باب 3- مسابقته صلوات الله عليه في الهجرة على سائر الصحابة

 1-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ الهجرة و أولها إلى الشعب و هو شعب أبي طالب و عبد المطلب و الإجماع أنهم كانوا بني هاشم و قال الله تعالى فيهم وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ. و ثانيها هجرة الحبشة في معرفة النسوي قال أمرنا رسول الله ص أن ننطلق مع جعفر إلى أرض النجاشي فخرج في اثنين و ثمانين رجلا. الواحدي نزل فيهم إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ حين لم يتركوا دينهم و لما اشتد عليهم الأمر صبروا و هاجروا. و ثالثها للأنصار الأولين و هم العقبيون بإجماع أهل الأثر و كانوا سبعين رجلا و أول من بايع فيه أبو الهيثم بن التيهان و رابعها للمهاجرين إلى المدينة و السابق فيه مصعب بن عمير و عمار بن ياسر و أبو سلمة المخزومي و عامر بن ربيعة و عبد الله بن جحش و ابن أم مكتوم و بلال و سعد ثم ساروا أرسالا قال ابن عباس نزل فيهم وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ الَّذِينَ آوَوْا وَ نَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ ذكر المؤمنين ثم المهاجرين ثم المجاهدين و فضل عليهم كلهم فقال وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فعلي ع سبقهم بالإيمان ثم بالهجرة إلى الشعب ثم بالجهاد ثم سبقهم بعد هذه الثلاثة الرتب بكونه من ذوي الأرحام. فأما أبو بكر فقد هاجر إلى المدينة إلا أن لعلي مزايا فيها عليه و ذلك أن النبي ص أخرجه مع نفسه أو خرج هو لعلة و ترك عليا للمبيت باذلا مهجته فبذل النفس أعظم من الاتقاء على النفس في الهرب إلى الغار و قد روى أبو المفضل الشيباني بإسناده عن مجاهد قال فخرت عائشة بأبيها و مكانه مع رسول الله في الغار فقال عبد الله بن شداد بن الهاد فأين أنت من علي بن أبي طالب حيث نام في مكانه و هو يرى أنه يقتل فسكتت و لم تحر جوابا و شتان بين قوله وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ و بين قوله لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا و كان النبي ص معه يقوي قلبه و لم يكن مع علي و هو لم يصبه وجع و علي يرمي بالحجارة و هو مختف في الغار و علي ظاهر للكفار و استخلفه الرسول لرد الودائع لأنه كان أمينا فلما أداها قام على الكعبة فنادى بصوت رفيع يا أيها الناس هل من صاحب أمانة هل من صاحب وصية هل من صاحب عدة له قبل رسول الله فلما لم يأت أحد لحق بالنبي ص و كان ذلك دلالة على خلافته و أمانته و شجاعته. و حمل نساء الرسول خلفه بعد ثلاثة أيام و فيهن عائشة فله المنة على أبي بكر بحفظ ولده و لعلي ع المنة عليه في هجرته و علي ذو الهجرتين و الشجاع البائت بين أربع مائة سيف و إنما أباته على فراشه ثقة بنجدته فكانوا محدقين به إلى طلوع الفجر ليقتلوه ظاهرا فيذهب دمه بمشاهدة بني هاشم قاتليه من جميع القبائل قال ابن عباس فكان من بني عبد شمس عتبة و شيبة ابنا ربيعة بن هشام و أبو سفيان و من بني نوفل طعمة بن عدي و جبير بن مطعم و الحارث بن عامر و من بني عبد الدار النضر بن الحارث و من بني أسد أبو البختري و زمعة بن الأسود و حكيم بن حزام و من بني مخزوم أبو جهل و من بني سهم نبيه و منبه ابنا الحجاج و من بني جمح أمية بن خلف ممن لا يعد من قريش و وصى إليه في ماله و أهله و ولده فأنامه منامه و أقامه مقامه و هذا دلالة على أنه وصيه.

 تاريخي الخطيب و الطبري و تفسير الثعلبي و القزويني في قوله وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا و القصة مشهورة جاء جبرئيل إلى النبي ص فقال له لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه فلما كان العتمة اجتمعوا على بابه يرصدونه فقال لعلي ع نم على فراشي و اتشح ببردي الحضرمي الأخضر و خرج النبي ص قالوا فلما دنوا من علي ع عرفوه فقالوا أين صاحبك فقال لا أدري أ و رقيبا كنت عليه أمرتموه بالخروج فخرج

 أخبار أبي رافع أن النبي ص قال يا علي إن الله قد أذن لي بالهجرة و إني آمرك أن تبيت على فراشي و إن قريشا إذا رأوك لم يعلموا بخروجي

الطبري و الخطيب و القزويني و الثعلبي و نجى الله رسوله من مكرهم و كان مكر الله تعالى بيات علي على فراشه. عمار و أبو رافع و هند بن أبي هالة أن أمير المؤمنين ع وثب و شد عليهم بسيفه فانحازوا عنه.

 محمد بن سلام في حديث طويل عن أمير المؤمنين ع و مضى رسول الله و اضطجعت في مضجعه أنتظر مجي‏ء القوم إلي حتى دخلوا علي فلما استوى بي و بهم البيت نهضت إليهم بسيفي فدفعتهم عن نفسي بما قد علمه الناس

فلما أصبح ع امتنع ببأسه و له عشرون سنة و أقام بمكة وحده مراغما لأهلها حتى أدى إلى كل ذي حق حقه.

 محمد الواقدي و أبو الفرج النجدي و أبو الحسن البكري و إسحاق الطبراني أن عليا ع لما عزم على الهجرة قال له العباس إن محمدا ما خرج إلا خفيا و قد طلبته قريش أشد طلب و أنت تخرج جهارا في أثاث و هوادج و مال و رجال و نساء تقطع بهم السباسب و الشعاب من بين قبائل قريش ما أرى لك أن تمضي إلا في خفارة خزاعة فقال علي ع

إن المنية شربة مورودة لا تجزعن و شد للترحيل‏إن ابن آمنة النبي محمدا رجل صدوق قال عن جبريل‏أرخ الزمام و لا تخف من عائق فالله يرديهم عن التنكيل‏إني بربي واثق و بأحمد و سبيله متلاحق بسبيلي

قالوا فكمن مهلع غلام حنظلة بن أبي سفيان في طريقه بالليل فلما رآه سل سيفه و نهض إليه فصاح علي صيحة خر على وجهه و جلله بسيفه فلما أصبح توجه نحو المدينة فلما شارف ضجنان أدركه الطلب بثمانية فوارس و قالوا يا غدر ظننت أنك ناج بالنسوة القصة

و كان الله تعالى قد فرض على الصحابة الهجرة و على علي ع المبيت ثم الهجرة. إنه تعالى قد كان امتحنه بمثل ما امتحن به إبراهيم بإسماعيل و عبد المطلب بعبد الله ثم إن التفدية كانت دابة في الشعب فإن كان بات أبو بكر في الغار ثلاث ليال فإن عليا ع بات على فراش النبي ص في الشعب ثلاث سنين و في رواية أربع سنين.

 العكبري في فضائل الصحابة و الفنجكردي في سلوة الشيعة أن عليا ع قال

وقيت بنفسي خير من وطئ الحصى و من طاف بالبيت العتيق و بالحجرمحمد لما خاف أن يمكروا به فوقاه ربي ذو الجلال من المكرو بت أراعيهم و ما يلبثونني و قد صبرت نفسي على القتل و الأسرو بات رسول الله في الغار آمنا و ذلك في حفظ الإله و في سترأردت به نظر الإله تبتلا و أضمرته حتى أوسد في قبري

. و كلما كانت المحنة أغلظ كان الأجر أعظم و أدل على شدة الإخلاص و قوة البصيرة و الفارس يمكنه الكر و الفر و الروغان و الجولان و الراجل قد ارتبط روحه و أوثق نفسه و بدنه محتسبا صابرا على مكروه الجراح و فراق المحبوب فكيف النائم على الفراش بين الثياب و الرياش. أقول أوردنا أكثر أخبار هذا الباب في باب أنه نزل فيه ع وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي و في باب الهجرة. و قال عبد الحميد بن أبي الحديد في شرح قول أمير المؤمنين ص فلا تبرءوا مني فإني ولدت على الفطرة و سبقت إلى الإيمان و الهجرة فإن قيل كيف قال إنه سبق إلى الهجرة و معلوم أن جماعة من المسلمين هاجروا قبله منهم عثمان بن مظعون و غيره و قد هاجروا في صحبة النبي ص و تخلف علي ع فبات على فراش رسول الله و مكث أياما يرد الودائع التي كانت عنده ثم هاجر بعد ذلك و الجواب أنه لم يقل و سبقت كل الناس و إنما قال و سبقت فقط و لا يدل ذلك على سبقه للناس كافة و لا شبهة أنه سبق معظم المهاجرين إلى الهجرة و لم يهاجر قبله أحد إلا نفر يسير جدا و أيضا فقد قلنا إنه علل أفضليته و تحريم البراءة منه مع الإكراه بمجموع أمور منها ولادته على الفطرة و منها سبقه إلى الإيمان و منها سبقه إلى الهجرة و هذه الأمور الثلاثة لم تجتمع لأحد غيره فكان بمجموعها متميزا كل أحد من الناس و أيضا فإن اللام في الهجرة يجوز أن لا تكون للمعهود السابق بل تكون للنجس و أمير المؤمنين ع سبق أبا بكر و غيره إلى الهجرة التي قبل هجرة المدينة فإن النبي ص هاجر من مكة مرارا يطوف على أحياء العرب و ينتقل من أرض قوم إلى غيرها و كان علي معه دون غيره أما هجرته إلى بني شيبان فما اختلف أحد من أهل السيرة أن عليا كان معه و أبو بكر و أنهم غابوا عن مكة ثلاثة عشر يوما و عادوا إليها لما لم يجدوا عند بني شيبان ما أرادوه من النصرة و روى المدائني في كتاب الأمثال عن المفضل الضبي أن رسول الله ص لما خرج عن مكة يعرض نفسه على قبائل العرب خرج إلى ربيعة و معه علي و أبو بكر فأما هجرته إلى الطائف فكان معه علي ع و زيد بن حارثة في رواية أبي الحسن المدائني و لم يكن معهم أبو بكر و أما رواية محمد بن إسحاق فإنه قال كان معه زيد بن حارثة وحده و غاب رسول الله ص إلى بني عامر بن صعصعة و إخوانهم من قيس و غيلان و إنه لم يكن معه إلا علي وحده و ذلك عقيب وفاة أبي طالب أوحي إلى النبي ص اخرج منها فقد مات ناصرك فخرج إلى بني عامر بن صعصعة و معه علي وحده فعرض نفسه عليهم و سألهم النصرة و تلا عليهم القرآن فلم يجيبوه فعاد

  ع إلى مكة و كانت مدة غيبته في هذه الهجرة عشرة أيام و هي أول هجرة هاجرها ص بنفسه فأما أول هجرة هاجرها أصحابه و لم يهاجر بنفسه فهجرة الحبشة هاجر فيها كثير من أصحابه إلى بلاد الحبشة منهم في البحر جعفر بن أبي طالب فغابوا عنه سنين ثم قدم عليه منهم من سلم و طالت مدته و كان قدوم جعفر عليه عام فتح خيبر فقال ص ما أدري بأيهما أنا أسر بقدوم جعفر أم بفتح خيبر