باب 18- باب ما جرى بينه ع و بين عمرو بن العاص لعنه الله و بعض أحواله

509-  ج، ]الإحتجاج[ قال ع في عمرو جوابا عما قال فيه عجبا لابن النابغة يزعم لأهل الشام أن في دعابة و أني امرؤ تلعابة أعارس و أمارس لقد قال باطلا و نطق آثما أما و شر القول الكذب إنه يقول فيكذب و يعد فيخلف و يسأل فيلحف و يسأل فيبخل و يخون العهد و يقطع الآل فإذا كان عند الحرب فأي زاجر و آمر هو ما لم تأخذ السيوف مأخذها فإذا كان ذلك كان أكبر مكيدته أن يمنح القوم سبته أم و الله إني ليمنعني من اللعب ذكر الموت و إنه ليمنعه عن قول الحق نسيان الآخرة إنه لم يبايع معاوية حتى شرط له أن يؤتيه أتية و يرضخ على ترك الدين له رضيخة

510-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلام له ع في ذكر عمرو بن العاص عجبا لابن النابغة و ذكر نحوه

  بيان نبغ الشي‏ء ظهر قال بعض الشارحين سميت أم عمرو النابغة لشهرتها بالفجور و تظاهرها به و سيأتي وصف نسبه لعنه الله. و زعم كنصر زعما مثلثة أي قال حقا أو باطلا و أكثر ما يستعمل في الباطل و ما يشك فيه و الدعابة بالضم المزاح و المراد هنا الدعابة الخارجة عن الاعتدال.

 و روي أنه كان يقول لأهل الشام إنما أخرنا عليا لأن فيه هزلا لا جد معه و تبع في ذلك أثر عمر حيث قال يوم الشورى لما أراد صرف الأمر عنه ع لله أنت لو لا أن فيك دعابة

و رجل تلعابة بالكسر أي كثير اللعب و المعافسة و العفاس بالكسر الملاعبة و في بعض نسخ كتاب الإحتجاج أعاوس مكان أعافس و لعله من أعرس الرجل إذا دخل بامرأته عند بنائها و قد يطلق على الجماع و الممارسة المزاولة قال ابن الأثير في مادة مرس من كتاب النهاية و قد يطلق على الملاعبة و منه حديث علي زعم أنني كنت أعافس و أمارس أي ألاعب النساء. و ألحف أي ألح و إل بالكسر العهد و القرابة و الحلف و الجار ذكره الفيروزآبادي في مادة أل من كتاب القاموس و المراد بقطع الآل هنا قطع الرحم أو تضييع الحليف و الجار. و المأخذ على لفظ الجمع و في بعض النسخ على المفرد. و كلمة كان الأولى تامة و الإشارة إلى أخذ السيوف مأخذها و هو التحام الحرب و مخالطة السيوف و أكبر بالباء الموحدة و هو أظهر مما في بعض النسخ من المثلثة. و المكيدة المكر و الحيلة و يمنح كيمنع أي يعطي و السبة الاست أي العجز أو حلقة الدبر و المراد بإعطاء القوم سبته ما ذكره أرباب السير و يضرب به المثل من كشفه سوأته شاغرا برجليه لما لقيه أمير المؤمنين ع في بعض أيام صفين و قد اختلطت الصفوف و اشتعل نار الحرب فحمل ع عليه فألقى نفسه عن فرسه رافعا رجليه كاشفا عورته فانصرف عنه لافتا وجهه و في ذلك قال أبو فراس

و لا خير في دفع الأذى بمذلة. كما ردها يوما بسوأته عمرو

. و الآتية العطية و الرضخ العطاء القليل و المراد بالآتية و الرضيخة ولاية مصر و لعل التعبير عنها بالرضيخة لقلتها بالنسبة إلى ترك الدين

511-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ المفيد عن محمد بن عمران عن الحسن بن علي عن أحمد بن سعيد عن الزبير بن بكار عن علي بن محمد قال كان عمرو بن العاص يقول إن في علي دعابة فبلغ ذلك أمير المؤمنين ع فقال زعم ابن النابغة أني تلعابة مزاحة ذو دعابة أعافس و أمارس هيهات يمنع من العفاس و المراس ذكر الموت و خوف البعث و الحساب و من كان له قلب ففي هذا عن هذا له واعظ و زاجر أما و شر القول الكذب إنه ليحدث فيكذب و يعد فيخلف فإذا كان يوم البأس فأي زاجر و آمر هو ما لم يأخذ السيوف هام الرجال فإذا كان ذلك فأعظم مكيدته في نفسه أن يمنح القوم استه

512-  كتاب، الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي قال بلغ عليا ع أن ابن العاص ينتقصه عند أهل الشام فصعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال يا عجبا عجبا لا ينقضي لابن النابغة يزعم لأهل الشام إلى آخر الكلام و جمع بين الروايتين

  -513  كتاب، سليم بن قيس الهلالي عن أبان بن أبي عياش عن سليم قال إن عمرو بن العاص خطب بالشام فقال بعثني رسول الله ص على جيش فيه أبو بكر و عمر فظننت أنه إنما بعثني لكرامتي عليه فلما قدمت قلت يا رسول الله أي الناس أحب إليك فقال عائشة فقلت من الرجال قال أبوها أيها الناس و هذا علي يطعن على أبي بكر و عمر و عثمان و قد سمعت رسول الله ص يقول إن الله ضرب بالحق على لسان عمر و قلبه و قال في عثمان إن الملائكة لتستحيي من عثمان و قد سمعت عليا و إلا فصمتا يعني أذنيه يروي على عهد عمر أن نبي الله نظر إلى أبي بكر و عمر مقبلين فقال يا علي هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين و الآخرين ما خلا النبيين منهم و المرسلين و لا تحدثهما بذلك فيهلكا فقام علي ع فقال العجب لطغاة أهل الشام حيث يقبلون قول عمرو و يصدقونه و قد بلغ من حديثه و كذبه و قلة ورعه أن يكذب على رسول الله ص و قد لعنه سبعين لعنة و لعن صاحبه الذي يدعو إليه في غير موطن و ذلك أنه هجا رسول الله ص بقصيدة سبعين بيتا فقال رسول الله ص اللهم إني لا أقول الشعر و لا أحله فالعنه أنت و ملائكتك بكل بيت لعنة تترى على عقبه إلى يوم القيامة ثم لما مات إبراهيم بن رسول الله ص قام فقال إن محمدا قد صار أبتر لا عقب له و إني لأشنأ الناس له و أقولهم فيه سوءا فأنزل الله إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ يعني أبتر من الإيمان و من كل خير ما لقيت من هذه الأمة من كذابيها و منافقيها لكأني بالقراء الضعفة المتهجدين رووا حديثه و صدقوه فيه و احتجوا علينا أهل البيت بكذبه إنا نقول خير هذه الأمة أبو بكر و عمر و لو شئت لسميت الثالث و الله ما أراد بقوله في عائشة و أبيها إلا رضا معاوية بسخط الله عز و جل و لقد استرضاه بسخط الله و أما حديثه الذي يزعم أنه سمعه مني فلا و الذي فلق الحبة و برأ النسمة إنه ليعلم أنه قد كذب علي يقينا و أن الله لم يسمعه مني سرا و لا جهرا اللهم العن عمروا و العن معاوية بصدهما عن سبيلك و كذبهما على كتابك و استخفافهما بنبيك ص و كذبهما عليه و علي

514-  أقول، قال ابن ميثم رحمه الله كتب أمير المؤمنين ع إلى عمرو بن العاص من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى الأبتر بن الأبتر عمرو بن العاص شانئ محمد و آل محمد في الجاهلية و الإسلام سلام عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى أما بعد فإنك تركت مروتك لامرئ فاسق مهتوك ستره يشين الكريم بمجلسه و يسفه الحليم بخلطته فصار قلبك لقلبه تبعا كما وافق شن طبقة فسلبك دينك و أمانتك و دنياك و آخرتك و كان علم الله بالغا فيك فصرت كالذئب يتبع الضرغام إذا ما الليل دجا أو الصبح أتى يلتمس فاضل سورة و حوايا فريسته و لكن لا نجاة من القدر و لو بالحق أخذت لأدركت ما رجوت و قد رشد من كان الحق قائده فإن يمكن الله منك و من ابن آكلة الأكباد ألحقكما بمن قتله الله من ظلمة قريش على عهد رسول الله ص و إن تعجزا أو تبقيا بعدي فالله حسبكما و كفى بانتقامه انتقاما و بعقابه عقابا و السلام

 و روى ابن أبي الحديد مثله عن نصر بن مزاحم من كتاب صفين

515-  ج، ]الإحتجاج[ نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى عمرو بن العاص فإنك جعلت دينك تبعا لدنيا امرئ ظاهر غيه مهتوك ستره يشين الكريم بمجلسه و يسفه الحليم بخلطته فاتبعت أثره و طلبت فضله اتباع الكلب للضرغام يلوذ إلى مخالبه و ينتظر ما يلقى إليه من فضل فريسته فأذهبت دنياك و آخرتك و لو بالحق أخذت أدركت ما طلبت فإن يمكن الله منك و من ابن أبي سفيان أجزكما بما قدمتما و إن تعجزا و تبقيا فما أمامكما شر لكما و السلام

 بيان إلى الأبتر إشارة إلى قوله تعالى إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ فإنه نزل فيه. قال ابن أبي الحديد أما غي معاوية فلا ريب في ظهور ضلاله و بغيه. و أما مهتوك ستره فإنه كان كثير الهزل و الخلاعة صاحب جلساء و سمار و معاوية لم يتوقر و لم يلزم قانون الرئاسة إلا منذ خرج على أمير المؤمنين و احتاج إلى الناموس و السكينة و إلا فقد كان في أيام عثمان شديد التهتك موسوما بكل قبيح و كان في أيام عمر يستر نفسه قليلا منه إلا أنه كان يلبس الحرير و يشرب في آنية الذهب و الفضة و يركب البغلات ذوات السروج المحلاة بها و عليها جلال الديباج و الوشي و كان حينئذ شابا عنده نزق الصبا و أشر الشبيبة و سكر السلطان و الإمرة و نقل الناس عنه في كتب السيرة أنه كان يشرب الخمر في أيام عثمان بالشام فأما بعد وفاة أمير المؤمنين ع و استقرار الأمر له فقد اختلف فيه فقيل إنه شرب الخمر في سر و قيل لم يشرب و لا خلاف في أنه سمع الغناء و طرب عليه و أعطى و وصل عليه أيضا. و أما قوله يشين الكريم بمجلسه و يسفه الحليم بخلطته فالأمر كذلك لأنه لم يكن في مجلسه إلا شتم بني هاشم و قذفهم و التعرض بذكر الإسلام و الطعن عليه و إن أظهر الانتماء إليه. قوله ع كما وافق شن طبقة قال في مجمع الأمثال قال الشرقي بن القطامي كان رجل من دهاة العرب و عقلائهم يقال له شن فقال و الله لأطوفن حتى أجد امرأة مثلي فأتزوجها فبينما هو في بعض مسير إذا رافقه رجل في الطريق فسأله شن أين تريد فقال موضع كذا و كذا يريد القرية التي يقصدها شن فرافقه حتى إذا أخذا في مسيرهما قال شن أ تحملني أم أحملك فقال له الرجل يا جاهل أنا راكب و أنت راكب فكيف أحملك أم تحملني. فسكت عنه شن فسارا حتى إذا قربا من القرية إذا هما بزرع قد استحصد فقال أ ترى هذا الزرع أكل أم لا فقال له الرجل يا جاهل ترى نبتا مستحصدا فتقول أكل أم لا فسكت عنه شن حتى إذا دخلا القرية لقيتهما جنازة فقال شن أ ترى صاحب هذا النعش حيا أم ميتا فقال الرجل ما رأيت أجهل منك جنازة تسأل عنها أ ميت صاحبهما أم حي فسكت عنه شن فأراد مفارقته فأبى الرجل أن يتركه حتى يسير به إلى منزله فمضى معه. و كان للرجل بنت يقال لها طبقة فلما دخل عليها أبوها سألته عن ضيفه فأخبرها بمرافقته إياه و شكا إليها جهله و حدثها بحديثه فقالت يا أبت ما هذا بجاهل أما قوله أ تحملني أم أحملك فأراد أ تحدثني أم أحدثك حتى نقطع طريقنا. و أما قوله أ ترى هذا الزرع أكل أم لا فإنما أراد هل باعه أهله فأكلوا ثمنه أم لا. و أما قوله في الجنازة فأراد هل ترك عقبا يحيا بهم ذكره أم لا. فخرج الرجل فقعد مع شن فحادثه ساعة ثم قال أ تحب أن أفسر لك ما سألتني عنه قال نعم ففسره فقال شن ما هذا من كلامك فأخبرني من صاحبه فقال ابنة لي فخطبها إليه فزوجه و حملها إلى أهله فلما رأوها قالوا وافق شن طبقة فذهبت مثلا يضرب للمتوافقين. و قال الأصمعي هم قوم كان لهم وعاء أدم فتشنن فجعلوا له طبقا فوافقه فقيل وافق شن طبقه. و هكذا رواه أبو عبيدة في كتابه و فسره. و قال ابن الكلبي طبقة قبيلة من إياد كانت لا تطاق فوقعت بها شن ابن أقصى بن عبد القيس فانتصفت منها و أصابت فيها فضربتا مثلا للمتفقين في الشدة و غيرها قال الشاعر

لقيت شن إياد بالقنا. طبقا وافق شن طبقه.

 فزاد المتأخرون فيه وافقه فاعتنقه انتهى. و قال الجوهري أنى يأني أنيا و أنى و أناء أي حان و أنى تأنية أيضا أدرك. و في بعض النسخ بالتاء. و الحوايا الأمعاء و هو جمع حوية. قوله ع أدركت أي من الدنيا بقدر كفايتك أو من الآخرة. قوله ع فإن يمكن الله المفعول محذوف أي يمكنني. قوله ع و إن تعجزا أي غلبتما علي فالمفعول محذوف أيضا. و لنذكر هنا نسب هذا الأبتر لعنه الله و صاحبه الأكفر و بعض مثالبه و مثالب أبيه. اعلم أن العاص بن وائل أباه كان من المستهزءين برسول الله ص و الكاشفين له بالعداوة و الأذى و فيه و في أصحابه نزل إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ و لقب في الإسلام بالأبتر لقوله سيموت هذا الأبتر غدا فينقطع ذكره يعني رسول الله ص و كان يشتم رسول الله ص و يضع في طريقه الحجارة ليعثر بها إذا خرج ليلا للطواف و هو أحد القوم الذين روعوا زينب ابنة رسول الله ص في هودجها حتى أجهضت جنينا ميتا فلما بلغه ص لعنهم. و عمرو هجا رسول الله ص هجاء كثيرا و كان يعلمه صبيان مكة فينشدونه و يصيحون برسول الله ص إذا مر بهم رافعين أصواتهم بالهجاء في وجهه فقال رسول الله ص و هو يصلي بالحجر اللهم إن عمرو بن العاص هجاني و لست بشاعر فالعنه بعدد ما هجاني. رواه عبد الحميد بن أبي الحديد عن الواقدي و غيره من أهل الحديث

516-  قال و روى أهل الحديث أن النضر بن الحارث و عقبة بن أبي معيط و عمرو بن العاص عمدوا إلى سلي جمل فرفعوه بينهم و وضعوه على رأس رسول الله ص و هو ساجد بفناء الكعبة فسال عليه فصبر و لم يرفع رأسه و بكى في سجوده و دعا عليهم فجاءت ابنته فاطمة ع و هي باكية فرفعته عنه فألقته و قامت على رأسه و هي باكية فرفع رأسه و قال اللهم عليك بقريش قالها ثلاثا ثم قال رافعا صوته إني مظلوم فانتصر قالها ثلاثا ثم قام فدخل منزله و ذلك بعد وفاة عمه أبي طالب بشهرين

 قال و لشدة عداوة عمرو بن العاص لرسول الله ص أرسله أهل مكة إلى النجاشي ليطرد أصحاب رسول الله ص عن بلاده مهاجرة حبشة و ليقتل جعفر بن أبي طالب عنده إن أمكنه فكان منه في أمر جعفر هناك ما هو مشهور في السير و قال ابن أبي الحديد ذكر الزمخشري في كتاب ربيع الأبرار قال كانت النابغة أم عمرو بن العاص أمة لرجل من عنزة فسبيت فاشتراها عبد الله بن جذعان التيمي بمكة فكانت بغيا ثم أعتقها فوقع عليها أبو لهب بن عبد المطلب و أمية بن خلف الجمحي و هشام بن المغيرة المخزومي و أبو سفيان بن حرب و العاص بن وائل السهمي في طهر واحد فولدت عمرا فادعاه كلهم فحكمت أمه فيه فقالت هو من العاص بن وائل و ذلك لأن العاص بن وائل كان ينفق عليها كثيرا قالوا و كان أشبه بأبي سفيان قال و روى أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتاب الأنساب أن عمرا اختصم فيه يوم ولادته رجلان أبو سفيان بن حرب و العاص بن وائل فقيل لتحكم أمه فقالت أمه إنه من العاص بن وائل فقال أبو سفيان أما إني لا أشك أني وضعته في رحم أمه فأبت إلا العاص فقيل لها أبو سفيان أشرف نسبا فقالت إن العاص بن وائل كثير النفقة علي و أبو سفيان شحيح ففي ذلك يقول حسان بن ثابت لعمرو بن العاص حيث هجاه مكافئا له عن هجاء رسول الله ص

أبوك أبو سفيان لا شك قد بدت لنا فيك منه بينات الدلائل‏ففاخر به إما فخرت فلا تكن تفاخر بالعاص الهجين بن وائل‏و إن التي في ذاك يا عمرو حكمت فقالت رجاء عند ذاك لنائل‏من العاص عمرو تخبر الناس كلما تجمعت الأقوام عند المحافل

 و روى ابن عبد البر في الاستيعاب عن ابن الكلبي في كتابه في أخبار صفين أن بسر بن أرطاة بارز عليا ع يوم صفين فطعنه علي عليه السلام فانكشف له فكف عنه كما عرض له مثل ذلك مع عمرو بن العاص قال و لهم فيها أشعار مذكورة في موضعها من ذلك الكتاب منها فيما ذكر ابن الكلبي و المدائني قول الحارث بن النضر السهمي

أ في كل يوم فارس ليس ينتهي و عورته وسط العجاجة باديةيكف لها عنه علي سنانه و يضحك منه في الخلاء معاوية

 بدت أمس من عمرو فقنع رأسه و عورة بسر مثلها حذو حاذيةفقولا لعمرو ثم بسر أ لا انظرا سبيلكما لا تلقيا الليث ثانيةو لا تحمدا إلا الحياء و خصاكما هما كانتا و الله للنفس واقيةو لولاهما لم تنجوا من سنانه و تلك بما فيها عن العود ناهيةمتى تلقيا الخيل المشيخة صحبة و فيها علي فاتركا الخيل ناحيةو كونا بعيدا حيث لا يبلغ القنا نحوركما إن التجارب كافية

 و روي أن معاوية قال لبسر بعد ذلك و كان يضحك لا عليك يا بسر ارفع طرفك و لا تستحي فلك بعمرو أسوة و قد أراك الله منه و أراه منك فصاح فتى من أهل الكوفة ويلكم يا أهل الشام أ ما تستحيون لقد علمكم عمرو كشف الأستار ثم أنشد الأبيات

 و روي أنه قال معاوية لعمرو يوما بعد استقرار خلافته يا أبا عبد الله لا أراك إلا و يغلبني الضحك قال بما ذا قال أذكر يوم حمل عليك أبو تراب في صفين فأزريت نفسك فرقا من شبا سنانه و كشفت سوأتك له فقال عمرو أنا منك أشد ضحكا إني لأذكر يوم دعاك إلى البراز فانتفخ سحرك و ربا لسانك في فمك و غصصت بريقك و ارتعدت فرائصك و بدا منك ما أكره فقال معاوية بعد ما جرى بينهما الجبن و الفرار من علي لا عار على أحد فيهما و كان بسر ممن يضحك من عمرو فلما علم أنه لا محيص حذا حذوه و صار مضحكة له أيضا

 و روى ابن أبي الحديد عن البلاذري في كتاب أنساب الأشراف قال قام عمرو بن العاص بالموسم فأطرى معاوية و بني أمية و تناول بني هاشم و ذكر مشاهده بصفين و يوم أبي موسى فقام إليه ابن عباس فقال يا عمرو إنك بعت دينك من معاوية فأعطيته ما في يدك و مناك ما في يد غيره فكان الذي أخذ منك فوق الذي أعطاك و كان الذي أخذت منه دون الذي أعطيته و كل راض بما أخذ و أعطى فلما صارت مصر في يدك تتبعك بالنقض عليك و التعقب لأمرك ثم بالعزل لك حتى لو أن نفسك في يدك لأرسلتها و ذكرت يومك مع أبي موسى فلا أراك فخرت إلا بالغدر و لا مننت إلا بالفجور و الغش و ذكرت مشاهدك بصفين فو الله ما ثقلت علينا وطأتك و لا نكأت فينا جرأتك و لقد كنت فيها طويل اللسان قصير البنان آخر الحرب إذا أقبلت و أولها إذا أدبرت لك يدان يد لا تقبضها عن شر و يد لا تبسطها إلى خير و وجهان وجه مونس و وجه موحش و لعمري من باع دينه بدنيا غيره لحري حزنه على ما باع و أما إن لك بيانا و لكن فيك خطل و إن لك لرأيا و لكن فيك فشل و إن أصغر عيب فيك لأعظم عيب في غيرك