يصبرون أيضا على التنازع و الحفافان اليمين و اليسار. و في بعض النسخ وراءها بدون العطف فهما الأمام و الوراء. قوله ع من سيوف الآجلة سمي عقاب الله على فرارهم و تخاذلهم سيفا على الاستعارة أو مجاز المشاكلة و في القاموس نهد الرجل نهض و لعدوه صمد لهم. قوله ع و مدوا جباه الخيول و وجوه الرجال لعل المراد بهما تسوية الصفوف و إقامتها راكبين و راجلين أو كناية عن تحريكها و توجيهها إلى جانب العدو و الوهن الضعف و الفزع و في النهاية فيه و الحرب بيننا سجال أي مرة لنا و مرة علينا و أصله أن المتسقين بالسجل يكون لكل واحد منهم سجل و السجل الدلو الملأى ماء. و السلام الاستسلام و قد مر شرح بعض أجزاء الخبرين و سيأتي بعضها

470-  شا، ]الإرشاد[ من كلامه ع في تحضيضه على القتال يوم صفين بعد حمد الله و الثناء عليه عباد الله اتقوا الله و غضوا الأبصار و اخفضوا الأصوات و أقلوا الكلام و وطنوا أنفسكم على المنازلة و المجادلة و المبارزة و المبالطة و المبالدة و المعانقة و المكادمة و اثبتوا وَ اذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَ اصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ اللهم ألهمهم الصبر و أنزل عليهم النصر و أعظم لهم الأجر

 إيضاح قال الفيروزآبادي في القاموس بالط القوم تجالدوا بالسيف كتبالطوا. و بني فلان نازلوهم بالأرض و قال المبالدة المبالطة بالسيوف و العصي. كدمه يكدمه و يكدمه كضرب و نصر عضه بأدنى فمه أو أثر فيه بحديدة و كمعظم المعضض و اكدم الأسير بالضم استوثق منه و قال الريح الغلبة و القوة و الرحمة و النصرة و الدولة

471-  شا، ]الإرشاد[ و من كلامه ع أيضا في هذا المعنى معشر الناس إن الله قد دلكم على تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ و تشفي بكم على الخير العظيم الإيمان بالله و برسوله ص و الجهاد في سبيله و جعل ثوابه مغفرة الذنوب و مَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ثم أخبركم أنه يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ فقدموا الدارع و أخروا الحاسر و عضوا على الأضراس فإنه أنبى للسيوف عن الهام و التووا في أطراف الرماح فإنه أمور للأسنة و غضوا الأبصار فإنه أربط للجأش و أسكن للقلوب و أميتوا الأصوات فإنه أطرد للفشل و أولى بالوقار و رايتكم فلا تميلوها و لا تخلوها و لا تجعلوها إلا في أيدي شجعانكم فإن المانعين للذمار الصابرين على نزول الحقائق هم أهل الحفاظ الذين يحفون براياتهم و يكتنفونها رحم الله امرأ منكم آسا أخاه بنفسه و لم يكل قرنه إلى أخيه فيجمع عليه قرنه و قرن أخيه فتكتسب بذلك لائمة و يأتي به دناءة فلا تعرضوا لمقت الله و لا تفروا من الموت فإن الله تعالى يقول قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَ إِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا و ايم الله لئن فررتم من سيف العاجلة لا تسلمون من سيف الآجلة فاستعينوا بالصبر و الصلاة و الصدق في النية فإن الله تعالى بعد الصبر ينزل النصر

 بيان في رواية ابن أبي الحديد فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَ رِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ثم أخبركم بالذي يحب فقال إن الله يحب و فيه إلا بأيدي شجعانكم المانعي الذمار و الصبر عند نزول الحقائق أهل الحفاظ الذين يحفون برايتكم و يكتنفونها يضربون خلفها و أمامها و هلا أجزأ كل امرئ منكم قرنه واسى أخاه إلى قوله و يأتي دناءة أنى هذا و كيف يكون هذا و هذا يقاتل اثنين و هذا ممسك يده قد خلى قرنه على أخيه هاربا منه أو قائما ينظر إليه من يفعل هذا يمقته الله فلا تعرضوا لمقت الله فإنما مردكم إلى الله قال الله تعالى لقوم عابهم لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَ إِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا إلى قوله استعينوا بالصدق و الصبر فإنه بعد الصبر ينزل النصر. و سيأتي شرحه في رواية السيد رضي الله عنه

  -472  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ تفسير الحسن و السدي و وكيع و الثعلبي و مسند أحمد أنه قال الزبير في قوله وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً لقد لبثنا أزمانا و لا نرى أنا من أهلها فإذا نحن المعنيون

 قال السدي في قوله فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ نزلت في حربين في يوم صفين و يوم الجمل فسمى الله أصحاب الجمل و صفين ظالمين ثم قال وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ بالنصر و الحق مع أمير المؤمنين و أصحابه

 بعض المفسرين في قوله قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ أي فيما بعد إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ أنهم أهل صفين و ذلك أن النبي ص قال للأعراب الذين تخلفوا عنه بالحديبية و عزموا على خيبر قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ

 أبو سعيد الخدري و عبد الله بن عمر قالا في قوله تعالى ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ كنا نقول ربنا واحد و نبينا واحد و ديننا واحد فما هذه الخصومة فلما كان حرب صفين و شد بعضنا على بعض بالسيوف قلنا نعم هو هذا

 قال الباقر ع قال أمير المؤمنين ع و هو يقاتل معاوية فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ الآيات هم هؤلاء و رب الكعبة

 ابن مسعود قال قال النبي ص أئمة الكفر معاوية و عمرو و لما فرغ أمير المؤمنين ع من حرب الجمل نزل في الرحبة السادس من رجب و خطب فقال الحمد لله الذي نصر وليه و خذل عدوه و أعز الصادق المحق و أذل الناكث المبطل ثم إنه دعا الأشعث بن قيس من ثغر آذربيجان و الأحنف بن قيس من البصرة و جرير بن عبد الله البجلي من همدان فأتوه إلى الكوفة فوجه جريرا إلى معاوية يدعوه إلى طاعته فلما بلغها توقف معاوية في ذلك حتى قدم بطلب منه شرحبيل الكندي ثم خطب فقال أيها الناس قد علمتم أني خليفة عمر و خليفة عثمان و قد قتل عثمان مظلوما و أنا وليه و ابن عمه و أولى الناس بطلب دمه فما ذا رأيكم فقالوا نحن طالبون بدمه فدعا عمرو بن العاص على أن يطعمه مصر فكان عمرو يأمر بالحمل و الحط مرارا فقال له غلامه وردان تفكر أن الآخرة مع علي ع و الدنيا مع معاوية فقال عمرو

لا قاتل الله وردانا و فطنته أبدى لعمري ما في الصدر وردان

فلما ارتحل قال ابن عمرو له

ألا يا عمرو ما أحرزت نصرا و لا أنت الغداة إلى رشادأ بعت الدين بالدنيا خسارا و أنت بذاك من شر العباد

فانصرف جرير فكتب معاوية إلى أهل المدينة أن عثمان قتل مظلوما و علي آوى قتلته فإن دفعهم إلينا كففنا عنه و جعلنا هذا الأمر شورى بين المسلمين كما جعله عمر عند وفاته فانهضوا رحمكم الله معنا إلى حربه فأجابوه بكتاب فيه 

معاوي إن الحق أبلج واضح و ليس كما ربصت أنت و لا عمرونصبت لنا اليوم ابن عفان خدعة كما نصب الشيخان إذ زخرف الأمررميتم عليا بالذي لم يضره و ليس له في ذاك نهي و لا أمرو ما ذنبه إن نال عثمان معشر أتوه من الأحياء تجمعهم مصرو كان علي لازما قعر بيته و همته التسبيح و الحمد و الذكرفما أنتما لا در در أبيكما و ذكركم الشورى و قد وضح الأمرفما أنتما و النصر منا و أنتما طليقا أسارى ما تبوح بها الخمر

و جاء أبو مسلم الخولاني بكتاب من عنده إلى أمير المؤمنين ع يذكر فيه و كان أنصحهم لله خليفته ثم خليفة خليفته ثم الخليفة الثالث المقتول ظلما فكلهم حسدت و على كلهم بغيت إلى آخر ما سيأتي فلما وصل الخولاني و قرأ على الناس كتاب معاوية قالوا كلنا له قاتلون و لأفعاله منكرون فكان جواب أمير المؤمنين و بعد فإني رأيت قد أكثرت في قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه المسلمون من بيعتي ثم حاكم القوم إلي أحملكم على كتاب الله و سنة نبيه محمد ص و أما الذي تريدها فإنها خدعة الصبي عن اللبن و لعمري لئن نظرت بعقلك لعلمت أني من أبرإ الناس من دم عثمان و قد علمت أنك من أبناء الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة و أجمع ع على المسير و حض الناس على ذلك

 قال ابن مردويه قال ابن حازم التميمي و أبو وائل قال أمير المؤمنين ع انفروا إلى بقية الأحزاب أولياء الشيطان انفروا إلى من يقول كذب الله و رسوله و جاء رجل من عبس إلى أمير المؤمنين ع بكتاب من معاوية فسأل ما الخبر فقال إن في الشام يلعنون قاتلي عثمان و يبكون على قميصه فقال أمير المؤمنين ما قميص عثمان بقميص يوسف و لا بكاؤهم إلا كبكاء أولاد يعقوب فلما فتح الكتاب وجده بياضا فحولق فقال قيس بن سعد

و لست بناج من علي و صحبه و إن تك في جابلق لم تك ناجيا

و كتب معاوية إلى أمير المؤمنين ع ليت القيامة قد قامت فترى المحق من المبطل فقال أمير المؤمنين ع في جوابه يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها فقال لعبد الله بن أبي رافع اكتب إن بيعتي شملت الخاص و العام و إنما الشورى للمؤمنين من المهاجرين الأولين السابقين بالإحسان من البدريين و إنما أنت طليق ابن طليق لعين ابن لعين وثن ابن وثن ليست لك هجرة و لا سابقة و لا منقبة و لا فضيلة و كان أبوك من الأحزاب الذين حاربوا الله و رسوله فنصر الله عبده و صدق وعده و هزم الأحزاب ثم وقع في آخر الكلام

أ لم تر قومي إذ دعاهم أخوهم أجابوا و إن يغضب على القوم يغضب

و كتب معاوية اتق الله يا علي و ذر الحسد فطالما لم ينتفع به أهله إلى آخر كتابه اللعين فأجابه ع بعد كلام طويل عظتي لا تنفع من حقت عليه كلمة العذاب و لم يخف العقاب و لا يرجو لله وقارا و لم يخف له حذارا فشأنك و ما أنت عليه من الضلالة و الحيرة و الجهالة تجد الله عز و جل في ذلك بالمرصاد ثم قال في آخره فأنا أبو الحسن قاتل جدك عتبة و عمك شيبة و أخيك حنظلة الذين سفك الله دماءهم على يدي في يوم بدر و بذلك السيف معي و بذلك القلب ألقى عدوي فنهاه عمرو عن مكاتبته و لم يكتب إلا بيتا

ليس بيني و بين قيس عتاب غير طعن الكلى و ضرب الرقاب

قال أمير المؤمنين ع قاتلت الناكثين و هؤلاء القاسطين و سأقاتل المارقين ثم ركب فرس النبي ص و قصده في تسعين ألفا

 قال سعيد بن جبير منها تسعة مائة رجل من الأنصار و ثمانمائة من المهاجرين و قال عبد الرحمن بن أبي ليلى سبعون رجلا من أهل بدر و يقال مائة و ثلاثون رجلا و خرج معاوية في مائة و عشرين ألفا يتقدمهم مروان و قد تقلد بسيف عثمان فنزل صفين في المحرم على شريعة الفرات و قال

أتاكم الكاشر عن أنيابه ليث العرين جاء في أصحابه

و منعوا عليا ع و أصحابه الماء فأنفذ علي ع شبث بن ربعي الرياحي و صعصعة بن صوحان فقالا في ذلك لطفا و عنفا فقال أنتم قتلتم عثمان عطشا فقال علي ع رووا السيوف من الدماء ترووا من الماء إلى آخر ما مر فرجز الأشتر و الأشعث و حملا في سبعة عشر ألفا رجل حملة رجل واحد فتفرق بعضهم و انهزم الباقون فأمر علي ع أن لا يمنعوهم الماء و كان نزوله ع بصفين لليالي بقين من ذي الحجة سنة ست و ثلاثين و أنفذ سعيد بن قيس الهمداني و بشر بن عمرو الأنصاري إلى معاوية ليدعوه إلى الحق فانصرفا بعد ما احتجا عليه ثم أنفذ شبث بن ربعي الرياحي و عدي بن حاتم الطائي و يزيد بن قيس الأرحبي و زياد بن حفص بمثل ذلك فكان معاوية يقول سلموا إلي قتلة عثمان لأقتلنهم به ثم نعتزل الأمر حتى يكون شورى فتقاتلوا في ذي الحجة و أمسكوا في المحرم فلما استهل صفر سنة سبع و ثلاثين أمر علي ع فنودي في أهل الشام بالإعذار و الإنذار ثم عبا عسكره فجعل على ميمنته الحسن و الحسين و عبد الله بن جعفر و مسلم بن عقيل و على ميسرته محمد بن الحنفية و محمد بن أبي بكر و هاشم بن عتبة المرقال و على القلب عبد الله بن العباس و عباس بن ربيعة بن الحارث و الأشتر و الأشعث و على الجناح سعيد بن قيس الهمداني و عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي و رفاعة بن شداد البجلي و عدي بن حاتم و على الكمين عمار بن ياسر و عمرو بن الحمق و عامر بن واثلة الكناني و قبيصة بن جابر الأسدي و جعل معاوية على ميمنته ذا الكلاع الحميري و حوشب ذا الظليم و على الميسرة عمرو بن العاص و حبيب بن مسلمة و على القلب الضحاك بن قيس الفهري و عبد الرحمن بن خالد بن الوليد و على الساقة بسر بن أرطاة الفهري و على الجناح عبد الله بن مسعدة الفزاري و همام بن قبيصة النمري و على الكمين أبا الأعور السلمي و حابس بن سعد الطائي فبعث علي ع إلى معاوية أن اخرج إلي أبارزك فلم يفعل و قد جرى بين العسكرين أربعون وقعة يغلبها أهل العراق أولها يوم الأربعاء بين الأشتر و حبيب بن مسلمة و الثاني بين المرقال و أبي الأعور السلمي و الثالث بين عمار و عمرو بن العاص و الرابع بين ابن الحنفية و عبيد الله بن عمر و الخامس بين عبد الله بن العباس و الوليد بن عقبة و السادس بين سعيد بن قيس و ذي الكلاع إلى تمام الأربعين وقعة آخرها ليلة الهرير و خرج عوف بن عون الحارثي قائلا

إني أنا عوف أخو الحروب صاحبها و لست بالهيوب

فبارزه علقمة بن عمرو قائلا

يا عوف لو كنت امرأ حازما لم تبرز الدهر إلى علقمةلقيت ليثا أسدا باسلا يأخذ بالأنفاس و الغلصمة

و خرج أحمر مولى عثمان قائلا

إن الكتيبة عند كل تصادم تبكي فوارسها على عثمان

فأجابه كيسان مولى علي ع

عثمان ويحك قد مضى لسبيله فاثبت لحد مهند و سنان

 فقتله الأحمر فقال ع قتلني الله إن لم أقتلك و أخذ بجربان درعه و رفعه و ضربه على الأرض و جعل يجول في الميدان و يقول

لهف نفسي و قليل ما أسر ما أصاب الناس من خير و شرلم أرد في الدهر يوما حربهم و هم الساعون في الشر الشمر

فحث معاوية غلامه حريثا أن يغتال عليا في قتله فطير أمير المؤمنين ع قحفه في الهواء و جعل يجول و يقول

ألا احذروا في حربكم أبا الحسن فلا تروموه فذا من الغبن‏فإنه يدقه دق الطحن فلا يخاف في الهياج من و من

و خرج عمرو بن العاص مرتجزا يقول

لا عيش إن لم ألق يومي هاشما ذاك الذي جشمني المجاشماذاك الذي يشتم عرضي ظالما ذاك الذي لم ينج مني سالما

فبرز هاشم مرتجزا

ذاك الذي نذرت فيه النذرا ذاك الذي أعذرت فيه العذراذاك الذي ما زال ينوي الغدرا أو يحدث الله لأمر أمرا

فضربه هاشم و خرج عبد الرحمن بن خالد بن وليد يقول

قل لعلي هكذا الوعيد أنا ابن سيف الله لا مزيدو خالد تربية الوليد قد افتر الحرب فزيدوا زيدوا

فبرز الأشتر مرتجزا يقول

بالضرب أوفى ميتة مؤخرة يا رب جنبني سبيل الفجرةو لا تخيبني ثواب البررة و اجعل وفاتي بأكف الكفرة

فضربه الأشتر فانصرف قائلا أفنانا دم عثمان فقال معاوية هذه قاشرة الصباة في اللعب فاصبر فإن الله مع الصابرين و خرج معاوية يشير إلى همدان و هو يقول 

لا عيش إلا فلق قحف الهام من أرحب و يشكر شبام‏قوم هم أعداء أهل الشام كم من كريم بطل همام‏و كم قتيل و جريح دامي كذاك حرب السادة الكرام

فبرز سعيد بن قيس يرتجز و يقول

لا هم رب الحل و الحرام لا تجعل الملك لأهل الشام

فحمل و هو مشرع رمحه فولى معاوية هاربا و دخل في غمار القوم و جعل قيس يقول

يا لهف نفسي فاتني معاوية على طمر كالعقاب هاويةو الراقصات لا يعود ثانية إلا هوى معفرا في الهاوية

و برز أبو الطفيل الكناني قائلا

تحامت كنانة في حربها و حامت تميم و حامت أسدو حامت هوازن من بعدها فما حام منها و منهم أحدطحنا الفوارس يوم العجاج و سقنا الأراذل سوق النكد

و جال علي ع في الميدان قائلا

أنا علي فاسألوني تخبروا ثم أبرزوا لي في الوغى و أبدرواسيفي حسام و سناني يزهر منا النبي الطاهر المطهرو حمزة الخير و منا جعفر و فاطم عرسي و فيها مفخرهذا لهذا و ابن هند محجر مذبذب مطرد مؤخر

فاستخلفه عمرو بن الحصين بن السكوني على أن يطعنه فرآه سعيد بن قيس فطعنه و أنشد

أقول له و في رمحي حناه و قد قرت بمصرعه العيون‏ألا يا عمرو عمرو بني حصين و كل فتى ستدركه المنون‏أ تطمع أن تنال أبا حسين بمعضلة و ذا ما لا يكون

 و أنفذ معاوية ذا الكلاع إلى بني همدان فاشتبكت الحرب بينهم إلى الليل ثم انهزم أهل الشام ثم أنشأ أمير المؤمنين ع أبياتا منها

فوارس من همدان ليسوا بعزل غداة الوغى من شاكر و شبام‏يقودهم حامي الحقيقة ماجد سعيد بن قيس و الكريم محامي‏جزى الله همدان الجنان فإنهم سمام العدى في كل يوم حمام

و برز أبو أيوب الأنصاري فنكلوا عنه فحاذى معاوية حتى دخل فسطاطه فترفع ابن منصور فقال أمير المؤمنين ع

و علمنا الحرب آباؤنا و سوف نعلم أيضا بيننا

و خرج رجل في براز رجل كوفي فصرعه الكوفي فإذا هو أخوه فقالوا خله فأبى أن يطلقه إلا بأمر علي فأذن له بذلك و برز عبد الله بن خليفة الطائي في جماعة من طي و ارتجز

يا طي طي السهل و الأجبال ألا اثبتوا بالبيض و العوالي‏فقاتلوا أئمة الضلال

و خرج من العسكرين زهاء ألف رجل فاقتتلوا حتى لم يبق منهم أحد و فيهم يقول شبث بن ربعي

و قاتلت الأبطال منا و منهم و قامت نساء حولنا بنحيب

و خرج بسر بن أرطاة مرتجزا

أكرم بجند طيب الأردان جاءوا يكونوا أولياء الرحمن‏إني أتاني خبر شجاني أن عليا نال من عثمان

فبرز إليه سعيد بن قيس قائلا

بؤسا لجند ضائع الإيمان أسلمهم بسر إلى الهوان

 إلى سيوف لبني همدان

فانصرف بسر من طعنته مجروحا و خرج أدهم بن لام القضاعي مرتجزا

أثبت لوقع الصارم الصقيل فأنت لا شك أخو قتيل

فقتله حجر بن عدي فخرج الحكم بن الأزهر قائلا

يا حجر حجر بني عدي الكندي اثبت فإني ليس مثلي بعدي

فخرج إليه مالك بن مسهر القضاعي يقول

أنا ابن مالك بن مسهر أنا ابن عم الحكم بن الأزهر

فأجابه حجر

إني حجر و أنا ابن مسعر أقدم إذا شئت و لا تؤخر

و برز علقمة فأصيب في رجله و قتل من أهل العراق عمير بن عبيد المحاربي و بكر بن هوذة النخعي و ابنه حيان و سعيد بن نعيم و أبان بن قيس فحمل علي ع فهزمهم فقال معاوية كنت أرجو اليوم ظفرا و برز الأشتر و جعل يقتل واحدا بعد واحد فقال معاوية في ذلك فبرز عمرو بن العاص في أربعمائة فارس إليه و تبع الأشتر مائتا رجل من نخع و مذحج و حمل الأشتر عليه فوقعت الطعنة في القربوس فانكسر و خر عمرو صريعا و سقطت ثناياه فاستأمنه و برز الأصبغ بن نباتة قائلا

حتى متى ترجو البقا يا أصبغ إن الرجاء للقنوط يدمغ

 و قاتل حتى حرك معاوية من مقامه و خرج عوف المرادي قائلا

أنا المرادي و اسمي عوف هل من عراقي عصاه سيف

فبرز إليه كعير الأسدي مرتجزا فقتله و رأى معاوية على تل فقصده نحوه فلما قرب منه حمل عليه مرتجزا

ويلي عليك يا بني هند أنا الغلام الأسدي حمد

فأخذه أهل الشام بالطعان و الضراب فانسل من بينهم قائلا

فلو نلته نلت الذي ليس بعدها من الأمر شيئا غير مين مقال‏و لو مت من نيلي له ألف ميتة لقلت لما قد نلت ليس أبالي

و خرج عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فبرز إليه حارثة بن قدامة السعدي فقتله فخرج أبو الأعور السلمي فانصرف من طعنته زياد بن كعب الهمداني مجروحا و قتل بنو همدان خلقا كثيرا من أهل الشام فقال معاوية بنو همدان أعداء عثمان و برز عمير بن عطارد التميمي في قومه قائلا

قد صابرت في حربها تميم لها حديث و لها قديم

 دين قديم و هدى قديم

فقاتلوا إلى الليل و برز قيس بن سعد و قال

أنا ابن سعد و أبي عبادة و الخزرجيون رجال سادةحتى متى أنثني إلى الوسادة يا ذا الجلال لقني الشهادة

فخرج بسر بن أرطاة الفهري و ارتجز

أنا ابن أرطاة الجليل القدر في أسرة من غالب و فهرإن أرجع اليوم بغير وتر فقد قضيت في ابن سعد نذري

فانصرف مجروحا من ضربة قيس و خرج المخارق بن عبد الرحمن فقتل المرادي و مسلم الأزدي و رجلين آخرين فبرز إليه علي ع متنكرا فقتله و قتل سبعة بعده و خرج كريب بن الصباح فقتل مبرقعا الخولاني و شرحبيل البكري و الحارث الحكيمي و عبد الرحمن الهمداني فقتله أمير المؤمنين ثم قتل الحارث بن وداع و المطاع بن المطلب و عروة بن داود و خرج مولى لمعاوية مرتجزا

إني أنا الحارث ما بي من خور مولى ابن صخر و به قد انتصر

فقتله قنبر و خرج يزيد الكلبي فقتله الأشتر و خرج مشجع الجذامي فطعنه عدي بن حاتم و نادى خالد بن معمر السدوسي من يبايعني على الموت فأجابه تسعة آلاف فقاتلوا حتى بلغوا فسطاط معاوية فهرب معاوية فنهبوا فسطاطه و أنفذ معاوية إليه فقال يا خالد لك عندي إمرة خراسان متى ظفرت فاقصر ويحك فعالك هذا فنكل عنها فتفل أصحابه في وجهه و حاربوا إلى الليل و فيه يقول النجاشي

و فر ابن حرب غير الله وجهه و ذاك قليل من عقوبة قادر

و خرج حمزة بن مالك الهمداني فقتله المرقال فهجموا على المرقال فقتلوه فأخذ سفيان بن الثور رأيته فقاتل حتى قتل ثم أخذها عتبة بن المرقال فقاتل حتى قتل فأخذها أبو الطفيل الكناني مرتجزا

يا هاشم الخير دخلت الجنة قتلت في الله عدو السنة

فقاتل حتى جرح فرجع القهقرى و أخذها عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي مرتجزا

أضربكم و لا أرى معاوية الأبرح العين العظيم الحاويةهوت به في النار أم هاوية جاوره فيها كلاب عاوية

فهجموا عليه و قتلوه فأخذها عمرو بن الحمق قائلا

جزى الله فينا عصبة أي عصبة حسان وجوه صرعوا حول هاشم

و قاتل أشد قتال فخرج ذو الظليم قائلا

أهل العراق ناسبوا و انتسبوا أنا اليماني و اسمي حوشب‏من ذي الظليم أين أين المهرب

فبرز إليه سليمان بن صرد الخزاعي قائلا

يا أيها الحي الذي تذبذبا لسنا نخاف ذا الظليم حوشبا

فحملت الأنصار حملة رجل واحد و قتلوا ذا الكلاع و ذا الظليم و ساروا إليهم و كاد يؤخذ معاوية فقال الأنصاري

معاوي ما أفلت إلا بجرعة من الموت حتى تحسب الشمس كوكبا

 فإن تفرحوا بابن البديل و هاشم فإنا قتلنا ذا الكلاع و حوشبا

و خرج عبيد الله بن عمر و دعا محمد بن الحنفية فنهض محمد فنهاه أبوه و برز هو ع إليه راجلا فتقهقر عبيد الله فقتله عبد الله بن سوار و يقال حريث بن خالد و يقال هانئ بن عمرو و يقال محمد بن الصبيح فأمر معاوية بتقديم سبعين راية و برز عمار في رايات فقتل من أصحاب معاوية سبعمائة رجل و من أصحاب علي مائتا رجل و خرج علي ع في مقاتلة همدان و قال بعضهم برك الجمل برك الجمل فبركوا و بركت أيضا همدان فقال أمير المؤمنين ع

قد حمل القوم فبركا بركا لا يدخل القوم على ما شكا

و خرج عمرو بن العاص مرتجزا فقصده الأشتر مرتجزا

إني أنا الأشتر معروف السير إني أنا الأفعى العراقي الذكر

فهزمهم و جرح عمرا و خرج الفراز بن الأدهم و دعا العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب فقتله العباس فنهاه علي ع عن المبارزة فقال معاوية من قتل العباس فله عندي ما يشاء فخرج رجلان لخميان فدعاه أحدهما فقال إن أذن لي سيدي أبارزك و أتى عليا ع فبرز علي في سلاح العباس و فرسه متنكرا فقال الرجل آذنك سيدك فقال ع أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا فقتله و تقدم الآخر فقتله و خرج قبيصة النميري و كان يشتم عليا و يرتجز

أقدم إقدام الهزبر العالي في نصر عثمان و لا أبالي

فبرز عدي بن حاتم قائلا

يا صاحب الصوت الرفيع العالي نفدي عليا ولدي و مالي

و خرج حجل بن أثال العبسي فطلب البراز فبرز إليه ابنه أثال فلما رآه قال انصرف إلى الشام فإن فيها أموالا جمة فقال ابنه يا أبت انصرف إلينا و جنة الخلد مع علي و عبأ معاوية أربعة صفوف فتقدم أبو الأعور السلمي يحرضهم و يقول يا أهل الشام إياكم و الفرار فإنها سبة و عار فدقوا على أهل العراق فإنهم أهل فتنة و نفاق فبرز سعيد بن قيس و عدي بن حاتم و الأشتر و الأشعث فقتلوا منهم ثلاثة آلاف و نيفا و انهزم الباقون و خرج كعب بن جعيل شاعر معاوية قائلا

ابرز إلي الآن يا نجاشي فإنني ليث لدى الهراش

فأجابه النجاشي شاعر علي ع و برز إليه

أربع قليلا فأنا النجاشي لست أبيع الدين بالمعاش‏أنصر خير راكب و ماش ذاك علي بين الرياش

 و برز عبد الله بن جعفر في ألف رجل فقتل خلقا حتى استغاث عمرو بن العاص و أتى أويس القرني متقلدا بسيفين و يقال كان معه مرماة و مخلاة من الحصى فسلم على أمير المؤمنين ع و ودعه و برز مع رجاله ربيعة فقتل من يومه فصلى عليه أمير المؤمنين ع و دفنه ثم إن عمارا جعل يقاتل و يقول

نحن ضربناكم على تنزيله ضربا يزيل الهام عن مقيله‏و يذهل الخليل عن خليله أو يرجع الحق إلى سبيله

فلم يزل يقاتل حتى قتل و برز أمير المؤمنين ع و دعا معاوية و قال أسألك أن تحقن الدماء و تبرز إلي و أبرز إليك فيكون الأمر لمن غلب فبهت معاوية و لم ينطق بحرف فحمل أمير المؤمنين ع على الميمنة فأزالها ثم حمل على الميسرة فطحنها ثم حمل على القلب و قتل منهم جماعة و أنشد

فهل لك في أبي حسن علي لعل الله يمكن من قفاكادعاك إلى البراز فعكت عنه و لو بارزته تربت يداكا

فانصرف أمير المؤمنين ع ثم برز متنكرا فخرج عمرو بن العاص مرتجزا

يا قادة الكوفة من أهل الفتن يا قاتلي عثمان ذاك المؤتمن‏كفى بهذا حزنا من الحزن أضربكم و لا أرى أبا الحسن

فتناكل عنه علي ع حتى تبعه عمرو ثم ارتجز 

أنا الغلام القرشي المؤتمن الماجد الأبيض ليث كالشطن‏يرضى به السادة من أهل اليمن أبو الحسين فاعلمن أبو الحسن

فولى عمرو هاربا فطعنه أمير المؤمنين فوقعت في ذيل درعه فاستلقى على قفاه و أبدى عورته فصفح عنه استحياء و تكرما فقال معاوية احمد الله الذي عافاك و احمد استك الذي وقاك قال أبو نواس

فلا خير في دفع الردى بمذلة كما ردها يوما بسوءته عمرو

و قال حيص بيص

قبح مخازيك هازم شرفي سوءة عمرو ثنت سنان علي

و برز علي ع و دعا معاوية فنكل عنه و خرج بسر بن أرطاة يطمع في علي ع فصرعه أمير المؤمنين ع فاستلقى على قفاه و كشف عن عورته فانصرف عنه علي ع فقال ويلكم يا أهل الشام أ ما تستحيون من معاملة المخانيث لقد علمكم رأس المخانيث عمرو و لقد روي عن هذه السيرة عن أبيه عن جده في كشف الأستاه وسط عرصة الحروب فخرج غلامه لاحق ثم قال

أرديت بسرا و الغلام ثائره و كل آب من عليه قادره

فطعنه الأشتر قائلا 

في كل يوم رجل شيخ بارزة و عورة وسط العجاج ظاهرةأبرزها طعنة كف فاترة عمرو و بسر رهبا بالقاهرة

فلما رأى معاوية كثرة براز أمير المؤمنين ع أخذ في الخديعة فأنفذ عمرو إلى ربيعة خالاته فوقعوا فيه فقال اكتب إلى ابن عباس و غره فكان فيما كتب

طال البلاء فما ندري له آسى بعد الإله سوى رفق ابن عباس

فكان جواب ابن عباس

يا عمرو حسبك من خدع و وسواس فاذهب فما لك في ترك الهدى آسى‏إلا بوادر طعن في نحوركم تشجى النفوس له في النقع إفلاس‏إن عادت الحرب عدنا و التمس هربا في الأرض أو سلما في الأفق يا قاسي

ثم كتب معاوية إليه يذكر فيه إنما بقي من قريش ستة أنا و عمرو بالشام ناصبان و سعد و ابن عمر بالحجاز و علي و أنت بالعراق على خطب عظيم و لو بويع لك بعد عثمان لأسرعنا فيه فأجابه ابن عباس

دعوت ابن عباس إلى السلم خدعة و ليس لها حتى تموت بخادع

و أمر معاوية لابن خديج الكندي أن يكاتب الأشعث و النعمان بن بشير أن يكاتب قيس بن سعد في الصلح ثم أنفذ عمرا و عتبة و حبيب بن مسلمة و الضحاك بن قيس إلى أمير المؤمنين ع فلما كلموه قال أدعوكم إلى كتاب الله و سنة نبيه ص فإن تجيبوا إلى ذلك فللرشد أصبتم و للخير وفقتم و إن تابوا لم تزدادوا من الله إلا بعدا فقالوا قد رأينا أن تنصرف عنا فنخلي بينكم و بين عراقكم و تخلون بيننا و بين شامنا فنحن نحقن دماء المسلمين فقال ع لم أجد إلا القتال أو الكفر بما أنزل الله عز و جل على محمد ص ثم برز الأشتر و قال سووا صفوفكم و قال أمير المؤمنين أيها الناس من يبع يربح في هذا اليوم في كلام له ألا إن خضاب النساء الحناء و خضاب الرجال الدماء و الصبر خير في عواقب الأمور ألا إنها أحن بدرية و ضغائن أحدية و أحقاد جاهلية و قرأ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ فتقدم و هو يرتجز

دبوا دبيب النمل لا تفوتوا و أصبحوا في حربكم و بيتواكيما تنالوا الدين أو تموتوا أو لا فإني طال ما عصيت‏قد قلتم لو جئتنا فجئت

و حمل في سبعة عشر ألف رجل فكسروا الصفوف فقال معاوية لعمرو اليوم صبر و غدا فخر فقال عمرو صدقت يا معاوية و لكن الموت حق و الحياة باطل و لو حمل علي في أصحابه حملة أخرى فهو البوار فقال أمير المؤمنين ع فما انتظاركم إن كنتم تريدون الجنة فبرز أبو الهيثم بن التيهان قائلا

أحمد ربي فهو الحميد ذاك الذي يفعل ما يريددين قويم و هو الرشيد

فقاتل حتى قتل و برز خزيمة بن ثابت قائلا

كم ذا يرجى أن يعيش الماكث و الناس موروث و فيهم وارث‏هذا على من عصاه ناكث

فقاتل حتى قتل و برز عدي بن حاتم قائلا

أ بعد عمار و بعد هاشم و ابن بديل صاحب الملاحم‏ترجو البقاء من بعد يا ابن حاتم

فما زال يقاتل حتى فقئ عينه و برز الأشتر مرتجزا

سيروا إلى الله و لا تعرجوا دين قويم و سبيل منهج

و قتل جندب بن زهير فلم يزالوا يقاتلون حتى دخل وقعة الخميس و هي ليلة الهرير و كان أصحاب علي ع يضربون الطبول من أربع جوانب عسكر معاوية و يقولون علي المنصور و هو يرفع رأسه إلى السماء ساعة بعد ساعة و يقول اللهم إليك نقلت الأقدام و إليك أفضت القلوب و رفعت الأيدي و مدت الأعناق و طلبت الحوائج و شخصت الأبصار اللهم افْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ و كان ينشد

الليل داج و الكباش تنتطح نطاح أسد ما أراها تصطلح‏أسد عرين في اللقاء قد مرح منها قيام و فريق منبطح‏فمن نجا برأسه فقد ربح

و كان يحمل عليهم مرة بعد مرة و يدخل في غمارهم و يقول الله الله في البقية الله الله في الحرم و الذرية فكانوا يقاتلون أصحابهم بالجهل فلما أصبح كان قتلى عسكره أربعة آلاف رجل و قتلى عسكر معاوية اثنين و ثلاثين ألف رجل فصاحوا يا معاوية هلكت العرب فاستغاث هو بعمرو فأمره برفع المصاحف

  قال قتادة القتلى يوم صفين ستون ألفا

 و قال ابن سيرين سبعون ألفا و هو المذكور في أنساب الأشراف وضعوا على كل قتيل قصبة ثم عدوا القصب

 بيان سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ قال الطبرسي رحمه الله قيل هم هوازن و خيبر و قيل هم هوازن و ثقيف و قيل هم بنو حنيفة مع مسيلمة و قيل أهل فارس و قيل الروم و قيل هم أهل صفين أصحاب معاوية انتهى. و استدل على كونهم أصحاب معاوية بأن الله تعالى أخبر عن المتخلفين بأنهم لن يتبعوا الرسول أبدا فلا بد أن يكون بعده ص و بعده أصحاب معاوية أظهر من غيرهم أو الغرض محض نفي قول من قال إنها فيما وقع في حياته ص. و قال الفيروزآبادي ربص بفلان ربصا انتظر به خيرا أو شرا يحل به كتربص و يقال ربصني أمر و أنا مربوص. و المراد بالشيخين طلحة و الزبير. و في القاموس الدر النفس و اللبن و كثرته و لله دره أي عمله و لا در دره لا زكا عمله و در العرق سال قوله ما تبوح بها الخمر باح بسره أظهره و الضمير راجع إلى الخمر أي ما دام الخمر تظهر نفسها و لا يمكن كتمانها و الباسل البطل كشجاع و العلقمة المرارة و جربان القميص بضم الجيم و الراء و تشديد الباء معرب گريبان شمر بكسر الشين و الميم و تشديد الراء أي شديد. قوله ع من و من أي من هو و من هو و في الديوان و شر من وهن و بعده و قد غذي بالبأس في وقت اللبن و الغبن بالتسكين في البيع و بالتحريك في الرأي و الطحن بالكسر الدقيق و لعل التحريك من ضرورة الشعر و الوهن بالفتح و قد يحرك الضعف في العمل و جشمته الأمر تجشيما كلفته و فرس طمر بكسر الطاء و الميم و تشديد الراء هو المستقر للوثب و العدو قوله كالعقاب هاوية أي كالعقاب في وقت هويها فإنها أسرع و نكد عيشهم اشتد و رجل نكد أي عسر. قوله ع و منها جعفر في الديوان و تربي جعفر و الترب بالكسر من ولد معك هذا لهذا أي هذا الفخر لهذا اليوم و لعله عذر للمفاخرة و تقول أجحرته إذا ألجأته إلى أن دخل جحره و التذبذب التحرك و المذبذب المتردد بين أمرين أكرم بجند أي ما أكرمهم و الأردان جمع الردن بالضم أصل الكم و طهارتها كناية عن كرم الأخلاق و الأمانة و شجاني أي أحزنني و المين الكذب. قوله الأبرح العين أقول نسب في الديوان هذا الرجز إليه ع و فيه الأخزر العين أي الضيق العين و الحاوية البطن كله أو المعاء و الهاوية الهواة و المرأة الثاكلة و لطفها هنا ظاهر. قوله ع أنا الغلام القرشي في الديوان أنا الإمام القرشي و فيه كالشطن و زاد بعد قوله من أهل اليمن من ساكني نجد و من أهل عدن. أبو حسين فاعلمن و أبو حسن. و الأبلج المشرق الوجه أو منفصل الحاجبين و القطن بالتحريك جبل لبني أسد و الشطن بالتحريك الحبل الطويل قوله يا فاسي من الفسوة و يحتمل القاف. قوله ع أولا أي بل لا تقبلون قولي فإني كثيرا ما عصيت و ما كافة أو مصدرية. قوله ع لو جئتنا لو للتمني و زاد في الديوان في آخره ليس لكم ما شئتم و شئت. بل ما يريد المحيي المميت. و في الديوان في الرجز الآخر بعد قوله ع تصطلح أسد عرين في اللقاء قد مرح. و العرين مأوى الأسد و العدول في مرح من الجمع إلى المفرد لضرورة الشعر و للإشعار بأنها لاجتماعها كأسد واحد كما قيل في قوله تعالى وَ هُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ و يقال بطحه أي ألقاه على وجهه فانبطح قوله ع الله الله أي اتقوه و اذكروه

473-  شي، ]تفسير العياشي[ عن أبي الأغر التميمي قال إني لواقف يوم صفين إذ مر بي العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب شاك في السلاح على رأسه مغفر و بيده صفيحة يمانية يقلبها و هو على فرس له أدهم و كأن عينيه عينا أفعى فبينا هو يروض فرسه و يلين في عريكته إذ هتف به هاتف من أهل الشام يقال له عرار بن أدهم يا عباس هلم إلى البراز قال فالنزول إذا فإنه إياس من القفول قال فنزل الشامي و وجد و هو يقول

إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا أو تنزلون فأنا معشر نزل

قال و ثنى عباس رجله و هو يقول 

و يصد عنك مخيلة الرجل العريض موضحة عن العظم‏بحسام سيفك أو لسانك و الكلم الأصيل كأرعب الكلم

ثم عصب فضلات درعه في حجزته و دفع فرسه إلى غلام يقال له أسلم كأني أنظر إلى قلاقل شعره و دلف كل واحد منهما إلى صاحبه قال فذكرت قول أبي ذويب

فتنازلا و تواقفت خيلاهما و كلاهما بطل اللقاء مخدع

قال ثم تكافحا بسيفهما مليا من نهارهما لا يصل واحد منهما إلى صاحبه لكمال لأمته إلى أن لحظ العباس وهيا ]وهنا خ ل[ في درع الشامي فأهوى إليه بيده فهتكه إلى ثندوته ثم عاود لمحاولته و قد أصحر له مفتق الدرع فضربه العباس ضربة بالسيف فانتظم به جوانح صدره و خر الشامي صريعا بخده و سما العباس في الناس و كبر الناس تكبيرة ارتجت لها الأرض فسمعت قائلا يقول من ورائي قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَ يُخْزِهِمْ وَ يَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَ يَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَ يُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ فالتفت فإذا هو أمير المؤمنين علي ع فقال يا أبا الأغر من المبارز لعدونا قلت هذا ابن شيخكم العباس بن ربيعة قال علي ع يا عباس قال لبيك قال أ لم أنهك و حسنا و حسينا و عبد الله بن جعفر أن تخلوا بمركز أو تباشروا حدثا قال إن ذلك لكذلك قال فما عدا مما بدا قال أ فأدعى إلى البراز يا أمير المؤمنين فلا أجيب جعلت فداك قال نعم طاعة إمامك أولى بك من إجابة عدوك ود معاوية إنه ما بقي من بني هاشم نافخ ضرمة إلا طعن في نيطه إطفاء لنور الله وَ يَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ أما و الله ليهلكنهم منا رجال و رجال يسومونهم الخسف حتى يتكففوا بأيديهم و يحفروا الآبار ثم قال إن عادوا لك فعد لي قال و نمى الخبر إلى معاوية فقال الله دم عرار أ لا رجل يطلب بدم عرار قال فانتدب له رجلان من لخم فقالا نحن له قال اذهبا فأيكما قتل العباس برازا فله كذا و كذا فأتياه فدعواه إلى البراز فقال إن لي سيدا أؤامره قال فأتى أمير المؤمنين ع فأخبره فقال ناقلني سلاحك بسلاحي فناقله قال و ركب أمير المؤمنين على فرس العباس و دفع فرسه و برز إلى الشاميين فلم يشكا أنه العباس فقالا له أذن لك سيدك فتحرج أن يقول نعم فقال أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ قال فبرز إليه أحدهما فكأنما اختطفه ثم برز إليه الثاني فألحقه بالأول و انصرف و هو يقول الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ ثم قال يا عباس خذ سلاحك و هات سلاحي قال و نمى الخبر إلى معاوية فقال قبح الله اللجاج إنه لقعود ما ركبته قط إلا خذلت فقال عمرو بن العاص المخذول و الله اللخميان لا أنت قال اسكت أيها الشيخ فليس هذه من ساعاتك قال فإن لم يكن فرحم الله اللخميين و ما أراه يفعل قال ذلك و الله أضيق لحجرك و أخسر لصفقتك قال أجل و لو لا مصر لقد كانت المنجاة منها فقال هي و الله أعمتك و لولاها لألفيت بصيرا

 بيان و رواه ابن أبي الحديد عن ابن قتيبة من كتاب عيون الأخبار عن أبي الأغر بأدنى تغيير و زاد بعد قوله من إجابة عدوك ثم تغيظ و استطار حتى قلت الساعة الساعة ثم سكن و تطامن و رفع يديه مبتهلا و قال اللهم اشكر للعباس مقامه و اغفر له ذنبه و ساق الخبر إلى قوله فقال علي فو الله لود معاوية. و المخيلة الظن و الكبر و العريض كسكيت من يتعرض للناس بالشر أي يمنع عنك ظن المتعرض للشر و كبره و خيلاءه ضربة أو شجة موضحة عن العظم أو كلام بلسانك فإن الكلام الأصيل في التأثير كأرعب الكلم أي الجرح و في بعض النسخ قارعة الكلم بالقاف أو الفاء أي تفوقه و تزيد عليه و الأول أظهر و العصب الطي الشديد و القلاقل بالضم السريع التحرك و دلف مشي بتثاقل كمشي الشيخ و دلفت الكتيبة في الحرب تقدمت. و قال الجوهري قال الأصمعي كافحوهم إذا استقبلوهم في الحرب بوجوههم ليس دونها ترس و قال مضى ملي من النهار أي ساعة طويلة. و قال الجوهري اللأمة الدرع اللأمة. و قوله ع فما عدا مما بدا أي ما صرفك عما ظهر لك و قد مر سابقا. و قال الجوهري الضرمة السعفة أو الشحة في طرفها نار يقال ما بها نافخ ضرمة أي أحد. و قال في النهاية في حديث علي ع و الله لود معاوية أنه ما بقي من بني هاشم نافخ ضرمة إلا طعن في نيطه الضرمة بالتحريك النار و هذا يقال عند المبالغة في الهلاك لأن النار ينفخها الصغير و الكبير و الذكر و الأنثى أي ما بقي أحد منهم. و يقال طعن في نيطه أي في جنازته و من ابتدأ في شي‏ء أو دخله فقد طعن فيه و يروى طعن على ما لم يسم فاعله و النيط نياط القلب و هو علاقته. و قال في مادة نيط يقال طعن في نيطه و جنازته إذا مات و القياس النوط لأنه من ناط ينوط إذا علق غير أن الواو تعاقب الياء في حروف كثيرة. و قيل النيط نياط القلب و هو العرق الذي القلب معلق به. و قال الجوهري سامه خسفا أي أولاه ذلا و يقال كلفه المشقة و الذل و قال استكف و تكفف بمعنى و هو أن يمد كفه يسأل الناس يقال فلان يتكفكف الناس و قال القعود من الإبل هو البكر حين يركب أي يمكن ظهره من الركوب. قوله أضيق لجحرك أي إقرارك ببطلان أمرنا يضيق الأمر عليك و يجعل صفقتك أي بيعتك لي خاسرة بائرة

  -474  جا، ]المجالس للمفيد[ التمار عن محمد بن الحسن عن أبي نعيم عن صالح بن عبد الله عن هشام عن أبي مخنف عن الأعمش عن أبي إسحاق السبيعي عن الأصبغ بن نباتة قال إن أمير المؤمنين ع خطب ذات يوم فحمد الله و أثنى عليه و صلى على النبي ص ثم قال أيها الناس اسمعوا مقالتي و عوا كلامي إن الخيلاء من التجبر و النخوة من التكبر و إن الشيطان عدو حاضر يعدكم الباطل ألا إن المسلم أخو المسلم فلا تنابزوا و لا تخاذلوا فإن شرائع الدين واحدة و سبله قاصدة من أخذ بها لحق و من تركها مرق و من فارقها محق ليس المسلم بالخائن إذا ائتمن و لا بالمخلف إذا وعد و لا بالكذوب إذا نطق نحن أهل بيت الرحمة و قولنا الحق و فعلنا القسط و منا خاتم النبيين و فينا قادة الإسلام و أمناء الكتاب ندعوكم إلى الله و إلى رسوله و إلى جهاد عدوه و الشدة في أمره و ابتغاء مرضاته و إلى إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و حج البيت و صيام شهر رمضان و توفير الفي‏ء لأهله ألا و إن من أعجب العجب أن معاوية بن أبي سفيان الأموي و عمرو بن العاص السهمي يحرضان الناس على طلب دم ابن عمهما و قد علمتم أني و الله لم أخالف رسول الله ص قط و لم أعصه في أمره قط أقيه بنفسي في المواطن التي تنكص فيها الأبطال و ترعد منها الفرائص بقوة أكرمني الله بها فله الحمد و لقد قبض النبي ص و إن رأسه لفي حجري و لقد وليت غسله بيدي تقلبه الملائكة المقربون معي و ايم الله ما اختلفت أمة بعد نبيها إلا ظهر باطلها على حقها إلا ما شاء الله قال فقام عمار بن ياسر رضي الله عنه فقال أما أمير المؤمنين فقد أعلمكم أن الأمة لم يستقم عليه قال فتفرق الناس و قد نفذت بصائرهم

 475-  كشف، ]كشف الغمة[ خرج من عسكر معاوية المخراق بن عبد الرحمن و طلب البراز فخرج إليه من عسكر علي ع المؤمل بن عبيد الله المرادي فقتله الشامي فنزل فجز رأسه و حك وجهه بالأرض و كبه على وجهه فخرج إليه فتى من الأزد اسمه مسلم بن عبد ربه فقتله الشامي و فعل به كما فعل فلما رأى علي ع ذلك تنكر و الشامي واقف يطلب البراز فخرج إليه و هو لا يعرفه فطلبه فبدره علي ع بضربة على عاتقه فرمى بشقة فنزل فاجتز رأسه و قلب وجهه إلى السماء و ركب و نادى هل من مبارز فخرج إليه فارس فقتله و فعل به كما فعل و ركب و نادى هل من مبارز فخرج إليه فارس فقتله و فعل كما فعل كذا إلى أن قتل سبعة فأحجم عنه الناس و لم يعرفوه و كان لمعاوية عبد يسمى حربا و كان شجاعا فقال له معاوية ويلك يا حرب اخرج إلى هذا الفارس فاكفني أمره فقد قتل من أصحابي ما قد رأيت فقال له حرب إني و الله أرى مقام فارس لو نزل إليه أهل عسكرك لأفناهم عن آخرهم فإن شئت برزت إليه و اعلم أنه قاتلي و إن شئت فاستبقني لغيره فقال معاوية لا و الله ما أحب أن تقتل فقف مكانك حتى يخرج إليه غيرك و جعل علي ع يناديهم و لا يخرج إليه أحد فرفع المغفر عن رأسه و رجع إلى عسكره فخرج رجل من أبطال الشام اسمه كريب بن الصباح فطلب البراز فخرج إليه المرقع الخولاني فقتله الشامي و خرج إليه آخر فقتله أيضا فرأى علي ع فارسا بطلا فخرج إليه علي ع بنفسه فوقف قبالته و قال له من أنت قال أنا كريب بن الصباح الحميري فقال له علي ع ويحك يا كريب إني أحذرك الله في نفسك و أدعوك إلى كتابه و سنة نبيه فقال كريب من أنت فقال أنا علي بن أبي طالب فالله الله في نفسك فإني أراك فارسا بطلا فيكون لك ما لنا و عليك ما علينا و تصون نفسك من عذاب الله و لا يدخلنك معاوية نار جهنم فقال كريب ادن مني إن شئت و جعل يلوح بسيفه فمشى إليه علي ع و التقيا بضربتين و فبدره علي ع فقتله فخرج إليه الحرث بن الحميري فقتله و آخر فقتله حتى قتل أربعة و هو يقول الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ثم صاح علي ع يا معاوية هلم إلى مبارزتي و لا تفنين العرب بيننا فقال معاوية لا حاجة لي في ذلك فقد قتلت أربعة من سباع العرب فحسبك فصاح شخص من أصحاب معاوية اسمه عروة بن داود يا علي إن كان معاوية قد كره مبارزتك فهلم إلى مبارزتي فذهب علي ع نحوه فبدره عروة بضربة فلم يعمل شيئا و ضربه علي فأسقطه قتيلا ثم قال انطلق إلى النار و كبر على أهل الشام قتل عروة و جاء الليل و خرج علي ع في يوم آخر متنكرا فطلب البراز فخرج إليه عمرو بن العاص و هو لا يعرف أنه علي و عرفه علي ع فاطرد بين يديه ليبعده عن عسكره فتبعه عمرو مرتجزا

يا قادة الكوفة يا أهل الفتن أضربكم و لا أرى أبا الحسن

 فرجع إليه علي ع و هو يقول

أبو الحسين فاعلمن و الحسن جاءك يقتاد العنان و الرسن

 فعرفه عمرو فولى ركضا و لحقه علي فطعنه طعنة وقع الرمح في فضول درعه فسقط إلى الأرض و خشي أن يقتله فرفع رجليه فبدت سوأته فصرف علي ع وجهه و انصرف إلى عسكره و جاء عمرو و معاوية يضحك منه فقال مم تضحك و الله لو بدا لعلي من صفحتك ما بدا له من صفحتي إذا لأوجع قذالك و أيتم عيالك و أنهب مالك فقال معاوية لو كنت تحتمل مزاحا لمازحتك فقال عمرو و ما أحملني للمزاح و لكن إذا لقي الرجل رجلا فصد عنه و لم يقتله أ تقطر السماء دما فقال معاوية لا و لكنها تعقب فضيحة الأبد حينا و حينا أما و الله لو عرفته لما أقدمت عليه و كان في أصحاب معاوية فارس مشهور بالشجاعة اسمه بسر بن أرطاة فلما سمع بسر عليا ع يدعو معاوية إلى البراز و معاوية يمتنع قال قد عزمت على مبارزة علي فلعلي أقتله فأذهب بشهرته في العرب و شاور غلاما يقال له لاحق فقال إن كنت واثقا من نفسك و إلا فلا تبارز إليه فإنه و الله الشجاع المطرق و أنشد

فأنت له يا بسر إن كنت مثله و إلا فإن الليث للضبع آكل‏متى تلقه فالموت في رأس رمحه و في سيفه شغل لنفسك شاغل

 فقال ويحك هل هي إلا الموت و لا بد من لقاء الله على كل حال إما بموت أو قتل ثم خرج بسر إلى علي ع و هو ساكت بحيث لا يعرفه علي ع لحالة كانت صدرت منه فلما نظر إليه علي ع حمل عليه فسقط بسر عن فرسه على قفاه و رفع رجليه و انكشفت سوأته فصرف علي ع وجهه عنه و وثب بسر قائما و سقط المغفر عن رأسه فصاح أصحاب علي ع يا أمير المؤمنين إنه بسر بن أرطاة فقال علي ع ذروه عليه لعنة الله فضحك معاوية من بسر و قال لا عليك فقد نزل بعمرو مثلها و صاح فتى من أهل الكوفة ويلكم يا أهل الشام أ ما تستحيون لقد علمكم ابن عاص كشف الأستاه في الحروب و أنشد

أ في كل يوم فارس ذو كريهة له عورة وسط العجاجة باديةيكف بها عنه على سنانه و يضحك منه في الخلاء معاويةفقولا لعمرو و ابن أرطاة أبصرا سبيلكما لا تلقيا الليث ثانيةفلا تحمدا إلا الحياء و خصاكما هما كانتا و الله للنفس واقيةفلولاهما لم تنجوا من سنانه و تلك بما فيها من العود ثانية

 و كان بسر يضحك من عمرو فعاد عمرو يضحك منه و تحامى أهل الشام عليا فخافوه خوفا شديدا و كان لعثمان مولى اسمه أحمر فخرج يطلب البراز فخرج إليه كيسان مولى علي ع فحمل عليه فقتله فقال ع قتلني الله إن لم أقتلك ثم حمل عليه فاستقبله بالسيف فاتقى علي ع ضربته بالحجفة ثم قبض ثوبه و اقتلعه من سرجه و ضرب به الأرض فكسر منكبيه و عضديه و دنا منه أهل الشام فما زاده قربهم إسراعا فقال له ابنه الحسن ع ما ضرك لو سعيت حتى تنتهي إلى أصحابك فقال يا بني إن لأبيك يوما لم يعدوه و لا به تبطئ عنه السعي و لا يعجل به إليه المشي و إن أباك و الله لا يبالي أ وقع على الموت أم وقع الموت عليه و كان لمعاوية عبد اسمه حريث و كان فارسا بطلا فحذره معاوية من التعرض لعلي فخرج و تنكر له فقال عمرو بن العاص لحريث لا يفوتك هذا الفارس و عرف عمرو أنه علي ع فحمل حريث فداخله علي و ضربه ضربة أطار بها قحف رأسه فسقط قتيلا و اغتم معاوية عليه غما شديدا و قال لعمرو أنت قتلت حريثا و غررته و خرج العباس بن ربيعة بن الحارث الهاشمي فأبلى و خرج إليه فارس من أصحاب معاوية فتنازلا و تضاربا و نظر العباس إلى وهن في درع الشامي فضربه العباس على ذلك الوهن فقده باثنتين فكبر جيش علي ع و ركب العباس فرسه فقال معاوية من خرج إلى هذا فقتله فله كذا و كذا فوثب رجلان من لخم من اليمن فقالا نحن نخرج إليه فقال اخرجا فأيكما سبق إلى قتله فله من المال ما ذكرت و للآخر مثل ذلك فخرجا إلى مقر المبارزة و صاحا بالعباس و دعواه إلى القتال فقال أستأذن صاحبي و أعود إليكما و جاء إلى علي ع ليستأذنه فقال له أعطني ثيابك و سلاحك و فرسك و لبسها و ركب الفرس و خرج إليهما فظنا أنه على العباس فقالا استأذنت صاحبك فتحرج من الكذب فقرأ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ فتقدم إليه أحد الرجلين فالتقيا ضربتين ضربة علي ع على مراق بطنه قطعه باثنتين فظن أنه أخطأه فلما تحرك الفرس سقط قطعتين و غار فرسه و صار إلى عسكر علي ع و تقدم الآخر فضربه علي ع فألحقه بصاحبه ثم جال عليهم جولة و رجع إلى موضعه و علم معاوية أنه علي فقال قبح الله اللجاج إنه لقعود ما ركبته إلا خذلت فقال عمرو بن العاص المخذول و الله اللخميان لا أنت فقال له معاوية اسكت أيها الإنسان ليس هذه الساعة من ساعتك فقال عمرو فإن لم تكن من ساعاتي فرحم الله اللخميين و لا أظنه يفعل و قال في وصف ليلة الهرير فما لقي ع شجاعا إلا أراق دمه و لا بطلا إلا زلزل قدمه و لا مريدا إلا أعدمه و لا قاسطا إلا قصر عمره و أطال ندمه و لا جمع نفاق إلا فرقه و لا بناء ضلال إلا هدمه و كان كلما قتل فارسا أعلن بالتكبير فأحصيت تكبيراته ليلة الهرير فكانت خمسمائة و ثلاثا و عشرين تكبيرة بخمسمائة و ثلاثة و عشرين قتيلا من أصحاب السعير

  و قيل إنه في تلك الليلة فتق نيفق درعه لثقل ما كان يسيل من الدم على ذراعه و قيل إن قتلاه عرفوا في النهار فإن ضرباته كانت على وتيرة واحدة إن ضرب طولا قد أو عرضا قط و كانت كأنها مكواة بالنار بيان قال الجوهري القذال جماع مؤخر الرأس و في القاموس نيفق السراويل بالفتح الموضع المتسع منه

476-  بشا، ]بشارة المصطفى[ إبراهيم بن الحسين البصري عن محمد بن الحسين بن عتبة عن محمد بن أحمد بن مخلد عن أبي المفضل الشيباني عن محمد بن محمد بن معقل عن محمد بن أبي الصهبان عن البزنطي عن أبان بن عثمان عن أبان بن تغلب عن عكرمة مولى عبد الله بن عباس عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال عقم النساء أن يأتين بمثل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع ما كشفت النساء ذيولهن عن مثله لا و الله ما رأيت فارسا محدثا يوزن به لرأيته يوما و نحن معه بصفين و على رأسه عمامة سوداء و كان عينيه سراجا سليط يتوقدان من تحتهما يقف على شرذمة شرذمة يحضهم حتى انتهى إلى نفر أنا فيهم و طلعت خيل لمعاوية تدعى بالكتيبة الشهباء عشرة آلاف دارع على عشرة آلاف أشهب فاقشعر الناس لها لما رأوها و انحاز بعضهم إلى بعض فقال أمير المؤمنين ع فيم النخع و الخنع يا أهل العراق هل هي إلا أشخاص ماثلة فيها قلوب طائرة لو مسها سيوف قلوب أهل الحق لرأيتموها كجراد بقيعة سفته الريح في يوم عاصف ألا فاستشعروا الخشية و تجلببوا السكينة و ادرعوا الصبر و غضوا الأصوات و قلقلوا الأسياف في الأغماد قبل السلة و انظروا الشزر و اطعنوا الوجر و كافحوا بالظبى و صلوا السيوف بالخطى و النبال بالرماح و عاودوا الكر و استحيوا من الفر فإنه عار في الأعقاب و نار يوم الحساب و طيبوا عن أنفسكم نفسا و امشوا إلى الموت مشية سجحا فإنكم بعين الله عز و جل و مع أخي رسول الله ص و عليكم بهذا السرادق الأدلم و الرواق المظلم فاضربوا ثبجه فإن الشيطان راقد في كسره نافج حضنيه مفترش ذراعيه قد قدم للوثبة يدا و أخر للنكوص رجلا فصمدا صمدا حتى ينجلي لكم عمود الحق وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَ اللَّهُ مَعَكُمْ وَ لَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ ها أنا شاد فشدوا بسم الله حم لا ينصرون ثم حمل عليهم أمير المؤمنين عليه السلام و على ذريته حملته و تبعه خويلة لم يبلغ المائة فارس فأجالهم فيها جولان الرحى المسرحة بثقالها فارتفعت عجاجة منعتني النظر ثم انجلت فأثبت النظر فلم نر إلا رأسا نادرا و يدا طائحة فما كان بأسرع أن ولوا مدبرين كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ فإذا أمير المؤمنين ع قد أقبل و سيفه ينطف و وجهه كشقة القمر و هو يقول فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ

 قال عكرمة و كان ابن عباس رضي الله عنه يحدث قال أمر رسول الله ص عليا بقتال الناكثين و القاسطين و المارقين و قال يا علي إنك لمقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله

 بيان قال في القاموس نخع لي بحقي كمنع أقر و الذبيحة جاوز منتهى الذبح فأصاب نخاعها و فلان الود و النصيحة أخلصهما له و أنخع الأسماء أذلها و أقهرها و نخع العود كفرح جرى فيه الماء و قال الخانع المريب الفاجر و قد خنع كمنع و الخنعة الفجرة و الريبة و كصبور الغادر الذي يحيد عنك و بالضم الخضوع و الذل و الخنع التجميش و اللين. قوله ع ماثلة أي قائمة أو متمثلة مشبهة بالإنسان و قال الفيروزآبادي في القاموس مثل قام منتصبا كمثل بالضم و لطأ بالأرض ضد زال عن موضعه و فلان فلانا صار مثله و في بعض النسخ مائلة من الميل أي عادلة عن الحق فيها قلوب طائرة أي من الخوف و القيعة بالكسر الأرض المستوي أو جمع القاع و اطعنوا الوجر بالجيم و الراء المهملة قال في القاموس أوجره بالرمح طعنه به في فيه و في النهاية في حديث عبد الله بن أنيس فوجرته بالسيف وجرا أي طعنته و المعروف في الطعن أوجرته الرمح و لعله لغة فيه. أو بالحاء المهملة و هو الحقد و الغيظ أو بالخاء و الراي و هو الطعن بالرمح و غيره لا يكون نافذا و لا يناسب إلا بتكلف أو بالجيم و الزاي و هو السريع الحركة و قد مر على وجه آخر. و المكافحة المضاربة و المدافعة تلقاء الوجه كالمنافحة و يروى بهما و النبال بالرماح أي ارموهم بالنبال فإذا قربتم فاستعملوا الرماح و العكس أظهركما سيأتي أي إذا لم تصل الرماح فاستعملوا النبال كأنكم وصلتموها بها فيكون أنسب بالفقرة السابقة و كذا في النهاية أيضا و قد مر و الأدلم الأسود صورة أو معنى كالمظلم. قوله ع نافج حضنيه الحضن بالكسر ما دون الإبط إلى الكشح أو الصدر أو العضدين أو ما بينهما و نفجت الشي‏ء أي رفعته و عظمته قال في النهاية كني به عن التعظم و التكبر و الخيلاء و في بعض النسخ نافش بالشين و لا يناسب المقام و قال في مادة بيت من النهاية في حديث الجهاد إذا بيتم فقولوا حم لا ينصرون قيل معناه اللهم لا ينصرون و يريد به الخبر لا الدعاء و إنه لو كان دعاء لقال لا ينصروا مجزوما فكأنه قال و الله لا ينصرون و قيل إن السور التي أولها حم سور لها شأن فنبه أن ذكرها لشرف منزلتها مما يستظهر به على استنزال النصر من الله و قوله لا ينصرون كلام مستأنف كأنه حين قال قولوا حم قيل ما ذا يكون إذا قلناها فقال لا ينصرون و الخويلة كأنه تصغير الخيل و إن لم يساعده القياس أو تصغير الخول بمعنى الخدم و الحشم. و قال في النهاية في حديث علي ع تدقهم الفتن دق الرحى بثفالها الثفال بالكسر جلدة تبسط تحت رحى اليد ليقع عليها الدقيق و يسمى الحجر الأسفل ثفالا بها و المعنى أنها تدقهم دق الرحى للحب إذا كانت مثفلة و لا تثفل إلا عند الطحن انتهى. و العجاجة بالفتح الغبار و ندر بالشي‏ء سقط و طاح يطوح و يطيح هلك و أشرف على الهلاك و ذهب و سقط و طوحته الطوائح قذفته القواذف. و القسورة الأسد و سيفه ينطف أي يقطر و في النهاية نطف الماء ينطف و ينطف إذا قطر قليلا قليلا و منه صفة المسيح ينطف رأسه ماء و الشقة بالكسر القطعة المشقوقة و نصف الشي‏ء إذا شق. قوله ص على تأويل القرآن أي ليقبلوا منك تأويل القرآن أو إن آيات قتال المشركين و الكافرين ظاهرها قتال من قاتلهم رسول الله ص و باطنها يشتمل قتال من قاتلهم أمير المؤمنين ع. و أما آية وَ إِنْ طائِفَتانِ فليست بنازلة فيهم لعدم إيمان هؤلاء و إن كان ع قرأها في بعض المواطن إلزاما عليهم مع أنه يحتاج إجراؤها في ابتداء قتالهم إلى استدلال و نظر و قد مر شرح سائر أجزاء الخبر في رواية النهج

  -477  كا، ]الكافي[ علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن زرارة و فضيل و محمد بن مسلم عن أبي جعفر ع قال في صلاة الخوف عند المطاردة و المناوشة يصلي كل إنسان منهم بالإيماء حيث كان وجهه و إن كانت المسايفة و المعانقة و تلاحم القتال فإن أمير المؤمنين ع صلى ليلة صفين و هي ليلة الهرير لم تكن صلواتهم الظهر و العصر و المغرب و العشاء عند كل وقت صلاة إلا التكبير و التهليل و التسبيح و التحميد و الدعاء فكانت تلك صلواتهم لم يأمرهم بإعادة الصلاة

478-  فر، ]تفسير فرات بن إبراهيم[ إبراهيم بن بنان الخثعمي عن جعفر بن أحمد بن يحيى عن علي بن أحمد بن القاسم الباهلي عن ضرار بن الأزور أن رجلا من الخوارج سأل ابن عباس رضي الله عنه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع فأعرض عنه ثم سأله فقال و الله لقد كان أمير المؤمنين يشبه القمر الزاهر و الأسد الخادر و الفرات الزاخر و الربيع الباكر فأشبه من القمر ضوؤه و بهاؤه و من الأسد شجاعته و مضاؤه و من الفرات جوده و سخاؤه و من الربيع خصبه و حياؤه عقمت النساء أن يأتين بمثل علي بعد النبي و الله ما سمعت و لا رأيت إنسانا محاربا مثله و قد رأيته يوم صفين و عليه عمامة بيضاء و كان عينيه سراجان و هو يتوقف على شرذمة شرذمة يحضهم و يحثهم إلى أن انتهى إلي و أنا في كنف من المسلمين فقال معاشر الناس استشعروا الخشية و أميتوا الأصوات و تجلببوا بالسكينة و أكملوا اللأمة و قلقلوا السيوف في الغمد قبل السلة و الحظوا الشزر و اطعنوا الخزر و نافجوا بالظبى و صلوا السيوف بالخطى و الرماح بالنبال فإنكم بعين الله و مع ابن عم نبيكم و عاودوا الكر و استحيوا من الفر فإنه عار باق في الأعقاب و نار يوم الحساب فطيبوا عن أنفسكم أنفسا و اطووا عن الحياة كشحا و امشوا إلى الموت مشيا و عليكم بهذا السواد الأعظم و الرواق المطنب فاضربوا ثبجه فإن الشيطان عليه اللعنة راكد في كسره نافج حضنيه و مفترش ذراعيه قد قدم للوثبة يدا و أخر للنكوص رجلا فصمدا حتى ينجلي لكم عمود الحق و أنتم الأعلون و الله معكم و لن يتركم أعمالكم قال و أقبل معاوية في الكتيبة الشهباء و هي زهاء عشرة آلاف بجيش شاكين في الحديد لا يرى منهم إلا الحدق تحت المغافر فقال ع ما لكم تنظرون بما تعجبون إنما هم جثث ماثلة فيها قلوب طائرة مزخرفة بتمويه الخاسرين و رجل جراد زفت به ريح صبا و لفيف سداه و لحمته الضلالة و صرخ بهم ناعق البدع و فيهم خور الباطل و ضحضحة المكاثر فلو قد مسها سيوف أهل الحق لتهافتت تهافت الفراش في النار ألا فسووا بين الركب و عضوا على النواجذ و اضربوا القوابض بالصوارم و أشرعوا الرماح في الجوانح و شدوا فإني شاد حم لا ينصرون فحملوا حملة ذي لبد فأزالوهم عن مصافهم و دفعوهم عن أماكنهم و رفعوهم عن مراكبهم و ارتفع الرهج و خمدت الأصوات فلا يسمع إلا صلصلة الحديد و غمغمة الأبطال و لا يرى إلا رأس نادر و يد طائحة و أنا كذلك إذ أقبل أمير المؤمنين ع من موضع يريد أن ينجلي من الغبار و ينفذ العلق من ذراعيه سيفه يقطر الدماء و قد انحنى كقوس النازع و هو يتلو هذه الآية وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِي‏ءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فما رأيت قتالا أشد من ذلك اليوم يا بني إني أرى الموت لا يقلع و من مضى لا يرجع و من بقي فإليه ينزع إني أوصيك بوصية فاحفظها و اتق الله و ليكن أولى الأمر بك الشكر لله في السر و العلانية فإن الشكر خير زاد

 بيان قال في القاموس الخدر أجمة الأسد و منه أسد الخادر و الربيع الباكر أي أول ما دخل فإنه أكثر مطرا و أظهر آثارا و كل من بادر إلى شي‏ء فقد أبكر إليه و بكر أي وقت كان و الباكورة أول الفاكهة ذكره الجوهري و قال مضى الأمر مضاء نفذ و قال الحياء مقصورا الخصب و المطر و أنا في كنف أي في ناحية و جانب و في بعض النسخ في كتيبة و هو أظهر و الرجل الجماعة الكثيرة من الجراد خاصة و الخور الضعف و ضحضحة المكاثر هي التوهيم و التهديد الذي يأتي به المكاثر و يدعيه و لا أصل له قال في القاموس ضحضح السراب ترقرق و الضحضحة جري السراب. و اضربوا القوانص أي الأعناق و الصدور تشبيها بقانصة الطير أو الفرق التي يريدون اصطيادكم من قنصه أي صاده و يحتمل القوابض بالباء و الضاد المعجمة أي الأيدي القابضة و الصارم السيف القاطع و أشرعت الرمح قبله أي سددت و كذا شرعت و الجوانح الأضلاع التي تلي الصدر و الشدة بالفتح الحملة في الحرب و الرهج بالتحريك الغبار و الغمغمة أصوات الأبطال في القتال و في القاموس اللبدة بالكسر شعر زبرة الأسد و كنيته ذو لبدة

479-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلامه ع لما عزم على لقاء القوم بصفين اللهم رب السقف المرفوع و الجو المكفوف الذي جعلته مغيضا لليل و النهار و مجرى للشمس و القمر و مختلفا للنجوم السيارة و جعلت سكانه سبطا من ملائكتك لا يسأمون عن عبادتك و رب هذه الأرض التي جعلتها قرارا للأنام و مدرجا للهوام و الأنعام و ما لا يحصى مما يرى و ما لا يرى و رب الجبال الرواسي التي جعلتها للأرض أوتادا و للخلق اعتمادا إن أظهرتنا على عدونا فجنبنا البغي و سددنا للحق و إن أظهرتهم علينا فارزقنا الشهادة و اعصمنا من الفتنة أين المانع للذمار و الغائر عند نزول الحقائق من أهل الحفاظ العار وراءكم و الجنة أمامكم

 بيان الجو ما بين السماء و الأرض و الهواء و غاض الماء غيضا نضب و قل و المراد هنا بالسقف المرفوع السماء أيضا من كفه أي جمعه و ضم بعضه إلى بعض أو الهواء لكونه مضموما بالسماء محفوظا عن الانتشار كما ورد في الدعاء و سد الهواء بالسماء لكن يأبى عنه وصفه بكونه مجرى للشمس و القمر و مختلفا للنجوم السيارة و كونه مغيضا لليل و النهار لأن الفلك بحركته المستلزمة لحركة الشمس على وجه الأرض يكون سببا لغيبوبة الليل و عن وجهها لغيبوبة النهار فكان كالمغيض لهما و قيل المغيض الغيضة و هي في الأصل الأجمة يجتمع إليها الماء فيسمى غيضة و مغيضا و ينبت فيها الشجر و كذلك الليل و النهار يتولدان من جريان الفلك فكان كالغيضة لهما و الاختلاف التردد قوله ع سبطا أي قبيلة قوله ع قرارا أي موضع استقرارهم و مدرجا أي موضع سيرها و حركاتها و الهوام الحشرات قوله ع و للخلق اعتمادا لأنهم يجعلونها مساكن لهم و يستغنون عن بناء جدار مثلا و لأنها من أمهات العيون و منابع المياه و فيها المعادن و الأشجار و الثمار و الأعشاب فهي معتمد للخلق في مرافقهم و منافعهم و ذمار الرجل كل شي‏ء يلزمه الدفع عنه و إن ضيعه لزمه الذم أي اللوم و الحقائق الأمور الشديدة العار وراءكم أي يسوقكم إلى الحرب و يمنعكم من الهرب و في بعض النسخ النار بهذا الوجه أو لأن الهارب مصيره إليها

480-  نهج، ]نهج البلاغة[ روى ابن جرير الطبري في تاريخه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه و كان ممن خرج لقتال الحجاج مع ابن الأشعث أنه قال فيما كان يحض به الناس على الجهاد إني سمعت عليا ع رفع الله درجته في الصالحين و أثابه ثواب الشهداء و الصديقين يقوم يول لقينا أهل الشام أيها المؤمنون إنه من رأى عدوانا يعمل به و منكرا يدعى إليه فأنكره بقلبه فقدم سلم و برأ و من أنكره بلسانه فقد آجر و هو أفضل من صاحبه و من أنكره بالسيف لتكون كلمة الله هي العليا و كلمة الظالمين السفلى فذلك الذي أصاب سبيل الهدى و قام على الطريق و نور في قلبه اليقين

 بيان قوله ع فقد سلم و برأ أي من العذاب المترتب على فعل المنكر و الرضا به لأنه خرج بمجرد ذلك عن العهدة. و قال ابن ميثم إنما خصصه بالسلامة و البراءة من العذاب لأنه لم يحمل إثما و إنما لم يذكر له أجرا و إن كان كل واجب يثاب عليه لأن غاية إنكار المنكر دفعه و الإنكار بالقلب ليس له في الظاهر تأثير في دفع المنكر فكأنه لم يفعل ما يستحق به أجرا انتهى و فيه ما فيه

481-  كتاب سليم بن قيس، عن أبان بن أبي عياش عنه قال سألت عبد الله بن عباس هل شهدت صفين قال نعم قلت هل شهدت يوم الهرير قال نعم قلت كم كان أتى عليك من السن قال أربعون سنة قلت فحدثني رحمك الله قال نعم مهما نسيت من شي‏ء من الأشياء فلا أنسى هذا الحديث ثم بكى و قال صفوا و صففنا فخرج مالك الأشتر على فرس أدهم و سلاحه معلق على فرسه و بيده الرمح و هو يقرع به رءوسنا و يقول أقيموا صفوفكم فلما كتب الكتائب و أقام الصفوف أقبل على فرسه حتى قام بين الصفين فولى أهل الشام ظهره و أقبل علينا بوجهه فحمد الله و أثنى عليه و صلى على النبي ص ثم قال أما بعد فإنه كان من قضاء الله و قدره اجتماعنا في هذه البقعة من الأرض لآجال قد اقتربت و أمور تصرمت يسوسنا فيها سيد المسلمين و أمير المؤمنين و خير الوصيين و ابن عم نبينا و أخوه و وارثه و سيف من سيوف الله و رئيسهم ابن آكلة الأكباد و كهف النفاق و بقية الأحزاب يسوقهم إلى الشقاء و النار و نحن نرجو بقتالهم من الله الثواب و هم ينتظرون العقاب فإذا حمي الوطيس و ثار القتام و جالت الخيل بقتلانا و قتلاهم رجونا بقتالهم النصر من الله فلا أسمعن إلا غمغمة أو همهمة أيها الناس غضوا الأبصار و عضوا على النواجذ من الأضراس فإنها أشد لصرر الرأس و استقبلوا القوم بوجوهكم و خذوا قوائم سيوفكم بأيمانكم فاضربوا الهام و اطعنوا بالرماح مما يلي الشرسوف فإنه مقتل و شدوا شدة قوم موتورين بآبائهم و بدماء إخوانهم حنقين على عدوهم قد وطنوا أنفسهم على الموت لكيلا تذلوا و لا يلزمكم في الدنيا عار ثم التقى القوم فكان بينهم أمر عظيم فتفرقوا عن سبعين ألف قتيل من جحاجحة العرب و كانت الوقعة يوم الخميس من حيث استقلت الشمس حتى ذهب ثلث الليل الأول ما سجد لله في ذينك العسكرين سجدة حتى مرت مواقيت الصلوات الأربع الظهر و العصر و المغرب و العشاء

 قال سليم ثم إن عليا ع قام خطيبا فقال أيها الناس إنه قد بلغ بكم ما قد رأيتم بعدوكم فلم يبق منهم إلا آخر نفس و إن الأمور إذا أقبلت اعتبر آخرها بأولها و قد صبر لكم القوم على غير دين حتى بلغوا فيكم ما قد بلغوا و أنا غاد عليهم بالغداة إن شاء الله و محاكمهم إلى الله فبلغ ذلك معاوية ففزع فزعا شديدا و انكسر هو و جميع أصحابه و أهل الشام كذلك فدعا عمرو بن العاص فقال يا عمرو إنما هو الليلة حتى يغدو علينا فما ترى قال أرى الرجال قد قلوا و ما بقي فلا يقومون لرجاله و لست مثله و إنما يقاتلك على أمر و أنت تقاتله على غيره أنت تريد البقاء و هو يريد الفناء و ليس يخاف أهل الشام عليا إن ظفر بهم ما يخاف أهل العراق إن ظفرت بهم و لكن ألق إليهم أمرا فإن ردوه اختلفوا و إن قبلوه اختلفوا ادعهم إلى كتاب الله و ارفع المصاحف على رءوس الرماح فإنك بالغ حاجتك فإني لم أزل أدخرها لك فعرفها معاوية و قال صدقت و لكن قد رأيت رأيا أخدع به عليا طلبي إليه الشام على الموادعة و هو الشي‏ء الأول الذي ردني عنه فضحك عمرو و قال أين أنت يا معاوية من خديعة علي و إن شئت أن تكتب فاكتب قال فكتب معاوية إلى علي ع كتابا مع رجل من أهل السكاسك يقال له عبد الله بن عقبة أما بعد فإنك لو علمت أن الحرب تبلغ بنا و بك ما بلغت و علمناه نحن لم يجنها بعضنا على بعض و إنا إن كنا قد غلبنا على عقولنا فقد بقي منها ما يزم به ما بقي و قد كنت سألتك الشام على أن لا يلزمني لك طاعة و لا بيعة فأبيت ذلك علي فأعطاني الله ما منعت و أنا أدعوك اليوم إلى ما دعوتك إليه أمس فإنك لا ترجو من البقاء إلا ما أرجوه و لا تخاف من الفناء إلا ما أخاف و قد و الله رقت الأكباد و ذهبت الرجال و نحن بنو عبد مناف و ليس لبعضنا على بعض فضل يستذل به عزيز و لا يسترق به ذليل و السلام قال سليم فلما قرأ علي ع كتابه ضحك و قال العجب من معاوية و خديعته لي فدعا كاتبه عبيد الله بن أبي رافع فقال له اكتب أما بعد فقد جاءني كتابك تذكر فيه أنك لو علمت و علمنا أن الحرب تبلغ بنا و بك إلى ما بلغت لم يجنها بعضنا على بعض و أنا و إياك يا معاوية على غاية منها لم نبلغها بعد و أما طلبك إلي الشام فإني لم أعطك اليوم ما منعتك أمس و أما استواؤنا في الخوف و الرجاء فإنك قلت لست بأمضى على الشك مني على اليقين و ليس أهل الشام أحرص على الدنيا من أهل العراق على الآخرة و أما قولك إنا بنو عبد مناف ليس لبعضنا فضل على بعض فكذلك نحن و لكن ليس أمية كهاشم و لا حرب كعبد المطلب و لا أبو سفيان كأبي طالب و لا الطليق كالمهاجر و لا المنافق كالمؤمن و لا المحق كالمبطل و في أيدينا فضل النبوة التي ملكنا بها العرب و استعبدنا بها العجم و السلام فلما انتهى كتاب علي ع إلى معاوية كتمه عمرا ثم دعاه فأقرأه فشمت به عمرو و قد كان نهاه و لم يكن أحد من قريش أشد تعظيما لعلي ع من عمرو بعد اليوم الذي صرعه عن دابته فقال عمرو

ألا لله درك يا ابن هند و در المردي الحال المسودأ تطمع لا أبا لك في علي و قد قرع الحديد على الحديدو ترجو أن تخادعه بشك و ترجو أن يهابك بالوعيدو قد كشف القناع و جر حربا يشيب لهولها رأس الوليدله جأواه مظلمة طحون فوارسها تلهب كالأسوديقول لها إذا رجعت إليه بقتل بالطعان اليوم عودي‏فإن وردت فأولها ورودا و إن صدرت فليس بذي ورودو ما هي من أبي حسن بنكر و ما هي من مساتك بالبعيدو قلت له مقالة مستكين ضعيف القلب منقطع الوريد

 طلبت الشام حسبك يا ابن هند من السوآة و الرأي الزهيدو لو أعطاكها ما ازددت عزا و ما لك في استزادك من مزيدفلم تكسر بهذا الرأي عودا سوى ما كان لا بل رق عود

فقال معاوية و الله لقد علمت ما أردت بهذا قال عمرو و ما أردت به قال عيبك رأيي في خلافك و معصيتك و العجب لك تفيل رأيي و تعظم عليا و قد فضحك فقال أما تفييلي رأيك فقد كان و أما إعظامي عليا فإنك بإعظامه أشد معرفة مني و لكنك تطويه و أنشره و أما فضيحتي فلن يفتضح رجل بارز عليا فإن شئت أن تبلوها أنت منه فافعل فسكت معاوية و فشا أمرهما في أهل الشام قال أبان قال سليم و مر علي ع بجماعة من أهل الشام فيهم الوليد بن عقبة بن أبي معيط و هم يشتمونه فأخبر بذلك فوقف فيمن يليهم من أصحابه و قال لهم انهضوا إليهم و عليكم السكينة و سيماء الصالحين و وقار الإسلام أقربنا من الجهل بالله و الجرأة عليه و الاغترار لقوم رئيسهم معاوية و ابن النابغة و أبو الأعور السلمي و ابن أبي معيط شارب الخمر و المجلود الجد في الإسلام و الطريد مروان و هم هؤلاء يقربون و يشتمون و قبل اليوم ما قاتلوني و شتموني و أنا إذ ذاك أدعوهم إلى الإسلام و هم يدعوني إلى عبادة الأوثان فالحمد لله على ما عاداني الفاسقون إن هذا الخطب جليل إن فساقا منافقين كانوا عندنا غير مؤتمنين و على الإسلام منحرفين متخوفين خدعوا شطر هذه الأمة و أشربوا قلوبهم حب الفتنة و استمالوا أهوائهم إلى الباطل فقد نصبوا لنا الحرب و جدوا في إطفاء نور الله وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ثم حرض عليهم و قال إن هؤلاء لا يزولون عن موقفهم هذا دون طعن دراك تطير منه القلوب و ضرب تفلق الهام و تطيح منه الأنوف و العظام و يسقط منه المعاصم و حتى تقرع جباههم بعمد الحديد و تنشر حواجبهم على صدورهم و الأذقان و النحور أين أهل الدين و طلاب الأجر قال فثارت عليه عصابة نحو أربعة آلاف فدعا محمد بن الحنفية و قال يا بني امش نحو هذه الرابة مشيا وئيدا على هينتك حتى إذا أشرعت في صدورهم الأسنة فأمسك حتى يأتيك رأيي ففعل و أعد على مثلهم فلما دنا محمد و أشرع الرماح في صدورهم أمر على الذين كان أعدهم أن يحملوا معه فشدوا عليهم و نهض محمد و من معه في وجوههم فأزالوهم عن مواقفهم و قتلوا عامتهم

 بيان لصرر الرأس كأنه جمع صرة على الاستعارة فشبه خرائط الدماغ و أوعية الرأس بالصرة التي تجعل فيها الدراهم. و قال الجوهري الشراسيف مقاط الأضلاع و هي أطرافها التي تشرف على البطن و يقال الشرسوف غضروف معلق بكل ضلع مثل غضروف الكتف و قال الموتور الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه و قال الجحجاح السيد و الجمع الجحاجح و جمع الجحاجح جحاجحة. قوله و در المردي الحال كذا. أقول روى ابن أبي الحديد عن نصر بن مزاحم كتاب معاوية و جوابه ع و ما جرى بين معاوية و بين عمرو في ذلك و في الأبيات اختلاف و فيها و در الآمرين لك الشهود و المسود الرعية لسيد يقال ساد قومه يسودهم و فيها

و ترجو أن تحيره بشك و تأمل أن يهابك بالوعيد.

 و الوليد الطفيل. و قال الجوهري كتيبة جأوا بينة الجأي و هي التي يعلوها لون السواد لكثرة الدروع و فيها أيضا

يقول لها إذا رجعت إليه و قد ملت طعان القوم عودي.

 و الضمير في لها راجع إلى الجأواء. و بدل قوله و إن صدرت في الرواية و إن صدت فليس بذي صدود. و فيها أيضا

و لو أعطاكها ما ازددت عزا و لا لك لو أجابك من مزيد.فلم تكسر بذاك الرأي عودا لركته و لا ما دون عود.

 و الدق بالكسر الدقيق و الركة الرقة و الضعف و قال الجوهري فيل رأيه ضعفه و قال مشى مشيا وئيدا أي على تؤدة و قال يقال امش على هينتك أي على رسلك و قد مر شرح سائر أجزاء الخبر و لم أبال بالتكرار للاختلاف الكثير بين الرويات. أقول و روى نصر بن مزاحم في كتاب صفين هذه المراسلة مع ما جرى فيه بين معاوية و عمرو و الأبيات باختلاف و قد أشرنا إلى بعضه

482-  لي، ]الأمالي للصدوق[ الحافظ عن أحمد بن عبد العزيز بن الجعد عن عبد الرحمن بن صالح عن شعيب بن راشد عن جابر عن أبي جعفر ع قال قام علي ع يخطب الناس بصفين يوم جمعة و ذلك قبل ليلة الهرير بخمسة أيام فقال الحمد لله على نعمه الفاضلة على جميع خلقه البر و الفاجر و على حججه البالغة على خلقه من عصاه أو أطاعه إن يعف فبفضل منه و إن يعذب فبما قدمت أيديهم و ما الله بظلام للعبيد أحمده على حسن البلاء و تظاهر النعماء و أستعينه على ما نابنا من أمر ديننا و أومن به و أتوكل عليه و كفى بالله وكيلا ثم إني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله أرسله بالهدى و دينه الذي ارتضاه و كان أهله و اصطفاه على جميع العباد بتبليغ رسالته و حججه على خلقه و كان كعلمه فيه رءوفا رحيما أكرم خلق الله حسبا و أجملهم منظرا و أشجعهم نفسا و أبرهم بوالد و آمنهم على عقد لم يتعلق عليه مسلم و لا كافر بمظلمة قط بل كان يظلم فيغفر و يقدر فيصفح و يعفو حتى مضى مطيعا لله صابرا على ما أصابه مجاهدا في الله حق جهاده عابدا لله حتى أتاه اليقين فكان ذهابه ع أعظم المصيبة على جميع أهل الأرض البر و الفاجر ثم ترك فيكم كتاب الله يأمركم بطاعة الله و ينهاكم عن معصيته و قد عهد إلي رسول الله ص عهدا لن أخرج عنه و قد حضركم عدوكم و قد عرفتم من رئيسهم يدعوهم إلى باطل و ابن عم نبيكم ص بين أظهركم يدعوكم إلى طاعة ربكم و العمل بسنة نبيكم و لا سواء من صلى قبل كل ذكر لم يسبقني بالصلاة غير نبي الله و أنا و الله من أهل بدر و الله إنكم لعلى الحق و إن القوم لعلى الباطل فلا يصبر القوم على باطلهم و يجتمعوا عليه و تتفرقوا عن حقكم قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم فإن لم تفعلوا ليعذبنهم الله بأيدي غيركم فأجابه أصحابه فقالوا يا أمير المؤمنين انهض بنا إلى القوم إذا شئت فو الله ما نبغي بك بدلا نموت معك و نحيا معك فقال لهم مجيبا لهم و الذي نفسي بيده لنظر إلي رسول الله ص و أنا أضرب قدامه بسيفي فقال لا سيف إلا ذو الفقار و لا فتى إلا علي ثم قال لي يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي و حياتك يا علي و موتك معي فو الله ما كذبت و لا كذبت و لا ضللت و لا ضل بي و لا نسيت ما عهد إلي إني إذا لنسي‏ء و إني لعلى بينة من ربي بينها لنبيه ص فبينها لي و إني لعلى الطريق الواضح ألقطه لقطا ثم نهض إلى القوم يوم الخميس فاقتتلوا من حين طلعت الشمس حتى غاب الشفق ما كانت صلاة القوم يومئذ إلا تكبيرا عند مواقيت الصلاة فقتل علي ع يومئذ بيده خمس مائة و ستة نفر من جماعة القوم فأصبح أهل الشام ينادون يا علي اتق الله في البقية و رفعوا المصاحف على أطراف القنا

 بيان و موتك معي أي بعد الموت معي و أنا حاضر عندك و نصري و تأييدي معك في حياتك و بعد موتك أو حياتك كحياتي و موتك كموتي. قوله ع ألقطه لقطا أي أقول هذا الكلام جهرا و لا أبالي أن أبينه للناس و قال الجوهري القنا جمع قناة و هي الرمح و يجمع على قنوات و قنى على فعول و قناء

483-  فس، ]تفسير القمي[ هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة قال حدثني رجل من ولد عدي بن حاتم عن أبيه عن جده عدي بن حاتم و كان مع علي صلوات الله عليه في حروبه أن عليا ع قال ليلة الهرير بصفين حين التقى مع معاوية رافعا صوته يسمع أصحابه لأقتلن معاوية و أصحابه ثم قال في آخر قوله إن شاء الله يخفض به صوته و كنت منه قريبا فقلت يا أمير المؤمنين إنك حلفت على ما قلت ثم استثنيت فما أردت بذلك فقال إن الحرب خدعة و أنا عند أصحابي صدوق فأردت أن أطمع أصحابي في قولي كي لا يفشلوا و لا يفروا فافهم فإنك تنتفع بها بعد إن شاء الله تعالى

  -484  ختص، ]الإختصاص[ أحمد بن هارون الفامي عن ابن الوليد عن الصفار عن ابن عيسى عن محمد البرقي عن أحمد بن النضر عن عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن أبي جعفر ع قال شهد مع علي بن أبي طالب ع من التابعين ثلاثة نفر بصفين شهد لهم رسول الله ص بالجنة و لم يرهم أويس القرني و زيد بن صوحان العبدي و جندب الخير الأزدي رحمة الله عليهم

 بيان قال الشيخ في رجاله جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي و يقال جندب الخير و جندب الفارق و يظهر من ابن عبد البر أن الفارق و هو جندب بن كعب الأزدي الذي قتل الساحر بين يدي الوليد بن عقبة كما مر في مطاعن عثمان و لذا لقب بالفارق لأنه فرق بضربة بين الحق و الباطل و ذكر أنه شهد مع علي ع بصفين و لعله المذكور في الخبر

485-  مد، ]العمدة[ بإسناده إلى صحيح مسلم بإسناده إلى شقيق قال سمعت سهل بن حنيف يقول بصفين اتهموا رأيكم على دينكم و الله لقد رأيتني يوم أبي جندل و لو أني أستطيع أن أرد أمر رسول الله ص لرددته و الله ما وضعنا سيوفنا على عواتقنا إلى أمر قط إلا سهل بنا إلى أمر نعرفه إلا أمركم هذا

 بيان أسهل بنا كناية عن انتهاء الأمر و رفع الحرب من قولهم أسهل إذا صار إلى السهل من الأرض ضد الحزن و قصة أبي جندل و اشتباه الأمر فيها على الصحابة قد مر في باب الحديبية و غرضه أن هذا الأمر شبيه بذاك فلا تنكروه

486-  مد، ]العمدة[ من تفسير الثعلبي قال روى خلف بن أبي خليفة عن أبي هاشم عن أبي سعيد الخدري قال كنا نقول ربنا واحد و ديننا واحد فما هذه الخصومة فلما كان يوم صفين و شدد بعضنا على بعض بالسيف قلنا نعم هو هذا

487-  نهج، ]نهج البلاغة[ روي أنه ع لما ورد الكوفة قادما من صفين مر بالشاميين فسمع بكاء النساء على قتلى صفين و خرج إليه حرب بن شرحبيل الشامي و كان من وجوه قومه فقال له أ يغلبكم نساؤكم على ما أسمع أ لا تنهونهن عن هذا الأنين الرنين و أقبل يمشي معه و هو ع راكب فقال له ارجع فإن مشي مثلك مع مثلي فتنة للوالي و مذلة للمؤمن

488-  نهج، ]نهج البلاغة[ قال ع و قد رجع من صفين فأشرف على القبور بظاهر الكوفة يا أهل الديار الموحشة و المحال المقفرة و القبور المظلمة يا أهل التربة يا أهل الغربة يا أهل الوحدة يا أهل الوحشة أنتم لنا فرط سابق و نحن لكم تبع لاحق أما الدور فقد سكنت و أما الأزواج فقد نكحت و أما الأموال فقد قسمت هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم ثم التفت إلى أصحابه فقال أما لو أذن لهم في الكلام لأخبروكم أن خير الزاد التقوى