باب 2- الثعلب و الأرنب و الذئب و الأسد

1-  الكافي، عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن بعض أصحابه عن أبي جميلة عن زيد الشحام عن أبي عبد الله ع في قول الله عز و جل وَ مَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ قال إن رجلا انطلق و هو محرم فأخذ ثعلبا فجعل يقرب النار إلى وجهه و جعل الثعلب يصيح و يحدث من استه و جعل أصحابه ينهونه عما يصنع ثم أرسله بعد ذلك فبينما الرجل نام إذ جاءته حية فدخلت في فيه فلم تدعه حتى جعل يحدث كما أحدث الثعلب ثم خلت عنه

2-  دلائل الطبري، عن محمد بن الحسن عن موسى بن سعدان عن عبد الله بن القاسم عن هشام بن سالم عن محمد بن مسلم قال كنت مع أبي جعفر ع بين مكة و المدينة نسير أنا على حمار لي و هو على بغلة له إذ أقبل ذئب من رأس الجبل حتى انتهى إلى أبي جعفر ع فحبس له البلغة حتى دنا منه فوضع يده على قربوس السرج و مد عنقه إليه و أدنى أبو جعفر ع أذنه منه ساعة ثم قال له امض فقد فعلت فرجع مهرولا فقلت جعلت فداك لقد رأيت عجبا فقال هل تدري ما قال قلت الله و رسوله و ابن رسوله أعلم فقال ذكر أن زوجته في هذا الجبل و قد عسر عليها ولادتها فادع الله عز و جل أن يخلصها و أن لا يسلط شيئا من نسلي   على أحد من شيعتكم أهل البيت فقلت قد فعلت

3-  و منه، عن القاضي أبي الفرج المعافي عن الحسين بن القاسم الكوكبي عن أحمد بن وهب عن عمرو بن محمد الأزدي عن ثمامة بن أشرس عن محمد بن راشد عن أبيه قال جاء رجل إلى أبي عبد الله ع فقال يا ابن رسول الله حكيم بن عباس الكلبي ينشد الناس بالكوفة هجاءكم فقال هل علقت منه بشي‏ء قال بلى فأنشده صلبنا لكم زيدا على جذع نخلة و لم نر مهديا على الجذع يصلب و قستم بعثمان عليا سفاهة و عثمان خير من علي و أطيب فرفع أبو عبد الله ع يديه إلى السماء و هما ينتفضان رعدة فقال اللهم إن كان كاذبا فسلط عليه كلبك قال فخرج حكيم من الكوفة فأدلج فلقيه الأسد فأكله فجاءوا بالبشير أبا عبد الله ع و هو في مسجد رسول الله ص بذلك فخر لله ساجدا و قال الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ

 بيان في النهاية في حديث حليمة ركبت أتانا لي فخرجت أمام الركب حتى ما يعلق بها أحد منهم أي ما يتصل بها و يلحقها و في حديث ابن مسعود أن أميرا كان بمكة يسلم تسليمتين فقال أنى علقها فإن رسول الله ص كان يفعلها أي من أين تعلمها و ممن أخذها

4-  الدلائل، عن الحسين عن أحمد بن محمد عن محمد بن علي عن محمد بن عمرو بن   ميثم عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله ع أنه خرج إلى ضيعة له مع بعض أصحابه فبينما هم يسيرون إذا ذئب قد أقبل إليه فلما رأى غلمانه أقبلوا إليه قال دعوه فإن له حاجة فدنا منه حتى وضع كفه على دابته و تطاول بخطمه و طأطأ رأسه أبو عبد الله ع فكلمه الذئب بكلام لا يعرف فرد عليه أبو عبد الله ع مثل كلامه فرجع يعدو فقال له أصحابه قد رأينا عجبا فقال إنه أخبرني أنه خلف زوجته خلف هذا الجبل في كهف و قد ضربها الطلق و خاف عليها فسألني الدعاء لها بالخلاص و أن يرزقه الله ذكرا يكون لنا وليا و محبا فضمنت له ذلك قال فانطلق أبو عبد الله ع و انطلقنا معه إلى ضيعته و قال إن الذئب قد ولد له جرو ذكر قال فمكثنا في ضيعته معه شهرا ثم رجع مع أصحابه فبينا هم راجعون إذا هم بالذئب و زوجته و جروه فعووا في وجه أبي عبد الله ع فأجابهم بمثله و رأوا أصحاب أبي عبد الله ع الجرو و علموا أنه قد قال لهم الحق و قال لهم أبو عبد الله ع تدرون ما قالوا قالوا لا قال كانوا يدعون الله لي و لكم بحسن الصحابة و دعوت لهم بمثله و أمرتهم أن لا يؤذوا لي وليا و لا لأهل بيتي فضمنوا لي ذلك

5-  و منه، عن محمد بن هارون التلعكبري عن أبيه عن محمد بن همام عن أحمد بن الحسين المعروف بابن أبي القاسم عن أبيه عن بعض رجاله عن الحسن بن علي بن يقطين عن سعدان بن مسلم عن المفضل بن عمر قال كان المنصور قد وفد بأبي عبد الله ع إلى الكوفة فلما أذن له قال لي يا مفضل هل لك في مرافقتي فقلت نعم جعلت فداك قال إذا كانت الليلة فصر إلي فلما كان في نصف الليل خرج و خرجت معه فإذا أنا بأسدين مسرجين ملجمين قال فخرجت فضرب بيده إلى   عيني فشدها ثم حملني رديفا فأصبح بالمدينة و أنا معه فلم يزل في منزله حتى قدم عياله

6-  و منه، بالإسناد عن أحمد بن الحسين عن أخيه عن بعض رجاله عن عبد الله بن محمد بن منصور بن نوح عن إسماعيل بن جابر عن أبي خالد الكابلي قال دخلت على أبي عبد الله ع فقال لي يا با خالد خذ رقعتي فأت غيضة قد سماها فانشرها فأي سبع جاء معك فجئني به قال قلت اعفني جعلت فداك قال فقال لي اذهب يا با خالد قال فقلت في نفسي يا با خالد لو أمرك جبار عنيف ثم خالفته إذا كيف يكون حالك قال ففعلت ذلك حتى إذا صرت إلى الغيضة و نشرت الرقعة جاء معي واحد منها فلما صار بين يدي أبي عبد الله ع نظرت إليه واقفا ما يحرك من شعره شعرة فأومأ بكلام لم أفهمه قال فلبثت عنده و أنا متعجب من سكون السبع بين يديه فقال لي يا با خالد ما لك تتفكر قال قلت أفكر في إعظام السبع قال ثم مضى السبع فما لبثت إلا وقتا قليلا حتى طلع السبع و معه كيس في فيه قال قلت جعلت فداك إِنَّ هذا لَشَيْ‏ءٌ عَجِيبٌ قال يا با خالد هذا كيس وجه به إلى فلان مع المفضل بن عمر و احتجت إلى ما فيه و كان الطريق مخوفا فبعثت هذا السبع فجاء به قال فقلت في نفسي و الله لا أبرح حتى يقدم المفضل بن عمر و أعلم ذلك قال فضحك أبو عبد الله ع ثم قال لي نعم يا با خالد لا تبرح حتى يأتي المفضل قال فتداخلني و الله من ذلك حيرة ثم   قلت أقلني جعلت فداك و أقمت أياما ثم قدم المفضل و بعث إلي أبو عبد الله ع فقال المفضل جعلني الله فداك إن فلانا بعث معي كيسا فيه مال فلما صرت في موضع كذا و كذا جاء سبع و حال بيننا و بين رحالنا فلما مضى السبع طلبت الكيس في الرحل فلم أجده قال أبو عبد الله ع يا مفضل أ تعرف الكيس قال نعم جعلني الله فداك فقال أبو عبد الله ع يا جارية هاتي الكيس فأتت به الجارية فلما نظر إليه المفضل قال نعم هذا هو الكيس ثم قال يا مفضل تعرف السبع قال جعلني الله فداك كان في قلبي في ذلك الوقت رعب فقال له ادن مني فدنا منه ثم وضع يده عليه ثم قال لأبي خالد امض برقعتي إلى الغيضة فأتنا بالسبع فلما صرت إلى الغيضة ففعلت مثل الفعل الأول جاء السبع معي فلما صار بين يدي أبي عبد الله ع نظرت إلى إعظامه إياه فاستغفرت في نفسي ثم قال يا مفضل هذا هو قال نعم جعلني الله فداك فقال يا مفضل أبشر فأنت معنا

 بيان كان وضع اليد لذهاب الرعب

7-  المهج، ]مهج الدعوات[ عن المفضل بن الربيع قال اصطبح الرشيد يوما ثم استدعى حاجبه فقال له امض إلى علي بن موسى العلوي و أخرجه من الحبس و ألقه بركة السباع و ساق الحديث إلى أن قال لما انتهيت إلى البركة فتحت بابها و أدخلته فيها و فيها أربعون سبعا و ساق الحديث إلى قال فعدت إليه فإذا هو قائم يصلي و السباع حوله إلى آخر الخبر الطويل الذي تقدم في باب معجزاته ع

 و قال السيد رضي الله عنه ربما كان هذا الحديث عن الكاظم ع لأنه كان محبوسا عند الرشيد لكني ذكرت هذا كما وجدته

8-  الإختصاص، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن عبد الرحمن بن   أبي هاشم عن سالم بن مكرم عن أبي عبد الله ع قال كان علي بن الحسين ع مع أصحابه في طريق مكة فمر به ثعلب و هم يتغدون فقال علي بن الحسين ع لهم هل لكم أن تعطوني موثقا من الله لا تهيجون هذا الثعلب حتى أدعوه فيجي‏ء إلينا فحلفوا له فقال يا ثعلب تعال أو قال ائتنا فجاء الثعلب حتى وقع بين يديه فطرح إليه عراقا فولى به ليأكله فقال لهم هل لكم أن تعطوني موثقا من الله و أدعوه أيضا فيجي‏ء فأعطوه فدعا فجاء فكلح رجل منهم في وجهه فخرج يعدو فقال علي بن الحسين ع من الذي خفر ذمتي فقال رجل منهم يا ابن رسول الله أنا كلحت في وجهه و لم أدر فأستغفر الله فسكت

 أقول قال الدميري الثعلب معروف و الأنثى ثعلبة و الجمع ثعالب و أثعل

 و روي عن النبي ص شر السباع هذه الأثعل

يعني الثعالب. و من حيلته في طلب الرزق أنه يتماوت و ينفخ بطنه و يرفع قوائمه حتى يظن أنه مات فإذا قرب منه حيوان وثب عليه و صاده و حيلته هذه لا تتم في كلب الصيد و قيل للثعلب ما لك تعدو أكثر من الكلب فقال أعدو لنفسي و الكلب يعدو لغيره. قال الجاحظ و من العجب في قسمة الأرزاق أن الذئب يصيد الثعلب فيأكله و الثعلب يصيد القنفذ و يأكله و القنفذ يصيد الأفعى و يأكلها و الأفعى تصيد العصفور و تأكله و العصفور يصيد الجراد و يأكله و الجراد يلتمس فراخ الزنابير و يأكلها و الزنبور يصيد النحلة و النحلة يصيد الذبابة و يأكلها و الذبابة تصيد البعوضة و تأكلها و العنكبوت يصيد الذبابة و يأكلها و الذئب يطلب أولاد الثعلب فإذا ولد   وضع أوراق العنصل على باب وجاره ليهرب الذئب منها.

 و عن أبي هريرة قال نهاني رسول الله ص في الصلاة عن ثلاث نقرة كنقرة الديك و إقعاء كإقعاء الكلب و التفات كالتفات الثعلب

9-  الإختصاص، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن موسى بن سعدان عن عبد الله بن القاسم عن هشام بن سالم عن محمد بن مسلم قال كنت مع أبي جعفر ع بين مكة و المدينة و أنا أسير على حمار لي و هو على بغلة له إذ أقبل ذئب من رأس الجبل حتى انتهى إلى أبي جعفر ع فحبس البغلة و دنا الذئب منه حتى وضع يده على قربوس سرجه و مد عنقه إلى أذنه و أدنى أبو جعفر ع أذنه منه ساعة ثم قال له امض فقد فعلت فرجع مهرولا فقلت له رأيت عجيبا قال و تدري ما قال قلت الله و رسوله و ابن رسوله أعلم قال إنه قال يا ابن رسول الله إن زوجتي في ذلك الجبل و قد تعسر عليها ولادها فادع الله أن يخلصها و أن لا يسلط شيئا من نسلي على أحد من شيعتكم فقلت قد فعلت

 10-  حياة الحيوان، الذئب يهمز و لا يهمز و أصله الهمز و الأنثى ذئبة و جمع القلة أذؤب و الكثير ذئاب و ذؤبان و الأسد و الذئب يختلفان في الجوع و الصبر عليه فالأسد شديد النهم حريص شره و هو مع ذلك يحتمل أن يبقى أياما لا يأكل شيئا و الذئب و إن كان أقفر منزلا و أقل خصبا و أكثر كدا إذا لم يجد شيئا اكتفى بالنسيم فيقتات به و جوفه يذيب العظم المصمت و لا يذيب نوى التمر و من عجيب   أمره أنه ينام بإحدى عينيه و الأخرى يقظى حتى تكتفي العين النائمة من النوم ثم يفتحها و ينام بالأخرى ليحترس باليقظى و تستريح النائمة و متى وطئ ورق العنصل مات من ساعته و عداوته للغنم بحيث إنه إذا اجتمع جلد شاة مع جلد ذئب تمعط جلد الشاة و الذئب إذا غلب عليه الجوع عوى فتجتمع له الذئاب و يقف بعضها إلى بعض فمن ولى منها وثب الباقون عليه فأكلوه و إذا عرض للإنسان و خاف العجز عنه عوى عواء استغاثة فتسمعه الذئاب فتقبل على الإنسان إقبالا واحدا و هم سواء في الحرص على أكله فإن أدمى الإنسان واحدا منها وثب الباقون على المدمي فمزقوه و تركوا الإنسان

 و روى الحاكم في مستدركه عن أبي سعيد قال بينما راع يرعى بالحرة إذ عدا الذئب على شاة فحال الراعي بين الذئب و بينها فأقعى الذئب على ذنبه و قال يا عبد الله تحول بيني و بين رزق ساقه الله إلي فقال الرجل يا عجباه ذئب يكلمني فقال أ لا أخبرك بأعجب مني رسول الله ص بين الحرتين يخبر الناس بأنباء ما سبق فزوى الراعي شياهه إلى زاوية من زوايا المدينة ثم أتى النبي ص فأخبره فخرج رسول الله ص إلى الناس فقال صدق و الذي نفسي بيده

قال ابن عبد البر و غيره كلم الذئب من الصحابة ثلاثة رافع بن عميرة و سلمة بن الأكوع و أهبان بن أوس الأسلمي قال و لذلك تقول العرب هو كذئب أهبان يتعجبون منه و ذلك

 أن أهبان بن أوس المذكور كان في غنم له فشد الذئب على شاة منها فصاح به أهبان فأقعى له الذئب و قال أ تنزع مني رزقا رزقنيه الله تعالى فقال أهبان ما سمعت و لا رأيت أعجب من هذا ذئب يتكلم فقال أ تعجب من هذا و رسول الله ص بين هذه النخلات و أومأ بيده إلى   المدينة يحدث بما كان و يكون و يدعو إلى الله و عبادته و لا يجيبونه قال فجئت النبي ص و أخبرته بالقصة و أسلمت قال النبي ص حدث به الناس

قال عبد الله بن أبي داود السجستاني الحافظ فيقال لأهبان مكلم الذئب و لأولاده أولاد مكلم الذئب و محمد بن الأشعث الخزاعي من ولده و اتفق مثل ذلك لرافع بن عميرة و سلمة بن الأكوع

 و في الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي ص قال كانت امرأتان معهما ابناهما إذ جاء الذئب فذهب بابن إحداهما فقالت هذه لصاحبتها إنما ذهب بابنك أنت فقالت الأخرى إنما ذهب بابنك أنت فتحاكما إلى داود ع فقضى به للكبرى فخرجتا إلى سليمان بن داود ع فأخبرتاه بذلك فقال ائتوني بالسكين أشقه بينكما فقالت الصغرى لا يرحمك الله هو ابنها فقضى به للصغرى قال أبو هريرة و الله ما سمعت بالسكين قط إلا يومئذ و ما كنا نقول إلا المدية

 و في تاريخ ابن النجار عن وهب بن منبه قال بينما امرأة من بني إسرائيل على ساحل البحر تغسل ثيابها و صبي لها يدب بين يديها إذا جاء سائل فأعطته لقمة من رغيف كان معها فما كان بأسرع من أن جاء ذئب فالتقم الصبي فجعلت تعدو خلفه و هي تقول يا ذئب ابني يا ذئب ابني فبعث الله ملكا انتزع الصبي من فم الذئب و رمى به إليها و قال لقمة بلقمة

 و هو في الحلية، عن مالك بن دينار قال أخذ السبع صبيا لامرأة فتصدقت بلقمة فألقاها السبع فنوديت لقمة بلقمة

و قال الأرنب واحدة الأرانب و هو حيوان يشبه العناق قصير اليدين طويل الرجلين و هو اسم جنس يطلق على الذكر و الأنثى و يقال إنها إذا رأت البحر   ماتت و لذلك لا توجد بالسواحل و هذا لا يصح عندي و تزعم العرب في أكاذيبها أن الجن تهرب منها لموضع حيضها و التي تحيض من الحيوان أربع المرأة و الضبع و الخفاش و الأرنب و يقال إن الكلبة تحيض و من أمثالهم المشهورة قولهم في بيته يؤتى الحكم و هو مما وضعته العرب على ألسنة البهائم قالوا إن الأرنب التقطت تمرة فاختلسها الثعلب فأكلها فانطلقا يختصمان إلى الضب فقالت الأرنب يا أبا حسل فقال سميعا دعوت قالت أتيناك لنختصم قال عادلا حكمتما قالت فأخرج إلينا قال في بيته يؤتى الحكم قالت إني وجدت تمرة قال حلوة فكليها قالت فاختلسها الثعلب قال لنفسه بغي الخير قالت فلطمته قال أخذت بحقك قالت فلطمني قال حر انتصر قالت فاقض بيننا قال قد قضيت فذهبت أقواله كلها مثلا و مثل هذا أن عدي بن أرطاة أتى شريحا القاضي في مجلس حكمه فقال أين أنت قال بينك و بين الحائط قال اسمع مني قال للاستماع جلست قال إني تزوجت امرأة قال بالرفاء و البنين قال و شرط أهلها أني لا أخرج من بيتهم قال أوف لهم بالشرط قال فإني أريد الخروج قال في حفظ الله قال فاقض بيننا قال قد فعلت قال فعلى من حكمت قال على ابن أمك قال بشهادة من قال بشهادة ابن أخت خالتك و قال الأسد من السباع معروف و جمعه أسود و أسد و أسد و الأنثى أسدة و له أسماء كثيرة قال ابن خالويه للأسد خمسمائة اسم و صفة و زاد عليه علي بن قاسم اللغوي مائة و ثلاثين اسما و هو أشرف الحيوان المتوحشة إذ منزلته منها منزلة الملك المهاب لقوته و شجاعته و قساوته و شهامته و شراسة خلقه و لذلك يضرب بها   المثل في القوة و النجدة و البسالة و شدة الإقدام و الصولة و قيل لحمزة أسد الله و يقال من نبل الأسد أنه اشتق لحمزة من اسمه و للأسد من الصبر على الجوع و قلة الحاجة إلى الماء ما ليس لغيره من السباع و لا يأكل من فريسة غيره و إذا شبع من فريسته تركها و لم يعد إليها و إذا جاع ساءت أخلاقه و إذا امتلأ من الطعام ارتاض و لا يشرب من ماء ولغ فيه كلب و هو ينهش و لا يأكل و ريقه قليل جدا و لذلك يوصف بالبخر و يوصف بالشجاعة و الجبن فمن جبنه أنه يفزع من صوت الديك و نقر الطست و من السنور و يتحير عند رؤية النار و هو شديد البطش و لا يألف شيئا من السباع لأنه لا يرى فيها ما يكافئه و متى وضع جلدها على شي‏ء من جلودها تساقطت شعورها و لا يدنو من المرأة الطامث و لو بلغه الجهد و يعمر كثيرا و علامة كبره سقوط أسنانه و في الحلية، لأبي نعيم قال بلغني أن الأسد لا يأكل إلا من أتى محرما

 و روى محمد بن المنكدر عن سفينة مولى رسول الله ص أنه ركبت سفينة في البحر فانكسرت فركبت لوحا فأخرجني إلى أجمة فيها أسد فأقبل إلي فقلت أنا سفينة مولى رسول الله ص و أنا تائه فجعل يغمزني بمنكبه حتى أقامني على الطريق ثم همهم فظننت أنه السلام

 و دعا رسول الله ص على عتبة بن أبي لهب فقال اللهم سلط عليه كلبا من كلابك فافترسه الأسد بالزرقاء من أرض الشام

 و روى الحافظ أبو نعيم بسنده عن الأسود بن هبار قال تجهز أبو لهب و ابنه عتبة نحو الشام فخرجت معهما فنزلنا السراة قريبا من صومعة راهب فقال الراهب ما أنزلكم هاهنا هنا سباع فقال أبو لهب أنتم عرفتم سني و حقي قلنا أجل قال إن محمدا دعا على ابني فأجمعوا متاعكم على هذه الصومعة ثم افرشوا لابني عليه   و نوموا حوله ففعلنا ذلك و جمعنا المتاع حتى ارتفع و درنا حوله و بات عتبة فوق المتاع فجاء الأسد فشم وجوهنا ثم وثب فإذا هو فوق المتاع فقطع رأسه فقال سيفي يا كلب و لم يقدر على غير ذلك و في رواية فضربه بيده ضربة واحدة فخدشه فقال قتلني فمات من ساعته و طلبنا الأسد فلم نجده

و إنما سماه النبي ص كلبا لأنه شبهه في رفع رجله عند البول

 و روى البخاري في صحيحه أن النبي ص قال فر من المجذوم فرارك من الأسد

 و في حديث آخر أنه ص أخذ بيد مجذوم و قال بسم الله ثقة بالله و توكلا عليه و أدخلها معه الصحفة

قال الشافعي في عيوب الزوجين إن الجذام و البرص يعدي و قال إن ولد المجذوم قل ما يسلم منه قلت معنى قوله إنه يعدي أي بتأثير الله تعالى لا بنفسه لأن الله تعالى أجرى العادة بابتلاء السليم عند مخالطة المبتلى و قد يوافق قدرا و قضاء فيظن أنه عدوى و قد قال ص لا عدوى و لا طيرة و قوله في الولد قل ما يسلم منه فقد قال الصيدلاني معناه أن الولد قد ينزعه عرق من الأب فيصير أجذم و قد قال ص لرجل قد قال له إن امرأتي ولدت غلاما أسود لعل عرقا نزعه و بهذا الطريق يحصل الجمع بين هذه الأحاديث

 و جاء في الحديث أنه ص قال لا يورد ذو عاهة على مصح

 و الذي ذكره أنه ص أتاه مجذوم ليبايعه فلم   يمد يده إليه بل قال أمسك يدك فقد بايعتك

 و في مسند أحمد، أن النبي ص قال لا تطيلوا النظر إلى المجذوم و إذا كلمتموه فليكن بينكم و بينه قيد رمح

و قد ذكر الشيخ صلاح الدين في القواعد أن الأم إذا كان بها جذام أو برص سقط حقها من الحضانة لأنه يخشى على الولد من لبنها و مخالطتها

 و روى الطبراني و غيره عن أبي هريرة أن النبي ص قال أ تدرون ما يقول الأسد في زئيره قالوا الله و رسوله أعلم قال ص إنه يقول اللهم لا تسلطني على أحد من أهل المعروف

 و عن ابن عباس قال إذا كنت بواد تخاف فيه الأسد فقل أعوذ بدانيال و بالجب من شر الأسد

انتهى أشار بذلك إلى ما رواه البيهقي في الشعب أن دانيال ع طرح في الجب و ألقيت عليه السباع فجعلت السباع تلحسه و تبصبص إليه فأتاه ملك فقال له دانيال الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره

 و روى ابن أبي الدنيا أن بخت‏نصر ضرى أسدين و ألقاهما في جب و أمر بدانيال فألقي عليهما فمكث ما شاء الله ثم اشتهى الطعام و الشراب فأوحى الله تعالى إلى أرميا و هو بالشام أن يذهب إلى دانيال بطعام و شراب و هو بأرض العراق فذهب إليه حتى وقف على رأس الجب و قال دانيال دانيال فقال من هذا   قال أرميا قال ما جاء بك قال أرسلني إليك ربك قال دانيال الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره و الحمد لله الذي لا يخيب من رجاه و الحمد لله الذي من وثق به لم يكله إلى سواه و الحمد لله الذي يجزي بالإحسان إحسانا و الحمد لله الذي يجزي بالصبر نجاة و غفرانا و الحمد لله الذي يكشف ضرنا بعد كربنا و الحمد لله الذي هو ثقتنا حين يسوء ظننا بأعمالنا و الحمد لله الذي هو رجاؤنا حين تنقطع الحيل منا

و روى ابن أبي الدنيا من وجه آخر أن الملك الذي كان دانيال في سلطانه جاءه المنجمون و أصحاب العلم و أخبروه أنه يولد ليلة كذا و كذا غلام يفسد ملكك فأمر بقتل من ولد في تلك الليلة فلما ولد دانيال ألقته أمه في أجمة أسد فبات الأسد و لبوته يلحسانه نجاه الله بذلك حتى بلغ ما بلغ و كان من أمره ما قدره العزيز العليم