باب 8- باب حكم من حارب عليا أمير المؤمنين صلوات الله عليه

289-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ الحسين بن أحمد البيهقي عن محمد بن يحيى الصولي عن عون بن محمد عن سهل بن القاسم قال سمع الرضا ع بعض أصحابه يقول لعن الله من حارب أمير المؤمنين ع فقال له قل إلا من تاب و أصلح ثم قال له ذنب من تخلف عنه و لم يتب أعظم من ذنب من قاتله ثم تاب

290-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ المفيد عن علي بن بلال عن محمد بن الحسين بن حميد اللحمي عن سليمان بن الربيع عن نصر بن مزاحم قال علي بن بلال و حدثني علي بن عبد الله بن أسد الأصفهاني عن الثقفي عن محمد بن علي عن نصر بن مزاحم عن يحيى بن يعلى الأسلمي عن علي بن الحزور عن الأصبغ بن نباتة قال جاء رجل إلى علي بن أبي طالب فقال يا أمير المؤمنين هؤلاء القوم الذين نقاتلهم الدعوة واحدة و الرسول واحد و الصلاة واحدة و الحج واحد فبم نسميهم قال بما سماهم الله تعالى في كتابه فقال ما كل ما في كتاب الله أعلمه فقال أ ما سمعت الله تعالى يقول في كتابه تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَ لكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَ مِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ فلما وقع الاختلاف كنا نحن أولى بالله عز و جل و بدينه و بالنبي ص و بالكتاب و بالحق فنحن الذين آمنوا و هم الذين كفروا و شاء الله منا قتالهم فقاتلناهم بمشيته و إرادته

291-  جا، ]المجالس للمفيد[ علي بن بلال مثله

 292-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ اختلفوا في محاربة علي ع فقالت الزيدية و من المعتزلة النظام و بشر بن المعتمر و من المرجئة أبو حنيفة و أبو يوسف و بشر المريسي و من قال بقولهم إنه كان مصيبا في حروبه بعد النبي ص و إن من قاتله ع كان على خطإ و قال أبو بكر الباقلاني و ابن إدريس من نازع عليا ع في خلافته فهو باغ و في تلخيص الشافي أنه قالت الإمامية من حارب أمير المؤمنين كان كافرا يدل عليه إجماع الفرقة و إن من حاربه كان منكرا لإمامته و دافعا لها و دفع الإمامة كفر كما أن دفع النبوة كفر لأن الجهل بهما على حد واحد

 و قوله ع من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية

و ميتة الجاهلية لا تكون إلا على كفر. و قوله اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و لا تجب عداوة أحد بالإطلاق دون الفساق. و من حاربه كان يستحل دمه و يتقرب إلى الله بذلك و استحلال دم المؤمن كفر بالإجماع و هو أعظم من استحلال جرعة من الخمر الذي هو كفر بالاتفاق فكيف استحلال دم الإمام

 و روى عنه المخالف و المؤالف يا علي حربك حربي و سلمك سلمي

 و معلوم أنه ع إنما أراد أن أحكام حربك تماثل أحكام حربي و لم يرد أن أحد الحربين هو الآخر لأن المعلوم خلاف ذلك و إذا كان حرب النبي كفرا وجب مثل ذلك في حربه

 و روى أبو عيسى في جامعه و السمعاني في كتابه و ابن ماجة في سننه و أحمد في المسند و الفضائل و ابن بطة في الإبانة و شيرويه في الفردوس و السدي في التفسير و القاضي المحاملي كلهم عن زيد بن أرقم و روى الثعلبي في تفسيره عن أبي هريرة و أبو الجحاف عن مسلم بن صبيح كلهم عن النبي ص أنه نظر إلى علي و فاطمة و الحسن و الحسين فقال أنا حرب لمن حاربكم و سلم لمن سالمكم

 تاريخ الطبري و أربعين ابن المؤذن قالا روى أبو هريرة عن النبي ص أنه قال لعلي و فاطمة و الحسن و الحسين أنا حرب لمن حاربكم و سلم لمن سالمكم

  ابن مسعود قال قال النبي ص له عاديت من عاداك و سالمت من سالمك

 الخركوشي في اللوامع قال قال النبي ص من قاتلني في الأولى و قاتل أهل بيتي في الثانية فأولئك شيعة الدجال

293-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ عن أبي جعفر ع أنه ذكر الذين حاربهم علي ع فقال أما إنهم أعظم جرما ممن حارب رسول الله ص قيل له و كيف ذلك يا ابن رسول الله قال أولئك كانوا أهل جاهلية و هؤلاء قرءوا القرآن و عرفوا أهل أفضل فأتوا ما أتوا بعد البصرة

294-  فر، ]تفسير فرات بن إبراهيم[ الحسن بن علي بن بزيع معنعنا عن أبي جعفر ع قال قال أمير المؤمنين ع يا معشر المسلمين فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ ثم قال هؤلاء القوم هم و رب الكعبة يعني أهل صفين و البصرة و الخوارج

295-  فر، ]تفسير فرات بن إبراهيم[ الحسين بن سعيد معنعنا عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال تلا رسول الله ص هذه الآية لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ ثم قال أصحاب الجنة من أطاعني و سلم لعلي الولاية بعدي و أصحاب النار من نقض البيعة و العهد و قاتل عليا بعدي ألا إن عليا بضعة مني فمن حاربه فقد حاربني ثم دعا عليا فقال يا علي حربك حربي و سلمك سلمي و أنت العلم فيما بيني و بين أمتي

296-  كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن ابن عيسى عن محمد بن خالد و الحسين بن سعيد معا عن النضر عن يحيى الحلبي عن ابن مسكان عن ضريس قال تمارى الناس عند أبي جعفر ع فقال بعضهم حرب علي شر من حرب رسول الله ص و قال بعضهم حرب رسول الله ص شر من حرب علي ع

 قال فسمعهم أبو جعفر ع فقال ما تقولون فقالوا أصلحك الله تمارينا في حرب رسول الله ص و في حرب علي ع فقال بعضنا حرب علي شر من حرب رسول الله ص و قال بعضنا حرب رسول الله ص شر من حرب علي ع فقال أبو جعفر ع لا بل حرب علي أشر من حرب رسول الله ص فقلت جعلت فداك أ حرب علي شر من حرب رسول الله قال نعم و سأخبرك عن ذلك إن حرب رسول الله ص لم يقروا بالإسلام و إن حرب علي ع أقروا بالإسلام ثم جحدوه

297-  ب، ]قرب الإسناد[ ابن طريف عن ابن علوان عن جعفر عن أبيه أن عليا ع كان يقول لأهل حربه إنا لم نقاتلهم على التكفير لهم و لم نقاتلهم على التكفير لنا و لكنا رأينا أنا على حق و رأوا أنهم على حق

298-  ب، ]قرب الإسناد[ بالإسناد قال إن عليا لم يكن ينسب أحدا من أهل حربه إلى الشرك و لا إلى النفاق و لكنه كان يقول هم إخواننا بغوا علينا

 299-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ المفيد عن أبي عبد الله المرزباني قال وجدت بخط محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني الحمدوني الشاعر قال سمعت الرياشي ينشد للسيد بن محمد الحميري

أن امرأ خصمه أبو حسن لعازب الرأي داحض الحجج‏لا يقبل الله منه معذرة و لا يلقنه حجة الفلج

300-  كا، ]الكافي[ بإسناده عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر ع قال إن الله عز و جل نصب عليا ع علما بينه و بين خلقه فمن عرفه كان مؤمنا و من أنكره كان كافرا و من جهله كان ضالا و من نصب معه شيئا كان مشركا و من جاء بولايته دخل الجنة

301-  و عن أبي حمزة قال سمعت أبا جعفر ع يقول إن عليا ع باب فتحه الله فمن دخله كان مؤمنا و من خرج منه كان كافرا و من لم يدخل فيه و لم يخرج منه كان في الطبقة الذين قال الله تبارك و تعالى لي فيهم المشية

302-  و عن أبي سلمة عن أبي عبد الله ع قال سمعته يقول نحن الذين فرض الله طاعتنا لا يسع الناس إلا معرفتنا و لا يعذر الناس بجهالتنا من عرفنا كان مؤمنا و من أنكرنا كان كافرا و من لم يعرفنا و لم ينكرنا كان ضالا حتى يرجع إلى الهدى الذي افترض الله عليه من طاعتنا الواجبة فإن يمت على ضلالته يفعل الله به ما يشاء

303-  و عن محمد بن الفضيل عن أبي جعفر ع قال حبنا إيمان و بغضنا كفر

304-  و قال ابن أبي الحديد في شرح النهج روى نصر بن مزاحم عن أبي عبد الرحمن المسعودي عن يوسف بن الأرقم عن عوف بن عبد الله عن عمرو بن هند عن أبيه قال لما نظر علي ع إلى أصحاب معاوية و أهل الشام قال و الذي فلق الحبة و برأ النسمة ما أسلموا و لكن استسلموا و أسروا الكفر فلما وجدوا عليه أعوانا رجعوا إلى عداوتهم لنا إلا أنهم لم يتركوا الصلاة

305-  و عن عبد العزيز بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت قال لما كان قتال صفين قال رجل لعمار يا أبا اليقظان أ لم يقل رسول الله ص قاتلوا الناس حتى يسلموا فإذا أسلموا عصموا مني دماءهم و أموالهم قال بلى و لكن و الله ما أسلموا و لكن استسلموا و أسروا الكفر حتى وجدوا عليه أعوانا

  -306  و عن حبيب عن منذر الثوري قال قال محمد بن الحنفية لما أتاهم رسول الله ص من أعلى الوادي و من أسفله و ملأ الأودية كتائب يعني يوم فتح مكة استسلموا حتى وجدوا أعوانا

307-  كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي بإسناده عن أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله ص من فارقني فقد فارق الله و من فارق عليا فقد فارقني

308-  الكافية في إبطال توبة الخاطئة، عن صالح بن أبي الأسود عن كثير النواء قال سألت أبا جعفر عن محاربي أمير المؤمنين صلوات الله عليه أ قتلهم و هم مؤمنون قال إذا كان يكون و الله أضل من بغلي هذا

309-  و عن محمد بن يحيى عن أبي الجارود عن جعفر بن محمد عن أبيه ع قال الشاك في حرب علي ع كالشاك في حرب رسول الله ص

 310-  و عن صالح بن أبي الأسود عن أخيه أسيد بن أبي الأسود قال سألت عبد الله بن الحسن عن محاربي أمير المؤمنين صلوات الله عليه فقال ضلال فقلت ضلال مؤمنون قال لا و لا كرامة إنما هذا قول المرجئة الخبيثة

311-  و عن يوسف بن كليب المسعودي قال حدثنا أبو مالك عن عبد الله بن عطاء عن أبي جعفر محمد بن علي ع قال قال علي صلوات الله عليه لعن أهل الجمل فقال رجل يا أمير المؤمنين إلا من كان منهم مؤمنا فقال ع ويلك ما كان فيهم مؤمن ثم قال أبو جعفر لو أن عليا قتل مؤمنا واحدا لكان شرا عندي من حماري هذا و أومى بيده إلى حمار بين يديه

312-  و عن زياد بن المنذر عن عطية عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال الشاك في حرب علي كالشاك في حرب رسول الله ص

313-  و عن يونس بن أرقم عن الحسين بن دينار عن الحسن البصري قال حدثني من سمع طلحة يوم الجمل حيث أصابه السهم و رأى الناس قد انهزموا أقبل على رجل فقال ما أرانا بقية يومنا إلا كفارا

314-  و عن إبراهيم بن عمر قال حدثني أبي عن بكر بن عيسى قال قال الزبير يوم الجمل لمولى له ما أرانا بقية يومنا إلا كفارا

315-  و عن مصعب بن سلام عن موسى بن مطير عن أبيه عن أم حكيم بنت عبد الرحمن بن أبي بكر قال لما نزل بعائشة الموت قلت لها يا أمتاه ندفنك في البيت مع رسول الله ص و قد كان فيه موضع قبر تدخره لنفسها قالت لا أ لا تعلمون حيث سرت ادفنوني مع صواحبي فلست خيرهن

316-  و عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن عائشة أنها قالت ادفنوني مع أزواج النبي ص فإني قد أحدثت بعده حدثا

 تذييل اعلم أنه اختلف في أحكام البغاة في مقامين الأول في كفرهم فذهب أصحابنا إلى كفرهم قال المحقق الطوسي رحمه الله في التجريد محاربو علي كفرة و مخالفوه فسقة. أقول و لعل مراده أن مخالفيه في الحرب و الذين لم ينصروه فسقة كما يومي إليه بعض كلماته فيما بعد. و ذهب الشافعي إلى أن الباغي ليس باسم ذم بل هو اسم من اجتهد فأخطأ بمنزلة من خالف الفقهاء في بعض المسائل و قال شارح المقاصد و المخالفون لعلي ع بغاة لخروجهم على إمام الحق بشبهة من ترك القصاص من قتلة عثمان. و لقوله ص لعمار تقتلك الفئة الباغية و قد قتل يوم صفين على يد أهل الشام. و لقول علي ع إخواننا بغوا علينا. و ليسوا كفارا و لا فسقة و ظلمة لما لهم من التأويل و إن كان باطلا فغاية الأمر أنهم أخطئوا في الاجتهاد و ذلك لا يوجب التفسيق فضلا عن التكفير. و ذهبت المعتزلة إلى أنه اسم ذم و يسمونهم فساقا. أقول و الدلائل على ما ذهب إليه أصحابنا أكثر من أن تحصى و قد مضت الأخبار الدالة عليه و سيأتي في أبواب حب أمير المؤمنين ع و بغضه و أبواب مناقبه و إيرادها هنا يوجب التكرار فبعضها صريح في كفر مبغض أهل البيت ع و لا ريب في أن الباغي مبغض. و بعضها يدل على كفر من أنكر إمامة أمير المؤمنين ع و أبغضه. و بعضها يدل على أن الجاحد له ع من أهل النار و لو عبد الله منذ خلق السماوات و الأرضين في أشرف الأماكن و ظاهر أن المؤمن مع تلك العبادة لا يكون من أهل النار. و بعضها يدل على كفر من لم يعرف إمام زمانه و ذلك مما اتفقت عليه كلمة الفريقين و البغي لا يجامع في الغالب معرفة الإمام و لو فرض باغ على الإمام لأمر دنيوي من غير بغض له و لا إنكار لإمامته فهو كافر أيضا لعدم القائل بالفرق. ثم إن الظاهر أن قوله تعالى وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِي‏ءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَ أَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ لا يتعلق بقتال البغاة بالمعنى المعروف لما عرفت من كفرهم و إطلاق المؤمن عليهم باعتبار ما كانوا عليه بعيد. و ظاهر الآية الآتية و هي قوله تعالى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ بقاء المذكورين في الآية السابقة على الإيمان و لعله السر في خلو أكثر الأخبار عن الاحتجاج بهذه الآية في هذا المقام فتكون الآية مسوقة لبيان حكم طائفتين من المؤمنين تعدى و بغت إحداهما على الأخرى لأمر دنيوي أو غيرهما مما لا يؤدي إلى الكفر. المقام الثاني فيما اغتنمه المسلمون من أموال البغاة فذهب بعض الأصحاب إلى أنه لا يقسم أموالهم مطلقا. و ذهب بعضهم إلى قسمة ما حواه العسكر دون غيره من أموالهم و تمسك الفريقان بسيرته ع في أهل البصرة. قال الأولون لو جاز الاغتنام لم يرد ع عليهم أموالهم و قد روي أنه ع نادى من وجد ماله فله أخذه فكان الرجل منهم يمر بمسلم يطبخ في قدره فيسأله أن يصبر حتى ينضج فلا يصبر فيكفأها و يأخذها و إنه كان يعطي من القوم من له بينة و من لم يكن له بينة فيحلفه و يعطيه. و قال الآخرون لو لا جوازه لما قسم ع أموالهم أولا بين المقاتلة و قد كان ردها عليهم بعد ذلك على سبيل المن لا الاستحقاق كما من النبي ص على كثير من المشركين و قد رووا عنه ع أنه قال مننت على أهل البصرة كما من النبي ص على أهل مكة و لذا ذهب بعض أصحابنا إلى جواز استرقاقهم كما جاز للرسول ص في أهل مكة و المشهور بين علمائنا عدمه. و الذي نفهم من الأخبار أنهم واقعا في حكم المشركين و غنائمهم و سبيهم في حكم غنائم المشركين و سبيهم و القائم ع يجري تلك الأحكام عليهم و لما علم أمير المؤمنين ع استيلاء المخالفين على شيعته لم يجر هذه الأحكام عليهم لئلا يجروها على شيعته و كذا الحكم بطهارتهم و جواز مناكحتهم و حل ذبيحتهم لاضطرار معاشرة الشيعة معهم في دولة المخالفين

317-  و يدل عليه ما رواه الكليني بإسناده عن أبي بكر الحضرمي قال سمعت أبا عبد الله ع يقول لسيرة علي ع يوم البصرة كانت خيرا لشيعته مما طلعت عليه الشمس أنه علم أن للقوم دولة فلو سباهم لسبيت شيعته قلت فأخبرني عن القائم ع أ يسير بسيرته قال لا إن عليا ع سار فيهم بالمن للعلم من دولتهم و إن القائم ع يسير فيهم بخلاف تلك السيرة لأنه لا دولة لهم

 و أما ما لم يحوها العسكر من أموالهم فنقلوا الإجماع على عدم جواز تملكها و كذلك ما حواه العسكر إذا رجعوا إلى طاعة الإمام و إنما الخلاف فيها حواه العسكر مع إصرارهم. و أما مدبرهم و جريحهم و أسيرهم فذو الفئة منهم يتبع و يجهز عليه و يقتل بخلاف غيره. و قد مضت الأخبار في ذلك و سيأتي في باب سيره ع في حروبه. تكملة قال الشيخ قدس الله روحه في تلخيص الشافي عندنا أن من حارب أمير المؤمنين ع و ضرب وجهه و وجه أصحابه بالسيف كافر و الدليل المعتمد في ذلك إجماع الفرقة المحقة الإمامية على ذلك فإنهم لا يختلفون في هذه المسألة على حال من الأحوال و قد دللنا على أن إجماعهم حجة فيها تقدم. و أيضا فنحن نعلم أن من حاربه كان منكرا لإمامته و دافعا لها و دفع الإمامة كفر كما أن دفع النبوة كفر لأن الجهل بهما على حد واحد

 و قد روي عن النبي ص أنه قال من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية

و ميتة الجاهلية لا تكون إلا على كفر

 و أيضا روي عنه ص أنه قال حربك يا علي حربي و سلمك يا علي سلمي

و معلوم أنه إنما أراد أحكام حربك تماثل أحكام حربي و لم يرد أن أحد الحربين هي الأخرى لأن المعلوم ضرورة خلاف ذلك فإن كان حرب النبي ص كفرا وجب مثل ذلك في حرب أمير المؤمنين ع لأنه جعله مثل حربه. و يدل على ذلك أيضا قوله ص اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و نحن نعلم أنه لا يجب عداوة أحد بالإطلاق إلا عداوة الكفار. و أيضا فنحن نعلم أن من كان يقاتله يستحل دمه و يتقرب إلى الله بذلك و استحلال دم امرئ مسلم مؤمن كفر بالإجماع و هو أعظم من استحلال جرعة من الخمر الذي هو كفر بالاتفاق. فإن قيل لو كانوا كفارا لوجب أن يسير فيهم بسيرة الكفار فيتبع موليهم و يجهز على جريحهم و يسبي ذراريهم فلما لم يفعل ذلك دل على أنهم لم يكونوا كفارا. قلنا لا يجب بالتساوي في الكفر التساوي في جميع أحكامه لأن أحكام الكفر مختلفة فحكم الحربي خلاف حكم الذمي و حكم أهل الكتاب خلاف حكم من لا كتاب له من عباد الأصنام فإن أهل الكتاب يؤخذ منهم الجزية و يقرون على أديانهم و لا يفعل ذلك بعباد الأصنام. و عند من خالفنا من الفقهاء يجوز التزوج بأهل الذمة و إن لم يجز ذلك في غيرهم و حكم المرتد بخلاف حكم الجميع. و إذا كان أحكام الكفر مختلفة مع الاتفاق في كونه كفرا لا يمتنع أن يكون من حاربه ع كافرا و إن سار فيهم بخلاف أحكام الكفار. و أما المعتزلة و كثير من المنصفين من غيرهم فيقولون بفسق من حاربه ع و نكث بيعته و مرق عن طاعته و لكنهم إنما يدعون أنهم تابوا بعد ذلك و يرجعون في ادعاء توبتهم إلى أمور غير مقطوع بها و لا معلومة من أخبار الآحاد. و المعصية منهم معلومة مقطوع عليها و ليس يجوز الرجوع عن المعلوم إلا بمعلوم مثله

318-  و قد روى الواقدي بإسناده أن أمير المؤمنين ع لما فتح البصرة كتب إلى أهل الكوفة بالفتح بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى أهل الكوفة سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإن الله حكم عدل لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَ إِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ و إني أخبركم عنا و عمن سرنا إليه من جموع أهل البصرة و من تأشب إليهم من قريش و غيرهم مع طلحة و الزبير و نكثهم صفقة أيمانهم و تنكبهم عن الحق فنهضت من المدينة حين انتهى إلي خبرهم حين ساروا إليها في جماعتهم و ما صنعوا بعاملي عثمان بن حنيف حتى قدمت ذا قار فبعثت الحسن بن علي و عمار بن ياسر و قيس بن سعد فاستنفرتكم بحق الله و حق رسوله فأقبل إلي إخوانكم سراعا حتى قدموا علي فسرت بهم حتى نزلت ظهر البصرة فأعذرت بالدعاء و قدمت بالحجة و أقلت العثرة و الزلة و استتبتهم من نكثهم بيعتي و عهد الله عليهم فأبوا إلا قتالي و قتال من معي و التمادي في الغي فناهضتهم بالجهاد في سبيل الله فقتل الله من قتل منهم ناكثا و ولى من ولى إلى مصرهم فسألوني ما دعوتهم إليه قبل القتال فقبلت منهم و أغمدت السيف عنهم و أخذت بالعفو عنهم و أجريت الحق و السنة بينهم و استعملت عبد الله بن عباس على البصرة و أنا سائر إلى الكوفة إن شاء الله تعالى و قد بعثت إليكم زحر بن قيس الجعفي لتسألوه و ليخبركم عني و عنهم و ردهم الحق علينا فردهم الله و هم كارهون و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته و كتب عبيد الله بن أبي رافع في جمادى سنة ست و ثلاثين

 فكيف يكون طلحة و الزبير تائبين و قد صرح أمير المؤمنين ع بأنهما تماديا في الغي حتى قتلا ناكثين. و قد روى أبو مخنف لوط بن يحيى هذا الكتاب بخلاف هذه الألفاظ

319-  و روي في جملته بعد حمد الله و الثناء عليه و ذكر بغي القوم و نكثهم و حاكمناهم إلى الله فأدالنا عليهم فقتل طلحة و الزبير و قد تقدمت إليهما بالمعذرة و أبلغت إليهما في النصيحة و استشهدت عليهما صلحاء الأمة فما أطاعا المرشدين و لا أجابا الناصحين و لاذ أهل البغي بعائشة فقتل حولها عالم جم و ضرب الله وجه بقيتهم فأدبروا فما كانت ناقة الحجر بأشأم عليهم منها على أهل ذلك المصر مع ما جاءت من الحوب الكبير في معصية ربها و نبيها و اغترارها في تفريق المسلمين و سفك دماء المسلمين بلا بينة و لا معذرة و لا حجة ظاهرة فلما هزمهم الله أمرت أن لا يتبع مدبر و لا يجهز على جريح و لا تكشف عورة و لا يهتك ستر و لا يدخل دار إلا بإذن و آمنت الناس و قد استشهد منا رجال صالحون ضاعف الله حسناتهم و رفع درجاتهم و أثابهم ثواب الصادقين الصالحين الصابرين

 و ليتعمق المنصفون في هذا البيان ليتجلى لهم أنه ليست هذه أوصاف من تاب و قبض على الطهارة و الإنابة. و في تفريقه ع في الخبر بين قتلاه و قتلاهم و وصف من قتل من عسكره بالشهادة دون من قتل منهم ثم في دعائه لقتلى عسكره دون طلحة و الزبير دلالة على ما قلناه و لو كانا مضيا تائبين لكانا أحق الناس بالوصف بالشهادة و الترحم و الدعاء. و أيضا قد روى الواقدي أيضا كتاب أمير المؤمنين ع إلى أهل المدينة و هو أيضا يتضمن مثل معاني كتابه إلى أهل الكوفة و قريبا من ألفاظه و وصفهم بأنهم قتلوا على النكث و البغي و لو لا الإطالة لذكرناه بعينه

320-  و أيضا روى الواقدي أن ابن جرموز لما قتل الزبير نزل فاجتز رأسه و أخذ سيفه ثم أقبل حتى وقف على باب أمير المؤمنين ع و قال أنا رسول الأحنف فتلا عليه هذه الآية الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فقال هذا رأس الزبير و سيفه و أنا قاتله فتناول أمير المؤمنين ع سيفه و قال طال ما جلا به الكرب عن وجه رسول الله ص و لكن الحين و مصارع السوء

 و لو كان تائبا ما كان مصرعه مصرع سوء لا سيما و قد قتله غادرا به و هذه شهادة لو كان تائبا مقلعا عما كان عليه

321-  و قد روى الشعبي عن أمير المؤمنين ع أنه قال ألا إن أئمة الكفر في الإسلام خمسة طلحة و الزبير و معاوية و عمرو بن العاص و أبو موسى الأشعري و أيضا قد روي مثل ذلك عن عبد الله بن مسعود

322-  و قد روى نوح بن دراج عن محمد بن مسلم عن حبة العرني قال سمعت عليا ع حين برز أهل الجمل و هو يقول و الله لقد علمت صاحبة الهودج أن أهل الجمل ملعونون على لسان النبي الأمي ص وَ قَدْ خابَ مَنِ افْتَرى

 و قد روي هذا المعنى بهذا اللفظ أو بقريب منه من طرق مختلفة

323-  و قد روى البلاذري في تاريخه بإسناده عن جويرية بن أسماء أنه قال بلغني أن الزبير حين ولى و لم يكن بسط يده بسيف اعترضه عمار بن ياسر بالرمح و قال أين يا أبا عبد الله و الله ما كنت بجبان و لكني أحسبك شككت قال هو ذاك و مضى حتى نزل بوادي السباع فقتله ابن جرموز

 و اعترافه بالشك يدل على خلاف التوبة لأنه لو كان تائبا لقال له في الجواب ما شككت بل تحققت أنك و صاحبك على الحق و أنا على الباطل و قد ندمت على ما كان مني و أي توبة لشاك غير متحقق. فهذه الأخبار و ما شاكلها تعارض أخبارهم لو كان لها ظاهر يشهد بالتوبة و إذا تعارضت الأخبار في التوبة و الإصرار سقط الجميع و تمسكنا بما كنا عليه من أحكام فسقهم و عظيم ذنبهم. و ليس لهم أن يقولوا إن كل ما رويتموه من طريق الآحاد و ذلك أن جميع أخبارهم بهذه المثابة و كثير مما رويناه أظهر مما رووه و أفشى فإن كان من طريق الآحاد فالأمران سيان. و أما توبة طلحة فالأمر فيها أضيق على المخالف من الكلام في توبة الزبير لأن طلحة قتل بين الصفين و هو مباشر للحرب مجتهد فيها و لم يرجع عنها حتى أصابه السهم فأتى على نفسه. و ادعاء توبة مثل هذا مكابرة. فإن قيل أ ليس قد روي أن أمير المؤمنين لما جاءه ابن جرموز برأس الزبير قال بشر قاتل ابن صفية بالنار فلو لم يكن تائبا لما استحق النار بقتله. قيل لهم إن ابن جرموز غدر بالزبير و قتله بعد أن أعطاه الأمان و كان قتله على وجه الغيلة و المكر و هذه منه معصية لا شبهة فيها و قد تظاهر الخبر بما ذكرناه حتى روي أن عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل و كانت تحت عبد الله بن أبي بكر فخلف عليها عمر ثم الزبير قالت في ذلك

غدر ابن جرموز بفارس بهمة. يوم اللقاء و كان غير معرد.يا عمرو لو نبهته لوجدته. لا طائشا رعش اللسان و لا اليد.

 فإنما استحق ابن جرموز النار بقتله إياه غدرا لا لأن المقتول في الجنة. و هذا الجواب يتضمن الكلام على قولهم إن بشارته بالنار مع الإضافة إلى قتل الزبير يدل على أنه إنما استحق النار بقتله لأنا قد بينا في الحوأب أنه من حيث قتله غدرا استحق النار. و قد قيل في هذا الخبر إن ابن جرموز كان من جملة الخوارج الخارجين على أمير المؤمنين ع في النهروان و إن النبي ص قد كان أخبره بحالهم و دله على جماعة منهم بأعيانهم و أوصافهم فلما جاءه برأس الزبير أشفق أمير المؤمنين من أن يظن به لعظيم ما فعله الخير و يقطع له على سلامة العاقبة و يكون قتله الزبير شبهة فيما يصير إليه من الخارجية قطع عليه بالنار لتزول الشبهة في أمره و ليعلم أن هذا الفعل الذي فعله لا يساوي شيئا مع ما يرتكبه في المستقبل. و جرى ذلك مجرى شهادة النبي ص رجل من الأنصار يقال له قزمان أبلي في يوم أحد بلاء شديدا و قتل بيده جماعة فبشره النبي ص بالنار فعجب من ذلك السامعون حتى كشفوا عن أمره فوجدوا أنه لما حمل جريحا إلى منزله و وجد ألم الجراح قتل نفسه بمشقص. و إنما شهد النبي ص بالنار عليه عقيب بلائه للوجه الذي ذكرناه. و الذي يدل على أن بشارته بالنار لم تكن لكون الزبير تائبا مقلعا بل لبعض ما ذكرناه هو أنه لو كان الأمر كما ادعوه لأقاده أمير المؤمنين ع به و لما طل دمه و في عدوله ع من ذلك دلالة على ما ذكرناه. فأما طلحة فقد بينا أنه تضيق إقامة العذر له لأنه قتل في المعركة في حال التوبة فيها بعيدة و ظاهر الحال الإصرار. و ليس لأحد أن يقول إنه روي عنه أنه قال بعد ما أصابه السهم

ندمت ندامة الكسعي لما رأت عيناه ما صنعت يداه.

 لأن هذا بعيد من الصواب و البيت المروي بأن يدل على خلاف التوبة أولى لأنه جعل ندامته مثل ندامة الكسعي و خبر الكسعي معروف لأنه ندم بحيث لا ينفعه الندم و حيث فاته الأمر و خرج عن يده و لو كان ندم طلحة واقعا على وجه التوبة الصحيحة لم يكن مثل ندامة الكسعي بل كان شبيها لندامة من تلافى ما فرط فيه على وجه ينتفع به

324-  و روى حسين الأشقر عن يوسف البزاز عن جابر عن أبي جعفر ع قال مر أمير المؤمنين بطلحة و هو صريع فقال أقعدوه فأقعدوه فقال لقد كانت لك سابقة لكن دخل الشيطان في منخريك فأدخلك النار

 ثم روي عن معاوية بن هشام عن صباح المزني عن الحارث بن حصيرة عن إبراهيم مولى قريش أن عليا ع مر بطلحة قتيلا يوم الجمل

 و ساق الحديث في التكلم معه و مع كعب بن سور مثل ما مر. ثم قال رحمه الله بعد إيراد أسئلة و أجوبة تركناها حذرا من الإطناب فإن قيل قول النبي ص عشرة من أصحابي في الجنة يدل على أنهما تابا لأنهما من جملتهم بلا شك. قيل لهم قد بينا فيما تقدم الكلام على بطلان هذا الخبر حيث تعلقوا به في فضائل أبي بكر و قلنا إنه لا يجوز أن يعلم الله مكلفا ليس بمعصوم من الذنوب بأن عاقبته الجنة لأن ذلك يغريه بالقبيح و ليس يمكن أحدا ادعاء عصمة التسعة و لو لم يكن إلا ما وقع من طلحة و الزبير من الكبيرة لكفى. و قد ذكرنا أن هذا الخبر لو كان صحيحا لاحتج به أبو بكر لنفسه و احتج له به في يوم السقيفة و غيرها و كذلك عمر و عثمان. و مما يبين أيضا بطلانه إمساك طلحة و الزبير عن الاحتجاج به لما دعوا الناس إلى نصرتهما و استنفارهم إلى الحرب معهما و أي فضيلة أعظم و أفخم من الشهادة لهما بالجنة و كيف يعدلان مع العلم و الحاجة عن ذكره إلا لأنه باطل. و يمكن أن يسلم مسلم هذا الخبر و يحمله على الاستحقاق في الحال لا العاقبة فكأنه أراد أنهم يدخلون الجنة إن وافوا بما هم عليه الآن و يكون الفائدة في الخبر إعلامنا بأنهم يستحقون الثواب في الحال. و أما الكلام في توبة عائشة فما بيناه من الطرق الثلاث في توبة طلحة و الزبير هي معتمدة فيما يدعونه من توبة عائشة. أولها أن جميع ما يروونه من الأخبار لا يمكن ادعاء العلم فيها و لا القطع على صحتها و أحسن الأحوال فيها أن يوجب الظن و قد بينا أن المعلوم لا يرجع عنه بالمظنون. و الثاني أنها معارضة بأخبار تزيد على ما رووه في القوة أو تساويه

 فمن ذلك ما رواه الواقدي بإسناده عن شعبة عن ابن عباس قال أرسلني علي ع إلى عائشة بعد الهزيمة و هي في دار الخزاعيين فأمرها أن ترجع إلى بلادها.

 و ساق الحديث نحوا مما مر برواية الكشي إلى قوله فبكت مرة أخرى أشد من بكائها الأول ثم قالت و الله لئن لم يغفر الله لنا لنهلكن. ثم ساق الحديث إلى آخره ثم قال فإن قيل ففي هذا الخبر دليل على التوبة و هي قولها عقيب بكائها لئن لم يغفر الله لنا لنهلكن. قلنا قد كشف الأمر ما عقبت هذا الكلام به من اعترافها ببغض أمير المؤمنين ع و بغض أصحابه المؤمنين و قد أوجب الله عليها محبتهم و تعظيمهم و هذا دليل على الإصرار و أن بكائها إنما كان للخيبة لا للتوبة و ما كان في قولها لئن لم يغفر الله لنا لنهلكن من دليل التوبة و قد يقول المصر مثل ذلك إذا كان عارفا بخطائه فيما ارتكبه و ليس كل من ارتكب ذنبا يعتقد أنه حسن حتى لا يكون خائفا من العقاب عليه و أكثر مرتكبي الذنوب يخافون العقاب مع الإصرار و يظهر منهم مثل ما حكي عن عائشة و لا يكون توبة.

 و روى الواقدي بإسناده أن عمارا رحمة الله عليه استأذن على عائشة بالبصرة بعد الفتح فأذنت له فدخل فقال يا أمة كيف رأيت صنع الله حين جمع بين الحق و الباطل أ لم يظهر الله الحق على الباطل و يزهق الباطل فقالت إن الحروب دول و سجال و قد أديل على رسول الله ص و لكن انظر يا عمار كيف تكون في عاقبة أمرك

 و روى الطبري في تاريخه أنه لما انتهى إلى عائشة قتل أمير المؤمنين ع قالت

فألقت عصاها و استقرت بها النوى كما قر عينا بالإياب المسافر

 فمن قتله فقيل رجل من مراد فقالت

فإن يك نائيا فلقد نعاه نعي ليس في فيه التراب

فقالت زينب بنت أبي سلمة أ لعلي تقولين هذا فقالت إني أنسى فإذا نسيت فذكروني

 و هذه سخرية منها بزينب و تمويه خوفا من شناعتها و معلوم أن الناسي و الساهي لا يتمثل بالشعر في الأغراض المطابقة و لم يكن ذلك منها إلا عن قصد و معرفة

325-  و روي عن ابن عباس أنه لأمير المؤمنين ع لما أبت عائشة الرجوع إلى المدينة أرى أن تدعها يا أمير المؤمنين بالبصرة و لا ترحلها فقال له أمير المؤمنين ع إنها لا تألوا شرا و لكني أردها إلى بيتها الذي تركها فيه رسول الله ص فإن الله بالغ أمره

 326-  و روى محمد بن إسحاق عن جنادة أن عائشة لما وصلت إلى المدينة راجعة من البصرة لم تزل تحرض الناس على أمير المؤمنين ع و كتبت إلى معاوية و أهل الشام مع الأسود بن أبي البختري تحرضهم عليه صلوات الله عليه

 و روي عن مسروق أنه قال دخلت على عائشة فجلست إليها فحدثتني و استدعت غلاما لها أسود يقال لها عبد الرحمن فجاء حتى وقف فقالت يا مسروق أ تدري لم سميته عبد الرحمن فقلت لا فقالت حبا مني لعبد الرحمن بن ملجم

 فأما قصتها في دفن الحسن ع فمشهورة حتى قال لها عبد الله بن عباس يوما على بغل و يوما على جمل فقالت أ و ما نسيتم يوم الجمل يا ابن عباس إنكم لذوو أحقاد. و لو ذهبنا إلى تقصي ما روي عنها من الكلام الغليظ الشديد الدال على بقاء العداوة و استمرار الحقد و الضغينة لأطلنا و أكثرنا. و أما ما روي عنها من التلهف و التحسر على ما صدر عنها فلا يدل على التوبة إذ يجوز أن يكون ذلك من حيث خابت عن طلبتها و لم تظفر ببغيتها مع الذل الذي لحقها و ألحقها العار في الدنيا و الإثم في الآخرة. بيان قال الجوهري عرد الرجل تعريدا فر. و قال كسع حي من اليمن و منه قولهم ندامة الكسعي و هو رجل ربي نبعة حتى أخذ منه قوسا فرمى الوحش عنها ليلا فأصابت و ظن أنه أخطأ فكسر القوس فلما أصبح رأى ما أصمى من الصيد فندم قال الشاعر ندمت ندامة الكسعي لما. رأت عيناه ما صنعت يداه