باب 14- ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه و لعنة الله على ظالميه و قاتليه و الراضين بقتله و المؤازرين عليه

 أقول بدأت أولا في إيراد تلك القصص الهائلة بإيراد رواية أوردها الصدوق رحمه الله ثم جمعت في إيراد تمام القصة بين رواية المفيد رحمه الله في الإرشاد و رواية السيد بن طاوس رحمه الله في كتاب الملهوف و رواية الشيخ جعفر بن محمد بن نما في كتاب مثير الأحزان و رواية أبي الفرج الأصفهاني في كتاب مقاتل الطالبيين و رواية السيد العالم محمد بن أبي طالب بن أحمد الحسيني الحائري من كتاب كبير جمعه في مقتله ع و رواية صاحب كتاب المناقب الذي ألفه بعض القدماء من الكتب المعتبرة و ذكر أسانيده إليها و مؤلفه إما من الإمامية أو من الزيدية و عندي منه نسخه قديمة مصححة و رواية المسعودي في كتاب مروج الذهب و هو من علمائنا الإمامية و رواية ابن شهرآشوب في المناقب و رواية صاحب كشف الغمة و غير ذلك مما قد نصرح باسم من ننقل عنه ثم نختم الباب بإيراد الأخبار المتفرقة

1-  لي، ]الأمالي للصدوق[ محمد بن عمر البغدادي الحافظ عن الحسن بن عثمان بن زياد التستري من كتابه عن إبراهيم بن عبيد الله بن موسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي قاضي بلخ قال حدثتني مريسة بنت موسى بن يونس بن أبي إسحاق و كانت عمتي قالت حدثتني صفية بنت يونس بن أبي إسحاق الهمدانية و كانت عمتي قالت حدثتني بهجة بنت الحارث بن عبد الله التغلبي عن خالها عبد الله بن منصور و كان رضيعا لبعض ولد زيد بن علي قال سألت جعفر بن محمد بن علي بن الحسين فقلت حدثني عن مقتل ابن رسول الله ص فقال حدثني أبي عن أبيه ع قال لما حضرت معاوية الوفاة دعا ابنه يزيد لعنه الله فأجلسه بين يديه فقال له يا بني إني قد ذللت لك الرقاب الصعاب و وطدت لك البلاد و جعلت الملك و ما فيه لك طعمة و إني أخشى عليك من ثلاثة نفر يخالفون عليك بجهدهم و هم عبد الله بن عمر بن الخطاب و عبد الله بن الزبير و الحسين بن علي فأما عبد الله بن عمر فهو معك فالزمه و لا تدعه و أما عبد الله بن الزبير فقطعه إن ظفرت به إربا إربا فإنه يجثو لك كما يجثو الأسد لفريسته و يؤاربك مؤاربة الثعلب للكلب و أما الحسين فقد عرفت حظه من رسول الله و هو من لحم رسول الله و دمه و قد علمت لا محالة أن أهل العراق سيخرجونه إليهم ثم يخذلونه و يضيعونه فإن ظفرت به فاعرف حقه و منزلته من رسول الله و لا تؤاخذه بفعله و مع ذلك فإن لنا به خلطة و رحما و إياك أن تناله بسوء أو يرى منك مكروها قال فلما هلك معاوية و تولى الأمر بعده يزيد لعنه الله بعث عامله على مدينة رسول الله ص و هو عمه عتبة بن أبي سفيان فقدم المدينة و عليها مروان بن الحكم و كان عامل معاوية فأقامه عتبة من مكانه و جلس فيه لينفذ فيه أمر يزيد فهرب مروان فلم يقدر عليه و بعث عتبة إلى الحسين بن علي ع فقال إن أمير المؤمنين أمرك أن تبايع له فقال الحسين ع يا عتبة قد علمت أنا أهل بيت الكرامة و معدن الرسالة و أعلام الحق الذين أودعه الله عز و جل قلوبنا و أنطق به ألسنتنا فنطقت بإذن الله عز و جل و لقد سمعت جدي رسول الله يقول إن الخلافة محرمة على ولد أبي سفيان و كيف أبايع أهل بيت قد قال فيهم رسول الله هذا فلما سمع عتبة ذلك دعا الكاتب و كتب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إلى عبد الله يزيد أمير المؤمنين من عتبة بن أبي سفيان أما بعد فإن الحسين بن علي ليس يرى لك خلافة و لا بيعة فرأيك في أمره و السلام فلما ورد الكتاب على يزيد لعنه الله كتب الجواب إلى عتبة أما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فعجل علي بجوابه و بين لي في كتابك كل من في طاعتي أو خرج عنها و ليكن مع الجواب رأس الحسين بن علي فبلغ ذلك الحسين ع فهم بالخروج من أرض الحجاز إلى أرض العراق فلما أقبل الليل راح إلى مسجد النبي ص ليودع القبر فلما وصل إلى القبر سطع له نور من القبر فعاد إلى موضعه فلما كانت الليلة الثانية راح ليودع

 القبر فقام يصلي فأطال فنعس و هو ساجد فجاءه النبي و هو في منامه فأخذ الحسين و ضمه إلى صدره و جعل يقبل بين عينيه و يقول بأبي أنت كأني أراك مرملا بدمك بين عصابة من هذه الأمة يرجون شفاعتي ما لهم عند الله من خلاق يا بني إنك قادم على أبيك و أمك و أخيك و هم مشتاقون إليك و إن لك في الجنة درجات لا تنالها إلا بالشهادة فانتبه الحسين ع من نومه باكيا فأتى أهل بيته فأخبرهم بالرؤيا و ودعهم و حمل أخواته على المحامل و ابنته و ابن أخيه القاسم بن الحسن بن علي ع ثم سار في أحد و عشرين رجلا من أصحابه و أهل بيته منهم أبو بكر بن علي و محمد بن علي و عثمان بن علي و العباس بن علي و عبد الله بن مسلم بن عقيل و علي بن الحسين الأكبر و علي بن الحسين الأصغر و سمع عبد الله بن عمر بخروجه فقدم راحلته و خرج خلفه مسرعا فأدركه في بعض المنازل فقال أين تريد يا ابن رسول الله قال العراق قال مهلا ارجع إلى حرم جدك فأبى الحسين عليه فلما رأى ابن عمر إباءه قال يا با عبد الله اكشف لي عن الموضع الذي كان رسول الله ص يقبله منك فكشف الحسين ع عن سرته فقبلها ابن عمر ثلاثا و بكى و قال أستودعك الله يا با عبد الله فإنك مقتول في وجهك هذا فسار الحسين ع و أصحابه فلما نزلوا ثعلبية ورد عليه رجل يقال له بشر بن غالب فقال يا ابن رسول الله أخبرني عن قول الله عز و جل يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ قال إمام دعا إلى هدى فأجابوه إليه و إمام دعا إلى ضلالة فأجابوه إليها هؤلاء في الجنة و هؤلاء في النار و هو قوله عز و جل فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَ فَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ثم سار حتى نزل العذيب فقال فيها قائلة الظهيرة ثم انتبه من نومه باكيا فقال له ابنه ما يبكيك يا أبة فقال يا بني إنها ساعة لا تكذب الرؤيا فيها و إنه عرض لي في منام عارض فقال تسرعون السير و المنايا تسير بكم إلى الجنة ثم سار حتى نزل الرهيمة فورد عليه رجل من أهل الكوفة يكنى أبا هرم فقال يا ابن النبي ما الذي أخرجك من المدينة فقال ويحك يا با هرم شتموا عرضي فصبرت و طلبوا مالي فصبرت و طلبوا دمي فهربت و ايم الله ليقتلني ثم ليلبسنهم الله ذلا شاملا و سيفا قاطعا و ليسلطن عليهم من يذلهم قال و بلغ عبيد الله بن زياد لعنه الله الخبر و إن الحسين ع قد نزل الرهيمة فأسري إليه حر بن يزيد في ألف فارس قال الحر فلما خرجت من منزلي متوجها نحو الحسين ع نوديت ثلاثا يا حر أبشر بالجنة فالتفت فلم أر أحدا فقلت ثكلت الحر أمه يخرج إلى قتال ابن رسول الله ص و يبشر بالجنة فرهقه عند صلاة الظهر فأمر الحسين ع ابنه فأذن و أقام و قام الحسين ع فصلى بالفريقين فلما سلم وثب الحر بن يزيد فقال السلام عليك يا ابن رسول الله و رحمة الله و بركاته فقال الحسين و عليك السلام من أنت يا عبد الله فقال أنا الحر بن يزيد فقال يا حر أ علينا أم لنا فقال الحر و الله يا ابن رسول الله لقد بعثت لقتالك و أعوذ بالله أن أحشر من قبري و ناصيتي مشدودة إلي و يدي مغلولة إلى عنقي و أكب على حر وجهي في النار يا ابن رسول الله أين تذهب ارجع إلى حرم جدك فإنك مقتول فقال الحسين ع

سأمضي فما بالموت عار على الفتى إذا ما نوى حقا و جاهد مسلماو واسى الرجال الصالحين بنفسه و فارق مثبورا و خالف مجرمافإن مت لم أندم و إن عشت لم ألم كفى بك ذلا أن تموت و ترغما

 ثم سار الحسين حتى نزل القطقطانة فنظر إلى فسطاط مضروب فقال لمن هذا الفسطاط فقيل لعبد الله بن الحر الحنفي فأرسل إليه الحسين ع فقال أيها الرجل إنك مذنب خاطئ و إن الله عز و جل آخذك بما أنت صانع إن لم تتب إلى الله تبارك و تعالى في ساعتك هذه فتنصرني و يكون جدي شفيعك بين يدي الله تبارك و تعالى فقال يا ابن رسول الله و الله لو نصرتك لكنت أول مقتول بين يديك و لكن هذا فرسي خذه إليك فو الله ما ركبته قط و أنا أروم شيئا إلا بلغته و لا أرادني أحد إلا نجوت عليه فدونك فخذه فأعرض عنه الحسين ع بوجهه ثم قال لا حاجة لنا فيك و لا في فرسك و ما كنت متخذ المضلين عضدا و لكن فر فلا لنا و لا علينا فإنه من سمع واعيتنا أهل البيت ثم لم يجبنا كبه الله على وجهه في نار جهنم ثم سار حتى نزل بكربلاء فقال أي موضع هذا فقيل هذا كربلاء يا ابن رسول الله ص فقال ع هذا و الله يوم كرب و بلاء و هذا الموضع الذي يهراق فيه دماؤنا و يباح فيه حريمنا فأقبل عبيد الله بن زياد بعسكره حتى عسكر بالنخيلة و بعث إلى الحسين رجلا يقال له عمر بن سعد قائده في أربعة آلاف فارس و أقبل عبد الله بن الحصين التميمي في ألف فارس يتبعه شبث بن ربعي في ألف فارس و محمد بن الأشعث بن قيس الكندي أيضا في ألف فارس و كتب لعمر بن سعد على الناس و أمرهم أن يسمعوا له و يطيعوه فبلغ عبيد الله بن زياد أن عمر بن سعد يسامر الحسين ع و يحدثه و يكره قتاله فوجه إليه شمر بن ذي الجوشن في أربعة آلاف فارس و كتب إلى عمر بن سعد إذا أتاك كتابي هذا فلا تمهلن الحسين بن علي و خذ بكظمه و حل بين الماء و بينه كما حيل بين عثمان و بين الماء يوم الدار فلما وصل الكتاب إلى عمر بن سعد لعنه الله أمر مناديه فنادى أنا قد أجلنا حسينا و أصحابه يومهم و ليلتهم فشق ذلك على الحسين و على أصحابه فقام الحسين في أصحابه خطيبا فقال اللهم إني لا أعرف أهل بيت أبر و لا أزكى و لا أطهر من أهل بيتي و لا أصحابا هم خير من أصحابي و قد نزل بي ما قد ترون و أنتم في حل من بيعتي ليست لي في أعناقكم بيعة و لا لي عليكم ذمة و هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا و تفرقوا في سواده فإن القوم إنما يطلبوني و لو ظفروا بي لذهلوا عن طلب غيري فقام عليه عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب ع فقال يا ابن رسول الله ما ذا يقول لنا الناس إن نحن خذلنا شيخنا و كبيرنا و سيدنا و ابن سيد الأعمام و ابن نبينا سيد الأنبياء لم نضرب معه بسيف و لم نقاتل معه برمح لا و الله أو نرد موردك و نجعل أنفسنا دون نفسك و دماءنا دون دمك فإذا نحن فعلنا ذلك فقد قضينا ما علينا و خرجنا مما لزمنا و قام إليه رجل يقال له زهير بن القين البجلي فقال يا ابن رسول الله وددت أني قتلت ثم نشرت ثم قتلت ثم نشرت ثم قتلت ثم نشرت فيك و في الذين معك مائة قتلة و إن الله دفع بي عنكم أهل البيت فقال له و لأصحابه جزيتم خيرا ثم إن الحسين ع أمر بحفيرة فحفرت حول عسكره شبه الخندق و أمر فحشيت حطبا و أرسل عليا ابنه ع في ثلاثين فارسا و عشرين راجلا ليستقوا الماء و هم على وجل شديد و أنشأ الحسين يقول

يا دهر أف لك من خليل كم لك في الإشراق و الأصيل‏من طالب و صاحب قتيل و الدهر لا يقنع بالبديل‏و إنما الأمر إلى الجليل و كل حي سالك سبيلي

ثم قال لأصحابه قوموا فاشربوا من الماء يكن آخر زادكم و توضئوا و اغتسلوا و اغسلوا ثيابكم لتكون أكفانكم ثم صلى بهم الفجر و عبأهم تعبئة الحرب و أمر بحفيرته التي حول عسكره فأضرمت بالنار ليقاتل القوم من وجه واحد و أقبل رجل من عسكر عمر بن سعد على فرس له يقال له ابن أبي جويرية المزني فلما نظر إلى النار تتقد صفق بيده و نادى يا حسين و أصحاب حسين أبشروا بالنار فقد تعجلتموها في الدنيا فقال الحسين ع من الرجل فقيل ابن أبي جويرية المزني فقال الحسين ع اللهم أذقه عذاب النار في الدنيا فنفر به فرسه و ألقاه في تلك النار فاحترق ثم برز من عسكر عمر بن سعد رجل آخر يقال له تميم بن حصين الفزاري فنادى يا حسين و يا أصحاب حسين أ ما ترون إلى ماء الفرات يلوح كأنه بطون الحيات و الله لا ذقتم منه قطرة حتى تذوقوا الموت جزعا فقال الحسين ع من الرجل فقيل تميم بن حصين فقال الحسين هذا و أبوه من أهل النار اللهم اقتل هذا عطشا في هذا اليوم قال فخنقه العطش حتى سقط عن فرسه فوطئته الخيل بسنابكها فمات ثم أقبل آخر من عسكر عمر بن سعد يقال له محمد بن أشعث بن قيس الكندي فقال يا حسين بن فاطمة أية حرمة لك من رسول الله ليست لغيرك فتلا الحسين هذه الآية إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً الآية ثم قال و الله إن محمدا لمن آل إبراهيم و إن العترة الهادية لمن آل محمد من الرجل فقيل محمد بن أشعث بن قيس الكندي فرفع الحسين ع رأسه إلى السماء فقال اللهم أر محمد بن الأشعث ذلا في هذا اليوم لا تعزه بعد هذا اليوم أبدا فعرض له عارض فخرج من العسكر يتبرز فسلط الله عليه عقربا فلدغته فمات بادي العورة فبلغ العطش من الحسين ع و أصحابه فدخل عليه رجل من شيعته يقال له يزيد بن الحصين الهمداني قال إبراهيم بن عبد الله راوي الحديث هو خال أبي إسحاق الهمداني فقال يا ابن رسول الله تأذن لي فأخرج إليهم فأكلمهم فأذن له فخرج إليهم فقال يا معشر الناس إن الله عز و جل بعث محمدا بِالْحَقِّ بَشِيراً وَ نَذِيراً وَ داعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَ سِراجاً مُنِيراً و هذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد و كلابها و قد حيل بينه و بين ابنه فقالوا يا يزيد فقد أكثرت الكلام فاكفف فو الله ليعطشن الحسين كما عطش من كان قبله فقال الحسين ع اقعد يا يزيد ثم وثب الحسين ع متوكئا على سيفه فنادى بأعلى صوته فقال أنشدكم الله هل تعرفوني قالوا نعم أنت ابن بنت رسول الله ص و سبطه قال أنشدكم الله هل تعلمون أن جدي رسول الله ص قالوا اللهم نعم قال أنشدكم الله هل تعلمون أن أمي فاطمة بنت محمد قالوا اللهم نعم قال أنشدكم الله هل تعلمون أن أبي علي بن أبي طالب ع قالوا اللهم نعم قال أنشدكم الله هل تعلمون أن جدتي خديجة بنت خويلد أول نساء هذه الأمة إسلاما قالوا اللهم نعم قال أنشدكم الله هل تعلمون أن سيد الشهداء حمزة عم أبي قالوا اللهم نعم قال فأنشدكم الله هل تعلمون أن جعفر الطيار في الجنة عمي قالوا اللهم نعم قال فأنشدكم الله هل تعلمون أن هذا سيف رسول الله و أنا متقلده قالوا اللهم نعم قال فأنشدكم الله هل تعلمون أن هذه عمامة رسول الله أنا لابسها قالوا اللهم نعم قال فأنشدكم الله هل تعلمون أن عليا كان أولهم إسلاما و أعلمهم علما و أعظمهم حلما و أنه ولي كل مؤمن و مؤمنة قالوا اللهم نعم قال فبم تستحلون دمي و أبي الذائد عن الحوض غدا يذود عنه رجالا كما يذاد البعير الصادر عن الماء و لواء الحمد في يدي جدي يوم القيامة قالوا قد علمنا ذلك كله و نحن غير تاركيك حتى تذوق الموت عطشا

 فأخذ الحسين ع بطرف لحيته و هو يومئذ ابن سبع و خمسين سنة ثم قال اشتد غضب الله على اليهود حين قالوا عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ و اشتد غضب الله على النصارى حين قالوا الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ و اشتد غضب الله على المجوس حين عبدوا النار من دون الله و اشتد غضب الله على قوم قتلوا نبيهم و اشتد غضب الله على هذه العصابة الذين يريدون قتلي ابن نبيهم قال فضرب الحر بن يزيد فرسه و جاز عسكر عمر بن سعد إلى عسكر الحسين ع واضعا يده على رأسه و هو يقول اللهم إليك أنيب فتب علي فقد أرعبت قلوب أوليائك و أولاد نبيك يا ابن رسول الله هل لي من توبة قال نعم تاب الله عليك قال يا ابن رسول الله ائذن لي فأقاتل عنك فأذن له فبرز و هو يقول

أضرب في أعناقكم بالسيف عن خير من حل بلاد الخيف

فقتل منهم ثمانية عشر رجلا ثم قتل فأتاه الحسين ع و دمه يشخب فقال بخ بخ يا حر أنت حر كما سميت في الدنيا و الآخرة ثم أنشأ الحسين يقول

لنعم الحر حر بني رياح و نعم الحر مختلف الرماح‏و نعم الحر إذ نادى حسينا فجاد بنفسه عند الصباح

ثم برز من بعده زهير بن القين البجلي و هو يقول مخاطبا للحسين ع

اليوم نلقى جدك النبيا و حسنا و المرتضى عليا

فقتل منهم تسعة عشر رجلا ثم صرع و هو يقول

أنا زهير و أنا ابن القين أذبكم بالسيف عن حسين

ثم برز من بعده حبيب بن مظهر الأسدي و هو يقول

أنا حبيب و أبي مطهر لنحن أزكى منكم و أطهرننصر خير الناس حين يذكر

 فقتل منهم أحدا و ثلاثين رجلا ثم قتل رضي الله عنه ثم برز من بعده عبد الله بن أبي عروة الغفاري و هو يقول

قد علمت حقا بنو غفار أني أذب في طلاب الثاربالمشرفي و القنا الخطار

فقتل منهم عشرين رجلا ثم قتل رحمه الله ثم برز من بعده بدير بن حفير الهمداني و كان أقرأ أهل زمانه و هو يقول

أنا بدير و أبي حفير لا خير فيمن ليس فيه خير

فقتل منهم ثلاثين رجلا ثم قتل رضي الله عنه ثم برز من بعده مالك بن أنس الكاهلي و هو يقول

قد علمت كاهلها و دودان و الخندفيون و قيس عيلان‏بأن قومي قصم الأقران يا قوم كونوا كأسود الجان‏آل علي شيعة الرحمن و آل حرب شيعة الشيطان

فقتل منهم ثمانية عشر رجلا ثم قتل رضي الله عنه و برز من بعده زياد بن مهاصر الكندي فحمل عليهم و أنشأ يقول

أنا زياد و أبي مهاصر أشجع من ليث العرين الخادريا رب إني للحسين ناصر و لابن سعد تارك مهاجر

فقتل منهم تسعة ثم قتل رضي الله عنه و برز من بعده وهب بن وهب و كان نصرانيا أسلم على يدي الحسين هو و أمه فاتبعوه إلى كربلاء فركب فرسا و تناول بيده عود الفسطاط فقاتل و قتل من القوم سبعة أو ثمانية ثم استؤسر فأتي به عمر بن سعد فأمر بضرب عنقه فضربت عنقه و رمي به إلى عسكر الحسين ع و أخذت أمه سيفه و برزت فقال لها الحسين يا أم وهب اجلسي فقد وضع الله الجهاد عن النساء إنك و ابنك مع جدي محمد ص في الجنة ثم برز من بعده هلال بن حجاج و هو يقول

أرمي بها معلمة أفواقها و النفس لا ينفعها إشفاقها

فقتل منهم ثلاثة عشر رجلا ثم قتل رضي الله عنه و برز من بعده عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب و أنشأ يقول

أقسمت لا أقتل إلا حرا و قد وجدت الموت شيئا مراأكره أن أدعى جبانا فرا إن الجبان من عصى و فرا

فقتل منهم ثلاثة ثم قتل رضي الله عنه و برز من بعده علي بن الحسين ع فلما برز إليهم دمعت عين الحسين ع فقال اللهم كن أنت الشهيد عليهم فقد برز إليهم ابن رسولك و أشبه الناس وجها و سمتا به فجعل يرتجز و هو يقول

أنا علي بن الحسين بن علي نحن و بيت الله أولى بالنبي‏أ ما ترون كيف أحمي عن أبي

فقتل منهم عشرة ثم رجع إلى أبيه فقال يا أبة العطش فقال له الحسين ع صبرا يا بني يسقيك جدك بالكأس الأوفى فرجع فقاتل حتى قتل منهم أربعة و أربعين رجلا ثم قتل صلى الله عليه و برز من بعده القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب ع و هو يقول

لا تجزعي نفسي فكل فإن اليوم تلقين ذرى الجنان

فقتل منهم ثلاثة ثم رمي عن فرسه رضي الله عنه و نظر الحسين ع يمينا و شمالا و لا يرى أحدا فرفع رأسه إلى السماء فقال اللهم إنك ترى ما يصنع بولد نبيك و حال بنو كلاب بينه و بين الماء و رمي بسهم فوقع في نحره و خر عن فرسه فأخذ السهم فرمى به فجعل يتلقى الدم بكفه فلما امتلأت لطخ بها رأسه و لحيته و يقول ألقى الله عز و جل و أنا مظلوم متلطخ بدمي ثم خر على خده الأيسر صريعا و أقبل عدو الله سنان الإيادي و شمر بن ذي الجوشن العامري لعنهما الله في رجال من أهل الشام حتى وقفوا على رأس الحسين ع فقال بعضهم لبعض ما تنتظرون أريحوا الرجل فنزل سنان بن الأنس الإيادي و أخذ بلحية الحسين و جعل يضرب بالسيف في حلقه و هو يقول و الله إني لأجتز رأسك و أنا أعلم أنك ابن رسول الله و خير الناس أبا و أما و أقبل فرس الحسين حتى لطخ عرفه و ناصيته بدم الحسين و جعل يركض و يصهل فسمعت بنات النبي صهيله فخرجن فإذا الفرس بلا راكب فعرفن أن حسينا قد قتل و خرجت أم كلثوم بنت الحسين واضعا يدها على رأسها تندب و تقول وا محمداه هذا الحسين بالعراء قد سلب العمامة و الرداء و أقبل سنان حتى أدخل رأس حسين بن علي ع على عبيد الله بن زياد و هو يقول

املأ ركابي فضة و ذهبا أنا قتلت الملك المحجباقتلت خير الناس أما و أبا و خيرهم إذ ينسبون نسبا

فقال له عبيد الله بن زياد ويحك فإن علمت أنه خير الناس أبا و أما لم قتلته إذا فأمر به فضربت عنقه و عجل الله بروحه إلى النار و أرسل ابن زياد قاصدا إلى أم كلثوم بنت الحسين ع فقال لها الحمد لله الذي قتل رجالكم فكيف ترون ما فعل بكم فقالت يا ابن زياد لئن قرت عينك بقتل الحسين فطال ما قرت عين جده ص به و كان يقبله و يلثم شفتيه و يضعه على عاتقه يا ابن زياد أعد لجده جوابا فإنه خصمك غدا

  بيان وطدت الشي‏ء أطده وطدا أي أثبته و ثقلته و التوطيد مثله و الإرب بالكسر العضو و جثا كدعا و رمى جثوا و جثيا بضمهما جلس على ركبتيه أو قام على أطراف أصابعه و رملة بالدم فترمل و ارتمل أي تلطخ و الخلاق النصيب و الظهيرة شدة الحر نصف النهار و الإسراء السير بالليل و يقال طلبت فلانا حتى رهقته أي حتى دنوت منه فربما أخذه و ربما لم يأخذه و حر الوجه ما بدا من الوجنة و الثبور الهلاك و الخسران و الواعية الصراخ و الصوت و المسامرة الحديث بالليل و يقال أخذت بكظمه بالتحريك أي بمخرج نفسه. و قال الجزري يقال للرجل إذا أسرى ليله جمعاء أو أحياها بالصلاة أو غيرها من العبادات اتخذ الليل جملا كأنه ركبه و لم ينم فيه انتهى و شرقت الشمس أي طلعت و أشرقت أي أضاءت و الأصيل بعد العصر إلى المغرب و البديل البدل و سنبك الدابة هو طرف حافرها و البراز بالفتح الفضاء الواسع و تبرز الرجل أي خرج إلى البراز للحاجة و الذود الطرد و الدفع. و قال الجوهري المشرفية سيوف قال أبو عبيد نسبت إلى مشارف و هي قرى من أرض العرب تدنو من الريف يقال سيف مشرفي و القنا بالكسر جمع قناة و هي الرمح و رمح خطار ذو اهتزاز و يقال خطران الرمح ارتفاعه و انخفاضه للطعن و الكاهل أبو قبيلة من أسد و كذا دودان أبو قبيلة منهم و خندف في الأصل لقب ليلى بنت عمران سميت به القبيلة و قيس أبو قبيلة من مضر و هو قيس عيلان و العرين مأوى الأسد الذي يألفه و في بعض النسخ العريز و كأنه من المعارزة بمعنى المعاندة و الخدر الستر و أسد خادر أي داخل الخدر و رجل فر أي فرار و يقال ملك محجب أي محتجب عن الناس

  -2  أقول قال الشيخ المفيد في الإرشاد روى الكلبي و المدائني و غيرهما من أصحاب السيرة قالوا لما مات الحسن ع تحركت الشيعة بالعراق و كتبوا إلى الحسين ع في خلع معاوية و البيعة له فامتنع عليهم و ذكر أن بينه و بين معاوية عهدا و عقدا لا يجوز له نقضه حتى تمضي المدة فإذا مات معاوية نظر في ذلك. فلما مات معاوية و ذلك للنصف من شهر رجب سنة ستين من الهجرة كتب يزيد إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان و كان على المدينة من قبل معاوية أن يأخذ الحسين ع بالبيعة له و لا يرخص له في التأخير عن ذلك فأنفذ الوليد إلى الحسين في الليل فاستدعاه فعرف الحسين ع الذي أراد فدعا جماعة من مواليه و أمرهم بحمل السلاح و قال لهم إن الوليد قد استدعاني في هذا الوقت و لست آمن أن يكلفني فيه أمرا لا أجيبه إليه و هو غير مأمون فكونوا معي فإذا دخلت إليه فاجلسوا على الباب فإن سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عليه لتمنعوه عني. فصار الحسين ع إلى الوليد بن عتبة فوجد عنده مروان بن الحكم فنعى إليه الوليد معاوية فاسترجع الحسين ثم قرأ عليه كتاب يزيد و ما أمره فيه من أخذ البيعة منه له فقال الحسين ع إني لا أراك تقنع ببيعتي ليزيد سرا حتى أبايعه جهرا فيعرف ذلك الناس فقال له الوليد أجل فقال الحسين فتصبح و ترى رأيك في ذلك فقال له الوليد انصرف على اسم الله تعالى حتى تأتينا مع جماعة الناس. فقال له مروان و الله لئن فارقك الحسين الساعة و لم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبدا حتى تكثر القتلى بينكم و بينه احبس الرجل و لا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه فوثب الحسين ع عند ذلك و قال أنت يا ابن الزرقاء تقتلني أم هو كذبت و الله و أثمت و خرج يمشي و معه مواليه حتى أتى منزله. قال السيد كتب يزيد إلى الوليد يأمره بأخذ البيعة على أهلها و خاصة على الحسين ع و يقول إن أبى عليك فاضرب عنقه و ابعث إلي برأسه فأحضر الوليد مروان و استشاره في أمر الحسين فقال إنه لا يقبل و لو كنت مكانك ضربت عنقه فقال الوليد ليتني لم أك شيئا مذكورا. ثم بعث إلى الحسين ع فجاءه في ثلاثين من أهل بيته و مواليه و ساق الكلام إلى أن قال فغضب الحسين ع ثم قال ويلي عليك يا ابن الزرقاء أنت تأمر بضرب عنقي كذبت و الله و أثمت. ثم أقبل على الوليد فقال أيها الأمير إنا أهل بيت النبوة و معدن الرسالة و مختلف الملائكة و بنا فتح الله و بنا ختم الله و يزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحرمة معلن بالفسق و مثلي لا يبايع مثله و لكن نصبح و تصبحون و ننظر و تنظرون أينا أحق بالبيعة و الخلافة ثم خرج ع. و قال ابن شهرآشوب كتب إلى الوليد بأخذ البيعة من الحسين ع و عبد الله بن عمر و عبد الله بن الزبير و عبد الرحمن بن أبي بكر أخذا عنيفا ليست فيه رخصة فمن يأبى عليك منهم فاضرب عنقه و ابعث إلي برأسه فشاور في ذلك مروان فقال الرأي أن تحضرهم و تأخذ منهم البيعة قبل أن يعلموا. فوجه في طلبهم و كانوا عند التربة فقال عبد الرحمن و عبد الله ندخل دورنا و نغلق أبوابنا و قال ابن الزبير و الله ما أبايع يزيد أبدا و قال الحسين أنا لا بد لي من الدخول على الوليد و ذكر قريبا مما مر. قال المفيد فقال مروان للوليد عصيتني لا و الله لا يمكنك مثلها من نفسه أبدا فقال الوليد ويح غيرك يا مروان إنك اخترت لي التي فيها هلاك ديني و دنياي و الله ما أحب أن لي ما طلعت عليه الشمس و غربت عنه من مال الدنيا و ملكها و إني قتلت حسينا سبحان الله أقتل حسينا أن قال لا أبايع و الله إني لأظن أن

  امرأ يحاسب بدم الحسين خفيف الميزان عند الله يوم القيامة. فقال له مروان فإذا كان هذا رأيك فقد أصبت فيما صنعت يقول هذا و هو غير الحامد له على رأيه. قال السيد فلما أصبح الحسين ع خرج من منزله يستمع الأخبار فلقيه مروان بن الحكم فقال له يا أبا عبد الله إني لك ناصح فأطعني ترشد فقال الحسين ع و ما ذاك قل حتى أسمع فقال مروان إني آمرك ببيعة يزيد أمير المؤمنين فإنه خير لك في دينك و دنياك فقال الحسين ع إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ و على الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد و لقد سمعت جدي رسول الله ص يقول الخلافة محرمة على آل أبي سفيان و طال الحديث بينه و بين مروان حتى انصرف مروان و هو غضبان. فلما كان الغداة توجه الحسين ع إلى مكة لثلاث مضين من شعبان سنة ستين فأقام بها باقي شعبان و شهر رمضان و شوالا و ذا القعدة. قال المفيد رحمه الله فقام الحسين في منزله تلك الليلة و هي ليلة السبت لثلاث بقين من رجب سنة ستين من الهجرة و اشتغل الوليد بن عتبة بمراسلة ابن الزبير في البيعة ليزيد و امتناعه عليهم و خرج ابن الزبير من ليلته عن المدينة متوجها إلى مكة فلما أصبح الوليد سرح في أثره الرجال فبعث راكبا من موالي بني أمية في ثمانين راكبا فطلبوه فلم يدركوه فرجعوا. فلما كان آخر نهار السبت بعث الرجال إلى الحسين ع ليحضر فيبايع الوليد ليزيد بن معاوية فقال لهم الحسين أصبحوا ثم ترون و نرى فكفوا تلك الليلة عنه و لم يلحوا عليه فخرج ع من تحت ليلة و هي ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب متوجها نحو مكة و معه بنوه و بنو أخيه و إخوته و جل أهل بيته إلا محمد بن الحنفية رحمه الله فإنه لما علم عزمه على الخروج عن المدينة لم يدر أين يتوجه فقال له يا أخي أنت أحب الناس إلي و أعزهم علي و لست أدخر النصيحة لأحد من الخلق إلا لك و أنت أحق بها تنح ببيعتك عن يزيد بن معاوية و عن الأمصار ما استطعت ثم ابعث رسلك إلى الناس ثم ادعهم إلى نفسك فإن بايعك الناس و بايعوا لك حمدت الله على ذلك و إن اجتمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك و لا عقلك و لا تذهب به مروءتك و لا فضلك إني أخاف عليك أن تدخل مصرا من هذه الأمصار فيختلف الناس بينهم فمنهم طائفة معك و أخرى عليك فيقتتلون فتكون إذا لأول الأسنة غرضا فإذا خير هذه الأمة كلها نفسا و أبا و أما أضيعها دما و أذلها أهلا. فقال له الحسين ع فأين أنزل يا أخي قال انزل مكة فإن اطمأنت بك الدار بها فستنل ذلك و إن نبت بك لحقت بالرمال و شعف الجبال و خرجت من بلد إلى بلد حتى تنظر إلى ما يصير أمر الناس فإنك أصوب ما تكون رأيا حين تستقبل الأمر استقبالا. فقال ع يا أخي قد نصحت و أشفقت و أرجو أن يكون رأيك سديدا موفقا. و قال محمد بن أبي طالب الموسوي لما ورد الكتاب على الوليد بقتل الحسين ع عظم ذلك عليه ثم قال و الله لا يراني الله أقتل ابن نبيه و لو جعل يزيد لي الدنيا بما فيها. قال و خرج الحسين ع من منزله ذات ليلة و أقبل إلى قبر جده ص فقال السلام عليك يا رسول الله أنا الحسين بن فاطمة فرخك و ابن فرختك و سبطك الذي خلفتني في أمتك فاشهد عليهم يا نبي الله إنهم قد خذلوني و ضيعوني و لم يحفظوني و هذه شكواي إليك حتى ألقاك قال ثم قام فصف قدميه فلم يزل راكعا ساجدا.

  قال و أرسل الوليد إلى منزل الحسين ع لينظر أخرج من المدينة أم لا فلم يصبه في منزله فقال الحمد لله الذي خرج و لم يبتلني بدمه قال و رجع الحسين إلى منزله عند الصبح. فلما كانت الليلة الثانية خرج إلى القبر أيضا و صلى ركعات فلما فرغ من صلاته جعل يقول اللهم هذا قبر نبيك محمد و أنا ابن بنت نبيك و قد حضرني من الأمر ما قد علمت اللهم إني أحب المعروف و أنكر المنكر و أنا أسألك يا ذا الجلال و الإكرام بحق القبر و من فيه إلا اخترت لي ما هو لك رضى و لرسولك رضى. قال ثم جعل يبكي عند القبر حتى إذا كان قريبا من الصبح وضع رأسه على القبر فأغفي فإذا هو برسول الله قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه و عن شماله و بين يديه حتى ضم الحسين إلى صدره و قبل بين عينيه و قال حبيبي يا حسين كأني أراك عن قريب مرملا بدمائك مذبوحا بأرض كرب و بلاء من عصابة من أمتي و أنت مع ذلك عطشان لا تسقى و ظمآن لا تروى و هم مع ذلك يرجون شفاعتي لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة حبيبي يا حسين إن أباك و أمك و أخاك قدموا علي و هم مشتاقون إليك و إن لك في الجنان لدرجات لن تنالها إلا بالشهادة. قال فجعل الحسين ع في منامه ينظر إلى جده و يقول يا جداه لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا فخذني إليك و أدخلني معك في قبرك فقال له رسول الله لا بد لك من الرجوع إلى الدنيا حتى ترزق الشهادة و ما قد كتب الله لك فيها من الثواب العظيم فإنك و أباك و أخاك و عمك و عم أبيك تحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة حتى تدخلوا الجنة. قال فانتبه الحسين ع من نومه فزعا مرعوبا فقص رؤياه على أهل بيته و بني عبد المطلب فلم يكن في ذلك اليوم في مشرق و لا مغرب قوم أشد غما من أهل بيت رسول الله و لا أكثر باك و لا باكية منهم. قال و تهيأ الحسين ع للخروج من المدينة و مضى في جوف الليل إلى قبر أمه فودعها ثم مضى إلى قبر أخيه الحسن ففعل كذلك ثم رجع إلى منزله وقت الصبح فأقبل إليه أخوه محمد بن الحنفية و قال يا أخي أنت أحب الخلق إلي و أعزهم علي و لست و الله أدخر النصيحة لأحد من الخلق و ليس أحد أحق بها منك لأنك مزاج مائي و نفسي و روحي و بصري و كبير أهل بيتي و من وجب طاعته في عنقي لأن الله قد شرفك علي و جعلك من سادات أهل الجنة. و ساق الحديث كما مر إلى أن قال تخرج إلى مكة فإن اطمأنت بك الدار بها فذاك و إن تكن الأخرى خرجت إلى بلاد اليمن فإنهم أنصار جدك و أبيك و هم أرأف الناس و أرقهم قلوبا و أوسع الناس بلادا فإن اطمأنت بك الدار و إلا لحقت بالرمال و شعوب الجبال و جزت من بلد إلى بلد حتى تنظر ما يئول إليه أمر الناس و يحكم الله بينا و بين القوم الفاسقين. قال فقال الحسين ع يا أخي و الله لو لم يكن ملجأ و لا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية فقطع محمد بن الحنفية الكلام و بكى فبكى الحسين ع معه ساعة ثم قال يا أخي جزاك الله خيرا فقد نصحت و أشرت بالصواب و أنا عازم على الخروج إلى مكة و قد تهيأت لذلك أنا و إخوتي و بنو أخي و شيعتي و أمرهم أمري و رأيهم رأيي و أما أنت يا أخي فلا عليك أن تقيم بالمدينة فتكون لي عينا لا تخفي عني شيئا من أمورهم. ثم دعا الحسين بدواة و بياض و كتب هذه الوصية لأخيه محمد. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه محمد المعروف بابن الحنفية أن الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله جاء بالحق من عند الحق و أن الجنة و النار حق وَ أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ و أني لم أخرج أشرا و لا بطرا و لا مفسدا و لا ظالما و إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي ص أريد أن آمر بالمعروف و أنهى عن المنكر و أسير بسيرة جدي و أبي

  علي بن أبي طالب ع فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق و من رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني و بين القوم بالحق وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ و هذه وصيتي يا أخي إليك وَ ما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ. قال ثم طوى الحسين الكتاب و ختمه بخاتمه و دفعه إلى أخيه محمد ثم ودعه و خرج في جوف الليل. و قال محمد بن أبي طالب

 روى محمد بن يعقوب الكليني في كتاب الرسائل عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن أيوب بن نوح عن صفوان عن مروان بن إسماعيل عن حمزة بن حمران عن أبي عبد الله ع قال ذكرنا خروج الحسين ع و تخلف ابن الحنفية فقال أبو عبد الله ع يا حمزة إني سأخبرك بحديث لا تسأل عنه بعد مجلسك هذا إن الحسين لما فصل متوجها دعا بقرطاس و كتب فيه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من الحسين بن علي بن أبي طالب إلى بني هاشم أما بعد فإنه من لحق بي منكم استشهد و من تخلف لم يبلغ مبلغ الفتح و السلام

قال و قال شيخنا المفيد بإسناده إلى أبي عبد الله ع قال لما سار أبو عبد الله من المدينة لقيه أفواج من الملائكة المسومة في أيديهم الحراب على نجب من نجب الجنة فسلموا عليه و قالوا يا حجة الله على خلقه بعد جده و أبيه و أخيه إن الله سبحانه أمد جدك بنا فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ و إن الله أمدك بنا فقال لهم الموعد حفرتي و بقعتي التي أستشهد فيها و هي كربلاء فإذا وردتها فأتوني فقالوا يا حجة الله مرنا نسمع و نطع فهل تخشى من عدو يلقاك فنكون معك فقال لا سبيل لهم علي و لا يلقوني بكريهة أو أصل إلى بقعتي. و أتته أفواج مسلمي الجن فقالوا يا سيدنا نحن شيعتك و أنصارك فمرنا بأمرك و ما تشاء فلو أمرتنا بقتل كل عدو لك و أنت بمكانك لكفيناك ذلك فجزاهم الحسين خيرا و قال لهم أ و ما قرأتم كتاب الله المنزل على جدي رسول الله أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ و قال سبحانه لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ و إذا أقمت بمكاني فبما ذا يبتلي هذا الخلق المتعوس و بما ذا يختبرون و من ذا يكون ساكن حفرتي بكربلاء و قد اختارها الله يوم دحا الأرض و جعلها معقلا لشيعتنا و يكون لهم أمانا في الدنيا و الآخرة و لكن تحضرون يوم السبت و هو يوم عاشوراء الذي في آخره أقتل و لا يبقى بعدي مطلوب من أهلي و نسبي و إخوتي و أهل بيتي و يسار برأسي إلى يزيد لعنه الله. فقالت الجن نحن و الله يا حبيب الله و ابن حبيبه لو لا أن أمرك طاعة و أنه لا يجوز لنا مخالفتك قتلنا جميع أعدائك قبل أن يصلوا إليك فقال صلوات الله عليه لهم نحن و الله أقدر عليهم منكم و لكن لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ انتهى ما نقلناه من كتاب محمد بن أبي طالب. و وجدت في بعض الكتب أنه ع لما عزم على الخروج من المدينة أتته أم سلمة رضي الله عنها فقالت يا بني لا تحزني بخروجك إلى العراق فإني سمعت جدك يقول يقتل ولدي الحسين بأرض العراق في أرض يقال لها كربلاء فقال لها يا أماه و أنا و الله أعلم ذلك و إني مقتول لا محالة و ليس لي من هذا بد و إني و الله لأعرف اليوم الذي أقتل فيه و أعرف من يقتلني و أعرف البقعة التي أدفن فيها و إني أعرف من يقتل من أهل بيتي و قرابتي و شيعتي و إن أردت يا أماه أريك حفرتي و مضجعي. ثم أشار ع إلى جهة كربلاء فانخفضت الأرض حتى أراها مضجعه و مدفنه و موضع عسكره و موقفه و مشهده فعند ذلك بكت أم سلمة بكاء شديدا و سلمت أمره إلى الله فقال لها يا أماه قد شاء الله عز و جل أن يراني مقتولا مذبوحا ظلما و عدوانا و قد شاء أن يرى حرمي و رهطي و نسائي مشردين و أطفالي

  مذبوحين مظلومين مأسورين مقيدين و هم يستغيثون فلا يجدون ناصرا و لا معينا و في رواية أخرى قالت أم سلمة و عندي تربة دفعها إلي جدك في قارورة فقال و الله إني مقتول كذلك و إن لم أخرج إلى العراق يقتلوني أيضا ثم أخذ تربة فجعلها في قارورة و أعطاها إياها و قال اجعلها مع قارورة جدي فإذا فاضتا دما فاعلمي أني قد قتلت. ثم قال المفيد فسار الحسين إلى مكة و هو يقرأ فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ و لزم الطريق الأعظم فقال له أهل بيته لو تنكبت عن الطريق كما فعل ابن الزبير كيلا يلحقك الطلب فقال لا و الله لا أفارقه حتى يقضي الله ما هو قاض و لما دخل الحسين ع مكة كان دخوله إياها يوم الجمعة لثلاث مضين من شعبان دخلها و هو يقرأ وَ لَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ. ثم نزلها و أقبل أهلها يختلفون إليه و من كان بها من المعتمرين و أهل الآفاق و ابن الزبير بها قد لزم جانب الكعبة و هو قائم يصلي عندها و يطوف و يأتي الحسين ع فيمن يأتيه فيأتيه اليومين المتواليين و يأتيه بين كل يومين مرة و هو ع أثقل خلق الله على ابن الزبير لأنه قد عرف أن أهل الحجاز لا يبايعونه ما دام الحسين في البلد و إن الحسين أطوع في الناس منه و أجل. و بلغ أهل الكوفة هلاك معاوية فأرجفوا بيزيد و عرفوا خبر الحسين و امتناعه من بيعته و ما كان من أمر ابن الزبير في ذلك و خروجهما إلى مكة فاجتمعت الشيعة بالكوفة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي فذكروا هلاك معاوية فحمدوا الله و أثنوا عليه فقال سليمان إن معاوية قد هلك و إن حسينا قد نقض على القوم ببيعته و قد خرج إلى مكة و أنتم شيعته و شيعة أبيه فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه و مجاهدو عدوه فاكتبوا إليه فإن خفتم الفشل و الوهن فلا تغروا الرجل في نفسه قالوا لا بل نقاتل عدوه و نقتل أنفسنا دونه فاكتبوا إليه. فكتبوا إليه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ للحسين بن علي من سليمان بن صرد و المسيب بن نجبة و رفاعة بن شداد البجلي و حبيب بن مظاهر و شيعته المؤمنين و المسلمين من أهل الكوفة سلام عليك فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فالحمد الله الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزى على هذه الأمة فابتزها أمرها و غصبها فيئها و تأمر عليها بغير رضى منها ثم قتل خيارها و استبقى شرارها و جعل مال الله دولة بين جبابرتها و أغنيائها فبعدا له كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ إنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق و النعمان بن بشير في قصر الإمارة لسنا نجتمع معه في جمعة و لا نخرج معه إلى عيد و لو قد بلغنا أنك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام إن شاء الله. ثم سرحوا بالكتاب مع عبد الله بن مسمع الهمداني و عبد الله بن وأل و أمروهما بالنجا فخرجا مسرعين حتى قدما على الحسين بمكة لعشر مضين من شهر رمضان. ثم لبث أهل الكوفة يومين بعد تسريحهم بالكتاب و أنفذوا قيس بن مسهر الصيداوي و عبد الله و عبد الرحمن ابني عبد الله بن زياد الأرحبي و عمارة بن عبد الله السلولي إلى الحسين ع و معهم نحو مائة و خمسين صحيفة من الرجل

  و الاثنين و الأربعة. و قال السيد و هو مع ذلك يتأبى و لا يجيبهم فورد عليه في يوم واحد ستمائة كتاب و تواترت الكتب حتى اجتمع عنده في نوب متفرقة اثنا عشر ألف كتاب. و قال المفيد ثم لبثوا يومين آخرين و سرحوا إليه هانئ بن هانئ السبيعي و سعيد بن عبد الله الحنفي و كتبوا إليه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إلى الحسين بن علي من شيعته من المؤمنين و المسلمين أما بعد فحي هلا فإن الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك فالعجل العجل ثم العجل العجل و السلام. ثم كتب شبث بن ربعي و حجار بن أبجر و يزيد بن الحارث بن رويم و عروة بن قيس و عمر بن حجاج الزبيدي و محمد بن عمرو التيمي أما بعد فقد أخضر الجنات و أينعت الثمار و أعشبت الأرض و أورقت الأشجار فإذا شئت فأقبل على جند لك مجندة و السلام عليك و رحمة الله و بركاته و على أبيك من قبلك. و تلاقت الرسل كلها عنده فقرأ الكتب و سأل الرسل عن الناس ثم كتب مع هانئ بن هانئ و سعيد بن عبد الله و كانا آخر الرسل. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من الحسين بن علي إلى الملإ من المؤمنين و المسلمين أما بعد فإن هانئا و سعيدا قدما علي بكتبكم و كانا آخر من قدم علي من رسلكم و قد فهمت كل الذي اقتصصتم و ذكرتم و مقالة جلكم أنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق و الهدى و أنا باعث إليكم أخي و ابن عمي و ثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل فإن كتب إلي بأنه قد اجتمع رأي ملئكم و ذوي الحجى و الفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم و قرأت في كتبكم فإني أقدم إليكم وشيكا إن شاء الله فلعمري ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب القائم بالقسط الدائن بدين الحق الحابس نفسه على ذلك لله و السلام. و دعا الحسين ع مسلم بن عقيل فسرحه مع قيس بن مسهر الصيداوي و عمارة بن عبد الله السلولي و عبد الرحمن بن عبد الله الأزدي و أمره بالتقوى و كتمان أمره و اللطف فإن رأى الناس مجتمعين مستوسقين عجل إليه بذلك. فأقبل مسلم رحمه الله حتى أتى المدينة فصلى في مسجد رسول الله ص و ودع من أحب من أهله و استأجر دليلين من قيس فأقبلا به يتنكبان الطريق فضلا عن الطريق و أصابهما عطش شديد فعجزا عن السير فأومأ له إلى سنن الطريق بعد أن لاح لهم ذلك فسلك مسلم ذلك السنن و مات الدليلان عطشا فكتب مسلم بن عقيل رحمه الله من الموضع المعروف بالمضيق مع قيس بن مسهر أما بعد فإني أقبلت من المدينة مع دليلين لي فحازا عن الطريق فضلا و اشتد علينا العطش فلم يلبثا أن ماتا و أقبلنا حتى انتهينا إلى الماء فلم ننج إلا بحشاشة أنفسنا و ذلك الماء بمكان يدعى المضيق من بطن الخبت و قد تطيرت من توجهي هذا فإن رأيت أعفيتني عنه و بعثت غيري و السلام. فكتب إليه الحسين ع أما بعد فقد حسبت أن لا يكون حملك على الكتاب إلي في الاستعفاء من الوجه الذي وجهتك له إلا الجبن فامض لوجهك الذي وجهتك فيه و السلام. فلما قرأ مسلم الكتاب قال أما هذا فلست أتخوفه على نفسي فأقبل حتى مر بماء لطيئ فنزل به ثم ارتحل عنه فإذا رجل يرمي الصيد فنظر إليه قد رمى ظبيا حين أشرف له فصرعه فقال مسلم بن عقيل نقتل عدونا إن شاء الله. ثم أقبل حتى دخل الكوفة فنزل في دار المختار بن أبي عبيدة و هي التي تدعى اليوم دار مسلم بن المسيب و أقبلت الشيعة تختلف إليه فكلما اجتمع إليه منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الحسين ع و هم يبكون و بايعه الناس حتى بايعه

  منهم ثمانية عشر ألفا فكتب مسلم إلى الحسين ع يخبره ببيعة ثمانية عشر ألفا و يأمره بالقدوم و جعلت الشيعة تختلف إلى مسلم بن عقيل رحمه الله حتى علم بمكانه. فبلغ النعمان بشير ذلك و كان واليا على الكوفة من قبل معاوية فأقره يزيد عليها فصعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد فاتقوا الله عباد الله و لا تسارعوا إلى الفتنة و الفرقة فإن فيها تهلك الرجال و تسفك الدماء و تغصب الأموال إني لا أقاتل من لا يقاتلني و لا آتي على من لم يأت علي و لا أنبه نائمكم و لا أتحرش بكم و لا آخذ بالقرف و لا الظنة و لا التهمة و لكنكم إن أبديتم صفحتكم لي و نكثتم بيعتكم و خالفتم إمامكم فو الله الذي لا إله غيره لأضربنكم بسيفي ما ثبت قائمة في يدي و لو لم يكن لي منكم ناصر أما إني أرجو أن يكون من يعرف الحق منكم أكثر ممن يرديه الباطل. فقام إليه عبد الله بن مسلم بن ربيعة الحضرمي حليف بني أمية فقال له إنه لا يصلح ما ترى إلا الغشم و هذا الذي أنت عليه فيما بينك و بين عدوك رأي المستضعفين فقال له النعمان إن أكون من المستضعفين في طاعة الله أحب إلي من أن أكون من الأعزين في معصية الله ثم نزل. و خرج عبد الله بن مسلم و كتب إلى يزيد بن معاوية كتابا أما بعد فإن مسلم بن عقيل قد قدم الكوفة و بايعه الشيعة للحسين بن علي بن أبي طالب فإن يكن لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلا قويا ينفذ أمرك و يعمل مثل عملك في عدوك فإن النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يتضعف. ثم كتب إليه عمارة بن عقبة بنحو من كتابه ثم كتب إليه عمر بن سعد بن أبي وقاص مثل ذلك فلما وصلت الكتب إلى يزيد دعا سرحون مولى معاوية فقال ما رأيك أن الحسين قد نفذ إلى الكوفة مسلم بن عقيل يبايع له و قد بلغني عن النعمان ضعف و قول سيئ فمن ترى أن أستعمل على الكوفة و كان يزيد عاتبا على عبيد الله بن زياد فقال له سرحون أ رأيت لو نشر لك معاوية حيا ما كنت آخذا برأيه قال بلى قال فأخرج سرحون عهد عبيد الله على الكوفة و قال هذا رأي معاوية مات و قد أمر بهذا الكتاب فضم المصرين إلى عبيد الله فقال له يزيد أفعل ابعث بعهد عبيد الله بن زياد إليه. ثم دعا مسلم بن عمرو الباهلي و كتب إلى عبيد الله معه أما بعد فإنه كتب إلي شيعتي من أهل الكوفة و يخبرونني أن ابن عقيل فيها يجمع الجموع ليشق عصا المسلمين فسر حين تقرأ كتابي هذا حتى تأتي الكوفة فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة حتى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه و السلام و سلم إليه عهده على الكوفة فخرج مسلم بن عمرو حتى قدم على عبيد الله البصرة و أوصل إليه العهد و الكتاب فأمر عبيد الله بالجهاز من وقته و المسير و التهيؤ إلى الكوفة من الغد ثم خرج من البصرة فاستخلف أخاه عثمان. و قال ابن نما ره رويت إلى حصين بن عبد الرحمن أن أهل الكوفة كتبوا إليه أنا معك مائة ألف و عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال بايع الحسين ع أربعون ألفا من أهل الكوفة على أن يحاربوا من حارب و يسالموا من سالم فعند ذلك رد جواب كتبهم يمنيهم بالقبول و يعدهم بسرعة الوصول و بعث مسلم بن عقيل. و قال السيد رحمه الله بعد ذلك و كان الحسين ع قد كتب إلى جماعة من أشراف البصرة كتابا مع مولى له اسمه سليمان و يكنى أبا رزين يدعوهم إلى نصرته و لزوم طاعته منهم يزيد بن مسعود النهشلي و المنذر بن الجارود العبدي فجمع يزيد بن مسعود بني تميم و بني حنظلة و بني سعد فلما حضروا قال يا بني تميم كيف ترون موضعي فيكم و حسبي منكم فقالوا بخ بخ أنت و الله فقرة الظهر و رأس الفخر

  حللت في الشرف وسطا و تقدمت فيه فرطا قال فإني قد جمعتكم لأمر أريد أن أشاوركم فيه و أستعين بكم عليه فقالوا إنما و الله نمنحك النصيحة و نحمد لك الرأي فقل نسمع. فقال إن معاوية مات فأهون به و الله هالكا و مفقودا ألا و إنه قد انكسر باب الجور و الإثم و تضعضعت أركان الظلم و قد كان أحدث بيعة عقد بها أمرا ظن أن قد أحكمه و هيهات و الذي أراد اجتهد و الله ففشل و شاور فخذل و قد قام يزيد شارب الخمور و رأس الفجور يدعي الخلافة على المسلمين و يتأمر عليهم مع قصر حلم و قلة علم لا يعرف من الحق موطأ قدمه. فأقسم بالله قسما مبرورا لجهاده على الدين أفضل من جهاد المشركين و هذا الحسين بن علي ابن رسول الله ص ذو الشرف الأصيل و الرأي الأثيل له فضل لا يوصف و علم لا ينزف و هو أولى بهذا الأمر لسابقته و سنه و قدمته و قرابته يعطف على الصغير و يحنو على الكبير فأكرم به راعي رعية و إمام قوم وجبت لله به الحجة و بلغت به الموعظة و لا تعشوا عن نور الحق و لا تسكعوا في وهدة الباطل فقد كان صخر بن قيس انخذل بكم يوم الجمل فاغسلوها بخروجكم إلى ابن رسول الله و نصرته و الله يقصر أحد عن نصرته إلا أورثه الله الذل في ولده و القلة في عشيرته و ها أنا قد لبست للحرب لأمتها و ادرعت لها بدرعها من لم يقتل يمت و من يهرب لم يفت فأحسنوا رحمكم الله رد الجواب. فتكلمت بنو حنظلة فقالوا أبا خالد نحن نبل كنانتك و فرسان عشيرتك إن رميت بنا أصبت و إن غزوت بنا فتحت لا تخوض و الله غمرة إلا خضناها و لا تلقى و الله شدة إلا لقيناها ننصرك بأسيافنا و نقيك بأبداننا إذا شئت. و تكلمت بنو سعد بن زيد فقالوا أبا خالد إن أبغض الأشياء إلينا خلافك و الخروج من رأيك و قد كان صخر بن قيس أمرنا بترك القتال فحمدنا أمرنا و بقي عزنا فينا فأمهلنا نراجع المشورة و يأتيك رأينا. و تكلمت بنو عامر بن تميم فقالوا يا أبا خالد نحن بنو أبيك و حلفاؤك لا نرضى إن غضبت و لا نقطن إن ظعنت و الأمر إليك فادعنا نجبك و مرنا نطعك و الأمر لك إذا شئت. فقال و الله يا بني سعد لئن فعلتموها لا رفع الله السيف عنكم أبدا و لا زال سيفكم فيكم. ثم كتب إلى الحسين صلوات الله عليه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أما بعد فقد وصل إلي كتابك و فهمت ما ندبتني إليه و دعوتني له من الأخذ بحظي من طاعتك و الفوز بنصيبي من نصرتك و إن الله لم يخل الأرض قط من عامل عليها بخير أو دليل على سبيل نجاة و أنتم حجة الله على خلقه و وديعته في أرضه تفرعتم من زيتونة أحمدية هو أصلها و أنتم فرعها فأقدم سعدت بأسعد طائر فقد ذللت لك أعناق بني تميم و تركتهم أشد تتابعا في طاعتك من الإبل الظماء لورود الماء يوم خمسها و قد ذللت لك رقاب بني سعد و غسلت درن صدورها بماء سحابة مزن حين استحل برقها فلمع. فلما قرأ الحسين الكتاب قال ما لك آمنك الله يوم الخوف و أعزك و أرواك يوم العطش. فلما تجهز المشار إليه للخروج إلى الحسين ع بلغه قتله قبل أن يسير فجزع من انقطاعه عنه. و أما المنذر بن جارود فإنه جاء بالكتاب و الرسول إلى عبيد الله بن زياد لأن المنذر خاف أن يكون الكتاب دسيسا من عبيد الله و كانت بحرية بنت المنذر بن جارود تحت عبيد الله بن زياد فأخذ عبيد الله الرسول فصلبه ثم صعد المنبر فخطب و توعد أهل البصرة على الخلاف و إثارة الإرجاف ثم بات تلك الليلة فلما أصبح استناب عليهم أخاه عثمان بن زياد و أسرع هو إلى قصد الكوفة. و قال ابن نما كتب الحسين ع كتابا إلى وجوه أهل البصرة منهم

  الأحنف بن قيس و قيس بن الهيثم و المنذر بن الجارود و يزيد بن مسعود النهشلي و بعث الكتاب مع زراع السدوسي و قيل مع سليمان المكنى بأبي رزين فيه إني أدعوكم إلى الله و إلى نبيه فإن السنة قد أميتت فإن تجيبوا دعوتي و تطيعوا أمري أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ فكتب الأحنف إليه أما بعد فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ثم ذكر أمر الرجلين مثل ما ذكره السيد رحمهما الله إلى أن قال. فلما أشرف على الكوفة نزل حتى أمسى ليلا فظن أهلها أنه الحسين ع و دخلها مما يلي النجف فقالت امرأة الله أكبر ابن رسول الله و رب الكعبة فتصايح الناس قالوا إنا معك أكثر من أربعين ألفا و ازدحموا عليه حتى أخذوا بذنب دابته و ظنهم أنه الحسين فحسر اللثام و قال إنا عبيد الله فتساقط القوم و وطئ بعضهم بعضا و دخل دار الإمارة و عليه عمامة سوداء. فلما أصبح قام خاطبا و عليهم عاتبا و لرؤسائهم مؤنبا و وعدهم بالإحسان على لزوم طاعته و بالإساءة على معصيته و الخروج عن حوزته ثم قال يا أهل الكوفة إن أمير المؤمنين يزيد ولاني بلدكم و استعملني على مصركم و أمرني بقسمة فيئكم بينكم و إنصاف مظلومكم من ظالمكم و أخذ الحق لضعيفكم من قويكم و الإحسان للسامع المطيع و التشديد على المريب فأبلغوا هذا الرجل الهاشمي مقالتي ليتقي غضبي و نزل يعني بالهاشمي مسلم بن عقيل رضي الله عنه. و قال المفيد و أقبل ابن زياد إلى الكوفة و معه مسلم بن عمرو الباهلي و شريك بن الأعور الحارثي و حشمه و أهل بيته حتى دخل الكوفة و عليه عمامة سوداء و هو متلثم و الناس قد بلغهم إقبال الحسين ع إليهم فهم ينتظرون قدومه فظنوا حين رأوا عبيد الله أنه الحسين ع فأخذ لا يمر على جماعة من الناس إلا سلموا عليه و قالوا مرحبا بك يا ابن رسول الله قدمت خير مقدم فرأى من تباشرهم بالحسين ما ساءه فقال مسلم بن عمرو لما أكثروا تأخروا هذا الأمير عبيد الله بن زياد. و سار حتى وافى القصر بالليل و معه جماعة قد التفوا به لا يشكون أنه الحسين ع فأغلق النعمان بن بشير عليه و على خاصته فناداه بعض من كان معه ليفتح لهم الباب فاطلع عليه النعمان و هو يظنه الحسين فقال أنشدك الله إلا تنحيت و الله ما أنا بمسلم إليك أمانتي و ما لي في قتالك من إرب فجعل لا يكلمه ثم إنه دنا و تدلى النعمان من شرف القصر فجعل يكلمه فقال افتح لا فتحت فقد طال ليلك و سمعها إنسان خلفه فنكص إلى القوم الذين اتبعوه من أهل الكوفة على أنه الحسين ع فقال يا قوم ابن مرجانة و الذي لا إله غيره ففتح له النعمان فدخل و ضربوا الباب في وجوه الناس و انفضوا. و أصبح فنادى في الناس الصلاة جامعة فاجتمع الناس فخرج إليهم فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد فإن أمير المؤمنين يزيد ولاني مصركم و ثغركم و فيئكم و أمرني بإنصاف مظلومكم و إعطاء محرومكم و الإحسان إلى سامعكم و مطيعكم كالوالد البر و سوطي و سيفي على من ترك أمري و خالف عهدي فليتق امرؤ على نفسه الصدق ينبئ عنك لا الوعيد ثم نزل. و أخذ العرفاء بالناس أخذا شديدا فقال اكتبوا إلى العرفاء و من فيكم من طلبة أمير المؤمنين و من فيكم من أهل الحرورية و أهل الريب الذين شأنهم الخلاف و النفاق و الشقاق فمن يجي‏ء لنا بهم فبرئ و من لم يكتب لنا أحدا فليضمن لنا من في عرافته أن لا يخالفنا منهم مخالف و لا يبغي علينا باغ فمن لم يفعل برئت منه الذمة و حلال لنا دمه و ماله و أيما عريف وجد في عرافته من بغية أمير المؤمنين أحد لم يرفعه إلينا صلب على باب داره و ألغيت تلك العرافة من العطاء. و لما سمع مسلم بن عقيل رحمه الله مجي‏ء عبيد الله إلى الكوفة و مقالته التي قالها و ما أخذ به العرفاء و الناس خرج من دار المختار حتى انتهى إلى دار هانئ

  بن عروة فدخلها فأخذت الشيعة تختلف إليه في دار هانئ على تستر و استخفاء من عبيد الله و تواصوا بالكتمان فدعا ابن زياد مولى له يقال له معقل فقال خذ ثلاثة آلاف درهم و اطلب مسلم بن عقيل و التمس أصحابه فإذا ظفرت بواحد منهم أو جماعة فأعطهم هذه الثلاثة آلاف درهم و قل لهم استعينوا بها على حرب عدوكم و أعلمهم أنك منهم فإنك لو قد أعطيتهم إياها لقد اطمأنوا إليك و وثقوا بك و لم يكتموك شيئا من أمورهم و أخبارهم ثم اغد عليهم و رح حتى تعرف مستقر مسلم بن عقيل و تدخل عليه. ففعل ذلك و جاء حتى جلس إلى مسلم بن عوسجة الأسدي في المسجد الأعظم و هو يصلي فسمع قوما يقولون هذا يبايع للحسين فجاء و جلس إلى جنبه حتى فرغ من صلاته ثم قال يا عبد الله إني امرؤ من أهل الشام أنعم الله علي بحب أهل البيت و حب من أحبهم و تباكى له و قال معي ثلاثة آلاف درهم أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول الله ص فكنت أريد لقاءه فلم أجد أحدا يدلني عليه و لا أعرف مكانه فإني لجالس في المسجد الآن إذ سمعت نفرا من المؤمنين يقولون هذا رجل له علم بأهل هذا البيت و إني أتيتك لتقبض مني هذا المال و تدخلني على صاحبك فإني أخ من إخوانك و ثقة عليك و إن شئت أخذت بيعتي له قبل لقائه. فقال له ابن عوسجة أحمد الله على لقائك إياي فقد سرني ذلك لتنال الذي تحب و لينصرن الله بك أهل بيت نبيه عليه و عليهم السلام و لقد ساءني معرفة الناس إياي بهذا الأمر قبل أن يتم مخافة هذه الطاغية و سطوته فقال له معقل لا يكون إلا خيرا خذ البيعة علي فأخذ بيعته و أخذ عليه المواثيق المغلظة ليناصحن و ليكتمن فأعطاه من ذلك ما رضي به ثم قال له اختلف إلي أياما في منزلي فإني طالب لك الإذن على صاحبك و أخذ يختلف مع الناس فطلب له الإذن فأذن له و أخذ مسلم بن عقيل بيعته و أمر أبا ثمامة الصائدي بقبض المال منه و هو الذي كان يقبض أموالهم و ما يعين به بعضهم بعضا و يشتري لهم به السلاح و كان بصيرا و فارسا من فرسان العرب و وجوه الشيعة و أقبل ذلك الرجل يختلف إليهم فهو أول داخل و آخر خارج حتى فهم ما احتاج إليه ابن زياد من أمرهم فكان يخبره به وقتا فوقتا. و قال ابن شهرآشوب لما دخل مسلم الكوفة سكن في دار سالم بن المسيب فبايعه اثنا عشر ألف رجل فلما دخل ابن زياد انتقل من دار سالم إلى دار هانئ في جوف الليل و دخل في أمانه و كان يبايعه الناس حتى بايعه خمسة و عشرون ألف رجل فعزم على الخروج فقال هانئ لا تعجل و كان شريك بن الأعور الهمداني جاء من البصرة مع عبيد الله بن زياد فمرض فنزل دار هانئ أياما ثم قال لمسلم إن عبيد الله يعودني و إني مطاولة الحديث فاخرج إليه بسيفك فاقتله و علامتك أن أقول اسقوني ماء و نهاه هانئ عن ذلك فلما دخل عبيد الله على شريك و سأله عن وجعه و طال سؤاله و رأى أن أحدا لا يخرج فخشي أن يفوته فأخذ يقول. شعر

ما الانتظار بسلمى أن تحييها كأس المنية بالتعجيل اسقوها

. فتوهم ابن زياد و خرج فلما دخل القصر أتاه مالك بن يربوع التميمي بكتاب أخذه من يدي عبد الله بن يقطر فإذا فيه للحسين بن علي ع أما بعد فإني أخبرك أنه قد بايعك من أهل الكوفة كذا فإذا أتاك كتابي هذا فالعجل العجل فإن الناس كلهم معك و ليس لهم في يزيد رأي و لا هوى فأمر ابن زياد بقتله. و قال ابن نما فلما خرج ابن زياد دخل مسلم و السيف في كفه قال له شريك ما منعك من الأمر قال مسلم هممت بالخروج فتعلقت بي امرأة و قالت نشدتك الله إن قتلت ابن زياد في دارنا و بكت في وجهي فرميت السيف و جلست قال هانئ يا ويلها قتلتني و قتلت نفسها و الذي فررت منه وقعت فيه. و قال أبو الفرج في المقاتل قال هانئ لمسلم إني لا أحب أن يقتل في داري قال فلما خرج مسلم قال له شريك ما منعك من قتله قال خصلتان أما إحداهما فكراهية هانئ أن يقتل في داره و أما الأخرى فحديث حدثنيه الناس عن النبي ص أن الإيمان قيد الفتك فلا يفتك مؤمن فقال له هانئ أما و الله لو قتلته لقتلت فاسقا فاجرا كافرا. ثم قال المفيد و خاف هانئ بن عروة عبيد الله على نفسه فانقطع عن حضور مجلسه و تمارض فقال ابن زياد لجلسائه ما لي لا أرى هانئا فقالوا هو شاك فقال لو علمت بمرضه لعدته و دعا محمد بن الأشعث و أسماء بن خارجة و عمرو بن الحجاج الزبيدي و كانت رويحة بنت عمرو تحت هانئ بن عروة و هي أم يحيى بن هانئ فقال لهم ما يمنع هانئ بن عروة من إتياننا فقالوا ما ندري و قد قيل إنه يشتكي قال قد بلغني أنه قد برئ و هو يجلس على باب داره فألقوه و مروه أن لا يدع ما عليه من حقنا فإني لا أحب أن يفسد عندي مثله من أشراف العرب. فأتوه حتى وقفوا عليه عشية و هو جالس على بابه و قالوا له ما يمنعك من لقاء الأمير فإنه قد ذكرك و قال لو أعلم أنه شاك لعدته فقال لهم الشكوى تمنعني فقالوا قد بلغه أنك تجلس كل عشية على باب دارك و قد استبطأك و الإبطاء و الجفاء لا يحتمل السلطان أقسمنا عليك لما ركبت معنا فدعا بثيابه فلبسها ثم دعا ببغلته فركبها حتى إذا دنا من القصر كأن نفسه أحست ببعض الذي كان فقال لحسان بن أسماء بن خارجة يا ابن الأخ إني و الله لهذا الرجل لخائف فما ترى فقال يا عم و الله ما أتخوف عليك شيئا و لم تجعل على نفسك سبيلا و لم يكن حسان يعلم في أي شي‏ء بعث إليه عبيد الله. فجاء هانئ حتى دخل على عبيد الله بن زياد و عنده القوم فلما طلع قال عبيد الله أتتك بحائن رجلاه. فلما دنا من ابن زياد و عنده شريح القاضي التفت نحوه فقال.

أريد حباءه و يريد قتلي عذيرك من خليلك من مراد

. و قد كان أول ما قدم مكرما له ملطفا فقال له هانئ و ما ذاك أيها الأمير قال إيه يا هانئ بن عروة ما هذه الأمور التي تربص في دارك لأمير المؤمنين و عامة المسلمين جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك و جمعت له الجموع و السلاح و الرجال في الدور حولك و ظننت أن ذلك يخفى علي قال ما فعلت ذلك و ما مسلم عندي قال بلى قد فعلت فلما كثر بينهما و أبى هانئ إلا مجاحدته و مناكرته دعا ابن زياد معقلا ذلك العين فجاء حتى وفق بين يديه و قال أ تعرف هذا قال نعم و علم هانئ عند ذلك أنه كان عينا عليهم و أنه قد أتاه بأخبارهم فأسقط في يده ساعة. ثم راجعته نفسه فقال اسمع مني و صدق مقاتلي فو الله ما كذبت و الله ما دعوته إلى منزلي و لا علمت بشي‏ء من أمره حتى جاءني يسألني النزول فاستحييت من رده و داخلني من ذلك ذمام فضيفته و آويته و قد كان من أمره ما بلغك فإن شئت أن أعطيك الآن موثقا مغلظا أن لا أبغيك سوءا و لا غائلة و لآتينك حتى أضع يدي في يدك و إن شئت أعطيتك رهينة تكون في يدك حتى آتيك و أنطلق إليه فآمره أن يخرج من داري إلى حيث شاء من الأرض فأخرج من ذمامه و جواره. فقال له ابن زياد و الله لا تفارقني أبدا حتى تأتيني به قال لا و الله لا أجيئك به أبدا أجيئك بضيفي تقتله قال و الله لتأتيني به قال و الله لا آتيك به فلما كثر الكلام بينهما قام مسلم بن عمرو الباهلي و ليس بالكوفة شامي و لا بصري غيره فقال أصلح الله الأمير خلني و إياه حتى أكلمه فقام فخلا به ناحية من ابن زياد و هما منه بحيث يراهما فإذا رفعا أصواتهما سمع ما يقولان. فقال له مسلم يا هانئ أنشدك الله أن تقتل نفسك و أن تدخل البلاء في عشيرتك فو الله إني لأنفس بك عن القتل إن هذا ابن عم القوم و ليسوا قاتليه و لا ضائريه فادفعه إليهم فإنه ليس عليك بذلك مخزاة و لا منقصة إنما تدفعه إلى السلطان فقال هانئ و الله إن علي في ذلك الخزي و العار أن أدفع جاري و ضيفي و أنا حي صحيح أسمع و أرى شديد الساعد كثير الأعوان و الله لو لم يكن لي إلا واحد ليس لي ناصر لم أدفعه حتى أموت دونه فأخذ يناشده و هو يقول و الله لا أدفعه إليه أبدا. فسمع ابن زياد لعنه الله ذلك فقال ادنوه مني فأدنوه منه فقال و الله لتأتيني به أو لأضربن عنقك فقال هانئ إذا و الله تكثر البارقة حول دارك فقال ابن زياد وا لهفاه عليك أ بالبارقة تخوفني و هو يظن أن عشيرته سيمنعونه ثم قال ادنوه مني فأدني منه فاستعرض وجهه بالقضيب فلم يزل يضرب به أنفه و جبينه و خده حتى كسر أنفه و سال الدماء على وجهه و لحيته و نثر لحم جبينه و خده على لحيته حتى كسر القضيب و ضرب هانئ يده على قائم سيف شرطي و جاذبه الرجل و منعه. فقال عبيد الله أ حروري سائرا اليوم قد حل دمك جروه فجروه فألقوه في بيت من بيوت الدار و أغلقوا عليه بابه فقال اجعلوا عليه حرسا ففعل ذلك به فقام إليه حسان بن أسماء فقال أرسل غدر سائر اليوم أمرتنا أن نجيئك بالرجل حتى إذا جئناك به هشمت أنفه و وجهه و سيلت دماءه على لحيته و زعمت أنك تقتله فقال له عبيد الله و إنك لهاهنا فأمر به فلهز و تعتع و أجلس ناحية فقال محمد بن الأشعث قد رضينا بما رأى الأمير لنا كان أم علينا إنما الأمير مؤدب. و بلغ عمرو بن الحجاج أن هانئا قد قتل فأقبل في مذحج حتى أحاط بالقصر و معه جمع عظيم و قال أنا عمرو بن الحجاج و هذه فرسان مذحج و وجوهها لم نخلع و لم نفارق جماعة و قد بلغهم أن صاحبهم قد قتل فأعظموا ذلك فقيل لعبيد الله بن زياد و هذه فرسان مذحج بالباب فقال لشريح القاضي ادخل على

  صاحبهم فانظر إليه ثم أخرج فأعلمهم أنه حي لم يقتل فدخل شريح فنظر إليه فقال هانئ لما رأى شريحا يا لله يا للمسلمين أهلكت عشيرتي أين أهل الدين أين أهل المصر و الدماء تسيل على لحيته إذ سمع الضجة على باب القصر فقال إني لأظنها أصوات مذحج و شيعتي من المسلمين إنه إن دخل علي عشرة نفر أنقذوني. فلما سمع كلامه شريح خرج إليهم فقال لهم إن الأمير لما بلغه كلامكم و مقالتكم في صاحبكم أمرني بالدخول إليه فأتيته فنظرت إليه فأمرني أن ألقاكم و أعرفكم أنه حي و أن الذي بلغكم من قتله باطل فقال له عمرو بن الحجاج و أصحابه أما إذ لم يقتل فالحمد لله ثم انصرفوا. فخرج عبيد الله بن زياد فصعد المنبر و معه أشراف الناس و شرطه و حشمه فقال أما بعد أيها الناس فاعتصموا بطاعة الله و طاعة أئمتكم و لا تفرقوا فتهلكوا و تذلوا و تقتلوا و تجفوا و تحرموا إن أخاك من صدقك و قد أعذر من أنذر و السلام ثم ذهب لينزل فما نزل عن المنبر حتى دخلت النظارة المسجد من قبل باب التمارين يشتدون و يقولون قد جاء ابن عقيل فدخل عبيد الله القصر مسرعا و أغلق أبوابه فقال عبد الله بن حازم أنا و الله رسول ابن عقيل إلى القصر لأنظر ما فعل هانئ فلما ضرب و حبس ركبت فرسي فكنت أول داخل الدار على مسلم بن عقيل بالخبر و إذا نسوة لمراد مجتمعات ينادين يا عبرتاه يا ثكلاه فدخلت على مسلم فأخبرته الخبر فأمرني أن أنادي في أصحابه و قد ملأ بهم الدور حوله كانوا فيها أربعة آلاف رجل فقال ناد يا منصور أمت فناديت فتنادى أهل الكوفة و اجتمعوا عليه. فعقد مسلم رحمه الله لرءوس الأرباع كندة و مذحج و تميم و أسد و مضر و همدان و تداعى الناس و اجتمعوا فما لبثنا إلا قليلا حتى امتلأ المسجد من الناس و السوق و ما زالوا يتوثبون حتى المساء فضاق بعبيد الله أمره و كان أكثر عمله أن يمسك باب القصر و ليس معه إلا ثلاثون رجلا من الشرط و عشرون رجلا من أشراف الناس و أهل بيته و خاصته و أقبل من نأى عنه من أشراف الناس يأتونه من قبل الباب الذي يلي الدار الروميين و جعل من في القصر مع ابن زياد يشرفون عليهم فينظرون إليهم و هم يرمونهم بالحجارة و يشتمونهم و يفترون على عبيد الله و على أمه. فدعا ابن زياد كثير بن شهاب و أمره أن يخرج فيمن أطاعه في مذحج فيسير في الكوفة و يخذل الناس عن ابن عقيل و يخوفهم الحرب و يحذرهم عقوبة السلطان و أمر محمد بن الأشعث أن يخرج فيمن أطاعه من كندة و حضرموت فيرفع راية أمان لمن جاءه من الناس و قال مثل ذلك للقعقاع الذهلي و شبث بن ربعي التميمي و حجار بن أبجر السلمي و شمر بن ذي الجوشن العامري و حبس باقي وجوه الناس عنده استيحاشا إليهم لقلة عدد من معه من الناس. فخرج كثير بن شهاب يخذل الناس عن مسلم و خرج محمد بن الأشعث حتى وقف عند دور بني عمارة فبعث ابن عقيل إلى محمد بن الأشعث عبد الرحمن بن شريح الشيباني فلما رأى ابن الأشعث كثرة من أتاه تأخر عن مكانه و جعل محمد بن الأشعث و كثير بن شهاب و القعقاع بن ثور الذهلي و شبث بن ربعي يردون الناس عن اللحوق بمسلم و يخوفونهم السلطان حتى اجتمع إليهم عدد كثير من قومهم و غيرهم فصاروا إلى ابن زياد من قبل دار الروميين و دخل القوم معهم. فقال كثير بن شهاب أصلح الله الأمير معك في القصر ناس كثير من أشراف الناس و من شرطك و أهل بيتك و مواليك فأخرج بنا إليهم فأبى عبيد الله و عقد لشبث بن ربعي لواء و أخرجه و أقام الناس مع ابن عقيل يكثرون حتى المساء و أمرهم شديد فبعث عبيد الله إلى الأشراف فجمعهم ثم أشرفوا على الناس فمنوا أهل الطاعة الزيادة و الكرامة و خوفوا أهل المعصية الحرمان و العقوبة و أعلموهم وصول الجند من الشام إليهم. و تكلم كثير بن شهاب حتى كادت الشمس أن تجب فقال أيها الناس الحقوا بأهاليكم و لا تعجلوا الشر و لا تعرضوا أنفسكم للقتل فإن هذه جنود أمير المؤمنين يزيد قد أقبلت و قد أعطى الله الأمير عهدا لئن تممتم على حربه و لم تنصرفوا

  من عشيتكم أن يحرم ذريتكم العطاء و يفرق مقاتليكم في مفازي الشام و أن يأخذ البري‏ء منكم بالسقيم و الشاهد بالغائب حتى لا يبقى له بقية من أهل المعصية إلا أذاقها وبال ما جنت أيديها و تكلم الأشراف بنحو من ذلك. فلما سمع الناس مقالتهم أخذوا يتفرقون و كانت المرأة تأتي ابنها أو أخاها فتقول انصرف الناس يكفونك و يجي‏ء الرجل إلى ابنه أو أخيه و يقول غدا تأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب و الشر انصرف فيذهب به فينصرف فما زالوا يتفرقون حتى أمسى ابن عقيل و صلى المغرب و ما معه إلا ثلاثون نفسا في المسجد. فلما رأى أنه قد أمسى و ليس معه إلا أولئك النفر خرج متوجها إلى أبواب كندة فلم يبلغ الأبواب إلا و معه منهم عشرة ثم خرج من الباب و إذا ليس معه إنسان يدله فالتفت فإذا هو لا يحس أحدا يدله على الطريق و لا يدله على منزله و لا يواسيه بنفسه إن عرض له عدو فمضى على وجهه متلددا في أزقة الكوفة لا يدري أين يذهب حتى خرج إلى دور بني جبلة من كندة فمضى حتى أتى إلى باب امرأة يقال لها طوعة أم ولد كانت للأشعث بن قيس و أعتقها و تزوجها أسيد الحضرمي فولدت له بلالا و كان بلال قد خرج مع الناس و أمه قائمة تنتظره. فسلم عليها ابن عقيل فردت ع فقال لها يا أمة الله اسقيني ماء فسقته و جلس و دخلت ثم خرجت فقالت يا عبد الله أ لم تشرب قال بلى قالت فاذهب إلى أهلك فسكت ثم أعادت مثل ذلك فسكت ثم قالت في الثالثة سبحان الله يا عبد الله قم عافاك الله إلى أهلك فإنه لا يصلح لك الجلوس على بابي و لا أحله لك فقام و قال يا أمة الله ما لي في هذا المصر أهل و لا عشيرة فهل لك في أجر و معروف و لعلي مكافيك بعد هذا اليوم قالت يا عبد الله و ما ذاك قال. أنا مسلم بن عقيل كذبني هؤلاء القوم و غروني و أخرجوني قالت أنت مسلم قال نعم قالت ادخل. فدخل إلى بيت دارها غير البيت الذي تكون فيه و فرشت له و عرضت عليه العشاء فلم يتعش و لم يكن بأسرع من أن جاء ابنها فرآها تكثر الدخول في البيت و الخروج منه فقال لها و الله إنه ليريبني كثرة دخولك إلى هذا البيت و خروجك منه منذ الليلة إن لك لشأنا قالت له يا بني اله عن هذا قال و الله لتخبريني قالت له أقبل على شأنك و لا تسألني عن شي‏ء فألح عليها فقالت يا بني لا تخبرن أحدا من الناس بشي‏ء مما أخبرك به قال نعم فأخذت عليه الأيمان فحلف لها فأخبرته فاضطجع و سكت. و لما تفرق الناس عن مسلم بن عقيل رحمه الله طال على ابن زياد و جعل لا يسمع لأصحاب ابن عقيل صوتا كما كان يسمع قبل ذلك فقال لأصحابه أشرفوا فانظروا هل ترون منهم أحدا فأشرفوا فلم يجدوا أحدا قال فانظروهم لعلهم تحت الظلال قد كمنوا لكم فنزعوا تخاتج المسجد و جعلوا يخفضون بشعل النار في أيديهم و ينظرون و كانت أحيانا تضي‏ء لهم و تارة لا تضي‏ء لهم كما يريدون فدلوا القناديل و أطنان القصب تشد بالحبال ثم يجعل فيها النيران ثم تدلى حتى ينتهي إلى الأرض ففعلوا ذلك في أقصى الظلال و أدناها و أوسطها حتى فعل ذلك بالظلة التي فيها المنبر فلما لم يروا شيئا أعلموا ابن زياد بتفرق القوم. ففتح باب السدة التي في المسجد ثم خرج فصعد المنبر و خرج أصحابه معه و أمرهم فجلسوا قبيل العتمة و أمر عمر بن نافع فنادى ألا برئت الذمة من رجل من الشرط أو العرفاء و المناكب أو المقاتلة صلى العتمة إلا في المسجد فلم يكن إلا ساعة حتى امتلأ المسجد من الناس ثم أمر مناديه فأقام الصلاة و أقام الحرس خلفه و أمرهم بحراسته من أن يدخل إليه من يغتاله و صلى بالناس. ثم صعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد فإن ابن عقيل السفيه الجاهل قد أتى ما رأيتم من الخلاف و الشقاق فبرئت ذمة الله من رجل وجدناه في داره و من جاء به فله ديته اتقوا الله عباد الله و الزموا الطاعة و بيعتكم و لا تجعلوا على أنفسكم سبيلا. يا حصين بن نمير ثكلتك أمك إن ضاع باب سكة من سكك الكوفة و خرج هذا الرجل و لم تأتني به و قد سلطتك على دور أهل الكوفة فابعث مراصد على

  أهل الكوفة و دورهم و أصبح غدا و استبرئ الدور و جس خلالها حتى تأتيني بهذا الرجل و كان الحصين بن نمير على شرطه و هو من بني تميم ثم دخل ابن زياد القصر و قد عقد لعمرو بن حريث راية و أمره على الناس. فلما أصبح جلس مجلسه و أذن للناس فدخلوا عليه و أقبل محمد بن الأشعث فقال مرحبا بمن لا يستغش و لا يتهم ثم أقعده إلى جنبه و أصبح ابن تلك العجوز فغدا إلى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فأخبره بمكان مسلم بن عقيل عند أمه فأقبل عبد الرحمن حتى أتى أباه و هو عند ابن زياد فساره فعرف ابن زياد سراره فقال له ابن زياد بالقضيب في جنبه قم فأتني به الساعة فقام و بعث معه قومه لأنه قد علم أن كل قوم يكرهون أن يصاب فيهم مثل مسلم بن عقيل. فبعث معه عبيد الله بن عباس السلمي في سبعين رجلا من قيس حتى أتوا الدار التي فيها مسلم بن عقيل رحمه الله فلما سمع وقع حوافر الخيل و أصوات الرجال علم أنه قد أتى فخرج إليهم بسيفه و اقتحموا عليه الدار فشد عليهم يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من الدار ثم عادوا إليه فشد عليهم كذلك فاختلف هو و بكر بن حمران الأحمري ضربتين فضرب بكر فم مسلم فقطع شفته العليا و أسرع السيف في السفلى و فصلت له ثنيتاه و ضرب مسلم في رأسه ضربة منكرة و ثناه بأخرى على حبل العاتق كادت تطلع إلى جوفه. فلما رأوا ذلك أشرفوا عليه من فوق البيت و أخذوا يرمونه بالحجارة و يلهبون النار في أطنان القصب ثم يرمونها عليه من فوق البيت فلما رأى ذلك خرج عليهم مصلتا بسيفه في السكة فقال محمد بن الأشعث لك الأمان لا تقتل نفسك و هو يقاتلهم و يقول.

أقسمت لا أقتل إلا حرا و إن رأيت الموت شيئا نكراو يخلط البارد سخنا مرا رد شعاع الشمس فاستقراكل امرئ يوما ملاق شرا أخاف أن أكذب أو أغرا

. فقال له محمد بن الأشعث إنك لا تكذب و لا تغر و لا تخدع إن القوم بنو عمك و ليسوا بقاتليك و لا ضائريك و كان قد أثخن بالحجارة و عجز عن القتال فانتهز و استند ظهره إلى جنب تلك الدار فأعاد ابن الأشعث عليه القول لك الأمان فقال آمن أنا قال نعم فقال للقوم الذين معه إلي الأمان قال القوم له نعم إلا عبيد الله بن العباس السلمي فإنه قال لا ناقة لي في هذا و لا جمل ثم تنحى. فقال مسلم أما لو لم تأمنوني ما وضعت يدي في أيديكم فأتي ببغلة فحمل عليها و اجتمعوا حوله و نزعوا سيفه و كأنه عند ذلك يئس من نفسه فدمعت عيناه ثم قال هذا أول الغدر فقال له محمد بن الأشعث أرجو أن لا يكون عليك بأس قال و ما هو إلا الرجاء أين أمانكم إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ و بكى فقال له عبيد الله بن العباس إن من يطلب مثل الذي طلبت إذا ينزل به مثل ما نزل بك لم يبك قال و الله إني ما لنفسي بكيت و لا لها من القتل أرثي و إن كنت لم أحب لها طرفة عين تلفا و لكني أبكي لأهلي المقبلين إني أبكي للحسين و آل الحسين ع. ثم أقبل على محمد بن الأشعث فقال يا عبد الله إني أراك و الله ستعجز عن أماني فهل عندك خير تستطيع أن تبعث من عندك رجلا على لساني أن يبلغ حسينا فإني لا أراه إلا و قد خرج اليوم أو خارج غدا و أهل بيته و يقول له إن ابن عقيل بعثني إليك و هو أسير في يد القوم لا يرى أنه يمسي حتى يقتل و هو يقول لك. ارجع فداك أبي و أمي بأهل بيتك و لا يغررك أهل الكوفة فإنهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنى فراقهم بالموت أو القتل إن أهل الكوفة قد كذبوك و ليس لمكذوب رأي فقال ابن الأشعث و الله لأفعلن و لأعلمن ابن زياد أني قد أمنتك. و قال محمد بن شهرآشوب أنفذ عبيد الله عمرو بن حريث المخزومي و محمد بن الأشعث في سبعين رجلا حتى أطافوا بالدار فحمل مسلم عليهم و هو يقول

هو الموت فاصنع و يك ما أنت صانع فأنت لكأس الموت لا شك جارع‏فصبر لأمر الله جل جلاله فحكم قضاء الله في الخلق ذائع

. فقتل منهم أحدا و أربعين رجلا. و قال محمد بن أبي طالب لما قتل مسلم منهم جماعة كثيرة و بلغ ذلك ابن زياد أرسل إلى محمد بن الأشعث يقول بعثناك إلى رجل واحد لتأتينا به فثلم في أصحابك ثلمة عظيمة فكيف إذا أرسلناك إلى غيره فأرسل ابن الأشعث أيها الأمير أ تظن أنك بعثتني إلى بقال من بقالي الكوفة أو إلى جرمقاني من جرامقة الحيرة أ و لم تعلم أيها الأمير أنك بعثتني إلى أسد ضرغام و سيف حسام في كف بطل همام من آل خير الأنام فأرسل إليه ابن زياد أن أعطه الأمان فإنك لا تقدر عليه إلا به. أقول روي في بعض كتب المناقب عن علي بن أحمد العاصمي عن إسماعيل بن أحمد البيهقي عن والده عن أبي الحسين بن بشران عن أبي عمرو بن السماك عن حنبل بن إسحاق عن الحميدي عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال أرسل الحسين ع مسلم بن عقيل إلى الكوفة و كان مثل الأسد قال عمرو و غيره لقد كان من قوته أنه يأخذ الرجل بيده فيرمي به فوق البيت. رجعنا إلى كلام المفيد رحمه الله قال و أقبل ابن الأشعث بابن عقيل إلى باب القصر و استأذن فأذن له فدخل على عبيد الله بن زياد فأخبره خبر ابن عقيل و ضرب بكر إياه و ما كان من أمانه له فقال له عبيد الله و ما أنت و الأمان كأنا أرسلناك لتؤمنه إنما أرسلناك لتأتينا به فسكت ابن الأشعث و انتهى بابن عقيل إلى باب القصر و قد اشتد به العطش و على باب القصر ناس جلوس ينتظرون الإذن فيهم عمارة بن عقبة بن أبي معيط و عمرو بن حريث و مسلم بن عمرو و كثير بن شهاب و إذا قلة باردة موضوعة على الباب. فقال مسلم اسقوني من هذا الماء فقال له مسلم بن عمرو أ تراها ما أبردها لا و الله لا تذوق منها قطرة أبدا حتى تذوق الحميم في نار جهنم فقال له ابن عقيل ويحك من أنت فقال أنا الذي عرف الحق إذ أنكرته و نصح لإمامه إذ غششته و أطاعه إذ خالفته أنا مسلم بن عمرو الباهلي فقال له ابن عقيل لأمك الثكل ما أجفاك و أقطعك و أقسى قلبك أنت يا ابن باهلة أولى بالحميم و الخلود في نار جهنم مني. ثم جلس فتساند إلى حائط و بعث غلاما له فأتاه بقلة عليها منديل و قدح فصب فيه ماء فقال له اشرب فأخذ كلما شرب امتلأ القدح دما من فمه و لا يقدر أن يشرب ففعل ذلك مرتين فلما ذهب في الثالثة ليشرب سقطت ثناياه في القدح فقال الحمد لله لو كان لي من الرزق المقسوم لشربته و خرج رسول ابن زياد فأمر بإدخاله إليه. فلما دخل لم يسلم عليه بالإمرة فقال له الحرسي أ لا تسلم على الأمير فقال إن كان يريد قتلي فما سلامي عليه و إن كان لا يريد قتلي فليكثرن سلامي عليه فقال له ابن زياد لعمري لتقتلن قال كذلك قال نعم قال فدعني أوصي إلى بعض قومي قال افعل فنظر مسلم إلى جلساء عبيد الله بن زياد و فيهم عمر بن سعد بن أبي وقاص فقال يا عمر إن بيني و بينك قرابة و لي إليك حاجة و قد يجب لي عليك نجح حاجتي و هي سر فامتنع عمر أن يسمع منه فقال له عبيد الله بن زياد لم تمتنع أن تنظر في حاجة ابن عمك فقام معه فجلس حيث

  ينظر إليهما ابن زياد فقال له إن علي بالكوفة دينا استدنته منذ قدمت الكوفة سبعمائة درهم فبع سيفي و درعي فاقضها عني و إذا قتلت فاستوهب جثتي من ابن زياد فوارها و ابعث إلى الحسين ع من يرده فإني قد كتبت إليه أعلمه أن الناس معه و لا أراه إلا مقبلا. فقال عمر لابن زياد أ تدري أيها الأمير ما قال لي إنه ذكر كذا و كذا فقال ابن زياد إنه لا يخونك الأمين و لكن قد يؤتمن الخائن أما ماله فهو له و لسنا نمنعك أن تصنع به ما أحب و أما جثته فإنا لا نبالي إذا قتلناه ما صنع بها و أما حسين فإنه إن لم يردنا لم نرده. ثم قال ابن زياد إيه ابن عقيل أتيت الناس و هم جمع فشتت بينهم و فرقت كلمتهم و حملت بعضهم على بعض قال كلا لست لذلك أتيت و لكن أهل المصر زعموا أن أباك قتل خيارهم و سفك دماءهم و عمل فيهم أعمال كسرى و قيصر فأتيناهم لنأمر بالعدل و ندعو إلى الكتاب فقال له ابن زياد و ما أنت و ذاك يا فاسق لم لم تعمل فيهم بذلك إذ أنت بالمدينة تشرب الخمر قال مسلم أنا أشرب الخمر أما و الله إن الله ليعلم أنك غير صادق و أنك قد قلت بغير علم و إني لست كما ذكرت و إنك أحق بشرب الخمر مني و أولى بها من يلغ في دماء المسلمين ولغا فيقتل النفس التي حرم الله قتلها و يسفك الدم الذي حرم الله على الغصب و العداوة و سوء الظن و هو يلهو و يلعب كأن لم يصنع شيئا. فقال له ابن زياد يا فاسق إن نفسك منتك ما حال الله دونه و لم يرك الله له أهلا فقال مسلم فمن أهله إذا لم نكن نحن أهله فقال ابن زياد أمير المؤمنين يزيد فقال مسلم الحمد لله على كل حال رضينا بالله حكما بيننا و بينكم فقال له ابن زياد قتلني الله إن لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد في الإسلام من الناس فقال له مسلم أما إنك أحق من أحدث في الإسلام ما لم يكن و إنك لا تدع سوء القتلة و قبح المثلة و خبث السيرة و لؤم الغلبة لا أحد أولى بها منك فأقبل ابن زياد يشتمه و يشتم الحسين و عليا و عقيلا و أخذ مسلم لا يكلمه. ثم قال ابن زياد اصعدوا به فوق القصر فاضربوا عنقه ثم اتبعوه جسده فقال مسلم رحمه الله و الله لو كان بيني و بينك قرابة ما قتلتني فقال ابن زياد أين هذا الذي ضرب ابن عقيل رأسه بالسيف فدعا بكر بن حمران الأحمري فقال له اصعد فليكن أنت الذي تضرب عنقه فصعد به و هو يكبر و يستغفر الله و يصلي على رسول الله ص و يقول اللهم احكم بيننا و بين قوم غرونا و كذبونا و خذلونا. و أشرفوا به على موضع الحذاءين اليوم فضرب عنقه و أتبع رأسه جثته. و قال السيد و لما قتل مسلم منهم جماعة نادى إليه محمد بن الأشعث يا مسلم لك الأمان فقال مسلم و أي أمان للغدرة الفجرة ثم أقبل يقاتلهم و يرتجز بأبيات حمران بن مالك الخثعمي

يوم القرن أقسمت لا أقتل إلا حرا

 إلى آخر الأبيات فنادى إليه أنك لا تكذب و لا تغر فلم يلتفت إلى ذلك و تكاثروا عليه بعد أن أثخن بالجراح فطعنه رجل من خلفه فخر إلى الأرض فأخذ أسيرا فلما دخل على عبيد الله لم يسلم عليه فقال له الحرسي سلم على الأمير فقال له. اسكت يا ويحك و الله ما هو لي بأمير فقال ابن زياد لا عليك سلمت أم لم تسلم فإنك مقتول فقال له مسلم إن قتلتني فلقد قتل من هو شر منك من هو خير مني ثم قال ابن زياد يا عاق و يا شاق خرجت على إمامك و شققت عصا المسلمين و ألقحت الفتنة فقال مسلم كذبت يا ابن زياد إنما شق عصا المسلمين معاوية و ابنه يزيد و أما الفتنة فإنما ألقحها أنت و أبوك زياد بن عبيد عبد بني علاج من ثقيف و أنا أرجو أن يرزقني الله الشهادة على يدي شر بريته. ثم قال السيد بعد ما ذكر بعض ما مر فضرب عنقه و نزل مذعورا فقال له ابن زياد ما شأنك فقال أيها الأمير رأيت ساعة قتلته رجلا أسود سيئ الوجه حذائي عاضا على إصبعه أو قال شفتيه ففزعت فزعا لم أفزعه قط فقال ابن زياد لعلك دهشت. و قال المسعودي دعا ابن زياد بكير بن حمران الذي قتل مسلما فقال أ قتلته قال نعم قال فما كان يقول و أنتم تصعدون به لتقتلوه قال كان يكبر و يسبح و يهلل و يستغفر الله فلما أدنيناه لنضرب عنقه قال اللهم احكم بيننا و بين قوم غرونا و كذبونا ثم خذلونا و قتلونا فقلت له الحمد لله الذي أقادني منك و ضربته ضربة لم تعمل شيئا فقال لي أ و ما يكفيك في خدش مني وفاء بدمك أيها العبد قال ابن زياد و فخرا عند الموت قال و ضربته الثانية فقتلته. و قال المفيد فقام محمد بن الأشعث إلى عبيد الله بن زياد فكلمه في هانئ بن عروة فقال إنك قد عرفت موضع هانئ من المصر و بيته في العشيرة و قد علم قومه إني و صاحبي سقناه إليك و أنشدك الله لما وهبته لي فإني أكره عداوة المصر و أهله فوعده أن يفعل ثم بدا له و أمر بهانئ في الحال فقال أخرجوه إلى السوق فاضربوا عنقه فأخرج هانئ حتى أتي به إلى مكان من السوق كان يباع فيه الغنم و هو مكتوف فجعل يقول وا مذحجاه و لا مذحج لي اليوم يا مذحجاه يا مذحجاه أين مذحج. فلما رأى أن أحدا لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتاف ثم قال أ ما من عصا أو سكين أو حجارة أو عظم يحاجز به رجل عن نفسه و وثبوا إليه فشدوه وثاقا ثم قيل له امدد عنقك فقال ما أنا بها بسخي و ما أنا بمعينكم على نفسي فضربه مولى لعبيد الله بن زياد تركي يقال له رشيد بالسيف فلم يصنع شيئا فقال له هانئ إلى الله المعاد اللهم إلى رحمتك و رضوانك ثم ضربه أخرى فقتله. و في مسلم بن عقيل و هانئ بن عروة رحمهما الله يقول عبد الله بن الزبير الأسدي.

فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري إلى هانئ في السوق و ابن عقيل‏إلى بطل قد هشم السيف وجهه و آخر يهوي من طمار قتيل.

 أصابهما أمر اللعين فأصبحا أحاديث من يسري بكل سبيل‏ترى جسدا قد غيرت الموت لونه و نضح دم قد سال كل مسيل‏فتى كان أحيا من فتاة حيية و أقطع من ذي شفرتين صقيل‏أ يركب أسماء الهماليج آمنا و قد طالبته مذحج بذحول‏تطيف حواليه مراد و كلهم على رقبة من سائل و مسئول‏فإن أنتم لم تثأروا بأخيكم فكونوا بغايا أرضيت بقليل

. و لما قتل مسلم بن عقيل و هانئ بن عروة رحمة الله عليهما بعث ابن زياد برأسيهما مع هانئ بن أبي حية الوادعي و الزبير بن الأروح التميمي إلى يزيد بن معاوية و أمر كاتبه أن يكتب إلى يزيد بما كان من أمر مسلم و هانئ فكتب الكاتب و هو عمرو بن نافع فأطال فيه و كان أول من أطال في الكتب فلما نظر فيه عبيد الله كرهه و قال ما هذا التطويل و هذه الفضول اكتب. أما بعد فالحمد الله الذي أخذ لأمير المؤمنين بحقه و كفاه مئونة عدوه أخبر أمير المؤمنين أن مسلم بن عقيل لجأ إلى دار هانئ بن عروة المرادي و إني جعلت عليهما المراصد و العيون و دسست إليهما الرجال و كدتهما حتى أخرجتهما و أمكن الله منهما فقدمتهما و ضربت أعناقهما و قد بعثت إليك برأسيهما مع هانئ بن أبي حية الوادعي و الزبير بن الأروح التميمي و هما من أهل السمع و الطاعة و النصيحة فليسا لهما أمير المؤمنين عما أحب من أمرهما فإن عندهما علما و ورعا و صدقا و السلام. فكتب إليه يزيد أما بعد فإنك لم تعد أن كنت كما أحب عملت عمل الحازم و صلت صولة الشجاع الرابط الجأش و قد أغنيت و كفيت و صدقت ظني بك و رأيي فيك و قد دعوت رسوليك و سألتهما و ناجيتهما فوجدتهما في رأيهما و فضلهما كما ذكرت فاستوص بهما خيرا و إنه قد بلغني أن حسينا قد توجه نحو العراق فضع المناظر و المسالح و احترس و احبس على الظنة و اقتل على التهمة و اكتب إلي في كل يوم ما يحدث من خبر إن شاء الله. و قال ابن نما كتب يزيد إلى ابن زياد قد بلغني أن حسينا قد سار إلى الكوفة و قد ابتلي به زمانك من بين الأزمان و بلدك من بين البلدان و ابتليت به من بين العمال و عندها تعتق أو تعود عبدا كما تعبد العبيد. إيضاح قوله ويح غيرك قال هذا تعظيما له أي لا أقول لك ويحك بل أقول لغيرك و السلام بالكسر الحجر ذكره الجوهري و قال نبا بفلان منزله إذا لم يوافقه و قال الشعفة بالتحريك رأس الجبل و الجمع شعف و شعوف و شعاف و شعفات و هي رءوس الجبال. قوله ع و من تخلف لم يبلغ مبلغ الفتح أي لا يتيسر له فتح و فلاح في الدنيا أو في الآخرة أو الأعم و هذا إما تعليل بأن ابن الحنفية إنما لم يلحق لأنه علم أنه يقتل إن ذهب بإخباره ع أو بيان لحرمانه عن تلك السعادة أو لأنه لا عذر له في ذلك لأنه ع أعلمه و أمثاله بذلك. قوله نحمد إليك الله أي نحمد الله منهيا إليك و التنزي و الانتزاء التوثب و التسرع و ابتززت الشي‏ء استلبته و النجاء الإسراع و قال الجوهري يقال حيهلا الثريد فتحت ياؤه لاجتماع الساكنين و بنيت حي مع هل اسما واحدا مثل خمسة عشر و سمي به الفعل و إذا وقفت عليه قلت حيهلا و قال الجناب بالفتح الفناء و ما قرب من محلة القوم يقال أخصب جناب القوم و الحشاشة بالضم بقية الروح في المريض قال الجزري فيه فانفلتت البقرة بحشاشة نفسها أي برمق بقية الحياة و الروح و التحريش و الإغراء بين القوم و القرف التهمة و الغشم الظلم. طلب الخرزة كأنه كناية عن شدة الطلب فإن من يطلب الخرزة يفتشها في كل مكان و ثقبة و ثقفه صادفه قوله فرطا أي تقدما كثيرا من قولهم فرطت القوم أي سبقتهم أو هو حال فإن الفرط بالتحريك من يتقدم الواردة إلى الماء و الكلاء ليهيئ لهم ما يحتاجون إليه. قوله فأهون به صيغة تعجب أي ما أهونه و الأثيل الأصيل و التسكع

  التمادي في الباطل و قطن بالمكان كنصر أقام و ظعن أي سار. قوله لئن فعلتموها أي المخالفة و الخمس بالكسر من إظماء الإبل أن ترعى ثلاثة أيام و ترد اليوم الرابع و المزنة السحابة البيضاء و الجمع المزن ذكره الجوهري و قال الفيروزآبادي المزن بالضم السحاب أو أبيضه أو ذو الماء. قوله لا فتحت دعاء عليه أي لا فتحت على نفسك بابا من الخير فقد طال ليلك أي كثر و امتد همك أو انتظارك و في مروج الذهب فقد طال نومك أي غفلتك و ضربوا الباب أي أغلقوه. قوله فإن الصدق ينبي عنك قال الزمخشري في المستقصى الصدق ينبي عنك لا الوعيد غير مهموز من أنباه إذا جعله نابيا أي إنما يبعد عنك العدو و يرده أن تصدقه القتال لا التهدد يضرب للجبان يتوعد ثم لا يفعل و قال الجوهري في المثل الصدق ينبي عنك لا الوعيد أي إن الصدق يدفع عنك الغائلة في الحرب دون التهديد قال أبو عبيد هو ينبي غير مهموز و يقال أصله الهمز من الإنباء أي إن الفعل يخبر عن حقيقتك لا القول انتهى. و في بعض النسخ عليك أي عند ما يتحقق ما أقول تطلع على فوائد ما أقول لك و تندم على ما فات لا مجرد وعيدي يقال نبأت على القوم طلعت عليهم و الظاهر أنه تصحيف و العريف النقيب و هو دون الرئيس. قوله و لم تجعل على نفسك الجملة حالية و قال الجزري في حديث علي ع قال و هو ينظر إلى ابن ملجم عذيرك من خليلك من مراد يقال عذيرك من فلان بالنصب أي هات من يعذرك فيه فعيل بمعنى فاعل قوله إيه أي اسكت و الشائع فيه أيها. و قال الفيروزآبادي ربص بفلان ربصا انتظر به خيرا أو شرا يحل به كتربص و يقال سقط في يديه أي ندم و جوز أسقط في يديه و الذمام الحق و الحرمة و أذم فلانا أجاره و يقال أخذتني منه مذمة أي رقة و عار من ترك حرمته و الغائلة الداهية و نفس به بالكسر أي ضن به و البارقة السيوف و الحروري الخارجي أي أنت كنت أو تكون خارجيا في جميع الأيام أو في بقية اليوم. و قال الجوهري و من أمثالهم في اليأس عن الحاجة أ سائر اليوم و قد زال الظهر أي أ تطمع فيما بعد و قد تبين لك اليأس لأن من كان حاجته اليوم بأسره و قد زال الظهر وجب أن ييأس منه بغروب الشمس انتهى و الظاهر أن هذا المعنى لا يناسب المقام. و اللهز الضرب بجمع اليد في الصدور و لهزه بالرمح طعنه في صدره و تعتعه حركه بعنف و أقلقه قوله استيحاشا إليهم يقال استوحش أي وجد الوحشة و فيه تضمين معنى الانضمام و المتلدد المتحير الذي يلتفت يمينا و شمالا و التخاتج لعله جمع تختج معرب تخته أي نزعوا الأخشاب من سقف المسجد لينظروا هل فيه أحد منهم و إن لم يرد بهذا المعنى في اللغة و المنكب هو رأس العرفاء و الاستبراء الاختبار و الاستعلام. قوله و جس خلالها من قولهم فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ أي تخللوها فطلبوا ما فيها قوله فانتهز أي اغتنم الأمان قوله لا ناقة لي في هذا قال الزمخشري في مستقصى الأمثال أي لا خير لي فيه و لا شر و أصله أن الصدوف بنت حليس كانت تحت زيد بن الأخنس و له بنت من غيرها تسمى الفارعة كانت تسكن بمعزل منها في خباء آخر فغاب زيد غيبة فلهج بالفارعة رجل عدوي يدعى شبثا و طاوعته فكانت تركب على عشية جملا لأبيها و تنطلق معه إلى متيهة يبيتان فيها و رجع زيد عن وجهه فعرج على كاهنة اسمها طريفة فأخبرته بريبة في أهله فأقبل سائرا لا يلوي على أحد و إنما تخوف على امرأته حتى دخل عليها فلما رأته عرفت الشر في وجهه فقالت لا تعجل واقف الأثر لا ناقة لي في ذا و لا جمل يضرب في التبري عن الشي‏ء قال الراعي.

و ما هجرتك حتى قلت معلنة لا ناقة لي في هذا و لا جمل

. و قال الفيروزآبادي الجرامقة قوم من العجم صاروا بالموصل في أوائل الإسلام الواحد جرمقاني و الضرغام بالكسر الأسد و الهمام كغراب الملك العظيم الهمة و السيد الشجاع قوله ع من يلغ من ولوغ الكلب و قال الجوهري طمار المكان المرتفع و قال الأصمعي انصب عليه من طمار مثل قطام قال الشاعر فإن كنت إلى آخر البيتين و كان ابن زياد أمر برمي مسلم بن عقيل من سطح انتهى. قوله أحاديث من يسري أي صارا بحيث يذكر قصتهما كل من يسير بالليل في السبل و شفرة السيف حده أي من سلاح مصقول يقطع من الجانبين و الصقيل السيف أيضا و الهماليج جمع الهملاج و هو نوع من البراذين و أسماء هو أحد الثلاثة الذين ذهبوا بهانئ إلى ابن زياد و الرقبة بالفتح الارتقاب و الانتظار و بالكسر التحفظ قوله فكونوا بغايا أي زواني و في بعض النسخ أيامى. قال المفيد ره فصل و كان خروج مسلم بن عقيل رحمه الله بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة سنة ستين و قتله رحمه الله يوم الأربعاء لتسع خلون منه يوم عرفة و كان توجه الحسين ع من مكة إلى العراق في يوم خروج مسلم بالكوفة و هو يوم التروية بعد مقامه بمكة بقية شعبان و شهر رمضان و شوالا و ذا القعدة و ثمان ليال خلون من ذي الحجة سنة ستين و كان قد اجتمع إلى الحسين ع مدة مقامه بمكة نفر من أهل الحجاز و نفر من أهل البصرة انضافوا إلى أهل بيته و مواليه. و لما أراد الحسين التوجه إلى العراق بالبيت و سعى بين الصفا و المروة و أحل من إحرامه و جعلها عمرة لأنه لم يتمكن من تمام الحج مخافة أن يقبض عليه بمكة فينفذ إلى يزيد بن معاوية فخرج ع مبادرا بأهله و ولده و من انضم إليه من شيعته و لم يكن خبر مسلم بلغه بخروجه يوم خروجه على ما ذكرناه. و قال السيد رضي الله عنه روى أبو جعفر الطبري عن الواقدي و زرارة بن صالح قالا لقينا الحسين بن علي ع قبل خروجه إلى العراق بثلاثة أيام فأخبرناه بهوى الناس بالكوفة و أن قلوبهم معه و سيوفهم عليه فأومأ بيده نحو السماء ففتحت أبواب السماء و نزلت الملائكة عددا لا يحصيهم إلا الله تعالى فقال ع لو لا تقارب الأشياء و حبوط الأجر لقاتلتهم بهؤلاء و لكن أعلم يقينا أن هناك مصرعي و مصرع أصحابي و لا ينجو منهم إلا ولدي علي.

 و رويت بالإسناد عن أحمد بن داود القمي عن أبي عبد الله ع قال جاء محمد بن الحنفية إلى الحسين ع في الليلة التي أراد الحسين الخروج في صبيحتها عن مكة فقال له يا أخي إن أهل الكوفة قد عرفت غدرهم بأبيك و أخيك و قد خفت أن يكون حالك كحال من مضى فإن رأيت أن تقيم فإنك أعز من بالحرم و أمنعه فقال يا أخي قد خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية بالحرم فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت فقال له ابن الحنفية فإن خفت ذلك فصر إلى اليمن أو بعض نواحي البر فإنك أمنع الناس به و لا يقدر عليك أحد فقال أنظر فيما قلت فلما كان السحر ارتحل الحسين ع فبلغ ذلك ابن الحنفية فأتاه فأخذ بزمام ناقته و قد ركبها فقال يا أخي أ لم تعدني النظر فيما سألتك قال بلى قال فما حداك على الخروج عاجلا قال أتاني رسول الله ص بعد ما فارقتك فقال يا حسين اخرج فإن الله قد شاء أن يراك قتيلا فقال محمد بن الحنفية إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ فما معنى حملك هؤلاء النساء معك و أنت تخرج على مثل هذا الحال قال فقال لي ص إن الله قد شاء أن يراهن سبايا فسلم عليه و مضى

قال و جاءه عبد الله بن العباس و عبد الله بن الزبير فأشارا عليه بالإمساك فقال لهما إن رسول الله قد أمرني بأمر و أنا ماض فيه قال فخرج ابن العباس و هو يقول وا حسيناه ثم جاء عبد الله بن عمر فأشار عليه بصلح أهل الضلال و حذره من القتل و القتال فقال يا أبا عبد الرحمن أ ما علمت أن من هوان الدنيا على الله تعالى أن رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل أ ما تعلم أن بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبيا ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون و يشترون كأن لم يصنعوا شيئا فلم يعجل الله عليهم بل أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز ذي انتقام اتق الله يا أبا عبد الرحمن و لا تدع نصرتي. ثم قال المفيد رحمه الله و روي عن الفرزدق أنه قال حججت بأمي في سنة ستين فبينما أنا أسوق بعيرها حتى دخلت الحرم إذ لقيت الحسين ع خارجا من مكة معه أسيافه و تراسه فقلت لمن هذا القطار فقيل للحسين بن علي ع فأتيته و سلمت عليه و قلت له أعطاك الله سؤلك و أملك فيما تحب بأبي أنت و أمي يا ابن رسول الله ما أعجلك عن الحج قال لو لم أعجل لأخذت ثم قال لي من أنت قلت رجل من العرب و لا و الله ما فتشني عن أكثر من ذلك. ثم قال لي أخبرني عن الناس خلفك فقلت الخبير سألت قلوب الناس معك و أسيافهم عليك و القضاء ينزل من السماء و اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ قال صدقت لله الأمر من قبل و من بعد و كل يوم ربنا هُوَ فِي شَأْنٍ إن نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه و هو المستعان على أداء الشكر و إن حال القضاء دون الرجاء فلم يبعد من كان الحق نيته و التقوى سيرته فقلت له أجل بلغك الله ما تحب و كفاك ما تحذر و سألته عن أشياء من نذور و مناسك فأخبرني بها و حرك راحلته و قال السلام عليك ثم افترقنا. و كان الحسين بن علي ع لما خرج من مكة اعترضه يحيى بن سعيد بن العاص و معه جماعة أرسلهم إليه عمرو بن سعيد فقالوا له انصرف أين تذهب فأبى عليهم و مضى و تدافع الفريقان و اضطربوا بالسياط فامتنع الحسين ع و أصحابه منهم امتناعا قويا و سار حتى أتى التنعيم فلقي عيرا قد أقبلت من اليمن فاستأجر من أهلها جمالا لرحله و أصحابه و قال لأصحابها من أحب أن ينطلق معنا إلى العراق وفيناه كراه و أحسنا صحبته و من أحب أن يفارقنا في بعض الطريق أعطيناه كراه على قدر ما قطع من الطريق فمضى معه قوم و امتنع آخرون. و ألحقه عبد الله بن جعفر بابنيه عون و محمد و كتب على أيديهما كتابا يقول فيه أما بعد فإني أسألك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي هذا فإني مشفق عليك من هذا التوجه الذي توجهت له أن يكون فيه هلاكك و استئصال أهل بيتك إن هلكت اليوم طفئ نور الأرض فإنك علم المهتدين و رجاء المؤمنين و لا تعجل بالسير فإني في أثر كتابي و السلام. و صار عبد الله إلى عمرو بن سعيد و سأله أن يكتب إلى الحسين ع أمانا و يمنيه ليرجع عن وجهه و كتب إليه عمرو بن سعيد كتابا يمنيه فيه الصلة و يؤمنه على نفسه و أنفذه مع يحيى بن سعيد فلحقه يحيى و عبد الله بن جعفر بعد نفوذ ابنيه و دفعا إليه الكتاب و جهدا به في الرجوع فقال إني رأيت رسول الله ص في المنام و أمرني بما أنا ماض له فقالوا له ما تلك الرؤيا فقال ما حدثت أحدا بها و لا أنا محدث بها أحدا حتى ألقى ربي عز و جل فلما يئس منه عبد الله بن جعفر أمر ابنيه عونا و محمدا بلزومه و المسير معه و الجهاد دونه و رجع مع يحيى بن سعيد إلى مكة. و توجه الحسين ع إلى العراق مغذا لا يلوي إلى شي‏ء حتى نزل ذات عرق و قال السيد رحمه الله توجه الحسين ع من مكة لثلاث مضين من ذي الحجة سنة ستين قبل أن يعلم بقتل مسلم لأنه ع خرج من مكة في اليوم الذي قتل فيه مسلم رضوان الله عليه.

 و روي أنه صلوات الله عليه لما عزم على الخروج إلى العراق قام خطيبا فقال الحمد لله و ما شاء الله و لا حول و لا قوة إلا بالله و صلى الله على رسوله و سلم خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة و ما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف و خير لي مصرع أنا لاقيه كأني بأوصالي يتقطعها عسلان الفلوات بين النواويس و كربلاء فيملأن مني أكراشا جوفا و أجربة سغبا لا محيص عن يوم خط بالقلم رضي الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه و يوفينا أجور الصابرين لن تشذ عن رسول الله لحمته و هي مجموعة له في حظيرة القدس تقر بهم عينه و تنجز لهم وعده من كان فينا باذلا مهجته موطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإني راحل مصبحا إن شاء الله

أقول روي هذه الخطبة في كشف الغمة عن كمال الدين بن طلحة. قال السيد و ابن نما رحمهما الله ثم سار حتى مر بالتنعيم فلقي هناك عيرا تحمل هدية قد بعث بها بحير بن ريسان الحميري عامل اليمن إلى يزيد بن معاوية و كان عامله على اليمن و عليها الورس و الحلل فأخذها ع لأن حكم أمور المسلمين إليه و قال لأصحاب الإبل من أحب منكم أن ينطلق معنا إلى العراق وفيناه كراه و أحسنا صحبته و من أحب أن يفارقنا من مكاننا هذا أعطيناه من الكرى بقدر ما قطع من الطريق فمضى قوم و امتنع آخرون. ثم سار ع حتى بلغ ذات عرق فلقي بشر بن غالب واردا من العراق فسأله عن أهلها فقال خلفت القلوب معك و السيوف مع بني أمية فقال صدق أخو بني أسد إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ و يَحْكُمُ ما يُرِيدُ. قال ثم سار صلوات الله عليه حتى نزل الثعلبية وقت الظهيرة فوضع رأسه فرقد ثم استيقظ فقال قد رأيت هاتفا يقول أنتم تسرعون و المنايا تسرع بكم إلى الجنة فقال له ابنه علي يا أبة أ فلسنا على الحق فقال بلى يا بني و الذي إليه مرجع العباد فقال يا أبة إذن لا نبالي بالموت فقال له الحسين ع جزاك الله يا بني خير ما جزى ولدا عن والد ثم بات ع في الموضع. فلما أصبح إذا برجل من أهل الكوفة يكنى أبا هرة الأزدي قد أتاه فسلم عليه ثم قال يا ابن رسول الله ما الذي أخرجك عن حرم الله و حرم جدك محمد ص فقال الحسين ع ويحك أبا هرة إن بني أمية أخذوا مالي فصبرت و شتموا عرضي فصبرت و طلبوا دمي فهربت و ايم الله لتقتلني الفئة الباغية و ليلبسنهم الله ذلا شاملا و سيفا قاطعا و ليسلطن عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من قوم سبإ إذ ملكتهم امرأة منهم فحكمت في أموالهم و دمائهم. و قال محمد بن أبي طالب و اتصل الخبر بالوليد بن عتبة أمير المدينة بأن الحسين ع توجه إلى العراق فكتب إلى ابن زياد أما بعد فإن الحسين قد توجه إلى العراق و هو ابن فاطمة و فاطمة بنت رسول الله فاحذر يا ابن زياد أن تأتي إليه بسوء فتهيج على نفسك و قومك أمرا في هذه الدنيا لا يصده شي‏ء و لا تنساه الخاصة و العامة أبدا ما دامت الدنيا قال فلم يلتفت ابن زياد إلى كتاب الوليد. و في كتاب تاريخ عن الرياشي بإسناده عن راوي حديثه قال حججت فتركت أصحابي و انطلقت أتعسف الطريق وحدي فبينما أنا أسير إذ رفعت طرفي إلى أخبية و فساطيط فانطلقت نحوها حتى أتيت أدناها فقلت لمن هذه الأبنية فقالوا للحسين ع قلت ابن علي و ابن فاطمة ع قالوا نعم قلت في أيها هو قالوا في ذلك الفسطاط فانطلقت نحوه فإذا الحسين ع متك على باب الفسطاط يقرأ كتابا بين يديه فسلمت فرد علي فقلت يا ابن رسول الله بأبي أنت و أمي ما أنزلك في هذه الأرض القفراء التي ليس فيها ريف و لا منعه قال إن هؤلاء أخافوني و هذه كتب أهل الكوفة و هم قاتلي فإذا فعلوا ذلك و لم يدعوا لله محرما إلا انتهكوه بعث الله إليهم من يقتلهم حتى يكونوا أذل من قوم الأمة. و قال ابن نما حدث عقبة بن سمعان قال خرج الحسين ع من مكة فاعترضته رسل عمرو بن سعيد بن العاص عليهم يحيى بن سعيد ليردوه فأبى عليهم و تضاربوا بالسياط و مضى ع على وجهه فبادروه و قالوا يا حسين أ لا تتقي

  الله تخرج من الجماعة و تفرق بين هذه الأمة فقال لِي عَمَلِي وَ لَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَ أَنَا بَرِي‏ءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ. و رويت أن الطرماح بن حكم قال لقيت حسينا و قد امترت لأهلي ميرة فقلت أذكرك في نفسك لا يغرنك أهل الكوفة فو الله لئن دخلتها لتقتلن و إني لأخاف أن لا تصل إليها فإن كنت مجمعا على الحرب فانزل أجأ فإنه جبل منيع و الله ما نالنا فيه ذل قط و عشيرتي يرون جميعا نصرك فهم يمنعونك ما أقمت فيهم فقال إن بيني و بين القوم موعدا أكره أن أخلفهم فإن يدفع الله عنا فقديما ما أنعم علينا و كفى و إن يكن ما لا بد منه ففوز و شهادة إن شاء الله. ثم حملت الميرة إلى أهلي و أوصيتهم بأمورهم و خرجت أريد الحسين ع فلقيني سماعة بن زيد النبهاني فأخبرني بقتله فرجعت. و قال المفيد رحمه الله و لما بلغ عبيد الله بن زياد إقبال الحسين ع من مكة إلى الكوفة بعث الحصين بن نمير صاحب شرطه حتى نزل القادسية و نظم الخيل ما بين القادسية إلى خفان و ما بين القادسية إلى القطقطانة و قال للناس هذا الحسين يريد العراق و لما بلغ الحسين الحاجز من بطن الرمة بعث قيس بن مسهر الصيداوي و يقال إنه بعث أخاه من الرضاعة عبد الله بن يقطر إلى أهل الكوفة و لم يكن ع علم بخبر مسلم بن عقيل رحمه الله و كتب معه إليهم. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من الحسين بن علي إلى إخوانه المؤمنين و المسلمين سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإن كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبرني فيه بحسن رأيكم و اجتماع ملئكم على نصرنا و الطلب بحقنا فسألت الله أن يحسن لنا الصنيع و أن يثيبكم على ذلك أعظم الأجر و قد شخصت إليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية فإذا قدم عليكم رسولي فانكمشوا في أمركم و جدوا فإني قادم عليكم في

  أيامي هذه و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته. و كان مسلم كتب إليه قبل أن يقتل بسبع و عشرين ليلة و كتب إليه أهل الكوفة أن لك هاهنا مائة ألف سيف و لا تتأخر. فأقبل قيس بن مسهر بكتاب الحسين ع حتى إذا انتهى القادسية أخذه الحصين بن نمير فبعث به إلى عبيد الله بن زياد إلى الكوفة فقال له عبيد الله بن زياد اصعد فسب الكذاب الحسين بن علي. و قال السيد فلما قارب دخول الكوفة اعترضه الحصين بن نمير ليفتشه فأخرج قيس الكتاب و مزقه فحمله الحصين إلى ابن زياد فلما مثل بين يديه قال له من أنت قال أنا رجل من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب و ابنه ع قال فلما ذا خرقت الكتاب قال لئلا تعلم ما فيه قال و ممن الكتاب و إلى من قال من الحسين بن علي إلى جماعة من أهل الكوفة لا أعرف أسماءهم فغضب ابن زياد فقال و الله لا تفارقني حتى تخبرني بأسماء هؤلاء القوم أو تصعد المنبر و تلعن الحسين بن علي و أباه و أخاه و إلا قطعتك إربا إربا فقال قيس أما القوم فلا أخبرك بأسمائهم و أما لعنة الحسين و أبيه و أخيه فأفعل فصعد المنبر و حمد الله و صلى على النبي و أكثر من الترحم على علي و ولده صلوات الله عليهم ثم لعن عبيد الله بن زياد و أباه و لعن عتاة بني أمية عن آخرهم ثم قال أنا رسول الحسين إليكم و قد خلفته بموضع كذا فأجيبوه. ثم قال المفيد رحمه الله فأمر به عبيد الله بن زياد أن يرمى من فوق القصر فرمي به فتقطع و روي أنه وقع إلى الأرض مكتوفا فتكسرت عظامه و بقي به رمق فأتاه رجل يقال له عبد الملك بن عمير اللخمي فذبحه فقيل له في ذلك و عيب عليه فقال أردت أن أريحه. ثم أقبل الحسين من الحاجز يسير نحو العراق فانتهى إلى ماء من مياه العرب فإذا عليه عبد الله بن مطيع العدوي و هو نازل به فلما رآه الحسين قام إليه فقال بأبي أنت و أمي يا ابن رسول الله ما أقدمك و احتمله و أنزله فقال له الحسين ع كان من موت معاوية ما قد بلغك و كتب إلي أهل العراق يدعونني إلى أنفسهم. فقال له عبد الله بن مطيع أذكرك الله يا ابن رسول الله و حرمة الإسلام أن تنهتك أنشدك الله في حرمة قريش أنشدك الله في حرمة العرب فو الله لئن طلبت ما في أيدي بني أمية ليقتلنك و لئن قتلوك لا يهابوا بعدك أحدا أبدا و الله إنها لحرمة الإسلام تنهتك و حرمة قريش و حرمة العرب فلا تفعل و لا تأت الكوفة و لا تعرض نفسك لبني أمية فأبى الحسين ع إلا أن يمضي. و كان عبيد الله بن زياد أمر فأخذ ما بين واقصة إلى طريق الشام و إلى طريق البصرة فلا يدعون أحدا يلج و لا أحدا يخرج فأقبل الحسين ع لا يشعر بشي‏ء حتى لقي الأعراب فسألهم فقالوا لا و الله ما ندري غير أنا لا نستطيع أن نلج و لا نخرج فسار تلقاء وجهه ع. و حدث جماعة من فزارة و من بجيلة قالوا كنا مع زهير بن القين البجلي حين أقبلنا من مكة و كنا نساير الحسين ع فلم يكن شي‏ء أبغض علينا من أن ننازله في منزل و إذا سار الحسين ع فنزل في منزل لم نجد بدا من أن ننازله فنزل الحسين في جانب و نزلنا في جانب فبينا نحن جلوس نتغذى من طعام لنا إذ أقبل رسول الحسين ع حتى سلم ثم دخل فقال يا زهير بن القين إن أبا عبد الله الحسين بعثني إليك لتأتيه فطرح كل إنسان منا ما في يده حتى كأنما على رءوسنا الطير فقالت له امرأته قال السيد و هي ديلم بنت عمرو سبحان الله أ يبعث إليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه لو أتيته فسمعت كلامه ثم انصرفت. فأتاه زهير بن القين فما لبث أن جاء مستبشرا قد أشرق وجهه فأمر بفسطاطه و ثقله و متاعه فقوض و حمل إلى الحسين ع ثم قال لامرأته أنت طالق الحقي بأهلك فإني لا أحب أن يصيبك بسببي إلا خير.

  و زاد السيد و قد عزمت على صحبة الحسين ع لأفديه بروحي و أقيه بنفسي ثم أعطاها مالها و سلمها إلى بعض بني عمها ليوصلها إلى أهلها فقامت إليه و بكت و ودعته و قالت خار الله لك أسألك أن تذكرني في القيامة عند جد الحسين ع. و قال المفيد ثم قال لأصحابه من أحب منكم أن يتبعني و إلا فهو آخر العهد إني سأحدثكم حديثا إنا غزونا البحر ففتح الله علينا و أصبنا غنائم فقال لنا سلمان رحمه الله أ فرحتم بما فتح الله عليكم و أصبتم من الغنائم فقلنا نعم فقال إذا أدركتم سيد شباب آل محمد فكونوا أشد فرحا بقتالكم معه مما أصبتم اليوم من الغنائم فأما أنا فأستودعكم الله قالوا ثم و الله ما زال في القوم مع الحسين حتى قتل رحمه الله. و في المناقب و لما نزل ع الخزيمية أقام بها يوما و ليلة فلما أصبح أقبلت إليه أخته زينب فقالت يا أخي أ لا أخبرك بشي‏ء سمعته البارحة فقال الحسين ع و ما ذاك فقالت خرجت في بعض الليل لقضاء حاجة فسمعت هاتفا يهتف و هو يقول.

ألا يا عين فاحتفلي بجهد و من يبكي على الشهداء بعدي‏على قوم تسوقهم المنايا بمقدار إلى إنجاز وعد

. فقال لها الحسين ع يا أختاه كل الذي قضي فهو كائن. و قال المفيد رحمه الله و روى عبد الله بن سليمان و المنذر بن المشمعل الأسديان قالا لما قضينا حجتنا لم تكن لنا همة إلا اللحاق بالحسين في الطريق لننظر ما يكون من أمره فأقبلنا ترقل بنا ناقتانا مسرعين حتى لحقناه بزرود فلما دنونا منه إذا نحن برجل من أهل الكوفة قد عدل عن الطريق حتى رأى الحسين ع فوقف الحسين ع كأنه يريده ثم تركه و مضى و مضينا نحوه فقال أحدنا لصاحبه اذهب بنا إلى هذا لنسأله فإن عنده خبر الكوفة فمضينا حتى انتهينا إليه فقلنا السلام عليك فقال و عليكما السلام قلنا ممن الرجل قال أسدي قلنا له و نحن أسديان فمن أنت قال أنا بكر بن فلان فانتسبنا له ثم قلنا له أخبرنا عن الناس وراءك قال نعم لم أخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل و هانئ بن عروة و رأيتهما يجران بأرجلهما في السوق. فأقبلنا حتى لحقنا بالحسين فسايرناه حتى نزل الثعلبية ممسيا فجئناه حين نزل فسلمنا عليه فرد علينا السلام فقلنا له يرحمك الله إن عندنا خبرا إن شئت حدثناك به علانية و إن شئت سرا فنظر إلينا و إلى أصحابه ثم قال ما دون هؤلاء سر فقلنا له رأيت الراكب الذي استقبلته عشي أمس فقال نعم قد أردت مسألته فقلنا قد و الله استبرأنا لك خبره و كفيناك مسألته و هو امرؤ منا ذو رأي و صدق و عقل و إنه حدثنا أنه لم يخرج من الكوفة حتى قتل مسلم و هانئ و رآهما يجران في السوق بأرجلهما فقال إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ رحمة الله عليهما يردد ذلك مرارا. فقلنا له ننشدك الله في نفسك و أهل بيتك إلا انصرفت من مكانك هذا و إنه ليس لك بالكوفة ناصر و لا شيعة بل نتخوف أن يكونوا عليك فنظر إلى بني عقيل فقال ما ترون فقد قتل مسلم فقالوا و الله ما نرجع حتى نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق فأقبل علينا الحسين ع فقال لا خير في العيش بعد هؤلاء فعلمنا أنه قد عزم رأيه على المسير فقلنا له خار الله لك فقال يرحمكم الله فقال له أصحابه إنك و الله ما أنت مثل مسلم بن عقيل و لو قدمت الكوفة لكان أسرع الناس إليك فسكت. و قال السيد أتاه خبر مسلم في زبالة ثم إنه سار فلقيه الفرزدق فسلم عليه ثم قال يا ابن رسول الله كيف تركن إلى أهل الكوفة و هم الذين قتلوا ابن عمك مسلم بن عقيل و شيعته قال فاستعبر الحسين ع باكيا ثم قال رحم الله مسلما فلقد صار إلى روح الله و ريحانه و تحيته و رضوانه أما إنه قد قضى ما عليه و بقي ما علينا ثم أنشأ يقول.

فإن تكن الدنيا تعد نفيسة فدار ثواب الله أعلى و أنبل‏و إن تكن الأبدان للموت أنشئت فقتل امرئ بالسيف في الله أفضل‏و إن تكن الأرزاق قسما مقدرا فقلة حرص المرء في الرزق أجمل‏و إن تكن الأموال للترك جمعها فما بال متروك به الحر يبخل

. و قال المفيد ثم انتظر حتى إذا كان السحر فقال لفتيانه و غلمانه أكثروا من الماء فاستقوا و أكثروا ثم ارتحلوا فسار حتى انتهى إلى زبالة فأتاه خبر عبد الله بن يقطر. و قال السيد فاستعبر باكيا ثم قال اللهم اجعل لنا و لشيعتنا منزلا كريما و اجمع بيننا و بينهم في مستقر من رحمتك إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ. و قال المفيد رحمه الله فأخرج للناس كتابا فقرأ عليهم فإذا فيه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أما بعد فإنه قد أتانا خبر فظيع قتل مسلم بن عقيل و هانئ بن عروة و عبد الله بن يقطر و قد خذلنا شيعتنا فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف في غير حرج ليس عليه ذمام فتفرق الناس عنه و أخذوا يمينا و شمالا حتى بقي في أصحابه الذين جاءوا معه من المدينة و نفر يسير ممن انضموا إليه و إنما فعل ذلك لأنه ع علم أن الأعراب الذين اتبعوه إنما اتبعوه و هم يظنون أنه يأتي بلدا قد استقامت له طاعة أهلها فكره أن يسيروا معه إلا و هم يعلمون على ما يقدمون. فلما كان السحر أمر أصحابه فاستقوا ماء و أكثروا ثم سار حتى مر ببطن العقبة فنزل عليها فلقيه شيخ من بني عكرمة يقال له عمر بن لوذان قال له أين تريد قال له الحسين الكوفة فقال له الشيخ أنشدك الله لما انصرفت فو الله ما تقدم إلا على الأسنة و حد السيوف و إن هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مئونة القتال و وطئوا لك الأشياء فقدمت عليهم كان ذلك رأيا فأما على هذه الحال التي تذكر فإني لا أرى لك أن تفعل فقال له يا عبد الله ليس يخفى علي الرأي و لكن الله تعالى لا يغلب على أمره. ثم قال ع و الله لا يدعونني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي فإذا فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل فرق الأمم ثم سار ع من بطن العقبة حتى نزل شراف فلما كان السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء و أكثروا ثم سار حتى انتصف النهار فبينما هو يسير إذ كبر رجل من أصحابه فقال له الحسين ع الله أكبر لم كبرت فقال رأيت النخل قال جماعة ممن صحبه و الله إن هذا المكان ما رأينا فيه نخلة قط فقال الحسين ع فما ترونه قالوا و الله نراه أسنة الرماح و آذان الخيل فقال و أنا و الله أرى ذلك. ثم قال ع ما لنا ملجأ نلجأ إليه و نجعله في ظهورنا و نستقبل القوم بوجه واحد فقلنا له بلى هذا ذو جشم إلى جنبك فمل إليه عن يسارك فإن سبقت إليه فهو كما تريد فأخذ إليه ذات اليسار و ملنا معه فما كان بأسرع من أن طلعت علينا هوادي الخيل فتبيناها و عدلنا فلما رأونا عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا كأن أسنتهم اليعاسيب و كأن راياتهم أجنحة الطير فاستبقنا إلى ذي جشم فسبقناهم إليه و أمر الحسين ع بأبنيته فضربت و جاء القوم زهاء ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي حتى وقف هو و خيله مقابل الحسين في حر الظهيرة و الحسين و أصحابه معتمون متقلدون أسيافهم.

  فقال الحسين ع لفتيانه اسقوا القوم و ارووهم من الماء و رشفوا الخيل ترشيفا ففعلوا و أقبلوا يملئون القصاع و الطساس من الماء ثم يدنونها من الفرس فإذا عب فيها ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلت عنه و سقى آخر حتى سقوها عن آخرها. فقال علي بن الطعان المحاربي كنت مع الحر يومئذ فجئت في آخر من جاء من أصحابه فلما رأى الحسين ع ما بي و بفرسي من العطش قال أنخ الراوية و الراوية عندي السقاء ثم قال يا ابن الأخ أنخ الجمل فأنخته فقال اشرب فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء فقال الحسين اخنث السقاء أي اعطفه فلم أدر كيف أفعل فقام فخنثه فشربت و سقيت فرسي. و كان مجي‏ء الحر بن يزيد من القادسية و كان عبيد الله بن زياد بعث الحصين بن نمير و أمره أن ينزل القادسية و تقدم الحر بين يديه في ألف فارس يستقبل بهم الحسين ع فلم يزل الحر موافقا للحسين ع حتى حضرت صلاة الظهر فأمر الحسين ع الحجاج بن مسروق أن يؤذن. فلما حضرت الإقامة خرج الحسين ع في إزار و رداء و نعلين فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أيها الناس إني لم آتكم حتى أتتني كتبكم و قدمت علي رسلكم أن أقدم علينا فليس لنا إمام لعل الله أن يجمعنا و إياكم على الهدى و الحق فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم فأعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم و مواثيقكم و إن لم تفعلوا كنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم. فسكتوا عنه و لم يتكلموا كلمة فقال للمؤذن أقم فأقام الصلاة فقال للحر أ تريد أن تصلي بأصحابك فقال الحر لا بل تصلي أنت و نصلي بصلاتك فصلى بهم الحسين ع ثم دخل فاجتمع عليه أصحابه و انصرف الحر إلى مكانه الذي كان فيه فدخل خيمة قد ضربت له فاجتمع إليه خمسمائة من أصحابه و عاد الباقون إلى صفهم الذي كانوا فيه ثم أخذ كل رجل منهم بعنان فرسه و جلس في ظلها. فلما كان وقت العصر أمر الحسين ع أن يتهيئوا للرحيل ففعلوا ثم أمر مناديه فنادى بالعصر و أقام فاستقدم الحسين و قام فصلى بالقوم ثم سلم و انصرف إليهم بوجهه فحمد الله و أثنى عليه و قال أما بعد أيها الناس فإنكم إن تتقوا الله و تعرفوا الحق لأهله يكن أرضى لله عنكم و نحن أهل بيت محمد أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم و السائرين فيكم بالجور و العدوان فإن أبيتم إلا الكراهة لنا و الجهل بحقنا و كان رأيكم الآن غير ما أتتني به كتبكم و قدمت علي به رسلكم انصرفت عنكم. فقال له الحر أنا و الله ما أدري ما هذه الكتب و الرسل التي تذكر فقال الحسين ع لبعض أصحابه يا عقبة بن سمعان أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إلي فأخرج خرجين مملوءين صحفا فنثرت بين يديه فقال له الحر لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك و قد أمرنا أنا إذا لقيناك لا نفارقك حتى نقدمك الكوفة على عبيد الله بن زياد. فقال الحسين ع الموت أدنى إليك من ذلك ثم قال لأصحابه فقوموا فاركبوا فركبوا و انتظر حتى ركبت نساؤه فقال لأصحابه انصرفوا فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم و بين الانصراف فقال الحسين ع للحر ثكلتك أمك ما تريد فقال له الحر أما لو غيرك من العرب يقولها لي و هو على مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر أمه بالثكل كائنا من كان و لكن و الله ما لي من ذكر أمك من سبيل إلا بأحسن ما نقدر عليه. فقال له الحسين ع فما تريد قال أريد أن أنطلق بك إلى الأمير عبيد الله بن زياد فقال إذا و الله لا أتبعك فقال إذا و الله لا أدعك فتردا القول ثلاث مرات فلما كثر الكلام بينهما قال له الحر إني لم أومر بقتالك إنما

  أمرت أن لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة فإذ أبيت فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة و لا يردك إلى المدينة يكون بيني و بينك نصفا حتى أكتب إلى الأمير عبيد الله بن زياد فلعل الله أن يرزقني العافية من أن أبتلي بشي‏ء من أمرك فخذ هاهنا. فتياسر عن طريق العذيب و القادسية و سار الحسين ع و سار الحر في أصحابه يسايره و هو يقول له يا حسين إني أذكرك الله في نفسك فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلن فقال له الحسين ع أ فبالموت تخوفني و هل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني و سأقول كما قال أخو الأوس لابن عمه و هو يريد نصرة رسول الله ص فخوفه ابن عمه و قال أين تذهب فإنك مقتول فقال.

سأمضي و ما بالموت عار على الفتى إذ ما نوى حقا و جاهد مسلماو آسى الرجال الصالحين بنفسه و فارق مثبورا و ودع مجرمافإن عشت لم أندم و إن مت لم ألم كفى بك ذلا أن تعيش و ترغما

. أقول و زاد محمد بن أبي طالب قبل البيت الأخير هذا البيت.

أقدم نفسي لا أريد بقاءها لتلقى خميسا في الوغى و عرمرما

. ثم قال ثم أقبل الحسين ع على أصحابه و قال هل فيكم أحد يعرف الطريق على غير الجادة فقال الطرماح نعم يا ابن رسول الله أنا أخبر الطريق فقال الحسين ع سر بين أيدينا فسار الطرماح و اتبعه الحسين ع و أصحابه و جعل الطرماح يرتجز و يقول.

يا ناقتي لا تذعري من زجري و امضي بنا قبل طلوع الفجربخير فتيان و خير سفر آل رسول الله آل الفخرالسادة البيض الوجوه الزهر الطاعنين بالرماح السمرالضاربين بالسيوف البتر حتى تحلي بكريم الفخرالماجد الجد رحيب الصدر أثابه الله لخير أمرعمره الله بقاء الدهر.

 يا مالك النفع معا و النصر أيد حسينا سيدي بالنصرعلى الطغاة من باقيا الكفر على اللعينين سليلي صخريزيد لا زال حليف الخمر و ابن زياد عهر بن العهر

. و قال المفيد رحمه الله فلما سمع الحر ذلك تنحى عنه و كان يسير بأصحابه ناحية و الحسين ع في ناحية حتى انتهوا إلى عذيب الهجانات ثم مضى الحسين عليه السلام حتى انتهى إلى قصر بني مقاتل فنزل به و إذا هو بفسطاط مضروب فقال لمن هذا فقيل لعبيد الله بن الحر الجعفي قال ادعوه إلي فلما أتاه الرسول قال له هذا الحسين بن علي ع يدعوك فقال عبيد الله إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ و الله ما خرجت من الكوفة إلا كراهية أن يدخلها الحسين و أنا فيها و الله ما أريد أن أراه و لا يراني. فأتاه الرسول فأخبره فقام إليه الحسين فجاء حتى دخل عليه و سلم و جلس ثم دعاه إلى الخروج معه فأعاد عليه عبيد الله بن الحر تلك المقالة و استقاله مما دعاه إليه فقال له الحسين ع فإن لم تكن تنصرنا فاتق الله أن لا تكون ممن يقاتلنا فو الله لا يسمع واعيتنا أحد ثم لا ينصرنا إلا هلك فقال له أما هذا فلا يكون أبدا إن شاء الله. ثم قام الحسين ع من عنده حتى دخل رحله و لما كان في آخر الليلة أمر فتيانه بالاستقاء من الماء ثم أمر بالرحيل فارتحل من قصر بني مقاتل. فقال عقبة بن سمعان فسرنا معه ساعة فخفق ع و هو على ظهر فرسه خفقة ثم انتبه و هو يقول إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين فقال مم حمدت الله و استرجعت قال يا بني إني خفقت خفقة فعن لي فارس على فرس و هو يقول القوم يسيرون و المنايا تسير إليهم فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا فقال له يا أبت لا أراك الله سوءا أ لسنا على الحق قال بلى و الله الذي مرجع العباد إليه فقال فإننا إذا ما نبالي أن نموت محقين فقال له الحسين ع جزاك الله من ولد خير ما جزى ولدا عن والده. فلما أصبح نزل و صلى بهم الغداة ثم عجل الركوب و أخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرقهم فيأتيه الحر بن يزيد فيرده و أصحابه فجعل إذا ردهم نحو الكوفة ردا شديدا امتنعوا عليه فارتفعوا فلم يزالوا يتسايرون كذلك حتى انتهوا إلى نينوى بالمكان الذي نزل به الحسين ع فإذا راكب على نجيب له عليه سلاح متنكبا قوسا مقبلا من الكوفة فوقفوا جميعا ينتظرونه فلما انتهى إليهم سلم على الحر و أصحابه و لم يسلم على الحسين و أصحابه و دفع إلى الحر كتابا من عبيد الله بن زياد لعنه الله فإذا فيه أما بعد فجعجع بالحسين حين بلغك كتابي هذا و يقدم عليك رسولي و لا تنزله إلا بالعراء في غير خضر و على غير ماء و قد أمرت رسولي أن يلزمك و لا يفارقك حتى يأتيني بإنفاذك أمري و السلام. فلما قرأ الكتاب قال لهم الحر هذا كتاب الأمير عبيد الله يأمرني أن أجعجع بكم في المكان الذي يأتيني كتابه و هذا رسوله و قد أمره أن لا يفارقني حتى أنفذه أمره فيكم فنظر يزيد بن المهاجر الكندي و كان مع الحسين ع إلى رسول ابن زياد فعرفه فقال له ثكلتك أمك ما ذا جئت فيه قال أطعت إمامي و وفيت ببيعتي فقال له ابن المهاجر بل عصيت ربك و أطعت إمامك في هلاك نفسك و كسيت العار و النار و بئس الإمام إمامك قال الله عز و جل وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ فإمامك منهم و أخذهم الحر بالنزول في ذلك المكان على غير ماء و لا في قرية فقال له الحسين ع دعنا ويحك ننزل هذه القرية أو هذه يعني نينوى و الغاضرية أو هذه يعني شفية قال لا و الله ما أستطيع ذلك هذا رجل قد بعث إلي عينا علي فقال له زهير بن القين إني و الله لا أرى أن يكون بعد الذي ترون إلا أشد مما ترون يا ابن رسول الله إن قتال هؤلاء القوم الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا قبل لنا به فقال الحسين ع ما كنت لأبدأهم بالقتال ثم نزل و ذلك

  اليوم يوم الخميس و هو اليوم الثاني من المحرم سنة إحدى و ستين. و قال السيد رحمه الله فقام الحسين خطيبا في أصحابه فحمد الله و أثنى عليه ثم قال إنه قد نزل من الأمر ما قد ترون و إن الدنيا تغيرت و تنكرت و أدبر معروفها و لم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء و خسيس عيش كالمرعى الوبيل أ لا ترون إلى الحق لا يعمل به و إلى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء ربه حقا حقا فإني لا أرى الموت إلا سعادة و الحياة مع الظالمين إلا برما. فقام زهير بن القين فقال قد سمعنا هداك الله يا ابن رسول الله مقالتك و لو كانت الدنيا لنا باقية و كنا فيها مخلدين لآثرنا النهوض معك على الإقامة فيها. قال و وثب هلال بن نافع البجلي فقال و الله ما كرهنا لقاء ربنا و إنا على نياتنا و بصائرنا نوالي من والاك و نعادي من عاداك. قال و قام برير بن خضير فقال و الله يا ابن رسول الله لقد من الله بك علينا أن نقاتل بين يديك فيقطع فيك أعضاؤنا ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة. قال ثم إن الحسين ع ركب و سار كلما أراد المسير يمنعونه تارة و يسايرونه أخرى حتى بلغ كربلاء و كان ذلك في اليوم الثامن من المحرم. و في المناقب فقال له زهير فسر بنا حتى ننزل بكربلاء فإنها على شاطئ الفرات فنكون هنالك فإن قاتلونا قاتلناهم و استعنا الله عليهم قال فدمعت عينا الحسين ع ثم قال اللهم إني أعوذ بك من الكرب و البلاء و نزل الحسين في موضعه ذلك و نزل الحر بن يزيد حذاءه في ألف فارس و دعا الحسين بدواة و بيضاء و كتب إلى أشراف الكوفة ممن كان يظن أنه على رأيه.

 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من الحسين بن علي إلى سليمان بن صرد و المسيب بن نجبة و رفاعة بن شداد و عبد الله بن وال و جماعة المؤمنين أما بعد فقد علمتم أن رسول الله ص قد قال في حياته من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم و العدوان ثم لم يغير بقول و لا فعل كان حقيقا على الله أن يدخله مدخله و قد علمتم أن هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان و تولوا عن طاعة الرحمن و أظهروا الفساد و عطلوا الحدود و استأثروا بالفي‏ء و أحلوا حرام الله و حرموا حلاله و إني أحق بهذا الأمر لقرابتي من رسول الله ص و قد أتتني كتبكم و قدمت علي رسلكم ببيعتكم أنكم لا تسلموني و لا تخذلوني فإن وفيتم لي ببيعتكم فقد أصبتم حظكم و رشدكم و نفسي مع أنفسكم و أهلي و ولدي مع أهاليكم و أولادكم فلكم بي أسوة و إن لم تفعلوا و نقضتم عهودكم و خلعتم بيعتكم فلعمري ما هي منكم بنكر لقد فعلتموها بأبي و أخي و ابن عمي و المغرور من اغتر بكم فحظكم أخطأتم و نصيبكم ضيعتم فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ و سيغني الله عنكم و السلام.

ثم طوى الكتاب و ختمه و دفعه إلى قيس بن مسهر الصيداوي و ساق الحديث كما مر ثم قال و لما بلغ الحسين قتل قيس استعبر باكيا ثم قال اللهم اجعل لنا و لشيعتنا عندك منزلا كريما و اجمع بيننا و بينهم في مستقر من رحمتك إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ. قال فوثب إلى الحسين ع رجل من شيعته يقال له هلال بن نافع البجلي فقال يا ابن رسول الله أنت تعلم أن جدك رسول الله لم يقدر أن يشرب الناس محبته و لا أن يرجعوا إلى أمره ما أحب و قد كان منهم منافقون يعدونه بالنصر و يضمرون له الغدر يلقونه بأحلى من العسل و يخلفونه بأمر من الحنظل حتى قبضه الله إليه و أن أباك عليا رحمة الله عليه قد كان في مثل ذلك فقوم قد أجمعوا على نصره و قاتلوا معه الناكثين و القاسطين و المارقين حتى أتاه أجله فمضى إلى رحمة الله و رضوانه و أنت اليوم عندنا في مثل تلك الحالة فمن نكث عهده و خلع بيعته فلن يضر إلا نفسه و الله مغن عنه فسر بنا راشدا معافا مشرقا إن شئت و إن شئت مغربا فو الله ما أشفقنا من قدر الله و لا كرهنا لقاء ربنا و إنا على نياتنا و بصائرنا نوالي من والاك و نعادي من عاداك. ثم وثب إليه برير بن خضير الهمداني فقال و الله يا ابن رسول الله لقد من الله بك علينا أن نقاتل بين يديك تقطع فيه أعضاؤنا ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة بين أيدينا لا أفلح قوم ضيعوا ابن بنت نبيهم أف لهم غدا ما ذا يلاقون ينادون بالويل و الثبور في نار جهنم. قال فجمع الحسين ع ولده و إخوته و أهل بيته ثم نظر إليهم فبكى ساعة ثم قال اللهم إنا عترة نبيك محمد و قد أخرجنا و طردنا و أزعجنا عن حرم جدنا و تعدت بنو أمية علينا اللهم فخذ لنا بحقنا و انصرنا على القوم الظالمين. قال فرحل من موضعه حتى نزل في يوم الأربعاء أو يوم الخميس بكربلاء و ذلك في الثاني من المحرم سنة إحدى و ستين. ثم أقبل على أصحابه فقال الناس عبيد الدنيا و الدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون. ثم قال أ هذه كربلاء فقالوا نعم يا ابن رسول الله فقال هذا موضع كرب و بلاء هاهنا مناخ ركابنا و محط رحالنا و مقتل رجالنا و مسفك دمائنا قال فنزل القوم و أقبل الحر حتى نزل حذاء الحسين ع في ألف فارس ثم كتب إلى ابن زياد يخبره بنزول الحسين بكربلاء. و كتب ابن زياد لعنه الله إلى الحسين صلوات الله عليه أما بعد يا حسين فقد بلغني نزولك بكربلاء و قد كتب إلي أمير المؤمنين يزيد أن لا أتوسد الوثير و لا أشبع من الخمير أو ألحقك باللطيف الخبير أو ترجع إلى حكمي و حكم يزيد بن معاوية و السلام. فلما ورد كتابه على الحسين ع و قرأه رماه من يده ثم قال لا أفلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق فقال له الرسول جواب الكتاب أبا عبد الله فقال ما له عندي جواب لأنه قد حقت عليه كلمة العذاب فرجع الرسول

  إليه فخبره بذلك فغضب عدو الله من ذلك أشد الغضب و التفت إلى عمر بن سعد و أمره بقتال الحسين و قد كان ولاه الري قبل ذلك فاستعفى عمر من ذلك فقال ابن زياد فاردد إلينا عهدنا فاستمهله ثم قبل بعد يوم خوفا عن أن يعزل عن ولاية الري. و قال المفيد رحمه الله فلما كان من الغد قدم عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص من الكوفة في أربعة آلاف فارس فنزل بنينوى فبعث إلى الحسين ع عروة بن قيس الأحمسي فقال له ائته فسله ما الذي جاء بك و ما تريد و كان عروة ممن كتب إلى الحسين فاستحيا منه أن يأتيه فعرض ذلك على الرؤساء الذين كاتبوه و كلهم أبى ذلك و كرهه. فقام إليه كثير بن عبد الله الشعبي و كان فارسا شجاعا لا يرد وجهه شي‏ء فقال له أنا أذهب إليه و و الله لئن شئت لأفتكن به فقال له عمر بن سعد ما أريد أن تفتك به و لكن ائته فسله ما الذي جاء به فأقبل كثير إليه فلما رآه أبو ثمامة الصيداوي قال للحسين ع أصلحك الله يا أبا عبد الله قد جاءك شر أهل الأرض و أجرؤه على دم و أفتكهم و قام إليه فقال له ضع سيفك قال لا و الله و لا كرامة إنما أنا رسول إن سمعتم كلامي بلغتكم ما أرسلت إليكم و إن أبيتم انصرفت عنكم قال فإني آخذ بقائم سيفك ثم تكلم بحاجتك قال لا و الله لا تمسه فقال له أخبرني بما جئت به و أنا أبلغه عنك و لا أدعك تدنو منه فإنك فاجر فاستبا و انصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر. فدعا عمر بن سعد قرة بن قيس الحنظلي فقال له ويحك الق حسينا فسله ما جاء به و ما ذا يريد فأتاه قرة فلما رآه الحسين مقبلا قال أ تعرفون هذا فقال حبيب بن مظاهر هذا رجل من حنظلة تميم و هو ابن أختنا و قد كنت أعرفه بحسن الرأي و ما كنت أراه يشهد هذا المشهد فجاء حتى سلم على الحسين و أبلغه رسالة عمر بن سعد إليه فقال له الحسين ع كتب إلي أهل مصركم هذا أن أقدم فأما إذا كرهتموني فأنا أنصرف عنكم فقال حبيب بن مظاهر ويحك يا قرة أين تذهب إلى القوم الظالمين انصر هذا الرجل الذي بآبائه أيدك الله بالكرامة فقال له قرة أرجع إلى صاحبي بجواب رسالته و أرى رأيي فانصرف إلى عمر بن سعد و أخبره الخبر فقال عمر بن سعد أرجو أن يعافيني الله من حربه و قتاله. و كتب إلى عبيد الله بن زياد بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أما بعد فإني حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسولي فسألته عما أقدمه و ما ذا يطلب فقال كتب إلي أهل هذه البلاد و أتتني رسلهم يسألوني القدوم إليهم ففعلت فأما إذا كرهتموني و بدا لهم غير ما أتتني به رسلهم فأنا منصرف عنهم. قال حسان بن قائد العبسي و كنت عند عبيد الله بن زياد حين أتاه هذا الكتاب فلما قرأه قال.

الآن إذ علقت مخالبنا به يرجو النجاة وَ لاتَ حِينَ مَناصٍ

. و كتب إلى عمر بن سعد أما بعد فقد بلغني كتابك و فهمت ما ذكرت فأعرض على الحسين أن يبايع ليزيد هو جميع أصحابه فإذا فعل ذلك رأينا رأينا و السلام فلما ورد الجواب على عمر بن سعد قال قد خشيت أن لا يقبل ابن زياد العافية. و قال محمد بن أبي طالب فلم يعرض ابن سعد على الحسين ما أرسل به ابن زياد لأنه علم أن الحسين لا يبايع يزيد أبدا قال ثم جمع ابن زياد الناس في جامع الكوفة ثم خرج فصعد المنبر ثم قال أيها الناس إنكم بلوتم آل أبي سفيان فوجدتموهم كما تحبون و هذا أمير المؤمنين يزيد قد عرفتموه حسن السيرة محمود الطريقة محسنا إلى الرعية يعطي العطاء في حقه قد أمنت السبل على عهده و كذلك كان أبوه معاوية في عصره و هذا ابنه يزيد من بعده يكرم العباد و يغنيهم بالأموال و يكرمهم و قد زادكم في أرزاقكم مائة مائة و أمرني أن أوفرها عليكم و أخرجكم إلى حرب عدوه الحسين فاسمعوا له و أطيعوا. ثم نزل عن المنبر و وفر الناس العطاء و أمرهم أن يخرجوا إلى حرب الحسين ع و يكونوا عونا لابن سعد على حربه فأول من خرج شمر بن ذي الجوشن في أربعة آلاف فصار ابن سعد في تسعة آلاف ثم أتبعه بيزيد بن ركاب الكلبي في ألفين و الحصين بن نمير السكوني في أربعة آلاف و فلانا المازني في ثلاثة آلاف و نصر بن فلان في ألفين فذلك عشرون ألفا. ثم أرسل إلى شبث بن ربعي أن أقبل إلينا و إنا نريد أن نوجه بك إلى حرب الحسين فتمارض شبث و أراد أن يعفيه ابن زياد فأرسل إليه أما بعد فإن رسولي أخبرني بتمارضك و أخاف أن تكون من الذين إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَ إِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ إن كنت في طاعتنا فأقبل إلينا مسرعا. فأقبل إليه شبث بعد العشاء لئلا ينظر إلى وجهه فلا يرى عليه أثر العلة فلما دخل رحب به و قرب مجلسه و قال أحب أن تشخص إلى قتال هذا الرجل عونا لابن سعد عليه فقال أفعل أيها الأمير فما زال يرسل إليه بالعساكر حتى تكامل عنده ثلاثون ألفا ما بين فارس و راجل ثم كتب إليه ابن زياد إني لم أجعل لك علة في كثرة الخيل و الرجال فانظر لا أصبح و لا أمسي إلا و خبرك عندي غدوة و عشية و كان ابن زياد يستحث عمر بن سعد لستة أيام مضين من المحرم. و أقبل حبيب بن مظاهر إلى الحسين ع فقال يا ابن رسول الله هاهنا حي من بني أسد بالقرب منا أ تأذن لي في المصير إليهم فأدعوهم إلى نصرتك فعسى الله أن يدفع بهم عنك قال قد أذنت لك فخرج حبيب إليهم في جوف الليل متنكرا حتى أتى إليهم فعرفوه أنه من بني أسد فقالوا ما حاجتك فقال إني قد أتيتكم بخير ما أتى به وافد إلى قوم أتيتكم أدعوكم إلى نصر ابن بنت نبيكم فإنه في عصابة من المؤمنين الرجل منهم خير من ألف رجل لن يخذلوه و لن يسلموه أبدا و هذا عمر بن سعد قد أحاط به و أنتم قومي و عشيرتي و قد أتيتكم بهذه النصيحة فأطيعوني اليوم في نصرته تنالوا بها شرف الدنيا و الآخرة فإني أقسم بالله لا يقتل أحد منكم في سبيل الله مع ابن بنت رسول الله صابرا محتسبا إلا كان رفيقا لمحمد ص في عليين قال فوثب إليه رجل من بني أسد يقال له عبد الله بن بشر فقال أنا أول من يجيب إلى هذه الدعوة ثم جعل يرتجز و يقول.

قد علم القوم إذا تواكلوا و أحجم الفرسان إذ تناقلواأني شجاع بطل مقاتل كأنني ليث عرين باسل

. ثم تبادر رجال الحي حتى التأم منهم تسعون رجلا فأقبلوا يريدون الحسين ع و خرج رجل في ذلك الوقت من الحي حتى صار إلى عمر بن سعد فأخبره بالحال فدعا ابن سعد برجل من أصحابه يقال له الأزرق فضم إليه أربعمائة فارس و وجه نحو حي بني أسد فبينما أولئك القوم قد أقبلوا يريدون عسكر الحسين ع في جوف الليل إذا استقبلهم خيل ابن سعد على شاطئ الفرات و بينهم و بين عسكر الحسين اليسير فناوش القوم بعضهم بعضا و اقتتلوا قتالا شديدا و صاح حبيب بن مظاهر بالأزرق ويلك ما لك و ما لنا انصرف عنا و دعنا يشقى بنا غيرك فأبى الأزرق أن يرجع و علمت بنو أسد أنه لا طاقة لهم بالقوم فانهزموا راجعين إلى حيهم ثم إنهم ارتحلوا في جوف الليل خوفا من ابن سعد أن يبيتهم و رجع حبيب بن مظاهر إلى الحسين ع فخبره بذلك فقال ع لا حول و لا قوة إلا بالله. قال و رجعت خيل ابن سعد حتى نزلوا على شاطئ الفرات فحالوا بين الحسين و أصحابه و بين الماء و أضر العطش بالحسين و أصحابه فأخذ الحسين ع فأسا و جاء إلى وراء خيمة النساء فخطا في الأرض تسع عشرة خطوة نحو القبلة ثم حفر هناك فنبعت له عين من الماء العذب فشرب الحسين ع و شرب الناس بأجمعهم و ملئوا أسقيتهم ثم غارت العين فلم ير لها أثر و بلغ ذلك ابن زياد فأرسل إلى عمر بن سعد بلغني أن الحسين يحفر الآبار و يصيب الماء فيشرب هو و أصحابه فانظر إذا ورد عليك كتابي فامنعهم من حفر الآبار ما استطعت و ضيق عليهم و لا تدعهم يذوقوا الماء و افعل بهم كما فعلوا بالزكي عثمان فعندها ضيق عمر بن سعد عليهم غاية التضييق. فلما اشتد العطش بالحسين دعا بأخيه العباس فضم إليه ثلاثين فارسا و عشرين راكبا و بعث معه عشرين قربة فأقبلوا في جوف الليل حتى دنوا من الفرات فقال عمرو بن الحجاج من أنتم فقال رجل من أصحاب الحسين ع يقال له هلال بن نافع البجلي ابن عم لك جئت أشرب من هذا الماء فقال عمرو اشرب هنيئا فقال هلال ويحك تأمرني أن أشرب و الحسين بن علي و من معه يموتون عطشا فقال عمرو صدقت و لكن أمرنا بأمر لا بد أن ننتهي إليه فصاح هلال بأصحابه فدخلوا الفرات و صاح عمرو بالناس و اقتتلوا قتالا شديدا فكان قوم يقاتلون و قوم يملئون حتى ملئوها و لم يقتل من أصحاب الحسين أحد ثم رجع القوم إلى معسكرهم فشرب الحسين و من كان معه و لذلك سمي العباس ع السقاء. ثم أرسل الحسين إلى عمر بن سعد لعنه الله إني أريد أن أكلمك فألقني الليلة بين عسكري و عسكرك فخرج إليه ابن سعد في عشرين و خرج إليه الحسين في مثل ذلك فلما التقيا أمر الحسين ع أصحابه فتنحوا عنه و بقي معه أخوه العباس و ابنه علي الأكبر و أمر عمر بن سعد و أصحابه فتنحوا عنه و بقي معه ابنه حفص و غلام له. فقال له الحسين ع ويلك يا ابن سعد أ ما تتقي الله الذي إليه معادك أ تقاتلني و أنا ابن من علمت ذر هؤلاء القوم و كن معي فإنه أقرب لك إلى الله تعالى فقال عمر بن سعد أخاف أن يهدم داري فقال الحسين ع أنا أبنيها لك فقال أخاف أن تؤخذ ضيعتي فقال الحسين ع أنا أخلف عليك خيرا منها من مالي بالحجاز فقال لي عيال و أخاف عليهم ثم سكت و لم يجبه إلى شي‏ء

  فانصرف عنه الحسين ع و هو يقول ما لك ذبحك الله على فراشك عاجلا و لا غفر لك يوم حشرك فو الله إني لأرجو أن لا تأكل من بر العراق إلا يسيرا فقال ابن سعد في الشعير كفاية عن البر مستهزئا بذلك القول. رجعنا إلى سياقة حديث المفيد قال و ورد كتاب ابن زياد في الأثر إلى عمر بن سعد أن حل بين الحسين و أصحابه و بين الماء و لا يذوقوا منه قطرة كما صنع بالتقي الزكي عثمان بن عفان فبعث عمر بن سعد في الوقت عمرو بن الحجاج في خمسمائة فارس فنزلوا على الشريعة و حالوا بين الحسين و أصحابه و بين الماء و منعوهم أن يسقوا منه قطرة و ذلك قبل قتل الحسين ع بثلاثة أيام. و نادى عبد الله بن حصين الأزدي و كان عداده في بجيلة قال بأعلى صوته يا حسين أ لا تنظرون إلى الماء كأنه كبد السماء و الله لا تذوقون منه قطرة واحدة حتى تموتوا عطشا فقال الحسين ع اللهم اقتله عطشا و لا تغفر له أبدا قال حميد بن مسلم و الله لعدته في مرضه بعد ذلك فو الله الذي لا إله غيره لقد رأيته يشرب الماء حتى يبغر ثم يقيئه و يصيح العطش العطش ثم يعود و يشرب حتى يبغر ثم يقيئه و يتلظى عطشا فما زال ذلك دأبه حتى لفظ نفسه. و لما رأى الحسين ع نزول العساكر مع عمر بن سعد بنينوى و مددهم لقتاله أنفذ إلى عمر بن سعد أنني أريد أن ألقاك فاجتمعا ليلا فتناجيا طويلا ثم رجع عمر إلى مكانه و كتب إلى عبيد الله بن زياد أما بعد فإن الله قد أطفأ النائرة و جمع الكلمة و أصلح أمر الأمة هذا حسين قد أعطاني أن يرجع إلى المكان الذي منه أتى أو أن يسير إلى ثغر من الثغور فيكون رجلا من المسلمين له ما لهم و عليه ما عليهم أو أن يأتي أمير المؤمنين يزيد فيضع يده في يده فيرى فيما بينه و بينه رأيه و في هذا لك رضى و للأمة صلاح. فلما قرأ عبيد الله الكتاب قال هذا كتاب ناصح مشفق على قومه فقام إليه شمر بن ذي الجوشن فقال أ تقبل هذا منه و قد نزل بأرضك و أتى جنبك و الله لئن رحل بلادك و لم يضع يده في يدك ليكونن أولى بالقوة و لتكونن أولى بالضعف و العجز فلا تعطه هذه المنزلة فإنها من الوهن و لكن لينزل على حكمك هو و أصحابه فإن عاقبت فأنت أولى بالعقوبة و إن عفوت كان ذلك لك. فقال ابن زياد نعم ما رأيت الرأي رأيك اخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد فليعرض على الحسين و أصحابه النزول على حكمي فإن فعلوا فليبعث بهم إلي سلما و إن هم أبوا فليقاتلهم فإن فعل فاسمع له و أطع و إن أبى أن يقاتلهم فأنت أمير الجيش فاضرب عنقه و ابعث إلي برأسه. و كتب إلى عمر بن سعد لم أبعثك إلى الحسين لتكف عنه و لا لتطاوله و لا لتمنيه السلامة و البقاء و لا لتعتذر عنه و لا لتكون له عندي شفيعا انظر فإن نزل حسين و أصحابه على حكمي و استسلموا فابعث بهم إلي سلما و إن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم و تمثل بهم فإنهم لذلك مستحقون فإن قتلت حسينا فأوطئ الخيل صدره و ظهره فإنه عات ظلوم و لست أرى أن هذا يضر بعد الموت شيئا و لكن على قول قد قلته لو قد قتلته لفعلته هذا به فإن أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع و إن أبيت فاعتزل عملنا و جندنا و خل بين شمر بن ذي الجوشن و بين العسكر فإنا قد أمرناه بأمرنا و السلام. فأقبل شمر بن ذي الجوشن بكتاب عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد فلما قدم عليه و قرأه قال له عمر ما لك ويلك لا قرب الله دارك و قبح الله ما قدمت به علي و الله إني لأظنك نهيته عما كتبت به إليه و أفسدت علينا أمرا قد كنا رجونا أن يصلح لا يستسلم و الله حسين إن نفس أبيه لبين جنبيه فقال له شمر

  أخبرني ما أنت صانع أ تمضي لأمر أميرك و تقاتل عدوه و إلا فخل بيني و بين الجند و العسكر قال لا و لا كرامة لك و لكن أنا أتولى ذلك فدونك فكن أنت على الرجالة. و نهض عمر بن سعد إلى الحسين ع عشية الخميس لتسع مضين من المحرم و جاء شمر حتى وقف على أصحاب الحسين و قال أين بنو أختنا فخرج إليه جعفر و العباس و عبد الله و عثمان بنو علي ع فقالوا ما تريد فقال أنتم يا بني أختي آمنون فقال له الفئة لعنك الله و لعن أمانك أ تؤمننا و ابن رسول الله لا أمان له. ثم نادى عمر يا خيل الله اركبي و بالجنة أبشري فركب الناس ثم زحف نحوهم بعد العصر و الحسين ع جالس أمام بيته محتبئ بسيفه إذ خفق برأسه على ركبتيه و سمعت أخته الصيحة فدنت من أخيها و قالت يا أخي أ ما تسمع هذه الأصوات قد اقتربت فرفع الحسين ع رأسه فقال إني رأيت رسول الله الساعة في المنام و هو يقول لي إنك تروح إلينا فلطمت أخته وجهها و نادت بالويل فقال لها الحسين ليس لك الويل يا أخته اسكتي رحمك الله و في رواية السيد قال يا أختاه إني رأيت الساعة جدي محمدا و أبي عليا و أمي فاطمة و أخي الحسن و هم يقولون يا حسين إنك رائح إلينا عن قريب و في بعض الروايات غدا قال. فلطمت زينب ع على وجهها و صاحت فقال لها الحسين ع مهلا لا تشمتي القوم بنا. قال المفيد فقال له العباس بن علي ع يا أخي أتاك القوم فنهض ثم قال اركب أنت يا أخي حتى تلقاهم و تقول لهم ما لكم و ما بدا لكم و تسألهم عما جاء بهم فأتاهم العباس في نحو من عشرين فارسا فيهم زهير بن القين و حبيب بن مظاهر فقال لهم العباس ما بدا لكم و ما تريدون قالوا قد جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو نناجزكم قال فلا تعجلوا حتى أرجع إلى أبي عبد الله فأعرض عليه ما ذكرتم فوقفوا فقالوا القه و أعلمه ثم القنا بما يقول لك فانصرف العباس راجعا يركض إلى الحسين ع يخبره الخبر و وقف أصحابه يخاطبون القوم و يعظونهم و يكفونهم عن قتال الحسين. فجاء العباس إلى الحسين ع و أخبره بما قال القوم فقال ارجع إليهم فإن استطعت أن تؤخرهم إلى غد و تدفعهم عنا العشية لعلنا نصلي لربنا الليلة و ندعوه و نستغفره فهو يعلم أني كنت قد أحب الصلاة له و تلاوة كتابه و كثرة الدعاء و الاستغفار. فمضى العباس إلى القوم و رجع من عندهم و معه رسول من قبل عمر بن سعد يقول إنا قد أجلناكم إلى غد فإن استسلمتم سرحنا بكم إلى عبيد الله بن زياد و إن أبيتم فلسنا بتاركيكم فانصرف و جمع الحسين ع أصحابه عند قرب المساء.

 قال علي بن الحسين زين العابدين ع فدنوت منه لأسمع ما يقول لهم و أنا إذ ذاك مريض فسمعت أبي يقول لأصحابه أثني على الله أحسن الثناء و أحمده على السراء و الضراء اللهم إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة و علمتنا القرآن و فقهتنا في الدين و جعلت لنا أسماعا و أبصارا و أفئدة فاجعلنا من الشاكرين أما بعد فإني لا أعلم أصحابا أوفى و لا خيرا من أصحابي و لا أهل بيت أبر و أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني خيرا ألا و إني لأظن يوما لنا من هؤلاء ألا و إني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم حرج مني و لا ذمام هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا

فقال له إخوته و أبناؤه و بنو أخيه و ابنا عبد الله بن جعفر لم نفعل ذلك لنبقى بعدك لا أرانا الله ذلك أبدا بدأهم بهذا القول العباس بن علي و أتبعته الجماعة عليه فتكلموا بمثله و نحوه فقال الحسين ع يا بني عقيل حسبكم من القتل بمسلم بن عقيل فاذهبوا أنتم فقد أذنت لكم فقالوا سبحان الله ما يقول الناس نقول إنا تركنا شيخنا و سيدنا و بني عمومتنا خير الأعمام و لم نرم معهم بسهم و لم نطعن معهم برمح و لم نضرب معهم بسيف و لا ندري ما صنعوا لا و الله ما نفعل ذلك و لكن نفديك بأنفسنا و أموالنا و أهلنا و نقاتل معك حتى نرد موردك فقبح الله العيش بعدك. و قام إليه مسلم بن عوسجة فقال أ نحن نخلي عنك و بما نعتذر إلى الله في أداء حقك لا و الله حتى أطعن في صدورهم برمحي و أضربهم بسيفي ما ثبت قائمة في يدي و لو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة و الله لا نخليك حتى يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسول الله فيك أما و الله لو علمت أني أقتل ثم أحيا ثم أحرق ثم أحيا ثم أذرى يفعل ذلك بي سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك فكيف لا أفعل ذلك و إنما هي قتلة واحدة ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا. و قام زهير بن القين فقال و الله لوددت أني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى أقتل هكذا ألف مرة و إن الله يدفع بذلك القتل عن نفسك و عن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك. و تكلم جماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضا في وجه واحد فجزاهم الحسين خيرا و انصرف إلى مضربه. و قال السيد و قيل لمحمد بن بشر الحضرمي في تلك الحال قد أسر ابنك بثغر الري فقال عند الله أحتسبه و نفسي ما أحب أن يؤسر و أنا أبقى بعده فسمع الحسين ع قوله فقال رحمك الله أنت في حل من بيعتي فاعمل في فكاك ابنك فقال أكلتني السباع حيا إن فارقتك قال فأعط ابنك هذه الأثواب البرود يستعين بها في فداء أخيه فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار. قال و بات الحسين و أصحابه تلك الليلة و لهم دوي كدوي النحل ما بين راكع و ساجد و قائم و قاعد فعبر إليهم في تلك الليلة من عسكر عمر بن سعد اثنان و ثلاثون رجلا