باب 4- احتجاجه ع على أهل البصرة و غيرهم بعد انقضاء الحرب و خطبه ع عند ذلك

173-  ج، ]الإحتجاج[ روى يحيى بن عبد الله بن الحسن عن أبيه عبد الله بن الحسن قال كان أمير المؤمنين ع يخطب بالبصرة بعد دخولها بأيام فقام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين أخبرني من أهل الجماعة و من أهل الفرقة و من أهل البدعة و من أهل السنة فقال أمير المؤمنين ع ويحك أما إذا سألتني فافهم عني و لا عليك أن لا تسأل عنها أحدا بعدي أما أهل الجماعة فأنا و من اتبعني و إن قلوا و ذلك الحق عن أمر الله و عن أمر رسوله و أما أهل الفرقة فالمخالفون لي و لمن اتبعني و إن كثروا و أما أهل السنة فالمتمسكون بما سنه الله لهم و رسوله و إن قلوا و أما أهل البدعة فالمخالفون لأمر الله تعالى و كتابه و لرسوله و العاملون برأيهم و أهوائهم و إن كثروا و قد مضى منهم الفوج الأول و بقيت أفواج و على الله فضها و استيصالها عن جدد الأرض فقام إليه عمار فقال يا أمير المؤمنين إن الناس يذكرون الفي‏ء و يزعمون أن من قاتلنا فهو و ماله و ولده في‏ء لنا فقام رجل من بكر بن وائل يدعى عباد بن قيس و كان ذا عارضة و لسان شديد فقال يا أمير المؤمنين و الله ما قسمت بالسوية و لا عدلت بالرعية فقال و لم ويحك قال لأنك قسمت ما في العسكر و تركت النساء و الأموال و الذرية فقال ع أيها الناس من كانت به جراحة فليداوها بالسمن فقال عباد جئنا نطلب غنائمنا فجاءنا بالترهات فقال له أمير المؤمنين ع إن كنت كاذبا فلا أماتك الله حتى يدركك غلام ثقيف فقيل و من غلام ثقيف فقال رجل لا يدع لله حرمة إلا انتهكها فقيل أ فيموت أو يقتل فقال يقصمه قاصم الجبارين بموت فاحش يحترق منه دبره لكثرة ما يجري من بطنه يا أخا بكر أنت امرؤ ضعيف الرأي أ و ما علمت أنا لا نأخذ الصغير بذنب الكبير و أن الأموال كانت لهم قبل الفرقة و تزوجوا على رشدة و ولدوا على فطرة و إنما لكم ما حوى عسكرهم و أما ما كان في دورهم فهو ميراث لذريتهم فإن عدا علينا أحد منهم أخذناه بذنبه و إن كف عنا لم نحمل عليه ذنب غيره يا أخا بكر لقد حكمت فيهم بحكم رسول الله ص في أهل مكة فقسم ما حوى العسكر و لم يتعرض لما سوى ذلك و إنما اتبعت أثره حذو النعل بالنعل يا أخا بكر أ ما علمت أن دار الحرب يحل ما فيها و أن دار الهجرة يحرم ما فيها إلا بحق فمهلا مهلا رحمكم الله فإن لم تصدقوني و أكثرتم علي و ذلك أنه تكلم في هذا غير واحد فأيكم يأخذ عائشة بسهمه فقالوا يا أمير المؤمنين أصبت و أخطأنا و علمت و جهلنا فنحن نستغفر الله تعالى و نادى الناس من كل جانب أصبت يا أمير المؤمنين أصاب الله بك الرشاد و السداد فقام عمار فقال أيها الناس و الله إن اتبعتموه و أطعتموه لن يضل عن منهل نبيكم ع حتى قيس شعره و كيف لا يكون ذلك و قد استودعه رسول الله ص علم المنايا و الوصايا و فصل الخطاب على منهج هارون ع و قال له أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي فضلا خصه الله به و إكراما منه لنبيه ص حيث أعطاه ما لم يعطه أحدا من خلقه ثم قال أمير المؤمنين انظروا رحمكم الله ما تؤمرون به فامضوا له فإن العالم أعلم بما يأتي به من الجاهل الخسيس الأخس فإني حاملكم إن شاء الله إن أطعتموني على سبيل النجاة و إن كانت فيه مشقة شديدة و مرارة عتيدة و الدنيا حلوة الحلاوة لمن اغتر بها من الشقوة و الندامة عما قليل ثم إني أخبركم أن جيلا من بني إسرائيل أمرهم نبيهم أن لا يشربوا من النهر فلجوا في ترك أمره فشروا منه إلا قليلا منهم فكونوا رحمكم الله من أولئك الذين أطاعوا نبيهم و لم يعصوا ربهم و أما عائشة فأدركها رأي النساء و لها بعد ذلك حرمتها الأولى و الحساب على الله يعفو عمن يشاء و يعذب من يشاء

 بيان فلان ذو عارضة أي ذو جلد و صرامة و قدرة على الكلام ذكره الجوهري و قال قال الأصمعي الترهات الطرق الصغار غير الجادة تتشعب عنها الواحدة ترهة فارسي معرب ثم استعير في الباطل و قال يقال بينهما قيس رمح و قاس رمح أي قدر رمح و العتيد الحاضر المهيأ

  -174  ج، ]الإحتجاج[ عن المبارك بن فضالة عن رجل ذكره قال أتى رجل أمير المؤمنين ع بعد الجمل فقال له يا أمير المؤمنين رأيت في هذه الواقعة أمرا هالني من روح قد بانت و جثة قد زالت و نفس قد فاتت لا أعرف فيهم مشركا بالله تعالى فالله الله فما يحللني من هذا فإن يك شرا فهذا يتلقى بالتوبة و إن يك خيرا ازددنا أخبرني عن أمرك هذا الذي أنت عليه أ فتنة عرضت لك فأنت تنفح الناس بسيفك أم شي‏ء خصك به رسول الله ص فقال له علي ع إذا أخبرك إذا أنبئك إذا أحدثك إن ناسا من المشركين أتوا رسول الله ص و أسلموا ثم قالوا لأبي بكر استأذن لنا على رسول الله ص حتى نأتي قومنا فنأخذ أموالنا ثم نرجع فدخل أبو بكر على رسول الله ص فاستأذن لهم فقال عمر يا رسول الله أ يرجع من الإسلام إلى الكفر قال و ما علمك يا عمر أن ينطلقوا فيأتوا بمثلهم معهم من قومهم ثم إنهم أتوا أبا بكر في العام المقبل فسألوه أن يستأذن لهم على النبي ص فاستأذن لهم و عنده عمر فقال مثل قوله فغضب النبي ص ثم قال و الله ما أراكم تنتهون حتى يبعث الله عليكم رجلا من قريش يدعوكم إلى الله فتختلفون عنه اختلاف الغنم الشرد فقال له أبو بكر فداك أبي و أمي يا رسول الله أنا هو فقال لا فقال عمر فأنا هو يا رسول الله ص فقال لا قال عمر فمن هو يا رسول الله فأومى إلي و أنا أخصف نعل رسول الله ص فقال هو خاصف النعل عندكما ابن عمى و أخي و صاحبي و مبرئ ذمتي و المؤدي عني ديني و عدتي و المبلغ عني رسالتي و معلم الناس من بعدي و يبين لهم من تأويل القرآن ما لا يعلمون فقال الرجل أكتفي منك بهذا يا أمير المؤمنين ما بقيت فكان ذلك الرجل أشد أصحاب علي ع فيما بعد على من خالفه

 بيان قال الجوهري نفحه بالسيف تناوله من بعيد و في بعض النسخ تنصح بالصاد المهملة و الأول أظهر قوله ع غنم الشرد من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة و في بعض النسخ الغنم بالتعريف و هو أظهر و الشرد إما بالتحريك جمع شارد كخدم و خادم أو بضمتين جمع شرود كزبور و زبر من شرد البعير إذا نفر

175-  ج، ]الإحتجاج[ عن ابن عباس رضي الله عنه قال لما فرغ أمير المؤمنين ع من قتال أهل البصرة وضع قتبا على قتب ثم صعد عليه فخطب فحمد الله و أثنى عليه فقال يا أهل البصرة يا أهل المؤتفكة يا أهل الداء العضال يا أتباع البهيمة يا جند المرأة رغا فأجبتم و عقر فهربتم ماؤكم زعاق و دينكم نفاق و أحلامكم دقاق ثم نزل يمشي بعد فراغه من خطبته فمشينا معه فمر بالحسن البصري و هو يتوضأ فقال يا حسن أسبغ الوضوء فقال يا أمير المؤمنين لقد قتلت بالأمس أناسا يشهدون أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله يصلون الخمس و يسبغون الوضوء فقال له أمير المؤمنين ع قد كان ما رأيت فما منعك أن تعين علينا عدونا فقال و الله لأصدقنك يا أمير المؤمنين لقد خرجت في أول يوم فاغتسلت و تحنطت و صببت علي سلاحي و أنا لا أشك في أن التخلف عن أم المؤمنين عائشة هو الكفر فلما انتهيت إلى موضع من الخريبة نادى مناد يا حسن ارجع فإن القاتل و المقتول في النار فرجعت ذعرا و جلست في بيتي فلما كان اليوم الثاني لم أشك أن التخلف عن أم المؤمنين عائشة هو الكفر فتحنطت و صببت علي سلاحي و خرجت أريد القتال حتى انتهيت إلى موضع من الخريبة فناداني مناد من خلفي يا حسن إلى أين مرة بعد أخرى فإن القاتل و المقتول في النار قال علي صدقت أ فتدري من ذاك المنادي قال لا قال ذاك أخوك إبليس و صدقك أن القاتل و المقتول منهم في النار فقال الحسن البصري الآن عرفت يا أمير المؤمنين أن القوم هلكى

 بيان قال الفيروزآبادي الخريبة كجهينة موضع بالبصرة تسمى البصرة الصغرى

176-  فس، ]تفسير القمي[ وَ الْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى قال المؤتفكة البصرة و الدليل على ذلك قول أمير المؤمنين صلوات الله عليه يا أهل البصرة و يا أهل المؤتفكة يا جند المرأة و أتباع البهيمة رغا فأجبتم و عقر فهربتم ماؤكم زعاق و أحلامكم دقاق و فيكم ختم النفاق و لعنتم على لسان سبعين نبيا إن رسول الله أخبرني أن جبرئيل أخبره أنه طوى له الأرض فرأى البصرة أقرب الأرضين من الماء و أبعدها من السماء و فيها تسعة أعشار الشر و الداء العضال المقيم فيها مذنب و الخارج منها برحمة و قد ائتفكت بأهلها مرتين و على الله تمام الثالثة و تمام الثالثة في الرجعة

  بيان قال البيضاوي المؤتفكة القرى التي ائتفكت بأهلها أي انقلبت و قال في النهاية في حديث أنس البصرة إحدى المؤتفكات يعني أنها غرقت مرتين فشبه غرقها بانقلابها و قال الجوهري داء عضال أي شديد أعيا الأطباء

177-  فس، ]تفسير القمي[ وَ الْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ المؤتفكات البصرة و الخاطئة فلانة

 بيان قال البيضاوي بالخاطئة أي بالخطإ أو بالفعلة أو بالأفعال ذات الخطإ و أما التأويل الذي ذكره علي بن إبراهيم

 فقد رواه مؤلف تأويل الآيات الباهرة عن محمد البرقي عن سيف بن عميرة عن أخيه عن منصور بن حازم عن حمران قال سمعت أبا جعفر ع يقرأ وَ جاءَ فِرْعَوْنُ يعني الثالث وَ مَنْ قَبْلَهُ يعني الأولين وَ الْمُؤْتَفِكاتُ أهل البصرة بِالْخاطِئَةِ الحميراء

فالمراد بمجي‏ء الأولين و الثالث بعائشة أنهم أسسوا لها بما فعلوا من الجور على أهل البيت ع أساسا به تيسر لها الخروج و الاعتداء على أمير المؤمنين ع و لو لا ما فعلوا لم تكن تجترئ على ما فعلت و المراد بالمؤتفكات أهل المؤتفكات و الجمع باعتبار البقاع و القرى و المحلات

178-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ المفيد عن الكاتب عن الزعفراني عن الثقفي عن أبي الوليد الضبي عن أبي بكر الهذلي قال دخل الحارث بن حوط الليثي على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع فقال يا أمير المؤمنين ما أرى طلحة و الزبير و عائشة أضحوا إلا على حق فقال له أمير المؤمنين ع يا حار إنك نظرت تحتك و لم تنظر فوقك جزت عن الحق إن الحق و الباطل لا يعرفان بالناس و لكن اعرف الحق باتباع من اتبعه و الباطل باجتناب من اجتنبه قال فهلا أكون تبعا لعبد الله بن عمر و سعد بن مالك فقال أمير المؤمنين إن عبد الله بن عمر و سعدا خذلا الحق و لم ينصرا الباطل متى كانا إمامين في الخير فيتبعان

 بيان إنك نظرت تحتك لعله كناية عن الغفلة عن معالي الأمور أو أنه اقتصر على النظر إلى أمثاله و من هو أدون منه و لم يتبع من يجب اتباعه ممن هو فوقه

179-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ بالإسناد المتقدم عن الهذلي عن محمد بن سيرين قال سمعت غير واحد من مشيخة أهل البصرة يقولون لما فرغ علي بن أبي طالب ع من حرب الجمل عرض له مرض و حضرت الجمعة فتأخر عنها و قال لابنه الحسن انطلق يا بني فاجمع بالناس فأقبل الحسن إلى المسجد فلما استقل على المنبر حمد الله و أثنى عليه و تشهد و صلى على رسول الله ص ثم قال أيها الناس إن الله اختارنا لنبوته و اصطفانا على خلقه و أنزل علينا كتابه و وحيه و ايم الله لا ينتقصنا أحد من حقنا شيئا إلا ينقصه الله في عاجل دنياه و آجل آخرته و لا يكون علينا دولة إلا كانت لنا العاقبة وَ لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ثم جمع بالناس و بلغ أباه كلامه فلما انصرف إلى أبيه ع نظر إليه فما ملك عبرته أن سالت على خديه ثم استدناه إليه فقبل بين عينيه و قال بأبي أنت و أمي ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ

180-  مع، ]معاني الأخبار[ ماجيلويه عن عمه عن الكوفي عن سفيان الحريري عن علي بن الحزور عن ابن نباتة قال لما أقبل أمير المؤمنين ع من البصرة تلقاه أشراف الناس فهنوه و قالوا إنا نرجو أن يكون هذا الأمر فيكم و لا ينازعكم فيه أحد أبدا فقال هيهات في كلام له أنى ذلك و لما ترمون بالصلعاء قالوا يا أمير المؤمنين و ما الصلعاء قال يؤخذ أموالكم قهرا فلا تمنعون فلا تمتنعون

 بيان قال في النهاية الصلعاء الأرض التي لا تنبت و في حديث عائشة أنها قالت لمعاوية حين ادعى زيادا ركبت الصليعاء أي الداهية و الأمر الشديد أو السوءة الشنيعة البارزة المكشوفة

181-  يج، ]الخرائج و الجرائح[ روي عن أبي الصيرفي عن رجل من مراد قال كنت واقفا على رأس أمير المؤمنين ع يوم البصرة إذ أتاه ابن عباس بعد القتال فقال إن لي إليك حاجة فقال ع ما أعرفني بالحاجة التي جئت فيها تطلب الأمان لابن الحكم قال نعم أريد أن تؤمنه قال آمنته و لكن اذهب إليه و جئني به و لا تجئني به إلا رديفا فإنه أذل له فجاء به ابن عباس ردفا خلفه فكأنه قرد فقال له أمير المؤمنين أ تبايع قال نعم و في النفس ما فيها قال الله أعلم بما في القلوب فلما بسط يده ليبايعه أخذ كفه عن كف مروان فترها فقال لا حاجة لي فيها إنها كف يهودية لو بايعني بيده عشرين مرة لنكث باسته ثم قال هيه يا ابن الحكم خفت على رأسك أن تقع في هذه المعمعة كلا و الله حتى يخرج من صلبك فلان و فلان يسومون هذه الأمة خسفا و يسقونه كأسا مصبرة

 بيان قوله فترها كذا في أكثر النسخ بالتاء و الراء المهملة قال الفيروزآبادي في القاموس تر العظم يتر و يتر على زنة يمد و يفر ترا و ترورا بان و انقطع و قطع كأتر و تر عن بلده تباعد و التترتر التزلزل و التقلقل و ترتروا السكران حركوه و زعزعوه و استنكهوه حتى يوجد منه الريح. و في بعض النسخ فنثرها بالنون و الثاء المثلثة أي نفضها و في بعضها بالنون و التاء المثناة من النتر و هو الجذب بقوة و قال في القاموس يقال لشي‏ء يطرد هيه هيه بالكسر و هي كلمة استزادة أيضا و في النهاية المعامع شدة الموت و الجد في القتال و المعمعة في الأصل صوت الحريق و المعمعان شدة الحر

182-  شا، ]الإرشاد[ و من كلام أمير المؤمنين صلوات الله عليه بالبصرة حين ظهر على القوم بعد حمد الله تعالى و الثناء عليه أما بعد فإن الله ذو رحمة واسعة و مغفرة دائمة و عفو جم و عقاب أليم قضى أن رحمته و مغفرته و عفوه لأهل طاعته من خلقه و برحمته اهتدى المهتدون و قضى أن نقمته و سطواته و عقابه على أهل معصيته من خلقه و بعد الهدى و البينات ما ضل الضالون فما ظنكم يا أهل البصرة و قد نكثتم بيعتي و ظاهرتم على عدوي فقام إليه رجل فقال نظن خيرا و نراك قد ظهرت و قدرت فإن عاقبت فقد اجترمنا ذلك و إن عفوت فالعفو أحب إلى الله تعالى فقال قد عفوت عنكم فإياكم و الفتنة فإنكم أول الرعية نكث البيعة و شق عصا هذه الأمة قال ثم جلس للناس بايعوه ثم كتب ع بالفتح إلى أهل الكوفة بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين إلى أهل الكوفة سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإن الله حكم عدل لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَ إِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ أخبركم عنا و عمن سرنا إليه من جموع أهل البصرة و من تأشب إليهم من قريش و غيرهم مع طلحة و الزبير و نكثهم صفقة أيمانهم فنهضت من المدينة حين انتهى إلي خبر من سار إليها و جماعتهم و ما فعلوا بعاملي عثمان بن حنيف حتى قدمت ذا قار فبعثت الحسن بن علي و عمار بن ياسر و قيس بن سعد فاستنفرتكم بحق الله و حق رسوله و حقي فأقبل إلي إخوانكم سراعا حتى قدموا علي فسرت بهم حتى نزلت ظهر البصرة فأعذرت بالدعاء و قمت بالحجة و أقلت العثرة و الزلة من أهل الردة من قريش و غيرهم و استتبتهم من نكثهم بيعتي و عهد الله عليهم فأبوا إلا قتالي و قتال من معي و التمادي في الغي فناهضتهم بالجهاد فقتل الله من قتل منهم ناكثا و ولى من ولى إلى مصرهم و قتل طلحة و الزبير على نكثهما و شقاقهما و كانت المرأة عليهم أشأم من ناقة الحجر فخذلوا و أدبروا و تقطعت بهم الأسباب فلما رأوا ما حل بهم سألوني العفو عنهم فقبلت منهم و غمدت السيف عنهم و أجريت الحق و السنة فيهم و استعملت عبد الله بن العباس على البصرة و أنا سائر إلى الكوفة إن شاء الله تعالى و قد بعثت إليكم زحر بن قيس الجعفي لتسائلوه فيخبركم عنا و عنهم و ردهم الحق علينا و رد الله لهم و هم كارهون و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

 توضيح كلمة ما في قوله ع ما ضل زائدة أو مصدرية و الأول أظهر و شق العصا مثل يضرب لتفريق الجماعة و أصله من أن الأعرابيين إذا اجتمعا كانت لهما عصا واحدة فإذا تفرقا شقا العصا و أخذ كل منهما شقا منها. و قال الجوهري تأشب القوم اختلطوا و ائتشبوا أيضا يقال جاء فلان فيمن تأشب إليه أي انضم إليه و قال ناهضته أي قاومته و تناهض القوم في الحرب إذا نهض كل فريق إلى صاحبه و قال فولى عنه أي أعرض و ولى هاربا أي أدبر و الحجر بالكسر منازل ثمود قال تعالى كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ

183-  شي، ]تفسير العياشي[ عن الحسن البصري قال خطبنا علي بن أبي طالب ع على هذا المنبر و ذلك بعد ما فرغ من أمر طلحة و الزبير و عائشة صعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه و صلى على رسوله ص ثم قال أيها الناس و الله ما قاتلت هؤلاء بالأمس إلا بآية تركتها في كتاب الله إن الله يقول وَ إِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَ طَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ أما و الله لقد عهد إلي رسول الله ص و قال لي يا علي لتقاتلن الفئة الباغية و الفئة الناكثة و الفئة المارقة

184-  شي، ]تفسير العياشي[ عن الشعبي قال قرأ عبد الله وَ إِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ إلى آخر الآية ثم قال ما قوتل أهلها بعد فلما كان يوم الجمل قرأها علي ع ثم قال ما قوتل أهلها منذ يوم نزلت حتى كان اليوم

185-  شي، ]تفسير العياشي[ عن أبي عثمان مولى بني أقصى قال سمعت عليا ع يقول عذرني الله من طلحة و الزبير بايعاني طائعين غير مكرهين ثم نكثا بيعتي من غير حدث أحدثته و الله ما قوتل أهل هذه الآية مذ نزلت حتى قاتلتهم وَ إِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَ طَعَنُوا فِي دِينِكُمْ الآية

186-  كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن محمد بن نعمان أبو جعفر الأحول عن سلام بن المستنير عن أبي جعفر ع قال إن أمير المؤمنين ع لما انقضت القصة فيما بينه و بين طلحة و الزبير و عائشة بالبصرة صعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه و صلى على رسول الله ص ثم قال أيها الناس إن الدنيا حلوة خضرة تفتن الناس بالشهوات و تزين لهم بعاجلها و ايم الله إنها لتغر من أملها و تخلف من رجاها و ستورث غدا أقواما الندامة و الحسرة بإقبالهم عليها و تنافسهم فيها و حسدهم و بغيهم على أهل الدين و الفضل فيها ظلما و عدوانا و بغيا و أشرا و بطرا و بالله إنه ما عاش قوم قط في غضارة من كرامة نعم الله في معاش دنيا و لا دائم تقوى في طاعة الله و الشكر لنعمه فأزال ذلك عنهم إلا من بعد تغيير من أنفسهم و تحويل عن طاعة الله و الحادث من ذنوبهم و قلة محافظة و ترك مراقبة الله عز و جل و تهاون بشكر نعم الله لأن الله عز و جل يقول إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَ إِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ و لو أن أهل المعاصي و كسبة الذنوب إذا هم حذروا زوال نعم الله و حلول نقمته و تحويل عافيته أيقنوا أن ذلك من الله جل ذكره بما كسبت أيديهم فأقلعوا و تابوا و فزعوا إلى الله جل ذكره بصدق من نياتهم و إقرار منهم بذنوبهم و إساءتهم لصفح لهم عن كل ذنب و إذا لأقالهم كل عثرة و لرد عليهم كل كرامة نعمه ثم أعاد لهم من صالح أمرهم و مما كان أنعم به عليهم كلما زال عنهم و أفسد عليهم فاتقوا الله أيها الناس حق تقاته و استشعروا خوف الله عز ذكره و أخلصوا النفس و توبوا إليه من قبيح ما استنفركم الشيطان من قتال ولي الأمر و أهل العلم بعد رسول الله ص و ما تعاونتم عليه من تفريق الجماعة و تشتت الأمر و فساد صلاح ذات البين إن الله عز و جل يقبل التوبة وَ يَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ

187-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلام له ع قاله لمروان بن حكم بالبصرة قالوا أخذ مروان بن حكم أسيرا يوم الجمل فاستشفع بالحسن و الحسين إلى أمير المؤمنين ع فكلماه فيه فخلى سبيله فقالا له يبايعك يا أمير المؤمنين فقال ع أ و لم يبايعني بعد قتل عثمان لا حاجة لي في بيعته إنها كف يهودية لو بايعني بيده لغدر بسبته أما إن له إمرة كلعقة الكلب أنفه و هو أبو الأكبش الأربعة و ستلقى الأمة منه و من ولده يوم أحمر

 إيضاح الحكم بن أبي العاص أبو مروان هو الذي طرده رسول الله ص و آواه عثمان كما مر و الضمير في أنها يعود إلى الكف المفهوم من البيعة لجريان العادة بأن يضع المبايع كفه في كف المبتاع و النسبة إلى اليهود لشيوع الغدر فيهم و السبة بالفتح الاست أي لو بايع في الظاهر لغدر في الباطن و ذكر السبة إهانة له و الإمرة بالكسر مصدر كالإمارة و قيل اسم و لعقه كسمعه لحسه و الغرض قصر مدة إمارته و كانت تسعة أشهر و قيل ستة أشهر و قيل أربعة أشهر و عشرة أيام. و الكبش بالفتح الحمل إذا خرجت رباعيته و كبش القوم رئيسهم و فسر الأكثر الكبش ببني عبد الملك الوليد و سليمان و يزيد و هشام و لم يل الخلافة من بني أمية و لا من غيرهم أربعة إخوة إلا هؤلاء و قيل هم بنو مروان لصلبه عبد الملك الذي ولي الخلافة و عبد العزيز الذي ولي مصر و بشر الذي ولي العراق و محمد الذي ولي الجزيرة و لكل منهم آثار مشهورة. و الولد بالتحريك مفرد و جمع و اليوم الأحمر الشديد و في بعض النسخ موتا أحمر و هو كناية عن القتل

188-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ بإسناده قال خطب أمير المؤمنين ع بالبصرة فقال يا جند المرأة و يا أصحاب البهيمة رغا فأجبتم و عقر فانهزمتم الله أمركم بجهادي أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ثم قال يا بصرة أي يوم لك لو تعلمين و أي قوم لك لو تعلمين أن لك من الماء يوما عظيما بلاؤه و ذكر كلاما كثيرا

189-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلام له ع أنتم الأنصار على الحق و الإخوان في الدين و الجنن يوم البأس و البطانة دون الناس بكم أضرب المدبر و أرجو طاعة المقبل فأعينوني بمناصحة خلية من الغش سليمة من الريب فو الله إني لأولى الناس بالناس

 بيان قال ابن أبي الحديد قاله للأنصار بعد فراغه من حرب الجمل ذكره المدائني و الواقدي في كتابيهما. و بطانة الرجل خاصته و أصحاب سره و المدبر من أدبر و أعرض عن الحق قوله ع و أرجو أي من أقبل إلي إذا رأى أخلاقكم الحميدة أطاعني بصميم قلبه و يمكن أن يراد بالمقبل من كان من شأنه الإقبال و الطاعة

190-  شا، ]الإرشاد[ من كلامه ع حين قتل طلحة و انفض جمع أهل البصرة بنا تسنمتم الشرف و بنا انفجرتم عن السرار و بنا اهتديتم في الظلماء وقر سمع لم يفقه الواعية و كيف يراعي النبأة من أصمته الصيحة ربط جنان لم يفارقه الخفقان و ما زلت أنتظر بكم عواقب الغدر و أتوسمكم بحلية المغترين سترني عنكم جلباب الدين و بصرنيكم صدق النية أقمت لكم الحق حيث تعرفون و لا دليل و تحتفرون و لا تميهون اليوم أنطق لكم العجماء ذات البيان عزب فهم امرئ تخلف عني ما شككت في الحق منذ رأيته كان بنو يعقوب على المحجة العظمى حتى عقوا أباهم و باعوا أخاهم و بعد الإقرار كان توبتهم و باستغفار أبيهم و أخيهم غفر لهم

 بيان هذا الكلام رواه السيد الرضي في النهج بأدنى تغيير و أوله بنا اهتديتم في الظلماء و تسنمتم العلياء و بنا انفجرتم عن السرار وقر سمع. إلى قوله أقمت لكم على سنن الحق في جواد المضلة حيث تلتقون و لا دليل إلى قوله ما شككت في الحق مذ أريته لم يوجس موسى خيفة على نفسه أشفق من غلبة الجهال و دول الضلال. اليوم تواقفنا على سبيل الحق و الباطل من وثق بماء لم يظمأ قوله و تسنمتم العليا أي ركبتم سنامها و سنام كل شي‏ء أعلاه أي بتلك الهداية على قدركم و بنا انفجرتم و روي أفجرتم. قال ابن أبي الحديد هو نحو أغد البعير أي صرتم ذوي فجر و عن للمجاوزة أي متنقلين عن السرار و السرار الليلة و الليلتان يستتر فيهما القمر في آخر الشهر. أقول و على الرواية الأخرى لعل المعنى انفجرتم انفجار العين من الأرض أو الصبح من الليل وقر سمع دعاء على السمع الذي لم يفقه كلام الداعي إلى الله بالثقل و الصمم كيف يراعي النبأة أي من أصمته الصيحة القوية فإنه لم يسمع الصوت الضعيف و المعنى من لم ينتفع بالمواعظ الجلية كيف ينتفع بالعبر الضعيفة و لعله كناية عن ضعف دعائه بالنسبة إلى دعاء الله و رسوله ص. ربط جنان دعاء للقلوب الخائفة الوجلة التي لا تزال تخفق من خشية الله و الإشفاق من عذابه بالسكينة و الثبات و الاطمئنان و التقدير ربط جنان نفسه و من روى بضم الراء فالمعنى ربط الله جنانا كانت كذلك و هو أظهر. و الخفقان بالتحريك التحرك و الاضطراب ما زلت أنتظر بكم الخطاب لبقية أصحاب الجمل أو مع المقتولين أو الأخير فقط. و إضافة عواقب الغدر بيانية أو لامية و التوسم التفرس أي كنت أتفرس منكم أنكم ستغترون بالشبه الباطلة. سترني عنكم جلباب الدين أي الدين حال بيني و بينكم فلم تعرفوا ما أقوى عليه من الغلظة عليكم و قتلكم و سترني من عين قلوبكم ما وقفني عليه الدين من الرفق و الشفقة و سحب ذيل العفو على الجرائم. و يحتمل أن يكون المعنى إظهاركم شعار الإسلام عصمكم مني مع علمي بنفاقكم فأجريتكم مجرى المخلصين و هذا أنسب بما رواه بعضهم ستركم عني و بصرنيكم صدق النية أي جعلني بصيرا بكم إخلاصي لله تعالى و به صارت مرآة نفسي صافية كما قال النبي ص المؤمن ينظر بنور الله ذكره ابن ميثم و الراوندي. و يحتمل أن يكون المراد بصدق النية العلم الصادق الحاصل له ع بنفاقهم من العلامات كما قال تعالى فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَ لَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ أي أنزلكم منزلة المخلصين لظاهر إسلامكم مع علمي واقعا بنفاقكم. و قال الراوندي رحمه الله و يحتمل وجها آخر و هو أن يكون المعنى إنما أخفى رتبتي و منزلتي عليكم ما أنا متباطئة من التخلق بأخلاق الديانة و هو أنه لا يعرفهم نفسه بمفاخرها و مآثرها فيكون من باب قوله إن هاهنا علما جما لو أصبت له حملة و على هذا يكون معناه أنكم إن صدقت نياتكم و نظرتم بعين صحيحة و أنصفتموني أبصرتم منزلتي. أقمت لكم على سنن الحق أي قمت لكم على جادة طريق الحق حيث يضل من تنكب عنه و لا دليل غيري و حيث تحتفرون الآبار لتحصيل الماء و لا تميهون أي لا تجدون ماء. اليوم أنطق لكم العجماء كنى بالعجماء ذات البيان عن العبر الواضحة و ما حل بقوم فسقوا عن أمر ربهم و عما هو واضح من كمال فضله ع و عن حال الدين و مقتضى أوامر الله تعالى فإن هذه الأمور عجماء لا نطق لها مقالا ذات البيات حالا و لما بينها ع و عرفهم ما يقوله لسان حالها فكأنه ع أنطقها لهم. و قيل العجماء صفة لمحذوف أي الكلمات العجماء و المراد بها ما في هذه الخطبة من الرموز التي لا نطق لها مع أنها ذات بيان عند أولي الألباب. عزب أي بعد و يحتمل الإخبار و الدعاء و أوجس في نفسه خيفة أضمر. اليوم تواقفنا أي أنا واقف على سبيل الحق و أنتم على الباطل و من وثق بماء لعل المراد من كان على الحق و أيقن ذلك و اعتمد على ربه لا يبالي بما وقع عليه كما أن من وثق بماء لم يفزعه عطشه.

  و قال الشارحون أي إن سكنتم إلى قولي و وثقتم به كنتم أبعد عن الضلال و أقرب إلى اليقين. و قال القطب الراوندي رحمه الله في شرحه على هذه الخطبة من نهج البلاغة أخبرنا بهذه الخطبة جماعة عن جعفر الدوريستي عن أبيه محمد بن العباس عن محمد بن علي بن موسى عن محمد بن علي الأسترآبادي عن علي بن محمد بن سيار عن أبيه عن الحسن العسكري عن آبائه عن أمير المؤمنين

191-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلام له ع خاطب به أهل البصرة على جهة اقتصاص الملاحم فمن استطاع عند ذلك أن يعتقل نفسه على الله فليفعل فإن أطعتموني فإني حاملكم إن شاء الله على سبيل الجنة و إن كان ذا مشقة شديدة عظيمة و مذاقة مريرة و أما فلانة فأدركها رأي النساء و ضغن غلا في صدرها كمرجل القين و لو دعيت لتنال من غيري ما أتت إلي لم تفعل و لها بعد حرمتها الأولى و الحساب على الله

 و منه سبيل أبلج المنهاج أنور السراج فبالإيمان يستدل على الصالحات و بالصالحات يستدل على الإيمان و بالإيمان يعمر العلم و بالعلم يرهب الموت و بالموت تختم الدنيا و بالدنيا تحرز الآخرة و إن الخلق لا مقصر لهم عن القيامة مرقلين في مضمارها إلى الغاية القصوى

 و منه قد شخصوا من مستقر الأجداث و صاروا إلى مصائر الغايات لكل دار أهلها لا يستبدلون بها و لا ينقلون عنها و إن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لخلقان من خلق الله سبحانه و أنهما لا يقربان من أجل و لا ينقصان من رزق و عليكم بكتاب الله فإنه الحبل المتين و النور المبين و الشفاء النافع و الري الناقع و العصمة للمتمسك و النجاة للمتعلق لا يعوج فيقام و لا يزيغ فيستعتب و لا تخلقه كثرة الرد و ولوج السمع من قال به صدق و من عمل به سبق و قام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين أخبرنا عن الفتنة و هل سألت عنها رسول الله ص فقال ع لما أنزل الله سبحانه قوله الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ علمت أن الفتنة لا تنزل بنا و رسول الله ص بين أظهرنا فقلت يا رسول الله ما هذه الفتنة التي أخبرك الله بها فقال يا علي إن أمتي سيفتنون من بعدي فقلت يا رسول الله أ و ليس قد قلت لي يوم أحد حيث استشهد من استشهد من المسلمين و حيزت عني الشهادة فشق ذلك علي فقلت لي أبشر فإن الشهادة من ورائك فقال لي إن ذلك لكذلك فكيف صبرك إذا فقلت يا رسول الله ليس هذا من مواطن الصبر و لكن من مواطن البشرى و الشكر و قال يا علي إن القوم سيفتنون بأموالهم و يمنون بدينهم على ربهم و يتمنون رحمته و يأمنون سطوته و يستحلون حرامه بالشبهات الكاذبة و الأهواء الساهية فيستحلون الخمر بالنبيذ و السحت بالهدية و الربا بالبيع فقلت يا رسول الله فبأي المنازل أنزلهم عند ذلك أ بمنزلة ردة أم بمنزلة فتنة فقال بمنزلة فتنة

  بيان قوله ع أن يعتقل أي يحبس نفسه على طاعة الله و فلانة كناية عن عائشة و لعله من السيد رضي الله عنه تقية. قوله ع و ضغن أي حقد و كان من أسباب حقدها لأمير المؤمنين ع سد النبي ص باب أبيها من المسجد و فتح بابه و بعثه ع بسورة براءة بعد أخذها من أبي بكر و إكرام رسول الله ص لفاطمة ع و حسدها عليها إلى غير ذلك من الأسباب المعلومة. و المرجل كمنبر القدر و القين الحداد أي كغليان قدر من حديد قوله ع من غيري يعني به عمر كما قيل أو الأعم و هو أظهر أي لو كان عمر أو أحد من أضرابه و لي الخلافة بعد قتل عثمان على الوجه الذي قتل عليه و نسب إليه أنه كان يحرض الناس على قتله و دعيت إلى أن تخرج عليه في عصابة تثير فتنة و تنقض البيعة لم تفعل و هذا بيان لحقدها له ع. و البلوج الإضاءة قوله ع لا مقصر أي لا محبس و لا غاية لهم دونه مرقلين أي مسرعين قد شخصوا أي خرجوا و الأجداث القبور و الخلق بالضم و بضمتين السجية و الطبع و المروءة و الدين و الرجل إذا روي من الماء فتغير لونه يقال له نقع قوله ع لا يزيغ فيستعتب أي لا يميل فيطلب منه الرجوع. و العتبى الرجوع و المراد بكثرة الرد الترديد في الألسنة. قوله ع لا تنزل بنا قال ابن أبي الحديد لقوله تعالى وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ و حيزت عني أي منعت و الأهواء الساهية أي الغافلة قوله ع بمنزلة فتنة أي لا يجري عليهم في الظاهر أحكام الكفر و إن كانوا باطنا من أخبث الكفار.

 أقول قال ابن ميثم و ابن أبي الحديد هذا الخبر رواه كثير من المحدثين عن علي ع قال إن رسول الله ص قال لي إن الله كتب عليك جهاد المفتونين كما كتب علي جهاد المشركين قال فقلت يا رسول الله ما هذه الفتنة التي كتب علي فيها الجهاد قال قوم يشهدون أن لا إله إلا الله و أني رسول الله و هم مخالفون للسنة فقلت يا رسول الله فعلام أقاتلهم و هم يشهدون كما أشهد قال على الإحداث في الدين و مخالفة الأمر فقلت يا رسول الله أنت كنت وعدتني الشهادة فاسأل الله أن يعجلها لي بين يديك قال فمن يقاتل الناكثين و القاسطين و المارقين أما إني قد وعدتك الشهادة و ستستشهد تضرب على هذه فتخضب هذه فكيف صبرك إذا فقلت يا رسول الله ليس هذا بموطن صبر هذا موطن شكر قال أجل أصبت فأعد للخصومة فإنك تخاصم فقلت يا رسول الله لو بينت لي قليلا فقال إن أمتي ستفتن من بعدي فتتأول القرآن و تعمل بالرأي و تستحل الخمر بالنبيذ و السحت بالهدية و الربا بالبيع و تحرف الكتاب عن مواضعه و تغلب كلمة الضلال فكن حلس بيتك حتى تقلدها فإذا قلدتها جاشت عليك الصدور و قلبت لك الأمور فقاتل حينئذ على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله فليست حالهم الثانية بدون حالهم الأولى فقلت يا رسول الله فبأي المنازل أنزل هؤلاء المفتونين أ بمنزلة فتنة أم بمنزلة ردة فقال أنزلهم بمنزلة فتنة يعمهون فيها إلى أن يدركهم العدل فقلت يا رسول الله أ يدركهم العدل منا أم من غيرنا قال بل منا فبنا فتح الله و بنا يختم و بنا ألف بين القلوب بعد الفتنة فقلت الحمد لله على ما وهب لنا من فضله

 بيان كن حلس أي ملازما له غير مفارق بالخروج للقتال و دفع أهل الضلال و الضمير في تقلدها و قلدتها على المجهول فيهما راجع إلى الخلافة و الإمارة و التقليد مأخوذ من عقد القلادة على الاستعارة و تقليدهم إطاعتهم و تركهم العناد و جاش القد بالهمزة و غيره غلا و قلبت لك الأمور أي دبروا أنواع المكايد و الحيل لدفعك

192-  نهج، ]نهج البلاغة[ قيل إن الحارث بن حوط أتاه ع فقال أ تراني أظن أصحاب الجمل كانوا على ضلالة فقال يا حار إنك نظرت تحتك و لم تنظر فوقك فحرت إنك لم تعرف الحق فتعرف أهله و لم تعرف الباطل فتعرف من أتاه فقال الحارث فإني أعتزل مع سعد بن مالك و عبد الله بن عمر فقال إن سعدا و عبد الله بن عمر لم ينصرا الحق و لم يخذلا الباطل

 بيان نظرت تحتك أي نظرت في أعمال الناكثين بظاهر الإسلام الذين هم دونك في الرتبة لبغيهم على إمام الحق فاغتررت بشبهتهم و اقتديت بهم و لم تنظر إلى من هو فوقك و هو إمامك الواجب الطاعة و من تبعه من المهاجرين و الأنصار و لا سمعت حكمهم بكون خصومهم على الباطل فكان ذلك سبب حيرتك. و يحتمل أن يكون معنى نظره تحته كناية عن نظره إلى باطل هؤلاء و شبههم المكتسبة عن محبة الدنيا و نظره فوقه كناية عن نظره إلى الحق و تلقيه من الله. أو المعنى نظرت إلى هذا الأمر الذي يستولي عليه فكرك و هو خطر قتال أهل القبلة و لم تنظر إلى الأمر العالي الذي هو فوق نظرك من وجوب قتالهم لبغيهم و فسادهم و خروجهم على الإمام العادل

  -193  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلام له ع لما أظفره الله بأصحاب الجمل و قد قال له بعض أصحابه وددت أن أخي فلانا كان شاهدنا ليرى ما نصرك الله به على أعدائك فقال ع أ هوى أخيك معنا قال نعم قال فقد شهدنا و لقد شهدنا في عسكرنا هذا قوم في أصلاب الرجال و أرحام النساء سيرعف بهم الزمان و يقوى بهم الإيمان

 بيان سيرعف بهم الزمان الرعاف الدم الخارج من أنف الإنسان و المعنى سيخرجهم الزمان من العدم إلى الوجود و هذا من قبيل الإسناد إلى الظرف أو الشرط

194-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلام له ع في ذم البصرة و أهلها كنتم جند المرأة و أتباع البهيمة رغا فأجبتم و عقر فهزمتم أخلاقكم رقاق و عهدكم شقاق و دينكم نفاق و ماؤكم زعاق المقيم بين أظهركم مرتهن بذنبه و الشاخص عنكم متدارك برحمة من ربه كأني بمسجدكم كجؤجؤ سفينة قد بعث الله عليها العذاب من فوقها و من تحتها و غرق من في ضمنها

 و في رواية أخرى و ايم الله لتغرقن بلدتكم حتى كأني أنظر إلى مسجدها كجؤجؤ سفينة أو نعامة جاثمة

  و في رواية أخرى كجؤجؤ طير في لجة بحر أرضكم قريبة من الماء بعيدة من السماء خففت عقولكم و سفهت حلومكم أحلامكم فأنتم غرض لنا بل و أكلة لآكل و فريسة لصائد لصائل

 بيان إنما قال ع و أتباع البهيمة لأن جمل عائشة كان راية عسكر البصرة و الرغا صوت الإبل قوله ع أخلاقكم دقاق قال ابن أبي الحديد الدق من كل شي‏ء حقيره و صغيره يصفهم باللؤم و في الحديث أن رجلا قال يا رسول الله إني أحب أن أنكح فلانة إلا أن في أخلاق أهلها دقة فقال له إياك و خضراء الدمن. و الشقاق الخلاف و الافتراق و الزعاق المالح و سبب ملوحة مائهم قربهم من البحر و امتزاج مائه بمائهم. قيل ذكرها في معرض ذمهم لعله من سوء اختيارهم هذا الموضع أو كونها سببا لسوء المزاج و البلادة و غير ذلك كما تقوله الأطباء. قوله ع بين أظهركم أي بينكم على وجه الاستظهار و الاستناد إليكم و أما كونه مرتهنا بذنبه فلأن المقيم بينهم لا بد و أن ينخرط في سلكهم و يكتسب من رذائل أخلاقهم فيكون موثقا بذنوبه أو أن كونه بينهم يجري مجرى العقوبة بذنبه و الخارج من بينهم لحقه رحمة الله فوفقه لذلك. و جؤجؤ السفينة صدرها و يقال جثم الطائر جثوما و هو بمنزلة البرك للإبل. و قال ابن ميثم أما وقوع المخبر عنه فالمنقول أنها غرقت في أيام القادر بالله و في أيام القائم بالله غرقت بأجمعها و غرق من في ضمنها و خربت دورها و لم يبق إلا مسجدها الجامع ثم. قال و يمكن أن يكون المراد بقربها من الماء و بعدها من السماء كون موضعها هابطا قريبا من البحر. و قيل المراد ببعدها من السماء كونها بعيدة من دائرة معدل النهار فإن الإرصاد دلت على أن أبعد موضع في المعمورة عن معدل النهار الأبلة قصبة البصرة. و قيل المراد من بعدها عن سماء الرحمة كونها مستعدة لنزول العذاب انتهى. و لعل مراده أنها أبعد بلاد العرب عن المعدل و إلا فظاهر أن الأبلة ليست أبعد موضع في المعمورة و الأبلة بضم الهمزة و الباء و تشديد اللام المفتوحة إحدى الجنات الأربع و هي الموضع الذي فيه الدور و الأبنية الآن. و السفه رذيلة مقابل الحلم و النابل ذو النبل و الأكلة المأكول و الفريسة ما يفترسه السبع و الصولة الحملة و الوثبة

195-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلام له ع في بيان بعض شئون النساء معاشر الناس إن النساء نواقص الإيمان نواقص الحظوظ نواقص العقول فأما نقصان إيمانهن فقعودهن عن الصلاة و الصيام في أيام حيضهن و أما نقصان عقولهن فشهادة امرأتين منهن كشهادة الرجل الواحد و أما نقصان حظوظهن فمواريثهن على الأنصاف من مواريث الرجال فاتقوا شرار النساء و كونوا من خيارهن على حذر و لا تطيعوهن في المعروف حتى لا يطمعن في المنكر

  توضيح الغرض ذم عائشة و توبيخ من تبعها و إرشاد الناس إلى ترك طاعة النساء. و نقصان الإيمان بالقعود عن الصلاة و الصيام لعله مبني على أن الأعمال أجزاء الإيمان و قعودهن و إن كان بأمر الله تعالى إلا أن سقوط التكليف لنوع من النقص فيهن و كذا الحال في الشهادة و الميراث. و ترك طاعتهن في المعروف إما بالعدول إلى فرد آخر منه أو فعله على وجه يظهر أنه ليس لطاعتهن بل لكونه معروفا أو ترك بعض المستحبات فيكون الترك حينئذ مستحبا كما ورد تركها في بعض الأحوال كحال الملال

196-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من خطبة له ع فتن كقطع الليل المظلم لا تقوم لها قائمة و لا ترد لها راية تأتيكم مزمومة مرحولة يحفزها قائدها و يجهدها راكبها أهلها قوم شديد كلبهم قليل سلبهم يجاهدهم في الله قوم أذلة عند المتكبرين في الأرض مجهولون و في السماء معروفون فويل لك يا بصرة عند ذلك من جيش من نقم الله لا رهج له و لا حس و سيبتلي أهلك بالموت الأحمر و الجوع الأغبر

 إيضاح قطع الليل جمع قطع بالكسر و هو الظلمة قال تعالى فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ كذا ذكره ابن أبي الحديد و لعله سهو منه و الظاهر أنه جمع قطعة. لا تقوم لها قائمة أي لا تنهض لحربها فئة ناهضة أو قائمة من قوائم الخيل أو قلعة أو بنية قائمة بل تنهدم يعني لا سبيل إلى قتال أهلها. و لا ترد لها راية أي لا تنهزم راية من رايات تلك الفتنة بل تكون غالبة دائما أو لا ترجع لحربها راية من الرايات التي هربت عنها مزمومة مرحولة عليها زمام و رحل أي تامة الأدوات يدفعها قائدها و الحفز السوق الشديد و يجهدها أي يحمل عليها في السير فوق طاقتها قليل سلبهم أي ما سلبوه من الخصم أي همتهم القتل لا السلب. و قيل إن هذه إشارة إلى صاحب الزنج و جيشه. و فيه أن الذين جاهدوهم لم يكونوا على الأوصاف المذكورة إلا أن يقال لشقاوة الطرف الآخر أمدهم الله بالملائكة و هو بعيد. و قيل إشارة إلى ملحمة أخرى في آخر الزمان لم تأت بعد و هو قريب و الرهج الغبار. قال ابن أبي الحديد كنى بهذا الجيش عن طاعون يصيبهم حتى يبيدهم. و قال ابن ميثم إشارة إلى فتنة الزنج و ظاهر أنه لم يكن لهم غبار و لا أصوات إذ لم يكونوا أهل خيل و لا قعقعة لجم فإذن لا رهج لهم و لا حس. و قال ابن أبي الحديد الموت الأحمر كناية عن الوباء و الجوع الأغبر كناية عن المحل و الحمرة كناية عن الشدة و وصف الجوع بالأغبر لأن الجائع يرى الآفاق كأن عليها غبرة و ظلاما. و قيل الموت الأحمر إشارة إلى قتلهم بالسيف. و قال ابن ميثم أقول قد فسره ع بهلاكهم من قبل الغرق كما سيأتي

  -197  نهج، ]نهج البلاغة[ و من كلامه ع فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة يا أحنف كأني به و قد سار بالجيش الذي لا يكون له غبار و لا لجب و لا قعقعة لجم و لا حمحمة خيل يثيرون الأرض بأقدامهم كأنها أقدام النعام

 قال الرضي رحمه الله يومي بذلك إلى صاحب الزنج

 ثم قال ع ويل لسكككم العامرة و الدور المزخرفة التي لها أجنحة كأجنحة النسور و خراطيم كخراطيم الفيلة من أولئك الذين لا يندب قتيلهم و لا يفقد غائبهم أنا كاب الدنيا لوجهها و قادرها بقدرها و ناظرها بعينها

 و منه يومي ع به إلى وصف الأتراك كأني أراهم قوما كأن وجوههم المجان المطرقة يلبسون السرق و الديباج و يعتقبون الخيل العتاق و يكون هناك استحرار قتل حتى يمشي المجروح على المقتول و يكون المفلت أقل من المأسور فقال له بعض أصحابه لقد أعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب فضحك ع و قال للرجل و كان كلبيا يا أخا كلب ليس هو بعلم غيب و إنما هو تعلم من ذي علم و إنما علم الغيب علم الساعة و ما عدده الله سبحانه بقوله إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ الآية فيعلم سبحانه ما في الأرحام من ذكر أو أنثى و قبيح أو جميل و سخي أو بخيل و شقي أو سعيد و من يكون في النار حطبا أو في الجنان للنبيين مرافقا فهذا علم الغيب الذي لا يعلمه أحد إلا الله و ما سوى ذلك فعلم علمه الله نبيه فعلمنيه و دعا لي بأن يعيه صدري و تضطم عليه جوانحي

 بيان الملحمة الوقعة العظيمة في الفتنة و القتال و اللجب الصوت. و القعقعة حكاية صوت السلاح و نحوه و الحمحمة صوت الفرس دون الصهيل. قوله يثيرون الأرض أي التراب لأن أقدامهم في الخشونة كحوافر الخيل كذا قيل. و فيه أنه لا يلائم قوله ع لا يكون له غبار و لعله كناية عن شدة وطئهم الأرض أو يقال مع ذلك ليس غبارهم كالغبار الذي يثار من الحوافر و لما كانت أقدام الزنج في الأغلب قصارا عراضا منتشرة الصدر مفرجات الأصابع أشبهت أقدام النعام في تلك الأوصاف و السكك جمع سكة بالكسر و هي الزقاق و الطريق المستوي و الطريقة المصطفة من النخل و المزخرفة المزينة المموهة بالزخرف و هو الذهب و أجنحة الدور التي شبهها بأجنحة النسور رواشنها و ما يعمل من الأخشاب و البواري بارزة عن السقوف لوقاية الحيطان و غيرها عن الأمطار و شعاع الشمس و خراطيمها ميازيبها التي تطلى بالقار يكون نحوا من خمسة أذرع أو أزيد تدلى من السطوح حفظا للحيطان و الفيلة كغينة جمع الفيل. و أما قوله ع لا يندب قتيلهم قيل إنه وصف لهم بشدة البأس و الحرص على القتال و أنهم لا يبالون بالموت. و قيل لأنهم كانوا عبيدا غرباء لم يكن لهم أهل و ولد ممن عادتهم الندبة و افتقاد الغائب. و قيل لا يفقد غائبهم وصف لهم بالكرة و أنه إذا قتل منهم قتيل سد مسده غيره. قوله أنا كاب الدنيا يقال كببت فلانا على وجهه أي تركته و لم ألتفت إليه. و قيل إنه كناية عن العلم ببواطنها و أسرارها كما يقال غلبت الأمر ظهرا لبطن. و قوله ع و قادرها بقدرها أي معامل لها بمقدارها و ناظرها بعينها أي ناظر إليها بعين العبرة و انظر إليها نظرا يليق بها فيكون كالتفسير لقوله ع و قادرها بقدرها و حكي عن عيسى ع أنه كان يقول أنا الذي كببت الدنيا على وجهها ليس لي زوجة تموت و لا بيت يخرب وسادتي الحجر و فراشي المدر و سراجي القمر. أقول سيأتي شرح باقي الخطبة مع سائر أخبار الآتية في بابه

198-  الكافية في إبطال توبة الخاطئة، عن أبي مخنف لوط بن يحيى عن عبد الله بن عاصم عن محمد بن بشير الهمداني قال ورد كتاب أمير المؤمنين مع عمر بن سلمة الأرجي الأرحبي إلى أهل الكوفة فكبر الناس تكبيرة سمعها عامة الناس و اجتمعوا لها في المسجد و نودي الصلاة جمعا فلم يتخلف أحد و قرأ الكتاب فكان فيه بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله أمير المؤمنين إلى قرظة بن كعب و من قبله من المسلمين سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإنا لقينا القوم الناكثين لبيعتنا و المفارقين لجماعتنا الباغين علينا في أمتنا فحججناهم فحاكمناهم إلى الله فأدالنا عليهم فقتل طلحة و الزبير و قد تقدمت إليهما بالمعذرة و أقبلت إليهما بالنصيحة و استشهدت عليهما صلحاء الأمة فما أطاعا المرشدين و لا أجابا الناصحين و لاذ أهل البغي بعائشة فقتل حولها من أهل البصرة عالم جسيم و ضرب الله وجه بقيتهم فأدبروا فما كانت ناقة الحجر بأشأم عليهم منها على أهل ذلك المصر مع ما جاءت به من الحوب الكبير في معصيتها ربها و نبيها و اغترارها في تفريق المسلمين و سفك دماء المؤمنين بلا بينة و لا معذرة و لا حجة ظاهرة فلما هزمهم الله أمرت أن لا يتبع مدبر و لا يجاز و لا يجهز على جريح و لا يكشف عورة و لا يهتك ستر و لا يدخل دار إلا بإذن و آمنت الناس و قد استشهد منا رجال صالحون ضاعف الله حسناتهم و رفع درجاتهم و أثابهم ثواب الصادقين الصابرين و جزاكم الله من أهل مصر عن أهل بيت نبيكم أحسن جزاء العاملين بطاعته و الشاكرين لنعمته فقد سمعتم و أطعتم و أجبتم إذا دعيتم فنعم الإخوان و الأعوان على الحق أنتم و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته كتب عبيد الله بن أبي رافع في رجب سنة ست و ثلاثين

199-  أقول روى كمال الدين بن ميثم البحراني مرسلا أنه لما فرغ أمير المؤمنين من أمر الحرب لأهل الجمل أمر مناديا ينادي في أهل البصرة أن الصلاة الجامعة لثلاثة أيام من غد إن شاء الله و لا عذر لمن تخلف إلا من حجة أو علة فلا تجعلوا على أنفسكم سبيلا فلما كان اليوم الذي اجتمعوا فيه خرج ع فصلى بالناس الغداة في المسجد الجامع فلما قضى صلاته قام فأسند ظهره إلى حائط القبلة عن يمين المصلى فخطب الناس فحمد الله و أثنى عليه بما هو أهله و صلى على النبي ص و استغفر للمؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات ثم قال يا أهل البصرة يا أهل المؤتفكة و ائتفكت بأهلها ثلاثا و على الله تمام الرابعة يا جند المرأة و أعوان البهيمة رغا فأجبتم و عقر فانهزمتم أخلاقكم دقاق و دينكم نفاق و ماؤكم زعاق بلادكم أنتن بلاد الله تربة و أبعدها من السماء بها تسعة أعشار الشر المحتبس فيها بذنبه و الخارج منها بعفو الله كأني أنظر إلى قريتكم هذه و قد طبقها الماء حتى ما يرى منها إلا شرف المسجد كأنه جؤجؤ طير في لجة بحر فقام إليه الأحنف بن قيس فقال له يا أمير المؤمنين و متى يكون ذلك قال يا أبا بحر إنك لن تدرك ذلك الزمان و إن بينك و بينه لقرونا و لكن ليبلغ الشاهد منكم الغائب عنكم لكي يبلغوا إخوانهم إذا هم رأوا البصرة قد تحولت أخصاصها دورا و آجامها قصورا فالهرب الهرب فإنه لا بصرة لكم يومئذ ثم التفت عن يمينه فقال كم بينكم و بين الأبلة فقال له المنذر بن الجارود فداك أبي و أمي أربعة فراسخ قال له صدقت فو الذي بعث محمدا ص و أكرمه بالنبوة و خصه بالرسالة و عجل بروحه إلى الجنة لقد سمعت منه كما تسمعون مني أن قال لي يا علي هل علمت أن بين التي تسمى البصرة و التي تسمى الأبلة أربعة فراسخ و سيكون التي تسمى الأبلة موضع أصحاب العشور و يقتل في ذلك الموضع من أمتي سبعون ألفا شهيدهم يومئذ بمنزلة شهداء بدر فقال له المنذر يا أمير المؤمنين و من يقتلهم فداك أبي و أمي قال يقتلهم إخوان الجن و هم جيل كأنهم الشياطين سود ألوانهم منتنة أرواحهم شديد كلبهم قليل سلبهم طوبى لمن قتلهم و طوبى لمن قتلوه ينفر لجهادهم في ذلك الزمان قوم هم أذلة عند المتكبرين من أهل زمان مجهولون في الأرض معروفون في السماء تبكي السماء عليهم و سكانها و الأرض و سكانها ثم هملت عيناه بالبكاء ثم قال ويحك يا بصرة ويلك يا بصرة من جيش لا رهج له و لا حس فقال له المنذر يا أمير المؤمنين و ما الذي يصيبهم من قبل الغرق مما ذكرت و ما الويح و ما الويل فقال هما بابان فالويح باب الرحمة و الويل باب العذاب يا ابن الجارود نعم تارات عظيمة منها عصبة تقتل بعضها بعضا و منها فتنة تكون بها إخراب منازل و خراب ديار و انتهاك أموال و قتل رجال و سباء نساء يذبحن ذبحا يا ويل أمرهن حديث عجيب منها أن يستحل بها الدجال الأكبر الأعور الممسوخ العين اليمنى و الأخرى كأنها ممزوجة بالدم لكأنها في الحمرة علقة ناتي الحدقة كهيئة حبة العنب الطافية على الماء فيتبعه من أهلها عدة من قتل بالأبلة من الشهداء أناجيلهم في صدورهم يقتل من يقتل و يهرب من يهرب ثم رجف ثم قذف ثم خسف ثم مسخ ثم الجوع الأغبر ثم الموت الأحمر و هو الغرق يا منذر إن للبصرة ثلاثة أسماء سوى البصرة في الزبر الأول لا يعلمها إلا العلماء منها الخريبة و منها تدمر و منها المؤتفكة يا منذر و الذي فلق الحبة و برأ النسمة لو أشاء لأخبرتكم بخراب العرصات عرصة عرصة متى تخرب و متى تعمر بعد خرابها إلى يوم القيامة و إن عندي من ذلك علما جما و إن تسألوني تجدوني به عالما لا أخطئ منه

 علما و لا دافئا و لقد استودعت علم القرون الأولى و ما هو كائن إلى يوم القيامة ثم قال يا أهل البصرة إن الله لم يجعل لأحد من أمصار المسلمين خطة شرف و لا كرم إلا و قد جعل فيكم أفضل ذلك و زادكم من فضله بمنه ما ليس لهم أنتم أقوم الناس قبلة قبلتكم على المقام حيث يقوم الإمام بمكة و قارئكم أقرأ الناس و زاهدكم أزهد الناس و عابدكم أعبد الناس و تاجركم أتجر الناس و أصدقهم في تجارته و متصدقكم أكرم الناس صدقة و غنيكم أشد الناس بذلا و تواضعا و شريفكم أحسن الناس خلقا و أنتم أكرم الناس جوارا و أقلهم تكلفا لما لا يعنيه و أحرصهم على الصلاة في جماعة ثمرتكم أكثر الثمار و أموالكم أكثر الأموال و صغاركم أكيس الأولاد و نساؤكم أقنع النساء و أحسنهن تبعلا سخر لكم الماء يغدو عليكم و يروح صلاحا لمعاشكم و البحر سببا لكثرة أموالكم فلو صبرتم و استقمتم لكانت شجرة طوبى لكم مقيلا و ظلا ظليلا و غير أن حكم الله فيكم ماض و قضاءه نافذ لا معقب لحكمه و هو سريع الحساب يقول الله وَ إِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً و أقسم لكم يا أهل البصرة ما الذي ابتدأتكم به من التوبيخ إلا تذكير و موعظة لما بعد لكي لا تسرعوا إلى الوثوب في مثل الذي وثبتم و قد قال الله لنبيه صلوات الله عليه و آله وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ و لا الذي ذكرت فيكم من المدح و التطرية بعد التذكير و الموعظة رهبة مني لكم و لا رغبة في شي‏ء مما قبلكم فإني لا أريد المقام بين أظهركم إن شاء الله لأمور تحضرني قد يلزمني القيام بها فيما بيني و بين الله لا عذر لي في تركها و لا علم لكم بشي‏ء منها حتى يقع مما أريد أن أخوضها مقبلا و مدبرا فمن أراد أن يأخذ بنصيبه منها فليفعل فلعمري إنه للجهاد الصافي صفاه لنا كتاب الله و لا الذي أردت به من ذكر بلادكم موجدة مني عليكم لما شاققتموني غير أن رسول الله ص قال لي يوما و ليس معه غيري إن جبرئيل الروح الأمين حملني على منكبه الأيمن حتى أراني الأرض و من عليها و أعطاني أقاليدها و علمني ما فيها و ما قد كان على ظهرها و ما يكون إلى يوم القيامة و لم يكبر ذلك علي كما لم يكبر على أبي آدم علمه الأسماء كلها و لم يعلمها الملائكة المقربون و إني رأيت بقعة على شاطئ البحر تسمى البصرة فإذا هي أبعد الأرض من السماء و أقربها من الماء و إنها لأسرع الأرض خرابا و أخشنها ترابا و أشدها عذابا و لقد خسف بها في القرون الخالية مرارا و ليأتين عليها زمان و إن لكم يا أهل البصرة و ما حولكم من القرى من الماء ليوما عظيما بلاؤه و إني لأعرف موضع منفجره من قريتكم هذه ثم أمور قبل ذلك تدهمكم أخفيت عنكم و علمناه فمن خرج منها عند دنو غرقها فبرحمة من الله سبقت له و من بقي فيها غير مرابط بها فبذنبه و ما الله بظلام للعبيد فقام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين أخبرني من أهل الجماعة و من أهل الفرقة و من أهل البدعة و من أهل السنة فقال إذا سألتني فافهم عني و لا عليك أن لا تسأل أحدا بعدي أما أهل الجماعة فأنا و من اتبعني و إن قلوا و ذلك الحق عن أمر الله و أمر رسوله ص و أما أهل الفرقة فالمخالفون لي و لمن اتبعني و إن كثروا و أما أهل السنة فالمستمسكون بما سنه الله لهم و رسوله و إن قلوا و أما أهل البدعة فالمخالفون لأمر الله و لكتابه و رسوله العاملون برأيهم و أهوائهم و إن كثروا و قد مضى الفوج الأول و بقيت أفواج و على الله قصمها و استيصالها عن جدد الأرض و بالله التوفيق

 تبيين أقول ذكر ابن ميثم رحمه الله هذه الخطبة متفرقة فجمعنا ما وجدنا منها في كتابه و لنوضح بعض فقرأتها قوله ع لثلاثة أيام أي الصلاة التي يلزمكم حضورها بأمير المؤمنين بعد ثلاثة أيام من غد و اللام للاختصاص. قال الشيخ الرضي رضي الله عنه الاختصاص على ثلاثة أضرب إما أن يختص الفعل بالزمان لوقوعه فيه نحو كتبت لغرة كذا. أو يختص به لوقوعه بعده نحو لليلة خلت. أو يختص به لوقوعه قبله نحو لليلة بقيت و ذلك بحسب القرينة انتهى. و الكلام إخبار في معنى الأمر أي احضروا جميعا للصلاة يوم كذا و الصلاة الموعودة هي غداة الرابع. و المؤتفكة المنقلبة إما حقيقة أو كناية عن الغرق كما مر و قد طبقها الماء أي غطاها و عمها. و الأحنف بالمهملة هو الذي كان معتزلا عن الفريقين يوم الجمل و يكنى أبا بحر بالباء الموحدة و الحاء المهملة و اسمه الضحاك بن قيس من تميم. و الأخصاص جمع خص بالضم بيت يعمل من الخشب و القصب. و الأبلة بضم الهمزة و الباء و تشديد اللام الموضع الذي به اليوم مدينة البصرة و كان من قراها و بساتينها يومئذ و كانوا يعدونه إحدى الجنات الأربع و في الأبلة اليوم موضع العشارين حسب ما أخبر به أمير المؤمنين ع. و الجيل بالكسر الصنف من الناس و قيل كل قوم يختصون بلغة فهم جيل. و الأرواح جمع ريح أي الرائحة و الكلب بالتحريك الشر و الأذى و شبه جنون يعرض للإنسان من عض الكلب. و السلب بالتحريك ما يأخذه أحد القرنين في الحرب من قرنه مما يكون عليه و معه من سلاح و ثياب و دابة و غيرها ينفر لجهادهم أي يخرج إلى قتالهم و هملت عينه كنصرت و ضربت أي فاضت بالدمع. و الرهج بالتحريك الغبار و الحس بالكسر و كذلك الحسيس الصوت الخفي و كأنه إشارة إلى خروج صاحب الزنج و كان جيشه مشاة حفاة لم يكن لهم قعقعة لجم و لا حمحمة خيل و التارات جمع تارة أي مرات و المعنى ترد عليهم فتن عظيمة مرة بعد أخرى. و العصبة إما بالضم بمعنى الجماعة أو ما بين العشرة إلى العشرين. و إما بالتحريك بمعنى الأقرباء و عصبة الرجل بنوه و قرابته لأبيه و انتهاك الأموال أخذها بما لا يحل و سباء النساء بالكسر و المد أسرهن أن يستحل بها الدجال أي يتخذها مسكنا و ينزلها من حل بالمكان إذا نزل و وصف الدجال بالأكبر يدل على تعدد من يدعي بالأباطيل كما روي في بعض الأخبار و الأعور الذي ذهبت إحدى عينيه و العلقة بالتحريك القطعة من الدم الغليظ و الناتي المرتفع و طفا على الماء يطفو إذا علا و لم يرسب و الرجف بالفتح الزلزلة و الاضطراب و القذف الرمي بالحجارة و نحوها و الخسف الذهاب في الأرض و خسف المكان أن يغيب في الأرض. و هذا الخسف يحتمل أن يكون خسف جيش أو طائفة بالبصرة أو خسف مدينتهم و بعض مساكنهم و أماكنهم. و وصف الجوع بالأغبر إما لأن الجوع غالبا تكون في السنين المجدبة و سنو الجدب تسمى غبرا لاغبرار آفاقها من قلة الأمطار و أرضيها لعدم النبات. و إما لأن وجه الجائع يشبه الوجه المغبر. و المراد بالجوع الأغبر الجوع الكامل الذي يظهر لكل أحد. و الموت الأحمر فسره ع بالغرق و يعبر عنه غالبا عن القتل بالسيف و إراقة الدماء و بالأبيض عن الطاعون و سيأتي التفسيران في الحديث عن الصادق ع. و الزبر بضمتين جمع الزبور بالفتح و هو الكتاب فعول بمعنى مفعول من الزبر بمعنى الكتابة و تدمر من الدمار بمعنى الهلاك و الجم بالفتح الكثير و العلم بالتحريك الجبل و الراية و دافنا الأمر داخله و ذكره في القاموس أي لا أخطئ منه ظاهرا و لا خفيا و الخطة بالضم الأمر و القضية و الكيس بالفتح خلاف الحمق و التبعل مصاحبة الزوجية. و غدو الماء و رواحه إليه كناية عن الجزر و المد في الوقتين فإن نهر البصرة و الأنهار المقارنة له يمد في كل يوم و ليلة مرتين و يدور في اليوم و الليلة و لا يخص وقتا كطلوع الشمس و غروبها و ارتفاعها و انخفاضها و يسمى ذلك بالمد اليومي

  و يكون المد عند زيادة نور القمر أشد و يسمى ذلك بالمد الشهري. و أشار هذه الفقرة إلى فائدة المد و الجزر إذ لو كان الماء دائما على حد النقصان و لم يصل إلى حد المد لما سقي زرعهم و نخيلهم و لو كان دائما على حد الزيادة لغرقت أراضيهم بأنهارهم و في نقص الأنهار بعد زيادتها فائدة غسل الأقذار و إزالة الخبائث عن شاطئها و فيها فوائد أخرى كحركة السفن و نحوها. و المقيل موضع القائلة و الظل و الظليل القوي الكامل و من عادة العرب وصف الشي‏ء بمثل لفظه للمبالغة. و قيل أي الظل الدائم الذي لا تنسخه الشمس كما في الدنيا. و قيل أي الظل الذي لا حر فيه و لا برد. و لعل المعنى لو صبرتم و استقمتم على منهاج الحق لكان ظل شجرة طوبى لكم مقيلا و ظلا ظليلا. و التعقيب رد الشي‏ء بعد فصله و منه قولهم عقب العقاب على صيده إذا رد الكرور عليه بعد فصله منه و قيل المعقب الذي يعقب الشي‏ء بالإبطال و غيره و منه قيل لصاحب الحق معقب لأنه يقفو غريمه بالاقتضاء. و فسر الكتاب في الآية باللوح المحفوظ و المسطور المكتوب. و في إيراد الآية نوع استرضاء لهم و تسكين لقلوبهم فإن البلية إذا عمت طابت. و التطرية المبالغة في المدح و الشائع فيه الإطراء و المقام مصدر بمعنى القيام. و الخوض الدخول في الماء و خضت العمرة اقتحمتها و الخوض في تلك الأمور مقبلا و مدبرا مبالغة في نفي الاستنكاف عنها و توطين النفس على القيام بها. و صفاه لنا كتاب الله أي جعله خالصا من الشكوك و الشوائب و الآثام. و الموجدة بكسر الجيم الغضب و المشاقة و الشقاق الخلاف و العداوة. و الأقاليد جمع إقليد بالكسر و هو المفتاح. قوله ع و لم يكبر ذلك علي أي قويت عليه أو لم أستعظمها من فعل ربي و الأول أظهر. و التنوين في زمان للتفخيم أي يأتي عليها زمان شديد فظيع و الظاهر أن القرية المشار إليها هي الأبلة السابقة ذكرها و تدهمكم أي تفجأكم و تغشاكم و المرابطة الإرصاد لحفظ الثغر و القصم كسر الشي‏ء و إبانته و الاستئصال قلع الشي‏ء و إزالته من أصله و جدد الأرض بالتحريك الأرض الصلبة المستوية و لا يبعد أن يكون المراد هنا وجهها و المراد بالفوج الأول إما أصحاب الجمل أو الأعم منهم و من الخلفاء و أتباعهم

200-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ جماعة عن أبي المفضل عن محمد بن الحسين بن حفص عن عباد بن يعقوب عن علي بن هاشم بن البريد عن أبيه عن عبد الله بن مخارق عن هاشم بن مساحق عن أبيه أنه شهد يوم الجمل و أن الناس لما انهزموا اجتمع هو و نفر من قريش فيهم مروان فقال بعضهم لبعض و الله لقد ظلمنا هذا الرجل و نكثنا بيعته على غير حدث كان منه ثم لقد ظهر علينا فما رأينا رجلا قط كان أكرم سيرة و لا أحسن عفوا بعد رسول الله ص منه فتعالوا فلندخل عليه و لنعتذر مما صنعنا قال فدخلنا عليه فلما ذهب متكلمنا يتكلم قال أنصتوا أكفكم إنما أنا رجل منكم فإن قلت حقا فصدقوني و إن قلت غير ذلك فردوه علي ثم قال أنشدكم بالله أ تعلمون أن رسول الله ص قبض و أنا أولى الناس برسول الله و بالناس قالوا اللهم نعم قال فبايعتم أبا بكر و عدلتم عني فبايعت أبا بكر كما بايعتموه و كرهت أن أشق عصا المسلمين و أن أفرق بين جماعتهم ثم إن أبا بكر جعلها لعمر من بعده و أنتم تعلمون أني أولى الناس برسول الله ص و بالناس من بعده فبايعت عمر كما بايعتموه فوفيت له ببيعته و أردنه على الماء حتى لما قتل جعلني سادس ستة فدخلت فيما أدخلني و كرهت أن أفرق جماعة المسلمين و أشق عصاهم فبايعتم عثمان فبايعته ثم طعنتم على عثمان فقتلتموه و أنا جالس في بيتي ثم أتيتموني غير داع لكم و لا مستكره لأحد منكم فبايعتموني كما بايعتم أبا بكر و عمر و عثمان فما جعلكم أحق أن تفوا لأبي بكر و عمر و عثمان ببيعتهم منكم ببيعتي قالوا يا أمير المؤمنين كن كما قال العبد الصالح لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فقال علي ع كذلك أقول يغفر الله لكم و هو أرحم الراحمين مع أن فيكم رجلا لو بايعني بيده لنكث باسته يعني مروان