باب 20- باب نوادر الاحتجاج على معاوية

 519-  جا، ]المجالس للمفيد[ الحسين بن محمد التمار عن محمد بن القاسم الأنباري عن أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي عن حبيب بن بشار عن أبيه عن علي بن عاصم عن الشعبي قال لما وفد شداد بن أوس على معاوية بن أبي سفيان أكرمه و أحسن قبوله و لم يعتبه على شي‏ء كان منه و وعده و مناه ثم إنه حضر في يوم حفل فقال له يا شداد قم في الناس و اذكر عليا و عبه لأعرف بذلك نيتك في مودتي فقال له شداد اعفني من ذلك فإن عليا قد لحق بربه و جوزي بعمله و كفيت ما كان يهمك منه و انقادت لك الأمور على إيثارك فلا تلتمس من الناس ما لا يليق بحلمك فقال له معاوية لتقومن بما أمرتك به و إلا فالريب فيك واقع فقام شداد فقال الحمد لله الذي افترض طاعته على عباده و جعل رضاه عنده أهل التقوى آثر من رضا خلقه على ذاك مضى أولهم و عليه يمضي آخرهم أيها الناس إن الآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قادر و إن الدنيا أجل حاضر يأكل منها البر و الفاجر و إن السامع المطيع لله لا حجة عليه و إن السامع العاصي لا حجة له و إن الله إذا أراد بالعباد خيرا عمل عليهم صلحاؤهم و قضى بينهم فقهاؤهم و جعل المال في أسخيائهم و إذا أراد بهم شرا عمل عليهم سفهاؤهم و قضى بينهم جهلاؤهم و جعل المال عند بخلائهم و إن من صلاح الولاة أن يصلح قرناؤها و نصحك يا معاوية من أسخطك بالحق و غشك من أرضاك بالباطل و قد نصحتك بما قدمت و ما كنت أغشك بخلافه فقال له معاوية اجلس يا شداد فجلس فقال له إني قد أمرت لك بمال يغنيك أ لست من السمحاء الذين جعل الله المال عندهم لصلاح خلقه فقال له شداد إن كان ما عندك من المال هو لك دون مال المسلمين فعمدت جمعه مخافة تفرقه فأصبته حلالا و أنفقته حلالا فنعم و إن كان مما شاركك فيه المسلمون فاحتجبته دونهم فأصبته اقترافا و أنفقته إسرافا فإن الله جل اسمه يقول إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ فقال معاوية أظنك قد خولطت يا شداد أعطوه ما أطلقناه له ليخرج إلى أهله قبل أن يغلبه مرضه فنهض شداد و هو يقول المغلوب على عقله بهواه سواي و ارتحل و لم يأخذ من معاوية شيئا بيان في يوم حفل أي يوم اجتمع فيه الناس عنده يقال حفل القوم حفلا اجتمعوا و المجلس كثر أهله

520-  كش، ]رجال الكشي[ نصر بن الصباح عن إسحاق بن محمد البصري عن أمير بن علي عن أبي الحسن الرضا ع قال كان أمير المؤمنين يقول إن المحامدة تأبى أن يعصى الله عز و جل قلت و من المحامدة قال محمد بن جعفر و محمد بن أبي بكر و محمد بن أبي حذيفة و محمد بن أمير المؤمنين ع أما محمد بن أبي حذيفة هو ابن عتبة بن ربيعة و هو ابن خال معاوية

 و أخبرني بعض رواة العامة عن محمد بن إسحاق قال حدثني رجل من أهل الشام قال كان محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة مع علي بن أبي طالب ع و من أنصاره و أشياعه و كان ابن خال معاوية و كان رجلا من خيار المسلمين فلما توفي علي ع أخذه معاوية و أراد قتله فحبسه في السجن دهرا ثم قال معاوية ذات يوم أ لا نرسل إلى هذا السفيه محمد بن أبي حذيفة فنبكته و نخبره بضلاله و نأمره أن يقوم فيسب عليا قالوا نعم فبعث إليه معاوية فأخرجه من السجن فقال له معاوية يا محمد بن أبي حذيفة أ لم يأن لك أن تبصر ما كنت عليه من الضلالة بنصرتك علي بن أبي طالب الكذاب أ لم تعلم أن عثمان قتل مظلوما و أن عائشة و طلحة و الزبير خرجوا يطلبون بدمه و أن عليا هو الذي دس في قتله و نحن اليوم نطلب بدمه قال محمد بن أبي حذيفة إنك لتعلم أني أمس القوم بك رحما و أعرفهم بك قال أجل قال فو الله الذي لا إله غيره ما أعلم أحدا شرك في دم عثمان و ألب الناس عليه غيرك لما استعملك و من كان مثلك فسأله المهاجرون و الأنصار أن يعزلك فأبى ففعلوا به ما بلغك و و الله ما أحد شرك في قتله بدئا و أخيرا إلا طلحة و الزبير و عائشة فهم الذين شهدوا عليه بالعظيمة و ألبوا عليه الناس و شركهم في ذلك عبد الرحمن بن عوف و ابن مسعود و عمار و الأنصار جميعا قال قد كان ذلك إي و الله إني لأشهد أنك منذ عرفتك في الجاهلية و الإسلام لعلي خلق واحد ما زاد الإسلام فيك قليلا و لا كثيرا و إن علامة ذلك فيك لبينة تلومني على حبي عليا خرج مع علي كل صوام قوام مهاجري و أنصاري كما خرج معك أبناء المنافقين و الطلقاء و العتقاء خدعتهم عن دينهم و خدعوك عن دنياك و الله يا معاوية ما خفي عليك ما صنعت و ما خفي عليهم ما صنعوا إذ أحلوا أنفسهم سخط الله في طاعتك و الله لا أزال أحب عليا لله و لرسوله و أبغضك في الله و في رسوله أبدا ما بقيت قال معاوية و إني أراك على ضلالك بعد ردوه إلى السجن فردوه فمات في السجن بيان فنبكته التبكيت التقريع و التأنيب و بكته بالحجة أي غلبه و في بعض النسخ فننكبه على التفعيل من نكب عن الطريق أي عدل أو على بناء المجرد أي نجعله منكوبا و النكبة إصابة النوائب و في بعض النسخ فنبكيه من الإبكاء و هو تصحيف

521-  كش، ]رجال الكشي[ محمد بن مسعود عن علي بن أبي علي الخزاعي عن محمد بن علي العطار عن عمرو بن عبد الغفار عن أبي بكر بن أبي عياش عن عاصم بن أبي النجود عمن شهد ذلك أن معاوية حين قدم الكوفة و دخل عليه رجال من أصحاب علي ع و كان الحسن ع قد أخذ الأمان لرجال منهم مسمين بأسمائهم و أسماء آبائهم و كان منهم صعصعة فلما دخل عليه صعصعة قال معاوية لصعصعة أما و الله إني كنت لأبغض أن تدخل في أماني قال و أنا و الله أبغض أن أسميك بهذا الاسم ثم سلم عليه بالخلافة قال فقال معاوية إن كنت صادقا فاصعد المنبر فالعن عليا قال فصعد المنبر و حمد الله و أثنى عليه ثم قال أيها الناس أتيتكم من عند رجل قدم شره و أخر خيره و إنه أمرني أن ألعن عليا فالعنوه لعنه الله فضج أهل المسجد بآمين فلما رجع إليه فأخبره بما قال قال لا و الله ما عنيت غيري ارجع حتى تسميه باسمه فرجع و صعد المنبر ثم قال أيها الناس إن أمير المؤمنين أمرني أن ألعن علي بن أبي طالب ع فالعنوا من لعن علي بن أبي طالب قال فضجوا بآمين قال فلما خبر معاوية قال لا و الله ما عنى غيري أخرجوه لا يساكني في بلد فأخرجوه

 بيان لعله أراد أمير المؤمنين أميرهم حقا عليا ع فإنه ع كان أمر أصحابه باللعن إذا خافوا القتل أو أراد أميرهم المسلط عليهم جورا و قوله فالعنوا من لعن أوهم أن المراد فالعنوا من لعنه الأمير و بينه بأنه علي و مقصوده ظاهر

522-  كش، ]رجال الكشي[ روي أن الأحنف بن قيس وفد إلى معاوية و جارية بن قدامة و الحباب بن يزيد فقال معاوية للأحنف أنت الساعي على أمير المؤمنين عثمان و خاذل أم المؤمنين عائشة و الوارد الماء على علي بصفين فقال يا أمير المؤمنين من ذاك ما أعرف و منه ما أنكر أما أمير المؤمنين عثمان فأنتم معشر قريش حضرتموه بالمدينة و الدار منا عنه نازحة و قد حضره المهاجرون و الأنصار بمعزل و كنتم بين خاذل و قاتل و أما عائشة فإني خذلتها في طول باع و رحب سرب و ذلك أني لم أجد في كتاب الله إلا أن تقر في بيتها و أما ورودي الماء بصفين فإني وردت حين أردت أن تقطع رقابنا عطشا فقام معاوية و تفرق الناس ثم أمر معاوية للأحنف بخمسين ألف درهم و لأصحابه بصلة فقال للأحنف حين ودعه حاجتك قال تدر على الناس عطياتهم و أرزاقهم و إن سألت المدد أتاك منا رجال سليمة الطاعة شديدة النكاية و قيل إنه كان يرى رأي العلوية و وصل الحباب بثلاثين ألف درهم و كان يرى رأي الأموية فصار الحباب إلى معاوية و قال يا أمير المؤمنين تعطي الأحنف و رأيه رأيه خمسين ألف درهم و تعطيني و رأيي رأيي ثلاثين ألف درهم فقال يا حباب إني اشتريت بها دينه فقال الحباب يا أمير المؤمنين تشتري مني أيضا ديني فأتمها و ألحقه بالأحنف فلم يأت على الحباب أسبوع حتى مات و رد المال بعينه إلى معاوية فقال الفرزدق يرثي الحباب

أ تأكل ميراث الحباب ظلامة و ميراث حرب جامد لك ذائبه‏أبوك و عمي يا معاوية أورثا تراثا فيختار التراث أقاربه‏و لو كان هذا الدين في جاهلية عرفت من المولى القليل جلائبه‏و لو كان هذا الأمر في غير ملككم لأديته أو غص بالماء شاربه‏فكم من أب لي يا معاوية لم يكن أبوك الذي من عبد شمس يقاربه

 إيضاح قوله في طول باع قال السيد الداماد رحمه الله الباع قدر مد اليدين و ما بينهما من البدن و بسط اليد بالمال و طول الباع كناية عن المقدرة و الميسرة و الاقتدار و الشوكة قاله الزمخشري في الفائق و الأساس و الفيروزآبادي و ابن الأثير في القاموس و النهاية و قال في الصحاح الرحب بالضم السعة تقول فلان رحب الصدر و الرحب بالفتح الواسع تقول منه بلد رحب و قال السرب بالفتح الإبل و السرب أيضا الطريق و فلان آمن في سربه بالكسر أي في نفسه و فلان واسع السرب أي رخي البال. و في المغرب السرب بالفتح في قولهم خلى سربه أي طريقه و منه قوله إذا كان مخلى السرب أي موسعا عليه غير مضيق عليه. يعني أني لم أخذلها و هي محتاجة إلى الانتصار بل خذلتها و هي في طول باع و رحب سرب أي في مندوحة و فسحة عن القتال و تجهيز الجيش بأن تقر في بيتها موقرة مكرمة رحبة الصدر رخية البال واسعة السرب لأنها لم تكن مأمورة بالمسير إلى البصرة و تجهيز الجيش و المطالبة بدم عثمان و مقاتلة علي بن أبي طالب على ذلك و لا مضطرة إلى شي‏ء من ذلك بل كانت في سعة عن ذلك كله و مع ذلك فإنها كانت في طول باع من الشوكة و القدرة و اجتماع الجيوش و كثرة الأعوان و الأنصار و العدد و العدد. و أيضا خذلتها لأني لم أجد في كتاب الله تعالى إلا أن تقر في بيتها إذ قال عز من قائل وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ أقول و يحتمل أن يكون في طول باع و رحب سرب حالا عن الفاعل أي لم يكن علي حرج في ذلك كما يومئ إليه آخر كلامه رحمه الله. و قوله جامد لك ذائبه لعله كناية عن أنه محفوظ لك لم يبطل منه شي‏ء مما كان في معرض البطلان و الضياع و لم يتعد إلى الغير. و الجلائب جمع جليبة و هو ما جلب و عبد جليب مجلوب و امرأة جليب من جلبي و جلائب أي عرفت من المولى القليل الأموال و العبيد أنا أو أنت. قوله أو غص بالماء شاربه غص بفتح العين المعجمة و إهمال الصاد المشددة و شاربه بالرفع على الفاعلية و الباء في قوله بالماء للتعدية. و قال ابن الأثير في النهاية يقال غصصت بالماء أغص غصصا فأنا غاص و غصان إذا شرقت به أو وقف في حلقك فلم تكد تسيغه و المعنى لو كان هذا الأمر الذي وقع في غير سلطنتكم لأديت فاعل هذا الفعل و لم يكن يقدر أن يبلغه لضعفه

523-  يل، ]الفضائل لابن شاذان[ قال جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه كنت أنا و معاوية بن أبي سفيان بالشام فبينا نحن ذات يوم إذ نظرنا إلى شيخ و هو مقبل من صدر البرية من ناحية العراق فقال معاوية عرجوا بنا إلى هذا الشيخ لنسأله من أين أقبل و إلى أين يريد و كان مع معاوية أبو الأعور السلمي و ولدا معاوية خالد و يزيد و عمرو بن العاص قال فعرجنا إليه فقال له معاوية من أين أقبلت يا شيخ و إلى أين تريد فلم يجبه الشيخ فقال له عمرو بن العاص لما لا تجيب أمير المؤمنين فقال الشيخ إن الله جعل التحية غير هذه فقال معاوية صدقت يا شيخ أصبت و أخطأنا و أحسنت و أسأنا السلام عليك يا شيخ فقال الشيخ و عليك السلام فقال معاوية ما اسمك يا شيخ فقال اسمي جبل و كان ذلك الشيخ طاعنا في السن بيده شي‏ء من الحديد و وسطه مشدود بشريط من ليف المقل و في رجليه نعلان من ليف المقل و عليه كساء قد سقط لحامه و بقي سدانه و قد بانت شراسيف خديه و قد غطت حواجبه على عينيه فقال معاوية يا شيخ من أين أقبلت و إلى أين تريد قال أتيت من العراق أريد بيت المقدس قال معاوية كيف تركت العراق قال على الخير و البركة و النفاق قال لعلك أتيت من الكوفة من الغري قال الشيخ و ما الغري قال معاوية الذي فيه أبو تراب قال الشيخ من تعني بذلك و من أبو تراب قال ابن أبي طالب قال له الشيخ أرغم الله أنفك و رض الله فاك و لعن الله أمك و أباك و لم لا تقول الإمام العادل و الغيث الهاطل يعسوب الدين و قاتل المشركين و القاسطين و المارقين و سيف الله المسلول ابن عم الرسول و زوج البتول تاج الفقهاء و كنز الفقراء و خامس أهل العباء و الليث الغالب أبو الحسنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة و السلام فعندها قال معاوية يا شيخ إني أرى لحمك و دمك قد خالط لحم علي بن أبي طالب ع و دمه حتى لو مات علي ما أنت فاعل قال لا أتهم في فقده ربي و أجلل في بعده حزني و اعلم أن الله لا يميت سيدي و إمامي حتى يجعل من ولده حجة قائمة إلى يوم القيامة فقال يا شيخ هل تركت من بعدك أمرا تفتخر به قال تركت الفرس الأشقر و الحجر و المدر و المنهاج لمن أراد المعراج قال عمرو بن العاص لعله لا يعرفك يا أمير المؤمنين فسأله معاوية فقال يا شيخ أ تعرفني قال الشيخ و من أنت قال أنا معاوية بن أبي سفيان أنا الشجرة الزكية و الفروع العلية سيد بني أمية فقال له الشيخ بل أنت اللعين على لسان نبيه و في كتابه المبين إن الله قال

  وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ و الشجرة الخبيثة و العروق المجتثة الخسيسة الذي ظلم نفسه و ربه و قال فيه نبيه الخلافة محرمة على أبي سفيان الزنيم ابن الزنيم ابن آكلة الأكباد الفاشي ظلمه في العباد فعندها اغتاظ معاوية و حنق عليه فرد يده إلى قائم سيفه و هم بقتل الشيخ ثم قال لو لا أن العفو حسن لأخذت رأسك ثم قال أ رأيت لو كنت فاعلا ذلك قال الشيخ إذا و الله أفوز بالسعادة و تفوز أنت بالشقاوة و قد قتل من هو أشر منك من هو خير مني و عثمان شر منك قال معاوية يا شيخ هل كنت حاضرا يوم الدار قال و ما يوم الدار قال معاوية يوم قتل علي عثمان فقال الشيخ تالله ما قتله و لو فعل ذلك لعلاه بأسياف حداد و سواعد شداد و كان يكون في ذلك مطيعا لله و لرسوله قال معاوية يا شيخ هل حضرت يوم صفين قال و ما غبت عنها قال كيف كنت فيها قال الشيخ أيتمت منك أطفالا و أرملت منك إخوانا و كنت كالليث أضرب بالسيف تارة و بالرمح أخرى قال معاوية هل ضربتني بشي‏ء قط قال الشيخ ضربتك بثلاثة و سبعين سهما فأنا صاحب السهمين اللذين وقعا في بردتك و صاحب السهمين اللذين وقعا في مسجدك و صاحب السهمين اللذين وقعا في عضدك و لو كشفت الآن لأريتك مكانهما فقال معاوية يا شيخ هل حضرت يوم الجمل قال و ما يوم الجمل قال معاوية يوم قاتلت عائشة عليا قال و ما غبت عنها قال معاوية يا شيخ الحق كان مع علي أم مع عائشة قال الشيخ بل مع علي قال معاوية أ لم يقل الله وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ و قال النبي ص لها أم المؤمنين قال الشيخ أ لم يقل الله تعالى يا نساء النبي وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى و قال النبي ص أنت يا علي خليفتي على نسواني و أهلي و طلاقهن بيدك أ فترى في ذلك معها حق حتى سفكت دماء المسلمين و أذهبت أموالهم فلعنة الله على القوم الظالمين و هما كامرأة نوح في النار و لبئس مثوى الكافرين قال معاوية يا شيخ ما جعلت لنا شيئا نحتج به عليك فمتى ظلمت الأمة و طفيت عنهم قناديل الرحمة قال لما صرت أميرها و عمرو بن العاص وزيرها قال فاستلقى معاوية على قفاه من الضحك و هو على ظهر فرسه فقال يا شيخ هل من شي‏ء نقطع به لسانك قال و ما ذا قال عشرون ناقة حمراء محمله عسلا و برا و سمنا و عشرة آلاف درهم تنفقها على عيالك و تستعين بها على زمانك قال الشيخ لست أقبلها قال و لم ذلك قال الشيخ لأني سمعت رسول الله ص يقول درهم حلال خير من ألف درهم حرام قال معاوية لئن أقمت في دمشق لأضربن عنقك قال ما أنا مقيم معك فيها قال معاوية و لم ذلك قال الشيخ لأن الله تعالى يقول وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَ ما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ و أنت أول ظالم و آخر ظالم ثم توجه الشيخ إلى بيت المقدس

 توضيح قال الجوهري التعريج على الشي‏ء الإقامة عليه يقال عرج فلان على المنزل إذا حبس مطيته عليه و أقام و انعرج الشي‏ء انعطف

524-  يل فض، ]كتاب الروضة[ قيل دخل ضرار صاحب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع على معاوية بن أبي سفيان بعد وفاته ع فقال له معاوية يا ضرار صف لي علي بن أبي طالب و أخلاقه المرضية قال ضرار كان و الله بعيد المدى شديد القوى ينفجر الإيمان من جوانبه و تنطق الحكمة من لسانه يقول حقا و يحكم فصلا فأقسم لقد شاهدته ليلة في محرابه و قد أرخى الليل سدوله و هو قائم يصلي قابضا على لمته يتململ تململ السليم و يئن أنين الحزين و يقول يا دنيا أ بي تعرضت و إلي تشوقت غري غيري لا حان حينك أجلك قصير و عيشك حقير و قليلك حساب و كثيرك عقاب فقد طلقتك ثلاثا لا رجعة لي إليك آه من بعد الطريق و قلة الزاد قال معاوية كان و الله أمير المؤمنين كذلك و كيف حزنك عليه قال حزن امرأة ذبح ولدها في حجرها قال فلما سمع ذلك معاوية بكى و بكى الحاضرون

 بيان المدى الغاية أي كان ذا همة عالية يتوجه إلى تحصيل معالي الأمور و ما يعسر تحصيله على أكثر الخلق. و يقال نطف الماء ينطف و ينطف إذا قطر قليلا قليلا و السدل جمع السديل و هو ما يسيل و يرخى على الهودج و يقال سلمته الحية أي لدغته و السليم اللديغ و قيل إنما سمي سليما تفؤلا بالسلامة. و يقال هو يتململ على فراشه إذا لم يستقر من الوجع و الاستفهام عن تعرضها و تشوفها استفهام إنكار لذلك منها و استحقار لها و استبعاد لموافقته إياها على ما تريد و تشوف إلى الخير تطلع و من السطح تطاول و نظر و أشرف و في بعض النسخ بالقاف تشوقت غري غيري أي خداعك و غرورك لا يدخل علي و ليس المراد الأمر بغرور غيره. و قال الجوهري حان له أن يفعل كذا يحين حينا أي آن و حان حينه أي قرب وقته انتهى و هذا دعاء عليها أي لا قرب وقت انخداعي بك و غرورك لي

525-  كشف، ]كشف الغمة[ حضر جماعة عند معاوية و عنده عدي بن حاتم و كان فيهم عبد الله بن الزبير فقالوا يا أمير المؤمنين ذرنا نكلم عديا فقد زعموا أن عنده جوابا فقال إني أحذركموه فقالوا لا عليك دعنا و إياه فقال له ابن الزبير يا أبا طريف متى فقئت عينك قال يوم فر أبوك و قتل شر قتلة و ضربك الأشتر على استك فوقعت هاربا من الزحف و أنشد

أما و أبي يا ابن الزبير لو أنني لقيتك يوم الزحف ما رمت لي سخطاو كان أبي في طي‏ء و أبو أبي صحيحين لم تنزع عروقهما القبطاو لو رمت شتمي عند عدل قضاؤه لرمت به يا ابن الزبير مدى شحطا

فقال معاوية قد كنت حذرتكموه فأبيتم

 بيان قال الجوهري الشحط البعد يقال شحط المزار أي بعد و تشحط المقتول بدمه أي اضطرب فيه

526-  كشف الحق، للعلامة رحمه الله روى الجمهور أن أروى بنت الحرث بن عبد المطلب دخلت على معاوية في خلافته بالشام و هي يومئذ عجوز كبيرة فلما رآها قال مرحبا بك يا خالة قالت كيف أنت يا ابن أختي لقد كفرت النعمة و أسأت لابن عمك الصحبة و تسميت بغير اسمك و أخذت غير حقك بلا بلاء كان منك و لا من أبيك بعد أن كفرتم بما جاء به محمد ص فأتعس الله منكم الجدود حتى رد الله الحق إلى أهله و كانت كلمة الله هي العليا و نبينا هو المنصور على كل من ناواه وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ فكنا أهل البيت أعظم الناس في هذا الدين بلاء و عن أهله غناء و قدرا حتى قبض الله نبيه و مغفورا ذنبه مرفوعة منزلته شريفا عن الله مرضيا فوثب علينا بعده تيم و عدي و بنو أمية فأنت تهتدي بهداهم و تقصد لقصدهم فصرنا بحمد الله فيكم أهل البيت بمنزلة قوم موسى في آل فرعون يذبحون أبناءهم و يستحيون نساءهم و صار سيدنا منكم بعد نبينا بمنزلة هارون من موسى حيث يقول يا ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَ كادُوا يَقْتُلُونَنِي فلم يجمع بعد رسول الله ص شمل و لم يسهل وعث و غايتنا الجنة و غايتكم النار فقال لها عمرو بن العاص أيتها العجوز الضالة اقصري من قولك و غضي من طرفك قالت و من أنت قال أنا عمرو بن العاص قالت يا ابن النابغة اربع على ظلعك و أغض لسان نفسك ما أنت من قريش في لباب حسبها و لا صحيح نسبها و لقد ادعاك خمسة من قريش كلهم يزعم أنك ابنه و لطالما رأيت أمك أيام منى بمكة تكسب الخطيئة و تتزن الدراهم من كل عبد عاهر هايج و تسافح عبيدنا فأنت بهم أليق و هم بك أشبه منك تقرع بينهم

527-  كشف، ]كشف الغمة[ من كتاب الموفقيات للزبير بن بكار الزبيري حدث عن رجاله قال دخل محفن بن أبي محفن الضبي على معاوية فقال يا معاوية جئتك من عند ألأم العرب و أعيا العرب و أجبن العرب و أبخل العرب قال و من هو يا أخا بني تميم قال علي بن أبي طالب قال معاوية اسمعوا يا أهل الشام ما يقول أخاكم العراقي فابتدروه أيهم ينزله عليه و يكرمه فلما تصدع الناس عنه قال له كيف قلت فأعاد عليه فقال له ويحك يا جاهل كيف يكون ألأم العرب و أبوه أبو طالب و جده عبد المطلب و امرأته فاطمة بنت رسول الله ص و أنى يكون أبخل العرب فو الله لو كان له بيتان بيت تبن و بيت تبر لأنفد تبره قبل تبنه و أنى يكون أجبن العرب فو الله ما التقت فئتان قط إلا كان فارسهم غير مدافع و أنى يكون أعيا العرب فو الله ما سن البلاغة لقريش غيره و لما قامت أم محفن عنه ألأم و أبخل و أجبن و أعيا لبظر أمه فو الله لو لا ما تعلم لضربت الذي فيه عيناك فإياك عليك لعنة الله و العود إلى مثل هذا قال و الله أنت أظلم مني فعلى أي شي‏ء قاتلته و هذا محله قال على خاتمي هذا حتى يجوز به أمري قال فحسبك ذلك عوضا من سخط الله و أليم عذابه قال لا يا ابن محفن و لكني أعرف من الله ما جهلت حيث يقول وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ

528-  و حدث الزبير عن رجاله قال قدم ابن عباس على معاوية و كان يلبس أدنى ثيابه و يخفض من شأنه لمعرفته أن معاوية كان يكره إظهاره لشأنه و جاء الخبر إلى معاوية بموت الحسن بن علي ع فسجد شكرا لله تعالى و بان السرور في وجهه في حديث طويل ذكره الزبير ذكرت منه موضع الحاجة إليه و أذن للناس و أذن لابن عباس بعدهم فدخل فاستدناه و كان قد عرف بسجدته فقال له أ تدري ما حدث بأهلك قال لا قال فإن أبا محمد رحمه الله توفي فعظم الله أجرك فقال إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ عند الله نحتسب المصيبة برسول الله ص و عند الله نحتسب مصيبتنا بالحسن رحمه الله إنه قد بلغتني سجدتك فلا أظن ذلك إلا لوفاته و الله لا يسد جسده حفرتك و لا يزيد انقضاء أجله في عمرك و لطال ما رزينا بأعظم من الحسن ثم جبر الله قال معاوية كم كان أتى له قال شأنه أعظم من أن يجهل مولده قال أحسبه ترك صبية صغارا قال كلنا كان صغيرا فكبر ثم قال أصبحت سيد أهلك قال أما ما أبقى الله أبا عبد الله الحسين بن علي فلا ثم قام و عينه تدمع فقال معاوية لله دره لا و الله ما هيجنا قط إلا وجدناه سيدا و دخل ابن عباس على معاوية بعد انقضاء العزاء فقال يا أبا العباس أ ما تدري ما حدث في أهلك قال لا قال هلك أسامة بن زيد فعظم الله أجرك قال إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ رحم الله أسامة و خرج و أتاه بعد أيام و قد عزم على محاقته فصلى في الجامع يوم الجمعة و اجتمع الناس عليه يسألونه عن الحلال و الحرام و الفقه و التفسير و أحوال الإسلام و الجاهلية و افتقد معاوية الناس فقيل إنهم مشغولون بابن عباس و لو شاء أن يضربوا معه بمائة ألف سيف قبل الليل لفعل فقال نحن أظلم منه حبسناه عن أهله و منعناه حاجته و نعينا إليه أحبته انطلقوا فادعوه فأتاه الحاجب فدعاه فقال إنا بنو عبد مناف إذا حضرت الصلاة لم نقم حتى نصلي أصلي إن شاء الله و آتيه فرجع و صلى ابن عباس العصر و أتاه فقال حاجتك فما سأله حاجة إلا قضاها و قال أقسمت عليك لما دخلت بيت المال فأخذت حاجتك و إنما أراد أن يعرف أهل الشام ميل ابن عباس إلى الدنيا فعرف ما يريده فقال إن ذلك ليس لي و لا لك فإن أذنت أن أعطي كل ذي حق حقه فعلت قال أقسمت عليك إلا دخلت فأخذت حاجتك فدخل فأخذ برنس خز أحمر يقال أنه كان لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع ثم خرج فقال يا أمير المؤمنين بقيت لي حاجة قال ما هي قال علي بن أبي طالب قد عرفت فضله و سابقته و قرابته و قد كفاكه الموت أحب أن لا يشتم على منابركم قال هيهات يا ابن عباس هذا أمر دين أ ليس أ ليس و فعل و فعل فعدد ما بينه و بين علي ع فقال ابن عباس أولى لك يا معاوية و الموعد القيامة و لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَ سَوْفَ تَعْلَمُونَ و توجه إلى المدينة

529-  و حدث الزبير عن رجاله عن ابن عباس أن معاوية أقبل عليه و على بني هاشم فقال إنكم تريدون أن تستحقوا الخلافة كما استحققتم النبوة و لا يجتمعان لأحد حجتكم في الخلافة شبهة على الناس تقولون نحن أهل بيت النبي ص فما بال خلافة النبي في غيرنا و هذه شبهة لأنها تشبه الحق فأما الخلافة فتنقلب في أحياء قريش برضى العامة و شورى الخاصة فلم يقل الناس ليت بني هاشم ولونا و لو أن بني هاشم ولونا لكان خيرا لنا في دنيانا و آخرتنا فلا هم حيث اجتمعوا على غيركم تمنوكم و لو زهدتم فيها أمس لم تقاتلوا عليها اليوم و أما ما زعمتم أن لكم ملكا هاشميا و مهديا قائما فالمهدي عيسى ابن مريم ع و هذا الأمر في أيدينا حتى نسلمه إليه و لعمري لئن ملكتموها ما رائحة عاد و صاعقة ثمود بأهلك للقوم منكم ثم سكت فقال له عبد الله بن عباس رضي الله عنه أما قولك إنا نستحق الخلافة بالنبوة فإذا لم نستحقها بها فبم نستحقها و أما قولك إن الخلافة و النبوة لا تجتمعان لأحد فأين قول الله تعالى فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً فالكتاب النبوة و الحكمة السنة و الملك الخلافة و نحن آل إبراهيم أمر الله فينا و فيهم واحد و السنة لنا و لهم جارية و أما قولك إن حجتنا مشتبهة فو الله لهي أضوأ من الشمس و أنور من نور القمر و إنك لتعلم ذلك و لكن ثنى عطفك و صعرك قتلنا أخاك و جدك و أخاه و خالك فلا تبك على أعظم حائلة و أرواح أهل النار و لا تغضبن لدماء أحلها الشرك و وضعها فأما ترك الناس أن يجتمعوا علينا فما حرموا منا أعظم مما حرمنا منهم و أما قولك إنا زعمنا أن لنا ملكا مهديا فالزعم في كتاب الله شرك قال تعالى زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا و كل يشهد أن لنا ملكا و لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لبعث الله لأمره منا من يملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت ظلما و جورا لا تملكون يوما واحدا إلا ملكنا يومين و لا شهرا إلا ملكنا شهرين و لا حولا إلا ملكنا حولين و أما قولك إن المهدي عيسى ابن مريم فإنما ينزل عيسى على الدجال فإذا رآه يذوب كما تذوب الشحمة و الإمام منا رجل يصلي خلفه عيسى ابن مريم و لو شئت سميته و أما ريح عاد و صاعقة ثمود فإنهما كانا عذابا و ملكنا و الحمد لله رحمة

530-  و حدث الزبير قال حج معاوية فجلس إلى ابن عباس فأعرض عنه ابن عباس فقال لم تعرض عني فو الله إنك لتعلم أني أحق بالخلافة من ابن عمك قال ابن عباس لم ذاك لأنه كان مسلما و كنت كافرا قال لا و لكن ابن عمي عثمان قتل مظلوما قال ابن عباس و عمر قتل مظلوما قال إن عمر قتله كافر و إن عثمان قتله المسلمون قال ابن عباس ذاك أدحض لحجتك فأسكت معاوية

531-  و من كتاب معالم العترة، للجنابذي عن ذكوان مولى معاوية قال قال معاوية لا أعلمن أحدا سمى هذين الغلامين ابني رسول الله إلا فعلت و فعلت و لكن قولوا ابني علي قال ذكوان فلما كان بعد ذلك أمرني أن أكتب بنيه في الشرف قال فكتبت بنيه و بني بنيه و تركت بني بناته ثم أتيته بالكتاب فنظر فيه فقال ويحك لقد أغفلت كبر بني فقلت من قال أما بنو فلانة لابنته بني أما بنو فلانة بني لابنته قال قلت الله أ يكون بنو بناتك بنيك و لا يكون بنو فاطمة بني رسول الله ص قال ما لك قاتلك الله لا يسمعن هذا أحد منك

 توضيح قال ابن الأثير في النهاية البظر بفتح الباء الهنة التي تقطعها الخافضة من فرج المرأة عند الختان و إنما ذكرها هنا للاستخفاف به و بنسبه و اللام للتعليل و ما قامت عنه أنه كناية عنه نفسه أ ليس أ ليس أي عدد ما صدر عنه ع بالنسبة إليه فقال أ ليس فعل كذا و أ ليس فعل كذا و كذا قوله و فعل و فعل و قال الجوهري أولى لك تهديد و وعيد و قال الأصمعي أي قاربه ما يهلكه أي نزل به و قال عطفا الرجل جانباه و ثنى فلان عني عطفه إذا أعرض عنك و قال الصعر الميل في الخد خاصة و قد صعر خده و صاعر أي أماله من الكبر و منه قوله تعالى وَ لا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ. قوله على أعظم حائلة أي متغيرة بالية و وضعها أي جعلها وضيعة غير محترمة و في الصحاح كبر الشي‏ء معظمه و قولهم هو كبر قومه بالضم أي هو أقعدهم في النسب

531-  بشا، ]بشارة المصطفى[ محمد بن أحمد بن شهريار عن محمد بن الحسن الخزاعي عن علي بن محمد بن بنان عن الحسن بن محمد السكوني عن أحمد بن محمد بن مسروق عن محمد بن دينار الضبي عن عبد الله بن ضحاك عن هشام بن محمد عن أبيه قال اجتمع الطرماح و هشام المرادي و محمد بن عبد الله الحميري عند معاوية بن أبي سفيان فأخرج بدرة فوضعها بين يديه ثم قال يا معشر شعراء العرب قولوا قولكم في علي بن أبي طالب و لا تقولوا إلا الحق و أنا نفي من صخر بن حرب إن أعطيت هذه البدرة إلا من قال الحق في علي فقام الطرماح فتكلم و قال في علي و وقع فيه فقال معاوية اجلس فقد عرف الله نيتك و رأى مكانك ثم قام هشام المرادي فقال أيضا و وقع فيه فقال معاوية اجلس مع صاحبك فقد عرف الله مكانكما فقال عمرو بن العاص لمحمد بن عبد الله الحميري و كان خاصا به تكلم و لا تقل إلا الحق ثم قال يا معاوية قد آليت ألا تعطي هذه البدرة إلا قائل الحق في علي قال نعم أنا نفي من صخر بن حرب إن أعطيتها منهم إلا من قال الحق في علي فقام محمد بن عبد الله فتكلم ثم قال

بحق محمد قولوا بحق فإن الإفك من شيم اللئام‏أ بعد محمد بأبي و أمي رسول الله ذي الشرف التمام‏أ ليس علي أفضل خلق ربي و أشرف عند تحصيل الأنام‏ولايته هي الإيمان حقا فذرني من أباطيل الكلام‏و طاعة ربنا فيها و فيها شفاء للقلوب من السقام‏علي إمامنا بأبي و أمي أبو الحسن المطهر من حرام‏إمام هدى أتاه الله علما به عرف الحلال من الحرام‏و لو أني قتلت النفس حبا له ما كان فيها من أثام‏يحل النار قوم يبغضوه و إن صاموا و صلوا ألف عام

 فلا و الله ما تزكو صلاة بغير ولاية العدل الإمام‏أمير المؤمنين بك اعتمادي و بالغرر الميامين اعتصامي‏برئت من الذي عادى عليا و حاربه من أولاد الحرام‏تناسوا نصبه في يوم خم من البارئ و من خير الأنام‏برغم الأنف من يشنأ كلامي على فضله كالبحر طام‏و أبرأ من أناس أخروه و كان هو المقدم بالمقام‏علي هزم الأبطال لما رأوا في كفه ماح الحسام‏على آل النبي صلاة ربي صلاة بالكمال و بالتمام

فقال معاوية أنت أصدقهم قولا فخذ هذه البدرة

 بيان قال في القاموس ابن نفي كغني نفاه أبوه و قال طمى الماء علا و طمى البحر امتلأ

532-  يف، ]الطرائف[ ذكر ابن عبد ربه في كتاب العقد في قصة دارمية الحجونية أن معاوية قال لها أ تدرين لم بعثت إليك قالت لا يعلم الغيب إلا الله قال بعثت إليك لأسألك على م أحببت عليا و أبغضتيني و واليته و عاديتيني قالت له أ تعفيني قال لا أعفيك قالت أما إذا أبيت فإني أحببت عليا على عدله في الرعية و قسمته بالسوية و أبغضك على قتالك من هو أولى منك بالأمر و طلبك ما ليس لك بحق و واليت عليا على ما عقد له رسول الله ص من الولاية و على حبه للمساكين و إعظامه لأهل الدين و عاديتك على سفك الدماء و جورك في القضاء و حكمك بالهوى

533-  و من الكتاب المذكور في وفود أروى بنت الحارث بن عبد المطلب على معاوية أنه قال لها كيف كنت بعدنا فقالت بخير يا أمير المؤمنين لقد كفرت النعمة و أسأت لابن عمك الصحبة و تسميت بغير اسمك و أخذت غير حقك من غير دين كان منك و لا من آبائك و لا سابقة لك في الإسلام بعد أن كفرتم برسول الله ص فأتعس الله منكم الجدود و أصعر منكم الخدود و رد الحق إلى أهله وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ و كانت كلمتنا هي العليا و نبينا هو المنصور فوليتم علينا بعد فأصبحتم تحتجون على سائر الناس بقرابتكم من رسول الله ص و نحن أقرب إليه منكم و أولى بهذا منكم و كنا فيكم بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون و كان علي بعد نبينا محمد ص بمنزلة هارون من موسى فغايتنا الجنة و غايتكم النار

 بيان أتعسه أهلكه و الجدود جمع الجد و هو البخت

534-  أقول وجدت في كتاب سليم بن قيس الهلالي عن أبان بن أبي عياش عنه أنه قال دعا معاوية قراء أهل الشام و قضاتهم فأعطاهم الأموال و بثهم في نواحي الشام و مدائنها يروون الروايات الكاذبة و يضعون لهم الأصول الباطلة و يخبرونهم بأن عليا قتل عثمان و يتبرأ من أبي بكر و عمر و أن معاوية يطلب بدم عثمان و معه أبان بن عثمان و ولد عثمان حتى استمالوا أهل الشام و اجتمعت كلمتهم و لم يزل معاوية على ذلك عشرين سنة ذلك عمله في جميع أعماله حتى قدم عليه طغاة أهل الشام و أعوان الباطل المنتزلون له بالطعام و الشراب يعطيهم الأموال و يقطعهم القطائع حتى نشأ عليه الصغير و هرم عليه الكبير و هاجر عليه الأعرابي و ترك أهل الشام لعن الشيطان و قالوا لعن علي و قاتل عثمان فاستقر على ذلك جهلة الأمة و اتباع أئمة الضلالة و الدعاة إلى النار ف حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى و لكن الله يَفْعَلُ ما يَشاءُ

 أبان عن سليم قال كان لزياد ابن سمية كاتب يتشيع و كان لي صديقا فأقرأني كتابا كتبه معاوية إلى زياد جواب كتابه إليه أما بعد فإنك كتبت إلي تسألني عن العرب من أكرم منهم و من أهين و من أقرب و من أبعد و من آمن منهم و من أحذر و في رواية أخرى و من أومن منهم و من أخيف و أنا يا أخي أعلم الناس بالعرب انظر إلى هذا الحي من اليمن فأكرمهم في العلانية و أهنهم في السر فإني كذلك أصنع بهم أكرمهم في مجالسهم و أهينهم في الخلاء إنهم أسوأ الناس عندي حالا و يكون فضلك و عطاؤك لغيرهم سرا منهم و انظر إلى ربيعة بن نزار فأكرم أمراءهم و أهن عامتهم فإن عامتهم تبع لأشرافهم و ساداتهم و انظر إلى مضر فاضرب بعضها ببعض فإن فيهم غلظة و كبرا و نخوة شديدة فإنك إذا فعلت ذلك و ضربت بعضهم ببعض كفاك بعضهم بعضا و لا ترض بالقول منهم دون الفعل و لا بالظن دون اليقين و انظر إلى الموالي و من أسلم من الأعاجم فخذهم بسنة عمر بن الخطاب فإن في ذلك خزيهم و ذلهم أن ينكح العرب فيهم و لا ينكحونهم و أن يرثوهم العرب و لا يرثوا العرب و أن تقصر بهم في عطائهم و أرزاقهم و أن يقدموا في المغازي يصلحون الطريق و يقطعون الشجر و لا يؤم أحد منهم العرب في صلاة و لا يتقدم أحد منهم في الصف الأول إذا أحضرت العرب إلا أن يتم الصف و لا تول أحدا منهم ثغرا من ثغور المسلمين و لا مصرا من أمصارهم و لا يلي أحد منهم قضاء المسلمين و لا أحكامهم فإن هذه سنة عمر فيهم و سيرته جزاه عن أمة محمد و عن بني أمية خاصة أفضل الجزاء فلعمري لو لا ما صنع هو و صاحبه و قوتهما و صلابتهما في دين الله لكنا و جميع هذه الأمة لبني هاشم الموالي و لتوارثوا الخلافة واحدا بعد واحد كما يتوارث أهل كسرى و قيصر و لكن الله جل و عز أخرجها من بني هاشم و صيرها إلى بني تيم بن مرة ثم خرجت إلى عدي بن كعب و ليس في قريش حيان أذل منهما و لا أنذل فأطمعنا فيها و كنا أحق بها منهما و من عقبهما لأن فينا الثروة و العز و نحن أقرب إلى رسول الله ص في الرحم منهما ثم نالها صاحبنا عثمان بشورى و رضا من العامة بعد شورى ثلاثة أيام من الستة و نالها من نالها قبله بغير شورى

 فلما قتل صاحبنا عثمان مظلوما نلناها به لأن مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جعل الله لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً و لعمري يا أخي لو كان عمر سن دية العبد نصف دية المولى لكان أقرب إلى التقوى و لو وجدت السبيل إلى ذلك و رجوت أن تقبله العامة لفعلت و لكني قريب عهد بحرب فأتخوف فرقة الناس و اختلافهم علي و بحسبك ما سنه عمر فيهم و هو خزي لهم و ذل و في رواية أخرى يا أخي لو أن عمر سن دية الموالي على النصف من دية العربي فذلك أقرب للتقوى لما كان للعرب فضل على العجم فإذا جاءك كتابي هذا فأذل العجم و أهنهم و أقصهم و لا تستعن بأحد منهم و لا تقض لهم حاجة فو الله إنك لابن أبي سفيان خرجت من صلبه و قد كنت حدثتني و أنت يا أخي عندي صدوق إنك قرأت كتاب عمر إلى الأشعري بالبصرة و كنت يومئذ كاتبه و هو عامل بالبصرة و أنت أنذل الناس عنده و أنت يومئذ ذليل النفس تحسب أنك مولى لثقيف و لو كنت تعلم يومئذ يقينا كيقينك اليوم أنك ابن أبي سفيان لأعظمت نفسك و أنفت أن تكون كاتبا لدعي الأشعريين و أنت تعلم و نحن نعلم يقينا أن أبا سفيان كان يحذو حذو أمية بن عبد شمس و حدثني ابن أبي المعيط أنك أخبرته أنك قرأت كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري و بعث إليه بحبل طوله خمسة أشبار و قال له أعرض من قبلك من أهل البصرة فمن وجدت من الموالي و من أسلم من الأعاجم قد بلغ خمسة أشبار فقدمه فاضرب عنقه فشاورك أبو موسى في ذلك فنهيته و أمرته أن يراجع فراجعه و ذهبت أنت بالكتاب إلى عمر و إنما صنعت ما صنعت تعصبا للموالي و أنت يومئذ تحسب أنك ابن عبد ثقيف فلم تزل تلتمس حتى رددته عن رأيه و خوفته فرقة الناس فرجع و قلت له يومئذ و قد عاديت أهل هذا البيت أخاف أن يثوروا إلى علي فينهض بهم فيزيل ملكك فكف عن ذلك و ما أعلم يا أخي ولد مولود من أبي سفيان أعظم شؤما عليهم منك حين رددت عمر عن رأيه و نهيته عنه و خبرني أن الذي صرفت به عن رأيه في قتلهم أنك قلت إنك سمعت علي بن أبي طالب ع يقول لتضربنكم الأعاجم على هذا الدين عودا كما ضربتموهم عليه بدءا و قال ليملأن الله أيديكم من الأعاجم و ليصيرن أسدا لا يفرون فليضربن أعناقكم و ليغلبنكم على فيئكم فقال لك و قد سمع ذلك من علي يرويه عن رسول الله ص فذلك الذي دعاني إلى الكتاب إلى صاحبك في قتلهم و قد كنت عزمت على أن أكتب إلى عمالي في سائر الأمصار فقلت لعمر لا تفعل يا أمير المؤمنين فإني لست آمن أن يدعوهم علي ع إلى نصرته و هم كثير و قد علمت شجاعة علي و أهل بيته و عداوته لك و لصاحبك فرددته عن ذلك فأخبرتني أنك لم ترده عن ذلك إلا عصبية و إنك لم ترجع عن رأيه جبنا و حدثتني أنك ذكرت ذلك لعلي في إمارة عثمان فأخبرك أن أصحاب الرايات السود و في رواية أخرى و خبرتني أنك سمعت عليا في إمارة عثمان يقول إن أصحاب الرايات السود التي تقبل من خراسان هم الأعاجم و أنهم الذين يغلبون بني أمية على ملكهم و يقتلونهم تحت كل كوكب فلو كنت يا أخي لم ترد عمر عن ذلك لجرت سنة و لاستأصلهم الله و قطع أصلهم و إذا لانتست به الخلفاء بعده حتى لا يبقى منهم شعر و لا ظفر و لا نافخ نار فإنهم آفة الدين فما أكثر ما قد سن عمر في هذه الأمة بخلاف سنة رسول الله ص فتابعه الناس عليها و أخذوا بها فتكون هذه مثل واحدة منهن فمنهن تحويله المقام عن الموضع الذي وضعه فيه رسول الله ص

 و صاع رسول الله ص و مده و حين غيره و زاد فيه و نهيه الجنب عن التيمم و أشياء كثيرة شتى أكثر من ألف باب أعظمها و أحبها إلينا و أقرها لأعيننا زيله الخلافة عن بني هاشم و عن أهلها و معدنها لأنها لا تصلح إلا لهم و لا تصلح الأرض إلا بهم فإذا قرأت كتابي هذا فاكتم ما فيه و مزقه قال فلما قرأ زياد الكتاب ضرب به الأرض ثم أقبل إلي فقال ويلي مما خرجت و فيما دخلت كنت من شيعة آل محمد فدخلت في شيعة آل الشيطان و حزبه و في شيعته من يكتب مثل هذا الكتاب إنما و الله مثلي كمثل إبليس أبى أن يسجد لآدم كبرا و كفرا و حسدا قال سليم فلم أمس حتى نسخت كتابه فلما كان الليل دعا بالكتاب فمزقه و قال لا يطلعن أحد من الناس على ما في هذا الكتاب و لم يعلم أني نسخته

 و وجدت أيضا في الكتاب المذكور برواية أبان عن سليم أنه قال حدثني عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال كنت عند معاوية و معنا الحسن و الحسين صلوات الله عليهما و عنده عبد الله بن عباس فالتفت إلي معاوية فقال يا عبد الله ما أشد تعظيمك للحسن و الحسين و ما هما بخير منك و لا أبوهما خير من أبيك و لو لا أن فاطمة بنت رسول الله ص لقلت ما أمك أسماء بنت عميس بدونها فقلت و الله إنك لقليل العلم بهما و بأبيهما و أمهما بل و الله لهما خير مني و أبوهما خير من أبي و أمهما خير من أمي يا معاوية إنك لغافل عما سمعته أنا من رسول الله ص يقول فيهما و في أبيهما و أمهما مما قد حفظته و وعيته و رويته قال هات يا ابن جعفر فو الله ما أنت بكذاب و لا متهم فقلت إنه أعظم مما في نفسك قال و إن كان أعظم من أحد و حراء جميعا فلست أبالي إذا قتل الله صاحبك و فرق جمعكم و صار الأمر في أهله فحدثنا فما نبالي ما قلتم و لا يضرنا ما عددتم قلت سمعت رسول الله ص و سئل عن هذه الآية وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ فقال إني رأيت اثني عشر رجلا من أئمة الضلال يصعدون منبري و ينزلون يردون أمتي على أدبارهم القهقرى فيهم رجلين من حيين من قريش مختلفين و ثلاثة من بني أمية و سبعة من ولد الحكم بن أبي العاص و سمعته يقول إن بني أبي العاص إذا بلغوا خمسة عشر رجلا جعلوا كتاب الله دخلا و عباد الله خولا يا معاوية إني سمعت رسول الله ص يقول على المنبر و أنا بين يديه و عمرو بن أبي سلمة و أسامة بن زيد و سعد بن أبي وقاص و سلمان الفارسي و أبو ذر الغفاري و المقداد و الزبير بن العوام و هو يقول أ لست أولى بالمؤمنين من أنفسهم فقلنا بلى يا رسول الله قال من كنت مولاه فهذا مولاه أولى به من نفسه و ضرب بيده على منكب علي ع اللهم وال من والاه و عاد من عاداه أيها الناس أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معي أمر و علي من بعدي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معه أمر ثم ابني الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معه أمر ثم أعاد فقال يا أيها الناس إذا أنا استشهدت فعلي أولى بكم من أنفسكم فإذا استشهد علي فابني الحسن أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم و إذا استشهد الحسن فابني الحسين أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم فإذا استشهد الحسين فابني علي بن الحسين أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم ليس لهم معه أمر ثم أقبل إلى علي فقال يا علي إنك ستدركه فأقرئه مني السلام فإذا استشهد فابني محمد أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم و ستدركه أنت يا حسين فأقرئه مني السلام ثم يكون في عقب محمد رجال واحد بعد واحد و ليس منهم أحد إلا و هو أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم ليس لهم معه أمر كلهم هادون

 مهتدون فقام علي بن أبي طالب ع و هو يبكي فقال بأبي أنت و أمي يا رسول الله أ تقتل قال نعم أهلك شهيدا بالسم و تقتل أنت بالسيف و تخضب لحيتك من دم رأسك و يقتل ابني الحسن بالسم و يقتل ابني الحسين بالسيف يقتله طاغ بن طاغ دعي ابن دعي فقال معاوية يا ابن جعفر لقد تكلمت بعظيم و لئن كان ما تقول حقا لقد هلكت أمة محمد من المهاجرين و الأنصار غيركم أهل البيت و أوليائكم و أنصاركم فقلت و الله إن الذي قلت بحق سمعته من رسول الله ص قال معاوية يا حسن و يا حسين و يا ابن عباس ما يقول ابن جعفر فقال ابن عباس إن كنت لا تؤمن بالذي قال فأرسل إلى الذين سماهم فاسألهم عن ذلك فأرسل معاوية إلى عمرو بن أبي سلمة و إلى أسامة بن زيد فسألهما فشهدا أن الذي قال ابن جعفر قد سمعناه من رسول الله ص كما سمعه فقال معاوية يا ابن جعفر قد سمعنا في الحسن و الحسين و أبيهما فما سمعت في أمهما و معاوية كالمستهزئ و المنكر فقلت سمعت رسول الله ص يقول ليس في جنة عدن منزل أشرف و لا أفضل و لا أقرب إلى عرش ربي من منزلي و معي ثلاثة عشر من أهل بيتي أولهم أخي علي و ابنتي فاطمة و ابناي الحسن و الحسين و تسعة من ولد الحسين الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا هداة مهتدون أنا المبلغ عن الله و هم المبلغون عني و هم حجج الله على خلقه و شهداؤه في أرضه و خزانه على علمه و معادن حكمه من أطاعهم أطاع الله و من عصاهم فقد عصى الله لا تبقى الأرض طرفة عين إلا ببقائهم و لا تصلح إلا بهم يخبرون الأمة بأمر دينهم حلالهم و حرامهم يدلونهم على رضى ربهم و ينهونهم عن سخطه بأمر واحد و نهي واحد ليس فيهم اختلاف و لا فرقة و لا تنازع يأخذ آخرهم عن أولهم إملائي و خط أخي علي بيده يتوارثونه إلى يوم القيامة أهل الأرض كلهم في غمرة و غفلة و تيهة و حيرة غيرهم و غير شيعتهم و أوليائهم لا يحتاجون إلى أحد من الأمة في شي‏ء من أمر دينهم و الأمة تحتاج إليهم هم الذين عنى الله في كتابه و قرن طاعتهم بطاعته و طاعة رسول الله ص فقال أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فأقبل معاوية على الحسن و الحسين و ابن عباس و الفضل بن عباس و عمرو بن أبي سلمة و أسامة بن زيد فقال كلكم على ما قال ابن جعفر قالوا نعم قال يا بني عبد المطلب إنكم لتدعون أمرا عظيما و تحتجون بحجج قوية إن كانت حقا و إنكم لتضمرون على أمر تسرونه و الناس عنه في غفلة عمياء و إن كان ما تقولون حقا لقد هلكت الأمة و ارتدت عن دينها و تركت عهد نبيها ص غيركم أهل البيت و من قال بقولكم فأولئك في الناس قليل فقلت يا معاوية إن الله تبارك و تعالى يقول وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ و يقول وَ ما أَكْثَرُ النَّاسِ وَ لَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ و يقول إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ قَلِيلٌ ما هُمْ و يقول لنوح وَ ما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ يا معاوية المؤمنون في الناس قليل فقال ابن عباس يا معاوية إن الله تبارك و تعالى يقول في كتابه وَ قَلِيلٌ ما هُمْ و يقول لنوح وَ ما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ و يقول وَ ما أَكْثَرُ النَّاسِ وَ لَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ يا معاوية المؤمنون في الناس قليل و إن أمر بني إسرائيل أعجب حيث قالت السحرة لفرعون فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا فآمنوا بموسى و صدقوه و تابعوه فسار بهم و بمن تبعه من بني إسرائيل فأقطعهم البحر و أراهم الأعاجيب و هم مصدقون به و بالتوراة مقرون له بدينه فمر بهم على قوم يعبدون أصناما لهم ف قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ ثم اتخذوا العجل فعكفوا عليه جميعا غير هارون و أهل بيته و قال لهم السامري هذا إِلهُكُمْ وَ إِلهُ مُوسى و قال لهم بعد ذلك ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ

فكان من جوابهم ما قص الله في كتابه إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَ إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ قال موسى رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَ أَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ فاحتذت هذه الأمة ذلك المثال سواء و قد كانت لهم فضائل و سوابق مع رسول الله ص و منازل بينه قريبة منه مقرين بدين محمد و القرآن حتى فارقهم نبيهم ص فاختلفوا و تفرقوا و تحاسدوا و خالفوا إمامهم و وليهم حتى لم يبق منهم على ما عاهدوا عليه نبيهم غير صاحبنا الذي هو من نبينا بمنزلة هارون من موسى و نفر قليل اتقوا الله عز و جل على دينهم و إيمانهم و رجع الآخرون القهقرى على أدبارهم كما فعل أصحاب موسى ع باتخاذهم العجل و عبادتهم إياه و زعمهم أنه ربهم و إجماعهم عليه غير هارون و ولده و نفر قليل من أهل بيته و نبينا ص قد نصب لأمته أفضل الناس و أولاهم و خيرهم ثم الأئمة واحدا بعد واحد بغدير خم و في غير موطن و احتج عليهم به و أمر بطاعتهم و أخبرهم أن أولهم علي بن أبي طالب منه بمنزلة هارون من موسى و أنه ولي كل مؤمن من بعده و أنه من كان هو وليه و من أولى به من نفسه فعلي أولى به و أنه خليفته فيهم و وصيه و أن من أطاعه أطاع الله و من عصاه عصى الله و من والاه والى الله و من عاداه عادى الله فأنكروه و جهلوه و تولوا غيره يا معاوية أ ما علمت أن رسول الله حين بعث إلى مؤتة أمر عليهم جعفر بن أبي طالب ع ثم قال إن هلك جعفر فزيد بن حارثة فإن هلك زيد فعبد الله بن رواحة و لم يرض لهم أن يختاروا لأنفسهم أ فكان يترك أمته و لا بين لهم خليفته فيهم بعده بلى و الله ما تركهم في عمى و لا شبهه بل ركب القوم ما ركبوا بعد نبيهم و كذبوا على رسول الله ص فهلكوا و هلك من شايعهم و ضل من تابعهم فبعدا للقوم الظالمين فقال معاوية يا ابن عباس إنك لتتفوه بعظيم و الاجتماع عندنا خير من

 الاختلاف و قد علمت أن الأمة لم تستقم على صاحبك فقال ابن عباس إني سمعت رسول الله ص يقول ما اختلفت أمة بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها و إن هذه الأمة اجتمعت على أمور كثيرة ليس بينها اختلاف و لا منازعة و لا فرقة شهادة لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله ص و الصلوات الخمس و صوم شهر رمضان و حج البيت و أشياء كثيرة من طاعة الله و نهي الله مثل تحريم الزنا و السرقة و قطع الأرحام و الكذب و الخيانة و اختلفت في شيئين أحدهما اقتتلت عليه و تفرقت فيه و صارت فرقا يلعن بعضها بعضا و يبرأ بعضها من بعض و الثاني لم تقتتل عليه و لم تتفرق فيه و وسع بعضهم فيه لبعض و هو كتاب الله و سنة نبيه ص و ما يحدث زعمت أنه ليس في كتاب الله و لا سنة نبيه ص و أما الذي اختلفت فيه و تفرقت و تبرأت بعضها من بعض فالملك و الخلافة زعمت أنها أحق بها من أهل بيت نبي الله ص فمن أخذ بما ليس بين أهل القبلة اختلاف و رد علم ما اختلفوا فيه إلى الله سلم و نجا من النار و لم يسأله الله عما أشكل عليه من الخصلتين اللتين اختلف فيهما و من وفقه الله و من عليه و نور قلبه و عرفه ولاة الأمر و معدن العلم أين هو فعرف ذلك كان سعيدا و لله وليا و كان نبي الله ص يقول رحم الله عبدا قال حقا فغنم أو سكت فلم يتكلم فالأئمة من أهل بيت النبوة و معدن الرسالة و منزل الكتاب و مهبط الوحي و مختلف الملائكة لا تصلح إلا فيها لأن الله خصها بها و جعلها أهلها في كتابه و على لسان نبيه ص فالعلم فيهم و هم أهله و هو عندهم كله بحذافيره باطنه و ظاهره و محكمه و متشابهه و ناسخه و منسوخه يا معاوية إن عمر بن الخطاب أرسلني في إمرته إلى علي بن أبي طالب ع أني أريد أن أكتب القرآن في مصحف فابعث إلينا ما كتبت من القرآن فقال تضرب و الله عنقي قبل أن تصل إليه قلت و لم قال إن الله يقول لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ يعني لا يناله كله إلا المطهرون إيانا نحن عنى الذين أذهب الله عنا الرجس و طهرنا تطهيرا و قال أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فنحن الذين اصطفانا الله من عباده و نحن صفوة الله و لنا ضرب الأمثال و علينا نزل الوحي فغضب عمر و قال إن ابن أبي طالب يحسب أنه ليس عند أحد علم غيره فمن كان يقرأ من القرآن شيئا فليأتنا به فكان إذا جاء رجل بقرآن يقرؤه و معه آخر كتبه و إلا لم يكتبه فمن قال يا معاوية إنه ضاع من القرآن شي‏ء فقد كذب هو عند أهله مجموع ثم أمر عمر قضاته و ولاته فقال اجتهدوا آراءكم و اتبعوا ما ترون أنه الحق فلم يزل هو و بعض ولاته قد وقعوا في عظيمة فكان علي بن أبي طالب ع يخبرهم بما يحتج به عليهم و كان عماله و قضاته يحكمون في شي‏ء واحد بقضايا مختلفة فيجيزها لهم لأن الله لم يؤته الحكمة و فصل الخطاب و زعم كل صنف من أهل القبلة أنهم معدن العلم و الخلافة دونهم فبالله نستعين على من جحدهم حقهم و سن للناس ما يحتج به مثلك عليهم ثم قاموا فخرجوا

 بيان قوله ع و اختلف في شيئين كذا في أصل الكتاب و في كتاب الإحتجاج و اختلفوا في سنن اقتتلوا فيها و صاروا فرقا يلعن بعضها بعضا و هي الولاية. فأما على ما في الأصل فالشي‏ء الآخر إما القرآن كما ذكره بعد أو البراءة من خلفاء الجور و لعنهم و تركه للمصلحة و التقية. و قوله فمن أخذ المراد بهم المستضعفون فإنهم إذا أخذوا بالمجمع عليه من ولاية الأئمة و محبتهم و لم يتبرءوا من أعدائهم لاختلاف الأمة فيه و لم يقولوا بإمامة الأئمة لذلك و لم يكن لهم قوة في العلم و العقل يمكنهم معرفة ذلك كان يحتمل نجاتهم في الآخرة. و يؤيده أنه روي في الإحتجاج في سياق هذه الرواية من كلام الحسن ع و روي هذه الكلمات أيضا عنه ع أنه قال إنما الناس ثلاثة مؤمن يعرف حقنا و يسلم لنا و يأتم بنا فذلك ناج محب لله و لي. و ناصب لنا العداوة يتبرأ منا و يلعننا و يستحل دماءنا و يجحد حقنا و يدين الله بالبراءة منا فهذا كافر مشرك فاسق و إنما كفر و أشرك من حيث لا يعلم كما سبوا الله بغير علم كذلك كثيرا يشرك بالله بغير علم. و رجل أخذ بما لم يختلف فيه و رد علم ما أشكل عليه إلى الله مع ولايتنا و لا يأتم بنا و لا يعادينا و يعرف حقنا فنحن نرجو أن يغفر الله له و يدخله الجنة فهذا مسلم ضعيف انتهى. و قد أوردت الخبر برواية الإحتجاج في موضع آخر يناسبه و إنما كررنا للاختلاف

535-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ جماعة عن أبي المفضل عن أحمد بن عبد العزيز عن علي بن محمد بن سليمان عن أبيه عن ربعي بن عبد الله بن الجارود عن أبيه قال قال معاوية لخالد بن معمر على ما أحببت عليا قال على ثلاث خصال على حلمه إذا غضب و على صدقه إذا قال و على عدله إذا ولي

536-  كا، ]الكافي[ يب، ]تهذيب الأحكام[ حبيب بن الحسن عن محمد بن عبد الحميد عن بشار عن زيد الشحام عن أبي عبد الله ع قال أخذ نباش في زمن معاوية فقال لأصحابه ما ترون فقالوا نعاقبه فنخلي سبيله فقال رجل من القوم ما هكذا فعل علي بن أبي طالب ع قال فما فعل قال فقال يقطع النباش و قال هو سارق و هتاك الموتى

537-  كتاب الغارات، لإبراهيم بن محمد الثقفي رفعه قال إن النجاشي الشاعر شرب الخمر في شهر رمضان فحده أمير المؤمنين أقامه في سراويل فضربه ثمانين ثم زاده عشرين سوطا و قال هذا لجرأتك على ربك و إفطارك في شهر رمضان فغضب و لحق بمعاوية فدخل طارق بن عبد الله على أمير المؤمنين ع فقال يا أمير المؤمنين ما كنا نرى أن أهل المعصية و الطاعة و أهل الفرقة و الجماعة عند ولاة العدل و معادن الفضل سيان في الجزاء حتى رأيت ما كان من صنيعك بأخي الحارث فأوغرت صدورنا و شتت أمورنا و حملتنا على الجادة التي كنا نرى أن سبيل من ركبها النار فقال علي ع وَ إِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ يا أخا بني نهد فهل هو إلا رجل من المسلمين انتهك حرمة من حرم الله فأقمنا عليه حدا كان كفارته أن الله تعالى يقول في كتابه وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى فخرج طارق و لقيه الأشتر فقال له أنت القائل لأمير المؤمنين أوغرت صدورنا و شتت أمورنا قال طارق أنا قائلها قال الأشتر و الله ما ذلك كما قلت و إن صدورنا له لسامعة و إن أمورنا له لجامعة قال فغضب طارق و قال ستعلم يا أشتر أنه غير ما قلت فلما جنه الليل همس هو و النجاشي و ذهبا إلى معاوية فلما دخلا عليه نظر معاوية إلى طارق و قال مرحبا بالمورق غصنه و المعرق أصله المسود غير المسود من رجل كانت منه هفوة و نبوة باتباعه صاحب الفتنة و رأس الضلالة إلى آخر ما قال لعنه الله فقال طارق يا معاوية إن المحمود على كل حال رب علا فوق عباده فهم بمنظر و مسمع منه بعث فيهم رسولا منهم لم يكن يتلو من قبله كتابا و لا يخطه بيمينه إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ فعليه السلام من رسول كانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً أما بعد فإنا كنا نوضع في رجال من أصحاب النبي ص مرشدين منارا للهدى و معلما للدين سلفا لخلف مهتدين و خلفا لسلف مهتدين أهل دين لا دنيا و أهل الآخرة كل الخير فيهم أهل بيوتات و شرف ليسوا بناكثين و لا قاسطين فلم تك رغبة من رغب عنهم و عن صحبتهم إلا لمرارة الحق حيث جرعوها و لو عورته حيث سلكوها غلبت عليهم دنيا مؤثرة و هوى متبع و كان أمر الله قدرا مقدورا و قد فارق الإسلام قبلنا جبلة بن الأيهم فرارا من الضيم و أنفا من الذلة فلا تفخر يا معاوية أن قد شددنا إليك الرحال و أوضعنا نحوك الركاب فتعلم و تنكر ثم أجلسه معاوية على سريره و دعا له بمقطعات و برود يضعها عليه ثم أقبل عليه بوجهه يحدثه حتى قام فلما قام خرج طارق فأقبل عليه عمرو بن مرة و عمرو بن صيفي يلومانه في خطبته إياه و فيما عرض لمعاوية فقال طارق لهما و الله ما قمت حتى كان بطن الأرض أحب إلي من ظهرها عند إظهار ما أظهر من البغي و العيب و النقص لأصحاب محمد ص و لمن هو خير منه في العاجلة و الآجلة و لقد قمت مقاما عنده أوجب الله علي فيه أن لا أقول إلا حقا فبلغ عليا مقالة طارق فقال لو قتل أخو بني نهد لقتل شهيدا و زعم بعض الناس أن طارق بن عبد الله رجع إلى علي ع و معه النجاشي

538-  كنز الفوائد، للكراجكي عن محمد بن علي بن طالب البلدي عن أبي المفضل الشيباني عن منصور بن الحسن عن محمد بن زكريا بن دينار عن العباس بن بكار عن عبد الواحد بن أبي عمرو الأسدي عن محمد بن السائب عن أبي صالح مولى أم هانئ قال دخل ضرار بن ضمرة الكناني على معاوية بن أبي سفيان يوما فقال له يا ضرار صف لي عليا فقال أ و تعفيني من ذلك قال لا أعفوك قال أما إذ لا بد فإنه كان و الله بعيد المدى شديد القوى يقول فصلا و يحكم عدلا يتفجر العلم من جوانبه و تنطق الحكمة على لسانه يستوحش من الدنيا و زهرتها و يأنس بالليل و ظلمته كان و الله غزير الدمعة طويل الفكرة يقلب كفه و يخاطب نفسه يعجبه من اللباس ما قصر و من الطعام ما جشب كان و الله معنا كأحدنا يدنينا إذا أتيناه و يجيبنا إذا سألناه و كان مع دنوه لنا و قربه منا لا نكلمه هيبة له فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ النظيم يعظم أهل الدين و يحب المساكين لا يطمع القوي في باطله و لا ييأس الضعيف عن عدله أشهد بالله لرأيته في بعض مواقفه و قد أرخى الليل سدوله و غارت نجومه مماثلا في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم و يبكي بكاء الحزين و كأني أسمعه و هو يقول يا دنيا يا دنيا أ بي تعرضت أم إلي تشوقت هيهات هيهات غري غيري لا حان حينك قد أبتك ثلاثا عمرك قصير و خيرك حقير و خطرك غير كبير آه آه من قلة الزاد و بعد السفر و وحشة الطريق فوكفت دموع معاوية على لحيته و جعل يستقبلها بكمه و اختنق القوم جميعا بالبكاء و قال هكذا كان أبو الحسن يرحمه الله فكيف وجدك عليه يا ضرار فقال وجد أم واحد ذبح واحدها في حجرها فهي لا يرقى دمعها و لا يسكن حزنها فقال معاوية لكن هؤلاء لو فقدوني لما قالوا و لا وجدوا بي شيئا من هذا ثم التفت إلى أصحابه فقال بالله لو اجتمعتم بأسركم هل كنتم تؤدون عني ما أداه هذا الغلام عن صاحبه فيقال إنه قال له عمرو بن العاص الصحابة على قدر الصاحب

539-  و قال أيضا فيه روي أن معاوية بن أبي سفيان قال إني أحب أن ألقى رجلا قد أتت عليه سن و قد رأى الناس يخبرنا عما رأى فقيل له هذا رجل بحضرموت فأرسل إليه فأتاه فقال له ما اسمك فقال أمد قال ابن من قال ابن لبد قال ما أتى عليك من السنين قال ثلاثمائة و ستون سنة قال كذبت ثم تشاغل عنه معاوية ثم أقبل عليه بعد ذلك فقال له ما اسمك قال أمد قال ابن من قال ابن لبد قال ما أتى عليك من السنين قال ستون و ثلاثمائة قال أخبرنا عما رأيت من الأزمان الماضية إلى زماننا هذا من ذاك قال يا أمير المؤمنين و كيف تسأل من يكذب قال إني ما كذبتك و لكن أحببت أعلم كيف عقلك قال يوم شبيه يوم و ليلة شبيهة بليلة يموت ميت و يولد مولود و لو لا من يموت لم تسعهم الأرض و لو لا من يولد لم يبق أحد على وجه الأرض قال فأخبرني هل رأيت هاشما قال نعم رأيت رجلا طوالا حسن الوجه يقال إن بين عينيه بركة أو غرة بركة قال فهل رأيت أمية قال نعم رأيت رجلا قصيرا أعمى يقال إن في وجهه أشرا أو شوبا قال فهل رأيت محمدا قال من محمد قال رسول الله ص قال ويحك أ فلا فخمته كما فخمه الله فقلت رسول الله ص قال فأخبرني ما كانت صناعتك قال كنت رجلا تاجرا قال فما بلغت في تجارتك قال كنت لا أستر عيبا و لا أرد ربحا قال معاوية سلني قال أسألك أن تدخلني الجنة قال ليس ذلك بيدي و لا أقدر عليه قال فأسألك أن ترد علي شبابي قال ليس ذلك بيدي و لا أقدر عليه قال فلا أرى عندك شيئا من أمر الدنيا و لا أمر الآخرة فردني من حيث جئت قال أما هذا فنعم ثم أقبل معاوية على جلسائه فقال لقد أصبح هذا زاهدا فيما أنتم فيه راغبون

540-  و روي عن عبد الله بن موهب عن بعض أشياخه أن مسجد الرملة لما حفر أساسه في دهر معاوية بن أبي سفيان انتهى بهم الحفر إلى صخرة فقلعوها فإذا تحتها شاب دهين الرأس موفر الشعر قائم مستقبل القبلة فكلموه فلم يكلمهم فكتب بذلك إلى معاوية قال فخرجنا بالكتاب في خمسة فأتينا معاوية فأخبرناه بذلك و رفعنا إليه الكتاب فأمر أن ترد الصخرة على حاله كما كان

541-  و حدثهم غير واحد أنه لما أجرى معاوية بن أبي سفيان القناة التي في أحد أمر بقبور الشهداء فنبشت فضرب رجل بمعولة فأصاب إبهام حمزة رضوان الله عليه فبجس الدم من إبهامه فأخرج رطبا ينثني و أخرج عبد الله بن عمرو بن حزام و عمرو بن الجموح و كانا قتلا يوم أحد و هم رطاب ينثنون بعد أربعين سنة فدفنا في قبر واحد و كان عمرو بن الجموح أعرج فقال أبو سعيد الخدري إنه لشي‏ء لا آمر بعده بمعروف و لا أنهى عن منكر

542-  كتاب الغارات، لإبراهيم الثقفي قال بلغنا أن معاوية قال لهيثم بن الأسود و كان عثمانيا و كانت امرأته علوية الرأي تحب عليا و تكتب بأخبار معاوية في أعنة الخيل فتدفعها بعسكره ع في صفين فقال معاوية يا هيثم أهل العراق كانوا أنصح لعلي أم أهل الشام لي قال أهل العراق قبل أن يضربوا بالبلاء كانوا أنصح لصاحبهم من أهل الشام قال و لم ذلك قال لأن القوم ناصحوا عليا ع على الدين و ناصحك أهل الشام على الدنيا و أهل الدين أصبر و هم أهل بصيرة و نصر و أهل الدنيا أهل يأس و طمع ثم و الله ما لبث أهل العراق أن نبذوا الدين وراء ظهورهم و نظروا إلى الدنيا التي في يدك فما أصابها منهم إلا الذي لحق بك قال معاوية فما منع الأشعث بن قيس أن يطلب ما قبلنا قال أكرم نفسه أن يكون رأسا في العار و ذنبا في الطمع قال هل كانت امرأتك تكتب بالأخبار إلى علي ع في أعنة الخيل فتباع قال نعم

543-  و عن محارب بن ساعدة الأيادي قال كنت عند معاوية و عنده أهل الشام ليس فيهم غيرهم إذ قال يا أهل الشام قد عرفتم حبي لكم و سيرتي فيكم و قد بلغكم صنيع علي بالعراق و تسويته بين الشريف و بين من لا يعرف قدره فقال رجل منهم لا يهد الله ركنك و لا يعدمك ولدك و لا يرينا فقدك قال فما تقولون في أبي تراب فقال رجل منهم ما أراد و معاوية ساكت و عنده عمرو بن العاص و مروان بن الحكم فتذاكرا عليا ع بغير الحق فوثب رجل من آخر المجلس من أهل الكوفة دخل مع القوم فقال يا معاوية تسأل أقواما فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ و اختاروا الدنيا على الآخرة و الله لو سألتهم عن السنة ما أقاموها فكيف يعرفون عليا و فضله أقبل علي أخبرك ثم لا تقدر أن تنكر أنت و لا من عن يمينك يعني عمرا هو و الله الرفيع جاره الطويل عماده دمر الله به الفساد و بار به الشرك و وضع به الشيطان و أولياءه و ضعضع به الجور و أظهر به العدل و نطق زعيم الدين و أطاب المورد و أضحى الداجي و انتصر به المظلوم و هدم به بنيان النفاق و انتقم به من الظالمين و أعز به المسلمين كريح رحمة أثارت سحابا متفرقا بعضها إلى بعض حتى التحم و استحكم فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى ثم تجاوبت نواتقه و تلألأت بوارقه و استرعد خرير مائه فأسقى و أروى عطشانه و تداعت جنانه و استقلت به أركانه و استكثرت وابله و دام رزازه و تتابع مهطوله فرويت البلاد و اخضرت و أزهرت ذلك علي بن أبي طالب سيد العرب إمام الأمة و أفضلها و أعلمها و أجملها و أحكمها أوضح للناس سيرة الهدى بعد السعي في الردي و هو و الله إذا اشتبهت الأمور و هاب الجسور و احمرت الحدق و انبعث القلق و أبرقت البواتر استربط عند ذلك جأشه و عرف بأسه و لاذ به الجبان الهلوع فنفس كربته و حمي حمايته مستغن برأيه عن مشورة ذوي الألباب برأي صليب و حلم أريب مجيب للصواب مصيب فأسكت القوم جميعا و أمر معاوية بإخراجه فأخرج و هو يقول قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً و كان معاوية تعجبه الفصاحة و يصغي للمتكلم حتى يفرغ من كلامه

 بيان قال الجوهري نتقت الغرب من البئر أي جذبته و نتقت المرأة أي كثر ولدها. و في القاموس الناتق الفاتق و الرافع و الباسط و من الزناد الواري و من النوق التي تسرع الحمل و من الخيل الذي ينفض راكبه انتهى. و الأكثر مناسب كما يظهر بعد التأمل. و الخرير صوت الماء و تداعى القوم اجتمعوا و رزت السماء صوتت من المطر و كان المهطول بمعنى الهاطل أي المطر المتتابع أو الضعيف الدائم و الأريب العاقل و أرب الدهر اشتد

544-  كشف، ]كشف الغمة[ من كتاب لطف التدبير لمحمد بن عبد الله الخطيب قال حكي أن معاوية بن أبي سفيان قال لجلسائه بعد الحكومة كيف لنا أن نعلم ما تئول إليه العاقبة في أمرنا قال جلساؤه ما نعلم لذلك وجها قال فأنا أستخرج علم ذلك من علي صلوات الله عليه فإنه لا يقول الباطل فدعا ثلاثة رجال من ثقاته و قال لهم امضوا حتى تصيروا جميعا من الكوفة على مرحلة ثم تواطئوا على أن تنعوني بالكوفة و ليكن حديثكم واحدا في ذكر العلة و اليوم و الوقت و موضع القبر و من تولى الصلاة عليه و غير ذلك حتى لا تختلفوا في شي‏ء ثم ليدخل أحدكم فليخبر بوفاتي ثم ليدخل الثاني فيخبر بمثله ثم ليدخل الثالث فيخبر بمثل خبر صاحبيه و انظروا ما يقول علي فخرجوا كما أمرهم معاوية ثم دخل أحدهم و هو راكب مغذ شاحب فقال له الناس بالكوفة من أين جئت قال من الشام قالوا له ما الخبر قال مات معاوية فأتوا عليا ع فقالوا جاء رجل راكب من الشام يخبر من موت معاوية فلم يحفل علي بذلك ثم دخل الآخر من الغد و هو مغذ فقال له الناس ما الخبر فقال مات معاوية و خبر بمثل ما خبر صاحبه فأتوا عليا ع فقالوا رجل راكب يخبر بموت معاوية بمثل ما أخبر صاحبه و لم يختلف كلامهما فأمسك علي ع ثم دخل الآخر في اليوم الثالث فقال الناس ما وراءك قال مات معاوية فسألوه عما شاهد فلم يخالف قول صاحبيه فأتوا عليا ع فقالوا يا أمير المؤمنين صح هذا الخبر هذا راكب ثالث قد خبر بمثل خبر صاحبيه فلما كثروا عليه قال علي صلوات الله عليه كلا أو تخضب هذه من هذه يعني لحيته من هامته و يتلاعب بها ابن آكلة الأكباد فرجع الخبر بذلك إلى معاوية

 بيان الإغذاذ في السير الإسراع الشاحب المتغير أي كان عليه لون السفر قوله ع و يتلاعب بها أي بالخلافة و الرئاسة

545-  إرشاد القلوب، بإسناده إلى أبي جعفر الباقر ع قال بينما أمير المؤمنين ع يتجهز إلى معاوية و يحرض الناس على قتاله إذ اختصم إليه رجلان في فعل فعجل أحدهما في الكلام و زاد فيه فالتفت إليه أمير المؤمنين ع و قال له اخسأ فإذا رأسه رأس الكلب فبهت من حوله و أقبل الرجل بإصبعه المسبحة يتضرع إلى أمير المؤمنين ع و يسأله الإقالة فنظر إليه و حرك شفتيه فعاد كما كان خلقا سويا فوثب إليه بعض أصحابه فقال له يا أمير المؤمنين هذه القدرة لك كما رأينا و أنت تجهز إلى معاوية فما بالك لا تكفيناه ببعض ما أعطاك الله من هذه القدرة فأطرق قليلا و رفع رأسه إليهم و قال و الذي فلق الحبة و برأ النسمة لو شئت أن أضرب برجلي هذه القصيرة في طول هذه الفيافي و الفلوات و الجبال و الأودية حتى أضرب بها صدر معاوية على سريره فأقلبه على أم رأسه لفعلت و لو أقسمت على الله عز و جل أن أوتي به قبل أن أقوم من مجلسي هذا و قبل أن يرتد إلى أحد منكم طرفه لفعلت و لكنا كما وصف الله تعالى في كتابه عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ

 بيان قال الجوهري خسأت الكلب خسأ طردته و خسأ الكلب نفسه يتعدى و لا يتعدى

546-  إرشاد القلوب، بإسناده إلى ميثم التمار قال خطب بنا أمير المؤمنين ع في جامع الكوفة فأطال في خطبته و أعجب الناس تطويلها و حسن وعظها و ترغيبها و ترهيبها و إذ دخل نذير من ناحية الأنبار مستغيثا يقول الله الله يا أمير المؤمنين في رعيتك و شيعتك هذه خيل معاوية قد شنت علينا الغارة في سواد الفرات ما بين هيت و الأنبار فقطع أمير المؤمنين ع الخطبة و قال ويحك بعض خيل معاوية قد دخل الدسكرة التي تلي جدران الأنبار فقتلوا فيها سبع نسوة و سبعة من الأطفال ذكرانا و سبعة إناثا و شهروا بهم و وطئوهم بحوافر الخيل و قالوا هذه مراغمة لأبي تراب فقام إبراهيم بن الحسن الأزدي بين يدي المنبر فقال يا أمير المؤمنين هذه القدرة التي رأيت بها و أنت على منبرك أن في دارك خيل معاوية بن آكلة الأكباد و ما فعل بشيعتك و لم يعلم بها هذا فلم تغضي عن معاوية فقال له ويحك يا إبراهيم لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ فصاح الناس من جوانب المسجد يا أمير المؤمنين فإلى متى يهلك من هلك عن بينة و يحيا من حي عن بينه و شيعتك تهلك فقال لهم  لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا فصاح زيد بن كثير المرادي و قال يا أمير المؤمنين تقول بالأمس و أنت تجهز إلى معاوية و تحرضنا على قتاله و يحتكم إليك الرجلان في الفعل فتعجل عليك أحدهما في الكلام فتجعل رأسه رأس الكلب فيستجير بك فترده بشرا سويا و نقول لك ما بال هذه القدرة لا تبلغ معاوية فتكفينا شره فتقول لنا و فالق الحبة و بارئ النسمة لو شئت أن أضرب برجلي هذه القصيرة صدر معاوية فأقلبه على أم رأسه لفعلت فما بالك لا تفعل ما تريد إلا أن تضعف نفوسنا فنشك فيك فندخل النار فقال أمير المؤمنين ع لأفعلن ذلك و لأعجلنه على ابن هند فمد رجله على منبره فخرجت عن أبواب المسجد و ردها إلى فخذه و قال معاشر الناس أقيموا تاريخ الوقت و أعلموه فقد ضربت برجلي هذه الساعة صدر معاوية فقلبته عن سريره على أم رأسه فظن أنه قد أحيط به فصاح يا أمير المؤمنين فأين النظرة فرددت رجلي عنه و توقع الناس ورود الخبر من الشام و علموا أن أمير المؤمنين لا يقول إلا حقا فوردت الأخبار و الكتب بتاريخ تلك الساعة بعينها من ذلك اليوم بعينه أن رجلا جاءت من ناحية الكوفة ممدودة متصلة فدخلت من إيوان معاوية و الناس ينظرون حتى ضربت صدره فقلبته عن سريره على أم رأسه فصاح يا أمير المؤمنين و أين النظرة و ردت تلك الرجل عنه و علم الناس ما قال أمير المؤمنين ع حقا

 بيان قال الفيروزآبادي أغضى أدنى الجفون و على الشي‏ء سكت

547-  بشا، ]بشارة المصطفى[ الحسن بن الحسين بن بابويه عن عمه محمد بن الحسن عن أبيه الحسين بن الحسين عن عمه أبي جعفر بن بابويه عن الطالقاني عن الجلودي عن المغيرة بن محمد عن رجاء بن أبي سلمة عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر ع قال خطب أمير المؤمنين ع بالكوفة عند منصرفه من نهروان و بلغه أن معاوية يسبه و يعيبه و يقتل أصحابه فقام خطيبا فحمد الله و أثنى عليه و صلى على رسول الله ص و ذكر ما أنعم الله على نبيه و عليه ثم قال لو لا آية في كتاب الله ما ذكرت ما أنا ذاكره في مقامي هذا يقول الله عز و جل وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ اللهم لك الحمد على نعمك التي لا تحصى و فضلك الذي لا ينسى أيها الناس إنه بلغني ما بلغني و إني أراني قد اقترب أجلي و كأني بكم و قد جهلتم أمري و إني تارك فيكم ما تركه رسول الله ص كتاب الله و عترتي و هي عترة الهادي إلى النجاة خاتم الأنبياء و سيد النجباء و النبي المصطفى يا أيها الناس لعلكم لا تسمعون قائلا يقول مثل قولي بعدي إلا مفتريا أنا أخو رسول الله و ابن عمه و سيف نقمته و عماد نصرته و بأسه و شدته أنا رحى جهنم الدائرة و أضراسها الطاحنة أنا مؤتم البنين و البنات و قابض الأرواح و بأس الله الذي لا يرده عن القوم المجرمين أنا مجدل الأبطال و قاتل الفرسان و مبير من كفر بالرحمن و صهر خير الأنام أنا سيد الأوصياء و وصي خير الأنبياء أنا باب مدينة العلم و خازن علم رسول الله ص و وارثه أنا زوج البتول سيدة نساء العالمين فاطمة التقية الزكية البرة المهدية حبيبة حبيب الله و خير بناته و سلالته و ريحانة رسول الله ص سبطاه خير الأسباط و ولداي خير الأولاد هل أحد ينكر ما أقول أين مسلمو أهل الكتاب أنا أسمى في الإنجيل إليا و في التوراة بريها و في الزبور أرى و عند الهند كلبن و عند الروم بطريسا و عند الفرس جبير و عند الترك تيبر و عند الزنج خبير و عند الكهنة بوى و عند الحبشة تبريك و عند أمي حيدرة و عند ظئري ميمون و عند العرب علي و عند الأرمن فريق و عند أبي زهير ألا و إني مخصوص في القرآن بأسماء احذروا أن تغلبوا عليها فتضلوا في دينكم يقول الله عز و جل وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ أنا ذلك الصادق و أنا المؤذن في الدنيا و الآخرة و قال الله تعالى فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ أنا ذلك المؤذن و قال وَ أَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ و أنا ذلك الأذان و أنا المحسن يقول الله عز و جل وَ إِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ و أنا ذو القلب يقول الله عز و جل إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ و أنا الذاكر يقول الله عز و جل الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ و نحن أصحاب الأعراف أنا و عمي و أخي و ابن عمي و الله فالق الحبة و النوى لا يلج النار لنا محب و لا يدخل الجنة لنا مبغض يقول الله عز و جل وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ و أنا الصهر يقول الله عز و جل وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً و أنا الأذن الواعية يقول الله عز و جل وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ و أنا السالم لرسول الله ص يقول الله وَ رَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ و من ولدي مهدي هذه الأمة ألا و قد جعلت محنتكم ببغضي يعرف المنافقون و بمحبتي امتحن المؤمنون هذا عهد النبي الأمي ألا إنه لا يحبكم إلا مؤمن و لا يبغضكم إلا منافق و أنا صاحب لواء رسول الله في الدنيا و الآخرة و رسول الله فرطي و أنا فرط شيعتي و الله لا عطش محبي و لا خاف وليي أنا ولي المؤمنين و الله وليي و حسب محبي أن يحبوا ما أحب الله و حسب مبغضي أن يبغضوا من أحب الله ألا و إنه بلغني أن معاوية سبني و لعنني اللهم اشدد وطأتك عليه و أنزل اللعنة على المستحق آمين رب العالمين رب إسماعيل و باعث إبراهيم إنك حميد مجيد ثم نزل صلوات الله عليه عن أعواده فما عاد إليها حتى قتله ابن ملجم لعنه الله

548-  كا، ]الكافي[ علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله ع قال إن مولى لأمير المؤمنين ع سأله مالا فقال يخرج عطائي فأقاسمكه فقال لا أكتفي و خرج إلى معاوية فوصله فكتب إلى أمير المؤمنين ع يخبره بما أصاب من المال فكتب إليه أمير المؤمنين ع أما بعد فإن ما في يدك من المال قد كان له أهل قبلك و هو صائر إلى أهل بعدك و إنما لك منه ما مهدت لنفسك فآثر نفسك على إصلاح ولدك فإنما أنت جامع لأحد رجلين إما رجل عمل فيه بطاعة الله فسعد بما شقيت و إما رجل عمل فيه بمعصية الله فشقي بما جمعت له و ليس من هذين أحد بأهل أن تؤثره على نفسك و لا تبرد له على ظهرك فارج لمن مضى رحمة الله و ثق لمن بقي يرزق الله

 بيان قال في النهاية برد لي على فلان حق أي ثبت

549-  ختص، ]الإختصاص[ كتب معاوية إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه  بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أما بعد يا علي لأضربنك بشهاب قاطع لا يذكيه الريح و لا يطفيه الماء إذا اهتز وقع و إذا وقع نقب و السلام فلما قرأ علي ع كتابه دعا بدواة و قرطاس ثم كتب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أما بعد يا معاوية فقد كذبت أنا علي بن أبي طالب ع و أنا أبو الحسن و الحسين قاتل جدك و عمك و خالك و أبيك و أنا الذي أفنيت قومك في يوم بدر و يوم فتح و يوم أحد و ذلك السيف بيدي يحمله ساعدي بجرأة قلبي كما خلفه النبي ص بكف الوصي لم أستبدل بالله ربا و بمحمد نبيا و بالسيف بدلا و السلام على من اتبع الهدى ثم طوى الكتاب و دعا الطرماح بن عدي الطائي و كان رجلا مفوها طوالا فقال له خذ كتابي هذا فانطلق به إلى معاوية و رد جوابه فأخذ الطرماح الكتاب و دعا بعمامة فلبسها فوق قلنسوته ثم ركب جملا بازلا فتيقا مشرفا عاليا في الهواء فسار حتى نزل مدينة دمشق فسأل عن قواد معاوية فقيل له من تريد منهم فقال أريد جرولا و جهضما و صلادة و قلادة و سوادة و صاعقة و أبا المنايا و أبا الحتوف و أبا الأعور السلمي و عمرو بن العاص و شمر بن ذي الجوشن و الهدى بن محمد بن الأشعث الكندي فقيل إنهم مجتمعون عند باب الخضراء فنزل و عقل بعيره و تركهم حتى اجتمعوا فركب إليهم فلما بصروا به قاموا إليه يهزءون به فقال واحد منهم يا أعرابي عندك خبر من السماء قال نعم جبرائيل في السماء و ملك الموت في الهواء و علي في القفاء فقال له يا أعرابي من أين أقبلت قال من عند التقي النقي إلى المنافق الردي قال له يا أعرابي فما تنزل إلى الأرض حتى نشاورك قال و الله ما في مشاورتكم بركة و لا مثلي يشاور أمثالكم قالوا يا أعرابي فإنا نكتب إلى يزيد بخبرك و كان يزيد يومئذ ولي عهدهم فكتبوا إليه أما بعد يا يزيد فقد قدم علينا من عند علي بن أبي طالب ع أعرابي له لسان يقول فما يمل و يكثر فلا يكل و السلام فلما قرأ يزيد الكتاب أمر أن يهول عليه و أن يقام له سماطان بالباب بأيديهم أعمدة الحديد فلما توسطهم الطرماح قال من هؤلاء كأنهم زبانية مالك في ضيق المسالك

 عند تلك الهوالك قالوا أسكت هؤلاء أعدوا ليزيد فلم يلبث أن خرج يزيد فلما نظر إليه قال السلام عليك يا أعرابي قال الله السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ على ولد أمير المؤمنين قال إن أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام قال سلامه معي من الكوفة قال إنه يعرض عليك الحوائج قال أما أول حاجتي إليه فنزع روحه من بين جنبيه و أن يقوم من مجلسه حتى يجلس فيه من هو أحق به و أولى منه قال له يا أعرابي فإنا ندخل عليه فما فيك حيلة قال لذلك قدمت فاستأذن له على أبيه فلما دخل على معاوية و نظر إلى معاوية و السرير قال السلام عليك أيها الملك قال و ما منعك أن تقول يا أمير المؤمنين قال نحن المؤمنون فمن أمرك علينا فقال ناولني كتابك قال إني لأكره أن أطأ بساطك قال فناوله وزيري قال خان الوزير و ظلم الأمير قال فناوله غلامي قال غلام سوء اشتراه مولاه من غير حل و استخدمه في غير طاعة الله قال فما الحيلة يا أعرابي قال ما يحتال مؤمن مثلي لمنافق مثلك قم صاغرا فخذه فقام معاوية صاغرا فتناول منه ثم فضا و قرأه ثم قال يا أعرابي كيف خلفت عليا قال خلفته و الله جلدا حربا ضابطا كريما شجاعا جوادا لم يلق جيشا إلا هزمه و لا قرنا إلا أردأه و لا قصرا إلا هدمه قال فكيف خلفت الحسن و الحسين قال خلفتهما صلوات الله عليهما صحيحين فصيحين كريمين شجاعين جوادين شابين طريين يصلحان للدنيا و الآخرة قال فكيف خلفت أصحاب علي قال خلفتهم و علي بينهم كالبدر و هم كالنجوم إن أمرهم ابتدروا و إن نهاهم ارتدعوا فقال له يا أعرابي ما أظن بباب علي أحدا أعلم منك قال ويلك استغفر ربك و صم سنة كفارة لما قلت كيف لو رأيت الفصحاء الأدباء النطقاء و وقعت في بحر علومهم غرقت يا شقي قال الويل لأمك قال بل طوبى لها ولدت مؤمنا يغمز منافقا مثلك قال له يا أعرابي هل لك في جائزة قال أرى استنقاص روحك فكيف لا أرى استنقاص مالك فأمر له بمائة ألف درهم فقال أزيدك يا أعرابي قال أسد يدا سد أبدا فأمر له بمائة ألف أخرى فقال ثلثها فإن الله فرد ثم ثلثها فقال الآن ما تقول قال أحمد الله و أذمك قال و لم ويلك قال لأنه لم يكن لك و لا لأبيك ميراثا إنما هو من بيت مال المسلمين أعطيتنيه ثم أقبل معاوية على كاتبه فقال اكتب للأعرابي جوابا فلا طاقة لنا به فكتب أما بعد يا علي فلأوجهن إليك بأربعين حملا من خردل مع كل خردلة ألف مقاتل يشربون الدجلة و يسقون الفرات فلما نظر الطرماح إلى ما كتب به الكاتب أقبل على معاوية فقال سوأة لك يا معاوية فلا أدري أيكما أقل حياء أنت أم كاتبك ويلك لو جمعت الجن و الإنس و أهل الزبور و الفرقان كانوا لا يقولون بما قلت قال ما كتبه عن أمري قال إن لم يكن كتبه عن أمرك فقد استضعفك في سلطانك و إن كان كتبه بأمرك فقد استحييت لك من الكذب أ من أيهما تعتذر و من أيهما تعتبر أما إن لعلي صلوات الله عليه ديكا اشتر جيدا أخضر يلتقط الخردل بجيشه فيجمعه في حوصلته قال و من ذلك يا أعرابي قال ذلك مالك بن الحارث الأشتر ثم أخذ الكتاب و الجائزة و انطلق به إلى علي بن أبي طالب ع فأقبل معاوية على أصحابه فقال نرى لو وجهتكم بأجمعكم في كل ما وجه به صاحبه ما كنتم تؤدون عني عشر عشير ما أدى هذا عن صاحبه

 بيان الطرماح بكسر الطاء و الراء و تشديد الميم و قال الجوهري فاه بالكلام على زنة قال و تفوه لفظ به و المفوه المنطيق و قال بزل البعير فطرنا به أي انشق فهو بازل ذكرا كان أو أنثى و ذلك في السنة التاسعة و ربما بزل في السنة الثامنة و قال يقال جمل فتيق إذا انفتق سمنا و في بعض النسخ بالنون قال الجوهري الفنيق الفحل المكرم و قال الجرول الحجارة. و الجهضم الضخم الهامة المستدير الوجه و الأسد و الصلد و الصلب الأملس و يحتمل أن تكون تلك أسامي خدمه و أن يكون قال ذلك نبزا و استهزاء و السماط بالكسر الصف من الناس و النخل و الجلد الصلابة و الجلادة تقول منه جلد الرجل بالضم فهو جلد ذكره الجوهري و قال حرب الرجل بالكسر اشتد غضبه و رجل حرب و أسد حرب أسد يدا سد أبدا أي أعط نعمة تكون أبدا سيدا للقوم و الأجيد الحسن العنق أو طويله و الأعسر هو الذي يعمل باليد اليسرى و يقال أنه أشد شي‏ء رميا

550-  أقول وجدت الرواية بخط بعض الأفاضل باختلاف ما فأحببت إيرادها على هذا الوجه أيضا قال قال الشيخ الأديب أبو بكر بن عبد العزيز البستي بالأسانيد الصحاح إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع لما رجع من وقعة الجمل كتب إليه معاوية بن أبي سفيان بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من عبد الله و ابن عبد الله معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب أما بعد فقد اتبعت ما يضرك و تركت ما ينفعك و خالفت كتاب الله و سنة رسوله ص و قد انتهى إلي ما فعلت بحواري رسول الله ص طلحة و الزبير و أم المؤمنين عائشة فو الله لأرمينك بشهاب لا تطفيه المياه و لا تزعزعه الرياح إذا وقع وقب و إذا وقب ثقب و إذا ثقب نقب و إذا نقب التهب فلا تغرنك الجيوش و استعد للحرب فإني ملاقيك بجنود لا قبل لك بها و السلام فلما وصل الكتاب إلى أمير المؤمنين ع فكه و قرأه و دعا بدواة و قرطاس و كتب إليه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من عبد الله و ابن عبده علي بن أبي طالب أخي رسول الله و ابن عمه و وصيه و مغسله و مكفنه و قاضي دينه و زوج ابنته البتول و أبي سبطيه الحسن و الحسين إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فإني أفنيت قومك يوم بدر و قتلت عمك و خالك و جدك و السيف الذي قتلتهم به معي يحمله ساعدي بثبات من صدري و قوة من بدني و نصرة من ربي كما جعله النبي ص في كفي فو الله ما اخترت على الله ربا و لا على الإسلام دينا و لا على محمد نبيا و لا على السيف بدلا فبالغ من رأيك فاجتهد و لا تقصر فقد استحوذ عليك الشيطان و استفزك الجهل و الطغيان  وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ وَ السَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى و خشي عواقب الردى ثم طوى الكتاب و ختمه و دعا رجلا من أصحابه يقال له الطرماح بن عدي بن حاتم الطائي و كان رجلا جسيما طويلا أديبا لبيبا فصيحا لسنا متكلما لا يكل لسانه و لا يعيا عن الجواب فعممه بعمامته و دعا له بجمل بازل وثيق فائق أحمر فسوى راحلته و وجهه إلى دمشق فقال له يا طرماح انطلق بكتابي هذا إلى معاوية بن أبي سفيان و خذ الجواب فأخذ الطرماح الكتاب و كور بعمامته و ركب مطيته و انطلق حتى دخل دمشق فسأل عن دار الإمارة فلما وصل إلى الباب قال له الحجاب من بغيتك قال أريد أصحاب الأمير أولا ثم الأمير ثانيا فقالوا له من تريد منهم قال أريد جعشما و جرولا و مجاشعا و باقعا و كان أراد أبا الأعور السلمي و أبا هريرة الدوسي و عمرو بن العاص و مروان بن الحكم فقالوا هم بباب الخضراء يتنزهون في بستان فانطلق و سار حتى أشرف على ذلك الموضع فإذا قوم ببابه فقالوا جاءنا أعرابي بدوي دوين إلى السماء تعالوا نستهزئ به فلما وقف عليهم قالوا يا أعرابي هل عندك من السماء خبر فقال بلى الله تعالى في السماء و ملك الموت في الهواء و أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في القفاء فاستعدوا لما ينزل عليكم من البلاء يا أهل الشقاوة و الشقاء قالوا من أين أقبلت قال من عند حر تقي نقي زكي مؤمن رضي مرضي فقالوا و أي شي‏ء تريد فقال أريد هذا الدعي الردي المنافق المردي الذي تزعمون أنه أميركم فعلموا أنه رسول أمير المؤمنين علي ع إلى معاوية فقالوا هو في هذا الوقت مشغول قال بما ذا بوعد أو وعيد قالوا لا و لكنه يشاور أصحابه فيما يلقيه غدا قال فسحقا له و بعدا فكتبوا إلى معاوية بخبره أما بعد فقد ورد من عند علي بن أبي طالب رجل أعرابي بدوي فصيح لسن طلق ذلق يتكلم فلا يكل و يطيل فلا يمل فأعد لكلامه جوابا بالغا و لا تكن عنه غافلا و لا ساهيا و السلام

 فلما علم الطرماح بذلك أناخ راحلته و نزل عنها و عقلها و جلس مع القوم الذين يتحدثون فلما بلغ الخبر إلى معاوية أمر ابنه يزيد أن يخرج و يضرب المصاف على باب داره فخرج يزيد و كان على وجهه أثر ضربة فإذا تكلم كان جهير الصوت فأمر بضرب المصاف ففعلوا ذلك و قالوا للطرماح هل لك أن تدخل على باب أمير المؤمنين فقال لهذا جئت و به أمرت فقام إليه و مشى فلما رأى أصحاب المصاف و عليهم ثياب سود فقال من هؤلاء القوم كأنهم زبانية لمالك على ضيق المسالك فلما دنا من يزيد نظر إليه فقال من هذا الميشوم ابن الميشوم الواسع الحلقوم المضروب على الخرطوم فقالوا مه يا أعرابي ابن الملك يزيد فقال و من يزيد لا زاد الله مزاده و لا بلغه مراده و من أبوه كانا قدما غائصين في بحر الجلافة و اليوم استويا على سرير الخلافة فسمع يزيد ذلك و استشاط و هم بقتله غضبا ثم كره أن يحدث دون إذن أبيه فلم يقتله خوفا منه و كظم غيظه و خبا ناره و سلم عليه فقال يا أعرابي إن أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام فقال سلامه معي من الكوفة فقال يزيد سلني عما شئت فقد أمرني أمير المؤمنين بقضاء حاجتك فقال حاجتي إليه أن يقوم من مقامه حتى يجلس من هو أولى منه بهذا الأمر قال فما ذا تريد آنفا قال الدخول عليه فأمر برفع الحجاب و أدخله إلى معاوية و صواحبه فلما دخل الطرماح و هو متنعل قالوا له اخلع نعليك فالتفت يمينا و شمالا ثم قال هذا رب الواد المقدس فأخلع نعلي فنظر فإذا هو معاوية قاعد على السرير مع قواعده و خاصته و مثل بين يديه خدمه فقال السلام عليك أيها الملك العاصي فقرب إليه عمرو بن العاص فقال ويحك يا أعرابي ما منعك أن تدعوه بأمير المؤمنين فقال الأعرابي ثكلتك أمك يا أحمق نحن المؤمنون فمن أمره علينا بالخلافة فقال معاوية ما معك يا أعرابي فقال كتاب مختوم من إمام معصوم فقال ناولنيه قال أكره أن أطأ بساطك قال ناوله وزيري هذا و أشار إلى عمرو بن العاص فقال هيهات هيهات ظلم الأمير و خان الوزير فقال ناوله ولدي هذا و أشار إلى يزيد فقال ما نرضى بإبليس فكيف بأولاده فقال ناوله مملوكي هذا و أشار إلى غلام له قائم على رأسه فقال الأعرابي مملوك اشتريته من غير حل و تستعمله في غير حق قال ويحك يا أعرابي فما الحيلة و كيف نأخذ الكتاب فقال الأعرابي أن تقوم من مقامك و تأخذه بيدك على غير كره منك فإنه كتاب رجل كريم و سيد عليم و حبر حليم بالمؤمنين رءوف رحيم فلما سمع منه معاوية وثب من مكانه و أخذ منه الكتاب بغضب و فكه و قرأه و وضعه تحت ركبتيه ثم قال كيف خلفت أبا الحسن و الحسين قال خلفته بحمد الله كالبدر الطالع حواليه أصحابه كالنجوم الثواقب اللوامع إذا أمرهم بأمر ابتدروا إليه و إذا نهاهم عن شي‏ء لم يتجاسروا عليه و هو من بأسه يا معاوية في تجلد بطل شجاع سيد سميدع إن لقي جيشا هزمه و أرداه و إن لقي قرنا سلبه و أفناه و إن لقي عدوا قتله و جزاه قال معاوية كيف خلفت الحسن و الحسين قال خلفتهما بحمد الله شابين نقيين تقيين زكيين عفيفين صحيحين سيدين طيبين فاضلين عاقلين عالمين مصلحين في الدنيا و الآخرة فسكت معاوية ساعة فقال ما أفصحك يا أعرابي قال لو بلغت باب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع لوجدت الأدباء الفصحاء البلغاء الفقهاء النجباء الأتقياء الأصفياء و لرأيت رجالا سيماهم في وجوههم من أثر السجود حتى إذا استعرت نار الوغى قذفوا بأنفسهم في تلك الشعل لابسين القلوب على مدارعهم قائمين ليلهم صائمين نهارهم لا تأخذهم في الله و لا في ولي الله علي لومة لائم فإذا أنت يا معاوية رأيتهم على هذه الحال غرقت في بحر عميق لا تنجو من لجته فقال عمرو بن العاص لمعاوية سرا هذا رجل أعرابي بدوي لو أرضيته بالمال لتكلم فيك بخير

 فقال معاوية يا أعرابي ما تقول في الجائزة أ تأخذها مني أم لا قال بل آخذها فو الله أنا أريد استقباض روحك من جسدك فكيف باستقباض مالك من خزانتك فأمر له بعشرة آلاف درهم ثم قال أ تحب أن أزيدك قال زد فإنك لا تعطيه من مال أبيك و إن الله تعالى ولي من يزيد قال أعطوه عشرين ألفا قال الطرماح اجعلها وترا فإن الله تعالى هو الوتر و يحب الوتر قال أعطوه ثلاثين ألفا فمد الطرماح بصره إلى إيراده فأبطأ عليه ساعة فقال يا ملك تستهزئ بي على فراشك فقال لما ذا يا أعرابي قال إنك أمرت لي بجائزة لا أراها و لا تراها فإنها بمنزلة الريح التي تهب من قلل الجبال فأحضر المال و وضع بين يدي الطرماح فلما قبض المال سكت و لم يتكلم بشي‏ء فقال عمرو بن العاص يا أعرابي كيف ترى جائزة أمير المؤمنين فقال الأعرابي هذا مال المسلمين من خزانة رب العالمين أخذه عبد من عباد الله الصالحين فالتفت معاوية إلى كاتبه و قال اكتب جوابه فو الله لقد أظلمت الدنيا علي و ما لي طاقة فأخذ الكاتب القرطاس فكتب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من عبد الله و ابن عبده معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب أما بعد فإني أوجه إليك جندا من جنود الشام مقدمته بالكوفة و ساقته بساحل البحر و لأرمينك بألف حمل من خردل تحت كل خردل ألف مقاتل فإن أطفأت نار الفتنة و سلمت إلينا قتلة عثمان و إلا فلا تقل غال ابن أبي سفيان و لا يغرنك شجاعة أهل العراق و اتفاقهم فإن اتفاقهم نفاق فمثلهم كمثل الحمار الناهق يميلون مع كل ناعق و السلام فلما نظر الطرماح إلى ما يخرج تحت قلمه قال سبحان الله لا أدري أيكما أكذب أنت بادعائك أم كاتبك فيما كتب لو اجتمع أهل الشرق و الغرب من الجن و الإنس لم يقدروا به على ذلك فنظر معاوية فقال و الله لقد كتب من غير أمري فقال إن كنت لم تأمره فقد استضعفك و إن كنت أمرته فقد استفضحك أو قال إن كتب من تلقاء نفسه فقد خانك و إن أمرته بذلك فأنتما خائنان كاذبان في الدنيا و الآخرة ثم قال الطرماح يا معاوية أظنك تهدد البط بالشط فدع الوعيد فما وعيدك ضائر أ طنين أجنحة الذباب يضير و الله إن لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع لديكا علي الصوت عظيم المنقار يلتقط الجيش بخيشومه و يصرفه إلى قانصته و يحطه إلى حوصلته فقال معاوية و الله كذلك هو مالك بن الأشتر النخعي ثم قال ارجع بسلام مني و في رواية أخرى خذ المال و الكتاب و انصرف فجزاك الله عن صاحبك خيرا فأخذ الطرماح الكتاب و حمل المال و خرج من عنده و ركب مطيته و سار ثم التفت معاوية إلى أصحابه فقال لو أعطيت جميع ما أملك لرجل منكم لم يؤد عني عشر عشير ما أدى هذا الأعرابي عن صاحبه فقال عمرو بن العاص لو أن لك قرابة كقرابة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع و كان معك الحق كما هو معه لأدينا عنك أفضل من ذلك أضعافا مضاعفة فقال معاوية فض الله فاك و قطع شفتيك و الله لكلامك علي أشد من كلام الأعرابي و لقد ضاقت علي الدنيا بحذافيرها

 توضيح الزعزعة تحريك الرياح لشجرة و نحوها ذكره الفيروزآبادي و قال وقب الظلام دخل و الشمس وقبا و وقوبا غابت و الوثيق المحكم و المصاف جمع المصف و هو موضع الصف و السميدع بفتح السين و الميم بعدها مثناة تحتانية السيد الكريم الشريف السخي الموطأ الأكتاف و الشجاع و في الصحاح ضاره يضوره و يضيره ضورا و ضيرا أي ضره

551-  أقول نقل من خط الشهيد قدس سره أنه قال قال معاوية لأبي المرقع الهمداني اشتم عليا قال بل أشتم شاتمه و ظالمه قال أ هو مولاك قال و مولاك إن كنت من المسلمين قال فادع عليه قال بل أدعو على من هو دونه قال ما تقول في قاتله قال هو في النار مع من سره ذلك قال من قومك قال الزرق من همدان الذين أسحبوك يوم صفين

552-  و من خطه أيضا قال روى أبو عمر الزاهد في كتاب فائت الجمهرة أن رجلا سأل معاوية يوم صفين عن مسألة فقال له سل عليا فإنه أعلم مني قال فقال له الرجل جوابك أحب إلي من جوابه فقال له لقد كرهت رجلا رأيت رسول الله ص يغره بالعلم غرا و لقد رأيت عمر إذا أشكل عليه الشي‏ء قال أ هاهنا أبو الحسن قم لا أقام الله رجليك و محا اسمه من الديوان قال ابن عباس فكنت جالسا عند أمير المؤمنين ع فجاءنا الرجل و قد سبقه خبره إلينا فقال يا أمير المؤمنين قد جئتك مستأمنا فقال له أنت صاحب الكلام أنت تعرف معاوية من أنا فكيف رأيت جواب المنافق قم لا أقام الله رجليك فبقي مذبذبا

 و ذكر ابن النديم في الفهرست أن هذا أبا عمر كان نهاية في النصب و الميل على علي ع