باب 16- باب كتبه ع إلى معاوية و احتجاجاته عليه و مراسلاته إليه و إلى أصحابه

398-  نهج، ]نهج البلاغة[ ج، ]الإحتجاج[ احتجاجه ع على معاوية في جواب كتاب كتبه إليه و في غيره من المواضع و هو من أحسن الحجاج و أصوبه أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر اصطفاء الله تعالى محمدا ص لدينه و تأييده إياه بمن أيده من أصحابه فلقد خبأ لنا الدهر منك عجبا إذ طفقت تخبرنا ببلاء الله عندنا و نعمته علينا في نبينا فكنت في ذلك كناقل التمر إلى هجر أو داعي مسدده إلى النضال  و زعمت أن أفضل الناس في الإسلام فلان و فلان فذكرت أمرا إن تم اعتزلك كله و إن نقص لم يلحقك ثلمه و ما أنت و الفاضل و المفضول و السائس و المسوس و ما للطلقاء و أبناء الطلقاء و التمييز بين المهاجرين الأولين و ترتيب درجاتهم و تعريف طبقاتهم هيهات لقد حن قدح ليس منها فطفق يحكم فيها من عليه الحكم لها أ لا تربع أيها الإنسان على ظلعك و تعرف قصور ذرعك و تتأخر حيث أخرك القدر فما عليك غلبة المغلوب و لا لك ظفر الظافر و إنك لذهاب في التيه رواغ عن القصد أ لا ترى غير مخبر لك و لكن بنعمة الله أحدث إن قوما استشهدوا في سبيل الله من المهاجرين و لكل فضل حتى إذا استشهد شهيدنا قيل سيد الشهداء و خصه رسول الله ص بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه أ و لا ترى أن قوما قطعت أيديهم في سبيل الله و لكل فضل حتى إذا فعل بواحدنا كما فعل بواحدهم قيل الطيار في الجنة و ذو الجناحين و لو لا ما نهى الله عنه من تزكية المرء نفسه لذكر ذاكر فضائل جمة تعرفها قلوب المؤمنين و لا تمجها آذان السامعين فدع عنك من مالت به الرمية فإنا صنائع ربنا و الناس بعد صنائع لنا لم يمنعنا قديم عزنا و عادي طولنا على قومك أن خلطناكم بأنفسنا فنكحنا و أنكحنا فعل الأكفاء و لستم هناك و أنى يكون ذلك كذلك و منا النبي و منكم المكذب و منا أسد الله و منكم أسد الأحلاف و منا سيدا شباب أهل الجنة و منكم صبية النار و منا خير نساء العالمين و منكم حمالة الحطب في كثير مما لنا و عليكم فإسلامنا ما قد سمع و جاهليتكم ما لا تدفع و كتاب الله يجمع لنا ما شذ عنا و هو قوله تعالى وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ  و قوله تعالى إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ فنحن مرة أولى بالقرابة و تارة أولى بالطاعة و لما احتج المهاجرون على الأنصار يوم السقيفة برسول الله ص فلجوا عليهم فإن يكن الفلج به فالحق لنا دونكم و إن يكن بغيره فالأنصار على دعواهم و زعمت أني لكل الخلفاء حسدت و على كلهم بغيت فإن يكن ذلك كذلك فليس الجناية عليك فيكون العذر إليك

و تلك شكاة ظاهر عنك عارها

و قلت إني كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى أبايع و لعمر الله لقد أردت أن تذم فمدحت و أن تفضح فافتضحت و ما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوما ما لم يكن شاكا في دينه و لا مرتابا بيقينه و هذه حجتي إلى غيرك قصدها و لكني أطلقت لك منها بقدر ما سنح من ذكرها ثم ذكرت ما كان من أمري و أمر عثمان فلك أن تجاب عن هذه لرحمك منه فأينا كان أعدى له و أهدى إلى مقاتله أ من بذل له نصرته فاستقعده و استكفه أم من استنصره فتراخى عنه و بث المنون إليه حتى أتى قدره عليه كلا و الله لقد علم اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَ الْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَ لا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا و ما كنت لأعتذر من أني كنت أنقم عليه أحداثا فإن كان الذنب إليه إرشادي و هدايتي له فرب ملوم لا ذنب له

و قد يستفيد الظنة المتنصح

و ما أردت إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَ ما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ  و ذكرت أنه ليس لي و لأصحابي عندك إلا السيف فلقد أضحكت بعد استعبار متى ألفيت بني عبد المطلب عن الأعداء ناكلين و بالسيوف مخوفين

فالبث قليلا يلحق الهيجاء حمل

فسيطلبك من تطلب و يقرب منك ما تستبعد و أنا مرقل نحوك في جحفل مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ و التابعين بإحسان شديد زحامهم ساطع قتامهم متسربلين سرابيل الموت أحب اللقاء إليهم لقاء ربهم قد صحبتهم ذرية بدرية و سيوف هاشمية قد عرفت مواقع نصالها في أخيك و خالك و جدك و أهلك وَ ما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ

 بيان قال ابن أبي الحديد بعد إيراد هذا الكتاب سألت النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيد قلت أرى هذا الجواب منطبقا على كتاب معاوية الذي بعثه مع أبي مسلم الخولاني إلى علي ع فإن كان هذا هو الجواب فالجواب الذي ذكره أرباب السيرة و أورده نصر بن مزاحم في كتاب صفين إذن غير صحيح و إن كان ذاك الجواب فهذا الجواب إذا غير صحيح و لا ثابت. فقال لي بل كلاهما ثابت مروي و كلاهما كلام أمير المؤمنين ع و ألفاظه ثم أمرني أن أكتب ما يمليه علي فكتبته. قال رحمه الله كان معاوية يتسقط عليا ع و يبغي عليه ما عساه أن يذكره من حال أبي بكر و عمر و أنهما غصباه حقه و لا يزال يكيده بالكتاب يكتبه و الرسالة يبعثها يطلب غرته لينفث بما في صدره من حال أبي بكر و عمر إما مكاتبة أو مراسلة فيجعل ذلك حجة عليه عند أهل الشام و يضيفه إلى ما قدره في أنفسهم من ذنوبه كما زعم فكان غمصه عندهم بأنه قتل عثمان أو مالا على قتله و أنه قتل طلحة و الزبير و أسر عائشة و أراق دماء أهل البصرة  و بقيت خصلة واحدة و هو أن يثبت عندهم أنه يبرأ من أبي بكر و عمر و ينسبهما إلى الظلم و مخالفة الرسول في أمر الخلافة و أنهما وثبا عليها غلبة و غصباه إياها فكانت هذه تكون الطامة الكبرى و ليست مقتصرة على إفساد أهل الشام عليه بل و أهل العراق الذين هم جنده و بطانته و أنصاره لأنهم كانوا يعتقدون إمامة الشيخين إلا القليل الشاذ من خواص الشيعة. فلما كتب ذلك الكتاب مع أبي مسلم الخولاني قصد أن يغضب عليا و يحرجه و يحوجه إذا قرأ ذكر أبي بكر و أنه أفضل المسلمين إلى أن يرهن خطه في الجواب بكلمة تقتضي طعنا في أبي بكر فكان الجواب مجمجما غير بين ليس فيه تصريح بالتظليم لهما و لا التصريح ببراءتهما و تارة يترحم عليهما و تارة يقول أخذا حقي و قد تركته لهما. فأشار عمرو بن العاص على معاوية أن يكتب كتابا ثانيا مناسبا للكتاب الأول ليستفزا فيه عليا ع و يستخفاه و يحمله الغضب منه أن يكتب كلاما يتعلقان به في تقبيح حاله و تهجين مذهبه و قال له عمرو إن عليا ع رجل نزق تياه ما استطعمت منه الكلام بمثل تقريظ أبي بكر و عمر فاكتب إليه ثانيا فكتب كتابا أنفذه إليه مع أبي أمامة الباهلي و هو من الصحابة بعد أن عزم على بعثه مع أبي الدرداء و نسخة الكتاب. من عبد الله معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب أما بعد فإن الله تعالى جده اصطفى محمدا ص لرسالته و اختصه بوحيه و تأدية شريعته فأنقذ به من العماية و هدى به من الغواية ثم قبضه إليه رشيدا حميدا قد  بلغ الشرع و محق الشرك و أخمد نار الإفك فأحسن الله جزاءه و ضاعف عليه نعمه و آلاءه. ثم إن الله سبحانه اختص محمدا ص بأصحاب أيدوه و آزروه و نصروه و كانوا كما قال الله سبحانه لهم أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ فكان أفضلهم مرتبة و أعلاهم عند الله و المسلمين منزلة الخليفة الأول الذي جمع الكلمة و لم الدعوة و قاتل أهل الردة ثم الخليفة الثاني الذي فتح الفتوح و مصر الأمصار و أذل رقاب المشركين ثم الخليفة الثالث المظلوم الذي نشر الملة و طبق الآفاق بالكلمة الحنيفية. فلما استوثق الإسلام و ضرب بجرانه عدوت عليه فبغيته الغوائل و نصبت له المكايد و ضربت له بطن الأمر و ظهره و دسست عليه و أغريت به و قعدت حيث استنصرك عن نصرته و سألك أن تدركه قبل أن يمزق فما أدركته. و ما يوم المسلمين منك بواحد لقد حسدت أبا بكر و التويت عليه و رمت إفساد أمره و قعدت في بيتك عنه و استغويت عصابة من الناس حتى تأخروا عن بيعته. ثم كرهت خلافة عمر و حسدته و استطلت مدته و سررت بقتله و أظهرت الشماتة بمصابه حتى إنك حاولت قتل ولده لأنه قتل قاتل أبيه. ثم لم تكن أشد حسدا منك لابن عمك عثمان نشرت مقابحه و طويت محاسنه و طعنت في فقهه ثم في دينه ثم في سيرته ثم في عقله و أغريت به السفهاء من أصحابك و شيعتك حتى قتلوه بمحضر منك لا تدفع عنه بلسان و لا يد. و ما من هؤلاء إلا من بغيت عليه و تلكأت في بيعته حتى حملت إليه قهرا تساق بخزائم الاقتسار كما يساق الفحل المخشوش ثم نهضت الآن

   تطلب الخلافة و قتلة عثمان خلصاؤك و سجراؤك و المحدقون بك و تلك من أماني النفوس و ضلالات الأهواء. فدع اللجاج و العنت جانبا و ادفع إلينا قتلة عثمان و أعد الأمر شورى بين المسلمين ليتفقوا على من هو لله رضا فلا بيعة لك في أعناقها و لا طاعة لك علينا و لا عتبى لك عندنا و ليس لك و لأصحابك عندي إلا السيف و الذي لا إله إلا هو لأطلبن قتلة عثمان أين كانوا و حيث كانوا حتى أقتلهم أو تلحق روحي بالله. فأما ما لا تزال تمت به من سابقتك و جهادك فإني وجدت الله سبحانه يقول يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ و لو نظرت في حال نفسك لوجدتها أشد الأنفس امتنانا على الله بعملها و إذا كان الامتنان على السائل يبطل أجر الصدقة فالامتنان على الله يبطل أجر الجهاد و يجعله ك صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْ‏ءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ. قال النقيب أبو جعفر فلما وصل هذا الكتاب إلى علي ع مع أبي أمامة الباهلي كلم أبا أمامة بنحو مما كلم به أبا مسلم الخولاني و كتب معه هذا الجواب. قال النقيب و في كتاب معاوية هذا ذكر لفظة الجمل المخشوش أو الفحل المخشوش لا في الكتاب الواصل مع أبي مسلم و ليس في ذلك هذه اللفظة و إنما فيه حسدت الخلفاء و بغيت عليهم عرفنا ذلك من نظرك الشزر و قولك  الهجر و تنفسك الصعداء و إبطاؤك عن الخلفاء قال و إنما كثير من الناس لا يعرفون الكتابين و المشهور عندهم كتاب أبي مسلم فيجعلون هذه اللفظة فيه و الصحيح أنها في كتاب أبي أمامة أ لا تراها عادت في الجواب و لو كانت في كتاب أبي مسلم لعادت في جوابه. انتهى كلام النقيب أبي جعفر أقول إنما أوردت هذا الكتاب على كاتبه و ممليه أشد العذاب ليتضح الجواب و ليظهر لكل عاقل كفر هذا المنافق المرتاب. قوله ع فلقد خبأ لنا الدهر قال في النهاية خبأت الشي‏ء خبئا إذا أخفيته و الخب‏ء كل شي‏ء غائب مستور و لعل المعنى أن الدهر أخفى لنا من أحوالك شيئا عجبا لم نكن نظن ذلك حتى ظهر منك. و يحتمل أن يكون على سبيل التجريد أي أنت أعجب الأشياء في الدهر كنت مخفيا فظهرت من قبيل لقيني منه أسد قال ابن ميثم و وجه العجب أنه أخبر أهل بيت النبي ص بحاله و ما أنعم الله به عليه مع علمهم البالغ بحاله و كونهم أولى بالإخبار عنها و ضرب له في ذلك مثلين و أصل المثل الأول أن رجلا قدم من هجر إلى البصرة بمال اشترى به شيئا للربح فلم يجد فيها أكسد من التمر فاشترى بماله تمرا و حمله إلى هجر و ادخره في البيوت ينتظر به السعر فلم يزدد إلا رخصا حتى فسد جميعه و تلف ما له فضرب مثلا لمن يحمل الشي‏ء إلى معدنه لينتفع به فيه و هجر معروفة بكثرة التمر حتى أنه ربما يبلغ سعر خمسين جلة بدينار و وزن الجلة مائة رطل فذلك خمسة آلاف رطل و لم يسمع ذلك في غيرها من البلاد. و الثاني أنه شبهه بداعي مسدده و أستاده في الرمي إلى المراماة و مسدده أولى بأن يدعوه إلى ذلك. قوله ع إن تم اعتزلك كله أي تباعد عنك و المعنى ذكرت أمرا إن تم لم ينفعك و إن نقص لم يضرك بل لا تعلق له بك أصلا و الثلمة

   الخلل في الحائط و غيره و السياسة القيام على الشي‏ء بما يصلحه و ليس في هذا الكلام شهادة منه ع على فضل الخلفاء لما عرفت من المصلحة في هذا الإجمال. و قال في النهاية أصل الحنين ترجيع الناقة صوتها أثر ولدها و منه كتاب علي ع إلى معاوية و أما قولك كيت و كيت فقد حن قدح ليس منها هو مثل يضرب لرجل ينتمي إلى نسب ليس منه أو يدعي ما ليس منه في شي‏ء و القدح بالكسر أحد سهام الميسر فإذا كان من غير جوهر أخواته ثم حركها المفيض بها خرج له صوت يخالف أصواتها يعرف به. قال الزمخشري في المستقصى القداح التي يضرب بها تكون من نبع فربما ضاع منها قدح فنحيت على مثاله من غرب أو غيره آخر بالعجلة فإذا احتك معها صوت صوتا لا يشابه أصواتها فيقال ذلك ثم ضربه عمر لعقبة بن أبي معيط حين أمر النبي ص بضرب عنقه يوم بدر فقال اقتل من بين قريش أراد عمر إنك لست من قريش. و قيل في بني الحنان و هم بطن من بلحرث إن جدهم ألقى قدحا في قداح قوم يضربون بالمسير و كان يضرب لهم رجل أعمى فلما وقع قدحه في يده قال حن قدح ليس منها فلقب الحنان لذلك يضرب لمنتحل نسبا أو فضلا انتهى. قوله ع يحكم فيها أي في هذه القصة أو القضية من كان الحكم لها عليه لا له. و يجوز إرجاع الضمير إلى الطبقات. و قال ابن ميثم يضرب لمن يحكم على قوم و فيهم و هو من أراد لهم و ليس للحكم بأهل بل هم أولى منه به. و قال الجوهري يقال اربع على نفسك و اربع على ظلعك أي ارفق بنفسك و كف يقال ظلعت الأرض بأهلها أي ضاقت بهم من كثرتهم و يقال  ارق على ظلعك أي اربع على نفسك و لا تحمل عليها أكثر مما تطيق. و قال في النهاية فيه أنه لا يربع على ظلعك الظلع بالسكون العرج و المعنى لا يقيم عليك في حال ضعفك و ربع في المكان إذا أقام به. و في الصحاح أصل الذراع هو بسط اليد و يقال ضقت بالأمر ذرعا إذا لم تطقه و لم تقو عليه. و قال ابن ميثم قوله ع حيث أخره القدر إشارة إلى مرتبته النازلة التي جرى القدر بها أن تكون نازلة عن مراتب السابقين و قد أمره بالتأخر فيها و الوقوف عندها. قوله ع في التيه أي في الضلال و التحير أو في التكبر. قال في النهاية تاه يتيه تيها إذا تحير و ضل و إذا تكبر و الرواغ الميال. و القصد المعتدل الذي لا يميل إلى طرفي الإفراط و التفريط. قوله ع غير مخبر أي أتكلم بكلامي هذا لا لإخباري إياك بل للتحدث بنعمته سبحانه إما لأن معاوية غير قابل للخطاب و الإخبار بهذا الكلام و المقام مقام تحقيره أو لأنه كان عالما به أو لأنه يتراءى من مثل هذا الكلام و إخبار الخصم به المفاخرة بذكر تلك الفضائل فدفع ذلك التوهم بقوله لكن بنعمة الله أحدث و ما بعد لكن بهذا الاحتمال أنسب و إن كان قوله ع لك بالأول ألصق. قوله ع قيل سيد الشهداء قال ابن أبي الحديد أي في حياة النبي ص لأن عليا ع مات شهيدا و لا خلاف في أنه أفضل من حمزة و جعفر و غيرهما بل هو سيد المسلمين.

   قوله بسبعين تكبيرة قال ابن ميثم أي في أربع عشرة صلاة و ذلك أنه كلما كبر عليه خمسا حضرت جماعة أخرى من الملائكة فصلى بهم عليه أيضا و ذلك من خصائص حمزة رضي الله عنه. قوله ع لذكر ذاكر يعني نفسه و إنما نكره و لم يأت بالألف و اللام و لم ينسبه إلى نفسه لئلا يصرح بتزكية نفسه و استعار لفظ المج لكراهية النفس لبعض ما يكرر سماعه و إعراضها عنه فإنها تصير كالقاذف له من الأذن كما يقذف الماج الماء من فيه كذا قيل و الظاهر أنه كناية عن أنها لوضوحها لا يمكن لأحد إنكارها فغير المؤمنين و إن ثقل عليهم سماعها فلا يمكنهم إنكارها. قوله ع فدع عنك إلخ الرمية الصيد يرمى يقال بئس الرمية الأرنب أي بئس الشي‏ء مما يرمي الأرنب و المعنى دع ذكر من مال إلى الدنيا و أمالته إليها و أمالته عن الطريق المستقيم فإن شأن الصيد الخروج عن الطريق و هي إشارة إلى الخلفاء و الكلام في بيان التفاضل سابقا و لاحقا. و قال ابن أبي الحديد هذه إشارة إلى عثمان لا إلى أبي بكر و عمر و هذا مما لا يسمن و لا يغني من جوع مع أن المذكور في كتاب معاوية لم يكن عثمان وحده كما عرفت. و قال ابن ميثم رحمه الله أي فدع عنك أصحاب الأغراض الفاسدة و لا تلتفت إلى ما يقولون في حقنا كعمرو بن العاص و يحتمل أن يكون الإشارة إلى نفسه على طريقة قولهم إياك أعني و اسمعي يا جارة. و استعار لفظ الرمية و كنى بها عن الأمور التي تقصدها النفوس و ترميها بقصودها انتهى. و لا يخفى بعده و أبعد منه ما ذكره الكيدري حيث قال أراد أنه مطعون في نسبه و حسبه و أنه أزاله عن مقام التفاخر و التنافر مطاعن شهرت فيه انتهى.  و كأنه حمل الرمية على السهام المرمية. قوله ع فإنا صنائع ربنا هذا كلام مشتمل على أسرار عجيبة من غرائب شأنهم التي تعجز عنها العقول و لنتكلم على ما يمكننا إظهاره و الخوض فيه فنقول صنيعة الملك من يصطنعه و يرفع قدره و منه قوله تعالى وَ اصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي أي اخترتك و أخذتك صنيعتي لتنصرف عن إرادتي و محبتي فالمعنى أنه ليس لأحد من البشر علينا نعمة بل الله تعالى أنعم علينا فليس بيننا و بينه واسطة و الناس بأسرهم صنائعنا فنحن الوسائط بينهم و بين الله سبحانه. و يحتمل أن يريد بالناس بعض الناس أي المختار من الناس نصطنعه و نرفع قدره. و قال ابن أبي الحديد هذا مقام جليل ظاهره ما سمعت و باطنه أنهم عبيد الله و الناس عبيدهم. و قال ابن ميثم لفظ الصنائع في الموضعين مجاز من قبيل إطلاق اسم المقبول على القابل و الحال على المحل يقال فلان صنيعة فلان إذا اختصه لموضع نعمته و النعمة الجزيلة التي اختصهم الله بها هي نعمة الرسالة و ما يستلزمه من الشرف و الفضل حتى كان الناس عيالاتهم فيها. قوله ع و عادي طولنا قال الجوهري عاد قبيلة و هم قوم هود ع و شي‏ء عادي أي قديم كأنه منسوب إلى عاد. و قال ابن أبي الحديد الطول الفضل و قال الأفعال الجميلة كما تكون عادية بطول المدة تكون عادية بكثرة المناقب و المآثر و المفاخر و إن كانت المدة قصيرة و لا يراد بالقديم قديم الزمان بل من قولهم لفلان قديم أثر أي سابقة حسنة و إنما جعلنا اللفظ مجازا لأن بني هاشم و بني أمية لم يفترقا في الشرف إلا منذ نشأ هاشم بن عبد مناف ثم لم تكن المدة بين نشأ هاشم و إظهار محمد ص الدعوة إلا نحو تسعين سنة انتهى.  و أقول قد ظهر لك مما سبق أن بني أمية لم يكن لهم نسب صحيح ليشاركوا في الحسب آباءه مع أن قديم عزهم لم ينحصر في النسب بل أنوارهم ع أول المخلوقات و من بدء خلق أنوارهم إلى خلق أجسادهم و ظهور آثارهم كانوا معروفين بالعز و الشرف و الكمالات في الأرضين و السماوات يخبر بفضلهم كل سلف خلفا و رفع الله ذكرهم في كل أمة عزا و شرفا. و قوله ع فعل الأكفاء منصوب على المصدر بفعل مقدر المكذب أبو سفيان و قيل أبو جهل و أسد الله حمزة رضي الله عنه و أرضاه و أسد الأحلاف هو أسد بن عبد العزى و قال في القاموس الحلف بالكسر العهد بين القوم و الصداقة و الصديق يحلف لصاحبه أن لا يغدر به و الجمع أحلاف. و الأحلاف في قول زهير أسد و غطفان لأنهم تحالفوا على

   التناصر و الأحلاف قوم من ثقيف و في قريش ست قبائل عبد الدار و كعب و جمح و سهم و مخزوم و عدي لأنهم لما أرادت بنو عبد مناف أخذ ما في أيدي عبد الدار من الحجابة و السقاية و أبت عبد الدار عقد كل قوم على أمرهم حلفا مؤكدا على أن لا يتخاذلوا فأخرجت بنو عبد مناف جفنة مملوءة طيبا فوضعتها لأحلافهم و هم أسد و زهرة و تيم عند الكعبة فغمسوا أيديهم فيها و تعاهدوا و تعاقدت بنو عبد الدار و حلفاؤها حلفا آخر مؤكدا فسموا الأحلاف انتهى و نحوه قال في النهاية إلا أنه قال بعد قوله فغمسوا أيديهم فيها و تعاقدوا فسموا المطيبين. و صبية النار إشارة إلى الكلمة التي قالها النبي ص لعقبة بن أبي معيط حين قتله صبرا يوم بدر و قال كالمستعطف له ص من للصبية يا محمد قال النار. و حَمَّالَةَ الْحَطَبِ هي أم جميل بنت حرب بن أمية امرأة أبي لهب. و قوله ع في كثير متعلق بمحذوف أي هذا الذي ذكرنا داخل في كثير مما يتضمن ما ينفعنا و يضركم. قوله ع و جاهليتنا أي شرفنا و فضلنا في الجاهلية لا يدفعه أحد و في بعض النسخ و جاهليتكم و لعله أظهر. و وجه الاستدلال بالآية الأولى ظاهر لأنه ع كان أولي الأرحام برسول الله ص و أقربهم إليه و كذا الثانية لأنه كان أقرب الخلق إلى اتباع رسول الله ص و أول من آمن به و صدقه. و قال الجوهري الفلج الظفر و الفوز و قد فلج الرجل على خصمه يفلج فلجا و الاسم الفلج بالضم. قوله ع و تلك شكاة قال الجوهري يقال هذا أمر ظاهر عنك عاره أي زائل قال الشاعر.

و عيرها الواشون إني أحبها و تلك شكاة ظاهر عنك عارها.

  و قال شكوت فلانا شكاة إذا أخبرت بسوء فعله. و قال ابن ميثم البيت لأبي ذويب و هو مثل يضرب لمن ينكر أمرا ليس منه في شي‏ء و لا يلزمه دفعه. و الخشاش بالكسر الذي يدخل في عظم أنف البعير و خششت البعير إذا جعلت في أنفه الخشاش و الغضاضة بالفتح المذلة و المنقصة. قوله ع و هذه حجتي إلى غيرك لعل المعنى لست أنت المقصود بها لحقارتك كقوله ع غير مخبر لك أو لعلمي بأنك لا تقبل حججي و لا تؤمن بها أو لأنك عالم بها و لا فائدة في إخبار العالم بل قصدي بذكرها إلى غيرك من السامعين لعله يؤمن بها من أنكرها و يطمئن بها قلب من آمن بها. و قال ابن ميثم أي لست أنت المقصود بها إذ لست من هذا الأمر في شي‏ء بل القصد منها غيرك أي الذين ظلموا و إنما ذكرت منها بقدر ما دعت الحاجة إليه و سنح لي أن أذكره في جوابك. قوله ع فلك أن تجاب أي هذه ليست مثل السابقة التي لم يكن لك السؤال فيها لأنك من بني أمية و بينك و بينه رحم. و قوله ع فأينا ابتداء تقرير الجواب و الأعدى من العداوة أو من العدوان و الأول أصوب و أهدى إلى مقاتله أي لوجوه قتله و مواضعه من الآراء و الحيل أم من بذل أراد به نفسه المقدسة فإنه لما اشتد الحصار على عثمان بعث ع إليه و عرض عليه نصرته فقال عثمان لا أحتاج إلى نصرتك و لكن اقعد و كف شرك و ذلك لأن عثمان كان متهما له ع بالدخول في أمره و أراد ع بقوله من استنصره معاوية و ذلك أنه بعث عثمان حال حصاره إلى الشام مستصرخا بمعاوية فلم يزل يتراخى عنه و يؤخر الخروج إلى أن قتل لطمعه في الأمر و ذكر القدر و نسبة القتل إليه هاهنا مناسب لتبريه من دمه و البث  النشر و المنون الدهر و المنية أي نشر إليه نوائب الدهر و أسباب المنية و قوله ع و الله لقد علم الله اقتباس من قوله تعالى قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ قال الطبرسي رحمه الله هم الذين كانوا يعوقون غيرهم عن الجهاد مع رسول الله ص و التعويق التثبيط وَ الْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ يعني اليهود قالوا لإخوانهم المنافقين هَلُمَّ إِلَيْنا أي تعالوا و أقبلوا إلينا و دعوا محمدا ص و قيل القائلون هم المنافقون قالوا لإخوانهم من ضعفة المسلمين لا تحاربوا و خلوا محمدا ص فإنا نخاف عليكم الهلاك وَ لا يَأْتُونَ الْبَأْسَ أي لا يحضرون القتال و البأس الحرب و أصله الشدة إِلَّا قَلِيلًا إلا كارهين يكون قلوبهم مع المشركين. و لعل الغرض من الاقتباس أنه سبحانه عاب المعوقين و القائلين فالمتراخي مقصر على تقدير وجوب الحضور كما زعمته. و يحتمل أن يكون غرضه واقعا تعويقه عن نصره ع و إن أوهم ظاهره نصر عثمان. و قال الجوهري نقمت على الرجل أنقم بالكسر إذا عتبت عليه. و قال ابن ميثم في قوله ع فرب ملوم لا ذنب له و أنا ذلك الملوم و هو مثل لأكثم بن صيفي يضرب لمن قد ظهر للناس منه أمر أنكروه عليه و هم لا يعرفون حجته و عذره فيه و قوله و قد يستفيد إلخ يضرب مثلا لمن يبالغ في النصيحة حتى يتهم أنه غاش و صدر البيت

و كم سقت في آثاركم من نصيحة

. و قال في الصحاح و القاموس المتنصح من تشبه بالنصحاء و هذا المعنى و إن كان محتملا في كلامه ع على وجه بعيد لكن الظاهر أنه ليس غرضا للشاعر و الظاهر ما ذكره الخليل في العين حيث قال التنصح كثرة النصيحة قال أكثم بن صيفي إياكم و كثرة التنصح فإنه يورث التهمة انتهى و الظنة التهمة.  قوله ع فلقد أضحكت بعد استعبار قال الجوهري عبرت عينه و استعبرت أي دمعت و العبران الباكي. و قال ابن ميثم أي أتيت بشي‏ء عجيب بالغ في الغرابة فإن الضحك بعد البكاء إنما يكون لتعجب بالغ و ذلك كالمثل في معرض الاستهزاء به. و قيل معناه لقد أضحكت من سمع منك هذا تعجبا بعد بكائه على الدين لتصرفك فيه و ألفيت الشي‏ء وجدته قوله ع فالبث قليلا قال ابن ميثم مثل يضرب للوعيد بالحرب و أصله أن حمل بن بدر رجل من قشير أغير على إبل له في الجاهلية في حرب داحس و الغبراء فاستنقذها و قال

لبث قليلا يلحق الهيجاء حمل ما أحسن الموت إذ الموت نزل.

 و قيل أصله أن مالك بن زهير توعد حمل بن بدر فقال حمل لبث قليلا البيت فأرسل مثلا ثم أتى و قتل مالكا فظفر أخوه قيس بن زهير به و بأخيه حذيفة فقتلهما و قال

شفيت النفس من حمل بن بدر و سيفي من حذيفة قد شفاني.

 و قال الزمخشري في المستقصى تمام البيت

ما أحسن الموت إذا حان الأجل.

 و قال قالوا في حمل هو اسم رجل شجاع يستظهر به في الحرب و لا يبعد أن يراد به حمل بن بدر صاحب الغبراء يضربه من ناصره وراءه انتهى. ثم اعلم أن حملا في بعض النسخ بالحاء المهملة و في بعضها بالجيم. و قال الفيروزآبادي أرقل أسرع و الإرقال ضرب من الخبب و الجحفل بتقديم الجيم على الحاء الجيش و القتام الغبار و سطع الغبار و الرائحة و الصبح ارتفع و السربال القميص و سرابيل الموت إنما كناية عن الدروع و الأحوال و الهيئات التي وطنوا نفوسهم على القتل فيها فكأنها أكفانهم  و قوله ع ذرية بدرية أي أولاد البدريين. و قد مر أن أخاه أي معاوية حنظلة و خاله الوليد و جده عتبة أبو أمه

398-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ المفيد عن محمد بن عمران عن محمد بن موسى عن هشام عن أبي مخنف عن عبد الله بن عاصم عن جبر بن نوف قال لما أراد أمير المؤمنين ع إلى الشام اجتمع إليه وجوه أصحابه فقالوا لو كتبت يا أمير المؤمنين إلى معاوية و أصحابه قبل مسيرنا إليهم كتابا تدعوهم إلى الحق و تأمرهم بما لهم فيه من الحظ كانت الحجة تزداد عليهم قوة فقال أمير المؤمنين ع لعبيد الله بن أبي رافع كاتبه اكتب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان و من قبله من الناس سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإن لله عبادا آمنوا بالتنزيل و عرفوا التأويل و فقهوا في الدين و بين الله فضلهم في القرآن الحكيم و أنت يا معاوية و أبوك و أهلك في ذلك الزمان أعداء الرسول مكذبون بالكتاب مجتمعون على حرب المسلمين من لقيتهم منهم حبستموه أو عذبتموه أو قتلتموه حتى إذا أراد الله تعالى إعزاز دينه و إظهار رسوله دخلت العرب في دينه أفواجا و أسلمت هذه الأمة طوعا و كرها فكنتم ممن دخل في هذا الدين إما رغبة و إما رهبة فليس ينبغي لكم أن تنازعوا أهل السبق و من فاز بالفضل فإنه من نازعه منكم فبحوب و ظلم فلا ينبغي لمن كان له قلب أن يجهل قدره و لا يعدو طوره و لا يشفي نفسه بالتماس ما ليس له  إن أولى الناس بهذا الأمر قديما و حديثا أقربهم برسول الله ص و أعلمهم بالكتاب و أقدمهم في الدين و أفضلهم جهادا و أولهم إيمانا و أشدهم اطلاعا بما تجهله الرعية عن أمرها فاتقوا الله الذي إليه ترجعون وَ لا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ لتدحضوا به الحق و اعلموا أن خيار عباد الله الذين يعملون بما يعلمون و أن شرهم الجهلاء الذين ينازعون بالجهل أهل العلم ألا و إني أدعوكم إلى كتاب الله و سنة نبيه ص و حقن دماء هذه الأمة فإن قبلتم أصبتم رشدكم و هديتم لحظكم و إن أبيتم إلا الفرقة و شق عصا هذه الأمة لم تزدادوا من الله إلا بعدا و لم يزدد عليكم إلا سخطا و السلام قال فكتب إليه معاوية أما بعد فإنه

ليس بيني و بين عمرو عتاب غير طعن الكلى و حز الرقاب

فلما وقف أمير المؤمنين ع على جوابه بذلك قال إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ و لكن اللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ

 بيان الحز بالحاء المهملة و بالجيم المعجمة القطع

399-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ المفيد عن الكاتب عن الأجلح عن حبيب بن أبي ثابت عن ثعلبة بن يزيد الحماني قال كتب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فإن الله أنزل إلينا كتابه و لم يدعنا في شبهه و لا عذر لمن ركب ذنبا بجهالة و التوبة مبسوطة وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى و أنت ممن شرع الخلاف متماديا في غمرة الأمل مختلف السر و العلانية رغبة في العاجل و تكذيبا بعد في الآجل و كأنك قد تذكرت ما مضى منك فلم تجد إلى الرجوع سبيلا و كتب صلوات الله عليه إلى عمرو بن العاص من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص أما بعد فإن الذي أعجبك مما باريت من الدنيا و وثقت به منها منقلب عنك فلا تطمئن إلى الدنيا  فإنها غرارة و لو اعتبرت بما مضى حذرت ما بقي و انتفعت منها بما وعظت به و لكنك تبعت هواك و آثرته و لو لا ذلك لم تؤثر على ما دعوناك إليه غيره لأنا أعظم رجاء و أولى بالحجة و السلام و كتب ع إلى أمراء الأجناد من عبد الله أمير المؤمنين علي إلى أصحاب المسالح أما بعد فإن حقا على الوالي أن لا يغيره عن رعيته فضل ناله و لا مرتبة اختص بها و أن يزيده ما قسم الله له دنوا من عباده و عطفا عليهم ألا و إن لكم عندي أن لا أحجبن دونكم سرا إلا في حرب و لا أطوي دونكم أمرا إلا في حكم و لا أؤخر لكم حقا عن محله و أن تكونوا عندي في الحق سواء فإذا فعلت ذلك وجبت لي عليكم البيعة و لزمتكم الطاعة و أن لا تنكصوا عن دعوة و لا تفرطوا في صلاح و أن تخوضوا الغمرات إلى الحق فإن أنتم لم تسمعوا لي على ذلك لم يكن أحد أهون علي ممن خالفني فيه ثم أحل لكم فيه عقوبته و لا تجدوا عندي فيها رخصة فخذوا هذا من أمرائكم و أعطوا من أنفسكم هذا يصلح أمركم و السلام

 بيان قال الجوهري فلان يباري فلانا أي يعارضه و يفعل مثل فعله و فلان يباري الريح سخاء أي يعارضها خيرا و بركة. أقول و سيأتي الكتاب الأخير برواية النهج بتغيير ما

400-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى معاوية أنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر و عمر و عثمان على ما بايعوهم عليه فلم يكن للشاهد أن يختار و لا للغائب أن يرد و إنما الشورى للمهاجرين و الأنصار فإن اجتمعوا على  رجل و سموه إماما كان ذلك لله رضى فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين و ولاه الله ما تولى و لعمري يا معاوية لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ الناس من دم عثمان و لتعلمن أني كنت في عزلة عنه إلا أن تتجنى فتجن ما بدا لك و السلام

 تنبيه لعل هذا منه ع إلزام لمعاوية بالإجماع الذي أثبتوا به خلافة أبي بكر و عمر و عثمان و عدم تمسكه ع بالنص لعدم التفاتهم إليه في أول العهد مع عدم تطاول الأيام فكيف مع بعد العهد و قوله ع إنما الشورى إلخ أي الشورى الذي تعتقدونه و تحتجون به و لا حاجة إلى حمل الكلام على التقية كما نقله ابن أبي الحديد من أصحابنا الإمامية قوله ع كان ذلك لله رضا أي بزعمهم و العزلة الاسم من الاعتزال و التجني أن يدعى عليك ذنب لم تفعله. و قال ابن ميثم رحمه الله هذا الفصل من كتاب كتبه إلى معاوية مع جرير بن عبد الله البجلي حين نزعه من همدان و صدره أما بعد فإن بيعتي يا معاوية لزمتك و أنت بالشام لأنه بايعني القوم. ثم يتلو قوله و ولاه الله ما تولى تمام الآية. و يتصل بها أن قال و إن طلحة و الزبير بايعاني ثم نقضا بيعتي و كان نقضهما كردتهما فجاهدتهما على ذلك حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَ ظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَ هُمْ كارِهُونَ فادخل يا معاوية فيما دخل فيه المسلمون فإن أحب الأمور إلي فيك العافية إلا أن تتعرض للبلاء فإن تعرضت له قاتلتك و استعنت بالله عليك. و قد أكثرت في قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه الناس ثم حاكم القوم إلي أحملك و إياهم على كتاب الله. و أما هاتيك التي تريدها فهي خدعة الصبي عن اللبن.  ثم يتصل به قوله و لعمري إلى قوله ما بدا لك ثم يتصل به و اعلم أنك من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة و لا يعرض فيهم الشورى و قد أرسلت إليك و إلى من قبلك جرير بن عبد الله و هو من أهل الإيمان و الهجرة فبايع و لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ

 و قال رحمه الله و كتب معاوية إلى أمير المؤمنين ع من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب أما بعد فلو كنت على ما كان عليه أبو بكر و عمر إذن ما قاتلتك و لا استحللت ذلك و لكنه إنما أفسد عليك بيعتي خطيئتك في عثمان بن عفان و إنما كان أهل الحجاز الحكام على الناس حين كان الحق فيهم فلما تركوه صار أهل الشام الحكام على أهل الحجاز و غيرهم من الناس و لعمري ما حجتك على أهل الشام كحجتك على أهل البصرة و لا حجتك علي كحجتك على طلحة و الزبير لأن أهل البصرة قد كانوا بايعوك و لم يبايعك أهل الشام و إن طلحة و الزبير بايعاك و لم أبايعك و أما فضلك في الإسلام و قرابتك من رسول الله ص و موضعك من بني هاشم فلست أدفعه و السلام فكتب ع في جوابه من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن صخر أما بعد فإنه أتاني كتابك كتاب امرئ ليس له بصر يهديه و لا قائد يرشده قد دعاه الهوى فأجابه و قاده الضلال فأتبعه فهجر لاغطا و ضل خابطا زعمت أنه إنما أفسد علي بيعتك خطيئتي في عثمان و لعمري ما كنت إلا رجلا من المهاجرين أوردت كما أوردوا و أصدرت كما أصدروا و ما كان الله ليجعلهم على ضلال و لا يضربهم بعمي و أما ما زعمت أن أهل الشام الحكام على أهل الحجاز فهات رجلين من قريش الشام يقبلان في الشورى أو تحل لهما الخلافة فإن زعمت ذلك كذبك المهاجرون و الأنصار و إلا فأنا آتيك بهما من قريش الحجاز و أما ما ميزت بين أهل الشام و أهل البصرة و بينك و بين طلحة و الزبير فلعمري ما الأمر في ذلك إلا واحد لأنها بيعة عامة واحدة لا يثنى فيها النظر و لا  يستأنف فيها الخيار و الخارج منها طاعن و المروي فيها مداهن و أما فضلي في الإسلام و قرابتي من الرسول و شرفي في بني هاشم فلو استطعت دفعه لفعلت و السلام فلما وصل هذا الكتاب إلى معاوية كتب إليه أما بعد فاتق الله يا علي و دع الحسد فإنه طال ما لم ينتفع به أهله و لا تفسد سابقة قديمك بشر من حديثك فإن الأعمال بخواتيمها و لا تلحدن بباطل في حق من لا حق لك في حقه فإنك إن تفعل ذلك لا تضلل إلا نفسك و لا تمحق إلا عملك و لعمري إن ما مضى لك من السوابق الحسنة لحقيقة أن تردك و تردعك عما اجترأت عليه من سفك الدماء و إجلاء أهل الحق عن الحل و الحرام فاقرأ سورة الفلق و تعوذ بالله من شر ما خلق و من شر نفسك الحاسد إذا حسد قفل الله بقلبك و أخذ بناصيتك و عجل توفيقك فإني أسعد الناس بذلك و السلام فكتب ع أما بعد فقد أتتني منك موعظة موصلة و رسالة محبرة نمقتها بضلالك و أمضيتها بسوء رأيك و كتاب ليس ببعيد الشبه منك حملك على الوثوب على ما ليس لك فيه حق و لو لا علمي بك و ما قد سبق من رسول الله ص فيك مما لا مرد له دون إنفاذه إذا لوعظتك و لكن عظتي لا تنفع من حقت عليه كلمة العذاب و لم يخف العقاب و لا يرجو لله وقارا و لم يخف له حذارا فشأنك و ما أنت عليه من الضلالة و الحيرة و الجهالة تجد الله في ذلك بالمرصاد من دنياك المنقطعة و تمنيك الأباطيل و قد علمت ما قال النبي ص فيك و في أمك و أبيك و السلام

. بيان أقول قد روى السيد رضي الله عنه في النهج بعض الكتابين  الذين أوردهما ابن ميثم و خلطهما. قوله ع فهجر أي هذى و اللغط بالتحريك الصوت و الجلبة ذكره الجوهري و قال خبط البعير فهو خابط إذا مشى ضالا فخبط بيديه كل ما يلقاه و لا يتوقى شيئا و خبطه ضربه باليد و منه قيل خبط عشواء أي الناقة التي في بصرها ضعف. قوله ع طاعن قال ابن ميثم أي في صحتها فهو طاعن في دين الله فيجب قتاله حتى يرجع إليها و رويت في الأمر نظرت فيه و فكرت أي الشاك فيها مداهن و المداهنة نوع من النفاق. قوله ع موصلة قال ابن أبي الحديد أي مجموعة الألفاظ من هاهنا و هاهنا و ذلك عيب في الكتابة و الخطابة و قال حبرت الشي‏ء تحبيرا حسنته و زينته أي المزينة الألفاظ يشير ع إلى أنه قد كان يظهر عليها أثر التكلف و التصنع. و قال الجوهري نمق الكتاب ينمقه بالضم أي كتبه و نمقه تنميقا زينه بالكتابة.

 و قال ابن أبي الحديد في شرح النهج كتب معاوية في أثناء حرب صفين إلى أمير المؤمنين ع من عبد الله معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب أما بعد فإن الله تعالى يقول في محكم كتابه وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ و إني أحذرك الله أن تحبط عملك و سابقتك بشق عصا هذه الأمة و تفريق جماعتها فاتق الله و اذكر موقف القيامة و اقلع عما أسرفت فيه من  الخوض في دماء المسلمين و إني سمعت رسول الله ص يقول لو تمالأ أهل صنعاء و عدن على قتل رجل واحد من المسلمين لأكبهم الله على مناخرهم في النار فكيف يكون حال من قتل أعلام المسلمين و سادات المهاجرين بله ما طحنت رحى حربه من أهل القرآن و ذوي العبادة و الإيمان من شيخ كبير و شاب غرير كلهم بالله تعالى مؤمن و له مخلص و برسوله مقر عارف فإن كنت أبا حسن إنما تحارب على الإمرة و الخلافة فلعمري لو صحت خلافتك لكنت قريبا من أن تعذر في حرب المسلمين و لكنها لم تصح لك و أنى بصحتها و أهل الشام لم يدخلوا فيها و لم يرتضوا بها فخف الله و سطواته و اتق بأس الله و نكاله و اغمد سيفك عن الناس فقد و الله أكلتهم الحرب فلم يبق منهم إلا كالثمد في قرارة الغدير وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ فكتب علي ع إليه جوابا عن كتابه من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فقد أتتني منك موعظة موصلة و رسالة محبرة نمقتها بضلالك و أمضيتها بسوء رأيك و كتاب امرئ ليس له بصر يهديه و لا قائد يرشده دعاه الهوى فأجابه و قاده الضلال فأتبعه فهجر لاغطا و ضل خابطا فأما أمرك لي بالتقوى فأرجو أن أكون من أهلها و أستعيذ بالله من أن أكون من الذين إذا أمروا بها أخذتهم الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ و أما تحذيرك إياي أن يحبط عملي و سابقتي في الإسلام فلعمري لو كنت الباغي عليك لكان لك أن تحذرني ذلك و لكني وجدت الله تعالى يقول فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِي‏ءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فنظرنا إلى الفئتين فأما الفئة الباغية فوجدناها الفئة التي أنت فيها لأن بيعتي بالمدينة لزمتك و أنت بالشام كما لزمتك بيعة عثمان بالمدينة و أنت أمير لعمر على الشام و كما لزمت يزيد أخاك بيعة عمر بالمدينة و هو أمير لأبي بكر على الشام و أما شق عصا هذه الأمة فأنا أحق أن أنهاك عنه  فأما تخويفك لي من قتل أهل البغي فإن رسول الله ص أمرني بقتالهم و قتلهم و قال لأصحابه إن فيكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله و أشار إلي و أنا أولى من اتبع أمره و أما قولك إن بيعتي لم تصح لأن أهل الشام لم يدخلوا فيها فإنما هي بيعة واحدة تلزم الحاضر و الغائب لا يستثنى فيها النظر و لا يستأنف فيها الخيار و الخارج منها طاعن و المروي فيها مداهن فاربع على ظلعك و انزع سربال غيك و اترك ما لا جدوى له عليك فإنه ليس لك عندي إلا السيف حتى تفي‏ء إلى أمر الله صاغرا و تدخل في البيعة راغما و السلام

. بيان قال الجوهري بله كلمة مبنية على الفتح مثل كيف و معناها دع و يقال معناها سوى و في الحديث أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر بله ما اطلعتهم عليه

398-  و قال ابن ميثم كتب أمير المؤمنين ع إلى معاوية أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر مشاغبتي و تستقبح مواربتي و تزعمني متجبرا و عن حق الله مقصرا فسبحان الله كيف تستجيز الغيبة و تستحسن العضيهة إني لم أشاغب إلا في أمر بمعروف أو نهي عن منكر و لم أتجبر إلا على باغ مارق أو ملحد منافق و لم آخذ في ذلك إلا بقول الله سبحانه لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ و أما التقصير في حق الله فمعاذ الله و إنما المقصر في حق الله جل ثناؤه من  عطل الحقوق المؤكدة و ركن إلى الأهواء المبتدعة و أخلد إلى الضلالة المحيرة و من العجب أن تصف يا معاوية الإحسان و تخالف البرهان و تنكث الوثائق التي هي لله عز و جل طلبة و على عباده حجة مع نبذ الإسلام و تضييع الأحكام و طمس الأعلام و الجري في الهوى و التهوس في الردي فاتق الله فيما لديك و انظر في حقه عليك و ارجع إلى معرفة ما لا تعذر بجهالته فإن للطاعة أعلاما واضحة و سبلا نيرة و محجة نهجة و غاية مطلبة يردها الأكياس و تخالفها الأنكاس من نكب عنها جار عن الحق و خبط في التيه و غير الله نعمته و أحل به نقمته فنفسك نفسك فقد بين الله لك سبيلك و حيث تناهت بك أمورك فقد أجريت إلى غاية خسر و محلة كفر و إن نفسك قد أوحلتك شرا و أقحمتك غيا و أوردتك المهالك و أوعرت عليه المسالك و من ذلك الكتاب و إن للناس جماعة يد الله عليها و غضب الله على من خالفها فنفسك نفسك قبل حلول رمسك فإنك إلى الله راجع و إلى حشره مهطع و سيبهظك كربه و يحل بك غمه في يوم لا يغني النادم ندمه و لا يقبل من المعتذر عذره يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ

399-  نهج، ]نهج البلاغة[ فاتق الله فيما لديك إلى قوله و أوعرت عليك المسالك

 توضيح قال الفيروزآبادي الشغب تهييج الشر كالتشغيب و شغبهم و بهم و عليهم كمنع و فرح هيج الشر عليهم و شاغبه شاره و قال المواربة المداهاة و المخاتلة و في أكثر النسخ موازرتي أي موازرتي عليك و العضيهة الإفك و البهتان و ركن إليه كعلم مال و أخلدت إلى فلان أي ركنت إليه و أخلد بالمكان أقام و الطمس إخفاء الأثر. و قال الجوهري الهوس الطوفان بالليل و الهوس شدة الأكل و الهوس السوق اللين يقال هست الإبل فهاست أي ترعى و تسير و الهوس  بالتحريك طرف من الجنون. قوله ع فيما لديك أي من مال المسلمين و فيئهم أو في نعمة عليك و معرفة ما لا يعذر بجهالته معرفة الإمام و طاعته و الأعلام الأئمة أو الأدلة و النهج الطريق الواضح. و المطلبة النسخ المصححة متفقة على تشديد الطاء قال الجوهري طلبت الشي‏ء طلبا و كذا اطلبته على افتعلته و التطلب الطلب مرة بعد أخرى انتهى و المعنى غاية من شأنها أن تطلب و يطلبها العقلاء و يكشف عنه قوله ع يردها الأكياس. و قرأ ابن أبي الحديد بتخفيف الطاء و قال أي مساعفة لطالبها يقال طلب فلان مني كذا فاطلبته أي أسعفته به. و الأنكاس جمع نكس بالكسر و هو الرجل الضعيف ذكره الجوهري و الجزري و قال ابن أبي الحديد و ابن ميثم الدني من الرجال و نكب عن الطريق عدل و الخبط المشي على غير استقامة قوله ع تناهت بك يقال تناهى أي بلغ و الباء للتعدية أي بين الله لك سبيلك و غايتك التي توصلك إليها أعمالك أو المعنى قف حيث تناهت بك أمورك كقولهم حيث أنت و قولهم مكانك فلا يكون معطوفا و لا متصلا بقوله فقد بين الله لك سبيلك. قوله ع فقد أجريت هو من إجراء الخيل للمسابقة و قال في الصحاح وحل الرجل وقع في الوحل و أوحله غيره و الاقتحام الدخول في الأمر بشدة و يقال جبل وعر و مطلب وعر أي صعب حزن و الرمس بالفتح القبر و المهطع المسرع و بهظه الأمر أثقله

400-  و روى ابن أبي الحديد و ابن ميثم أن أمير المؤمنين ع كتب إلى  معاوية بن أبي سفيان أما بعد فإن الدنيا دار تجارة ربحها أو خسرها الآخرة فالسعيد من كانت بضاعته فيها الأعمال الصالحة و من رأى الدنيا بعينها و قدرها بقدرها و إني لأعضك مع علمي بسابق العلم فيك مما لا مرد له دون نفاذه و لكن الله تعالى أخذ على العلماء أن يؤدوا الأمانة و أن ينصحوا الغوي و الرشيد فاتق الله و لا تكن ممن لا يرجو لله وقارا و من حقت عليه كلمة العذاب فإن الله بالمرصاد و إن دنياك ستدبر عنك و ستعود حسرة عليك فانتبه من الغي و الضلال على كبر سنك و فناء عمرك فإن حالك اليوم كحال الثوب المهيل الذي لا يصلح من جانب إلا فسد من آخر و قد أرديت جيلا من الناس كثيرا خدعتهم بغيك و ألقيتهم في موج بحرك تغشاهم الظلمات و تتلاطم بهم الشبهات فجاروا عن وجهتهم و نكصوا على أعقابهم و تولوا على أدبارهم و عولوا على أحسابهم إلا من فاء من أهل البصائر فإنهم فارقوك بعد معرفتك و هربوا إلى الله من موازرتك إذ حملتهم على الصعب و عدلت بهم عن القصد فاتق الله يا معاوية في نفسك و جاذب الشيطان قيادك فإن الدنيا منقطعة عنك و الآخرة قريب منك و السلام

401-  قال ابن أبي الحديد قال أبو الحسن علي بن محمد المدائني فكتب إليه معاوية من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب أما بعد فقد وقفت على كتابك و قد أبيت على الغي إلا تماديا و إني لعالم أن الذي يدعوك إلى ذاك مصرعك الذي لا بد لك منه و إن كنت موائلا فازدد غيا إلى غيك فطال ما خف عقلك و منيت نفسك ما ليس لك و التويت على من هو خير منك ثم كانت العافية لغيرك و احتملت الوزر بما أحاط بك من خطيئتك و السلام  قال فكتب علي ع إليه أما بعد فإن ما أتيت به من ضلالك ليس ببعيد الشبه مما أتى به أهلك و قومك الذين حملهم الكفر و تمني الأباطيل على حسد محمد ص حتى صرعوا مصارعهم حيث علمت لم يمنعوا حريما و لم يدفعوا عظيما و أنا صاحبهم في تلك المواطن الصالي بحربهم و الفال لحدهم و القاتل لرءوسهم و رءوس الضلالة و المتبع إن شاء الله خلفهم بسلفهم فبئس الخلف خلف اتبع سلفا و محله محطة النار و السلام فكتب إليه معاوية أما بعد فقد طال في الغي ما استمررت إدراجك كما طال ما تمادى عن الحرب نكوصك و إبطاؤك تتوعد وعيد الأسد و تروغ روغان الثعلب فحتام تحيد عن اللقاء و مباشرة الليوث الضارية و الأفاعي المقاتلة فلا تستبعدنها فكل ما هو آت قريب إن شاء الله و السلام قال فكتب إليه علي ع أما بعد فما أعجب ما يأتيني منك و ما أعلمني بما أنت صائر إليه و ليس إبطائي عنك إلا ترقبا لما أنت له مكذب و أنا له مصدق و كأني بك غدا تضج من الحرب ضجيج الجمال من الأثقال و ستدعوني أنت و أصحابك إلى كتاب تعظمونه بألسنتكم و تجحدونه بقلوبكم و السلام قال فكتب إليه معاوية أما بعد فدعني من أساطيرك و اكفف عني من أحاديثك و اقصر عن تقولك على رسول الله و افترائك من الكذب ما لم يقل و غرور من معك و الخداع لهم فقد استغويتهم و يوشك أمرك أن ينكشف لهم فيعتزلوك و يعلموا أن ما جئت به باطل مضمحل و السلام قال فكتب إليه علي ع أما بعد فطال ما دعوت أنت و أولياؤك أولياء الشيطان الرجيم الحق أساطير الأولين و نبذتموه وراء ظهوركم و جهدتم في إطفاء نور الله بأيديكم و أفواهكم وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ  و لعمري ليتمن النور على كرهك و لينفذن العلم بصغارك و لتجازين بعملك فعث في دنياك المنقطعة عنك ما طاب لك فكأنك بأجلك قد انقضى و عملك قد هوى ثم تصير إلى لظى لم يظلمك الله شيئا وَ ما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ قال فكتب إليه معاوية أما بعد فما أعظم الرين على قلبك و الغطاء على بصرك الشر من شيمتك إلى آخر ما مر برواية أخرى قال فكتب إليه علي ع أما بعد فإن مساويك مع علم الله فيك حالت بينك و بين أن يصلح أمرك أو أن يرعوي قلبك يا ابن الصخر اللعين زعمت أن يزن الجبال حلمك و يفصل بين أهل الشك علمك و أنت الجلف المنافق الأغلف القلب القليل العقل الجبان الرذل فإن كنت صادقا فيما تسطر و يعينك عليه أخو بني سهم فدع الناس جانبا و أبرز لما دعوتني إليه من الحرب و الصبر على الضرب و اعف الفريقين من القتال لتعلم أينا المرين على قلبه المغطى على بصره فأنا أبو الحسن قاتل جدك و أخيك و خالك و ما أنت منهم ببعيد و السلام

 إيضاح أقول روى السيد رضي الله عنه في النهج الكتاب الأول من قوله ع و أرديت جيلا إلى آخر هذا الكتاب. قوله ع و من رأى عطف على من كانت أي السعيد من يرى الدنيا بعينها أي يعرفها بحقيقتها أو يراها بالعين التي بها تعرف و هي عين البصيرة و يعلم ما هي عليه من التغير و الزوال و إنها خلقت لغيرها ليقدرها بمقدارها و يجعلها في نظره لما خلقت له. قوله ع ممن لا يرجو لله وقارا أي لا يتوقع لله عظمة فيعبده  و يطيعه و الوقار الاسم من التوقير و هو التعظيم. و قيل الرجاء هاهنا بمعنى الخوف و المهيل المتداعي في التمزق و منه رمل مهيل أي ينهال و يسيل و أرديت أي أهلكت و الجيل الصنف و روي بالباء الموحدة و هو الخلق و تغشاهم أي تأتيهم و تحيط بهم و حاروا عدلوا و تحيروا و نكصوا أي رجعوا و عولوا على أحسابهم أي اعتمدوا على نخوة الجاهلية و تعصبهم و رجعوا عن الدين إلا من فاء أي رجع و الموازرة المعاونة و الصعب مقابله الذلول كناية عن الباطل لاقتحامه بصاحبه في المهالك و القياد بالكسر حبل يقاد به الدابة و وائل منه على فاعل طلب النجاة ذكره الجوهري و قال صليت اللحم و غيره أصليه صليا إذا شويته و يقال أيضا صليت الرجل نارا إذا أدخلته النار و جعلته يصلاها و صلي فلان النار بالكسر احترق و صلي بالأمر قاسى حره و شدته و قال فللت الجيش هزمته و يقال فله فانفل أي كسره فانكسر. قوله ع و محله محطه الضمير الأول راجع إلى الخلف و الثاني إلى السلف و النار بدل أو عطف بيان لقوله محطه و لعل الأصوب محله و محطه فالضميران للسلف و درج الرجل مشى و أدرجت الكتاب طويته و قولهم خل درج الضب أي طريقه و الجمع الأدراج و راغ مال قوله ع لما أنت به مكذب أي ما أخبرني به النبي ص من وقت الحرب و شرائطه أو إتمام الحجة و اتباع أمره تعالى في ذلك و نزول الملائكة للنصرة و بكل ذلك كان لعنه الله مكذبا قوله ع فعث من عاث يعيث إذا أفسد و في بعض النسخ فعش. أقول قال ابن أبي الحديد بعد إيراد تلك الكتب قلت و أعجب و أطرف ما جاء به الدهر و إن كانت عجائبه و بدائعه جمة أن يفضي الأمر بعلي ع إلى أن يصير معاوية ندا له و نظيرا مماثلا يتعارضان الكتاب و الجواب و يتساويان فيما يواجه به أحدهما صاحبه و لا يقول له علي ع كلمة إلا قال له مثلها و أخشن منها فليت محمدا ص كان  مشاهد ذلك ليرى عيانا لا خبرا أن الدعوة التي قام بها و قاسى أعظم المشاق في تحملها و كابد الأهوال في الذب عنها و ضرب بالسيوف عليها لما مهد دولتها و شيد أركانها و ملأ الآفاق بها خلصت صفوا عفوا لأعدائه الذين كذبوه لما دعا إليها و أخرجوه عن أوطانه لما حض عليها و أدموا وجهه و قتلوا عمه و أهله فكأنه كان يسعى لهم و يدأب لراحتهم كما قال أبو سفيان في أيام عثمان و قد مر بقبر حمزة فضربه برجله و قال يا أبا عمارة إن الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمس في يد غلماننا اليوم يتلعبون به ثم آل الأمر إلى أن يفاخر معاوية عليا كما يتفاخر الأكفاء و النظراء

402-  و قال في موضع آخر كتب معاوية إليه ع من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب أما بعد فإنا بني عبد مناف لم نزل ننزع من قليب واحد و نجري في حلبة واحدة و ليس لبعضنا على بعض فضل و لا لقائمنا على قاعدنا فخر كلمتنا مؤتلفة و ألفتنا جامعة و دارنا واحدة و يجمعنا كرم العرق و يحوينا شرف الفخار و يحنو قوينا على ضعيفنا و يواسي غنينا فقيرنا قد خلصت قلوبنا من دغل الحسد و طهرت أنفسنا من خبث السجية فلم نزل كذلك حتى كان منك من الإدهان في أمر ابن عمك و الحسد له و تضريب الناس عليه حتى قتل بمشهد منك لا تدفع عنه بلسان و لا يد فليتك أظهرت نصره حيث أشهرت ختره فكنت كالمتعلق بين الناس بعذر و إن ضعف و المتبرئ من دمه بدفع و إن وهن و لكنك جلست في دارك تدس إليه الدواهي و ترسل عليه الأفاعي حتى إذا قضيت وطرك منه أظهرت شماتة و أبديت طلاقة و حسرت  للأمر عن ساعدك و شمرت عن ساقك و دعوت إلى نفسك و أكرهت أعيان المسلمين على بيعتك ثم كان منك بعد ما كان من قتلك شيخي المسلمين أبي محمد طلحة و أبي عبد الله الزبير و هما من الموعودين بالجنة و المبشر قاتل أحدهما بنار الآخرة هذا إلى تشريدك بأم المؤمنين عائشة و إحلالها محل الهوان مبتذلة بين أيدي الأعراب و فسقة أهل الكوفة فمن بين منتهر لها و بين شامت بها و بين ساخر منها أ ترى ابن عمك كان بهذا لو رآه راضيا أم كان يكون عليك ساخطا و لك عنه زاجرا أن تؤذي في أهله و تشرد بحليلته و تسفك دماء أهل ملته ثم تركك دار الهجرة التي قال رسول الله ص عنها إن المدينة لتنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد فلعمري لقد صح وعده و صدق قوله و لقد نفت خبثها و طردت منها من ليس بأهل أن يستوطنها فأقمت بين المصرين و بعدت عن بركة الحرمين و رضيت بالكوفة بدلا من المدينة و بمجاورة الخورنق و الحيرة عوضا عن مجاورة قبر خاتم النبوة و من قبل ذلك ما عنيت خليفتي رسول الله ص أيام حياتهما فقعدت عنهما و التويت عليهما و امتنعت من بيعتهما و رمت أمرا لم يرك الله تعالى له أهلا و رقيت سلما وعرا و حاولت مقاما دحضا و ادعيت ما لم تجد عليه ناصرا و لعمري لو وليتها حينئذ لما ازددت إلا فسادا و اضطرابا و لا أعقبت ولايتكها إلا انتشارا و ارتدادا لأنك الشامخ بأنفه الذاهب بنفسه المستطيل على الناس بلسانه و يده و ها أنا السائر إليك في جمع من المهاجرين و الأنصار تحفهم سيوف شامية و رماح قحطانية حتى يحاكموك إلى الله فانظر لنفسك و المسلمين و ادفع إلي قتلة عثمان فإنهم خاصتك و خلصاؤك و المحدقون بك فإن أبيت إلا سلوك سبيل اللجاج الإصرار على الغي و الضلال فاعلم أن هذه الآية نزلت فيك و في أهل العراق معك ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَ الْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ فأجاب علي ع كتابه بما رواه السيد رضي الله عنه في النهج

  و الطبرسي رحمه الله في الإحتجاج و اللفظ للسيد قال و من كتاب له ع إلى معاوية جوابا عن كتاب منه أما بعد فإنا كنا نحن و أنتم على ما ذكرت من الألفة و الجماعة ففرق بيننا و بينكم أمس إنا آمنا و كفرتم و اليوم أنا استقمنا و فتنتم و ما أسلم مسلمكم إلا كرها و بعد أن كان أنف الإسلام كله لرسول ص حزبا و ذكرت أني قتلت طلحة و الزبير و شردت بعائشة و نزلت بين المصرين و ذلك أمر غبت عنه فلا الجناية عليك و لا العذر فيه إليك و ذكرت أنك زائري في المهاجرين و الأنصار و قد انقطعت الهجرة يوم أسر أخوك فإن كان فيك عجل فاسترفه فإني إن أزرك فذلك جدير أن يكون الله إنما بعثني للنقمة منك و إن تزرني فكما قال أخو بني أسد مستقبلين رياح الصيف تضربهم بحاصب بين أغوار و جلمود و عندي السيف الذي أعضضته بجدك و خالك و أخيك في مقام واحد و إنك و الله ما علمت الأغلف القلب المقارب العقل و الأولى أن يقال لك إنك رقيت سلما أطلعك مطلع سوء عليك لا لك لأنك نشدت غير ضالتك و رعيت غير سائمتك و طلبت أمرا لست من أهله و لا في معدنه فما أبعد قولك من فعلك و قريب ما أشبهت من أعمام و أخوال حملتهم الشقاوة و تمني الباطل على الجحود بمحمد ص فصرعوا مصارعهم حيث علمت لم يدفعوا عظيما و لم يمنعوا حريما بوقع سيوف ما خلا منها الوغى و لم تماشها الهوينا و قد أكثرت في قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه الناس ثم حاكم القوم إلي أحملك و إياهم على كتاب الله و أما تلك التي تريد فإنها خدعة الصبي عن  اللبن في أول الفصال و السلام لأهله

 تبيين قوله ع كنا نحن و أنتم أي قبل البعثة أنا استقمنا أي على منهاج الحق و بعد أن كان أنف الإسلام كله لرسول الله ص حزبا في أكثر النسخ بالزاء بعد الحاء المهملة المكسورة و في بعضها بالراء المهملة بعد الحاء المفتوحة و كذلك كان في نسخة ابن أبي الحديد قال أي بعد أن كان أنف الإسلام محاربا لرسول الله ص و أنف كل شي‏ء أوله و كان أبو سفيان و أهله من بني عبد شمس من أشد الناس على رسول الله ص في أول الهجرة إلى فتح مكة انتهى. و الأظهر ما في أكثر النسخ كما كان في نسخة ابن ميثم قال أي بعد أن اشتد الإسلام و صار للرسول ص حزب قوي من الأشراف و استعار لفظ الأنف لهم باعتبار كونهم أعزاء أهله انتهى أو باعتبار أنهم مقدمون على غيرهم فإنهم السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ فيكون هذا الكلام كالدليل على كون إسلامهم عن كره و إجبار فلا عليك في الاحتجاج فلا الجناية عليك و هو أظهر. و قال ابن أبي الحديد أجمل ع في الجواب و الجواب المفصل أن طلحة و الزبير قتلا أنفسهما ببيعتهما و نكثهما و لو استقاما على الطريقة لسلما و من قتله الحق فدمه هدر. و أما الوعد لهما بالجنة فمشروط بسلامة العاقبة و الكلام في سلامتها. و أما قوله بشر قاتل ابن صفية بالنار فقد اختلف فيه فقال قوم من علماء الحديث و أرباب السيرة هو كلام على غير مرفوع و قوم منهم جعلوه مرفوعا و على كل حال فهو حق لأن ابن جرموز قتله موليا خارجا من الصف و قاتل من هذه حاله فاسق مستحق للنار. و أما عائشة فأي ذنب لأمير المؤمنين ع في ذلك و لو أقامت في  منزلها لم تبتذل بين الأعراب و أهل الكوفة. على أن عليا ع أكرمها و صانها و عظم من شأنها و لو كانت فعلت بعمر ما فعلت به ثم ظفر بها لقتلها و مزقها إربا إربا و لكن عليا ع كان حليما كريما. و أما قوله لو عاش رسول الله ص له عليه و آله إلى آخره فلعلي ع أن يقلب الكلام عليه و يقول أ فتراه لو عاش أ كان رضي لحليلته أن تؤذي أخاه و وصيه. و أيضا أ تراه لو عاش أ كان رضي لك يا ابن أبي سفيان أن تنازع عليا الخلافة و تفرق جماعة هذه الأمة. و أيضا أ تراه لو عاش أ كان رضي لطلحة و الزبير أن يبايعا ثم ينكثا لا بسبب بل قالوا جئنا نطلب الدراهم فقد قيل لنا إن بالبصرة مالا كثيرا. فأما قوله ثم تركك دار الهجرة فلا عيب عليه إذا انتقضت عليه أطراف الإسلام بالبغي و الفساد أن يخرج من المدينة إليها و يهذب أهلها و ليس كل من خرج من المدينة كان خبيثا فقد خرج عنها عمرو مرارا إلى الشام. ثم لعلي ع أن يقول و أنت يا معاوية قد نفتك المدينة أيضا فأنت إذا خبيث و كذلك طلحة و الزبير و عائشة الذين تتعصب لهم و تحتج على الناس بهم. و قد خرج عن المدينة الصالحون كابن مسعود و أبي ذر و غيرهما و ماتوا في بلاد نائية عنها. و أما قوله بعدت عن بركة الحمرين فكلام إقناعي ضعيف و الواجب على الإمام أن يقدم الأهم فالأهم من مصالح الإسلام و تقديم قتال أهل البغي على المقام في الحرمين أولى. و أما ما ذكره من خذلان عثمان و شماتته به و إكراه الناس على البيعة فكله

   دعوى و الأمر بخلافها. و أما قوله التويت على أبي بكر و عمر و قعدت عنهما و حاولت الخلافة فإن عليا ع لم يكن يجحد ذلك و لا ينكره و لا ريب أنه كان يدعي الأمر بعد وفاة رسول الله ص لنفسه على الجملة إما للنص كما تقوله الشيعة أو لأمر آخر كما يقوله أصحابنا. فأما قوله لو وليتها حينئذ لفسد الأمر و اضطرب الإسلام فهذا علم غيب لا يعلمه إلا الله و لعله لو وليها حينئذ لاستقام الأمر فإنه ما وقع الاضطراب عند ولايته بعد عثمان إلا لأن أمره هان عندهم بتأخره عن الخلافة و تقديم غيره عليه فصغر شأنه في النفوس و قرر من تقدمه في قلوب الناس أنه لا يصلح لها كل الصلوح و لو كان وليها ابتداء و هو على تلك الجلالة التي كان عليها أيام حياة رسول الله ص و تلك المنزلة الرفيعة و الاختصاص الذي كان له لكان الأمر غير الذي رأيناه. و أما قوله لأنك الشامخ فقد أسرف في وصفه بما وصفه به و لا شك أنه ع كان عنده زهو و لكن لا هكذا و كان ع مع زهوه ألطف الناس خلقا انتهى كلامه. و أقول على أصولنا لا يستحق الملعون الجواب بما قد ظهر من كفره و نفاقه من كل باب و هو ع كان أعلم بما يأتي به من الحق و الصواب و لا ريب أن الحق يؤب معه حيث آب. قوله و قد انقطعت الهجرة قال ابن ميثم لما أوهم كلامه أنه من المهاجرين أكذبه بقوله و قد انقطعت الهجرة يوم أسر أبوك أي حين الفتح و ذلك أن معاوية و أباه و جماعة من أهله إنما أظهروا الإسلام بعد الفتح و قد قال ص لا هجرة بعد الفتح و سمي ع أخذ العباس لأبي سفيان إلى رسول الله ص غير مختار و عرضه على القتل أسرا. و روي يوم أسر أخوك و قد كان أسر أخوه عمرو بن أبي سفيان يوم  بدر فعلى هذه الرواية يكون الكلام في معرض التذكرة له بأن من شأنه و شأن أهله أن يؤسروا و لا يسلموا فكيف يدعون مع ذلك الهجرة فإن الهجرة بهذا الاعتبار منقطعة عنهم و لا يكون يوم أسر ظرفا لانقطاع الهجرة لأن الهجرة إنما انقطعت بعد الفتح انتهى و لا يخفى ما فيه من التكلف و البعد. و قال ابن أبي الحديد يوم أسر أخوك يعني يزيد بن أبي سفيان أسر يوم الفتح في باب الخندمة و كان خرج في نفر من قريش يحاربون و يمنعون من دخول مكة فقتل منهم قوم و أسر يزيد بن أبي سفيان أسره خالد بن الوليد فخلصه أبو سفيان منه و أدخله داره فآمن لأن رسول الله ص قال من دخل دار أبي سفيان فهو آمن. قوله فاسترفه أي اطلب الرفاهية على نفسك في ذلك فإنك إنما تستعجل إلى ما يضرك أو لا ترهق نفسك بالعجل فإني أزورك إن لم تزرني فكما قال أخو بني أسد. قال ابن أبي الحديد كنت أسمع قديما أن هذا البيت من شعر بشر بن أبي خازم الأسدي و الآن فقد تصفحت شعره فلم أجده و لا وقفت بعد على قائله. و ريح حاصب تحمل الحصباء و هي صغار الحصا و إذا كانت بين أغوار و هي ما سفل من الأرض و كانت مع ذاك ريح صيف كانت أعظم مشقة و أشد ضررا على من تلاقيه. فأما قوله و جلمود يمكن أن يكون عطفا على حاصب و أن يكون عطفا على أغوار أي بين أغوار من الأرض و حرة و ذلك أشد لأذاها لما تكتسبه الحرة من لفح السموم و وهجها و الوجه الأول أليق انتهى. و قال الجوهري الجلمد و الجلمود الصخر و قال أعضضته بسيفي أي ضربته به و عض الرجل بصاحبه يعض عضيضا أي لزمه. و قال ابن أبي الحديد أعضضته أي جعلته معضوضا برءوس أهلك به و أكثر ما يأتي أفعلت أن تجعله فاعلا و هنا من المقلوب أي عضضت رءوس أهلك به.

   و قال ابن ميثم قوله عضضته يروى بالضاد المعجمة أي جعلته عاضا لهم و ألزمته بهم و يروى أغصصته بالغين المعجمة و الصادين المهملتين تقول أغصصت السيف بفلان أي جعلته يغص به المضروب هو الذي يغص بالسيف أي لا يكاد يسيغه. و قد مر مرارا أن مراده ع من قوله الجد جد معاوية عتبة بن ربيعة و الخال الوليد و الأخ حنظلة قتلهم ع يوم بدر. قوله ع ما علمت كلمة ما موصولة و هي بصلتها خبر أن و الأغلف بيان للموصول. و يحتمل أن يكون المعنى ما دمت علمتك و اطلعت عليك وجدتك كذلك. و قيل ما مصدرية و الأغلف القلب من لا بصيرة له كان قلبه في غلاف و المقارب العقل في أكثر النسخ بصيغة الفاعل و كذا صححه الشارحان. و قال الجوهري شي‏ء مقارب بكسر الراء بين الجيد و الردي‏ء و لا نقل مقارب بفتح الراء. و في بعض النسخ المصححة بالفتح فيحتمل أن يكون بالمعنى المذكور أيضا. و قال في القاموس شي‏ء مقارب بكسر الراء بين الجيد و الردي‏ء أو دين مقارب بالكسر و متاع مقارب بالفتح انتهى. أو أريد به العقل الذي قاربه الشيطان و مسه أي أنت الذي تخبطه الشيطان من المس قوله و الأولى أن يقال لك جواب لقوله و رقيت سلما و في القاموس طلع الجبل علاه كطلع بالكسر عليك لا لك أي هذا المطلع أو الارتقاء وبال عليك غير نافع لك ما أبعد قولك أي دعواك أنك أمير المؤمنين و خليفة المسلمين من فعلك و هو الخروج باغيا على الإمام المفترض الطاعة و شق عصا المسلمين مع ما ترتكبه من المنكرات و الفسوق كلبس الحرير و المنسوج بالذهب و غير ذلك كما ذكره ابن أبي الحديد و قريب ما أشبهت ما مصدرية أي قريب شبهك بأعمامك و أخوالك من بني أمية  الذين حاربوا رسول الله ص بوقع سيوف متعلق بصرعوا و ما خلا صفة لسيوف و الوغى بالتحريك الجلبة و الأصوات و منه قيل للحرب وغى لما فيها من الصوت و الجلبة و لم تماشها الهوينا أي لم يلحق ضربنا و وقعها هون و لا سهولة و لم يجر معها و روي و لم يتماسها بالسين المهملة أي لم يخالطها شي‏ء من ذلك و الهوينا موصوفها محذوفة كالضربة و الحالة و نحوها. و أما تلك التي تريد أي طلبك قتلة عثمان

403-  و قال ابن ميثم و ابن أبي الحديد كتب أمير المؤمنين ع إلى معاوية أما بعد فإن الدنيا حلوة خضرة ذات زينة و بهجة لم يصب إليها أحد إلا و شغلته بزينتها عما هو أنفع له منها و بالآخرة أمرنا و عليها حثثنا فدع يا معاوية ما يفنى و اعمل لما يبقى و احذر الموت الذي إليه مصيرك و الحساب الذي إليه عاقبتك و اعلم أن الله إذا أراد بعبد خيرا حال بينه و بين ما يكره و وفقه لطاعته و إذا أراد بعبد شرا أغراه بالدنيا و أنساه الآخرة و بسط له أمله و عاقه عما فيه صلاحه و قد وصلني كتابك فوجدتك ترمي غير غرضك و تنشد غير ضالتك و تخبط في عماية و تتيه في ضلالة و تعتصم بغير حجة و تلوذ بأضعف شبهة فأما سؤالك إلي المتاركة و الإقرار لك على الشام فلو كنت فاعلا ذلك اليوم لفعلته أمس و أما قولك إن عمر ولاكها فقد عزل عمر من كان ولاه صاحبه و عزل عثمان من كان عمر ولاه و لم ينصب للناس إمام إلا ليرى من صلاح الأمة ما قد كان ظهر لمن كان قبله أو خفي عنهم غيه و الأمر يحدث بعد الأمر و لكل  وال رأي و اجتهاد فسبحان الله ما أشد لزومك للأهواء المبتدعة و الحيرة المتبعة مع تضييع الحقائق و إطراح الوثائق التي هي لله طلبة و على عباده حجة فأما إكثارك الحجاج في عثمان و قتلته فإنك إنما نصرت عثمان حيث كان النصر لك و خذلته حيث كان النصر له و السلام

404-  ج، ]الإحتجاج[ من كتاب له ع فسبحان الله إلى قوله و السلام

 بيان الحقائق هي ما يحق للرجل أن يحميه كما يقال حامي الحقيقة و قيل هي الأمور التي ينبغي أن يعتقدها من خلافته ع و وجوب طاعته و وثائق الله عهوده المطلوبة له و هي على عباده حجة يوم القيامة. و قال ابن أبي الحديد و أما قوله ع إنما نصرت عثمان إلخ فقد روى البلاذري أنه لما أرسل عثمان إلى معاوية يستمده بعث يزيد بن أسد القسري جد خالد بن عبد الله أمير العراق و قال إذا أتيت ذا خشب فأقم بها و لا تتجاوزها و لا تقل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب فإني أنا الشاهد و أنت الغائب. قال فأقام القسري بذي خشب حتى قتل عثمان فاستقدمه حينئذ معاوية فعاد إلى الشام بالجيش الذي كان أرسل معه و إنما صنع ذلك معاوية ليقتل عثمان فيدعو إلى نفسه.  و كتب معاوية إلى ابن عباس عند صلح الحسن ع كتابا يدعوه فيه إلى بيعته و يقول له فيه و لعمري لو قتلتك بعثمان رجوت أن يكون ذلك لله رضا و أن يكون رأيا صوابا فإنك من الساعين عليه و الخاذلين له و السافكين دمه و ما جرى بيني و بينك صلح فيمنعك مني و لا بيدك أمان. فكتب إليه ابن عباس جوابا طويلا يقول فيه و أما قولك إني من الساعين على عثمان و الخاذلين له و السافكين دمه فأقسم بالله لأنت المتربص بعثمان و المحب لهلاكه و الحابس الناس قبلك عنه على بصيرة من أمره و لقد أتاك كتابه و صريخه يستغيث بك و يستصرخ فما حفلت حتى بعثت به معذرا بأخرة و أنت تعلم أنهم لن يدركوه حتى يقتل فقتل كما كنت أردت ثم علمت بعد ذلك أن الناس لن يعدلوا بيننا و بينك فطفقت تنعي عثمان و تلزمنا دمه و تقول قتل عثمان مظلوما فإن يك قتل مظلوما فأنت أظلم الظالمين ثم لم تزل مصوبا و مصعدا و جاثما و رابضا تستغوي الجهال و تنازعنا حقنا بالسفهاء حتى أدركت ما طلبت وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ. بيان بعثت به أي بالجيش أو الصريخ معذرا بالتشديد و هو المقصر و من يبدي عذرا و ليس بمحق بأخرة أي بتأخير و تسويف أو آخرا حيث لا ينفع قال الجوهري بعته بأخرة بكسر الخاء و قصر الألف أي بنسئة و جاء فلان بأخرة بفتح الخاء أي أخيرا. و في النهاية فيه فصعد في النظر و صوبه أي نظر إلى أعلاي و أسفلي يتأملني انتهى. و جثم الطائر تلبد بالأرض و ربوض الغنم و الكلب مثل بروك الإبل و جثوم الطير فتارة شبهه بالطيور الخاطفة و تارة بالكلاب الضارية الصائدة

405-  و قال ابن أبي الحديد روى نصر بن مزاحم أنه كتب أمير المؤمنين ع إلى معاوية من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان سلام عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإنك قد رأيت مرور الدنيا و انقضاءها و تصرمها و تصرفها بأهلها فيما مضى منها و خير ما اكتسبت مما بقي من الدنيا ما أصاب العباد الصالحون فيما مضى منها من التقوى و من يقس الدنيا بالآخرة يجد بينهما بونا بعيدا و اعلم يا معاوية أنك قد ادعيت أمرا لست من أهله لا في القديم و لا في الحديث و لا في البقية و لست تقول فيه بأمر بين يعرف له أثر و لا عليك منه شاهد و لست متعلقا بآية من كتاب الله و لا عهد من رسول الله فكيف أنت صانع إذا تقشعت عنك غيابة ما أنت فيه من دنيا قد فتنت بزينتها و ركنت إلى لذتها و خلا بينك و بين عدوك فيها عدو كلب مضل جاهد مليح ملح مع ما قد ثبت في نفسك من حبها دعتك فأجبتها و قادتك فاتبعتها و أمرتك فأطعتها فاقعس عن هذا الأمر و خذ أهبة الحساب فإنه يوشك أن يقفك واقف على ما لا يجنك به مجن و متى كنتم يا معاوية ساسة الرعية أو ولاة لأمر هذه الأمة بلا قدم حسن و لا شرف تليد على قومكم فاستيقظ من سنتك و ارجع إلى خالقك و شمر لما سينزل بك و لا تمكن عدوك الشيطان من بغيته فيك مع أني أعرف أن الله و رسوله صادقان نعوذ بالله من لزوم سابق الشقاء و إن لا تفعل فإني أعلمك ما أغفلت من نفسك إنك مترف قد أخذ منك الشيطان مأخذه فجرى منك مجرى الدم في العروق و لست من أئمة هذه الأمة و لا من رعاتها و اعلم أن هذا الأمر لو كان إلى الناس أو بأيديهم لحسدوناه و لامتنوا علينا به و لكنه قضاء ممن منحناه و اختصنا به على لسان نبيه الصادق المصدق لا أفلح من شك بعد العرفان و البينة رب احكم بيننا و بين عدونا بالحق و أنت خير الحاكمين قال نصر فكتب إليه معاوية بالجواب من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب أما بعد فدع الحسد فإنك طال ما لم تنتفع به إلى آخر ما مر برواية ابن ميثم رحمه الله

 أقول وجدت في كتاب صفين لنصر مثله

 و روى ابن ميثم رحمه الله كتابه ع نحوا مما مر

406-  و ذكر السيد الرضي رضي الله عنه في النهج بعضه فلنذكره للاختلاف الكثير بينهما قال و من كتاب له ع إليه أيضا و كيف أنت صانع إذا تكشفت عنك جلابيب ما أنت فيه من دنيا قد تبهجت بزينتها و خدعت بلذتها دعتك فأجبتها و قادتك فاتبعتها و أمرتك فأطعتها و إنه يوشك أن يقفك واقف على ما لا ينجيك منه مجن فاقعس عن هذا الأمر و خذ أهبة الحساب و شمر لما قد نزل بك و لا تمكن الغواة من سمعك و إن لا تفعل أعلمك ما أغفلت من نفسك فإنك مترف قد أخذ الشيطان منك مأخذه و بلغ فيك أمله و جرى منك مجرى الروح و الدم و متى كنتم يا معاوية ساسة الرعية و ولاة أمر الأمة بغير قدم سابق و لا شرف باسق و نعوذ بالله من لوازم سابق الشقاء و أحذرك أن تكون متماديا في غرة الأمنية مختلف العلانية و السريرة و قد دعوت إلى الحرب فدع الناس جانبا و اخرج إلي و اعف الفريقين عن القتال لتعلم أينا المرين على قلبه و المغطى على بصره فأنا أبو الحسن قاتل جدك و خالك و أخيك شدخا يوم بدر و ذلك السيف معي و بذلك القلب ألقى عدوي ما استبدلت دينا و لا استحدثت نبيا و إني لعلى المنهاج الذي تركتموه طائعين و دخلتم فيه مكرهين و زعمت أنك جئت ثائرا بعثمان و لقد علمت حيث وقع دم عثمان فاطلبه من هناك إن كنت طالبا فكأني قد رأيتك تضج من الحرب إذا عضتك ضجيج الجمال بالأثقال و كأني بجماعتك تدعوني جزعا من الضرب المتتابع و القضاء الواقع و مصارع بعد مصارع إلى كتاب الله و هي كافرة جاحدة أو مبايعة حائدة

 بيان و إني أحمد إليك الله أي أحمد الله منهيا إليك قال في النهاية في كتابه عليه الصلاة و السلام أما بعد فإني أحمد إليك الله أي أحمده معك فأقام إلى مقام مع و قيل معناه أحمد إليك نعمة الله بتحديثك إياها. و قال الجوهري قشعت الريح السحاب أي كشفته فانقشع و تقشع و أقشع أيضا. و في القاموس غيابة كل شي‏ء سترك منه و منه غيابات الجب و غيبان الشجر. و الجلابيب جمع جلباب و هي الملحفة في الأصل فاستعير لغيرها من الثياب. قوله ع قد تبهجت أي صار ذات بهجة و حسن أو تكلفت البهجة. و قال الجوهري ألاح بسيفه لمع به و ألاحه أهلكه. قوله أن يقفك واقف وقف جاء لازما و متعديا و استعمل هنا متعديا و يقال أيضا وقفه على ذنبه أي أطلعه عليه و الواقف هو الرب تعالى عند الحساب أو هو ع في الدنيا أو عند مخاصمة القيامة و قيل أي الموت و المجن بكسر الميم و فتح الجيم الترس و التليد القديم و قعس عن الأمر تأخر عنه و الأهبة بالضم الاستعداد لما قد نزل بك أي الابتلاء بسوء العاقبة أو الحرب أو الموت أو القتل و ما بعده تنزيلا لما لا بد من وقوعه منزلة الواقع و تقول أغفلت الشي‏ء إذا تركته على ذكر منك و تغافلت عنه و مفعول أغفلت ضمير ما و من نفسك بيان ذلك الضمير و تفسير له. كذا ذكره ابن ميثم و قيل الظرف متعلق بالإغفال على تضمين معنى الصرف و الإبعاد. و الأظهر عندي أن من للتبعيض و هو حال عن الضمير أي من صفات نفسك و أحوالها و أترفته النعمة أطغته. قوله ع مأخذه أي تناولك تناوله الكامل المعروف أو أخذ منك الموضع الذي يمكنه و ينفعه أخذه و يروى بالجمع. و قال الفيروزآبادي في مادة سوس من كتاب القاموس سست الرعية سياسة أمرتها و نهيتها. و سابق الشقاء ما سبق في القضاء و التمادي تفاعل من المدى و هو الغاية و الغرة الغفلة و الأمنية طمع النفس. و قال الجوهري الرين الطبع و الدنس يقال ران على قلبه ذنبه غلب و الشدخ كسر الشي‏ء الأجوف. قوله ع و لقد علمت حيث وقع أي إن كنت تطلب ثارك عند من أجلب و حاصر فالذي فعل ذلك طلحة و الزبير فاطلب ثارك من بني تيم و بني أسد بن عبد العزى و إن كنت تطلبه ممن خذل فاطلبه من نفسك فإنك خذلته و كنت قادرا على أن تمده بالرجال فخذلته و قعدت عنه بعد أن استغاث بك. كذا ذكره ابن أبي الحديد و الضجيج الصياح عند المكروه و المشقة و الجزع أي كأني شاهد لجزعك من الحرب إذا عضتك الحرب و أصل العض اللزوم و منه العض بالأسنان أي إذا لزمتك و أثرت فيك شدتها تضج كما يضج الجمل بثقل حمله و مصارع بعد مصارع أي من سقوط على الأرض بعد سقوط و هي كافرة أي جماعتك و الكافرة الجاحدة أصحابه الذين لم يبايعوا و المبايعة الحائدة هم الذين بايعوه ثم عدلوا إليه من قولهم حاد

  عن الشي‏ء إذا عدل و مال و هذا من إخباره ع بالغائبات و هو من المعجزات الباهرات

407-  و قال ابن ميثم رحمه الله روي أن معاوية استشار بعمرو بن العاص في أن يكتب إلى علي ع كتابا يسأله فيه لصلح فضحك عمرو و قال أين أنت يا معاوية من خدعة علي قال أ لسنا بني عبد مناف قال بلى و لكن لهم النبوة دونك و إن شئت أن تكتب فاكتب فكتب معاوية إليه مع رجل من السكاسك يقال له عبد الله بن عقبة أما بعد فإني أظنك لو علمت أن الحرب تبلغ بنا و بك ما بلغت و علمنا لم يجنها بعضنا على بعض و إنا و إن كنا قد غلبنا على عقولنا فقد بقي لنا منها ما نندم به على ما مضى و نصلح ما بقي و قد كنت سألتك الشام على أن لا يلزمني لك طاعة و لا بيعة فأبيت ذلك علي فأعطاني الله ما منعت و أنا أدعوك اليوم إلى ما دعوتك إليه أمس فإنك لا ترجو من البقاء إلا ما أرجو و لا أخاف من القتل إلا ما تخاف و قد و الله رقت الأجناد و ذهبت الرجال و أكلت الحرب العرب إلا حشاشات أنفس بقيت و أنا في الحرب و الرجال سواء و نحن بنو عبد مناف و ليس لبعضنا على بعض فضل إلا فضل لا يستذل به عزيز و لا يسترق به حر و السلام فلما قرأ علي ع كتابه تعجب منه و من كتابه ثم دعا عبيد الله بن أبي رافع كاتبه و قال له اكتب إليه أما بعد فقد جاءني كتابك تذكر أنك لو علمت و علمنا أن الحرب تبلغ بنا و بك ما بلغت لم يجنها بعضنا على بعض و إنا و إياك في غاية لم نبلغها بعد و إني لو قتلت في ذات الله و حييت ثم قتلت ثم حييت سبعين مرة لم أرجع عن الشدة في ذات الله و الجهاد لأعداء الله و أما قولك إنه قد بقي من عقولنا ما نندم به على ما مضى فإني ما نقضت عقلي و لا ندمت على فعلي و أما طلبك إلي الشام فإني لم أكن لأعطيك اليوم ما منعتك أمس و أما قولك إن الحرب قد أكلت العرب إلا حشاشة أنفس بقيت ألا و من أكله الحق فإلى الجنة و من أكله الباطل فإلى النار و أما استواؤنا في الخوف و الرجاء فلست بأمضى على الشك مني على اليقين و ليس أهل الشام بأحرص على الدنيا من أهل العراق على الآخرة و أما قولك إنا بنو عبد مناف ليس لبعضنا على بعض فضل فلعمري إنا بنو أب واحد و لكن ليس أمية كهاشم و لا حرب كعبد المطلب و لا أبو سفيان كأبي طالب و لا المهاجر كالطليق و لا الصريح كاللصيق و لا المحق كالمبطل و لا المؤمن كالمدغل و لبئس الخلف خلف يتبع سلفا هوى في نار جهنم و في أيدينا بعد فضل النبوة التي أذللنا بها العزيز و نعشنا بها الذليل و لما أدخل الله العرب في دينه أفواجا و أسلمت له هذه الأمة طوعا و كرها كنتم ممن دخل في الدين إما رغبة و إما رهبة على حين فاز أهل السبق بسبقهم و ذهب المهاجرون الأولون بفضلهم فلا تجعلن للشيطان فيك نصيبا و لا على نفسك سبيلا و السلام

 توضيح أقول روى الكتاب و الجواب ابن أبي الحديد و بعض الجواب السيد رضي الله عنه في النهج و أنا جمعت بين الروايات. قال ابن أبي الحديد يقال طلب إلى فلان كذا و التقدير طلب كذا راغبا إلى فلان و الحشاشات جمع حشاشة و هي بقية الروح في المريض. قوله ع فلست بأمضى قال ابن ميثم أي بل أنا أمضى لأني على بصيرة و يقين و حينئذ تبطل المساواة التي ادعاها معاوية انتهى. و أقول لعله لما كان غرضه لعنه الله تخويفه ع ببقية الجنود و الرجال لكي يرتدع ع عن الحرب أجابه ع بأنك إذا لم تنزع عن الحرب مع شكك في حصول ما تطلبه من الدنيا فكيف أترك أنا الحرب مع يقيني بما أطلبه من الآخرة. و في النهج و أما قولك إنا بنو عبد مناف فكذلك نحن و لكن ليس أمية كهاشم و قال ابن أبي الحديد الترتيب يقتضي أن يجعل هاشما بإزاء عبد شمس لأنه أخوه في قعدد و كلاهما ولد عبد مناف لصلبه و أن يكون أمية بإزاء عبد المطلب و أن يكون حرب بإزاء أبي طالب و أبو سفيان بإزاء أمير المؤمنين ع و لما كان في صفين بإزاء معاوية جعل هاشما بإزاء أمية بن عبد شمس. و لم يقل و لا أنا كأنت لأنه قبيح أن يقال ذلك كما لا يقال السيف أمضى من العصا بل قبيح به أن يقولها مع أحد من المسلمين كافة نعم قد يقولها لا تصريحا بل تعريضا لأنه يرفع نفسه عن أن يقيسها بأحد و هاهنا قد عرض بذلك في قوله و لا المهاجر كالطليق لأن معاوية كان من الطلقاء لأن كل من دخل عليه رسول الله ص في فتح مكة عنوة بالسيف فملكه ثم من عليه عن إسلام أو عن غير إسلام فهو من الطلقاء فممن لم يسلم كصفوان بن أمية و من أسلم ظاهرا كمعاوية بن أبي سفيان و كذلك كل من أسر في الحرب ثم أطلق بفداء أو بغير فداء فهو طليق. و أما قوله و لا الصريح كاللصيق أي الصريح في الإسلام الذي أسلم اعتقادا و إخلاصا ليس كاللصيق الذي أسلم خوفا من السيف أو رغبة في الدنيا انتهى ملخص كلامه. و الظاهر أن قوله كاللصيق إشارة إلى ما هو المشهور في نسب معاوية كما سيأتي و قد بسط الكلام في ذلك في موضع آخر من هذا الشرح و تجاهل هنا حفظا لناموس معاوية. و قد ذكر بعض علمائنا في رسالة في الإمامة أن أمية لم يكن من صلب عبد شمس و إنما هو عبد من الروم فاستلحقه عبد شمس و نسبه إلى نفسه و كانت العرب في الجاهلية إذا كان لأحدهم عبد و أراد أن ينسبه إلى نفسه أعتقه و زوجه كريمة من العرب فيلحق بنسبه قال و بمثل ذلك نسب العوام أبو الزبير إلى خويلد فبنو أمية قاطبة ليسوا من قريش و إنما و لحقوا و لصقوا بهم قال و يصدق ذلك قول أمير المؤمنين ع جوابا عن كتابه و ادعائه إنا بنو عبد مناف ليس المهاجر كالطليق و لا الصريح كاللصيق و لم يستطع معاوية إنكار ذلك انتهى. و قال في النهاية المدغل أي المنافق من أدغلت في هذا الأمر إذا أدخلت فيه ما يفسده و قال هوى يهوي هويا إذا هبط و قال نعشه الله ينعشه نعشا إذا رفعه. قوله ع على حين قال ابن أبي الحديد قال قوم من النحاة حين هنا مبني على الفتح و قال قوم منصوب لإضافته إلى الفعل. قوله ع لا تجعلن أي لا تستمر على تلك الحال و إلا فقد كان للشيطان فيك أوفر نصيب. و قال ابن أبي الحديد ذكر نصر بن مزاحم في كتاب صفين أن هذا الكتاب كتبه علي ع إلى معاوية قبل ليلة الهرير بيومين أو ثلاثة ثم قال فلما أتى معاوية كتاب علي ع كتمه عمرو بن العاص أياما ثم دعاه فأقرأه إياه فشمت به عمرو و لم يكن أحد من قريش أشد إعظاما لعلي من عمرو بن العاص منذ يوم لقيه و صفح عنه

408-  و قال في موضع آخر روى نصر بن مزاحم في كتاب صفين عن عمر بن سعد عن أبي روق قال جاء أبو مسلم الخولاني في ناس من قراء أهل الشام إلى معاوية قبل مسير أمير المؤمنين ع إلى صفين فقالوا له يا معاوية علام تقاتل عليا ع و ليس لك مثل صحبته و لا مثل هجرته و لا قرابته و لا سابقته فقال إني لا أدعي أن لي في الإسلام مثل صحبته و لا مثل هجرته و لا قرابته و لكن خبروني عنكم أ لستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوما قالوا بلى قال فليدفع إلينا قتلته لنقتلهم به و لا قتال بيننا و بينه قالوا فاكتب إليه كتابا يأته به بعضنا فكتب معاوية مع أبي مسلم الخولاني من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإن الله اصطفى محمدا بعلمه و جعله الأمين على وحيه و الرسول إلى خلقه و اجتبى له من المسلمين أعوانا أيده الله بهم فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام فكان أفضلهم في الإسلام و أنصحهم الله و رسوله الخليفة من بعده ثم خليفة خليفته من بعد خليفته ثم الثالث الخليفة المظلوم عثمان فكلهم حسدت و على كلهم بغيت عرفنا ذلك في نظرك الشزر و قولك الهجر في تنفسك الصعداء و في إبطائك عن الخلفاء تقاد إلى كل منهم كما يقاد الفحل المخشوش حتى تبايع و أنت كاره ثم لم تكن لأحد منهم بأعظم حسدا منك لابن عمك عثمان و كان أحقهم أن لا تفعل ذلك به في قرابته و صهره فقطعت رحمه و قبحت محاسنه و ألبت الناس عليه و بطنت و ظهرت حتى ضربت إليه آباط الإبل و قيدت إليه الخيل العراب و حمل عليه السلاح في حرم رسول الله ص فقتل معك في المحلة و أنت تسمع في داره الهائعة لا تردع الظن و التهمة عن نفسك فيه بقول و لا عمل و أقسم قسما صادقا لو قمت فيما كان من أمره مقاما واحدا تنهنه الناس عنه ما عدل بك من قبلنا من الناس أحدا و لمحي ذلك عندهم ما كانوا يعرفونك به من المجانبة لعثمان و البغي عليه و أخرى أنت بها عند أنصار عثمان ظنين إيوائك قتلة عثمان فهم عضدك و أنصارك و يدك و بطانتك و قد ذكر لي أنك تتنصل من دمه فإن كنت صادقا أمكنا من قتلته لنقتلهم به و نحن من أسرع الناس إليك و إلا فإنه ليس لك و لأصحابك إلا السيف و الذي لا إله إلا هو لنطلبن قتلة عثمان في الجبال و الرمال و البر و البحر حتى يقتلهم الله أو لتحلفن أرواحنا بالله و السلام قال نصر فلما قدم أبو مسلم على علي ع بهذا الكتاب قام فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد فإنك قد قمت بأمر وليته و و الله ما أحب أنه لغيرك إن أعطيت الحق من نفسك أن عثمان قتل مسلما محرما مظلوما فادفع إلينا قتلته و أنت أميرنا فإن خالفك من الناس أحد كانت أيدينا لك ناصرة و ألسنتنا لك شاهدة و كنت ذا عذر و حجة فقال له علي ع اغد علي غدا فخذ جواب كتابك فانصرف ثم رجع من غد ليأخذ كتابه فوجد الناس قد بلغهم الذي جاء فيه فلبست الشيعة أسلحتها ثم غدوا فملئوا المسجد فنادوا كلنا قتل عثمان و أكثروا من النداء بذلك و أذن لأبي مسلم فدخل فدفع إليه علي ع جواب كتاب معاوية فقال أبو مسلم لقد رأيت قوما ما لك معهم أمر قال و ما ذاك قال بلغ القوم أنك تريد أن تدفع إلينا قتلة عثمان فضجوا و اجتمعوا و لبسوا السلاح و زعموا أنهم كلهم قتلة عثمان فقال ع و الله ما أردت أن أدفعهم

 إليكم طرفة عين قط لقد ضربت هذا الأمر أنفه و عينه فما رأيته ينبغي لي أن أدفعهم إليك و لا إلى غيرك فخرج أبو مسلم بالكتاب و هو يقول الآن طاب الضراب و كان جواب علي ع من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فإن أخا خولان قدم علي بكتاب منك تذكر فيه محمدا ص و ما أنعم الله به عليه من الهدى و الوحي فالحمد لله الذي صدق الوعد و أيده بالنصر و مكن له في البلاد و أظهر على أهل العداوة و الشنآن من قومه الذين وثبوا عليه و شنفوا له و أظهروا تكذيبه و بارزوه بالعداوة و ظاهروا على إخراجه و على إخراج أصحابه و أهله و ألبوا عليه العرب و جامعوهم على حربه و جهدوا في أمره كل الجهد و قلبوا له الأمور حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَ ظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَ هُمْ كارِهُونَ فكان أشد الناس عليه تأليبا و تحريضا أسرته و الأدنى فالأدنى من قومه إلا من عصمه الله منهم يا ابن هند فلقد خبأ لنا الدهر منك عجبا و لقد قدمت فأفحشت إذ طفقت تخبرنا عن بلاء الله تبارك و تعالى في نبيه محمد ص و فينا فكنت في ذلك كجالب التمر إلى هجر أو كداعي مسدده إلى النضال و ذكرت أن الله تعالى اجتبى له من المسلمين أعوانا أيده الله بهم فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام فكان فضلهم كما زعمت في الإسلام و أنصحهم لله و لرسوله الخليفة الصديق و خليفة الخليفة الفاروق و لعمري ذكرت أمرا إن تم اعتزلك كله و إن نقص لم يلحقك ثلمه و ما أنت و الصديق فالصديق من صدق بحقنا و أبطل باطل عدونا و ما أنت و الفاروق فالفاروق من فرق بيننا و بين أعدائنا و ذكرت أن عثمان كان في الفضل تاليا فإن يكن عثمان محسنا فسيجزيه الله بإحسانه و إن يكن مسيئا فسيلقى ربا غفورا لا يتعاظمه ذنب أن يغفره و لعمري إني لأرجو إذا أعطى الله الناس على قدر فضائلهم في الإسلام و نصيحتهم لله و لرسوله أن يكون نصيبنا في ذلك الأوفر إن محمدا ص لما دعا إلى الإيمان بالله و التوحيد له كنا أهل البيت أول من آمن به و صدقه فيما جاء به فلبثنا أحوالا كاملة مجرمة تامة و ما يعبد الله في ربع ساكن من العرب غيرنا فأراد قومنا قتل نبينا و اجتياح أصلنا و هموا بنا الهموم و فعلوا بنا الأفاعيل و منعونا الميرة و أمسكوا عنا العذب و أحلسونا الخوف و جعلوا علينا الإرصاد و العيون و اضطرونا إلى جبل وعر و أوقدوا لنا نار الحرب و كتبوا علينا بينهم كتابا لا يؤاكلوننا و لا يشاربوننا و لا يناكحوننا و لا يبايعوننا و لا نأمن فيهم حتى ندفع إليهم محمدا ص فيقتلوه و يمثلوا به فلم نكن نأمن فيهم إلا من موسم إلى موسم فعزم الله لنا على منعه و الذب عن حوزته و الرمياء من وراء جمرته و القيام بأسيافنا دونه في ساعات الخوف بالليل و النهار فمؤمننا يرجو بذلك الثواب و كافرنا يحامي به عن الأصل و أما من أسلم من قريش بعد فإنهم مما نحن فيه أخلياء فمنهم الحليف الممنوع و منهم ذو العشيرة التي تدافع عنه فلا يبغيه أحد مثل ما بغانا به قومنا من التلف فهم من القتل بمكان نجوة و أمن فكان ذلك ما شاء الله أن يكون ثم أمر الله تعالى رسوله بالهجرة و أذن له بعد ذلك في قتال المشركين فكان إذا احمر البأس و دعيت نزال أقام أهل بيته فاستقدموا فوقي أصحابه بهم حد الأسنة و السيوف فقتل عبيدة يوم بدر و حمزة يوم أحد و جعفر و زيد يوم مؤتة و أراد من لو شئت ذكرت اسمه مثل الذي أرادوا من الشهادة مع النبي ص غير مرة ألا إن آجالهم عجلت و منيته أخرت و الله ولي الإحسان إليهم و المنة عليهم بما قد أسلفوا من الصالحات فما سمعت بأحد و لا رأيته هو أنصح لله في طاعة رسوله و لا أطوع لنبيه في طاعة ربه و لا أصبر على اللأواء و الضراء و حين البأس و مواطن المكروه مع النبي ص من هؤلاء النفر الذين سميت لك و في المهاجرين خير كثير تعرفه جزاهم الله خيرا بأحسن أعمالهم و ذكرت حسدي الخلفاء و إبطائي عنهم و بغيي عليهم فأما البغي عليهم فمعاذ الله أن يكون

 و أما الإبطاء عنهم و الكراهية لأمرهم فلست أعتذر إلى الناس من ذلك إن الله تعالى ذكره لما قبض نبيه ص قالت قريش منا أمير و قالت الأنصار منا أمير فقالت قريش منا محمد فنحن أحق بالأمر فعرفت ذلك الأنصار فسلمت لهم الولاية و السلطان فإذا استحقوها بمحمد دون الأنصار فإن أولى الناس بمحمد أحق به منهم و إلا فإن الأنصار أعظم العرب فيها نصيبا فلا أدري أصحابي سلموا من أن يكونوا حقي أخذوا أو الأنصار ظلموا بل عرفت أن حقي هو المأخوذ و قد تركته لهم تجاوز الله عنهم و أما ما ذكرت من أمر عثمان و قطيعتي رحمه و تأليبي عليه فإن عثمان عمل ما قد بلغك فصنع الناس به ما رأيت و إنك لتعلم أني قد كنت في عزلة عنه إلا أن تتجنى فتجن ما بدا لك و أما ما ذكرت من أمر قتلة عثمان فإني نظرت في هذا الأمر و ضربت أنفه و عينه فلم أر دفعهم إليك و لا إلى غيرك و لعمري لئن لم تنزع عن غيك و شقاقك لتعرفنهم عن قليل يطلبونك لا يكلفونك أن تطلبهم في بر و لا بحر و لا سهل و لا جبل و قد كان أبوك قد أتاني حين ولي الناس أبا بكر فقال أنت أحق بمقام محمد و أولى الناس بهذا الأمر و أنا زعيم لك بذلك على من خالف عليك ابسط يدك أبايعك فلم أفعل و أنت تعلم أن أباك قد كان قال ذلك و أراده حتى كنت أنا الذي أبيت عليه لقرب عهد الناس بالكفر و مخافة الفرقة بين أهل الإسلام فأبوك كان أعرف بحقي منك فإن تعرف من حقي ما كان أبوك يعرف تصب رشدك و إن لم تفعل فسيغني الله عنك و السلام

 توضيح وجدت الكتاب و الجواب في أصل كتاب نصر. و قال في القاموس شزره و إليه يشزره نظر منه في أحد شقيه أو هو نظر فيه إعراض أو نظر الغضبان بمؤخر العين أو النظر عن يمين و شمال. و قال في النهاية الخشاش عويد يجعل في أنف البعير يشد به الزمام ليكون أسرع لانقياده و منه حديث جابر فانقادت معه الشجرة كالبعير المخشوش هو الذي جعل في أنفه الخشاش انتهى. و ضرب آباط الإبل كناية عن ركوبها و السير عليها و إيجافها و الهائعة الصوت تفزع منه و تخافه من عدو و نهنهه عن الأمر زجره و تنصل إليه من الجناية خرج و تبرأ. و في النهاية شنفوا له أي أبغضوه و قال الجوهري ألبت الجيش جمعته و تألبوا تجمعوا و التأليب التحريض و هو الحث على القتال و قال هجر اسم بلد و في المثل كمبضع التمر إلى هجر و قال في بضع أبضعت الشي‏ء و استبضعته أي جعلته بضاعة و في المثل كمستبضع تمر إلى هجر و ذلك أن هجر معدن التمر. قوله ع أو كداعي مسدده أي كمن يدعو من يعلمه الرمي إلى المناضلة أي المراماة قال الجوهري التسديد التوفيق للسداد و هو الصواب و القصد من القول و العمل إلى أن قال و قد استد الشي‏ء أي استقام و قال

أعلمه الرماية كل يوم. فلما استد ساعده رماني.

 و قال حول مجرم و سنة مجرمة أي تامة انتهى و الاجتياح الاستيصال. قوله ع و منعونا الميرة و أمسكوا عنا العذب و في النهج و منعونا العذب و قال ابن أبي الحديد العذب هنا العيش العذب لا الماء العذب على أنه قد نقل أنهم منعوا أيام الحصار في شعب بني هاشم من الماء العذب. قوله ع و أحلسونا الخوف أي ألزموناه و الحلس كساء رقيق يكون تحت برذعة البعير و أحلاس البيوت ما يبسط تحت حر الثياب و لما كان حلس البعير و حلس البيت ملازما لهما قال و أحلسونا الخوف. قوله ع إلى جبل وعر أي غليظ حزن يصعب الصعود إليه و هذا مثل ضربه لصعوبة مقامهم و يحتمل الحقيقة لأن الشعب الذي حصروا فيه مضيق بين جبلين. و في النهج فعزم الله لنا عن الذب عن حوزته و الرمي من وراء حرمته مؤمننا يبغي بذلك الأجر قوله ع فعزم الله لنا أي وفقنا لذلك و جعلنا عازمين و قيل أراد لنا الإرادة اللازمة منه و اختار لنا أن نذب عن حوزة الإسلام و حوزة الملك بيضته و الذب المنع و الدفع و الحرمة ما لا يحل انتهاكه و الرمي من وراء الحرمة كناية عن المحافظة و المحاماة. و الوراء إما بمعنى الأمام أو كناية عن الحماية الخفية أو لأن الوراء مظنة أن يؤتى منه غفلة و الضميران في حوزته و حرمته راجعان إلى النبي ص أو إلى الله تعالى فإن حرمته حرمة الله و رميا بكسر الراء و الميم المشددة و تشديد الياء مبالغة في الرمي قال الجوهري و كانت بينهم رميا ثم صاروا إلى حجيزى و قال الجمرة كل قبيل انضموا فصاروا يدا واحدة و لم يخالفوا غيرهم فهي جمرة قوله ع يحامي عن الأصل أي يدافع عن محمد ص حمية و محافظة على النسب. و في النهج بعد ذلك و من أسلم من قريش خلو مما نحن فيه بحلف يمنعه أو عشيرة تقوم دونه فهو من القتل بمكان أمن و كان رسول الله ص إذا احمر البأس و أحجم الناس قدم أهل بيته فوقى بهم أصحابه حر السيوف و الأسنة فقتل عبيدة بن الحرث يوم بدر و قتل حمزة يوم أحد و قتل جعفر يوم مؤتة و أراد من لو شئت ذكرت اسمه مثل الذي أرادوا من الشهادة و لكن آجالهم عجلت و منيته أخرت. و قال ابن ميثم الواو في قوله و من أسلم للحال أي و الحال أن من أسلم من قريش عدا بني هاشم و بني عبد المطلب خالين مما نحن فيه من البلاء آمنين من الخوف أو القتل فمنهم من كان له حلف و عهد مع المشركين يمنعه و منهم من كان له عشيرة تحفظه. قوله ع إذا احمر البأس قال السيد الرضي في النهج هذا كناية عن اشتداد الأمر و قد قيل في ذلك أقوال أحسنها أنه شبه حمى الحرب بالنار التي تجمع الحرارة و الحمرة بفعلها و لونها. و مما يؤيد ذلك قول النبي ص الآن حمى الوطيس و الوطيس مستوقد النار. و أحجم الناس أي نكصوا و تأخروا و أراد بقوله من لو شئت ذكرت اسمه نفسه ع. أقول ذكر الرضي رضي الله عنه هكذا المكتوب بإسقاط كثير و زاد في آخره بعض الفقرات من مكتوب آخر سيأتي في محله و رواه ابن ميثم أيضا نحوا مما روينا عن ابن أبي الحديد و وجدناه في مواضع أخر فجمعنا بين الروايات

409-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى معاوية أما بعد فإن الله سبحانه جعل الدنيا لما بعدها و ابتلى فيها أهلها ليعلم أيهم أحسن عملا و لسنا للدنيا خلقنا و لا بالسعي فيها أمرنا و إنما وضعنا فيها لنبتلى بها و قد ابتلاني بك و ابتلاك بي فجعل أحدنا حجة على الآخر فعدوت على طلب الدنيا بتأويل القرآن فطلبتني بما لم تجن يدي و لا لساني و عصبته أنت و أهل الشام بي و ألب عالمكم جاهلكم و قائمكم قاعدكم فاتق الله في نفسك و نازع الشيطان قيادك و اصرف إلى الآخرة وجهك فهي طريقنا و طريقك و احذر أن يصيبك الله منه بعاجل قارعة تمس الأصل و تقطع الدابر فإني أولى بالله إليه غير فاجرة لئن جمعتني و إياك جوامع الأقدار لا أزال بباحتك حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ

 توضيح قوله ع بالسعي فيها أي لها و في تحصيلها و قيل أي ما أمرنا بالسعي فيها لها و قد ابتلاني بك أي بأن أمرني بنهيك عن المنكر و الجهاد معك و ابتلاك بي بأن فرض عليك طاعتي فجعل أحدنا أي نفسه ع و في الإجمال أنواع البلاغة كما لا يخفى فعدوت على طلب الدنيا أي وثبت عليها و اختلستها و قيل على هاهنا متعلقة بمحذوف دل عليه الكلام أي تعديت و ظلمت مصرا على طلب الدنيا و تأويل القرآن ما كان يموه به معاوية على أهل الشام و يقول لهم أنا ولي عثمان و قال تعالى مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً ثم يعدهم الظفر و الدولة على أهل العراق بقوله تعالى فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً و عصبته أي ألزمتنيه كما تلزم العصابة و قال الفيروزآبادي العصب الشد و ألب عالمكم التأليب التحريض. و قال ابن ميثم أي عالمكم بحالي و قائمكم بجهادي و منازعتي. قوله ع في نفسك أي في أمرها أو بينك و بين الله. و القياد ما يقاد به الدابة و منازعته جذبه و عدم الانقياد له. و احذر أن يصيبك الله منه قال ابن أبي الحديد الضمير في منه راجع إلى الله تعالى و من لابتداء الغاية. و قال القطب الراوندي أي من البهتان الذي أتيته و من للتعليل أي من أجله و هو بعيد و قال الفيروزآبادي القارعة الشديدة من شدائد الدهر و هي الداهية يقال قرعتهم قوارع الدهر. تمس الأصل قال ابن أبي الحديد أي تقطعه و منه ماء ممسوس أي يقطع الغلة انتهى. و فيه نظر إذ المس بمعنى القطع لم يذكره أحد من أهل اللغة و أما الماء الممسوس فهو الماء بين العذب و المالح كما ذكره الجوهري أو الذي نالته الأيدي كما ذكره الخليل في العين و الفيروزآبادي أو الماء الذي يمس الغلة فيشفيها و كل ما شفى الغليل و العذب الصافي كما ذكره هو. و الظاهر أنه من المس بالمعنى المعروف أي احذر داهية تصيب أصلك كما يقال أصابه داء أو بلاء فيكون أصابه الأصل كناية عن الاستيصال كالفقرة التالية و الدابر العقب و النسل و التابع و آخر كل شي‏ء فإني أولى أي أحلف و الاسم منه الألية جوامع الأقدار قال ابن أبي الحديد من إضافة الصفة إلى الموصوف للتأكيد و قال باحة الدار وسطها حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا أي بالظفر و النصر

410-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى معاوية أما بعد فقد آن لك أن تنتفع باللمح الباصر من عيان الأمور فقد سلكت مدارج أسلافك بادعائك الأباطيل و اقتحامك غرور المين و الأكاذيب و بانتحالك ما قد علا عنك و ابتزازك لما اختزن دونك فرارا من الحق و جحودا لما هو ألزم لك من لحمك و دمك مما قد وعاه سمعك و ملي‏ء به صدرك فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ و بعد البيان إلا اللبس فاحذر الشبهة و اشتمالها على لبستها فإن الفتنة طال ما أغدفت جلابيبها و أغشت الأبصار ظلمتها و قد أتاني كتاب منك ذو أفانين من القول ضعفت قواها عن السلم و أساطير لم يحكها منك علم و لا حلم أصبحت منها كالخائض في الدهاس و الخابط في الديماس و ترقيت إلى مرقبة بعيدة المرام نازحة الأعلام يقصر دونها الأنوق و يحاذى بها العيوق و حاش لله أن تلي للمسلمين بعدي صدرا أو وردا أو أجري لك على أحد منهم عقدا أو عهدا فمن الآن فتدارك نفسك و انظر لها فإنك إن فرطت حتى ينهد إليك عباد الله أرتجت عليك الأمور و منعت أمرا هو منك اليوم مقبول و السلام

 بيان قال ابن أبي الحديد هذا الكتاب هو جواب كتاب وصل من معاوية إليه بعد قتل علي ع الخوارج و فيه تلويح بما كان يقوله من قبل أن رسول الله ص وعدني بقتال طائفة أخرى غير أصحاب الجمل و صفين و إنه سماهم المارقين فلما واقفهم في النهروان و قتلهم في يوم واحد و هم عشرة آلاف فارس أحب أن يذكر معاوية بما كان يقوله من قبل و يعد به أصحابه و خواصه فقال له قد آن لك أي قرب و حان أن تنتفع بما عاينت و شاهدت معاينة من صدق القول الذي كنت أقوله للناس و يبلغك و تستهزئ به و قال يقال قد رأيته لمحا باصرا أي نظرا بتحديق شديد و مخرجه مخرج رجل لابن و تأمر أي ذو لبن و تمر فمعنى باصر أي ذو بصر و عيان الأمور معاينتها أي قرب أن تنتفع بما تعلمه يقينا من استحقاقي للخلافة و براءتي من كل شبهة. و قال ابن ميثم وصف اللمح بالباصر مبالغة في الإبصار كقولهم ليل أليل و المدرج المسلك و قال ابن أبي الحديد الأباطيل جمع باطل على غير القياس و إقحامك أي إلقائك نفسك بلا روية في غرور المين و هو الكذب و بانتحالك أي ادعائك كذبا ما قد علا عنك أي لم تبلغه و لست أهلا له و ابتزازك أي استلابك لما اختزن دونك أي منعك الله منه من إمرة المسلمين و بيت مالهم من قولهم اختزن المال أي أحرزه فرارا أي فعلت ذلك كله فرارا من الحق لما هو ألزم لك يعني من فرض طاعتي عليك. قال ابن ميثم لأنهما دائما في التغير و التبدل بخلاف وجوب الطاعة فإنه أمر لازم انتهى. و يمكن أن يقال لأنك تفارقهما و لا تفارقه و الظاهر أن ذلك مجاز عن شدة اللزوم مما قد وعاه سمعك أي من النص و كلمة ما في ما ذا استفهامية أو نافية على لبستها في بعض النسخ بالضم و في بعضها بالكسر قال في النهاية اللبسة بالكسر الهيئة و الحالة و قال ابن أبي الحديد اللبسة بالضم يقال في الأمر لبسة أي اشتباه و ليس بواضح و يجوز أن يكون اشتمالها مصدرا مضافا إلى معاوية أي اشتمالك إياها على اللبسة أي ادراعك إياها و تقمصك بها على ما فيها من الإبهام و الاشتباه و يجوز أن يكون مصدرا مضافا إلى ضمير الشبهة فقط أي احذر الشبهة و احتوائها على اللبسة التي فيها. و قال أغدفت المرأة قناعها أي أرسلته على وجهها و أغشت الأبصار أي جعلتها غشاء و سترا للأبصار و في بعض النسخ بالعين المهملة و هو سوء البصر بالليل أو العمى فالظلمة مرفوعة بالفاعلية. ذو أفانين أي أساليب مختلفة لا يناسب بعضها بعضا. ضعفت قواها عن السلم قال ابن ميثم أي ليس لها قوة أن يوجب صلحا. و قال ابن أبي الحديد أي عن الإسلام أي لم تصدر تلك الأفانين المختلفة عن مسلم و كان كتب إليه أن يفرده بالشام و أن يوليه العهد من بعده و أن لا يكلفه الحضور عنده و قرأ أبو عمرو ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً و قال ليس المعني بهذا الصلح بل الإسلام و الإيمان لا غير. و قال الأساطير الأباطيل واحدها أسطورة و إسطارة بالكسر و حوك الكلام صنعته و نظمه و الحلم العقل أو الأناة.

  و قال ابن ميثم لأن الكتاب كان فيه خشونة و تهور و ذلك ينافي الحلم و ينافي غرضه من الصلح. و قال الجوهري الدهس و الدهاس مثل اللبث و اللباث المكان السهل اللين لا يبلغ أن يكون رملا و ليس هو بتراب و لا طين و لونه الدهسة. و قال الديماس السرب المظلم تحت الأرض و السرب البيت في الأرض تقول السرب الوحشي في سربه و الغرض عدم استقامة القول و المرقبة الموضع العالي أي دعوى الخلافة و المرام المقصد و بعده كناية عن الرفعة و نزوح الأعلام كناية عن صعوبة الوصول إليها و في الصحاح نزحت الدار نزوحا بعدت و قال الأنوق على فعول طائر و هو الرحمة و في المثل أغر من بيض الأنوق لأنها تحرزه فلا تكاد يظفر بها لأن أوكارها في رءوس الجبال و الأماكن البعيدة و هي تحمق مع ذلك انتهى. قوله ع و حاش لله أصله حاشا لله أي معاذ الله و هو فعل ماض على صيغة المفاعلة مأخوذ من الحشى أي الناحية و فاعله أن تلي و قال الزجاج حاش لله براءة لله. و الصدر بالتحريك رجوع الشاربة عن الماء كالورد بالكسر الإشراف على الماء. قوله ع فتدارك نفسك أي تدبر آخر أمرك و قوله ع حتى أي ينهض قوله ع أرتجت عليك أي أغلقت

411-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتابه ع أما بعد فإني على التردد في جوابك و الاستماع إلى كتابك لموهن رأيي و مخطئي فراستي و إنك إذ تحاولني الأمور و تراجعني السطور كالمستثقل النائم تكذبه أحلامه أو المتحير القائم بهظه مقامه لا يدري أ له ما يأتي أم عليه و لست به غير أنه بك شبيه و أقسم بالله إنه لو لا بعض الاستبقاء لوصلت إليك مني نوازع تقرع العظم و تهلس اللحم و اعلم أن الشيطان قد ثبطك عن أن تراجع أحسن أمورك و تأذن لمقال نصيحتك و السلام

 بيان قوله ع فإني على التردد قال ابن أبي الحديد ليس معناه التوقف بل التردد و التكرار أي أنا لائم نفسي على أني أكرر تارة بعد تارة أجوبتك عما تكتبه و أجعلك نظيرا لي أكتب و تجيبني و تكتب و أجيبك و إنما كان ينبغي أن يكون جواب مثلك السكوت. قوله ع لموهن رأيي أي أعده واهنا ضعيفا و الغرض المبالغة في عدم استحقاقه للجواب و إلا فلم يكن فعله ع إلا حقا و صوابا. قوله ع و إنك إذ تحاولني الأمور الظاهر من كلام الشارحين أنهما حملا المحاولة على معنى القصد و الإرادة و حينئذ يحتاج إلى تقدير حرف الجر. و يحتمل أن يكون مفاعلة من حال بمعنى حجز و منع أي تمانعني الأمور و تراجعني السطور أي بالسطور كالمستثقل النائم قال ابن أبي الحديد أي كالنائم يرى أحلاما كاذبة أو كمن قام بين يدي سلطان أو بين قوم عقلاء ليعتذر عن أمر أو ليخطب لأمر في نفسه قد بهظه مقامه ذلك أي أثقله فهو لا يدري هل ينطق بكلام هو له أم عليه فيتحير انتهى. و في قوله ع إنه بك شبيه إيذان بأن معاوية أقوى في ذلك و يقال استبقيت من الشي‏ء أي تركت بعضه و استبقاه أي استحياه و يحتمل أن يكون من أبقيت عليه أي رحمته نوازع تقرع العظم قال ابن أبي الحديد روي نوازع جمع نازعة أي جاذبة قالعة و يروى قوارع بالقاف و الراء و يروى تهلس اللحم تلهس بتقديم اللام فأما تهلس بكسر اللام فالمعنى تذيبه حتى يصير كبدن به الهلاس و هو السل و أما تلهس فهو بمعنى تلحس أبدلت الحاء هاء و هو من لحست كذا بلساني بالكسر ألحسته أي تأتي على اللحم حتى تلحسه لحسا لأن الشي‏ء إنما يلحس إذا ذهب و بقي أثره. و يروى و تنهس بالنون و السين المهملة و النهس و النهش بالمهملة و المعجمة هو أخذ اللحم بمقدم الأسنان. و أما بعض الاستبقاء الذي أشار إليه فقال ابن ميثم لو لا بعض المصالح لوصلت إليك مني قوارع و أراد شدائد الحرب. و قال ابن أبي الحديد الإمامية تقول إن النبي ص فوض إليه أمر نسائه بعد موته و جعل إليه أن يقطع عصمة أيتهن شاء إذا رأى ذلك و له من الصحابة جماعة يشهدون له بذلك فقد كان قادرا على أن يقطع عصمة أم حبيبة و يبيح نكاحها للرجال عقوبة لها و لمعاوية فإنها كانت تبغض عليا ع كما يبغضه أخوها و لو فعل ذلك لانتهس لحمه و قد رووا عن رجالهم أنه تهدد عائشة بضرب من ذلك قال و أما أصحابنا فيقولون قد كان معه من الصحابة قوم كثيرون سمعوا من رسول الله ص يلعن معاوية بعد إسلامه و يقول إنه منافق كافر و إنه من أهل النار و الأخبار في ذلك مشهورة فلو شاء أن يحمل إلى أهل الشام خطوطهم و شهاداتهم بذلك و أسمعهم قوله مشافهة لفعل و لكن رأى العدول عن ذلك مصلحة لأمر يعلمه هو ع. و قال أبو زيد البصري إنما أبقى عليه لأنه خاف أن يفعل معاوية كفعله ع فيقول لعمرو بن العاص و حبيب بن مسلمة و بسر بن أرطاة و أمثالهم ارووا أنتم عن النبي ص أنه كان يقول في علي ع أمثال ذلك انتهى. و قال الجوهري ثبطه عن الأمر تثبيطا شغله عنه و قال أذن له إذنا استمع

412-  و روى ابن أبي الحديد من كتاب أبي العباس يعقوب بن أبي أحمد الصيمري أن معاوية كتب إلى أمير المؤمنين ع أما بعد فإنك المطبوع على قلبك المغطى على بصرك الشر من شيمتك و العتو من خليفتك فشمر للحرب و اصبر للضرب فو الله ليرجعن الأمر إلى ما علمت وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ هيهات هيهات أخطأك ما تمنى و هوى قلبك فيما هوى فاربع على ظلعك و قس شبرك بفترك تعلم أين حالك من حال من يزن الجبال حلمه و يفصل بين أهل الشك علمه و السلام فكتب إليه أمير المؤمنين ع أما بعد يا ابن الصخر يا ابن اللعين يزن الجبال فيما زعمت حلمك و يفصل بين أهل الجهل علمك و أنت الجاهل القليل الفقه المتفاوت العقل الشارد عن الدين و قلت فشمر للحرب و اصبر للضرب فإن كنت صادقا فيما تزعم و يعينك عليه ابن النابغة فدع الناس جانبا و اعف الفريقين من القتال و ابرز إلي لتعلم أينا المرين على قلبه المغطى على بصره فأنا أبو الحسن حقا قاتل أخيك و خالك و جدك شدخا يوم بدر و ذلك السيف بيدي و بذلك القلب ألقى عدوي

 ثم قال الشدخ كسر الشي‏ء الأجوف يقال شدخت رأسه فانشدخ. و هؤلاء الثلاثة حنظلة بن أبي سفيان و الوليد بن عتبة و أبوه عتبة بن ربيعة فحنظلة أخوه و الوليد خاله و عتبة جده و قد قتلوا في غزاة بدر

413-  أما بعد فما أعجب ما يأتيني منك و ما أعلمني بمنزلتك التي أنت إليها صائر و نحوها سائر و ليس إبطائي عنك إلا لوقت أنا به مصدق و أنت به مكذب فكأني أراك و أنت تضج من الحرب و إخوانك يدعونني خوفا من السيف إلى كتاب هم به كافرون و له جاحدون ثم قال و من كتاب له ع إلى معاوية

414-  قال و كتب أيضا ع أما بعد فطال ما دعوت أنت و أولياؤك أولياء الشيطان الحق أساطير و نبذتموه وراء ظهوركم و حاولتم إطفاءه بأفواهكم وَ يَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ و لعمري لينفذن العلم فيك و ليتمن النور بصغرك و قماتك و لتخسأن طريدا مدحورا أو قتيلا مثبورا و لتجزين بعملك حيث لا ناصر لك و لا مصرح عندك و قد أسهبت في ذكر عثمان و لعمري ما قتله غيرك و لا خذله سواك و لقد تربصت به الدوائر و تمنيت له الأماني طمعا فيما ظهر منك و دل عليه فعلك و إني لأرجو أن ألحقك به على أعظم من ذنبه و أكبر من خطيئته فأنا ابن عبد المطلب صاحب السيف و إن قائمه لفي يدي و قد علمت من قتلت به من صناديد بني عبد شمس و فراعنة بني سهم و جمح و مخزوم و أيتمت أبناءهم و أيمت نساءهم و أذكرك ما لست له ناسيا يوم قتلت أخاك حنظلة و جررت برجله إلى القليب و أسرت أخاك عمرا فجعلت عنقه بين ساقيه رباطا و طلبتك ففررت و لك حصاص فلو لا أني لا أتبع فارا لجعلتك ثالثهما و أنا أولى لك بالله إليه برة غير فاجرة لئن جمعتني و إياك جوامع الأقدار لأتركنك مثلا يتمثل به الناس أبدا و لأجعجعن بك في مناخك حتى يحكم الله بيني و بينك وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ و لئن أنسأ الله في أجلي قليلا لأغزينك سراة المسلمين و لأنهدن إليك في جحفل من المهاجرين و الأنصار ثم لا أقبل لك معذرة و لا شفاعة و لا أجيبك إلى طلب و سؤال و لترجعن إلى تحيرك و ترددك و تلددك فقد شاهدت و أبصرت و رأيت سحب الموت كيف هطلت عليك بصيبها حتى اعتصمت بكتاب أنت و أبوك أول من كفر به و كذب بنزوله و لقد كنت تفرستها و آذنتك أنت فاعلها و قد مضى منها ما مضى و انقضى من كيدك فيها ما انقضى و أنا سائر نحوك على أثر هذا الكتاب فاختر لنفسك و انظر لها و تداركها فإنك إن فرطت و استمررت على غيك و غلوائك حتى ينهد إليك عباد الله أرتجت عليك الأمور و منعت أمرا هو اليوم منك مقبول يا ابن حرب إن لجاجك في منازعة الأمر أهله من سفاه الرأي فلا يطمعنك أهل الضلال و لا يوبقنك سفه رأي الجهال فو الذي نفس علي بيده لئن برقت في وجهك بارقة من ذي الفقار لتصعقن صعقة لا تفيق منها حتى ينفخ في الصور النفخة التي يئست منها كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ

 توضيح قال ابن الأثير في النهاية في حديث أبي هريرة إذا سمع الشيطان الأذان ولى و له حصاص الحصاص شدة العدو و حدته و قيل هو أن يمصع بذنبه و يصر بأذنيه و يعدو و قيل هو الضراط و قال جعجع القوم إذا أناخوا بالجعجاع و هي الأرض الجعجاع أيضا الموضع الضيق الخشن و منه كتاب عبيد الله بن زياد و جعجع بحسين و أصحابه أي ضيق عليهم المكان. و قال في القاموس الجعجاع الأرض عامة و الحرب و مناخ سوء لا يقر فيه صاحبه و الفحل الشديد الرغاء و الجعجعة صوت الرحى و نحر الجزور و أصوات الجمال إذا اجتمعت و بروك البعير و تبريكه و الحبس و القعود على غير طمأنينة و تجعجع ضرب بنفسه الأرض من وجع. و في النهاية السري النفيس الشريف و قيل السخي ذو المروءة و الجمع سراة بالفتح على غير قياس و تضم السين. و في قوله ع لأغزينك كأنه على الحذف و الإيصال و في بعض النسخ بالزاي من أغزاه إذا حمله على الغزو. و في القاموس الجحفل كجعفر الجيش الكثير. قوله ع فقد شاهدت يدل على أنه كان الكتاب بعد الرجوع عن صفين عند إرادة العود إليه و الغلواء بضم الغين و فتح اللام و قد تسكن الغلو و شرة الشباب و أوله. و قال الجوهري أرتجت الباب أغلقته و أرتج على القارئ على ما لم يسم فاعله إذا لم يقدر على القراءة كأنه أطبق عليه كما يرتج الباب و لا تقل ارتج عليه بالتشديد

415-  كنز الفوائد للكراجكي، نسخة كتاب معاوية بن أبي سفيان إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع أما بعد فإن الهوى يضل من اتبعه و الحرص يتعب الطالب المحروم و أحمد العاقبتين ما هدى إلى سبيل و من العجب العجيب ذام مادح أو زاهد راغب و متوكل حريص كلاما ضربته لك مثلا لتدبر حكمته بجمع الفهم و مباينة الهوى و مناصحة النفس فلعمري يا ابن أبي طالب لو لا الرحم التي عطفتني عليك و السابقة التي سلفت لك لقد كان اختطفك بعض عقبان أهل الشام فصعد بك في الهواء ثم قذفك على دكادك شوامخ الأبصار فألفيت كسحيق الفهر على مسن الصلابة لا يجد الذر فيك مرتقى و لقد عزمت عزمة من لا تعطفه رقة أن لا تذر و لا تباين ما قربت به أملك و طال له طلبك لأوردنك موردا تستمر مداقه إن فسح لك في الحياة بل نظنك قبل ذلك من الهالكين و بئس الرأي رأي يورد أهله المهالك و يمنيهم العطب إلى حين لات مناص و قد قذف بالحق على الباطل وَ ظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَ هُمْ كارِهُونَ و لله الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ و المنة الظاهرة و السلام جواب أمير المؤمنين صلوات الله و سلامه عليه من عبد الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فقد أتاني كتابك بتنويق المقال و ضرب الأمثال و انتحال الأعمال تصف الحكمة و لست من أهلها و تذكر التقوى و أنت على ضدها قد اتبعت هواك فحاد بك عن المحجة و لحج بك عن سواء السبيل فأنت تسحب أذيال لذات الفتن و تخبط في زهرة الدنيا كأنك لست توقن بأوبة البعث و لا برجعة المنقلب قد عقدت التاج و لبست الخز و افترشت الديباج سنة هرقلية و ملكا فارسيا ثم لم يقنعك ذلك حتى يبلغني أنك تعقد الأمر من بعدك لغيرك فيملك دونك و تحاسب دونه و لعمري لئن فعلت ذلك فما ورثت الضلالة عن كلالة و إنك لابن من كان يبغي على أهل الدين و يحسد المسلمين و ذكرت رحما عطفتك علي فأقسم بالله الأعز الأجل أن لو نازعك هذا الأمر في حياتك من أنت تمهده له بعد وفاتك لقطعت حبله و لبتت أسبابه و أما تهديدك لي بالمشارب الوبيئة و الموارد المهلكة فأنا عبد الله علي بن أبي طالب ابرز إلي صفحتك كلا و رب البيت ما أنت أبي عذر عند القتال و لا عند منافحة الأبطال و كأني بك لو شهدت الحرب و قد قامت على ساق و كشرت عن منظر كريه و الأرواح تختطف اختطاف البازي زغب القطا لصرت كالمولهة الحيرانة تضربها العبرة بالصدمة لا تعرف أعلى الوادي عن أسفله فدع عنك ما لست من أهله فإن وقع الحسام غير تشقيق الكلام فكم عسكر قد شهدته و قرن نازلته و رأيت اصطكاك قريش بين يدي رسول الله ص إذا أنت و أبوك و من هو أعلى منكما لي تبع و أنت اليوم تهددني فأقسم بالله أن لو تبدي الأيام عن صفحتك لنشب فيك مخلب ليث هصور لا يفوته فريسته بالمراوغة كيف و أنى لك بذلك و أنت قعيدة بنت البكر المخدرة يفزعها صوت الرعد و أنا علي بن أبي طالب الذي لا أهدد بالقتال و لا أخوف بالنزال فإن شئت يا معاوية فابرز و السلام فلما وصل هذا الجواب إلى معاوية بن أبي سفيان جمع جماعة من أصحابه و فيهم عمرو بن العاص فقرأه عليهم فقال له عمرو قد أنصفك الرجل كم رجل أحسن في الله قد قتل بينكما ابرز إليه فقال له أبا عبد الله أخطأت استك الحفرة أنا أبرز إليه مع علمي أنه ما برز إليه أحد إلا و قتله لا و الله و لكني سأبرزك إليه

416-  نسخة كتاب آخر من معاوية بن أبي سفيان إلى أمير المؤمنين ع أما بعد فإنا لو علمنا أن الحرب تبلغ بنا و بك ما بلغت لم يجنها بعضنا على بعض و إن كنا قد غلبنا على عقولنا فقد بقي لنا منها ما نرم به ما مضى و نصلح ما بقي و قد كنت سألتك الشام على أن لا تلزمني لك طاعة فأبيت ذلك علي و أنا أدعوك اليوم إلى ما دعوتك إليه أمس فإنك لا ترجو من البقاء إلا ما أرجو و لا تخاف من الفناء إلا ما أخاف و قد و الله رقت الأجناد و ذهبت الرجال و نحن جميعا بنو عبد مناف ليس لبعضنا فضل على بعض يستذل به عزيز و لا يسترق به حر جواب أمير المؤمنين ع من عبد الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فقد جاء في كتابك تذكر أنك لو علمت أن الحرب تبلغ بنا و بك ما بلغت لم يجنها بعضنا على بعض و أنا و إياك نلتمس غاية منها لم نبلغها بعد و أما طلبك إلي الشام فإني لم أكن لأعطيك اليوم ما منعتك أمس و أما استواؤنا في الخوف و الرجاء فلست بأمضى على الشك مني على اليقين و لا أهل الشام على الدنيا بأحرص من أهل العراق على الآخرة و أما قولك إنا بنو عبد مناف فكذلك نحن و لكن ليس أمية كهاشم و لا حرب كعبد المطلب و لا أبو سفيان كأبي طالب و لا الطليق كالمهاجر و لا المبطل كالمحق و في أيدينا فضل النبوة التي قتلنا بها العزيز و بعنا بها الحر و السلام

 توضيح الدكادك جمع الدكداك و هو من الرمل ما التبد منه بالأرض و لم يرتفع و الأبصار كأنه جمع البصر بالضم و هو الجانب و حرف كل شي‏ء. قوله كسحيق الفهر أي كالشي‏ء الذي سحقه الفهر. و في القاموس الفهر بالكسر الحجر قد رما يدق به الجوز أو ما يملأ الكف و قال الصلاية مدق الطيب انتهى. و لعل المراد بمسنها وسطها كمسان الطريق و المسن بالكسر حجر يحد عليه السكين. و في القاموس المنوق كمعظم المذلل من الجمال و من النخل الملقح و النواق رائض الأمور و مصلحها و النوقة الحذاقة في كل شي‏ء و تنوق في مطعمه و ملبسه تجود و بالغ و قال لحج السيف كفرح نشب في الغمد و مكان لحج ككتف ضيق و الملحج الملجأ و لحجه كمنعه ضربه و إليه لجأ. فما ورثت الضلالة أي لم تأخذ هذه الضلالة من بعيد في النسب بل أخذت من أبيك. قال الجوهري الكلالة الذي لا ولد له و والد و العرب تقول لم يرثه كلالة أي لم يرثه عن عرض بل عن قرب و استحقاق قال الفرزدق ورثتم قناة الملك غير كلالة. عن ابني مناف عبد شمس و هاشم. و الوبيئة فعلية من الوباء و هو الطاعون أو المرض العام يقال أرض وبيئة أي كثيرة الوباء و قد يخفف فيشدد ما أنت بأبي عذر أي لابتدائي بالقتال يقال فلان أبو عذرها إذا كان هو الذي افترعها و افتضها و قولهم ما أنت بذي عذر هذا الكلام أي لست بأول من افتضه. و لا يبعد أن يكون بالغين المعجمة و الدال المهملة قال الجوهري رجل ثبت الغدر أي ثابت في قتال و كلام و المنافحة المدافعة و المضاربة و قرب كل من القرنين إلى الآخر بحيث يصل إليه نفحه أي ريحه و نفسه. و قال الجوهري كشر البعير عن نابه أي كشف عنه و الكشر التبسم و قال الزغب الشعيرات الصفر على ريش الفرخ و الفراخ زغب و قال يقال شقق الكلام إذا أخرجه أحسن مخرج و الهصر بالكسر و الهصور الأسد و راغ الرجل و الثعلب روغا و روغانا مال و حاد عن الشي‏ء و قعيدة الرجل امرأته و الخدر ستر يمد للجارية في ناحية البيت و بالفتح إلزام البنت الخدر كالإخدار و التخدير و هي مخدورة و مخدرة و مخدرة

417-  كنز الفوائد، كتب معاوية إلى أمير المؤمنين ع افتخارا فقال ع أ علي يفتخر ابن آكلة الأكباد ثم قال لعبيد الله بن أبي رافع اكتب

محمد النبي أخي و صنوي و حمزة سيد الشهداء عمي‏و جعفر الذي يضحي و يمسي يطير مع الملائكة ابن أمي‏و بنت محمد سكني و عرسي مساط لحمها بدمي و لحمي

 و سبطا أحمد ابناي منها فأيكم له سهم كسهمي‏سبقتكم إلى الإسلام طرا غلاما ما بلغت أوان حلمي‏و أوجب لي الولاء معا عليكم خليلي يوم دوح غدير خمي

أقول ذكرها في الديوان مع زيادة و تغيير هكذا

و أوجب لي ولايته عليكم رسول الله يوم غدير خم‏و أوصاني النبي على اختيار لأمته رضى منكم بحكمي‏ألا من شاء فليؤمن بهذا و إلا فليمت كمدا بغم‏أنا البطل الذي لم تنكروه ليوم كريهة و ليوم سلمي

 بيان السكن بالتحريك كل ما سكنت إليه و العرس بالكسر امرأة الرجل و السوط خلط الشي‏ء بعضه ببعض و سوطه أي خلطه و الدوح جمع الدوحة و هي الشجرة العظيمة و الكمد بالتحريك الحزن المكتوم

418-  ج، ]الإحتجاج[ روى أبو عبيدة قال كتب معاوية إلى علي أمير المؤمنين ع إن لي فضائل كثيرة كان أبي سيدا في الجاهلية و صرت ملكا في الإسلام و أنا صهر رسول الله ص و خال المؤمنين و كاتب الوحي فقال أمير المؤمنين ع أ بالفضائل يبغي علي ابن آكلة الأكباد اكتب إليه يا غلام محمد النبي أخي و صهري و ساق الأبيات إلى قوله

سبقتكم إلى الإسلام طرا مقرا بالنبي في بطن أمي‏و صليت الصلاة و كنت طفلا صغيرا ما بلغت أوان حلمي

 و ساق الأبيات إلى قوله

فويل ثم ويل ثم ويل لمن يلقى الإله غدا بظلمي

فقال معاوية اخفوا هذا الكتاب لا يقرؤه أهل الشام فيميلوا إلى ابن أبي طالب

419-  كتاب صفين لنصر بن مزاحم، قال كتب علي ع إلى معاوية

أصبحت مني يا ابن حرب جاهلا إن لم نرام منكم الكواهلابالحق و الحق يزيل الباطلا هذا لك العام و عاما قابلا

420-  كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي، قال روي أن عليا ع كتب إلى معاوية من عبد الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى معاوية و بعد فإن الله تبارك و تعالى ذا الجلال و الإكرام خلق الخلق و اختار خيرة من خلقه و اصطفى صفوة من عباده يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وَ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ فأمر الأمر و شرع الدين و قسم القسم على ذلك و هو فاعله و جاعله و هو الخالق و هو المصطفى و هو المشرع و هو القاسم و هو الفاعل لما يشاء له الخلق و له الأمر و له الخيرة و المشيئة و الإرادة و القدرة و الملك و السلطان أرسل رسوله خيرته و صفوته بالهدى و دين الحق و أنزل عليه كتابه فيه تبيان كل شي‏ء من شرائع دينه فبينه لقوم يعلمون و فيه فرض الفرائض و قسم فيه سهاما أحل بعضها لبعض و حرم بعضها لبعض بينها يا معاوية إن كنت تعلم الحجة و ضرب أمثالا لا يعلمها إلا العالمون فأنا سائلك عنها أو بعضها إن كنت تعلم و اتخذ الحجة بأربعة أشياء على العالمين فما هي يا معاوية و لمن هي و اعلم أنهن حجة لنا أهل البيت على من خالفنا و نازعنا و فارقنا و بغى علينا و المستعان الله عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ عَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ و كان جملة تبليغه رسالة ربه فيما أمره و شرع و فرض و قسم جملة الدين يقول الله أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ هي لنا أهل البيت ليست لكم ثم نهى عن المنازعة و الفرقة و أمر بالتسليم و الجماعة فكنتم أنتم القوم الذين أقررتم لله و لرسوله فبدا لكم فأخبركم الله أن محمدا لم يك أبا أحد من رجالكم و لكن رسول الله و خاتم النبيين و قال عز و جل أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فأنت و شركاؤك يا معاوية القوم الذين انقلبوا على أعقابهم و ارتدوا و نقضوا الأمر و العهد فيما عاهدوا الله و نكثوا البيعة و لم يضروا الله شيئا أ لم تعلم يا معاوية أن الأئمة منا ليست منكم و قد أخبركم الله أن أولي الأمر هم المستنبطوا العلم و أخبركم أن الأمر الذي تختلفون فيه يرد إلى الله و إلى الرسول و إلى أولي الأمر المستنبطي العلم فمن أوفى بما عاهد الله عليه يجد الله موفيا بعهده يقول الله أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَ إِيَّايَ فَارْهَبُونِ و قال عز و جل أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً و قال للناس بعدهم فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ فتبوأ مقعدك من جهنم وَ كَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً و نحن آل إبراهيم المحسودون و أنت الحاسد لنا خلق الله آدم بيده وَ نَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ و أسجد له الملائكة و علمه الأسماء كلها و اصطفاه على العالمين فحسده الشيطان فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ و نوحا حسده قومه إذ قالوا ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ ذلك حسد منهم لنوح أن يقروا له بالفضل و هو بشر و من بعده حسدوا هودا إذ يقول قومه ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَ يَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ وَ لَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ قالوا ذلك حسدا أن يفضل الله من يشاء و يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ و من قبل ذلك ابن آدم قابيل قتل هابيل حسدا فكان من الخاسرين و طائفة من بني إسرائيل إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فلما بعث الله لهم طالوت ملكا حسدوه و قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا و زعموا أنهم أحق بالملك منه كل ذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق و عندنا تفسيره و عندنا تأويله وَ قَدْ خابَ مَنِ افْتَرى و نعرف فيكم شبهه و أمثاله وَ ما تُغْنِي الْآياتُ وَ النُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ فكان نبينا ص فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ حسدا من القوم على تفضيل بعضنا على بعض ألا و نحن أهل البيت آل إبراهيم المحسودون حسدنا كما حسد آباؤنا من قبلنا سنة و مثلا و قال الله وَ آلَ إِبْراهِيمَ و آلَ لُوطٍ و آلَ عِمْرانَ و آلِ يَعْقُوبَ و آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ

و آلَ داوُدَ فنحن آل نبينا محمد ص أ لم تعلم يا معاوية إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا و نحن أولو الأرحام قال الله تعالى النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ نحن أهل بيت اختارنا الله و اصطفانا و جعل النبوة فينا و الكتاب لنا و الحكمة و العلم و الإيمان و بيت الله و مسكن إسماعيل و مقام إبراهيم فالملك لنا ويلك يا معاوية و نحن أولى بإبراهيم و نحن آله و آل عمران و أولى بعمران و آل لوط و نحن أولى بلوط و آل يعقوب و نحن أولى بيعقوب و آل موسى و آل هارون و آل داود و أولى بهم و آل محمد أولى به و نحن أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا و لكل نبي دعوة في خاصة نفسه و ذريته و أهله و لكل نبي وصية في آله أ لم تعلم أن إبراهيم أوصى بابنه يعقوب و يعقوب أوصى بنيه إذ حضره الموت و أن محمدا أوصى إلى آله سنة إبراهيم و النبيين اقتداء بهم كما أمره الله ليس لك منهم و لا منه سنة في النبيين و في هذه الذرية التي بعضها من بعض قال الله لإبراهيم و إسماعيل و هما يرفعان القواعد من البيت رَبَّنا وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ فنحن الأمة المسلمة و قالا رَبَّنا وَ ابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ فنحن أهل هذه الدعوة و رسول الله منا و نحن منه بعضنا من بعض و بعضنا أولى ببعض في الولاية و الميراث ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ و علينا نزل الكتاب و فينا بعث الرسول و علينا تليت الآيات و نحن المنتحلون للكتاب و الشهداء عليه و الدعاة إليه و القوام به فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ أ فغير الله يا معاوية تبغي ربا أم غير كتابه كتابا أم غير الكعبة بيت الله و مسكن إسماعيل و مقام أبينا إبراهيم تبغي قبلة أم غير ملته تبغي

 دينا أم غير الله تبغي ملكا فقد جعل الله ذلك فينا فقد أبديت عداوتك لنا و حسدك و بغضك و نقضك عهد الله و تحريفك آيات الله و تبديلك قول الله قال الله لإبراهيم إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ أ فترغب عن ملته و قد اصطفاه الله في الدنيا و هو في الآخرة من الصالحين أم غير الحكم تبغي حكما أم غير المستحفظ منا تبغي إماما الإمامة لإبراهيم و ذريته و المؤمنون تبع لهم لا يرغبون عن ملته قال فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي أدعوك يا معاوية إلى الله و رسوله و كتابه و ولي أمره الحكيم من آل إبراهيم و إلى الذي أقررت به زعمت إلى الله و الوفاء بعهده وَ مِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَ أَطَعْنا وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَ لا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ فنحن الأمة الأربى ف لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَ هُمْ لا يَسْمَعُونَ اتبعنا و اقتد بنا فإن ذلك لنا آل إبراهيم على العالمين مفترض فإن الأفئدة من المؤمنين و المسلمين تهوي إلينا و ذلك دعوة المرء المسلم فهل  تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بالله و ما أنزل إلينا و اقتدينا و اتبعنا ملة إبراهيم صلوات الله عليه و على محمد و آله فكتب إليه معاوية من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب قد انتهى إلي كتابك فأكثرت فيه ذكر إبراهيم و إسماعيل و آدم و نوح و النبيين و ذكر محمد و قرابتكم منه و منزلتكم و حقك و لم ترض بقرابتك من محمد حتى انتسبت إلى جميع النبيين ألا و إنما كان محمد رسولا من الرسل إلى الناس كافة فبلغ رسالات ربه لا يملك شيئا غيره ألا و إن الله ذكر قوما جَعَلُوا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً و قد خفت عليك أن تضارعهم ألا و إن الله أنزل في كتابه أنه لم يك يتخذ ولدا وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ و لا ولي من الذل فأخبرنا ما فضل قرابتك و ما فضل حقك و أين وجدت اسمك في كتاب الله و ملكك و إمامتك و فضلك ألا و إنما نقتدي بمن كان قبلنا من الأئمة و الخلفاء الذين اقتديت بهم فكنت كمن اختار و رضي و لسنا منكم قتل خليفتنا أمير المؤمنين عثمان بن عفان و قال الله وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فنحن أولى بعثمان و ذريته و أنتم أخذتموه على رضى من أنفسكم جعلتموه خليفة و سمعتم له و أطعتم فأجابه علي ع أما الذي عيرتني به يا معاوية من كتابي و كثرة ذكر آبائي إبراهيم و إسماعيل و النبيين فإنه من أحب آباءه أكثر ذكرهم فذكرهم حب الله و رسوله و أنا أعيرك ببغضهم فإن بغضهم بغض الله و رسوله و أعيرك بحبك آباءك و كثرة ذكرهم فإن حبهم كفر

 و أما الذي أنكرت من نسبي من إبراهيم و إسماعيل و قرابتي من محمد ص و فضلي و حقي و ملكي و إمامتي فإنك لم تزل منكرا لذلك لم يؤمن به قلبك إلا و إنا أهل البيت كذلك لا يحبنا كافر و لا يبغضنا مؤمن و الذي أنكرت من قول الله عز و جل فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً فأنكرت أن تكون فينا فقد قال الله النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ و نحن أولى به و الذي أنكرت من إمامة محمد ص و زعمت أنه كان رسولا و لم يكن إماما فإن إنكارك على جميع النبيين الأئمة و لكنا نشهد أنه كان رسولا نبيا إماما ص و لسانك دليل على ما في قلبك و قال الله تعالى أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ وَ لَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَ لَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ ألا و قد عرفناك قبل اليوم و عداوتك و حسدك و ما في قلبك من المرض الذي أخرجه الله و الذي أنكرت من قرابتي و حقي فإن سهمنا و حقنا في كتاب الله قسمة لنا مع نبينا فقال وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى و قال فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ و ليس وجدت سهمنا مع سهم الله و رسوله و سهمك مع الأبعدين لا سهم لك إن فارقته فقد أثبت الله سهمنا و أسقط سهمك بفراقك و أنكرت إمامتي و ملكي فهل تجد في كتاب الله قوله لآل إبراهيم و اصطفاهم على العالمين فهو فضلنا على العالمين و تزعم أنك لست من العالمين أو تزعم أنا لسنا من آل إبراهيم فإن أنكرت ذلك لنا فقد أنكرت محمدا ص فهو منا و نحن منه فإن استطعت أن تفرق بيننا و بين إبراهيم صلوات الله عليه و آله و إسماعيل و محمد و آله في كتاب الله فافعل

  بيان قوله ع جملة الدين كان يحتمل الجيم و الحاء المهملة فعلى الأول لعله بدل أو عطف بيان أو تأكيد لقوله جملة تبليغه و قوله يقول الله بتأويل المصدر خبر و يمكن أن يقرأ بقول الله بالباء الموحدة و على الثاني جملة الدين خبر. قوله ع إن أولي الأمر إشارة إلى قوله سبحانه وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ. قوله ع دعوه المرء المسلم لعل المراد به إبراهيم ع حيث قال رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ. و إنما عبر هكذا للإشارة إلى أن قائله أحد الذين مر ذكرهما حيث قالا وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ الآية. قوله ع و اصطفاهم إشارة إلى قوله سبحانه إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ

421-  كتاب سليم بن قيس، من عينه بالإسناد عن أبان عنه قال و حدثني أيضا عمر بن أبي سلمة و زعم أبو هريرة العبدي أنه سمعه عن عمر بن أبي سلمة قال إن معاوية دعا أبا الدرداء و نحن مع أمير المؤمنين ع بصفين و دعا أبا هريرة فقال لهما انطلقا إلى علي ع فأقرئاه مني السلام و قولا له و الله إني لأعلم أنك أولى الناس بالخلافة و أحق بها مني لأنك من المهاجرين الأولين و أنا من الطلقاء و ليس لي مثل سابقتك في الإسلام و قرابتك من رسول الله ص و علمك بكتاب الله و سنة نبيه عليه و آله السلام و لقد بايعك المهاجرون و الأنصار بعد ما تشاوروا قبل ثلاثة أيام ثم أتوك فبايعوك طائعين غير مكرهين و كان أول من بايعك طلحة و الزبير ثم نكثا بيعتك ظلما و طلبا ما ليس لهما و بلغني أنك تعتذر من قتل عثمان و تتبرأ من دمه و تزعم أنه قتل و أنت قاعد في بيتك و أنك قد قلت حين قتل اللهم لم أرض و لم أمالئ و قلت له يوم الجمل حين نادوا يا لثارات عثمان قلت كبت قتلة عثمان ليوم لوجههم إلى النار أ نحن قتلناه إنما قتله هما و صاحبتهما و أمروا بقتله و أنا قاعد في بيتي و أنا ابن عم عثمان و المطالب بدمه فإن كان الأمر كما قلت فأمكنا من قتلة عثمان و ادفعهم إلينا نقتلهم بابن عمنا و نبايعك و نسلم إليك الأمر هذه واحدة و أما الثانية فقد أنبأتني عيوني و أتتني الكتب عن أولياء عثمان ممن هو معك يقاتل و تحسب أنه على رأيك و راض بأمرك و هواه معنا و قلبه عندنا و جسده معك و إنك تظهر ولاية أبي بكر و عمر و تترحم عليهما و تكف عن عثمان و لا تذكره و لا تترحم عليه و لا تلعنه و في رواية أخرى و لا تسبه و لا تتبرأ منه و بلغني أنك إذا خلوت ببطانتك الخبيثة و شيعتك و خاصتك الضالة المغيرة الكاذبة تبرأت عندهم من أبي بكر و عمر و عثمان و لعنتهم و ادعيت أنك وصي رسول الله في أمته و خليفته فيهم و أن الله تعالى جل اسمه فرض على المؤمنين طاعتك و أمر بولايتك في كتابه و سنة نبيه ص و أنه أمر محمدا أن يقوم بذلك في أمته و أنه أنزل عليه يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ فجمع قريشا و الأنصار و بني أمية بغدير خم و في رواية أخرى فجمع أمته بغدير خم فبلغ ما أمر به فيك عن الله و أمر أن يبلغ الشاهد الغائب و أخبرهم أنك أولى بهم من أنفسهم و أنك منه بمنزلة هارون من موسى و بلغني أنك لا تخطب خطبة إلا قلت قبل أن تنزل عن منبرك و الله إني

 لأولى بالناس و ما زلت مظلوما منذ قبض رسول الله ص و الله لئن كان ما بلغني عنك حقا فلظلم أبي بكر و عمر إياك أعظم من ظلم عثمان لأنه بلغني أنك تقول لقد قبض رسول الله و نحن شهود فانطلق عمر و بايع أبا بكر و ما استأمرك و لا شاورك و لقد خاصم الرجلان الأنصار بحقك و حجتك و قرابتك من رسول الله ص و لو سلما لك الأمر و بايعاك كان عثمان أسرع الناس إلى ذلك لقرابتك منه و حقك عليه لأنه ابن عمك و ابن عمتك ثم عمد أبو بكر فردها إلى عمر عند موته ما شاورك و لا استأمرك حين استخلفه و بايع له ثم جعلك عمر في الشورى بين ستة منكم و أخرج منها جميع المهاجرين و الأنصار و غيرهم فوليتم ابن عوف أمركم في اليوم الثالث حين رأيتم الناس قد اجتمعوا و اخترطوا سيوفهم و حلفوا بالله لئن غابت الشمس و لم تختاروا أحدكم لنضربن أعناقكم و لننفذ فيكم أمر عمر و وصيته فوليتم أمركم ابن عوف فبايع عثمان و بايعتموه ثم حصر عثمان فاستنصركم فلم تنصروه و دعاكم فلم تجيبوه و بيعته في أعناقكم و أنتم يا معشر المهاجرين و الأنصار حضور شهود فخليتم بينه و بين أهل مصر فخليتم حتى قتلوه و أعانهم طوائف منكم على قتله و خذله عامتكم فصرتم في أمره بين قاتل و آمر و خاذل ثم بايعك الناس و أنت أحق بها مني فأمكني من قتلة عثمان حتى أقتلهم و أسلم الأمر لك و أبايعك أنا و جميع من قبلي من أهل الشام فلما قرأ علي ع كتاب معاوية و بلغه أبو الدرداء رسالته و مقالته قال علي ع لأبي الدرداء قد أبلغتماني ما أرسلكما به معاوية فاسمعا مني ثم أبلغاه عني و قولا له إن عثمان بن عفان لا يعدو أن يكون أحد رجلين إما إمام هدى حرام الدم واجب النصرة لا تحل معصيته و لا يسع الأمة خذلانه أو إمام ضلالة حلال الدم لا تحل ولايته و لا نصرته فلا يخلو من إحدى الخصلتين و الواجب في حكم الله و حكم الإسلام على المسلمين بعد ما يموت إمامهم أو يقتل ضالا كان أو مهتديا مظلوما كان أو ظالما حلال الدم أو حرام الدم أن لا يعملوا عملا و لا يحدثوا حدثا و لا يقدموا يدا و لا رجلا و لا يبدءوا بشي‏ء قبل أن يختاروا لأنفسهم إماما يجمع أمرهم عفيفا عالما ورعا عارفا بالقضاء و السنة يجمع أمرهم و يحكم بينهم و يأخذ للمظلوم من الظالم و يحفظ أطرافهم و يجبي فيئهم و يقيم حجتهم و جمعتهم و يجبى صدقاتهم ثم يحتكمون إليه في إمامهم المقتول ظلما ليحكم بينهم بالحق فإن كان إمامهم قتل مظلوما حكم لأوليائه بدمه و إن كان قتل ظالما انظر كيف كان الحكم في هذا و إن أول ما ينبغي للمسلمين أن يفعلوه أن يختاروا إماما يجمع أمرهم إن كانت الخيرة لهم و يتابعوه و يطيعوه و إن كانت الخيرة إلى الله عز و جل و إلى رسوله فإن الله قد كفاهم النظر في ذلك و الاختيار و رسول الله ص قد رضي لهم إماما و أمرهم بطاعته و اتباعه و قد بايعني الناس بعد قتل عثمان و بايعني المهاجرون و الأنصار بعد ما تشاوروا بي ثلاثة أيام و هم الذين بايعوا أبا بكر و عمر و عثمان و عقدوا إمامتهم و لي بذلك أهل بدر و السابقة من المهاجرين و الأنصار غير أنهم بايعوهم قبل على غير مشورة من العامة و إن بيعتي كانت بمشورة من العامة فإن كان الله جل اسمه جعل الاختيار إلى الأمة و هم الذين يختارون و ينظرون لأنفسهم و اختيارهم لأنفسهم و نظرهم لها خير لهم من اختيار الله و رسوله لهم و كان من اختاروه و بايعوه بيعته بيعة هدى و كان إماما واجبا على الناس طاعته و نصرته فقد تشاوروا في و اختاروني بإجماع منهم و إن كان الله جل و عز هو الذي يختار و له الخيرة فقد اختارني للأمة و استخلفني عليهم و أمرهم بطاعتي و نصرتي في كتابه المنزل و سنة نبيه ص فذلك أقوى بحجتي و أوجب بحقي

 و لو أن عثمان قتل على عهد أبي بكر و عمر أ كان لمعاوية قتالهما و الخروج عليهما للطلب قال أبو هريرة و أبو الدرداء لا قال علي ع فكذلك أنا فإن قال معاوية نعم فقولا له إذن يجوز لكل من ظلم بمظلمة أو قتل له قتيلا أن يشق عصا المسلمين و يفرق جماعتهم و يدعو إلى نفسه مع أن ولد عثمان أولى بطلب دم أبيهم من معاوية قال فسكت أبو الدرداء و أبو هريرة و قالا قد أنصفت من نفسك قال علي ع و لعمري لقد أنصفني معاوية إن تم على قوله و صدق ما أعطاني فهؤلاء بنو عثمان رجال قد أدركوا ليسوا بأطفال و لا مولى عليهم فليأتوا أجمع بينهم و بين قتلة أبيهم فإن عجزوا عن حجتهم فليشهدوا لمعاوية بأنه وليهم و وكيلهم في خصومتهم و ليقعدوا هم و خصماؤهم بين يدي مقعد الخصوم إلى الإمام و الوالي الذين يقرون بحكمه و ينفذون قضاءه فانظر في حجتهم و حجة خصمائهم فإن كان أبوهم قتل ظالما و كان حلال الدم أبطلت دمه و في رواية أخرى أهدرت دمه و إن كان أبوهم قتل مظلوما حرام الدم أقدتهم من قاتل أبيهم فإن شاءوا قتلوا و إن شاءوا عفوا و إن شاءوا قبلوا الدية و هؤلاء قتلة عثمان في عسكري يقرون بقتله و يرضون بحكمي عليهم فليأتني ولد عثمان و معاوية إن كان وليهم و وكيلهم فليخاصموا قتلته و ليحاكموهم حتى أحكم بينهم بكتاب الله و سنة نبيه ص و إن كان معاوية إنما يتجنى و يطلب الأعاليل و الأباطيل فليتجن ما بدا له فسوف يعين الله عليه قال أبو الدرداء و أبو هريرة قد و الله أنصفت من نفسك و زدت على النصفة و أزحت علته و قطعت حجته و جئت بحجة قوية صادقة ما عليها لون ثم خرج أبو هريرة و أبو الدرداء فإذا نحو من عشرين ألف رجل مقنعين في الحديد فقالوا نحن قتلة عثمان مقرون راضون بحكم علي ع علينا و لنا فليأتنا أولياء عثمان فليحاكمونا إلى أمير المؤمنين ع في دم أبيهم و إن وجب علينا القود أو الدية اصطبرنا لحكمه و سلمنا فقالا قد أنصفتم و لا يحل لعلي ع دفعكم و لا قتلكم حتى يحاكموكم إليه فيحكم بينكم و بين أصحابكم بكتاب الله و سنة نبيه ص و انطلق أبو الدرداء و أبو هريرة حتى قدما على معاوية فأخبراه بما قال علي ع و ما قال قتلة عثمان و ما قال أبو النعمان بن صمان فقال معاوية فما رد عليكما في ترحمه على أبي بكر و عمر و كفه عن الترحم على عثمان و براءته منه في السر و ما يدعي من استخلاف رسول الله ص إياه و أنه لم يزل مظلوما منذ قبض رسول الله ص قالا بلى قد ترحم على أبي بكر و عمر و عثمان عندنا و نحن نسمع ثم قال لنا فما يقول إن كان الله جعل الخيار إلى الأمة فكانوا هم الذين يختارون و ينظرون لأنفسهم و كان اختيارهم لأنفسهم و نظرهم لها خيرا لهم و أرشد من اختيار الله و اختيار رسول الله ص فقد اختاروني و بايعوني فبيعتي بيعة هدى و أنا إمام واجب على الناس نصرتي لأنهم قد تشاوروا في و اختاروني و إن كان اختيار الله و اختيار رسوله خيرا لهم و أرشد من اختيارهم لأنفسهم و نظرهم لها فقد اختارني الله و رسوله للأمة و استخلفاني عليهم و أمراهم بنصرتي و طاعتي في كتاب الله المنزل على لسان نبيه المرسل و ذلك أقوى بحجتي و أوجب لحقي ثم صعد المنبر في عسكره و جمع الناس و من بحضرته من النواحي و المهاجرين و الأنصار ثم حمد الله و أثنى عليه ثم قال معاشر الناس إن مناقبي أكثر من أن تحصى و بعد ما أنزل الله في كتابه من ذلك و ما قال رسول الله إني سأنبئكم عن خصال سبعة قالها رسول الله اكتفى بها من جميع مناقبي و فضلي أ تعلمون أن الله فضل في كتابه الناطق السابق إلى الإسلام في غير آية من كتابه على المسبوق و أنه لم يسبقني إلى الله و رسوله أحد من الأمة قالوا اللهم نعم

 قال أنشدكم الله أ تعلمون ما سئل رسول الله ص عن قوله السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فقال رسول الله ص أنزلها الله في الأنبياء و أوصيائهم و أنا أفضل أنبياء الله و رسله و وصيي علي بن أبي طالب ع أفضل الأوصياء فقام نحو من سبعين بدريا جلهم من الأنصار و بقيتهم من المهاجرين منهم أبو الهيثم بن التيهان و خالد بن زيد أبو أيوب الأنصاري و في المهاجرين عمار بن ياسر فقالوا نشهد أنا قد سمعنا رسول الله ص قال ذلك قال فأنشدكم بالله في قول الله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ و قوله إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ الآية ثم قال وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لا رَسُولِهِ وَ لَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً فقال الناس يا رسول الله أ خاص لبعض المؤمنين أم عام لجميعهم فأمر الله عز و جل رسوله أن يعلمهم و أن يفسر لهم من الولاية ما فسر لهم من صلاتهم و صيامهم و زكاتهم و حجهم فنصبني للناس بغدير خم و قال إن الله أرسلني برسالة ضاق بها صدري و ظننت أن الناس مكذبي بها فأوعدني لأبلغنها أو يعذبني قم يا علي ثم نادى بأعلى صوته بعد أن أمر بلالا أن ينادي بالصلاة جامعة فصلى بهم الظهر ثم قال أيها الناس إن الله مولاي و أنا مولى المؤمنين و أنا أولى بهم من أنفسهم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله فقام إليه سلمان الفارسي فقال يا رسول الله ولاؤه فيما ذا فقال ولاؤه كولايتي من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه و أنزل الله الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فقال سلمان يا رسول الله أ نزلت هذه الآيات في علي خاصة فقال فيه و في أوصيائي إلى يوم القيامة فقال سلمان يا رسول الله ص بينهم لنا فقال علي ع أخي و وزيري و وصيي و صنوي و وارثي و خليفتي في أمتي و ولي كل مؤمن بعدي و أحد عشر إماما من ولده الحسن ثم الحسين ع ثم تسعة من ولد الحسين ع واحد بعد واحد القرآن معهم و هم مع القرآن لا يفارقونه حتى يردوا علي الحوض فقام اثنا عشر رجلا من البدريين فقالوا نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول الله ص كما قلت سواء لم تزد حرفا و لم تنقص حرفا و قال بقية السبعين قد سمعنا ذلك و لم نحفظه كله و هؤلاء الاثنا عشر خيارنا و أفضلنا فقال صدقتم ليس كل الناس يحفظ بعضهم أحفظ من بعض فقام من الاثني عشر أربعة أبو الهيثم بن التيهان و أبو أيوب و عمار و خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين فقالوا نشهد أنا قد سمعنا قول رسول الله ص و حفظنا أنه قال يومئذ و هو قائم و علي ع قائم إلى جانبه أيها الناس إن الله أمرني أن أنصب لكم إماما يكون وصيي فيكم و خليفتي في أمتي و في أهل بيتي من بعدي و الذي فرض الله على المؤمنين في كتابه طاعته و أمركم فيه بولايته فراجعت ربي خشية طعن أهل النفاق و تكذيبهم فأوعدني لأبلغها أو ليعذبني أيها الناس إن الله أمركم في كتابه بالصلاة و قد بينتها لكم و سننتها و الزكاة و الصوم و الحج فبينتها و فسرتها لكم و أمركم في كتابه بالولاية و إني أشهدكم أيها الناس أنها خاصة لعلي بن أبي طالب ع و الأوصياء من ولدي و ولد أخي و وصيي علي أولهم ثم الحسن ثم الحسين ثم تسعة من ولد الحسين ع

 لا يفارقون الكتاب حتى يردوا علي الحوض أيها الناس إني قد أعلمتكم مفزعكم و إمامكم بعدي و دليلكم و هاديكم و هو أخي علي بن أبي طالب ع و هو فيكم بمنزلتي فقلدوه دينكم و أطيعوه في جميع أموركم فإن عنده جميع ما علمني الله عز و جل و أمرني الله أن أعلمه إياكم و أعلمكم أنه عنده فاسألوه و تعلموا منه و من أوصيائه بعده و لا تعلموهم و لا تتقدموهم و لا تتخلفوا عنهم فإنهم مع الحق و الحق معهم لا يزايلونه و لا يزايلهم ثم قال علي ع لأبي الدرداء و أبي هريرة و من حوله يا أيها الناس أ تعلمون أن الله تبارك و تعالى أنزل في كتابه إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فجمعني رسول ص و فاطمة و الحسن و الحسين في كساء و قال اللهم هؤلاء أحبتي و عترتي و حامتي و أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا فقالت أم سلمة و أنا فقال إنك إلى خير و إنما أنزلت في و في أخي علي و ابنتي فاطمة و ابني الحسن و الحسين صلوات الله عليهم خاصة ليس معنا غيرنا و في تسعة من ولد الحسين من بعدي فقام كلهم فقالوا نشهد أن أم سلمة حدثتنا بذلك فسألنا عن ذلك رسول الله ص فحدثنا به كما حدثتنا أم سلمة ثم قال أنشدكم الله هل تعلمون أن الله جل اسمه أنزل يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ فقال سلمان يا رسول الله أ عامة أم خاصة فقال أما المأمورون فعامة لأن جماعة المؤمنين أمروا بذلك و أما الصادقون فخاصة علي بن أبي طالب و أوصيائي من بعده إلى يوم القيامة و قلت لرسول الله ص في غزوة تبوك يا رسول الله لم خلفتني فقال إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك و أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة فإنه لا نبي بعدي فقام رجال ممن معه من المهاجرين و الأنصار فقالوا نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول الله ص في غزوة تبوك فقال أنشدكم الله أ تعلمون أن الله أنزل في سورة الحج يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ إلى آخر السورة فقام سلمان فقال يا رسول الله من هؤلاء الذين أنت عليهم شهيد و هم شهداء على الناس الذين اجتباهم الله و ما جعل عليهم في الدين من حرج ملة أبيهم إبراهيم قال عنى بذلك ثلاثة عشر إنسانا أنا و أخي و أحد عشر من ولدي قالوا اللهم نعم قال أنشدكم الله أ تعلمون أن رسول الله ص قام خطيبا و لم يخطب بعدها و قال إني قد تركت فيكم أيها الناس أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله و أهل بيتي فإنه قد عهد إلي اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فقالوا اللهم نعم قد شهدنا ذلك كله فقال حسبي الله فقام الاثنا عشر فقالوا نشهد أن رسول الله ص حين خطب في اليوم الذي قبض فيه قام عمر بن الخطاب شبه المغضب فقال يا رسول الله أ كل أهل بيتك فقال لا و لكن أوصيائي منهم علي أخي و وزيري و وارثي و خليفتي في أمتي و ولي كل مؤمن بعدي هذا أولهم و آخرهم ثم وصيي ابني هذا و أشار إلى الحسن ثم وصيه هذا و أشار إلى الحسين ثم وصيي ابني و سمي أخي ثم وصيه سميي ثم سبعة من ولده واحد بعد واحد حتى يردوا علي الحوض شهداء لله في أرضه و حججه على خلقه من أطاعهم أطاع الله و من عصاهم عصى الله فقام السبعون البدريون و نحوهم من الآخرين فقالوا أدركنا و ما كنا نسينا نشهد أنا قد سمعنا ذلك من رسول الله

 فلم يدع ع شيئا إلا ناشدهم فيه حتى أتى على آخر مناقبه و ما قال رسول الله ص فيه كل ذلك يصدقونه و يشهدون أنه حق فلما حدث أبو الدرداء و أبو هريرة معاوية بكل ذلك و بما رد عليه الناس وجم من ذلك و قال يا أبا الدرداء و يا أبا هريرة لئن كان ما تحدثاني عنه حقا لقد هلك المهاجرون و الأنصار غيره و غير أهل بيته و شيعته ثم كتب معاوية إلى أمير المؤمنين ع لئن كان ما قلت و ادعيت و استشهدت عليه أصحابك حقا لقد هلك أبو بكر و عمر و عثمان و جميع المهاجرين و الأنصار غيرك و غير أهل بيتك و شيعتك و قد بلغني ترحمك عليهم و استغفارك لهم و إنهم لعلى وجهين ما لها ثالث أما تقية إن أنت تبرأت منهم خفت أن يتفرق عنك أهل عسكرك الذين تقاتلني بهم و إن كان الذي ادعيت باطلا و كذبا فقد جاءني بعض من تثق به من خاصتك بأنك تقول لشيعتك و بطانتك بطانة السوء إني قد سميت ثلاثة من بني أبا بكر و عمر و عثمان فإذا سمعتموني أ ترحم على أحد من أئمة الضلالة فإنما أعني بذلك بني و الدليل على ذلك و في رواية أخرى على صدق ما أتوني به و رقوه إلي أن قد رأيناك بأعيننا فلا نحتاج أن نسأل عن ذلك غيرنا و إلا فلم حملت امرأتك فاطمة على حمار و أخذت بيد ابنيك الحسن و الحسين إذ بويع أبو بكر فلم تدع أحدا من أهل بدر و السابقة إلا و قد دعوتهم و استنفرتهم عليه فلم تجد منهم إنسانا غير أربعة سلمان و أبو ذر و المقداد و الزبير لعمري لو كنت محقا لأجابوك و ساعدوك و نصروك و لكن ادعيت باطلا و ما لا يقرون به و سمعتك أذناي و أنت تقول لأبي سفيان حين قال لك غلبك عليه أذل أحياء قريش تيم و عدي و دعاك إلى أن ينصرك فقلت لو وجدت أعوانا أربعين رجلا من المهاجرين و الأنصار من أهل السابقة لناهضت الرجل فإنا لم نجد غير أربعة رهط بايعت مكرها قال فكتب إليه أمير المؤمنين ع أما بعد فقد قرأت كتابك فكثر ما يعجبني مما خطت فيه يدك و أطنبت فيه من كلامك و من البلاء العظيم و الخطب الجليل على هذه الأمة أن يكون مثلك يتكلم أو ينظر في عامة أمرهم أو خاصته و أنت من تعلم و ابن من قد علمت و أنا من قد علمت و ابن من تعلم و سأجيبك فيما قد كتبت بجواب لا أظنك تعقله أنت و لا وزيرك ابن النابغة عمرو الموافق لك كما وافق شن طبقة فإنه هو الذي أمرك بهذا الكتاب و زينه لك أو حضركما فيه إبليس و مردة أصحابه و في رواية أخرى و مردة أبالسته و إن رسول الله ص قد كان خبرني أنه رأى على منبره اثني عشر رجلا أئمة ضلالة من قريش يصعدون على منبر رسول الله ص و ينزلون على صورة القرود يردون أمته على أدبارهم عن الصراط المستقيم اللهم و قد خبرني بأسمائهم رجلا رجلا و كم يملك كل واحد منهم واحد بعد واحد عشرة منهم من بني أمية و رجلين من حيين مختلفين من قريش عليهما مثل أوزار الأمة جميعا إلى يوم القيامة و مثل جميع عذابهم فليس دم يهراق في غير حقه و لا فرج يغشى و لا حكم بغير حق إلا كان عليهما وزره و سمعته يقول إن بني أبي العاص إذا بلغوا ثلاثين رجلا جعلوا كتاب الله دخلا و عباد الله خولا و مال الله دولا و قال رسول الله ص يا أخي إنك لست كمثلي إن الله أمرني أن أصدع بالحق و أخبرني أنه يعصمني

 من الناس فأمرني أن أجاهد و لو بنفسي فقال فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ و قال حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ و قد مكثت بمكة ما مكثت لم أومر بقتال ثم أمرني بالقتال لأنه لا يعرف الدين إلا بي و لا الشرائع و لا السنن و الأحكام و الحدود و الحلال و الحرام و إن الناس يدعون بعدي ما أمرهم الله به و ما أمرهم فيك من ولايتك و ما أظهرت من محبتك متعمدين غير جاهلين مخالفة لما أنزل الله فيك فإن وجدت أعوانا عليهم فجاهدهم فإن لم تجد أعوانا فاكفف يدك و احقن دمك فإنك إن نابذتهم قتلوك و إن تابعوك و أطاعوك فاحملهم على الحق و إلا فادع الناس فإن استجابوا لك و وازروك فنابذهم و جاهدهم و إن لم تجد أعوانا فاكفف يدك و احقن دمك و اعلم أنك إن دعوتهم لم يستجيبوا لك فلا تدعن عن أن تجعل الحجة عليهم إنك يا أخي لست مثلي إني قد أقمت حجتك و أظهرت لهم ما أنزل الله فيك و إنه لم يعلم أني رسول الله و أن حقي و طاعتي واجبان حتى أظهرت ذلك و أما أنت فإني كنت قد أظهرت حجتك و قمت بأمرك فإن سكت عنهم لم تأثم غير أنه أحب أن تدعوهم و إن لم يستجيبوا لك و لم يقبلوا منك و تظاهرت عليك ظلمة قريش فدعهم فإني أخاف عليك إن ناهضت القوم و نابذتهم و جاهدتهم من غير أن يكون معك فئة تقوى بهم أن يقتلوك و التقية من دين الله و لا دين لمن لا تقية له و إن الله قضى الاختلاف و الفرقة على هذه الأمة و لو شاء لجمعهم على الهدى و لم يختلف اثنان منها و لا من خلقه و لم يتنازع في شي‏ء من أمره و لم يجحد المفضول ذا الفضل فضله و لو شاء عجل منه النقمة و كان منه التغيير حين يكذب الظالم و يعلم الحق أين مصيره و الله جعل الدنيا دار الأعمال و جعل الآخرة دار الثواب و العقاب لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى فقلت شكرا لله على نعمائه و صبرا على بلائه و تسليما و رضى بقضائه ثم قال يا أخي أبشر فإن حياتك و موتك معي و أنت أخي و أنت وصيي و أنت وزيري و أنت وارثي و أنت تقاتل على سنتي و أنت مني بمنزلة هارون من موسى و لك بهارون أسوة حسنة إذ استضعفه أهله و تظاهروا عليه و كادوا يقتلونه فاصبر لظلم قريش إياك و تظاهرهم عليك فإنها ضغائن في صدور قوم لهم أحقاد بدر و تراث أحد و إن موسى أمر هارون حين استخلفه في قومه إن ضلوا فوجد أعوانا أن يجاهدهم بهم فإن لم يجد أعوانا أن يكف يده و يحقن دمه و لا يفرق بينهم فافعل أنت كذلك إن وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم و إن لم تجد أعوانا فاكفف يدك و احقن دمك فإنك إن نابذتهم قتلوك و اعلم أنك إن لم تكف يدك و تحقن دمك إذا لم تجد أعوانا تخوفت عليك أن يرجع الناس إلى عبادة الأصنام و الجحود بأني رسول الله فاستظهر بالحجة عليهم و دعهم ليهلك الناصبون لك و الباغون عليك و يسلم العامة و الخاصة فإذا وجدت يوما أعوانا على إقامة كتاب الله و السنة فقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله فإنما يهلك من الأمة من نصب لك أو لأحد من أوصيائك و عادى و جحد و دان بخلاف ما أنتم عليه و لعمري يا معاوية لو ترحمت عليك و على طلحة و الزبير كان ترحمي عليكم و استغفاري لكم لعنة عليكم و عذابا و ما أنت و طلحة و الزبير بأعظم جرما و لا أصغر ذنبا و لا أهون بدعة و ضلالة من الذين أسسا لك و لصاحبك الذي تطلب بدمه و وطئا لكما ظلمنا أهل البيت و حملاكم على رقابنا قال الله تبارك و تعالى أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَ الطَّاغُوتِ وَ يَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَ مَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فنحن الناس و نحن المحسودون قال الله عز و جل فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً

فالملك العظيم أن جعل منهم أئمة من أطاعهم أطاع الله و من عصاهم عصى الله و الكتاب و الحكمة و النبوة فلم يقرون بذلك في آل إبراهيم و ينكرونه في آل محمد ص يا معاوية فإن تكفر بها أنت و صاحبك و من قبلك من طعام أهل الشام و اليمن و الأعراب أعراب ربيعة و مضر جفاة الأمة فقد وكل الله بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ يا معاوية إن القرآن حق و نور و هدى و رحمة و شفاء للمؤمنين وَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ و هو عليهم عمى يا معاوية إن الله لم يدع صنفا من أصناف الضلالة و الدعاة إلى النار إلا و قد رد عليهم و احتج عليهم في القرآن و نهى عن اتباعهم و أنزل فيهم قرآنا ناطقا علمه من علمه و جهله من جهله إني سمعت رسول الله ص يقول ليس من القرآن آية إلا و لها ظهر و بطن و ما من حرف إلا و له تأويل وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ و في رواية أخرى و ما منه حرف إلا و له حد مطلع على ظهر القرآن و بطنه و تأويله وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ الراسخون في العلم نحن آل محمد و أمر الله سائر الأمة أن يقولوا آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَ ما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ و أن يسلموا إلينا و يردوا الأمر إلينا و قد قال الله وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ هم الذين يسألون عنه و يطلبونه و لعمري لو أن الناس حين قبض رسول الله ص سلموا لنا و اتبعونا و قلدونا أمورهم لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ و لما طمعت أنت يا معاوية فما فاتهم منا أكثر مما فاتنا منهم و لقد أنزل الله في و فيك آيات من سورة خاصة الأمة يأولونها على الظاهر و لا يعلمون ما الباطن و هي في سورة الحاقة فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ وَ أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ و ذلك أنه يدعى بكل إمام ضلالة و إمام هدى و مع كل واحد منهما أصحابه الذين بايعوه فيدعى بي و بك يا معاوية و أنت صاحب السلسلة الذي يقول يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ وَ لَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ سمعت رسول الله ص يقول ذلك و كذلك كل إمام ضلالة كان قبلك أو يكون بعدك له مثل ذلك من خزي الله و عذابه و نزل فيكم قول الله عز و جل وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ و ذلك أن رسول الله رأى اثني عشر إماما من أئمة الضلالة على منبره يردون الناس على أدبارهم القهقرى رجلان من قريش و عشرة من بني أمية أول العشرة صاحبك الذي تطلب بدمه و أنت و ابنك و سبعة من ولد الحكم بن أبي العاص أولهم مروان و قد لعنه رسول الله ص و طرده و ما ولد حين أسمع

 نبينا رسول الله ص إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا و لم يرض لنا الدنيا ثوابا و قد سمعت رسول الله أنت و وزيرك و صويحبك يقول إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا اتخذوا كتاب الله دخلا و عباد الله خولا و مال الله دولا يا معاوية إن نبي الله زكريا نشر بالمنشار و يحيى ذبح و قتله قومه و هو يدعوهم إلى الله عز و جل و ذلك لهوان الدنيا على الله إن أولياء الشيطان قد حاربوا أولياء الرحمن قال الله إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَ يَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ يا معاوية إن رسول الله قد أخبرني أن أمته سيخضبون لحيتي من دم رأسي و إني مستشهد و ستلي الأمة من بعدي و أنك ستقتل ابني الحسن غدرا بالسم و إن ابنك يزيد لعنه الله سيقتل ابني الحسين يلي ذلك منه ابن زانية و إن الأمة سيليها من بعدك سبعة من ولد أبي العاص و ولد مروان بن الحكم و خمسة من ولده تكلمه اثنا عشر إماما قد رآهم رسول الله يتواثبون على منبره تواثب القردة يردون أمته عن دين الله على أدبارهم القهقرى و إنهم أشد الناس عذابا يوم القيامة و إن الله سيخرج الخلافة منهم برايات سود تقبل من المشرق يذلهم الله بهم و يقتلهم تحت كل حجر و إن رجلا من ولدك ميشوم و ملعون جلف جاف منكوس القلب فظ غليظ قاس قد نزع الله من قلبه الرأفة و الرحمة أخواله من كلب كأني أنظر إليه و لو شئت لسميته و وصفته و ابن كم هو فيبعث جيشا إلى المدينة فيدخلونها فيسرفون فيها في القتل و الفواحش و يهرب منهم رجل من ولدي زكي تقي الذي يملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت ظلما و جورا و إني لأعرف اسمه و ابن كم هو يومئذ و علامته و هو من ولد ابني الحسين ع الذي يقتله ابنك يزيد و هو الثائر بدم أبيه فيهرب إلى مكة و يقتل صاحب ذلك الجيش رجلا من ولدي زكيا بريئا عند أحجار الزيت ثم يصير ذلك الجيش إلى مكة و إني لأعلم اسم أميرهم و عدتهم و أسمائهم و سمات خيولهم فإذا دخلوا البيداء و استوت بهم الأرض خسف بهم قال الله عز و جل وَ لَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَ أُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ قال من تحت أقدامهم فلا يبقى من ذلك الجيش أحد غير رجل واحد يقلب الله وجهه من قبل قفاه و يبعث الله للمهدي أقواما يجمعون من أطراف الأرض قزع كقزع الخريف و الله إني لأعرف أسماءهم و اسم أميرهم و مناخ ركابهم فيدخل المهدي الكعبة و يبكي و يتضرع قال جل و عز أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ هذا لنا خاصة أهل البيت أما و الله يا معاوية لقد كتبت إليك هذا الكتاب و إني لأعلم أنك لا تنتفع به و أنك ستفرح إذا أخبرتك أنك ستلي الأمر و ابنك بعدك لأن الآخرة ليست من بالك و إنك بالأخرة لمن الكافرين و ستندم كما ندم من أسس هذا الأمر لك و حملك على رقابنا حين لم تنفعه الندامة و مما دعاني إلى الكتاب بما كتبت به إني أمرت كاتبي أن ينسخ ذلك لشيعتي و أصحابي لعل الله أن ينفعهم بذلك أو يقرأه واحد من قبلك فخرج الله به من الضلالة إلى الهدى و من ظلمك و ظلم أصحابك و فتنتكم و أحببت أن أحتج عليك فكتب إليه معاوية هنيئا لك يا أبا الحسن تملك الآخرة و هنيئا لنا تملك الدنيا

 بيان قال الجوهري مالأته على الأمر ممالاة ساعدته عليه و شايعته و في الحديث ما قتلت عثمان و لا مالأت على قتله و قال القود القصاص و أقدت القاتل بالقتيل أي قتلته به يقال أقاده السلطان من أخيه و استقدت الحاكم أي سألته أن يقيد القاتل بالقتيل و قال زاح الشي‏ء بعد و ذهب ما عليها لون اللون الدقل و هو أردأ التمر أي ما ذكرت في حجتك كلها قوية ليس فيها كلام شعيف تشبيها بهذا النوع من التمر و قال الجوهري قولهم وافق شن طبقة قال ابن السكيت هو شن بن أفصى بن عبد القيس و طبق حي من إياد و كانت شن لا يقام لها فواقعتها طبق فانتصفت منها فقيل وافق شن طبقة وافقه فاعتنقه انتهى. و سيأتي الكلام فيه و في أجزاء الخبر

422-  ني، ]الغيبة للنعماني[ ابن عقدة و محمد بن همام و عبد العزيز و عبد الواحد ابنا عبد الله بن يونس عن رجالهم عن عبد الرزاق بن همام عن معمر بن راشد عن أبان بن أبي عياش و أخبرنا به من غير هذه الطرق هارون بن محمد عن أحمد بن عبيد الله بن جعفر بن المعلى الهمداني عن عمرو بن جامع بن عمرو الكندي عن عبد الله بن المبارك شيخ لنا كوفي ثقة عن عبد الرزاق بن همام عن معمر عن أبي عياش عن سليم و ذكر أبان أنه سمعه أيضا عن عمر بن أبي سلمة قال معمر و ذكر إبراهيم العبدي أنه أيضا سمعه عن عمر بن أبي سلمة عن سليم إن معاوية لما دعا أبا الدرداء و أبا هريرة و نحن مع أمير المؤمنين صلوات الله عليه في صفين فحملهما الرسالة إلى أمير المؤمنين و أدياها إليه قال قد بلغتماني ما أرسلكما به معاوية فاستمعا مني و أبلغاه عني كما بلغتماني قالا نعم فأجابه علي ع الجواب بطوله حتى انتهى إلى ذكر نصب رسول الله ص إياه بغدير خم و ساق الحديث نحوا مما روينا من كتاب سليم إلى قوله فانطلق أبو الدرداء و أبو هريرة فحدثا معاوية بكل ما قال علي ع و استشهد عليه و ما رد عليه الناس و شهدوا به