باب 29- باب كتب أمير المؤمنين ع و وصاياه إلى عماله و أمراء أجناده

680-  ف، ]تحف العقول[ وصيته لزياد بن النضر حين أنفذه على مقدمته إلى صفين اتق الله في كل ممسى و مصبح و خف على نفسك الغرور و لا تأمنها على حال من البلاء و اعلم أنك إن لم تزع نفسك عن كثير مما تحب مخافة مكروهة سمت بك الأهواء إلى كثير من الضر حتى تطعن فكن لنفسك مانعا وازعا عن الظلم و الغي و البغي و العدوان قد وليتك هذا الجند فلا تستذلنهم و لا تستطل عليهم فإن خيركم أتقاكم تعلم من عالمهم و علم جاهلهم و احلم عن سفيههم فإنك إنما تدرك الخير بالعلم و كف الأذى و الجهل ثم أردفه ع بكتاب يوصيه فيه و يحذره و هذا نصه اعلم أن مقدمة القوم عيونهم و عيون المقدمة طلائعهم فإذا أنت خرجت من بلادك و دنوت من عدوك فلا تسأم من توجيه الطلائع في كل ناحية و في بعض الشعاب و الشجر و الخمر و في كل جانب حتى لا يغتركم عدوكم و يكون لكم كمين و لا تسير الكتائب و القبائل من لدن الصباح إلى المساء إلا على تعبئة فإن دهمكم أمر أو غشيكم مكروه كنتم قد تقدمتم في التعبئة و إذا نزلتم بعد و نزل بكم فليكن معسكركم في إقبال الشراف أو في سفاح الجبال و أثناء الأنهار كي ما تكون لكم ردءا و دونكم مردا و لتكن مقاتلتكم من وجه واحد أو اثنين و اجعلوا رقباء في صياصي الجبال و بأعلى الشراف و بمناكب الأنهار يرتوون لكم لئلا يأتيكم عدو من مكان مخافة أو أمن و إذا نزلتم فانزلوا جميعا و إذا رحلتم فارحلوا جميعا و إذا غشيكم الليل فنزلتم فحفوا عسكركم بالرماح و الترسة و اجعلوا رماتكم يلون ترستكم كيلا تصاب لكم غرة و لا تلقى لكم غفلة و احرس عسكرك بنفسك و إياك أن ترقد إلى أن تصبح إلا غرارا أو مضمضة ثم ليكن ذلك شأنك و دأبك حتى ننتهي إلى عدوك و عليك بالتؤدة في حربك و إياك و العجلة إلا أن تمكنك فرصة و إياك أن تقاتل إلا أن يبدءوك أو يأتيك أمري و السلام عليك و رحمة الله

 بيان قوله ع حتى تطعن بضم العين أي تكبر من قولهم طعن في السن و قد مضى شرحها و إنما كررنا للاختلاف بين الروايات

681-  يب، ]تهذيب الأحكام[ سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن إبراهيم بن عمران الشيباني عن يونس بن إبراهيم عن يحيى بن الأشعث الكندي عن مصعب بن يزيد الأنصاري قال استعملني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع على أربعة رساتيق المدائن البهقباذات و نهر شيريا و نهر جوير و نهر الملك و أمرني أن أضع على كل جريب زرع غليظ درهما و نصفا و على كل جريب وسط درهما و على كل جريب زرع رقيق ثلثي درهم و على كل جريب كرم عشرة دراهم و على كل جريب نخل عشرة دراهم و على كل جريب البساتين التي تجمع النخل و الشجر عشرة دراهم و أمرني أن ألقي كل نخل شاذ عن القرى لمارة الطريق و ابن السبيل و لا آخذ منه شيئا و أمرني أن أضع على الدهاقين الذين يركبون البراذين و يتختمون بالذهب على كل رجل منهم ثمانية و أربعين درهما و على أوساطهم و التجار منهم على كل رجل أربعة و عشرين درهما و على سفلتهم و فقرائهم اثني عشر درهما على كل إنسان منهم قال فجبيتها ثمانية عشر ألف ألف درهم في سنة

 إيضاح قال محمد بن إدريس رحمه الله في كتاب السرائر بهرسير بالباء المنقطة من تحتها نقطة واحدة و السين غير المعجمة هي المدائن و الدليل على ذلك أن الراوي قال استعملني على أربعة رساتيق ثم عد خمسة فذكر المدائن ثم ذكر من جملة الخمسة بهرسير فعطف على اللفظ دون المعنى. فإن قيل لا يعطف الشي‏ء على نفسه قلنا إنما عطف على اللفظة دون المعنى و هذا كثير في القرآن و الشعر قال الشاعر

إلى الملك القرم و ابن الهمام و ليث الكتيبة في المزدحم.

 فكل هذه الصفات راجعة إلى موصوف واحد و قد عطف بعضها على بعض لاختلاف ألفاظها. و يدل على ما قلناه أيضا ما ذكره أصحاب السير في كتاب صفين قالوا لما سار أمير المؤمنين ع إلى صفين قالوا ثم مضى نحو ساباط حتى انتهى إلى مدينة بهرسير و إذا رجل من أصحابه ينظر إلى آثار كسرى و هو يتمثل بقول ابن يعفور السهمي 

جرت الرياح إلى محل ديارهم فكأنما كانوا على ميعاد.

 فقال ع أ فلا قلت كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ وَ زُرُوعٍ وَ مَقامٍ كَرِيمٍ وَ نَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ كَذلِكَ وَ أَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ الآية. و أما البهقباذات فهي ثلاثة البهقباذ الأعلى و هي ستة طساسيج طسوج بابل و خطرنية و الفلوجة العليا و السفلى و النهرين و عين التمر. و البهقباذ الأوسط أربعة طساسيج طسوج الجية و البداءة و سور إبريسما و نهر الملك و بارسوما. و البهقباذ الأسفل خمسة طساسيج منها طسوج فرات و بارقلي و طسوج السيلحين الذي فيه الخورنق و السدير ذكر ذلك عبد الله بن خردادبه في كتاب الممالك و المسالك. أقول إنه رحمه الله بنى كلامه على ما نقله من كتاب المقنعة و فيه و البهقباذات مع العطف. و على ما في كتاب التهذيب الظاهر إضافة الرساتيق إلى المدائن فيحتمل أن يكون بهرسير عطفا على أربعة و يكون البهقباذات بيانا لأربعة رساتيق المدائن أي استعملني على البهقباذات و على بهرسير. و أن يكون معطوفا على رساتيق أي استعملني على أربعة أشياء أحدها رساتيق المدائن و هي البهقباذات و الثاني بهرسير و هكذا. و أن يكون معطوفا على البهقباذات إحدى الرساتيق و المحل الذي يجري فيه نهر شيريا ثانيها. ثم اختلف في قراءة بهرسير فقد قرأ ابن إدريس كما عرفت و يؤيده ما نقله و نقلنا أيضا في موضع آخر من كتاب صفين. و قرأ بعض الأفاضل نهرسير بالنون و السين المهملة و بعضهم نهرشير بالنون و الشين المعجمة و قال هو النهر الذي عمله فرهاد لشيرين و هو من أعمال المدائن و منهم من قرأ بهرشير بالباء و الشين المعجمة أي المعمول لأجل اللبن و هو بعيد و منهم من قرأ نهرسر بإسقاط الياء من بين المهملين أي النهر الأعلى و كذا اختلف النسخ في نهر جوير ففي بعضها بالجيم فالواو فالياء المثناة التحتانية فالراء المهملة و في بعضها بإبدال الياء باء موحدة و في بعضها بإبدال الراء نونا و قال الفيروزآبادي الطسوج كسفود الناحية و في النهاية هو استخراج المال من مظانه

682-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى أمرائه على الجيوش من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى أصحاب المسالح أما بعد فإن حقا على الوالي أن لا يغيره على رعيته فضل ناله و لا طول خص به و أن يزيده ما قسم الله له من نعمه دنوا من عباده و عطفا على إخوانه ألا و أن لكم عندي أن لا احتجز دونكم سرا إلا في حرب و لا أطوي دونكم أمرا إلا في حكم و لا أؤخر لكم حقا عن محله و لا أقف به دون مقطعه و أن تكونوا عندي في الحق سواء فإذا فعلت ذلك وجبت لله عليكم النعمة و لي عليكم الطاعة و أن لا تنكصوا عن دعوة و لا تفرطوا في صلاح و أن تخوضوا الغمرات إلى الحق فإن أنتم لم تستقيموا لي على ذلك يكن أحد أهون علي ممن اعوج منكم ثم أعظم له العقوبة و لا يجد عندي فيها رخصة فخذوا هذا من أمرائكم و أعطوهم من أنفسكم ما يصلح الله به أمركم

683-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ المفيد عن الكاتب عن الأجلح عن جندب بن أبي ثابت عن ثعلبة بن زيد الحماني قال كتب أمير المؤمنين ع إلى أمراء الأجناد و ذكر نحوه و فيه فضل ماله و لا مرتبة اختص بها و فيه فإذا فعلت ذلك وجبت لي عليكم البيعة و لي منكم الطاعة و فيه لم يكن أحد أهون علي ممن خالفني فيه ثم أحل بكم فيه عقوبته و لا تجدوا عندي إلى قوله ع و أعطوا من أنفسكم هذا يصلح أمركم

 بيان قال ابن الأثير في مادة سلح من كتاب النهاية المسلحة القوم الذين يحفظون الثغور من العدو و سموا مسلحة لأنهم يكونون ذوي سلاح أو لأنهم يسكنون المسلحة و هي كالثغر و المرقب يكون فيه أقوام يرقبون العدو لأن لا يطرقهم على غفلة فإذا رأوه أعلموا أصحابهم ليتأهبوا له و جمع المسلح مسالح. قوله ع أن لا يغيره أي لا يصير الفضل الذي ناله الوالي و الطول الذي خصه الله به و هو الولاية سبأ لتغيره على رعيته بالخروج عن العدل و الجفاء عليهم. قوله ع أن لا أحتجز قال ابن ميثم أي لا أمنع و قال ابن أبي الحديد أي لا أستتر. و كلاهما غير موجودين في كلام أهل اللغة و إن كان ما ذكره الجوهري من أنه يقال احتجز الرجل بإزاره أي شد إزاره على وسطه قريبا مما ذكره ابن أبي الحديد لكنه بهذا المعنى غير متعد و كذا استتر كما ذكره في تفسيره و المناسب هو ما ذكره ابن ميثم و إن كان غير موجود في كلامهم. و استثناء الحرب لأنه خدعة و لا يناسب إفشاء الآراء فيه. و لا أطوي دونكم أمرا أي أظهركم على كل ما في نفسي مما يحسن إظهاركم عليه فأما الأحكام الشرعية و القضاء على أحد الخصمين فإني لا أعلمكم قبل وقوعها و لا أشاوركم فيها كيلا تفسد القضية بأن يحتال ذلك الشخص لصرف الحكم عنه و لعدم توقف الحكم على المشاورة. و قال ابن أبي الحديد ثم ذكر أنه لا يؤخر لهم حقا عن محله يعني العطاء و أنه لا يقف دون مقطعه و الحق هاهنا غير العطاء بل الحكم قال زهير

فإن الحق مقطعه ثلاث يمين أو نفار أو جلاء

. أي متى تعين الحكم حكمت به و قطعت و لا أقف و لا أتحبس انتهى. و يحتمل تعميم الحق في الموضعين أي ما يلزم لكم علي من عطاء أو حكم لا أؤخره عن محله و لا أقصر في الإتيان به فالوقوف به قبل مقطعه ترك السعي في الإتيان به قبل تمامه

684-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى عماله على الخراج من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى أصحاب الخراج أما بعد فإن من لم يحذر ما هو صائر إليه لم يقدم لنفسه ما يحرزها و اعلموا أن ما كلفتم يسير و أن ثوابه كثير و لو لم يكن فيما نهى الله عنه من البغي و العدوان عقاب يخاف لكان في ثواب اجتنابه ما لا عذر في ترك طلبه فأنصفوا الناس من أنفسكم و اصبروا لحوائجهم فإنكم خزان الرعية و وكلاء الأمة و سفراء الأئمة و لا تحشموا أحدا عن حاجته و لا تحبسوه عن طلبته و لا تبيعن للناس في الخراج كسوة شتاء و لا صيف و لا دابة يعتملون عليها و لا عبدا و لا تضربن أحدا سوطا لمكان درهم و لا تمسن مال أحد من الناس مصل و لا معاهد إلا أن تجدوا فرسا أو سلاحا يعدى به على أهل الإسلام فإنه لا ينبغي للمسلم أن يدع ذلك في أيدي أعداء الإسلام فيكون شوكة عليه و لا تدخروا أنفسكم نصيحة و لا الجند حسن سيرة و لا الرعية معونة و لا دين الله قوة و أبلوا في سبيله ما استوجب عليكم فإن الله سبحانه قد اصطنع عندنا و عندكم أن نشكره بجهدنا و أن ننصره مما بلغت قوتنا و لا قوة إلا بالله العلي العظيم

 توضيح ما يحرزها أي يحفظ نفسه من عذاب الله ما لا عذر في ترك طلبه لأنه نفع عظيم مقدور على تحصيله فالتفريط في طلبه قبيح. و قال الجوهري السفير الرسول و المصلح بين القوم و الجمع سفراء. و قال قال أبو زيد حشمت الرجل و أحشمته بمعنى و هو أن يجلس إليك فتؤذيه و تغضبه و قال ابن الأعرابي حشمته أخجلته و أحشمته أغضبته. و في بعض النسخ و لا تحسموا أحدا بالسين المهملة من الحسم بمعنى القطع و المعاهد الذمي و كل من دخل بأمان و قال الجوهري العداء تجاوز الحد و الظلم يقال عدا عليه عدوا و عدوا و عداء ظلمه. و قال ابن الأثير في مادة شوك من كتاب النهاية القتال شدته و حدته. قوله ع و لا تدخروا أنفسكم أي لا تمنعوا عن أنفسكم نصيحة و ارعوا ما فيه صلاحها. و في النهاية الإبلاء الإنعام و الإحسان و في حديث بر الوالدين أبل الله تعالى عذرا في برها أي أعطه و أبلغ العذر فيها إليه و المعنى أحسن فيما بينك و بين الله ببرك إياهما و قال الاصطناع افتعال من الصنيعة و هي العطية و الكرامة و الإحسان. قوله ع أن نشكره أي اصطنع إلينا لأن نشكره أو جعل شكره بجهدنا و نصره بقوتنا صنيعة و معروفا عندنا و عندكم

685-  نهج، ]نهج البلاغة[ من كتابه إلى أمرائه في الصلاة أما بعد فصلوا بالناس الظهر حين تفي‏ء الشمس مثل مربض العنز و صلوا بهم العصر و الشمس بيضاء حية في عضو من النهار حين يسار فيها فرسخان و صلوا بهم المغرب حين يفطر الصائم و يدفع الحاج و صلوا بهم العشاء حين يتوارى الشفق إلى ثلث الليل و صلوا بهم الغداة و الرجل يعرف وجه صاحبه و صلوا بهم صلاة أضعفهم و لا تكونوا فتانين

 إيضاح لعل الابتداء بالظهر لأنها أول ما فرضت من الصلوات حين تفي‏ء أي يزيد و يرجع ظل الشمس بعد غاية نقصانه. قوله مثل مربض العنز أي الأنثى من المعز و هو قريب من القدمين وقت النافلة و هو أول وقت الفضيلة المختص بالظهر لا آخره كما فهمه الراوندي رحمه الله. قوله و الشمس بيضاء أي لم تصفر للمغيب و حياتها استعارة لظهورها في الأرض و العضو بالضم و الكسر واحد الأعضاء و الظرف خبر للشمس أو متعلق بصلوا و المراد بقاء جزء معتد به من النهار. و قال في النهاية فيه أنه دفع من عرفات أي ابتدأ السير و دفع نفسه منها و نحاها أو دفع ناقته و حملها على السير. و الفتان من يفتن الناس عن الدين و إطالة الصلاة مستلزمة لتخلف العاجزين و الضعفاء و المضطرين

686-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى عثمان بن حنيف الأنصاري و هو عامله على البصرة و قد بلغه أنه دعي إلى وليمة قوم من أهلها فمضى إليها أما بعد يا ابن حنيف فقد بلغني أن رجلا من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها يستطاب لك الألوان و تنقل إليك الجفان و ما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفو و غنيهم مدعو فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم فما اشتبه عليك علمه فالفظه و ما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه ألا و إن لكل مأموم إماما يقتدي به و يستضي‏ء بنور علمه ألا و إن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه و من طعمه بقرصيه ألا و إنكم لا تقدرون على ذلك و لكن أعينوني بورع و اجتهاد و عفة و سداد فو الله ما كنزت من دنياكم تبرا و لا ادخرت من غنائمها وفرا و لا أعددت لبالي ثوبي طمرا و لا حزت من أرضها شبرا و لا أخذت منه إلا كقوت أتان دبرة و لهي في عيني أوهى و أهون من عفصة مقرة بلى كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء فشحت عليها نفوس قوم و سخت عنها نفوس قوم آخرين و نعم الحكم الله و ما أصنع بفدك و غير فدك و النفس مظانها في غد جدث تنقطع في ظلمته آثارها و تغيب أخبارها و حفرة لو زيد في فسحتها و أوسعت يدا حافرها لضغطها الحجر و المدر و سد فرجها التراب المتراكم و إنما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر و تثبت على جوانب المزلق و لو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل و لباب هذا القمح و نسائج هذا القز و لكن هيهات أن يغلبني هواي و يقودني جشعي إلى تخير الأطعمة و لعل بالحجاز أو باليمامة من لا طمع له في القرص و لا عهد له بالشبع أو أن أبيت مبطانا و حولي بطون غرثى و أكباد حرى أو أن أكون كما قال القائل

و حسبك داء أن تبيت ببطنة و حولك أكباد تحن إلى القد

أ أقنع من نفسي بأن يقال لي أمير المؤمنين و لا أشاركهم في مكاره الدهر أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها أو المرسلة شغلها تقممها تكترش من أعلافها و تلهو عما يراد بها أو أترك سدى أو أهمل عابثا أو أجر حبل الضلالة أو اعتسف طريق المتاهة و كأني بقائلكم يقول إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب فقد قعد به الضعف عن قتال الأقران و منازلة الشجعان ألا و إن الشجرة البرية أصلب عودا و الرواتع الخضرة أرق جلودا و النابتات العذية أقوى وقودا و أبطأ خمودا و أنا من رسول الله ص كالصنو من الصنو و الذراع من العضد و الله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت عنها و لو أمكنت الفرص من رقابها لسارعت إليها و سأجهد في أن أطهر الأرض من هذا الشخص المعكوس و الجسم المركوس حتى تخرج المدرة من بين حب الحصيد إليك عني يا دنيا فحبلك على غاربك قد انسللت من مخالبك و أفلت من حبائلك و اجتنبت الذهاب في مداحضك أين القرون الذين غررتهم بمداعبك أين الأمم الذين فتنتهم بزخارفك ها هم رهائن القبور و مضامين اللحود و الله لو كنت شخصا مرئيا و قالبا حسيا لأقمت عليك حدود الله في عباد غررتهم بالأماني و أمم ألقيتهم في المهاوي و ملوك أسلمتهم إلى التلف و أوردتهم موارد البلاء إذ لا ورد و لا صدر هيهات من وطئ دحضك زلق و من ركب لججك غرق و من ازور عن حبالك وفق و السالم منك لا يبالي إن ضاق به مناخه و الدنيا عنده كيوم حان انسلاخه اعزبي عني فو الله و لا أسلس لك فتقوديني و ايم الله يمينا أستثني فيها بمشية الله لأروضن نفسي رياضة تهش معها إلى القرص إذا قدرت عليه مطعوما و تقنع بالملح مأدوما و لأدعن مقلتي كعين ماء نضب معينها مستفرغة دموعها أ تمتلي السائمة من رعيها فتبرك و تشبع الربيضة من عشبها فتربض و يأكل علي من زاده فيهجع قرت إذا عينه إذا اقتدى بعد السنين المتطاولة بالبهيمة الهاملة و السائمة المرعية طوبى لنفس أدت إلى ربها فرضها و عركت بجنبها بؤسها و هجرت في الليل غمضها حتى إذا غلب الكرى عليها افترشت أرضها و توسدت كفها في معشر أسهر عيونهم خوف معادهم و تجافت عن مضاجعهم جنوبهم و هممت بذكر ربهم شفاههم و تقشعت بطول استغفارهم ذنوبهم أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ فاتق الله يا ابن حنيف و لتكفك أقراصك ليكون من النار خلاصك

 إيضاح عثمان بن حنيف هو الذي أخرجه طلحة و الزبير من البصرة حين قدماها قوله ع من فتية أهل البصرة قال ابن أبي الحديد أي من فتيانها أو من شبانها و أسخيائها و يروى أن رجلا من قطان البصرة أي سكانها و قال في النهاية المأدبة بضم الدال الطعام يدعى إليه القوم و قد جاءت بفتح الدال أيضا يقال أدب فلان القوم يأدبهم بالكسر أي دعاهم إلى طعامه و الأدب الداعي يستطاب لك الألوان يطلب لك طيبها و لذيذها. و قال الجوهري الجفنة كالقصعة و الجمع الجفان و العائل الفقير و الجفاء نقيض الصلة و المجفو المبعد. ثم اعلم أن ظاهر كلامه ع النهي عن إجابة مثل هذه الدعوة من وجهين أحدهما أنه طعام قوم عائلهم مجفو و غنيهم مدعو فهم من أهل الرياء و السمعة و عدم إجابة دعوتهم أولى. و ثانيهما أنه مما يظن تحريمه فالأولى الاحتراز عن أكله فيمكن أن يكون النهي عاما و مثل تلك الإجابة مكروها أو يكون خاصا بالولاة كما يشعر به قوله ع في كلامه لعاصم بن زياد حيث قال ع له إني لست كانت إن الله افترض على أئمة العدل أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيغ بالفقير فقره و حينئذ يكون المخاطب بقوله ع ألا و إن إمامكم و قوله و أعينوني هم الولاة فالنهي إما للتحريم أو للتنزيه و لا ينافي الأول قوله ألا و إنكم لا تقدرون على ذلك فإن الظاهر أنه إشارة إلى الاكتفاء من الثوب بالطمرين و من الطعم بالقرصين. و على الثاني تكون الكراهة بالنظر إلى الولاة أشد. و يحتمل أن يكون للأعم من الحرمة و الكراهة و يكون لكل من الولاة و غيرهم حكمه فالخطاب عام. و يمكن أن يستفاد من قوله ع يستطاب لك الألوان وجه آخر من النهي و هو المنع من إجابة دعوة المسرفين و المبذرين إما تحريما مع عموم الخطاب أو خصوصه و نظيره النهي للولاة عن أخذ الهدايا و لعله يشعر بذلك قوله يستطاب لك و تنقل إليك أو تنزيها فيكون بالنظر إليهم أشد أو الأعم منهما كما ذكر. و الاحتمالات الأخيرة مبنية على انقسام الإسراف مطلقا إلى المحرم و المكروه. و القضم الأكل بأطراف الأسنان و الطمر بالكسر الثوب الخلق و الطمران الإزار و الرداء و القرصان للغداء و العشاء. و قوله ع بورع و اجتهاد الورع اجتناب المحرمات و الاجتهاد أداء الواجبات أو الورع يشمل ترك المكروهات أيضا و الاجتهاد الإتيان بالسنن الأكيدة أيضا و يمكن أن يكون التنوين فيهما للتقليل أي بما تستطيعون منهما و الإعانة على الشفاعة أو على إجراء الأحكام و الأدب بين الناس و الأول أظهر. و قال الجوهري التبر من الذهب ما كان غير مضروب فإذا ضرب دنانير فهو عين و لا يقال تبر إلا للذهب و بعضهم يقول للفضة أيضا انتهى. و الوفر المال الكثير و المراد بالبالي المندرس و بالطمر ما لم يبلغ ذلك. و في نسخة الراوندي بعد ذلك و لا ادخرت من أقطارها شبرا و فدك ينصرف بتأويل الموضع و لا ينصرف بتأويل البلدة أو القرية. و النفوس الشاحة أبو بكر و عمر و أتباعهم و الساخية نفوس أهل البيت ع أو من لم يرغب في هذا الغصب و لم يرض به و الأول أظهر. و في الصحاح مظنة الشي‏ء موضعه و مألفه الذي يظن كونه فيه و الجمع المظان و قال الجدث القبر و قال ضغطه يضغطه ضغطا رخمه إلى حائط و نحوه و منه ضغطة القبر. و في بعض النسخ لأضغطها قال ابن أبي الحديد أي جعلها ضاغطة و الهمزة المتعدية و يروى لضغطها و المتراكم المجتمع و إنما هي نفسي كأن الضمير راجع إلى النفس و قيل أي إنما همتي و حاجتي رياضة نفسي و يقال رضت الدابة كقلت أي ذللتها و أدبتها. و المراد بالمزلق الصراط أو طريق الحق قوله ع و لو شئت لاهتديت قال ابن أبي الحديد و قد روي و لو شئت لاهتديت إلى هذا العسل المصفى و لباب هذا البر المنقى فضربت هذا بذاك حتى ينضج وقودا و يستحكم معقودا. و القمح البر قاله الجوهري. و قال القز الإبريسم معرب و قال الجشع أشد الحرص و قال الاختيار الاصطفاء و كذلك التخير و قال المبطان الذي لا يزال عظيم البطن من كثرة الأكل. و قال الغرث الجوع و قد غرث بالكسر يغرث و قال الحرة بالكسر العطش و منه

  قولهم أشد العطش حرة على قرة إذا عطش في يوم بارد و الحران العطشان و الأنثى حرى مثل عطشى. قوله ع أو أكون الهمزة للاستفهام و الواو للعطف و البيت للحاتم الطائي المشهور و البطنة بالكسر هو أن يمتلئ من الطعام امتلاء شديدا و القد بالكسر سير يقد من جلد غير مدبوغ و الاشتياق إلى القد لشدة الجوع. قوله ع و لا أشاركهم الواو للحال أو العطف على أقنع أو يقال فيحتمل الرفع و النصب. و قوله ع أو أكون معطوف على أشاركهم أو على أقنع. و قال الجوهري طعام جشب و مجشوب أي غليظ و يقال هو الذي لا أدم معه. قوله ع كالبهيمة المربوطة إلخ قال ابن ميثم فإن الاشتغال بها إن كان غنيا أشبه المعلوفة في اهتمامه بما يعتلفه من طعامه الحاضر و إن كان فقيرا كان اهتمامه بما يكتسبه كالسائمة و التقمم أكل الشاة ما بين يديها بمقمتها أي شفتها و قيل تتبع القمامة. قوله ع تكترش أي تملأ بها كرشه و الكرش بالكسر و ككتف لكل مجتر بمنزلة المعدة للإنسان و تلهو عما يراد بها أي من ذبح و استخدام. و أترك في بعض النسخ بالضم عطفا على أقنع و بالنصب عطفا على يقال أو يشغلني و كذا قوله أهمل و أجر و اعتسف و أجر حبل الضلالة أي أجر اتباعي إليها و يحتمل التشبيه بالبهيمة التي انقطع مقودها أو تركت سدى و الاعتساف العدول عن الطريق و المتاهة محل التيه و الضلال و الحيرة و الباء في قعد به للتعدية و في القاموس النزال بالكسر أن ينزل الفريقان عن إبلهما إلى خيلهما فيضاربوا و قد تنازلوا و الرتع الاتساع في الخصب و كل خصب مرتع و يظهر من بعض الشراح أنه قرأ الروائع بالياء المثناة التحتانية من راعه بمعنى أعجبه و فيما رأينا من النسخ بالتاء و العذي بكسر العين و سكون الذال الزرع لا تسقيه إلا ماء المطر. قوله ع كالصنو من الصنو الصنو المثل و أصله أن تطلع النخلتان من عرق واحد و قال النبي ص أنا و علي من نور واحد. و في كثير من النسخ كالضوء من الضوء أي كالضوء الحاصل أو المنعكس من الضوء لكون علمه و كمالاته من النبي ص و لذا كنى الله عن النبي ص في القرآن بالشمس و عنه ع بالقمر و التشبيه بالذراع من العضد لأن العضد أصل للذراع و الذراع وسيلة إلى التصرف و البطش بالعضد. و سمى معاوية معكوسا لانعكاس عقيدته و مركوسا لكونه تاركا للفطرة الأصلية و يحتمل أن يكون تشبيها له بالبهائم. و إنما قال ع الشخص و الجسم ترجيحا لجانب البدن أو لكونه تابعا لشهواته البدنية تاركا لمقتضيات روحه و عقله فكأنه ليس هذا إلا الجسم المحسوس و قال الجوهري الركس رد الشي‏ء مقلوبا وَ اللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أي ردهم إلى كفرهم قوله ع حتى تخرج المدرة من بين حب الحصيد قال ابن ميثم أي حتى يخرج معاوية من بين المؤمنين و يخلصهم من وجوده بينهم كما يفعل من يصفي الغلة. و قال ابن أبي الحديد كما أن الزراع يجتهدون في إخراج الحجر و المدر و الشوك و نحوه من بين الزرع كيلا يفسد مبانيه فيفسد ثمرته.

  و فيه نظر لأنه لا معنى لإخراج الطين من الزرع لأن لفظ حب الحصيد لا يفهم منه ذلك. و قال الجوهري الغارب ما بين السنام و العنق و منه قولهم حبلك على غاربك أي اذهبي حيث شئت و أصله أن الناقة إذا رعت و عليها الخطام ألقى على غاربها لأنها إذا رأت الخطام لا يهنؤها شي‏ء. و الانسلال الانطلاق في استخفاء و المخلب كمنبر ظفر كل سبع و أفلت الطائر و غيره تخلص و أفلته غيره و الحبائل جمع حبالة بالكسر و هي ما يصاد بها من أي شي‏ء كان و المداحض المزالق و المراد هنا مواضع الشبهة و كل ما يؤدي إلى حرام و المداعب من الدعابة و هي المزاح. و في النهاية الزخرف في الأصل الذهب و كمال حسن الشي‏ء و قال المضامين جمع مضمون و مضمون الشي‏ء ما احتوى و اشتمل ذلك الشي‏ء عليه. و القالب بالفتح قالب الخف و نحوه و ما يفرغ فيه الجواهر و بالكسر البسر الأحمر حسيا أي مدركا بالحس و في بعض النسخ جنسيا أي منسوبا إلى جنس من الأجناس الموجودة المشاهدة. و قال الجوهري هوى بالفتح يهوي سقط إلى أسفل و المهوى و المهواة ما بين الجبلين و الصدر بالتحريك الرجوع عن الماء خلاف الورد و المعنى أوردتهم مهالك ليست من محال الصدور و الورود و لا يرجى النجاة منها. و دحضت رجله زلقت و لجة الماء و لجه معظمه و ركوبها كناية عن ركوب أهوالها و فتنها أو طلب العلو فيها و أزور عنه عدل و انحرف. و قال ابن أبي الحديد ضيق المناخ كناية عن شدائد الدنيا كالفقر و المرض و الحبوس و السجون و لا يبالي بها لأن كل ذلك حقير في جنب السلامة من فتنة الدنيا كيوم حان انسلاخه أي قرب انقضاؤه و لا أسلس لك أي لا أنقاد. و الاستثناء من اليمين بمشيئة الله تعليقها بالمشيئة بقول إن شاء الله و هو مستحب في سائر الأمور و قال ابن الأثير في النهاية هش لهذا الأمر يهش هشاشة إذا فرح بذلك و استبشر و ارتاح له و خف و قال نضب الماء غار و نفد. و قال الجوهري ماء معين أي جار أي أبكي حتى لا يبقى في عيني ماء. و قال ابن أبي الحديد الرعي بكسر الراء الكلاء و قال الجوهري ربض الغنم مأواها و ربوض الغنم و البقر و الفرس و الكتب مثل بروك الإبل و الربيض الغنم برعاتها المجتمعة في مربضها و قال الهجوع النوم ليلا. و قال الهمل بالتحريك الإبل بلا راع يقال إبل همل و هامله و يقال فلان يعرك الأذى بجبنه أي يحتمله ذكره الفيروزآبادي و قال ما اكتحلت غمضا أي ما تمت و الكرى النعاس افترشت أرضها أي اكتفت بها فراشا. و توسدت كفها أي جعلتها وسادة و اكتفت بها مع أنه مستحب و الهمهمة الصوت الخفي و يدل على استحباب إخفاء الذكر و تقشعت أي تفرقت و زالت و ذهبت كما يتقشع السحاب

687-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى بعض عماله أما بعد فإنك ممن أستظهر به على إقامة الدين و أقمع به نخوة الأثيم و أسد به لهاة الثغر المخوف فاستعن بالله على ما أهمك و اخلط الشدة بضغث من اللين و ارفق ما كان الرفق أرفق و اعتزم بالشدة حين لا يغني عنك إلا الشدة و اخفض للرعية جناحك و ألن لهم جانبك و آس بينهم في اللحظة و النظرة و الإشارة و التحية حتى لا يطمع العظماء في حيفك و لا ييأس الضعفاء من عدلك و السلام

 بيان الاستظهار الاستعانة و القمع القهر و التذليل و النخوة الكبر و الأثيم المذنب. و قال في النهاية اللهوات جمع لهاة و هي اللحمات في سقف أقصى الفم انتهى و لعله أريد بها هنا الفم مجازا و الضغث بالكسر قطعة حشيش مختلطة الرطب باليابس و في تشبيه اللين بالضغث لطف فإنه لا يكون إلا لينا. و قال ابن أبي الحديد المراد مزج الشدة بشي‏ء من اللين فاجعلهما كالضغث و فيه بعد. و قال الجوهري اعتزمت على كذا و عزمت بمعنى و الاعتزام لزوم القصد في المشي انتهى و لعل المراد هنا المعنى الثاني إلى أنه مع الاضطرار إلى الشدة ينبغي عدم الإفراط فيه و خفض الجناح كناية عن الرفق أو الحراسة و إلانة الجانب ترك الغلظة و العنف في المعاشرة و آس بينهم أي اجعلهم أسوة و روي و ساو بينهم و المعنى واحد و اللحظة المراقبة و قيل النظر بمؤخر العين

688-  نهج، ]نهج البلاغة[ من كتاب له ع أما بعد فإن الدنيا مشغلة عن غيرها و لم يصب صاحبها منها شيئا إلا فتحت له حرصا عليها و لهجا بها و لن يستغني صاحبها بما نال فيها عما لم يبلغه منها و من وراء ذلك فراق ما جمع و نقض ما أبرم و لو اعتبرت بما مضى حفظت ما بقي و السلام

 بيان المشغلة كمرحلة ما يشغلك و في بعض النسخ مشغلة على بناء الإفعال فلو صحت الرواية بطل ما حكم به الأكثر من رداءة أشغله و اللهج بالشي‏ء الولوع به. قوله ع و لو اعتبرت قال ابن أبي الحديد أي لو اعتبرت بما مضى من عمرك لحفظت باقيه أن تنفقه في الضلال و طلب الدنيا و تضيعه. و قال ابن ميثم أي لو اعتبرت بما مضى من القرون الخالية لحفظت ما بقي من السعادة الأخروية أقول قال ابن أبي الحديد قد ذكر نصر بن مزاحم هذا الكتاب و قال إنه ع كتبه إلى عمرو بن العاص و فيه زيادة لم يذكرها الرضي

689-  نهج، ]نهج البلاغة[ من كتاب له ع إلى سلمان الفارسي رحمه الله قبل أيام خلافته أما بعد فإنما مثل الدنيا مثل الحية لين مسها قاتل سمها فأعرض عما يعجبك فيها لقلة ما يصحبك منها و ضع عنك همومها لما أيقنت به من فراقها و كن آنس ما تكون بها أحذر ما تكون منها فإن صاحبها كلما اطمأن فيها إلى سرور أشخصته عنه إلى محذور أو إلى إيناس إزالته عنه إلى إيحاش

 بيان قوله ع لقلة ما يصحبك منها أي لقلة ما تستفيد من لذتها و الانتفاع بها و التعبير بالقلة على سبيل التنزل أي لأنك لا تصحب منها شيئا و قيل المراد بما يصحبه منها الكفن و قيل القبر

690-  نهج، ]نهج البلاغة[ روي أن شريح بن الحارث قاضي أمير المؤمنين ع اشترى دارا على عهده بثمانين دينارا فبلغه ذلك و استدعاه و قال له بلغني أنك ابتعت دارا بثمانين دينارا و كتبت كتابا و أشهدت شهودا فقال له شريح قد كان ذلك يا أمير المؤمنين قال فنظر إليه نظر مغضب ثم قال يا شريح أما إنه سيأتيك من لا ينظر في كتابك و لا يسألك عن بينتك حتى يخرجك منها شاخصا و يسلمك إلى قبرك خالصا فانظر يا شريح لا تكون ابتعت هذه الدار من غير مالك أو نقدت الثمن من غير حل لك فإذا أنت قد خسرت دار الدنيا و دار الآخرة أما إنك لو كنت أتيتني عند شرائك ما اشتريت لكتبت لك كتابا على هذه النسخة فلم ترغب في شراء هذه الدار بدرهم فما فوقه و النسخة هذه هذا ما اشترى عبد ذليل من ميت قد أزعج للرحيل اشترى منه دارا من دار الغرور من جانب الفانين و خطة الهالكين و تجمع هذه الدار حدد أربعة الحد الأول ينتهي إلى دواعي الآفات و الحد الثاني ينتهي إلى دواعي المصيبات و الحد الثالث ينتهي إلى الهوى المردي و الحد الرابع ينتهي إلى الشيطان المغوي و فيه يشرع باب هذه الدار اشترى هذا المغتر بالأمل من هذا المزعج بالأجل هذه الدار بالخروج من عز القناعة و الدخول في ذل الطلب و الضراعة فما أدرك هذا المشتري فيما اشترى من درك فعلى مبلبل أجسام الملوك و سالب نفوس الجبابرة و مزيل ملك الفراعنة مثل كسرى و قيصر و تبع و حمير و من جمع المال على المال فأكثر و من بنى و شيد و زخرف و نجد و ادخر و اعتقد و نظر بزعمه للولد إشخاصهم جميعا إلى موقف العرض و الحساب و موضع الثواب و العقاب إذا وقع الأمر بفصل القضاء وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ شهد على ذلك العقل إذا خرج من أسر الهوى و سلم من علائق الدنيا

 أقول سيأتي برواية أخرى مع شرحه في أبواب خطبه و مواعظه

691-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى العمال الذين يطأ عملهم الجيش من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من مر به الجيش من جباه الخراج و عمال البلاد أما بعد فإني قد سيرت جنودا هي مارة بكم إن شاء الله و قد أوصيتهم بما يجب لله عليهم من كف الأذى و صرف الشذا و أنا أبرأ إليكم و إلى ذمتكم من معرة الجيش إلا من جوعة المضطر لا يجد عنها مذهبا إلى شبعة فنكلوا من تناول منهم ظلما عن ظلمهم و كفوا أيدي سفهائكم عن مضارتهم و التعرض لهم فيما استثنيناه منهم و أنا بين أظهر الجيش فارفعوا إلي مظالمكم و ما عراكم مما يغلبكم من أمرهم و ما لا تطيقون دفعه إلا بالله و بي أغيره بمعونة الله

 بيان يطأ عملهم أي يسيرون في أرضهم و البلاد التي تحت عملهم و حكمهم و قال الجوهري جبيته جباية و جبوته جباوة جمعته و قال الشذا مقصورا الأذى و الشر قوله و إلى ذمتكم قال ابن أبي الحديد أي اليهود و النصارى الذين بينكم قال ص من آذى ذمتي فكأنما آذاني. و قال ابن ميثم أي إلى ذمتكم التي أخذتها من إسارة الجيش فإنه ليس بأمري من ذلك إلا معرة جوعة المضطر و المعرة الإثم و الأمر القبيح المكروه و الأذى و هذا و يدل على أنه يجوز للجائع المضطر من الجيش الأخذ بقدر الشبع. و قال ابن الأثير في النهاية التنكيل المنع و التنحية و و أنا بين أظهر الجيش أي أنا قريب منكم و سائر على أثرهم و قال ابن ميثم كناية عن كونه مرجع أمرهم و عراه يعروه غشيه أو قصده و تغيير ما عراهم دفع الظلم عنهم

692-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع كتبه لما استخلف إلى أمراء الأجناد أما بعد فإنما أهلك من كان قبلكم أنهم منعوا الناس الحق فاشتروه و أخذوهم بالباطل فاقتدوه

 إيضاح فاشتروه قال ابن أبي الحديد أي فاشترى الناس الحق منهم بالرشا و الأموال أي لم يضعوا الأمور مواضعها و لا ولوا الولايات مستحقيها و كانت أمورهم تجري على وفق الهوى و الأغراض الفاسدة فاشترى الناس منهم الميراث و الحقوق كما يشترى السلع بالأموال و روي فاستروه بالسين المهملة أي اختاروه تقول استريت خيار المال أي اخترته و يكون الضمير عائدا إلى الظلمة لا إلى الناس أي منعوا الناس حقهم من المال و اختاروه لأنفسهم و استأثروا به و أخذوهم بالباطل أي حملوهم على الباطل فجاء الخلف من بعد السلف فاقتدوا بآبائهم و أسلافهم في ارتكاب ذلك الباطل ظنا منهم أنه حق لما قد ألفوه و نشئوا عليه. و قال ابن ميثم اشتروه أي باعوه و تعوضوا عنه بالباطل لما منعوا منه كقوله تعالى وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ و كذلك قوله ع أخذوهم بالباطل فاقتدوه أي اقتدوا الباطل و سلكوا فيه مسلك من أخذهم به كقوله تعالى فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ انتهى. قيل و يحتمل إرجاع الضمير المرفوع في قوله ع اشتروه إلى الناس و المنصوب إلى المنع المذكور في ضمن قوله منعوا أي إنما أهلك من كان قبلكم أن الظالمين منهم تصرفوا في أمورهم و صاروا خلفاء فيهم حكاما بينهم و هو معنى منعهم الحق فرضوا بذلك و تعوضوا به عن الحق و خلفائه فالاشتراء كناية عن الرضا أو استعارة لتعوضهم أو مجاز فيه. و أما الضمير المنصوب في قوله ع فاقتدوه فيحتمل الإرجاع إلى الأخذ فيكون نظيرا لسابقه أو إلى الباطل. أقول و في بعض النسخ فافتدوه بالفاء أي أخذوهم بأحكام الجور فأعطوا الفداء ليتخلصوا منهم فالضمير راجع إلى الباطل و لعله أنسب

693-  نهج، ]نهج البلاغة[ و قال ع لزياد ابن أبيه و قد استخلفه لعبد الله بن العباس على فارس و أعمالها في كلام طويل كان بينهما نهاه فيه عن تقديم الخراج استعمل العدل و احذر العسف و الحيف فإن العسف يعود بالجلاء و الحيف يدعو إلى السيف

 بيان قال في القاموس عسف السلطان ظلم و فلانا استخدمه و الحيف الميل و الجور و الظلم فيحتمل أن يكون المراد بالحيف الميل إلى بعض الرعايا بالإعزاز و الاحترام و تفضيل بعضهم على بعض فإن ذلك يورث العداوة بينهم و عدم طاعة بعضهم للوالي فيكون داعيا إلى القتال. أو المراد بالعسف الاستخدام كما هو دأب الملوك في استخدام الرعايا و أخذ دوابهم فالحيف بمعنى الظلم أي سائر أنواعه. و قال ابن أبي الحديد كانت عادة أهل فارس في أيام عثمان أن يطلب الوالي منهم خراج أملاكهم قبل بيع الثمار على وجه الاستلاف و كان ذلك يجحف بالناس

694-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى بعض عماله أما بعد فإن دهاقين أهل بلدك شكوا منك قسوة و غلظة و احتقارا و جفوة فنظرت فلم أرهم أهلا لأن يدنوا لشركهم و لا أن يقصوا و يجفوا لعهدهم فالبس لهم جلبابا من اللين تشوبه بطرف من الشدة و داول لهم بين القسوة و الرأفة و امزج لهم بين التقريب و الإدناء و الإبعاد و الإقصاء إن شاء الله

 بيان الدهقان بالضم و الكسر رئيس القرية و هو معرب و القسوة الصلابة و الجفوة نقيض الصلة. قوله ع فلم أرهم أي لا تقربهم إليك قربا كاملا لشركهم و لا تبعدهم عنك بعدا كاملا لأنهم معاهدون و أهل الذمة فعاملهم بين المعاملتين و الجلباب الإزار و الرداء أو الملحفة أو المقنعة و الطرف بالتحريك الطائفة من الشي‏ء و المداولة المناوبة أي كن قاسيا مرة و لينا أخرى

695-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى زياد ابن أبيه و هو خليفة عامله عبد الله بن العباس على البصرة و عبد الله يومئذ عامل أمير المؤمنين ع عليها و على كور الأهواز و فارس و كرمان و إني أقسم بالله قسما صادقا لئن بلغني أنك خنت من في‏ء المسلمين شيئا صغيرا أو كبيرا لأشدن عليك شدة تدعك قليل الوفر ثقيل الظهر ضئيل الأمر و السلام

 إيضاح قال ابن ميثم زياد هو ابن سمية أم أبي بكرة دعي أبي سفيان و روي أن أول من دعاه ابن أبيه عائشة حين سئلت لمن يدعى و كان كاتب المغيرة بن شعبة ثم كتب لأبي موسى ثم كتب لابن عامر ثم كتب لابن عباس و كان مع علي ع فولاه فارس و كتب إليه معاوية يتهدده فكتب إليه أ تتوعدني و بيني و بينك ابن أبي طالب أما و الله لئن وصلت إلي لتجدني أحمر ضرابا بالسيف ثم دعاه معاوية أخا له و ولاه بعد أمير المؤمنين ع البصرة و أعمالها و جمع له بعد المغيرة بن شعبة العراقين و كان أول من جمعا له. و قال الجوهري الكورة المدينة و الصقع و الصقع الناحية و الجمع كور. و قال الفارس الفرس و بلادهم و قال الشدة بالفتح الحملة الواحدة و قال الوفر المال الكثير أي نفقرك بأخذ ما أخذت من أموال المسلمين ثقيل الظهر بالأوزار و التبعات و قيل كناية عن الضعف و عدم النهوض لما يحتاج إليه و الضئيل الحقير أي تسلب جاهك بسلب مالك

696-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى زياد أيضا فدع الإسراف مقتصدا و اذكر في اليوم غدا و أمسك من المال بقدر ضرورتك و قدم الفضل ليوم حاجتك أ ترجو أن يؤتيك الله أجر المتواضعين و أنت عنده من المتكبرين و تطمع و أنت متمرغ في النعيم تمنعه الضعيف و الأرملة أن يوجب لك ثواب المتصدقين و إنما المرء مجزي بما أسلف و قادم على ما قدم و السلام

  بيان الإسراف التبذير و قيل ما أنفق في غير طاعة و قيل مجاوزة القصد و الاقتصاد التوسط في الأمور و في النهاية التمرغ التقلب في التراب و قال الأرامل المساكين من نساء و رجال و يقال لكل واحد من الفريقين على انفراده أرامل و هو بالنساء أخص و أكثر استعمالا الواحدة أرمل و أرملة فالأرمل الذي ماتت زوجته و الأرملة التي مات زوجها سواء كانا غنيين أو فقيرين انتهى و أن يوجب مفعول تطمع

697-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى قثم بن العباس أما بعد فإن عيني بالمغرب كتب إلي يعلمني أنه وجه إلى الموسم أناس من أهل الشام العمي القلوب الصم الأسماع الكمه الأبصار الذين يلتمسون الحق بالباطل و يطيعون المخلوق في معصية الخالق و يحتلبون الدنيا درها بالدين و يشترون عاجلها بأجل الأبرار المتقين و لن يفوز بالخير إلا عامله و لا يجزى جزاء الشر إلا فاعله فأقم على ما في يديك قيام الحازم الصليب و الناصح اللبيب و النافع لسلطانه المطيع لإمامه و إياك و ما يعتذر منه و لا تكن عند النعماء بطرا و لا عند البأساء فشلا

 بيان قال ابن ميثم كان معاوية قد بعث إلى مكة دعاة في السر يدعون إلى طاعته و يثبطون العرب عن نصرة أمير المؤمنين ع بأنه إما قاتل لعثمان أو خاذل له و ينشرون عندهم محاسن معاوية بزعمهم فكتب أمير المؤمنين ع هذا الكتاب و قثم بن العباس بن عبد المطلب لم يزل واليا لعلي ع على مكة حتى قتل علي ع فاستشهد قثم بسمرقند في زمن معاوية. و قيل إن الذين بعثهم معاوية كان بعض السرايا التي كان يبعثها للإغارة على أعمال علي ع. و العين الجاسوس أي أصحاب أخباره ع عند معاوية و يسمى الشام مغربا لأنه من الأقاليم المغربية و الموسم كمجلس الوقت الذي يجتمع فيه الحاج كل سنة و الأكمه الذي يولد أعمى الذين يلتمسون الحق بالباطل قال ابن أبي الحديد أي يطلبون الحق بمتابعة معاوية فإنهم كانوا يظهرون ناموس العبادة و في بعض النسخ يلبسون الحق أي يخلطونه و قوله ع درها منصوب بدلا من الدنيا و شراؤهم عاجل الدنيا بأجل الأبرار كناية عن استعاضتهم الآخرة بالدنيا و الحازم ذو الحزم الراسخ في الدين و الصليب التشديد و ما يعتذر منه المعصية و الزلة و قال ابن الأثير في النهاية البطر الطغيان عند النعمة و طول الغناء و قال الفشل الفزع و الجبن و الضعف

698-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى عبد الله بن العباس أما بعد فإن العبد ليفرح بالشي‏ء الذي لم يكن ليفوته و يحزن على الشي‏ء الذي لم يكن ليصيبه فلا يكن أفضل ما نلت في نفسك من دنياك بلوغ لذة أو شفاء غيظ و لكن إطفاء باطل أو إحياء حق و ليكن سرورك بما قدمت و أسفك على ما خلفت و همك فيما بعد الموت و السلام

699-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى ابن عباس و هو عامله على البصرة اعلم أن البصرة مهبط إبليس و مغرس الفتن فحادث أهلها بالإحسان و احلل عقدة الخوف من قلوبهم و قد بلغني تنمرك لبني تميم و غلظتك عليهم و أن بني تميم لم يغب لهم نجم إلا طلع آخر و إنهم لم يسبقوا بوغم في جاهلية و لا إسلام و إن لهم بنا رحما ماسة و قرابة خاصة نحن مأجورون على صلتها و مأزورون على قطيعتها فاربع أبا العباس رحمك الله فيما جرى على يدك و لسانك من خير و شر فإنا شريكان في ذلك و كن عند صالح ظني بك و لا يفيلن رأيي فيك

 تبيين قال ابن ميثم رحمه الله روي أن ابن عباس كان قد أضر ببني تميم حين ولي أمر البصرة من قبل علي ع للذي عرفهم به من العداوة يوم الجمل لأنهم كانوا من شيعة طلحة و الزبير و عائشة فحمل عليهم ابن عباس فأقصاهم و تنكر عليهم و عيرهم بالجمل حتى كان يسميهم شيعة الجمل و أنصار عسكر و هو اسم جمل عائشة و حزب الشيطان فاشتد ذلك على نفر من شيعة علي ع من بني تميم منهم حارثة بن قدامة و غيره فكتب بذلك حارثة إلى علي ع يشكو إليه ابن عباس فكتب ع إلى ابن عباس أما بعد فإن خير الناس عند الله غدا أعملهم بطاعته فيما عليه و له و أقواهم بالحق و إن كان مرا ألا و إنه بالحق قامت السماوات و الأرض فيما بين العباد فلتكن سريرتك فعلا و ليكن حكمك واحدا و طريقتك مستقيمة و اعلم أن البصرة مهبط إبليس و مغرس الفتن إلى آخر ما مر قوله

 قوله ع فيما بين العباد حال عن الحق أو ظرف للقيام لكونه عبارة عما ينفع العباد و يصير سببا لانتظام أمورهم. قوله ع فلتكن سريرتك فعلا أي لا تضمر خلاف ما تفعل و لا تخدع الناس قوله ع و مغرس الفتن قال ابن أبي الحديد أي موضع غرسها و يروى بالعين المهملة و هو الموضع الذي ينزل فيه القوم آخر الليل. فحادث أهلها أي تعهدهم بالإحسان قال في النهاية فيه حادثوا هذه القلوب بذكر الله أي اجلوها و اغسلوا الدرن عنها و تعاهدوها بذلك كما يحادث السيف بالصقال. و في الصحاح قال الأصمعي تنمر له أي تنكر له و تغير و أوعده لأن النمر لا يلقاه أبدا إلا متنكر غضبان و تنمروا تشبهوا بالنمر لم يغب لهم نجم أي لم يمت لهم سيد إلا قام آخر مقامه و قال ابن ميثم الوغم الترة و الأوغام الترات أي لم يهدر لهم دم في جاهلية و لا في إسلام يصفهم بالشجاعة و الحمية فالمضاف محذوف أي لم يسبقوا بشفاء حقد من عدو. و يحتمل أن يكون المعنى أنهم لم يسبقهم أحد إلى الترات و الأحقاد لشرف نفوسهم بقلة احتمالهم للأذى و ذلك لأن المهين الحقير في نفسه لا يكاد يغضب و يحقد بما يفعل به من الأذى و إن غضب في الحال إلا أنه لا يدوم ذلك الغضب و لا يصير حقدا أو لم يسبقهم أحد و لم يغلب عليهم بالقهر و البطش. و في وصفهم بذلك إشارة إلى وجه المصلحة في الإحسان إليهم مع نوع من المدح و الاستمالة و الرحم الماسة لاتصالهم عند إلياس بن مضر. و قال ابن أبي الحديد مأزورون أصله موزورون و لكنه جاء بالهمزة لتحاذى بها همزة مأجورون. قوله ع فاربع أي توقف و تثبت فيما تفعل و المراد بالشر الضرر لا الظلم و إن احتمله. قوله ع فإنا شريكان هو كالتعليل لحسن أمره له بالتثبت لأنه لما كان واليا من قبله فكل حسنة أو سيئة يحدثها في ولايته فله ع شركة في إحداثها إذ هو السبب البعيد و أبو العباس كنية ابن عباس. و قال الجوهري فال الرأي يفيل فيولة ضعف و أخطأ و رجل فال و فائل أي ضعيف الرأي مخطئ الفراسة

700-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى عبد الله بن عباس و كان ابن عباس يقول ما انتفعت بكلام بعد كلام رسول الله ص كانتفاعي بهذا الكلام أما بعد فإن المرء قد يسره درك ما لم يكن ليفوته و يسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه فليكن سرورك بما نلت من آخرتك و ليكن أسفك على ما فاتك منها و ما نلت من دنياك فلا تكثر به فرحا و ما فاتك منها فلا تأس عليه جزعا و ليكن همك فيما بعد الموت

 بيان أول الكلام إشارة إلى قوله تعالى ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ. و الدرك محركة لحاق الشي‏ء و الوصول إليه بعد طلبه و اسم لم يكن ضمير المرء و الغرض عدم الإكثار في الفرح بالنعم بحيث يؤدي إلى الاغترار بالدنيا و الغفلة عن العقبى و عدم الحزن المفرط في المصيبة بحيث يفضي إلى عدم الرضا بالقضاء و ترك ما يجب أو يستحب فعله. قوله ع بما نلت من آخرتك أي من أسباب آخرتك و الطاعات التي توجب حصول الدرجات الأخروية و لا تأس أي لا تحزن

701-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى أهل البصرة و قد كان من انتشار حبلكم و شقاقكم ما لم تغبوا عنه فعفوت عن مجرمكم و رفعت السيف عن مدبركم و قبلت من مقبلكم فإن خطت بكم الأمور المردية و سفه الآراء الجائرة إلى منابذتي و خلافي فها أنا ذا قد قربت جيادي و رحلت ركابي و إن ألجأتموني إلى المسير إليكم لأوقعن بكم وقعة لا تكون يوم الجمل إليها إلا كلعقة لاعق مع أني عارف لذي الطاعة منكم فضله و لذي النصيحة حقه غير متجاوز متهما إلى بري‏ء و لا ناكثا إلى وفي

 إيضاح الحبل العهد و الميثاق و الأمان و كل ما يتوصل به إلى شي‏ء و انتشاره كناية عن تشتت الآراء أو عدم الثبات على العهود و قيل أي نشركم حبل الجماعة. قال الجوهري غبيت عن الشي‏ء و غبيته أيضا أغبى غباوة إذا لم يفطن له و غبي على الشي‏ء كذلك إذا لم تعرفه. قوله ع و قبلت من مقبلكم أي الذي لم يفر و جاء معتذرا. و قال ابن أبي الحديد خطا فلان خطوة يخطو و هو مقدار ما بين القدمين فهذا لازم فإن عديته قلت أخطيت بفلان و خطوت به و قد عداه ع بالباء أقول المعنى أن ذهبت بكم الأمور المهلكة و السفه محركة خفة الحلم. و الآراء في بعض النسخ على زنة آجال على القلب و في بعضها على الأصل و الجور العدول عن القصد و قال الجوهري جاد الفرس أي صار رائعا يجود جودة بالضم فهو جواد للذكر و الأنثى من خيل جياد و أجياد و أجاويد. و الركاب الإبل التي يركب عليها و الواحدة راحلة و رحلت البعير أرحله رحلا إذا شددت على ظهره الرحل و هو أصغر من القتب و في بعض النسخ بالتشديد. و أوقعت بهم أي بالغت في قتالهم و الوقعة بالحرب الصدمة بعد الصدمة قوله إلا كلعقة لاعق قال ابن أبي الحديد هو مثل يضرب للشي‏ء الحقير التافه و روي بضم اللام و هي ما تأخذه الملعقة و في النهاية لعق الأصابع و الصحفة لطع ما عليها من أثر الطعام قوله ع غير متجاوز متهما أي لا أجاوز في العقوبة من المتهم أي الذي ثبت عليه الذنب إلى بري‏ء بأن لا أعاقبه و أعاقب البري‏ء و الناكث من نقض البيعة و الوفي من وفى بها و إنما قال ع ذلك لئلا ينفروا عنه يأسا من عدله و رأفته

702-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى قثم بن العباس و هو عامله على مكة أما بعد فأقم للناس الحج و ذكرهم بأيام الله و اجلس لهم العصرين فأفت المستفتي و علم الجاهل و ذاكر العالم و لا يكن لك إلى الناس سفير إلا لسانك و لا حاجب إلا وجهك و لا تحجبن ذا حاجة عن لقائك بها فإنها إن ذيدت عن أبوابك في أول وردها لم تحمد فيما بعد على قضائها و انظر إلى ما اجتمع عندك من مال الله فاصرفه إلى من قبلك من ذي العيال و المجاعة مصيبا به مواضع المفاقر و الخلات و ما فضل عن ذلك فاحمله إلينا لنقسمه فيمن قبلنا و مر أهل مكة أن لا يأخذوا من ساكن أجرا فإن الله سبحانه يقول سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ فالعاكف المقيم به و البادي الذي يحج إليه من غير أهله وفقنا الله و إياكم لمحابه و السلام

 بيان قوله ع بأيام الله أي إنعامه و أيام انتقامه روي ذلك عن أبي عبد الله ع. و اجلس لهم العصرين قال ابن ميثم لكونهما أطيب الأوقات بالحجاز و قال الجوهري العصران الغداة و العشي و منه سميت صلاة العصر و قال السفير الرسول و المصلح بين القوم إن ذيدت أي دفعت و منعت و وردها سؤالها و المجاعة بالفتح الجوع و قال ابن الأثير المفاقر جمع فقر على غير قياس كالمشابه و الملامح و يجوز أن يكون جمع مفقر و الخلة الحاجة و المحاب جمع المحبة بمعنى الحب أي الأعمال المحبوبة

703-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى عبد الله بن العباس أما بعد فإنك لست بسابق أجلك و لا مرزوق ما ليس لك و اعلم بأن الدهر يومان يوم لك و يوم عليك و أن الدنيا دار دول فما كان منها لك أتاك على ضعفك و ما كان منها عليك لم تدفعه بقوتك

704-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من وصية له ع لعبد الله بن العباس عند استخلافه إياه على البصرة سع الناس بوجهك و مجلسك و حكمك و إياك و الغضب فإنه طيرة من الشيطان و اعلم أن ما قربك من الله يباعدك من النار و ما باعدك من الله يقربك من النار

 بيان سع الناس أي لا تخص بعض الناس بشي‏ء من ذلك بل ساوهم فيها و مجلسك أي تقربهم منك في المجلس طيرة من الشيطان في بعض النسخ بفتح الطاء و سكون الياء و في بعضها بكسر الطاء و فتح الياء. و قال الجوهري في فلان طيرة و طيرورة أي خفة و طيش و الطيرة مثال العتبة و هو ما يتشأم به من الفأل الردي انتهى. و الأول هنا أظهر و على الثاني فيمكن أن يكون المراد أن ذلك فأل ردي‏ء ناش من الشيطان يدل على أن صاحبه بعيد من رحمة الله

705-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى عبد الله بن العباس أما بعد فإني كنت أشركتك في أمانتي و جعلتك شعاري و بطانتي و لم يكن في أهلي رجل أوثق منك في نفسي لمواساتي و موازرتي و أداء الأمانة إلي فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب و العدو قد حرب و أمانة الناس قد خزيت و هذه الأمة قد فتكت و شغرت قلبت لابن عمك ظهر المجن ففارقته مع المفارقين و خذلته مع الخاذلين و خنته مع الخائنين فلا ابن عمك آسيت و لا الأمانة أديت و كأنك لم تكن الله تريد بجهادك و كأنك لم تكن على بينة من ربك و كأنك إنما كنت تكيد هذه الأمة عن دنياهم و تنوي غرتهم عن فيئهم فلما أمكنتك الشدة في خيانة الأمة أسرعت الكرة و عاجلت الوثبة فاختطفت ما قدرت عليه من أموالهم المصونة لأراملهم و أيتامهم اختطاف الذئب الأزل دامية المعزى الكسيرة فحملته إلى الحجاز رحيب الصدر بحمله غير متأثم من أخذه كأنك لا أبا لغيرك حدرت على أهل تراثك من أبيك و أمك فسبحان الله أ ما تؤمن بالمعاد أو ما تخاف من نقاش الحساب أيها المعدود كان عندنا من ذوي الألباب كيف تسيغ شرابا و طعاما و أنت تعلم أنك تأكل حراما و تشرب حراما و تبتاع الإماء و تنكح النساء من مال اليتامى و المساكين و المؤمنين و المجاهدين الذين أفاء الله عليهم هذه الأموال و أحرز بهم هذه البلاد فاتق الله و اردد إلى هؤلاء القوم أموالهم فإنك إن لم تفعل ثم أمكنني الله منك لأعذرن إلى الله فيك و لأضربنك بسيفي الذي ما ضربت به أحدا إلا دخل النار و و الله لو أن الحسن و الحسين فعلا مثل فعلك الذي فعلت ما كانت لهما عندي هوادة و لا ظفرا مني بإرادة حتى آخذ الحق منهما و أزيح الباطل عن مظلمتهما و أقسم بالله رب العالمين ما يسرني أن ما أخذته من أموالهم حلال لي أتركه ميراثا لمن بعدي فضح رويدا فكأنك قد بلغت المدى و دفنت تحت الثرى و عرضت عليك أعمالك بالمحل الذي ينادي الظالم فيه بالحسرة و يتمنى المضيع الرجعة فيه وَ لاتَ حِينَ مَناصٍ

 إيضاح قال ابن أبي الحديد قد اختلف الناس في المكتوب إليه هذا الكتاب فقال الأكثرون إنه عبد الله بن العباس رحمه الله و رووا في ذلك روايات و استدلوا عليه بألفاظ من ألفاظ الكتاب كقوله أشركتك في أمانتي و جعلتك بطانتي و شعاري و إنه لم يكن في أهلي رجل أوثق منك. و قوله على ابن عمك قد كلب ثم قال ثانيا قلبت لابن عمك ظهر المجن ثم قال ثالثا فلا ابن عمك آسيت و قوله لا أبا لغيرك و هذه كلمة لا تقال إلا لمثله فأما غيره من أفناء الناس فإن عليا ع كان يقول له لا أبا لك. و قوله أيها المعدود كان عندنا من أولي الألباب. و قوله و الله لو أن الحسن و الحسين ع و هذا يدل على أن المكتوب إليه هذا الكتاب قريب من أن يجري مجراهما عنده.

  و قد روى أرباب هذا القول أن عبد الله بن عباس كتب إلى علي ع جوابا عن هذا الكتاب قالوا و كان جوابه أما بعد فقد أتاني كتابك تعظم علي ما أصبت من بيت مال البصرة و لعمري إن حقي في بيت المال لأكثر مما أخذت و السلام

 قالوا فكتب إليه علي ع أما بعد فإن من العجب أن تزين لك نفسك أن لك في بيت مال المسلمين من الحق أكثر مما لرجل من المسلمين فقد أفلحت إن كان تمنيك الباطل و ادعاؤك ما لا يكون ينجيك من المأثم و يحل لك المحرم إنك لأنت المهتدي السعيد إذا و قد بلغني أنك اتخذت مكة وطنا و ضربت بها عطنا تشتري بها مولدات مكة و المدينة و الطائف تختارهن على عينك و تعطي فيهن مال غيرك فارجع هداك الله إلى رشدك و تب إلى الله ربك و اخرج إلى المسلمين من أموالهم فعما قليل تفارق من ألفت و تترك ما جمعت و تغيب في صدع من الأرض غير موسد و لا ممهد قد فارقت الأحباب و سكنت التراب و واجهت الحساب غنيا عما خلفت فقيرا إلى ما قدمت و السلام

 قالوا فكتب إليه عبد الله بن العباس أما بعد فإنك قد أكثرت علي و و الله لأن ألقى الله قد احتويت على كنوز الأرض كلها من ذهبها و عقيانها و لجينها أحب إلي من أن ألقاه بدم امرئ مسلم و السلام

 و قال آخرون و هم الأقلون هذا لم يكن و لا فارق عبد الله بن عباس عليا ع و لا باينه و لا خالفه و لم يزل أميرا على البصرة إلى أن قتل علي ع. قالوا و يدل على ذلك ما رواه أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني من كتابه الذي كتبه إلى معاوية من البصرة لما قتل علي ع و قد ذكرناه من قبل. قالوا و كيف يكون ذلك و لم يختدعه معاوية و يجره إلى جهته فقد علمتم كيف اختدع كثيرا من عمال أمير المؤمنين علي ع و استمالهم إليه بالأموال فمالوا و تركوا أمير المؤمنين ع فما باله و قد علم النبوة التي حدثت بينهما لم يستمل ابن عباس و لا اجتذبه إلى نفسه و كل من قرأ السير و عرف التواريخ يعرف مشاقة ابن عباس لمعاوية بعد وفاة علي ع و ما كان يلقاه به من قوارع الكلام و شديد الخصام و ما كان يثني به على أمير المؤمنين و يذكر خصائصه و فضائله و يصدع به من مناقبه و مآثره فلو كان بينهما غبار أو كدر لما كان به الأمر كذلك بل كانت الحال تكون بالضد مما اشتهر من أمرهما و هذا عندي هو الأمثل و الأصوب. و قد قال الراوندي المكتوب إليه هذا الكتاب هو عبيد الله بن العباس لا عبد الله و ليس ذلك بصحيح فإن عبيد الله كان عامل علي ع على اليمن و قد ذكرنا قصته مع بسر بن أرطاة فيما تقدم و لم ينقل عنه أنه أخذ مالا و لا فارق طاعة. و قد أشكل علي أمر هذا الكتاب فإن أنا كذبت النقل و قلت هذا كلام موضوع على أمير المؤمنين ع خالفت الرواة فإنهم قد أطبقوا على رواية هذا الكلام عنه و قد ذكر في أكثر كتب السيرة و إن صرفته إلى عبد الله بن العباس صدني عنه ما أعلمه من ملازمته لطاعة أمير المؤمنين في حياته و بعد وفاته و إن صرفته إلى غيره لم أعلم إلى من أصرفه من أهل أمير المؤمنين ع و الكلام يشعر بأن الرجل المخاطب من أهله و من بني عمه فأنا في هذا الموضع من المتوقفين انتهى. و قال ابن ميثم هذا مجرد استبعاد و معلوم أن ابن عباس لم يكن معصوما و علي ع لم يكن ليراقب في الحق أحدا و لو كان أعز أولاده بل يجب أن تكون الغلظة على الأقرباء في هذا الأمر أشد ثم إن غلظة علي و عتابه لا يوجب مفارقته إياه و لنرجع إلى الشرح. قوله ع كنت أشركتك في أمانتي أي جعلتك شريكا في الخلافة التي ائتمنني الله عليها و الأمانة الثانية ما تعارفه الناس و قال ابن الأثير في النهاية بطانة الرجل صاحب سره و أدخله أمره الذي يشاوره في أحواله. قد خزيت أي هانت و ذلت و المراد عدم اهتمام الناس بحفظها و قال الجوهري و قال ابن الأثير التفل نفخ معه أدنى بزاق و هو أكثر من النفث. و المواساة المشاركة و المساهمة و أصله الهمزة قلبت تخفيفا و الموازرة المشاركة في حمل الأثقال و المعاونة في إمضاء الأمور. و قال في حرب و كلب من النهاية في حديث علي ع كتب إلى ابن عباس حين أخذ مال البصرة فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب أي اشتد يقال كلب الدهر على أهله إذا ألح عليهم و اشتد و قال

  و العدو قد حرب أي غضب يقال منه حرب يحرب حربا بالتحريك انتهى. قد خزيت أي هانت و ذلت و المراد عدم اهتمام الناس بحفظها و قال الجوهري الفتك أن يأتي الرجل صاحبه و هو غار حتى يشد عليه فيقتله و قد فتك به يفتك و يفتك على زنة يضرب و ينصر و الفاتك الجري‏ء و قال شغر البلد أي خلا من الناس و في القاموس شغرت الأرض لم يبق أحد يحميها و يضبطها و الشغر البعد و التفرقة. و قال ابن أبي الحديد أي خلت من الخير. و قال في قوله ع قلبت لابن عمك أي كنت معه فصرت عليه و أصل ذلك أن الجيش إذا لقوا العدو كانت ظهور مجانهم إلى وجه العدو و بطونها إلى عسكرهم فإذا فارقوا رئيسهم عكسوا قوله ع على بينة من ربك أي لم يكن إيمانك عن حجة و برهان و قال الجوهري شي‏ء شديد بين الشدة و الشدة بالفتح الحملة الواحدة و قد شد عليه في الحرب انتهى. و الكرة الحملة و العود إلى القتال و قال في النهاية في حديث علي ع اختطاف الذئب الأزل الأزل في الأصل الصغير الفجر و هو في صفات الذئب الخفيف و قيل هو من قولهم زل زليلا إذا عدي و خص الدامية لأن من طبع الذئب محبة الدم حتى أنه يرى ذئبا داميا فيثب عليه ليأكله. و في الصحاح المعز من الغنم خلاف الضأن و هو اسم جنس و كذلك المعزى. قوله رحيب الصدر أي واسعه طيب النفس و قال الجوهري الإثم الذنب و تأثم أي تحرج عنه و كف و قال حدرت السفينة أي أرسلتها إلى أسفل انتهى. و أما قوله ع لا أبا لغيرك فقال في النهاية لا أبا لك أكثر ما يستعمل في معرض المدح أي لا كافي لك غير نفسك و قد يذكر في معرض الذم كما يقال لا أم لك و قد يذكر في معرض التعجب دفعا للعين انتهى. فعلى الأول يكون لا أبا لغيرك ذما له بمدح غيره و على الثاني مدحا له و تلطفا مع إشعار بالذم و على الثالث يكون إبعادا عن التعجب من سوء فعله تلطفا أو ذما له بالتعجب من حسن فعل غيره دون فعله. و الأنسب بالمقام أن يكون الغرض لا أبا لك للذم فعبر هكذا لنوع ملاطفة و قد يقال مثله في الفارسية يقال إن مات عدوك و الغرض إن مت. و في النهاية فيه من نوقش في الحساب عذب أي من استقصي في محاسبته و حوقق و منه حديث علي ع يوم يجمع الله الأولين و الآخرين لنقاش الحساب و هو مصدر منه و أصله المناقشة من نقش الشوكة إذا استخرجها من جسمه. قوله ع أيها المعدود كان عندنا أدخل ع لفظة كان تنبيها على أنه لم يبق كذلك فإن الظاهر من المعدود في الحال. و قيل لعله ع لم يقل يا من كان عندنا من ذوي الألباب إشعارا بأنه معدود في الحال أيضا عند الناس منهم و في التعبير بالمعدود إشعار بأنه لم يكن قبل ذلك أيضا منهم. و في الصحاح مكنه الله من الشي‏ء و أمكنه منه بمعنى و في القاموس أعذر أبدى عذرا و أحدث و ثبت له عذر و بالغ و في النهاية الهوادة الرخصة و السكون و المحاباة و في الصحاح الهوادة الصلح و الميل قوله ع بإرادة أي بمراد و قال الجوهري زاح أي ذهب و بعد و أزاحه غيره و قال الظلامة و المظلمة ما تطلبه عند الظالم و هو اسم ما أخذ منك و قال الزمخشري في المستقصى صح رويدا أي ترفق في الأمر و لا تعجل و أصله أن الأعراب في باديتها تسير بالظعن فإذا عثرت على لمع من العشب قالت ذلك و غرضها أن ترعى الإبل الضحاء قليلا قليلا و هي سائرة حتى إذا بلغت مقصدها شبعت

  فلما كان من الترفق في هذا توسعوا فقالوا في كل موضع ضح بمعنى ارفق و الأصل ذاك و قال الجوهري قوله تعالى وَ لاتَ حِينَ مَناصٍ قال الأخفش شبهوا لات بليس و أضمروا فيها اسم الفاعل و قال لا تكون لات إلا مع حين و قد جاء حذف حين في الشعر و قرأ بعضهم و لات حين مناص برفع حين و أضمر الخبر قال أبو عبيد هي لا و التاء إنما زيدت في حين و كذلك في تلان و أوان و إن كتبت مفردة و قال المورج زيدت التاء في لات كما زيدت في ثمت و ربت

706-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى المنذر بن الجارود العبدي و قد خان في بعض ما ولاه من أعماله أما بعد فإن صلاح أبيك غرني منك و ظننت أنك تتبع هديه و تسلك سبيله فإذا أنت فيما رقي إلي عنك لا تدع لهواك انقيادا و لا تبقي لآخرتك عتادا أ تعمر دنياك بخراب آخرتك و تصل عشيرتك بقطيعة دينك و لئن كان ما بلغني عنك حقا لجمل أهلك و شسع نعلك خير منك و من كان بصفتك فليس بأهل أن يسد به ثغر أو ينفذ به أمر أو يعلى به قدر أو يشرك في أمانة أو يؤمن على جباية فأقبل إلي حين يصل إليك كتابي هذا إن شاء الله

 قال الشريف الرضي و المنذر بن الجارود هو الذي قال فيه أمير المؤمنين إنه لنظار في عطفيه مختال في برديه تفال في شراكيه. إيضاح الهدي بالفتح السيرة الحسنة فيما رقي بالتشديد أي فيما رفع إلي و أصله أن يكون الإنسان في موضع عال فيرقى إليه شي‏ء و كان العلو هاهنا هو علو الرتبة بين الإمام و الأمير نحو قولهم تعالى باعتبار علو رتبة الآمر على المأمور. كذا و ذكره ابن أبي الحديد و قال اللام في قوله ع لهواك متعلق بمحذوف دل عليه انقيادا لأن المتعلق من حروف الجر بالمصدر لا يجوز أن يتقدم على المصدر و العتاد العدة و قال العرب تضرب المثل بالجمل في الهوان. و قال ابن ميثم جمل الأهل مما يتمثل به في الهوان و أصله فيما قيل إن الجمل يكون لأبي القبيلة فيصير ميراثا لهم يسوقه كل منهم و يصرفه في حاجته فهو ذليل حقير بينهم. و شسع نعلك قال الجوهري هي التي تشد إلى زمامها و قال ابن أبي الحديد المثل بها في الاستهانة مشهور لابتذالها و وطئها الأقدام في التراب. قوله ع أو يشرك في أمانة قال ابن ميثم الخلفاء أمناء الله في بلاده فمن ولوه من قبلهم فقد أشركوه في أمانتهم. قوله ع أو يؤمن على جباية قال ابن أبي الحديد أي على استجباء الخراج و جمعه و هذه الرواية التي سمعناها و من الناس من يرويها خيانة بالخاء المعجمة و النون و هكذا رواها القطب الراوندي و لم يرو الرواية الصحيحة التي ذكرناها نحن و قال على تكون متعلقة بمحذوف أو بيؤمن نفسها و هذا بعيد و تكلف. و قال ابن ميثم أي تؤمن حال خيانتك لأن كلمة على تفيد الحال انتهى. و أقول يمكن أن يقدر فيه مضاف أي على إزالة خيانة أو يراد بالخيانة المال الذي هو بمعرضها. قوله ع لنظار في عطفيه أي ينظر كثيرا في جانبيه تارة هكذا و تارة هكذا لإصلاح ثوبه أو إعجابه بنفسه. و قال ابن أبي الحديد الشراك السير الذي يكون في النعل على ظهر القدم و التفل بالسكون مصدر تفل أي بصق و التفل محركة البصاق نفسه و المختال إنما يفعله في شراكيه ليذهب عنهما الغبار و الوسخ يتفل فيهما فيمسحهما ليعودا كالجديدين. و قال ابن الأثير التفل نفخ معه أدنى بزاق و هو أكثر من النفث

707-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى الحارث الهمداني و تمسك بحبل القرآن و انتصحه و أحل حلاله و حرم حرامه و صدق بما سلف من الحق و اعتبر بما مضى من الدنيا ما بقي منها فإن بعضها يشبه بعضا و آخرها لاحق بأولها و كلها حائل مفارق و عظم اسم الله أن لا تذكره إلا على حق و أكثر ذكر الموت و ما بعد الموت و لا تتمن الموت إلا بشرط وثيق و احذر كل عمل يرضاه صاحبه لنفسه و يكره لعامة المسلمين و احذر كل عمل يعمل به في السر و يستحيا منه في العلانية و احذر كل عمل إذا سئل عنه صاحبه أنكره أو اعتذر منه و لا تجعل عرضك غرضا لنبال القول و لا تحدث الناس بكل ما سمعت فكفى بذلك كذبا و لا ترد على الناس كل ما حدثوك به فكفى بذلك جهلا و اكظم الغيظ و احلم عند الغضب و تجاوز عند القدرة و اصفح مع الدولة تكن لك العاقبة و استصلح كل نعمة أنعمها الله عليك و لا تضيعن نعمة من نعم الله عندك و لير عليك أثر ما أنعم الله به عليك و اعلم أن أفضل المؤمنين أفضلهم تقدمه من نفسه و أهله و ماله فإنك ما تقدم من خير يبق لك ذخره و ما تؤخره يكن لغيرك خيره و احذر صحابة من يفيل رأيه و ينكر عمله فإن الصاحب معتبر بصاحبه و اسكن الأمصار العظام فإنها جماع المسلمين و احذر منازل الغفلة و الجفاء و قلة الأعوان على طاعة الله و أقصر رأيك على ما يعنيك و إياك و مقاعد الأسواق فإنها محاضر الشيطان و معاريض الفتن و أكثر أن تنظر إلى من فضلت عليه فإن ذلك من أبواب الشكر و لا تسافر في يوم جمعة حتى تشهد الصلاة إلا فاصلا في سبيل الله أو في أمر تعذر به و أطع الله في جمل أمورك فإن طاعة الله فاضلة على ما سواها و خادع نفسك في العبادة و ارفق بها و لا تقهرها و خذ عفوها و نشاطها إلا ما كان مكتوبا عليك من الفريضة فإنه لا بد من قضائها و تعاهدها عند محلها و إياك أن ينزل بك الموت و أنت آبق من ربك في طلب الدنيا و إياك و مصاحبة الفساق فإن الشر بالشر ملحق و وقر الله و أحبب أحباءه و احذر الغضب فإنه جند عظيم من جنود إبليس و السلام

 إيضاح قوله ع بحبل القرآن لعل الإضافة بيانية كما قال ص في حديث الثقلين كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض و انتصحه أي عده لك ناصحا فيما أمرك به و نهاك عنه و أحل حلاله أي اعتقده كذلك و اعمل به و صدق بما سلف أي صدق بما تضمنه القرآن من أيام الله و مثلاته في الأيام السالفة و النبيين و المرسلين و ما جاءوا به أو بما ظهر لك من حقيته من الأمور السالفة من ابتداء العالم و حدوثه و بعث النبيين و أحوالهم و غيرها سواء ظهر من الكتاب أو السنة أو البرهان العقلي و كلها حائل أي متغير إلا على حق أي على حق عظيم معتد به من الأموال أو مطلقا مالا أو غيره أو الغرض عدم الحلف على الباطل و لا تتمن الموت أي لا تطلبه إلا مقرونا و مشروطا بأن يكون صلاحك فيه و تدخل الجنة بعده و تكون مغفورا مبرورا و قال ابن أبي الحديد أي إلا و أنت واثق من أعمالك الصالحة أنها تؤديك إلى الجنة و تنقذك من النار و هذا معنى قوله تعالى لليهود فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وَ لا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ انتهى و أقول على هذا لعله يرجع إلى النهي عن تمني الموت مطلقا فإن ذلك الوثوق مما لا يكاد يحصل لأحد سوى الأنبياء و الأئمة ع و لا تجعل عرضك غرضا أي اتق مواضع التهم و الغرض الهدف و النبل السهام العربية و لا واحد له من لفظه و النبال جمع الجمع و الصفح مع الدولة العفو عند الغلبة على الخصم و استصلح كل نعمة أي استدم نعم الله تعالى بشكرها و تضييعها بترك الشكر أو بصرفها في غير مصارفها المشروعة و رؤية أثر النعمة باستعمالها كلبس الفاخر من الثياب و إطعام الطعام و التقدمة من النفس بذلها في الجهاد و إتعابها و أذابتها بالصيام و القيام و من الأهل ببعث الأولاد و العشيرة إلى الجهاد و عدم المبالاة بما أصابهم في سبيل الله و الرضا بقضاء الله في مصائبهم و من المال بإنفاقه في طاعة الله. و قوله ع و إنك ما تقدم إشارة إلى قوله تعالى وَ ما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَ أَعْظَمَ أَجْراً و قال الجوهري فال رأيه ضعف و رجل فال أي ضعيف الرأي مخطئ الفراسة. قوله ع فإن الصاحب معتبر قال ابن ميثم فإنك تقاس بصاحبك و ينسب فعلك إلى فعله و لأن الطبع مع الصحبة أطوع للفعل منه للقول فلو صحبته لشابه فعلك فعله. و في القاموس صحبة كسمعة صحابة و يكسر و في الصحاح الجماع ما جمع شيئا يقال الخمر جماع الإثم. و احذر منازل الغفلة كالقرى و البوادي و كل منزل يكون أهله غافلين عن الله جافين لأوليائه باعدين عن الآداب الحسنة غير معينين على طاعة الله على ما يعنيك أي يهمك. و المعاريض جمع معرض بفتح الميم أو كسرها و هو محل عروض الشي‏ء و ظهوره قال الجوهري المعرض ثياب تحلى فيها الجواري إلا فاصلا أي شاخصا قال تعالى وَ لَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ أو في أمر تعذر به أي لضرورة تكون عذرا شرعا. قوله ع في جمل أمورك أي في جملتها و كلها و خادع نفسك أي بأخذ عفوها و نشاطها و ترغيبها إلى العبادة بذكر الوعد و الوعيد و صحبة العباد و النظر إلى أطوارهم الحسنة من غير قهر و جبر حتى يمل و يضجر بل بأن يتلطف لها و لا يحملها فوق طاقتها و قال الجوهري عفو المال ما يفضل عن النفقة. فإن الشر بالشر لعل المراد بالشر الثاني صحبة الفاسق و بالأول سوء العاقبة أو بالأول ما تكتسبه النفس من تلك المصاحبة و قيل الشر يقوى بالشر كالنار تقوى بالنار فمخالطتهم جاذبة لك إلى مساعدتهم و في بعض النسخ ملحق بصيغة اسم الفاعل أي يلحقك الشر بالشر

708-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى الأسود بن قطبة صاحب جند حلوان أما بعد فإن الوالي إذا اختلف هواه منعه ذلك كثيرا من العدل فليكن أمر الناس عندك في الحق سواء فإنه ليس في الجور عوض من العدل فاجتنب ما تنكر أمثاله و ابتذل نفسك فيما افترض الله عليك راجيا ثوابه و متخوفا عقابه و اعلم أن الدنيا دار بلية لم يفرغ صاحبها قط فيها ساعة إلا كانت فرغته عليه حسرة يوم القيامة و إنه لن يغنيك عن الحق الشي‏ء أبدا و من الحق عليك حفظ نفسك و الاحتساب على الرعية بجهدك فإن الذي يصل إليك من ذلك أفضل من الذي يصل بك و السلام

 بيان قوله ع إذا اختلف هواه كما إذا لم يكن الخصمان عنده سواء بل كان هواه و ميله إلى أحدهما أكثر ظلم و جار. قوله ع ما تنكر أمثاله أي إذا فعله غيرك. و ابتذال الثوب و غيره امتهانه قاله الجوهري و قال البلية و البلاء و البلوى واحد و الفرغة المرة من الفراغ و قال الجوهري احتسبت عليه كذا إذا أنكرت عليه قاله ابن دريد فإن الذي يصل إليك أي النفع الذي يصل إلى نفسك من الثواب أفضل من الذي يصل إلى رعيتك بسببك و هو عدلك و إحسانك

709-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى الأشعث بن قيس عامل آذربيجان و إن عملك ليس لك بطعمة و لكنه في عنقك أمانة و أنت مسترعى لمن فوقك ليس لك أن تقتات في رعية و لا تخاطر إلا بوثيقة و في يديك مال من مال الله عز و جل و أنت من خزاني حتى تسلمه إلي و لعلي أن لا أكون شر ولاتك لك و السلام

 بيان قال ابن ميثم رحمه الله و غيره روي عن الشعبي أنه ع لما قدم الكوفة و كان الأشعث بن قيس على ثغر آذربيجان من قبل عثمان فكتب إليه بالبيعة و طالب بمال آذربيجان مع زياد بن مرحب الهمداني و صورة الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى الأشعث بن قيس أما بعد فلو لا هنات و هنات كن منك كنت المقدم في هذا الأمر قبل الناس و لعل آخر أمرك يحمل أوله و بعضها بعضا إن اتقيت الله عز و جل و قد كان من بيعة الناس إياي ما قد بلغك و كان طلحة و الزبير أول من بايعني ثم نقضا بيعتي عن غير حدث و أخرجا عائشة فساروا بها إلى البصرة فصرت إليهم في المهاجرين و الأنصار فالتقينا فدعوتهم إلى أن يرجعوا إلى ما خرجوا منه فأبوا فأبلغت في الدعاء و أحسنت في البقية و اعلم أن عملك إلى آخر ما مر و كتب عبيد الله بن أبي رافع في شعبان سنة ست و ثلاثين

 و روي أنه لما أتاه كتابه ع دعا بثقاته و قال لهم إن علي بن أبي طالب قد أوجسني و هو آخذي بمال آذربيجان على كل حال و أنا لاحق بمعاوية فقال له أصحابه الموت خير لك من ذلك تدع مصرك و جماعة قومك فتكون ذنبا لأهل الشام فاستحيا من ذلك و بلغ قوله أهل الكوفة فكتب إليه ع كتابا يوبخه فيه و يأمره بالقدوم عليه و بعث حجر بن عدي فلامه حجر على ذلك و ناشده الله و قال أ تدع قومك و أهل مصرك و أمير المؤمنين و تلحق بأهل الشام و لم يزل به حتى أقدمه إلى الكوفة فعرض عليه ع ثقله فوجد فيها مائة ألف درهم و روي أربعمائة ألف درهم فأخذها و كان ذلك بالنخيلة فاستشفع الأشعث بالحسن و الحسين ع و بعبد الله بن جعفر فأطلق له منها ثلاثين ألفا فقال لا يكفيني فقال لست بزائدك درهما و ايم الله لو تركتها لكان خيرا لك و ما أظنها تحل لك و لو تيقنت ذلك لما بلغتها من عندي فقال الأشعث خذ من جذعك ما أعطاك

 و أقول الأذربيجان اسم أعجمي غير مصروف و الألف مقصورة و الذال ساكنة و منهم من يقول آذربيجان بمد الهمزة و ضم الذال و سكون الراء. و لعل المراد بالهنات أي الأمور القبيحة ما كان من ارتداده و موافقته لخلفاء الجور في جورهم أي لو لا تلك الأمور لكنت في هذا الأمر متقدما على غيرك في الفضل و السابقة. و يحتمل أن يراد بالهنات ما في قلبه من النفاق و الحقد و العداوة أي لو لا تلك الأمور لكان ينبغي أن تكون متقدما على غيرك في بيعتي و متابعتي و لعل آخر أمرك يؤيد الأول أي لعله صدر منك في آخر الأمر أشياء تصير سببا للتجاوز عما صدر منك أولا و بعضها أي بعض أمورك من الخيرات يحمل بعضا أي سائرها من السيئات و البقية الإبقاء و الشفقة و قال في النهاية الطعمة بالضم شبه الرزق و الطعمة بالكسر و الضم وجه الكسب يقال هو طيب الطعمة و خبيث الطعمة و هي بالكسر خاصة حالة الأكل و استرعاه طلب منه الرعاية أي أنت راع من قبل سلطان هو فوقك. قوله ع أن تقتات في بعض النسخ بالقاف من القوت يقال قته فاقتات أي رزقته فارتزق و في بعضها بالفاء و الألف من الفوت بمعنى السبق يقال تفوت فلان على فلان في كذا و افتات عليه إذا انفرد برأيه في التصرف فيه و لما ضمن معنى التغليب عدي بعلى. و قال ابن ميثم بالهمزة و لعله منه سهو. قوله ع و لا تخاطر أي و لا أن تخاطر في شي‏ء من الأمور إلا بوثيقة أي لا تقدم على أمر مخوف مما يتعلق بالمال الذي تتولاه إلا بعد أن تتوثق لنفسك يقال أخذ فلان بالوثيقة في أمره أي احتاط و يقال خاطر بنفسه أي أشفى بها على خطر. و قال الزمخشري في المستقصى في قولهم خذ من جذع ما أعطاك هو جذع بن عمرو الغساني أتاه سبطة بن المنذر السليحي يسأله دينارين كان بنو غسان يؤدونهما إتاوة في كل سنة من كل رجل إلى ملوك سليح فدخل منزله و خرج مشتملا على سيفه فضربه به حتى سكت ثم قال ذلك و امتنعت بعد غسان عن الإتاوة و الإتاوة الخراج و قال الفيروزآبادي الجذع هو ابن عمرو الغساني و منه خذ من جذع ما أعطاك كان غسان تؤدي إلى ملك سليح دينارين من كل رجل من كل رجل و كان يلي ذلك سبطة بن المنذر السليحي فجاء سبطة يسأله الدينارين فدخل جذع منزله فخرج مشتملا بسيف فضرب به سبطة حتى برد و قال خذ من جذع ما أعطاك أو أعطى بعض الملوك سيفه رهنا فلم يأخذه و قال اجعل من كذا في كذا فضربه به و قتله و قال يضرب في اغتنام ما يجود بخ البخيل و في الصحاح قال اجعل هذا في كذا من أمك

710-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى بعض عماله أما بعد فقد بلغني عنك أمر إن كنت فعلته فقد أسخطت ربك و عصيت إمامك و أخزيت أمانتك بلغني أنك جردت الأرض فأخذت ما تحت قدميك و أكلت ما تحت يديك فارفع إلي حسابك و اعلم أن حساب الله أعظم من حساب الناس

 بيان و أخزيت أمانتك أي ذللتها و أهنتها أنك جردت الأرض أي أخربت الضياع و أخذت حاصلها لنفسك يقال جردت الشي‏ء كنصرت أي أقشرته و أزلت ما عليه و منه سمي الجراد لأنه يجرد الأرض

711-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى عمر بن أبي سلمة المحزومي و كان عامله على البحرين فعزله و استعمل النعمان بن عجلان الزرقي مكانه أما بعد فإني قد وليت النعمان بن العجلان على البحرين و نزعت يدك من غير ذم لك و لا تثريب عليك فلقد أحسنت الولاية و أديت الأمانة فأقبل غير ظنين و لا ملوم و لا متهم و لا مأثوم فقد أردت المسير إلى ظلمة أهل الشام و أحببت أن تشهده معي فإنك ممن أستظهر به على جهاد العدو و إقامة عمود الدين

 بيان عمر هو ربيب رسول الله ص أمه أم سلمة. و النعمان هو من الأنصار و قال في الاستيعاب كان لسان الأنصار و شاعرهم و الزرقي كجهني نسبة إلى زريق و التثريب التعيير و الاستقصاء في اللوم و الظنين المتهم و في القاموس أثمه الله في كذا كمنعه و نصره عده عليه إثما فهو مأثوم و الاستظهار الاستعانة

712-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى مصقلة بن هبيرة الشيباني و هو عامله على اردشيرخره بلغني عنك أمر إن كنت فعلته فقد أسخطت إلهك و أغضبت إمامك بلغني أنك تقسم في‏ء المسلمين الذي حازته رماحهم و خيولهم و أريقت عليه دماؤهم فيمن اعتامك من أعراب قومك فو الذي فلق الحبة و برأ النسمة لئن كان ذلك حقا لتجدن بك علي هوانا و لتخفن عندي ميزانا فلا تستهن بحق ربك و لا تصلح دنياك بمحق دينك فتكون من الأخسرين أعمالا ألا و إن حق من قبلنا و قبلك من المسلمين في قسمة هذا الفي‏ء سواء يردون عندي عليه و يصدرون عنه و السلام

 بيان اردشيرخره بضم الخاء و تشديد الراء المفتوحة كورة من كور فارس أنك تقسم في بعض النسخ بفتح الهمزة بدلا من أمر و في بعضها بالكسر بتقدير حرف الاستفهام ليلائم قوله ع إن كنت فعلته و قوله لئن كان ذلك حقا و قال في النهاية اعتام الشي‏ء يعتامه إذا اختاره و عيمة الشي‏ء بالكسر خياره. و قال ابن أبي الحديد و روي فيمن اعتماك على القلب و المشهور الصحيح الأول و المعنى قسمة الفي‏ء فيمن اختاروك سيدا لهم لتجدن بك أي لك أو بسبب فعلك و ميزانا منصوب على التميز و هو كناية عن صغر منزلته و يقال صدرت عن الماء أي رجعت و الاسم الصدر بالتحريك خلاف الورد و فيه تشبيه للفي‏ء بالماء الذي تتعاوره الإبل العطاش

  -713  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى زياد ابن أبيه و قد بلغه أن معاوية قد كتب إليه يريد خديعته باستلحاقه و قد عرفت أن معاوية كتب إليك يستزل لبك و يستفل غربك فاحذره فإنه الشيطان يأتي المرء من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله ليقتحم غفلته و يستلب غرته و قد كان من أبي سفيان في زمن عمر بن الخطاب فلته من حديث النفس و نزغه من نزغات الشيطان لا يثبت بها نسب و لا يستحق بها إرث و المتعلق بها كالواغل المدفع و النوط المذبذب فلما قرأ زياد كتابه قال شهد بها و رب الكعبة و لم تزل في نفسه حتى ادعاه معاوية

 قال السيد الرضي رضي الله عنه قوله ع كالواغل المدفع الواغل الذي يهجم على الشرب معهم و ليس منهم فلا يزال مدفعا محاجزا و النوط المذبذب هو الذي يناط برحل الراكب من قعب أو قدح أو ما أشبه ذلك فهو أبدا يتقلقل إذا حث ظهره و استعجل سيره. تبيين قال ابن أبي الحديد أما زياد فهو زياد بن عبيد فمن الناس من يقول عبيد بن فلان و ينسبه إلى ثقيف و الأكثرون يقولون إن عبيدا كان عبدا و إنه بقي إلى أيام زياد فابتاعه و أعتقه و نسب زياد إلى غير أبيه لخمول أبيه و للدعوة التي استلحق بها فقيل تارة زياد ابن سمية و هي كانت أمة للحارث بن كلدة الثقفي و كانت تحت عبيد و قيل تارة زياد ابن أبيه و تارة زياد بن أمه و لما استلحق قال له الأكثر زياد بن أبي سفيان لأن الناس مع الملوك ثم روي عن ابن عبد البر و البلاذري و الواقدي عن ابن عباس و غيره أن عمر بعث زيادا في إصلاح فساد وقع باليمن فلما رجع خطب عند عمر خطبة لم يسمع مثلها و أبو سفيان حاضر و علي ع و عمرو بن العاص فقال عمرو لله أبو هذا الغلام لو كان قرشيا لساق العرب بعصاه فقال أبو سفيان إنه لقرشي و إني لأعرف الذي وضعه في رحم أمه فقال علي ع و من هو قال أنا فقال مهلا يا أبا سفيان فقال أبو سفيان

أما و الله لو لا خوف شخص يراني يا علي من الأعادي.لأظهر أمره صخر بن حرب و لم يخف المقالة في زياد.و قد طالت مجاملتي ثقيفا و تركي فيهم ثمر الفؤاد

. عنى بقوله لو لا خوف شخص عمر بن الخطاب و في رواية أخرى قال أتيت أمه في الجاهلية سفاحا فقال علي ع مه يا أبا سفيان فإن عمر إلى المساءة سريع قال و عرف زياد ما دار بينهما فكانت في نفسه. و في رواية أخرى قال له عمرو بن العاص فهلا تستلحقه قال أخاف هذا العير الجالس أن يخرق علي إهابي

 قال و روى المدائني أنه لما كان زمن علي ع ولى زيادا فارس أو بعض أعمال فارس فضبطها ضبطا صالحا و جبا خراجها و حماها و عرف ذلك معاوية فكتب إليه أما بعد فإنه غرتك قلاع تأوي إليها ليلا كما يأوي الطير إلى وكرها و ايم الله لو لا انتظاري بك ما الله أعلم به لكان لك مني ما قاله العبد الصالح فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَ لَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَ هُمْ صاغِرُونَ و كتب في أسفل الكتاب شعرا من جملته

تنسى أباك و قد شالت نعامته إذ تخطب الناس و الوالي لهم عمر

فلما ورد الكتاب على زياد قام فخطب الناس و قال العجب من ابن آكلة الأكباد و رأس النفاق يتهددني و بيني و بينه ابن عم رسول الله ص و زوج سيدة نساء العالمين و أبو السبطين و صاحب الولاء و المنزلة و الإخاء في مائة ألف من المهاجرين و الأنصار و التابعين لهم بإحسان أما و الله لو تخطى هؤلاء أجمعين إلي لوجدني أحمر مخشا ضرابا بالسيف ثم كتب إلى علي ع و بعث بكتاب معاوية في كتابه فكتب إليه علي ع أما بعد فإني قد وليتك ما وليتك و أنا أراك لذلك أهلا و إنه قد كانت من أبي سفيان فلته في أيام عمر من أماني التيه و كذب النفس لم تستوجب بها ميراثا و لم تستحق بها نسبا و إن معاوية كالشيطان الرجيم يأتي المرء من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله فاحذره ثم احذره و السلام

 قال و روى أبو جعفر محمد بن حبيب رحمه الله قال كان علي ع قد ولى زيادا قطعة من أعمال فارس و اصطنعه لنفسه فلما قتل علي ع بقي زياد في عمله و خاف معاوية جانبه و أشفق من ممالاته الحسن بن علي ع فكتب إليه كتابا يهدده و يوعده و يدعوه إلى بيعته فأجابه زياد بكتاب أغلظ منه فشاور معاوية في ذلك المغيرة بن شعبة فأشار عليه بأن يكتب إليه كتابا يستعطفه فيه و يذهب المغيرة بالكتاب إليه فلما أتاه أرضاه و أخذ منه كتابا يظهر فيه الطاعة بشروط فأعطاه معاوية جميع ما سأله و كتب إليه بخط يده ما وثق به فدخل إليه الشام و قربه و أدناه و أقره على ولايته ثم استعمله على العراق

 و قال المدائني لما أراد معاوية استلحاق زياد و قد قدم عليه الشام جمع الناس و صعد المنبر و أصعد زيادا معه على مرقاة تحت مرقاته و حمد الله و أثنى عليه ثم قال أيها الناس إني قد عرفت شبهنا أهل البيت في زياد فمن كانت عنده شهادة فليقم بها فقام ناس فشهدوا أنه ابن أبي سفيان و أنهم سمعوه أقر به قبل موته فقام أبو مريم السلولي و كان خمارا في الجاهلية فقال أشهد يا أمير المؤمنين أن أبا سفيان قدم علينا بالطائف فأتاني فاشتريت له لحما و خمرا و طعاما فلما أكل قال يا أبا مريم أصب لي بغيا فخرجت فأتيت بسمية فقلت لها إن أبا سفيان من قد عرفت شرفه و جوده و قد أمرني أن أصيب له بغيا فهل لك فقال نعم يجي‏ء الآن عبيد بغنمه و كان راعيا فإذا تعشى و وضع رأسه أتيته فرجعت إلى أبي سفيان فأعلمته فلم يلبث أن جاءت تجر ذيلها فدخلت معه فلم تزل عنده حتى أصبحت فقلت له لما انصرفت كيف رأيت صاحبتك فقال خير صاحبة لو لا دفر في إبطيها فقال زياد من فوق المنبر يا أبا مريم لا تشتم أمهات الرجال فتشتم أمك فلما انقضى كلام معاوية و مناشدته قام زياد فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أيها الناس إن معاوية و الشهود قد قالوا ما سمعتم و لست أدري حق هذا من باطله و هو و الشهود أعلم بما قالوا و إنما عبيد أب مبرور و وال مشكور ثم نزل انتهى كلام ابن أبي الحديد

 أقول و إنما أوردت تلك القصص لتعلم أن ما صدر من زياد و ولده لعنة الله عليهما إنما نشأ من تلك الأنساب الخبيثة و تزيد إيمانا و يقينا بأنه لا يبغضهم إلا من ولد من الزنا كما تواتر عن أئمة الهدى. و لنرجع إلى شرح الكتاب قال في النهاية الغرب الحدة و منه غرب السيف و الفل الكسر و الفلة الثلمة في السيف و منه حديث علي ع يستفل غربك من الفل الكسر قوله ع ليقتحم غفلته أي ليلج و يهجم عليه و هو غافل جعل اقتحامه إياه اقتحاما للغفلة نفسها. كذا ذكره ابن أبي الحديد و قال ليس المراد باستلاب الغرة أن يأخذ الغرة لأنه لو كان كذلك لصار ذلك الغافل لبيبا عاقلا و إنما المعنى ما يعنيه الناس بقولهم أخذ فلان غفلتي و فعل كذا أي أخذ ما يستدل به على غفلتي كذا انتهى. و أقول لو كان الإسناد مجازيا كما حمل عليه الفقرة الأولى لم يفد هذا المعنى لأنه يكون حينئذ من قبيل إسناد الشي‏ء إلى الحالة التي المفعول عليها كما يسند إلى الزمان و المكان فيكون المفاد الاستلاب وقت الغرة و الاقتحام وقت الغفلة و إنما نسب إليهما مبالغة لبيان أن علة الاستلاب و الاقتحام لم يكن إلا الغرة و الغفلة فكأنهما وقعا عليهما. و يمكن أن يكون المفعول محذوفا و يكون الغرة و الغفلة منصوبتين بنزع الخافض أي يقتحم عليه في حال غفلته و يستلب لبه في حال غرته. و الفلتة الأمر الذي يصدر فجأة من غير تدبر و روية و نزع الشيطان بينهم أفسد و عدم ثبوت النسب بها لقول النبي ص الولد للفراش و للعاهر الحجر. و في النهاية الشرب بفتح الشين و سكون الراء الجماعة يشربون الخمر و قال في حديث علي ع المتعلق بها كالنوط المذبذب أراد ما يناط برحل الراكب من قعب أو غيره فهو أبدا يتحرك إذا حث ظهره أي دابته. و قال في المستقصى شالت نعامتهم أي تفرقوا و ذهبوا لأن النعامة موصوفة بالخفة و سرعة الذهاب و الهرب و قيل النعامة جماعة القوم و قال الجوهري النعامة الخشبة المعترضة على الزرنوقين و يقال للقوم إذا ارتحلوا عن منهلهم أو تفرقوا قد شالت نعامتهم و النعامة ما تحت القدم

714-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى سهل بن حنيف الأنصاري و هو عامله على المدينة في معنى قوم من أهلها لحقوا بمعاوية بن أبي سفيان أما بعد فقد بلغني أن رجالا ممن قبلك يتسللون إلى معاوية فلا تأسف على ما يفوتك من عددهم و يذهب عنك من مددهم فكفى لهم غيا و لك منهم شافيا فرارهم من الهدى و الحق و إيضاعهم إلى العمى و الجهل و إنما هم أهل دنيا مقبلون عليها و مهطعون إليها قد عرفوا العدل و رأوه و سمعوه و وعوه و علموا أن الناس عندنا في الحق أسوة فهربوا إلى الأثرة فبعدا لهم و سحقا إنهم و الله لم ينفروا من جور و لم يلحقوا بعدل و إنا لنطمع في هذا الأمر أن يذلل الله لنا صعبه و يسهل لنا حزنه إن شاء الله و السلام عليك

 بيان قوله في معنى قوم أي في شأنهم و أمرهم يتسللون أي يخرجون إلى معاوية هاربين في خفية و استتار قال الفيروزآبادي انسل و تسلل انطلق في استخفاء و قال الجوهري انسل من بينهم خرج و تسلل مثله و قال وضع البعير و غيره أي أسرع في سيره و أوضعه راكبه و في النهاية الإهطاع الإسراع في العدو و أهطع إذا مد عنقه و صوب رأسه في الحق أسوة أي لا نفضل بعضهم على بعض في العطاء كما يفعل معاوية و في النهاية فيه أنه قال للأنصار إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا الأثرة بفتح الهمزة و الثاء الاسم من آثر يؤثر إيثارا إذا أعطى أراد أنه يستأثر عليكم فيفضل غيركم في نصيبه من الفي‏ء و الاستيثار الانفراد بالشي‏ء و السحق بالضم البعد و الحزن من الأرض ضد السهل

715-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كتاب له ع إلى كميل بن زياد النخعي و هو عامله على هيت ينكر عليه تركه دفع من يجتاز به من جيش العدو طالبا للغارة أما بعد فإن تضييع المرء ما ولي و تكلفه ما كفي لعجز حاضر و رأي مثبر و إن تعاطيك الغارة على أهل قرقيسياء و تعطيلك مسالحك التي وليناك ليس لها من يمنعها و لا يرد الجيش عنها لرأي شعاع فقد صرت جسرا لمن أراد الغارة من أعدائك على أوليائك غير شديد المنكب و لا مهيب الجانب و لا ساد ثغرة و لا كاسر لعدو شوكة و لا مغن عن أهل مصره و لا مجز عن أميره

 بيان قال ابن أبي الحديد كان كميل من صحابة علي ع و شيعته و خاصته و قتله الحجاج على المذهب فيمن قتل من الشيعة و كان عامل علي ع على هيت و كان ضعيفا يمر عليه سرايا معاوية بنهب أطراف العراق فلا يردها و يحاول أن يجبر ما عنده من الضعف بأن يغير على أطراف أعمال معاوية مثل قرقيسياء و ما يجري مجراها من القرى التي على الفرات فأنكر ع ذلك من فعله. قوله ع ما ولي على صيغة المعلوم المجرد من وليت الأمر كرضيت ولاية إذا توليته و استبددت به و في بعض النسخ على صيغة المجهول من التفعيل من قولهم وليته البلد إذا جعلته واليا عليه و التكلف التجشم و التكلف التعريض لما لا يعنيه و كفاه مئونته أي قام بأمره. قوله ع متبر قال في النهاية أي مهلك يقال تبره تتبيرا أي كسره و أهلكه و التبار الهلاك و قال التعاطي التناول و الجرأة على الشي‏ء من عطا الشي‏ء يعطوه إذا أخذه و تناوله و قرقيسياء في النسخ بالفتح مقصورا و في القاموس قرقيسياء بالكسر و يقصر بلد على الفرات و يقال شعاع أي متفرق و شدة المنكب كناية عن القوة و الحمية و هيبة الجانب كناية عن شدة البطش و الثغرة الثلمة و لا مجز عن أميره أي كاف و مغن و الأصل مجزئ بالهمزة فخفف

716-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من حلف كتبه ع بين اليمن و ربيعة نقل من خط هشام بن الكلبي هذا ما اجتمع عليه أهل اليمن حاضرها و باديها و ربيعة حاضرها و باديها أنهم على كتاب الله يدعون إليه و يأمرون به و يجيبون من دعا إليه و أمر به لا يشترون به ثمنا قليلا و لا يرضون به بدلا و أنهم يد واحدة على من خالف ذلك و تركه أنصار بعضهم لبعض دعوتهم واحدة لا ينقضون عهدهم لمعتبة عاتب و لا لغضب غاضب و لا لاستذلال قوم قوما و لا لمسبة قوم قوما على ذلك شاهدهم و غائبهم و حليمهم و جاهلهم ثم إن عليهم بذلك عهد الله و ميثاقه إن عهد الله كان مسئولا و كتب علي بن أبي طالب ع

 بيان قال ابن أبي الحديد الحلف العهد و قال اليمن كل من ولده قحطان نحو حمير و عك و جذام و كندة و الأزد و غيرهم و ربيعة هو ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان و هم بكر و تغلب و عبد القيس و الحاضر ساكن الحضر و البادي ساكن البادية أنهم على كتاب الله أي مجتمعون عليه لا يشترون به ثمنا أي لا يتعوضون عنه بثمن و أنهم يد واحدة أي لا تخالف بينهم و فعلهم فعل واحد و قال الجوهري عتب عليه أي وجد عليه يعتب و تعتب عتبا و معتبا و الاسم المعتبة و المعتبة و لا لمسبة قوم أي لأن إنسانا منهم سب و هجا بعضهم و المسبة و السب الشتم و الحليم العاقل بقرينة الجاهل أو ذو الأناة فإن ترك الأناة من الجهل إن عهد الله كان مسئولا أي مطلوبا يطلب من العاهد أن لا يضيعه و يفي به أو مسئولا عنه يسأل الناكث و يعاتب عليه و قيل أي إن صاحب العهد كان مسئولا. و قال ابن ميثم في رواية و كتب علي بن أبي طالب و هي المشهورة عنه و وجهها أنه جعل هذه الكنية علما بمنزلة لفظة واحدة لا يتغير إعرابها

717-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من وصية له صلوات الله عليه كان يكتبها لمن يستعمله على الصدقات و إنما ذكرنا منها جملا ليعلم أنه ع كان يقيم عماد الحق و يشرع أمثلة العدل في صغير الأمور و كبيرها و دقيقها و جليلها انطلق على تقوى الله وحده لا شريك له و لا تروعن مسلما و لا تجتازن عليه كارها و لا تأخذن منه أكثر من حق الله في ماله فإذا قدمت على الحي فانزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم ثم امض إليهم بالسكينة و الوقار حتى تقوم بينهم فتسلم عليهم و لا تخدج بالتحية لهم ثم تقول عباد الله أرسلني إليكم ولي الله و خليفته لآخذ منكم حق الله في أموالكم فهل لله في أموالكم من حق فتؤدوه إلى وليه فإن قال قائل لا فلا تراجعه و إن أنعم لك منعم فانطلق معه من غير أن تخيفه أو توعده أو تعسفه أو ترهقه فخذ ما أعطاك من ذهب أو فضة و إن كانت له ماشية أو إبل فلا تدخلها إلا بإذنه فإن أكثرها له فإذا أتيتها فلا تدخلها دخول متسلط عليه و لا عنيف به و لا تنفرن بهيمة و لا تفزعنها و لا تسوأن صاحبها فيها و اصدع المال صدعين ثم خيره فإذا اختار فلا تعرضن لما اختار ثم اصدع الباقي صدعين ثم خيره فإذا اختار فلا تعرض لما اختار فلا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحق الله في ماله فاقبض حق الله منه فإن استقالك فأقله ثم اخلطهما ثم اصنع مثل الذي صنعت أولا حتى تأخذ حق الله في ماله و لا تأخذن عودا و لا هرمة و لا مكسورة و لا مهلوسة و لا ذات عوار و لا تأمنن عليها إلا من تثق بدينه رافقا بمال المسلمين حتى يوصله إلى وليهم فيقسمه بينهم و لا توكل بها إلا ناصحا شفيقا و أمينا حفيظا غير معنف و لا مجحف و لا ملغب و لا متعب ثم احدر إلينا ما اجتمع عندك نصيره حيث أمر الله به فإذا أخذها أمينك فأوعز إليه أن لا يحول بين ناقة و بين فصيلها و لا يمصر لبنها فيضر ذلك بولدها و لا يجهدنها ركوبا و ليعدل بين صواحباتها في ذلك و بينها و ليرفه على اللاغب و ليستإن بالنقب و الظالع و ليوردها ما تمر به من الغدر و لا يعدل بها عن نبت الأرض إلى جواد الطرق و ليروحها في الساعات و ليمهلها عند النطاف و الأعشاب حتى يأتينا بها بإذن الله بدنا منقيات غير متعبات و لا مجهودات لنقسمها على كتاب الله و سنة نبيه ص فإن ذلك أعظم لأجرك و أقرب لرشدك إن شاء الله تعالى

  قوله ع على تقوى الله حال أي مواظبا على التقوى و معتمدا عليها و لا تروعن بالتخفيف و في بعض النسخ بالتشديد و الروع الخوف أو شدته يقال رعت فلانا كقلت و روعته فارتاع. قوله و لا تجتازن أي لا تمرن ببيوت المسلمين و هم يكرهون مرورك عليها. و روي بالخاء المعجمة و الراء المهملة أي لا تقسم ماله و تختار أحد القسمين بدون رضاه و الضمير في عليه راجع إلى مسلما و الحي القبيلة و من عادة العرب أن تكون مياههم بارزة عن بيوتهم. قوله ع و لا تخدج بالتحية الباء زائدة و في بعض النسخ بدونها أي لا تنقصها من قولهم خدجت الناقة إذا ألقت ولدها قبل أوانه و أنعم لك أي قال نعم قوله أو تعسفه أي لا تطلب منه الصدقة عسفا أي جبرا و ظلما و أصله الأخذ على غير الطريق و قال الجوهري يقال لا ترهقني لا أرهقك الله أي لا تعسرني و لا أعسرك الله. قوله ع من ذهب أو فضة أي إذا وجبت عليه زكاة أحد النقدين أو حد من زكاة الغلات نقدا إذا أعطاك القيمة و المراد بالماشية هنا الغنم و البقر و سؤت الرجل أي ساءه ما رأى مني و الصدع الشق و العود بالفتح المسن من الإبل و الهرمة أيضا المسنة لكنها أكبر من العود و المكسورة التي انكسرت إحدى قوائمها أو ظهرها و المهلوسة المريضة التي قد هلسها المرض و أفنى لحمها و الهلاس السل و العوار بفتح العين قد يضم العيب. قوله ع و لا مجحف أي الذي يسوق المال سوقا عنيفا فيجحف به أي يهلكه أو يذهب بكثير من لحمه و يحتمل أن يكون المراد من يخون فيه و يستلبه و اللغوب التعب و الإعياء و لغبت على القوم الغب بالفتح فيهما أفسدت عليهم و أحدره أرسله و أوعزت إليه في كذا و كذا أي تقدمت و الفصيل ولد الناقة إذا فصل عن أمه و المصر حلب ما في الضرع جميعه و الفعل كنصر و الجهد المشقة يقال جهد دابته و أجهدها إذا حمل عليها في السير فوق طاقتها قوله ع و ليعدل أي لا يخص بالركوب واحدة بعينها ليكون ذلك أروح لهن و قال الجوهري استأنى به أي انتظر به و قال نقب البعير بالكسر إذا رقت أخفافه و قال الجزري في حديث علي ع و ليستإن بذات النقب و الظالع أي بذات الجرب و العرجاء. و الظلع بالسكون العرج و الغدر جمع غدير الماء و ليروحها أي يتركها حتى تستريح في الأوقات المناسبة لذلك أو من الرواح ضد الغدو أي يسيرها في ساعات الرواح و يتركها في حر الشمس حتى تستريح و النطاف جمع النطفة و هي الماء الصافي القليل و البدن بالتشديد السمان واحدها بادن و النقي مخ العظم و شحم العين من السمن و أنقت الإبل أي سمنت و صار فيه نقي و كذلك غيرها ذكرها الجوهري. أقول أخرجته من الكافي في كتاب أحواله ع بتغيير ما

718-  و رواه أيضا إبراهيم بن محمد الثقفي في كتاب الغارات عن يحيى بن صالح عن الوليد بن عمرو عن عبد الرحمن بن سليمان عن جعفر بن محمد قال بعث علي ع مصدقا من الكوفة إلى باديتها فقال عليك يا عبد الله بتقوى الله و لا تؤثرن دنياك على آخرتك و كن حافظا لما ائتمنتك عليه راعيا لحق الله حتى تأتي نادي بني فلان فإذا قدمت عليهم فانزل بفنائهم من غير أن تخالط أبياتهم ثم ساق الحديث نحوا مما مر إلى قوله ع و أقرب لرشدك فينظر الله إليها و إليك و إلى جهدك و نصيحتك لمن بعثك و بعثت في حاجته فإن رسول الله ص قال ما نظر الله إلى ولي يجهد نفسه لإمامه بالطاعة و النصيحة إلا كان معنا في الرفيق الأعلى

719-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من عهد له ع إلى بعض عماله و قد بعثه على الصدقة في مثله أمره بتقوى الله في سرائر أموره و خفيات أعماله حيث لا شهيد غيره و لا وكيل دونه و أمره أن لا يعمل بشي‏ء من طاعة الله فيما ظهر فيخالف إلى غيره فيما أسر و من لم يختلف سره و علانيته و فعله و مقالته فقد أدى الأمانة و أخلص العبادة و أمره أن لا يجبههم و لا يعضههم و لا يرغب عنهم تفضلا بالأمارة عليهم فإنهم الإخوان في الدين و الأعوان على استخراج الحقوق و إن لك في هذه الصدقة نصيبا مفروضا و حقا معلوما و شركاء أهل مسكنة و ضعفاء ذوي فاقة و أنا موفوك حقك فوفهم حقوقهم و إلا فإنك من أكثر الناس خصوما يوم القيامة و بؤسا لمن خصمه عند الله الفقراء و المساكين و السائلون و المدفوعون و الغارم و ابن السبيل و من استهان بالأمانة و رتع في الخيانة و لم ينزه نفسه و دينه عنها فقد أحل بنفسه الذل و الخزي في الدنيا و هو في الآخرة أذل و أخزى و إن أعظم الخيانة خيانة الأمة و أفظع الغش غش الأئمة و السلام

 بيان قوله ع حيث لا شهيد كأنه إشارة إلى موضع أسرار العمل و إخفاء الأمور و قيل يعني يوم القيامة و الشهيد الشاهد و الحاضر و الوكيل من يفوض إليه الأمور أو الشاهد و الحفيظ كما فسر به قوله تعالى وَ اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ. قوله ع فقد أدى الأمانة أي أمانة الله التي أخذها على العباد في عبادته. قوله ع أن لا يجبههم قال في النهاية أي لا يواجههم بما يكرهونه و أصل الجبه لقاء الجبهة أو ضربها فلما كان المواجه غيره بالكلام القبيح كالضارب جبهته به سمي ذلك جبها و قال الجوهري عضهه عضها رماه بالبهتان و قد أعضهت أي جئت بالبهتان. قوله ع و لا يرغب عنهم أي عن مخالطتهم و معاشرتهم تحقيرا لهم و قوله أهل مسكنة منصوب بكونه صفة لشركاء و قيل بدل و بؤسا قال ابن أبي الحديد هو بؤسى على وزن فعلى و البؤس الخضوع و شدة الحاجة. و المذكور في النسخ بؤسا بالتنوين و كذا صححه الراوندي فيكون انتصابه على المصدر كما يقال سحقا لك و بعدا لك و يقال خصمه أي غلبه في الخصومة و السائلون قيل المراد بهم هنا الرقاب و هم المكاتبون يتعذر عليهم مال الكتابة فيسألون و قيل هم الأسارى و قيل العبيد تحت الشدة و المدفوعون هم الذين عناهم الله بقوله فِي سَبِيلِ اللَّهِ و هم فقراء الغزاة و المدفوع الفقير لأن كل أحد يكرهه و يدفعه عن نفسه. و قيل هم الحجيج المنقطع بهم لأنهم دفعوا عن إتمام حجهم أو دفعوا عن العود إلى أهلهم. و في بعض النسخ المدقعون بالقاف قال في القاموس المدقع كمحسن الملصق بالدقعاء و هو التراب. و أما سهم العاملين فقد ذكره ع بقوله و أنا موفوك حقك مع أن العامل لا يخاصم نفسه و أقول هذه التكلفات إنما نحتاج إليها إذا حملنا الكلام على استيفاء الأقسام و لا ضرورة فيه فيمكن أن يكون المراد بالسائلين و المدفوعين أو المدقعين الموصوفين بتلك الصفات من أصناف المستحقين للصدقات و رتع كمنع أي أكل و شرب ما شاء في خصب و سعة. قوله ع فقد أحل بنفسه قال ابن أبي الحديد أي جعل نفسه محلا للذل و الخزي و يروى فقد أخل بنفسه بالخاء المعجمة و لم يذكر الذل و الخزي و معناه جعل نفسه فقيرا يقال خل الرجل إذا افتقر و أخل به و بغيره أي جعله فقيرا و يروى أحل بنفسه بالحاء المهملة و لم يذكر الذل و الخزي أي أباح دمه و الرواية الأولى أصح لقوله ع بعدها و هو في الآخرة أذل و أخزى قوله ع خيانة الأمة مصدر مضاف إلى المفعول به لأن الساعي إذا خان فقد خان الأمة كلها و كذا إذا غش في الصدقة فقد غش الإمام. و جوز بعضهم أن يكون مضافا إلى الفاعل فالمراد حينئذ أن إغماض الأئمة و ترك النهي عن مثل تلك الخيانة أفظع الغش فلا يطمع العاملون في الإغماض فيها