باب 1- جوامع أحوالها و نوادرها و أحوال الأشجار و ما يتعلق بها

 الآيات الأعراف وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ النحل هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَ مِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ إلى قوله تعالى وَ سَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ إلى قوله وَ ما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ طه فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى كُلُوا وَ ارْعَوْا أَنْعامَكُمْ التنزيل أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَ أَنْفُسُهُمْ أَ فَلا يُبْصِرُونَ يس وَ آيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَ أَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ إلى قوله سبحانه سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ مِمَّا لا يَعْلَمُونَ الرحمن وَ النَّجْمُ وَ الشَّجَرُ يَسْجُدانِ   عبس فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَ عِنَباً وَ قَضْباً وَ زَيْتُوناً وَ نَخْلًا وَ حَدائِقَ غُلْباً وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا مَتاعاً لَكُمْ وَ لِأَنْعامِكُمْ الأعلى الَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى. تفسير وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ قيل أي الأرض الكريمة التربة يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ أي بمشيته و تيسره عبر به عن كثرة النبات و حسنه و غزارة نفعه لأنه أوقعه على مقابله وَ الَّذِي خَبُثَ كالحرة و السبخة لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً أي قليلا عديم النفع و نصبه على الحال و تقدير الكلام و البلد الذي خبث لا يخرج نباته إلا نكدا فحذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه فصار مرفوعا مستترا كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ أي نرددها و نكررها لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ نعمة الله فيتفكرون فيها و يعتبرون بها و الآية مثل لمن تدبر الآيات و انتفع بها و لمن لم يرفع إليها رأسا و لم يتأثر بها. و قال علي بن إبراهيم هو مثل الأئمة ع يخرج علمهم بإذن ربهم و لأعدائهم لا يخرج علمهم إلا كدرا فاسدا و قال ابن شهرآشوب في المناقب قال عمرو بن العاص للحسين ع ما بال لحاكم أوفر من لحانا فقرأ ع هذه الآية. و قال سبحانه هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ أي ما تشربونه وَ مِنْهُ شَجَرٌ أي و منه تكون شجر يعني الشجر الذي ترعاه المواشي و قيل كل ما نبت على الأرض شجر فِيهِ تُسِيمُونَ من سامت الماشية و أسامها صاحبها يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ و قرأ أبو بكر بالنون على التفخيم وَ الزَّيْتُونَ وَ النَّخِيلَ وَ الْأَعْنابَ وَ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ أي و بعض كلها إذ لم ينبت في الأرض كل ما يمكن من الثمار قيل و لعل تقديم

    ما يسأم فيه على ما يؤكل منه لأنه سيصير غذاء حيوانيا هو أشرف الأغذية و من هذا تقديم الزرع و التصريح بالأجناس الثلاثة و ترتيبها. إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ على وجود الصانع و حكمته فإن من تأمل أن الحبة تقع في الأرض و تصل إليها نداوة تنفذ فيها فينشق أعلاها و يخرج منه ساق الشجرة و ينشق أسفلها فيخرج منه عروقها ثم ينمو و يخرج منه الأوراق و الأزهار و الأكمام و الثمار و يشتمل كل منها على أجسام مختلفة الأشكال و الطباع مع اتحاد المواد و نسبة الطبائع السفلية و التأثيرات الفلكية إلى الكل علم أن ذلك ليس إلا بفعل فاعل مختار مقدس عن منازعة الأضداد و الأنداد. وَ ما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ عطف على الليل أي و سخر لكم ما خلق لكم فيها من حيوانات و نباتات مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ أي أصنافه فإنها تتخالف باللون غالبا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ أن اختلافها في الطباع و الهيئات و المناظر ليس إلا بصنع صانع حكيم. و قال تعالى وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ قيل عدل من لفظ الغيبة إلى صيغة المتكلم على الحكاية لكلام الله تنبيها على ظهور ما فيه من الدلالة على كمال القدرة و الحكمة و إيذانا بأنه مطاع تنقاد الأشياء المختلفة بمشيته أَزْواجاً أي أصنافا مِنْ نَباتٍ شَتَّى أي متفرقات في الصور و الأعراض و المنافع يصلح بعضها للناس و بعضها للبهائم فلذلك قال كُلُوا وَ ارْعَوْا أَنْعامَكُمْ أي أخرجنا أصناف النبات قائلين كلوا و ارعوا أنعامكم إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى لذوي العقول الناهية عن اتباع الباطل و ارتكاب القبائح جمع نهية. و أقول هذا مما يدل على عموم الإباحة إلا ما أخرجه الدليل كما مر. وَ النَّجْمُ أي النبات الذي ينجم أي يطلع من الأرض و لا ساق له وَ الشَّجَرُ الذي له ساق يَسْجُدانِ ينقادان لله فيما يريد بهما طبعا انقياد الساجد من المكلفين طوعا    وَ الَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى أي ينبت ما يرعاه الدواب فَجَعَلَهُ بعد خضرته غُثاءً أَحْوى أي يابسا أسود و قيل أحوى حال من المرعى أي أخرجه أحوى من شدة خضرته. أقول و قد مر سائر الآيات و تفسيرها في باب جوامع ما يحل

1-  العيون و العلل، عن محمد بن عمرو بن علي عن محمد بن عبد الله بن جبلة عن عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي عن أبيه عن الرضا عن آبائه ع قال سأل الشامي أمير المؤمنين ع عن أول شجرة غرست في الأرض فقال العوسجة و منها عصا موسى ع و سأله عن أول شجرة نبتت في الأرض فقال هي الدباء و هي القرع

 بيان لا تنافي بين الأول و الثاني لأن الأول ما كان بغرس غارس و الثاني ما نبتت من غير غرس و أما ما سيأتي من أن أول الشجرة النخلة فيمكن أن تكون الأولية في إحداهما إضافية أو المراد بما سيأتي ما له ثمرة معروفة أو إحداهما ما نبت بالنواة و الأخرى ما نبت بالغصن و في المصباح العوسج فوعل من شجر الشوك له ثمر مدور و الواحدة عوسجة

2-  العلل، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن النعمان عن بريد العجلي قال قال أبو جعفر ع إنما سمي العود خلافا لأن إبليس عمل صورة سواع على خلاف صورة ود فسمي العود خلافا الخبر

 بيان إنما سمي العود أي الشجر المعهود و كأن السواع كان منحوتا منه و قال الفيروزآبادي الخلاف ككتاب و شده لحن صنف من الصفصاف و ليس به سمي خلافا لأن السيل يجي‏ء به سبيا فينبت من خلاف أصله و قال في المصباح   قال الدينوري زعموا أنه سمي خلافا لأن الماء يأتي به سبيا ينبت مخالفا لأصله و يحكى أن بعض الملوك مر بحائط فرأى شجر الخلاف فقال لوزيره ما هذا الشجر فكره الوزير أن يقول شجر الخلاف لنفور النفوس عن لفظه فسماه باسم ضده فقال شجر الوفاق فأعظمه الملك لنباهته

3-  العلل، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن القاسم بن محمد الأصبهاني عن سليمان بن داود المنقري عن سفيان بن عيينة عن أبي عبد الله ع قال لم يخلق الله عز و جل شجرة إلا و لها ثمرة تؤكل فلما قال الناس اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً أذهب نصف ثمرها فلما اتخذوا مع الله إلها شاك الشجر

4-  و منه، عن أحمد بن محمد بن عيسى العلوي عن محمد بن إبراهيم بن أسباط عن أحمد بن محمد بن زياد القطان عن أحمد بن محمد بن عبد الله عن عيسى بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن آبائه عن عمر بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب ع أن النبي ص سئل كيف صارت الأشجار بعضها مع أحمال و بعضها بغير أحمال فقال كلما سبح الله آدم تسبيحة صارت له في الدنيا شجرة مع حمل و كلما سبحت حواء تسبيحه صارت في الدنيا شجرة من غير حمل

5-  مجالس ابن الشيخ، عن أبيه عن المفيد عن جعفر بن محمد بن قولويه عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن محمد بن أحمد الأشعري عن محمد بن الحسين عن محمد بن سليمان عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر ع قال أول شجرة نبتت على وجه الأرض النخلة

6-  تفسير علي بن إبراهيم، عن أبيه عن إسحاق بن الهيثم عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين ع قال إن الشجر لم يزل خضيدا كله حتى دعي للرحمن ولد عز الرحمن و جل أن يكون له ولد فكادت السماوات أن يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا فعند ذلك اقشعر الشجر و صار له شوك   حذار أن ينزل به العذاب الخبر

 بيان في القاموس خضد الشجر قطع شوكه

7-  العياشي، عن يزيد بن عبد الملك عن أبي عبد الله ع قال إنه لن يغضب لله شي‏ء كغضب الطلح و السدر إن الطلح كانت كالأترج و السدر كالبطيخ فلما قالت اليهود يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ أنقصتا حملهما فصغر فصار له عجم و اشتد العجم فلما أن قالت النصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ أذعرتا فخرج لهما هذا الشوك و نقصتا حملهما و صار النبق إلى هذا الحمل و ذهب حمل الطلح فلا يحمل حتى يقوم قائمنا أو تقوم الساعة قال من سقى طلحة أو سدرة فكأنما سقى مؤمنا من ظماء

 بيان في القاموس الطلح شجر عظام و الطلع و الموز و قال النبق حمل السدر كالنبق بالكسر و ككتف واحدته بهاء و قال البيضاوي في قوله تعالى وَ طَلْحٍ و شجر موز أو أم غيلان و له أنوار كثيرة طيبة الرائحة و قرئ بالعين مَنْضُودٍ نضد حمله من أسفله إلى أعلاه انتهى. و قوله ع و ذهب حمل الطلح أي حمله المعهود أو مطلقا إن حملناه على شجر لا حمل له و كونه في الجنة منضود الحمل لا ينافي كونه في الدنيا غير ذي حمل قال ابن الأثير في النهاية في الحديث من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار سئل أبو داود السجستاني عن هذا الحديث فقال هو حديث مختصر و معناه من قطع سدرة في فلاة يستظل بها ابن السبيل عبثا و ظلما بغير حق يكون له فيها صوب الله رأسه في النار أي نكسه. و أقول قد مر معنى الحديث في المجلد العاشر و أنه كانت سدرة عند قبر الحسين ع و كانت علامة قبره فقطعها بعض الخلفاء ليعمي أثر قبره فالملعون قاطع تلك السدرة و هي من معجزاته ع