باب 21- باب بدو قصة التحكيم و الحكمين و حكمهما بالجور رأي العين

 و قد مر بعض ذلك فيما مضى من قصص صفين

553-  قال ابن أبي الحديد قال نصر روى عمر بن سعد عن مجالد عن الشعبي عن زياد بن النضر أن عليا ع بعث أربع مائة عليهم شريح بن هانئ و معه عبد الله بن العباس يصلي بهم و معهم أبو موسى الأشعري و بعث معاوية عمرو بن العاص في أربع مائة ثم إنهم خلوا بين الحكمين فكان رأي عبد الله بن قيس في عبد الله بن عمرو بن الخطاب و كان يقول و الله إن استطعت لأحيين سنة عمر

 قال نصر و في حديث محمد بن عبيد الله عن الجرجاني قال لما أراد أبو موسى المسير قام إليه شريح بن هانئ فأخذ بيده و قال يا أبا موسى إنك قد نصبت لأمر عظيم لا يجبر صدعه و لا يستقال فتنته و مهما تقل من شي‏ء عليك أو لك تثبت حقه و ترى صحته و إن كان باطلا و إنه لا بقاء لأهل العراق إن ملكهم معاوية و لا بأس على أهل الشام إن ملكهم علي و قد كانت منك تثبيطة أيام الكوفة و الجمل و إن تشفعها بمثلها يكن الظن بك يقينا و الرجاء منك يأسا فقال أبو موسى ما ينبغي لقوم اتهموني أن يرسلوني لأدفع عنهم باطلا أو أجر إليهم حقا

 و روى المدائني في كتاب صفين قال لما اجتمع أهل العراق على طلب أبي موسى و احضروه للتحكيم على كره من علي ع له أتاه عبد الله بن العباس و عنده وجوه الناس و الأشراف فقال له يا أبا موسى إن الناس لم يرضوا بك و لم يجتمعوا عليك لفضل لا تشارك فيه و ما أكثر أشباهك من المهاجرين و الأنصار المتقدمين قبلك و لكن أهل العراق أبو إلا أن يكون الحكم يمانيا و رأوا أن معظم أهل الشام يمان و ايم الله إني لأظن ذلك شرا لك و لنا فإنه قد ضم إليك داهية العرب و ليس في معاوية خلة يستحق بها الخلافة فإن تقذف بحقك على باطله تدرك حاجتك منه و إن يطمع باطله في حقك يدرك حاجته منك و اعلم يا أبا موسى أن معاوية طليق الإسلام و أن أباه رأس الأحزاب و أنه يدعي الخلافة من غير مشورة و لا بيعة فإن زعم لك أن عمر و عثمان استعملاه فلقد صدق استعمله عمر و هو الوالي عليه بمنزلة الطبيب يحميه ما يشتهي و يؤجره ما يكره ثم استعمله عثمان برأي عمر و ما أكثر ما استعملا ممن لم يدع الخلافة و اعلم أن لعمرو مع كل شي‏ء يسرك خبيئا يسوؤك و مهما نسيت فلا تنس أن عليا ع بايعه القوم الذين بايعوا أبا بكر و عمر و عثمان و أنها بيعة هدى و أنه لم يقاتل إلا العاصين و الناكثين فقال أبو موسى رحمك الله و الله ما لي إمام غير علي و إني لواقف عند ما رأى و إن حق الله أحب إلي من رضا معاوية و أهل الشام و ما أنت و أنا إلا بالله

 و روى البلاذري في كتاب أنساب الأشراف قال قيل لعبد الله بن العباس ما منع عليا أن يبعثك مع عمرو يوم التحكيم قال منعه حاجز القدر و محنة الابتلاء و قصر المدة أما و الله لو كنت لقعدت على مدارج أنفاسه ناقضا ما أبرم و مبرما ما نقض أطير إذا أسف و أسف إذا طار و لكن سبق قدر و بقي أسف و مع اليوم غد و الآخرة خير لأمير المؤمنين

 قال نصر و في حديث عمرو بن شمر قال أقبل أبو موسى إلى عمرو فقال يا عمرو هل لك في أمر هو للأمة صلاح و لصلحاء الناس رضا نولي هذا الأمر عبد الله بن عمر بن الخطاب الذي لم يدخل في شي‏ء من هذه الفتنة و لا في هذه الفرقة قال و كان عبد الله بن عمرو بن العاص و عبد الله بن الزبير قريبين يسمعان الكلام فقال عمرو فأين أنت يا أبا موسى عن معاوية فأبى عليه أبو موسى فقال عمرو أ لست تعلم أن عثمان قتل مظلوما و معاوية ولي عثمان و قد قال الله وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً 33-  الإسراء ثم إن بيت معاوية في قريش ما قد علمت و هو أخو أم حبيبة أم المؤمنين و زوج النبي ص و قد صحبه و هو أحد الصحابة ثم عرض له بالسلطان فقال له إن هو ولي الأمر أكرمك كرامة لم يكرمك أحد قط بمثلها فقال أبو موسى اتق الله يا عمرو فإن هذا الأمر ليس على الشرف إنما هو لأهل الدين و الفضل مع أني لو كنت أعطيته أفضل قريش شرفا لأعطيته علي بن أبي طالب و أما قولك إنه ولي عثمان فإني لم أكن أوليه إياه لنسبة من عثمان و أدع المهاجرين الأولين و أما تعريضك لي بالإمرة و السلطان فو الله لو خرج لي من سلطانه ما وليته و لا كنت أرتشي في الله و لكنك إن شئت أحيينا سنة عمر بن الخطاب

 و روي أنه كان يقول غير مرة و الله إن استطعت لأحيين اسم عمر بن الخطاب فقال عمرو بن العاص إن كنت إنما تريد أن تبايع ابن عمر لدينه فما يمنعك من ابني عبد الله و أنت تعرف فضله و صلاحه فقال إن ابنك لرجل صدق و لكنك قد غمسته في هذه الفتنة

 قال نصر و روي عن النضر بن صالح قال كنت مع شريح بن هانئ في غزوة سجستان فحدثني أن عليا ع أوصاه بكلمات إلى عمرو بن العاص و قال له قل لعمرو إذا لقيته إن عليا يقول لك إن أفضل الخلق عند الله من كان العمل بالحق أحب إليه و إن نقصه و إن أبعد الخلق من الله من كان العمل بالباطل أحب إليه و إن زاده و الله يا عمرو إنك لتعلم أين موضع الحق فلم تتجاهل أ بأن أوتيت طمعا يسيرا صرت لله و لأوليائه عدوا فكان ما أوتيت قد زال عنك ف لا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً و لا للظالمين ظهيرا أما إني أعلم أن يومك الذي أنت فيه نادم هو يوم وفاتك و سوف تتمنى أنك لم تظهر لي عداوة و لم تأخذ على حكم الله رشوة قال شريح فأبلغته ذلك يوم لقيته فتمعر وجهه و قال متى كنت قابلا مشورة علي أو منيبا إلى رأيه أو معتدا بأمره فقلت و ما يمنعك يا ابن النابغة أن تقبل من مولاك و سيد المسلمين بعد نبيهم مشورته لقد كان من هو خير منك أبو بكر و عمر يستشيرانه و يعملان برأيه فقال إن مثلي لا يكلم مثلك فقلت بأي أبويك ترغب عن كلامي بأبيك الوشيظ أم بأمك النابغة فقام من مكانه و قمت

 قال نصر و روى أبو جناب الكلبي أن عمرا و أبا موسى لما التقيا بدومة الجندل أخذ عمرو يقدم أبا موسى في الكلام و يقول إنك صحبت رسول الله ص قبلي و أنت أكبر مني سنا فتكلم أنت ثم أتكلم أنا فجعل ذلك سنة و عادة بينهما و إنما كان مكرا و خديعة و اغترارا له بأن يقدمه فيبدأ بخلع علي ثم يرى رأيه

 قال ابن ديزيل في كتاب صفين أعطاه عمرو صدر المجلس و كان لا يتكلم قبله و أعطاه التقدم في الصلاة و في الطعام لا يأكل حتى يأكل و إذا خاطبه فإنما يخاطبه بأجل الأسماء و يقول له يا صاحب رسول الله حتى اطمأن إليه و ظن أنه لا يغشه فلما انمخضت الزبدة بينهما قال له عمرو أخبرني ما رأيك يا أبا موسى قال أرى أن أخلع هذين الرجلين و نجعل الأمر شورى بين المسلمين يختارون من يشاءون فقال عمرو الرأي و الله ما رأيت فأقبلا إلى الناس و هم مجتمعون فتكلم أبو موسى فحمد الله و أثنى عليه ثم قال إن رأيي و رأي عمرو قد اتفق على أمر نرجو أن يصلح الله به شأن هذه الأمة فقال عمرو صدق ثم قال له تقدم يا أبا موسى فتكلم فقام أبو موسى ليتكلم فدعاه ابن عباس فقال ويحك و الله إني لأظنه خدعك إن كنتما قد اتفقتما على أمر فقدمه قبلك ليتكلم به ثم تكلم أنت بعده فإنه رجل غدار و لا آمن أن يكون أعطاك الرضا فيما بينك و بينه فإذا قمت به في الناس خالفك و كان أبو موسى رجلا مغفلا فقال إيها عنك إنا قد اتفقنا فتقدم أبو موسى فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أيها الناس إنا قد نظرنا في أمر هذه الأمة فلم نر شيئا هو أصلح لأمر هؤلاء و لا ألم لشعثها من أن لا يبين أمورها و قد اجتمع رأيي و رأي صاحبي على خلع علي و معاوية و أن يستقبل هذا الأمر فيكون شورى بين المسلمين يولون أمورهم من أحبوا و إني قد خلعت عليا و معاوية فاستقبلوا أموركم و ولوا من رأيتموه لهذا الأمر أهلا ثم تنحى فقام عمرو بن العاص في مقامه فحمد الله و أثنى عليه ثم قال إن هذا قد قال ما سمعتم و خلع صاحبه و أنا أخلع صاحبه كما خلعه و أثبت صاحبي معاوية في الخلافة فإنه ولي عثمان و الطالب بدمه و أحق الناس بمقامه فقال له أبو موسى ما لك لا وفقك الله قد غدرت و فجرت إنما مثلك  كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ و إن تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ فقال له عمرو إنما مثلك كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً و حمل شريح بن هانئ على عمرو فقنعه بالسوط و حمل ابن لعمرو على شريح فقنعه بالسوط و قام الناس فحجزوا بينهما فكان شريح بعد ذلك يقول ما ندمت على شي‏ء ندامتي أن لا أكون ضربت عمروا بالسيف بدل السوط لكن أتى الدهر بما أتى به و التمس أصحاب علي ع أبا موسى فركب ناقته و لحق بمكة فكان ابن عباس يقول قبح الله أبا موسى لقد حذرته و هديته إلى الرأي فما عقل و كان أبو موسى يقول لقد حذرني ابن عباس غدرة الفاسق و لكن اطمأننت إليه و ظننت أنه لا يؤثر شيئا على نصيحة الأمة

 قال نصر و رجع عمرو إلى منزله من دومة الجندل فكتب إلى معاوية

أتتك الخلافة مزفوفة هنيئا مريئا تقر العيوناتزف إليك زفاف العروس بأهون من طعنك الدار عينا

إلى آخر الأبيات فقام سعيد بن قيس الهمداني و قال و الله لو اجتمعتما على الهدى ما زدتما على ما نحن الآن عليه و ما ضلالكما بلازم لنا و ما رجعتما إلا بما بدأتما به و أنا اليوم لعلى ما كنا عليه أمس و قام كردوس بن هانئ مغضبا و أنشد أبياتا في الرضا بخلافة علي ع و إنكار خلافة معاوية و حكم الحكمين و تكلم جماعة أخرى بمثل ذلك قال نصر و كان علي ع لما سمع ما خدع به عمرو أبا موسى غمه ذلك و ساءه و خطب الناس و قال الحمد لله و إن أتى الدهر بالخطب الفادح و الحدث الجليل إلى آخر ما سيأتي برواية السيد الرضي رضي الله عنه و قال ألا إن هذين الرجلين الذين اخترتموهما قد نبذا حكم الكتاب و أحييا ما أمات و اتبع كل واحد منهما هواه و حكم بغير حجة و لا بينة و لا سنة ماضية و اختلفا فيما حكما فكلاهما لم يرشد الله فاستعدوا للجهاد و تأهبوا للمسير و أصبحوا في معسكركم يوم كذا

 قال نصر فكان علي ع بعد الحكومة إذا صلى الغداة و المغرب و فرغ من الصلاة و سلم قال اللهم العن معاوية و عمرا و أبا موسى و حبيب بن مسلمة و عبد الرحمن بن خالد و الضحاك بن قيس و الوليد بن عقبة فبلغ ذلك معاوية فكان إذا صلى لعن عليا و حسنا و حسينا و ابن عباس و قيس بن سعد بن عبادة و الأشتر و زاد ابن ديزيل في أصحاب معاوية أبا الأعور السلمي

 و روى ابن ديزيل أيضا أن أبا موسى كتب من مكة إلى علي ع أما بعد فإني قد بلغني أنك تلعنني في الصلاة و يؤمن خلفك الجاهلون و إني أقول كما قال موسى ع رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ

 بيان قال في القاموس الدهاء النكر و جودة الرأي و الأدب و رجل داه و ده و داهية و قال في النهاية أسف الطائر إذا دنا من الأرض و أسف الرجل للأمر إذا قاربه و في الصحاح تمعر لونه عند الغضب تغير و في القاموس الوشيظ كأمير الأتباع و الخدم و الأجلاف و لفيف من الناس ليس أصلهم واحدا و هم وشيظة في قومهم حشوفهم و قال غفل عنه غفولا تركه و سها عنه كأغفله و المغفل كمعظم من لا فطنة له و قال أيها بالفتح و بالنصب أمر بالسكوت و قال قنع رأسه بالسوط غشاه بها. أقول رجعنا إلى كتاب نصر فوجدنا ما أخرجه ابن أبي الحديد موافقا له في المعنى

554-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع أجاب به أبا موسى الأشعري عن كتاب كتبه إليه من المكان الذي اتعدوا فيه للحكومة و ذكر هذا الكتاب سعيد بن يحيى الأموي في كتاب المغازي فإن الناس قد تغير كثير منهم عن كثير من حظهم فمالوا مع الدنيا و نطقوا بالهوى و إني نزلت من هذا الأمر منزلا معجبا اجتمع به أقوام أعجبتهم أنفسهم فإني أداوي منهم قرحا أخاف أن يعود علقا و ليس رجل فاعلم أحرص على جماعة أمة محمد ص و ألفتها مني أبتغي بذلك حسن الثواب و كرم المآب و سأفي بالذي وأيت على نفسي و إن تغيرت عن صالح ما فارقتني عليه فإن الشقي من حرم نفع ما أوتي من العقل و التجربة و إني لأعبد أن يقول قائل بباطل و إن أفسد أمرا قد أصلحه الله فدع ما لا تعرف فإن شرار الناس طائرون إليك بأقاويل السوء و السلام

 قوله ع من حظهم أي من الآخرة. و قوله ع منزلا قال ابن أبي الحديد أي يعجب من رآه أي يجعله متعجبا منه و هذا الكلام شكوى من أصحابه و نصاره من أهل العراق فإنه كان اختلافهم عليه و اضطرابهم شديدا جدا. و المنزل و النزول هاهنا مجاز و استعارة و المعنى أني حصلت في هذا الأمر الذي حصلت فيه على حال معجبة لمن تأملها. و قال الجوهري العجيب الأمر يتعجب منه و عجبت من كذا و تعجبت بمعنى و أعجبني هذا الشي‏ء لحسنه و قد أعجب فلان بنفسه فهو معجب بنفسه و برأيه و الاسم العجب بالضم انتهى. فإني أداوي منهم قرحا قال ابن ميثم استعار لفظ القرح لما فسد من حاله باجتماعهم على التحكيم و لفظ المداواة لاجتهاده في إصلاحهم و روي أداري و كذلك استعار لفظ العلق و هو الدم الغليظ لما يخاف من تفاقم أمرهم و قوله فاعلم اعتراض حسن بين ليس و خبرها بالذي وأيت أي وعدت و ضمنت من شرط الصلح على ما وقع عليه عن صالح ما فارقتني عليه أي من وجوب الحكم بكتاب الله و عدم اتباع الهوى و الاغترار بمقارنة الأشرار. و قال ابن أبي الحديد يجوز أن يكون قوله ع و إن تغيرت من جملة قوله ع فيما بعد فإن الشقي كما تقول إن خالفتني فإن الشقي من يخالف الحق لكن تعلقه بالسابق أحسن لأنه أدخل في مدح أمير المؤمنين صلوات الله و سلامه عليه كأنه يقول أنا أفي و إن كنت لا تفي و الضد يظهر حسن الضد و إني لأعبد أي إني لآنف من أن يقول غيري قولا باطلا فكيف لا آنف ذلك أنا من نفسي. و قال الجوهري قال أبو زيد العبد بالتحريك الغضب و الأنف و الاسم العبدة مثل الأنفة و قد عبد أي أنف فدع ما لا تعرف أي لا تبن أمرك إلا على اليقين فإن شرار الناس أي لا تصغ إلى أقوال الوشاة فإن الكذب يخالط أقوالهم كثيرا فلا تصدق ما عساه يبلغك عني فإنهم سراع إلى أقاويل السوء

555-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ المفيد عن علي بن مالك النحوي عن جعفر بن محمد الحسني عن عيسى بن مهران عن يحيى بن عبد الحميد عن شريك عن عمران بن طفيل عن أبي نجبه قال سمعت عمار بن ياسر رحمه الله يعاتب أبا موسى الأشعري و يوبخه على تأخره عن علي بن أبي طالب ع و قعوده عن الدخول في بيعته و يقول له يا أبا موسى ما الذي أخرك عن أمير المؤمنين ع فو الله لئن شككت فيه لتخرجن عن الإسلام و أبو موسى يقول له لا تفعل و دع عتابك لي فإنما أنا أخوك فقال له عمار رحمه الله ما أنا لك بأخ سمعت رسول الله ص يلعنك ليلة العقبة و قد هممت مع القوم بما هممت فقال له أبو موسى أ فليس قد استغفر لي قال عمار قد سمعت اللعن و لم أسمع الاستغفار

556-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلامه ع لما اضطرب عليه أصحابه في أمر الحكومة أيها الناس إنه لم يزل أمري معكم على ما أحب حتى نهكتكم الحرب و قد و الله أخذت منكم و تركت و هي لعدوكم أنهك و لقد كنت أمس أميرا فأصبحت اليوم مأمورا و كنت أمس ناهيا فأصبحت اليوم منهيا و قد أحببتم البقاء و ليس لي أن أحملكم على ما تكرهون

 توضيح قال الجوهري نهكت الثوب بالفتح نهكا لبسته حتى خلق و نهكت من الطعام بالغت في أكله و نهكته الحمى إذا أجهدته و أضنته و نقضت لحمه و فيه لغة أخرى نهكته الحمى تنهكه نهكا و نكهة. قوله ع و تركت أي لم يستأصلكم بل فيكم بعد بقية و هي لعدوكم أنهك لأن القتل في أهل الشام كان أشد استحرارا و الوهن كان فيهم أظهر. قوله ع و ليس لي أن أحملكم أي لا قدرة لي عليه و إن كان يجب عليكم إطاعتي

557-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى أهل الأمصار يقص فيه ما جرى بينه و بين أهل صفين و كان بدء أمرنا أنا التقينا و القوم من أهل الشام و الظاهر أن ربنا واحد و نبينا واحد و دعوتنا في الإسلام واحدة لا نستزيدهم في الإيمان بالله و التصديق لرسوله ص و لا يستزيدوننا الأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان و نحن منه براء فقلنا تعالوا نداوي ما لا يدرك اليوم بإطفاء النائرة و تسكين العامة حتى يشتد الأمر و يستجمع فنقوى على وضع الحق في مواضعه فقالوا بل نداويه بالمكابرة فأبوا حتى جنحت الحرب و ركدت و وقدت نيرانها و حمشت فلما ضرستنا و إياهم و وضعت مخالبها فينا و فيهم أجابوا عند ذلك إلى الذي دعوناهم إليه فأجبناهم إلى ما دعوا و سارعناهم إلى ما طلبوا حتى استبانت عليهم الحجة و انقطعت منهم المعذرة فمن تم على ذلك منهم فهو الذي أنقذه الله من الهلكة و من لج و تمادى فهو الراكس الذي ران الله على قلبه و صارت دائرة السوء على رأسه

 توضيح قوله ع و القوم عطف على الضمير في التقينا قوله ع و الظاهر أن ربنا واحد قال ابن أبي الحديد لم يحكم لأهل صفين بالإسلام بل بظاهره. و لا نستزيدهم أي لا نطلب منهم زيادة في الإيمان في الظاهر حتى يشتد الأمر أي يستحكم بأن يتمهد قواعد الخلافة. و قال الجوهري جنوح الليل إقباله و ركدت أي دامت و ثبتت و وقدت كوعدت أي اشتعلت و حمشت أي استقرت و ثبتت و روي و استحمشت و هو أصح ذكره ابن أبي الحديد و قال و من رواها بالسين المهملة أراد اشتدت و صلبت. و قال الجوهري أحمشت القدر أشبعت وقودها و قال الأحمس الشديد الصلب و قد حمس بالكسر. فلما ضرستنا أي عضتنا بأضراسها و يقال ضرسهم الدهر أي اشتد عليهم و الضرس العض بالأضراس و لعل التشديد هاهنا للمبالغة و يقال ضرسته الحرب أي جربته و أحكمته و أنقذت فلانا من الشر و استنقذته و تنقذته و انتقذته خلصته فنقذ كفرح و الركس رد الشي‏ء مقلوبا و ران الله على قلبه أي طبع و ختم و قال الطبرسي في مجمع البيان الدائرة هي الراجعة بخير أو شر و دائرة السوء العذاب و الهلاك. و قال ابن أبي الحديد السوء المصدر و السوء الاسم و الدوائر أيضا الدواهي

558-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى معاوية و إن البغي و الزور يوتغان المرء في دينه و دنياه و يبديان خلله عند من يعيبه و قد علمت أنك غير مدرك ما قد قضى فواته و قد رام أقوام أمرا بغير الحق فتأولوا على الله فأكذبهم فاحذر يوما يغتبط فيه من أحمد عاقبة عمله و يندم من أمكن الشيطان من قياده فلم يجاذبه و قد دعوتنا إلى حكم القرآن و لست من أهله و لسنا إياك أجبنا و لكن أجبنا القرآن إلى حكمه

 بيان يوتغان أي يهلكان و في بعض النسخ يذيعان أي يظهران سره و يفضحانه و قال الجوهري الخلل فساد في الأمر. قوله ع فتأولوا قال الراوندي معناه قد طلب قوم أمر هذه الأمة فتأولوا القرآن كقوله تعالى وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فسموا من نصبوه من الأمراء أولي الأمر متحكمين على الله فأكذبهم الله بكونهم ظالمين بغاة و لا يكون الوالي من قبل الله كذلك. و قال ابن ميثم بغوا على سلطان الله و هي الخلافة الحقة فجعلوا لخروجهم و بغيهم تأويلا و هو الطلب بدم عثمان و نحوه من الشبه الباطلة فأكذبهم الله بنصره عليهم و رد مقتضى شبههم و الإكذاب كما يكون بالقول يكون بالفعل. و قال ابن أبي الحديد في بعض النسخ فتأولوا على الله أي حلفوا أي من أقسم تجبرا و اقتدارا لأفعلن كذا أكذبه الله و لم يبلغه أمله و روي تأولوا على الله أي حرفوا الكلام عن مواضعه و تعلقوا بشبهة في تأويل القرآن انتصارا لمذاهبهم فأكذبهم الله بأن ظهر للعقلاء فساد تأويلاتهم و الأول أصح. قوله ع يغتبط فيه أي يتمنى مثل حاله من أحمد عاقبة عمله أي وجدها محمودة و قياد الدابة ما تقاد به. و قال ابن ميثم كتب ع هذا الكتاب بعد التحكيم أو عند إجابته للتحكيم

559-  شا، ]الإرشاد[ من كلام أمير المؤمنين صلوات الله عليه حين رجع أصحابه عن القتال بصفين لما اغترهم معاوية برفع المصاحف فانصرفوا عن الحرب لقد فعلتم فعلة ضعضعت من الإسلام قواه و أسقطت منته و أورثت وهنا و ذلة لما كنتم الأعلين و خاف عدوكم الاجتياح و استحر بهم القتل و وجدوا ألم الجراح رفعوا المصاحف و دعوكم إلى ما فيها ليفثؤكم عنها و يقطعوا الحرب فيما بينكم و بينهم و يتربصوا بكم ريب المنون خديعة و مكيدة فما أنتم إن جامعتموهم على ما أحبوا و أعطيتموهم الذي سألوا إلا مغرورين و ايم الله ما أظنكم بعدها موافقي رشد و لا مصيبي حزم

 بيان المنة بالضم القوة و استحر القتل اشتد ذكرهما الجوهري و قال فثأت القدر سكنت غليانها بالماء و فثأت الرجل عني إذا كسرته بقول أو غيره و سكنت غضبه و ريب المنون حوادث الدهر و المنون الموت أيضا

560-  شا، ]الإرشاد[ و من كلامه ع بعد كتب صحيفة الموادعة و التحكيم و قد اختلف عليه أهل العراق على ذلك فقال و الله ما رضيت و لا أحببت أن ترضوا فإذا أبيتم إلا أن ترضوا فقد رضيت و إذا رضيت فلا يصلح الرجوع بعد الرضا و لا التبديل بعد الإقرار إلا أن يعصى الله بنقض العهد و يتعدى كتابه بحل العقد فقاتلوا حينئذ من ترك أمر الله و أما الذي أنكرتم على الأشتر من تركه أمري بخط يده في الكتاب و خلافه ما أنا عليه فليس من أولئك و لا أخافه على ذلك و ليت فيكم مثله اثنين بل ليت فيكم مثله واحدا يرى في عدوكم ما يرى إذا لخفت على مئونتكم و رجوت أن يستقيم لي بعض أودكم و قد نهيتكم عما أتيتم و عصيتموني فكنت أنا و أنتم كما قال أخو هوازن

و هل أنا إلا من غزية إن غوت غويت و إن ترشد غزية أرشد

 بيان قال الجوهري غزية قبيلة قال دريد بن الصمة و ذكر البيت

  -561  يج، ]الخرائج و الجرائح[ شا، ]الإرشاد[ قال أمير المؤمنين ع عند ما رفع أهل الشام المصاحف و شك فريق من أصحابه و لجئوا إلى المسالمة و دعوه إليها ويلكم إن هذه خديعة و ما يريد القوم القرآن لأنهم ليسوا بأهل قرآن فاتقوا الله و امضوا على بصائركم في قتالهم فإن لم تفعلوا تفرقت بكم السبل و ندمتم حيث لا تنفعكم الندامة و كان الأمر كما قال و كفر القوم بعد التحكيم و ندموا على ما فرط منهم في الإجابة إليه و تفرق بهم السبل و كان عاقبتهم الدمار

 562-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ روي في معنى قوله تعالى وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ أنه كان أبو موسى و عمرو

 و روى ابن مردويه بأسانيده عن سويد بن غفلة أنه قال كنت مع أبي موسى على شاطئ الفرات فقال سمعت رسول الله ص يقول إن بني إسرائيل اختلفوا فلم يزل الاختلاف بينهم حتى بعثوا حكمين ضالين ضال من اتبعهما و لا تنفك أموركم تختلف حتى تبعثوا حكمين يضلان و يضل من تبعهما قال سويد فقلت أعيذك بالله أن تكون أحدهما قال فخلع قميصه و قال برأني الله من ذلك كما برأني من قميصي و لما جرى ليلة الهرير صاحوا يا معاوية هلكت العرب فقال يا عمرو أ نفر أو نستأمن قال لنرفع المصاحف على الرماح و نقرأ أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَ هُمْ مُعْرِضُونَ فإن قبلوا حكم القرآن رفعنا الحرب و رافعنا بهم إلى أجل و إن أبا بعضهم إلا القتال فللنا شوكتهم و يقع بينهم الفرقة و أمر بالنداء و أن يصرخ فيهم فلسنا و لستم من المشركين و لا المجمعين على الردة فإن تقبلوها ففيها البقاء للفرقتين و للبلدة و إن تدفعوها ففيها الفناء و كل بلاء إلى مدة فقال مسعر بن فدكي و زيد بن حصين الطائي و الأشعث بن قيس الكندي أجب القوم إلى كتاب الله فقال أمير المؤمنين ويحكم و الله إنهم ما رفعوا المصاحف إلا خديعة و مكيدة حين علوتموهم و قال خالد بن معمر السدوسي يا أمير المؤمنين أحب الأمور إلينا ما كفينا مئونته و أنشد رفاعة بن شداد البجلي

و إن حكموا بالعدل كانت سلامة و إلا أثرناها بيوم قماطر

فقصد إليه عشرون ألف رجل يقولون يا علي أجب إلى كتاب الله إذا دعيت إليه و إلا دفعناك برمتك إلى القوم أو نفعل بك ما فعلنا بعثمان قال فاحفظوا عني مقالتي فإني آمركم بالقتال فإن تعصوني فافعلوا ما بدا لكم قالوا فابعث إلى الأشتر ليأتيك فبعث إليه يزيد بن هانئ السبيعي يدعوه فقال الأشتر إني قد رجوت أن يفتح الله لي لا تعجلني و شدد في القتال فقالوا حرضته في الحرب فابعث إليه بعزيمتك ليأتيك و إلا و الله اعتزلناك فقال علي ع يا يزيد عد إليه فقل له عد إلينا فإن الفتنة قد وقعت فسار إليه يزيد و أبلغه مقال علي ع فأقبل الأشتر و هو يقول لأهل العراق يا أهل الذل و الوهن أ حين علوتم القوم و علموا أنكم لهم قاهرون فرفعوا لكم المصاحف خديعة و مكرا فقالوا قاتلناهم في الله و نترك قتالهم الآن في الله فقال أمهلوني ساعة فإني أحسست بالفتح و أيقنت بالظفر قالوا لا قال أمهلوني عدوة فرسي قالوا إنا لسنا نطيعك و لا لصاحبك و نحن نرى المصاحف على رءوس الرماح ندعى إليها فقال خدعتم و الله فانخدعتم و دعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم فقام جماعة من بكر بن وائل فقالوا يا أمير المؤمنين إن أجبت القوم أجبنا و إن أبيت أبينا فقال ع نحن أحق من أجاب إلى كتاب الله و إن معاوية و عمروا و ابن أبي معيط و حبيب بن مسلمة و ابن أبي سرح و الضحاك بن قيس ليسوا بأصحاب دين و قرآن أنا أعرف بهم منكم قد صحبتهم أطفالا و رجالا في كلام له فقال أهل الشام فإنا قد اخترنا عمروا فقال الأشعث و ابن الكواء و مسعر الفدكي و زيد الطائي نحن اخترنا أبا موسى فقال أمير المؤمنين فإنكم قد عصيتموني في أول الأمر فلا تعصوني الآن فقالوا إنه قد كان يحذرنا مما وقعنا فيه فقال أمير المؤمنين إنه ليس بثقة قد فارقني و قد خذل الناس عني ثم هرب مني حتى آمنته بعد شهر و لكن هذا ابن عباس أوليه ذلك قالوا و الله ما نبالي أنت كنت أم ابن عباس قال فالأشتر قال الأشعث و هل سعر الحرب غير الأشتر و هل نحن إلا في حكم الأشتر قال الأعمش حدثني من رأى عليا ع يوم صفين يصفق بيديه و يقول يا عجبا أعصى و يطاع معاوية و قال قد أبيتم إلا أبا موسى قالوا نعم قال فاصنعوا ما بدا لكم اللهم إني أبرأ إليك من صنيعهم و قال الأحنف إذا اخترتم أبا موسى فادفئوا ظهره فقال خريم بن فاتك الأسدي

لو كان للقوم رأي يرشدون به أهل العراق رموكم بابن عباس‏لكن رموكم بشيخ من ذوي يمن لم يدر ما ضرب أسداس و أخماس

فلما اجتمعوا كان كاتب علي ع عبيد الله بن أبي رافع و كاتب معاوية عمير بن عباد الكلبي فكتب عبيد الله هذا ما تقاضى عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب و معاوية بن أبي سفيان فقال عمرو اكتبوا اسمه و اسم أبيه هو أميركم فأما أميرنا فلا فقال الأحنف لا تمح اسم إمارة المؤمنين فقال علي ع الله أكبر سنة بسنة و مثل بمثل و إني لكاتب يوم الحديبية

 و روى أحمد في المسند أن النبي ص أمر أن يكتب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فقال سهيل بن عمرو هذا كتاب بيننا و بينك فافتحه بما نعرفه و اكتب باسمك اللهم فأمر بمحو ذلك و كتب باسمك اللهم هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله و سهيل بن عمرو و أهل مكة فقال سهيل لو أجبتك إلى هذا لأقررت لك بالنبوة فقال امحها يا علي فجعل يتلكأ و يأبى فمحاها النبي ص و كتب هذا ما اصطلح محمد بن عبد الله بن عبد المطلب و أهل مكة يقول الله في كتابه لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ

 و روى محمد بن إسحاق عن بريدة بن سفين عن محمد بن كعب أن النبي ص قال لعلي فإن لك مثلها تعطيها و أنت مضطهد

 بيان و إلا أثرناها أي هيجنا الحرب من أثار الغبار بيوم قماطر بضم القاف أي في يوم شديد قال الجوهري يوم قماطر و قمطرير أي شديد

563-  كش، ]رجال الكشي[ روت بعض العامة عن الحسن البصري قال حدثني الأحنف أن عليا ع كان يأذن لبني هاشم و كان يأذن لي معهم قال فلما كتب إليه معاوية إن كنت تريد الصلح فامح عنك اسم الخلافة فاستشار بني هاشم فقال له رجل منهم انزح هذا الاسم الذي نزحه الله قال فإن كفار قريش لما كان بين رسول الله ص و بينهم ما كان و كتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله أهل مكة كرهوا ذلك و قالوا لو نعلم أنك لرسول الله ما منعناك أن تطوف بالبيت قال فكيف إذا قالوا اكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله أهل مكة فرضي قال الأحنف فقلت لذلك الرجل كلمة فيها غلظة و قلت لعلي أيها الرجل و الله ما لك ما قال رسول الله إنا ما حابيناك في بيعتنا و لو نعلم أحدا في الأرض اليوم أحق بهذا الأمر منك لبايعناه و لقاتلناك معه أقسم بالله إن محوت عنك هذا الاسم الذي دعوت الناس إليه و بايعتهم عليه لا نرجع إليه أبدا

 بيان انزح هذا الاسم من باب الإفعال أي بعد أو على بناء المجرد من نزح البئر يقال نزحتني أي أنفدت ما عندي و لعله كان هذا القبيح من القول للتضجر من اضطراب الأمر. و قراءته بصيغة الماضي على الاستفهام الإنكاري فيكون المرفوع في الأول و المنصوب في الثاني راجعين إلى معاوية بعيدة. و يمكن أن يكون بالباء الموحدة و الراء المهملة أي عظمه و أكرمه أو بالياء و الجيم أي أظهره فيكون غلظة الأحنف على القائل الثاني

  -564  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ المفيد عن محمد بن عمران عن محمد بن موسى عن محمد بن أبي السري عن هشام عن أبي مخنف عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه قال لما وقع الاتفاق على كتب القصة بين أمير المؤمنين ع و بين معاوية بن أبي سفيان حضر عمرو بن العاص في رجال من أهل الشام و عبد الله بن عباس في رجال من أهل العراق فقال أمير المؤمنين ع للكاتب اكتب هذا ما تقاضى عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب و معاوية بن أبي سفيان فقال عمرو بن العاص اكتب اسمه و اسم أبيه و لا تسمه بإمرة المؤمنين فإنما هو أمير هؤلاء و ليس هو بأميرنا فقال الأحنف بن قيس لا تمح هذا الاسم فإني أتخوف إن محوته لا يرجع إليك أبدا فامتنع أمير المؤمنين ع من محوه فتراجع الخطاب فيه مليا من النهار فقال الأشعث بن قيس امح هذا الاسم نزحه الله فقال أمير المؤمنين ع الله أكبر سنة بسنة و مثل بمثل و الله إني لكاتب رسول الله ص يوم الحديبية و قد أملى علي هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو فقال له سهيل امح رسول الله فإنا لا نقر لك بذلك و لا نشهد لك به اكتب اسمك و اسم أبيك فامتنعت من محوه فقال النبي ص امحه يا علي و ستدعى في مثلها فتجيب و أنت على مضض فقال عمرو بن العاص سبحان الله و مثل هذا يشبه بذلك و نحن مؤمنون و أولئك كانوا كفارا فقال أمير المؤمنين ع يا ابن النابغة و متى لم تكن للفاسقين وليا و للمسلمين عدوا و هل تشبه إلا أمك التي دفعت بك فقال عمرو بن العاص لا جرم لا يجمع بيني و بينك مجلس أبدا فقال أمير المؤمنين ع و الله إني لأرجو أن يطهر الله مجلسي منك و من أشباهك ثم كتب الكتاب و انصرف الناس

565-  فس، ]تفسير القمي[ في قصة الحديبية قال رسول الله ص يا علي إنك أبيت أن تمحو اسمي من النبوة فو الذي بعثني بالحق نبيا لتجيبن أبناءهم إلى مثلها و أنت مضيض مضطهد فلما كان يوم صفين و رضوا بالحكمين كتب هذا ما اصطلح عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب و معاوية بن أبي سفيان فقال عمرو بن العاص لو علمنا أنك أمير المؤمنين ما حاربناك و لكن اكتب هذا ما اصطلح عليه علي بن أبي طالب و معاوية بن أبي سفيان فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه صدق الله و صدق رسوله أخبرني رسول الله ص بذلك

 بيان المضض وجع المصيبة

566-  ل، ]الخصال[ فيما أجاب به أمير المؤمنين ع اليهودي السائل عما فيه من خصال الأوصياء قال ع و أما السادسة يا أخا اليهود فتحكيمهم و محاربة ابن آكلة الأكباد و هو طليق بن طليق معاند لله عز و جل و لرسوله و للمؤمنين منذ بعث الله محمدا ص إلى أن فتح الله عليه مكة عنوة فأخذت بيعته و بيعة أبيه لي معه في ذلك اليوم و في ثلاثة مواطن بعده و أبوه بالأمس أول من سلم علي بإمرة المؤمنين و جعل يحثني على النهوض في أخذ حقي من الماضين قبلي يجدد لي بيعته كلما أتاني و أعجب العجب أنه لما رأى ربي تبارك و تعالى قد رد إلي حقي و أقره في معدنه و انقطع طمعه أن يصير في دين الله رابعا و في أمانة حملناها حاكما كر على العاصي بن العاص فاستماله فمال إليه ثم أقبل به بعد إذ أطمعه مصر و حرام عليه أن يأخذ من الفي‏ء دون قسمه درهما و حرام على الراعي إيصال درهم إليه فوق حقه فأقبل يخبط البلاد بالظلم و يطؤها بالغشم فمن بايعه أرضاه و من خالفه ناواه ثم توجه إلي ناكثا علينا مغيرا في البلاد شرقا و غربا و يمينا و شمالا و الأنباء تأتيني و الأخبار ترد علي بذلك فأتاني أعور ثقيف فأشار علي أن أوليه البلاد التي هو بها لأداريه بما أوليه عنها و في الذي أشار به الرأي في أمر الدنيا لو وجدت عند الله عز و جل في توليته لي مخرجا و أصبت لنفسي في ذلك عذرا فأعملت الرأي في ذلك و شاورت من أثق بنصيحته لله عز و جل و لرسوله ص و لي و للمؤمنين فكان رأيه في ابن آكلة الأكباد كرأيي ينهاني عن توليته و يحذرني أن أدخل في أمر المسلمين يده و لم يكن الله ليراني أتخذ المضلين عضدا فوجهت إليه أخا بجيلة مرة و أخا الأشعريين مرة كلاهما ركن إلى الدنيا و تابع هواه فيما أرضاه فلما لم أره يزداد فيما انتهك من محارم الله إلا تماديا شاورت من معي من أصحاب محمد ص البدريين و الذين ارتضى الله عز و جل أمرهم و رضي عنهم بعد بيعتهم و غيرهم من صلحاء المسلمين و التابعين فكل يوافق رأيه رأيي في غزوة و محاربته و منعه مما نالت معه يده و إني نهضت إليه بأصحابي أنفذ إليه من كل موضع كتبي و أوجه إليه رسلي و أدعوه إلى الرجوع عما هو فيه و الدخول فيما فيه الناس معي فكتب إلي يتحكم علي و يتمنى علي الأماني و يشترط علي شروطا لا يرضاها الله عز و جل و رسوله و لا المسلمون و يشترط في بعضها أن أدفع إليه أقواما من أصحاب محمد ص أبرارا فيهم عمار بن ياسر و أين مثل عمار و الله لقد رأيتنا مع النبي ص ما يعد منا خمسة إلا كان سادسهم و لا أربعة إلا كان خامسهم اشترط دفعهم إليه ليقتلهم و يصلبهم و انتحل دم عثمان و لعمر الله ما ألب على عثمان و لا جمع الناس على قتله إلا هو و أشباهه من

 أهل بيته أغصان الشجرة الملعونة في القرآن فلما لم أجب إلى ما اشترط من ذلك كر مستعليا في نفسه بطغيانه و بغيه بحمير لا عقول لهم و لا بصائر فموه لهم أمرا فاتبعوه و أعطاهم من الدنيا ما أمالهم به إليه فناجزناهم و حاكمناهم إلى الله عز و جل بعد الإعذار و الإنذار فلما لم يزده ذلك إلا تماديا و بغيا لقيناه بعادة الله التي عودنا من النصر على أعدائه و عدونا و راية رسول الله بأيدينا لم يزل الله تبارك و تعالى يفل حزب الشيطان بها حتى يقضي الموت عليه و هو معلم رايات أبيه التي لم أزل أقاتلها مع رسول الله ص في كل المواطن فلم يجد من الموت منجى إلا الهرب فركب فرسه و قلب رايته و لا يدري كيف يحتال فاستعان برأي ابن العاص فأشار عليه بإظهار المصاحف و رفعها على الأعلام و الدعاء إلى ما فيها و قال إن ابن أبي طالب و حزبه أهل بصائر و رحمة و بقيا و قد دعوك إلى كتاب الله أولا و هم مجيبوك إليه آخرا فأطاعه فيما أشار به عليه إذ رأى أنه لا منجى له من القتل أو الهرب غيره فرفع المصاحف يدعو إلى ما فيها بزعمه فمالت إلى المصاحف قلوب من بقي من أصحابي بعد فناء خيارهم و جهدهم في جهاد أعداء الله و أعدائهم على بصائرهم فظنوا أن ابن آكلة الأكباد له الوفاء بما دعا إليه فأصغوا إلى دعوته و أقبلوا بأجمعهم في إجابته فأعلمتهم أن ذلك منه مكر و من ابن العاص معه و أنهما إلى النكث أقرب منهما إلى الوفاء فلم يقبلوا قولي و لم يطيعوا أمري و أبوا إلا إجابته كرهت أم هويت شئت أو أبيت حتى أخذ بعضهم يقول لبعض إن لم يفعل فألحقوه بابن عفان أو ادفعوه إلى ابن هند برمته فجهدت علم الله جهدي و لم أدع علة في نفسي إلا بلغتها في أن يخلوني و رأيي فلم يفعلوا و راودتهم على الصبر على مقدار فواق الناقة أو ركضة الفرس فلم يجيبوا ما خلا هذا الشيخ و أومأ بيده إلى الأشتر و عصبة من أهل بيتي فو الله ما منعني أن أمضي على بصيرتي إلا مخافة أن يقتل هذان و أومأ بيده إلى الحسن و الحسين فينقطع نسل رسول الله ص و ذريته من أمته و مخافة أن يقتل هذا و هذا و أومأ بيده إلى عبد الله بن جعفر و محمد بن الحنفية رضي الله عنهما فإني أعلم لو لا مكاني لم يقفا ذلك الموقف فلذلك صبرت على ما أراد القوم مع ما سبق فيه من علم الله عز و جل فلما رفعنا عن القوم سيوفنا تحكموا في الأمور و تخيروا الأحكام و الآراء و تركوا المصاحف و ما دعوا إليه من حكم القرآن و ما كنت أحكم في دين الله أحدا إذ كان التحكيم في ذلك الخطأ الذي لا شك فيه و لا امتراء فلما أبوا إلا ذلك أردت أن أحكم رجلا من أهل بيتي أو رجلا ممن أرضى رأيه و عقله و أثق بنصيحته و مودته و دينه و أقبلت لا أسمي أحدا إلا امتنع منه ابن هند و لا أدعوه إلى شي‏ء من الحق إلا أدبر عنه و أقبل ابن هند يسومنا عسفا و ما ذاك إلا باتباع أصحابي له على ذلك فلما أبوا إلا غلبتي على التحكيم تبرأت إلى الله عز و جل منهم و فوضت ذلك إليهم فقلدوه امرأ فخدعه ابن العاص خديعة ظهرت في شرق الأرض و غربها و أظهر المخدوع عليها ندما

 بيان قوله ع و في أمانة حملناها إشارة إلى أن الأمانة في قوله تعالى إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ هي الخلافة كما مر و سيأتي و كونه حاكما أن يكون بمشورته و كون الأمر شورى كما كان يظهر كثيرا و خبط البعير الأرض بيده خبطا ضربها و منه قيل خبط عشواء و هي الناقة التي في بصرها ضعف تخبط إذا مشت لا تتوقى شيئا و الغشم الظلم و يقال أبقيت على فلان إذا رعيت عليه و رحمته و الاسم منه البقيا قاله الجوهري و قال الرمة قطعة من الحبل بالية و منه قولهم دفع إليه الشي‏ء برمته و أصله أن رجلا دفع إلى رجل بعيرا بحبل في عنقه فقيل ذلك لكل من دفع شيئا بجملته و يقال سامه خسفا أي أورده عليه و العسف الأخذ على غير الطريق و الظلم

567-  كتاب سليم بن قيس، قال أمير المؤمنين ع للحكمين حين بعثهما احكما بكتاب الله و سنة نبيه و إن كان فيهما حز حلقي فإنه من قادها إلى هؤلاء فإن نيتهم أخبث فقال له رجل من الأنصار و في رواية أخرى فلقيه صديق له من الأنصار فقال ما هذا الانتشار الذي بلغني عنك ما كان أحد من الأمة أضبط للأمر منك فما هذا الاختلاف و الانتشار فقال له علي ع أنا صاحبك الذي تعرف إلا أني قد بليت بأخابث من خلق الله أريدهم على الأمر فيأبون فإن تابعتهم على ما يريدون تفرقوا عني

 بيان الحز بالحاء المهملة القطع و القرض فإنه من قادها أي الخلافة

568-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من خطبة له ع بعد التحكيم الحمد لله و إن أتى الدهر بالخطب الفادح و الحدث الجليل و أشهد أن لا إله إلا الله لا شريك له ليس معه إله غيره و أن محمدا عبده و رسوله ص أما بعد فإن معصية الناصح الشفيق العالم المجرب تورث الحسرة و تعقب و الندامة و قد كنت أمرتكم في هذه الحكومة أمري و نخلت لكم مخزون رأيي لو كان يطاع لقصير أمر فأبيتم علي إباء المخالفين الجفاة و المنابذين العصاة حتى ارتاب الناصح بنصحه و ضن الزند بقدحه فكنت و إياكم كما قال أخو هوازن

أمرتكم أمري بمنعرج اللوى فلم تستبينوا النصح إلا ضحى الغد

 بيان الخطب الأمر العظيم و الفادح الثقيل. و قال الجوهري المجرب الذي قد جربته الأمور و أحكمته فإن كسرت الراء جعلته فاعلا إلا أن العرب تكلمت به بالفتح قوله ع و نخلت أي أخلصت و صفيت من نخلت الدقيق بالمنخل قوله ع لو كان يطاع يطاع هو مثل يضرب لمن خالف ناصحه و أصل المثل أن قصيرا كان مولى لجذيمة بن الأبرش بعض ملوك العرب و قد كان جذيمة قتل أبا الزبا ملكة الجزيرة فبعث إليه ليتزوج بها خدعة و سألته القدوم عليها فأجابها إلى ذلك و خرج في ألف فارس و خلف باقي جنوده مع ابن أخته و قد كان قصيرا أشار عليه بأن لا يتوجه إليها فلم يقبل فلما قرب الجزيرة استقبلته جنود الزبا بالعدة و لم ير منهم إكراما له فأشار عليه قصير بالرجوع و قال من شأن النساء الغدر فلم يقبل فلما دخل عليها قتلته فعندها قال قصير لا يطاع لقصير أمر فصار مثلا لكل ناصح عصي. و قال ابن ميثم و قد يتوهم أن جواب لو هاهنا مقدم و الحق أن جوابها محذوف و التقدير إني أمرتكم و نصحت لكم فلو أطعتموني لفعلتم ما أمرتكم به. قوله ع فأبيتم إلى آخره في تقدير استثناء لنقيض التالي و تقديره لكنكم أبيتم علي إباء المخالفين انتهى. و لعل الأنسب على تقدير الجواب أن يقال لو أطعتموني لما أصابتكم حسرة و ندامة أو لكان حسنا و نحوهما و يحتمل أن يكون لو للتمني فلا يحتاج إلى تقدير جواب على بعض الأقوال. و قال في القاموس الانتباذ التنحي و تحيز كل من الفريقين في الحرب كالمنابذة. قوله ع حتى ارتاب الناصح لعله محمول على المبالغة أي لو كان ناصح غيري لارتاب. قوله ع و ضن الزند بقدحه الزند العود الذي يقدح به النار قيل هو مثل يضرب لمن يبخل بفوائده إذا لم يجد لها قابلا عارفا بحقها. و أخو هوازن هو الدريد بن الصمة و البيت من قصيدة له في الحماسة و قصته أن أخاه عبد الله بن الصمة غزا بني بكر بن هوازن فغنم منهم و استاق إبلهم فلما كان بمنعرج اللوى قال و الله لا أبرح حتى أنحر النقيعة و هي ما ينحر من النهب قبل القسمة فقال أخوه لا تفعل فإن القوم في طلبك و أبى عليه و أقام و نحر النقيعة و بات فلما أصبح هجم القوم عليه و طعن عبد الله بن الصمة فاستغاث بأخيه دريد فنهنه عنه القوم حتى طعن هو أيضا و صرع و قتل عبد الله و حال الليل بين القوم فنجا دريد بعد طعنات و جراح فأنشد القصيدة و مطابقة المثل للمضرب ظاهرة

569-  أقول وجدت في بعض نسخ نهج البلاغة، من خطبة له ع في شأن الحكمين و ذم أهل الشام جفاة طغام عبيد أقزام جمعوا من كل أوب و تلقطوا من كل شوب ممن ينبغي أن يفقه و يؤدب و يعلم و يدرب و يولى عليه و يؤخذ على يديه ليسوا من الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ و لا من الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ ألا و إن القوم اختاروا لأنفسهم أقرب القوم مما يحبون و إنكم اخترتم لأنفسكم أقرب القوم مما تكرهون و إنما عهدكم بعبد الله بن قيس بالأمس يقول إنها فتنة فقطعوا أوتاركم و شيموا سيوفكم فإن كان صادقا فقد أخطأ بمسيره غير مستكره و إن كان كاذبا فقد لزمته التهمة فادفعوا في صدر عمرو بن العاص بعبد الله بن العباس و خذوا مهل الأيام و حوطوا قواصي الإسلام أ لا ترون إلى بلادكم تغزى و إلى صفاتكم ترمى

 بيان لم يتعرض له الشراح و في القاموس القزم محركة الدناءة و القماءة أو صغر الجسم في الجمال و صغر الأخلاق في الناس و رذال الناس للواحد و الجمع و الذكر و الأنثى و قد يثنى و يجمع و يذكر و يؤنث يقال رجل قزم و رجال أقزام و ككتاب اللئام و ككتف و جبل الصغير الجثة اللئيم لا غناء عنده. و قال الأوب الطريق و الجهة و الشوب الخلط أي من أخلاط الناس. قوله ع و يولى علة أي هم من السفهاء الذين ينبغي أن يتولى أمورهم غيرهم من الأولياء و الحكام. و في القاموس شام سيفه يشيمه غمده و استله ضد و قال المهل و يحرك و المهلة بالضم السكينة و الرفق و مهله تمهيلا أجله و المهل محركة التقدم في الخير و أمهله أنظره و لعل المعنى اغتنموا المهلة و اشتغلوا بحفظ البلاد القاصية و ثغور المسلمين عن غارات الكافرين و المنافقين و لعل رمي الصفاة كناية عن طمعهم فيما لم يكونوا يطمعون قبل ذلك فإن الرمي على الصفاة و هي الحجر الأملس لا يؤثر و قد مر قريب منه في كلامه ع