باب 4- ما ظهر عند الضريح المقدس من المعجزات و الكرامات

1-  فرحة الغري، أخبرني عمي السعيد علي بن موسى بن طاوس و الفقيه نجم الدين أبو القاسم بن سعيد و الفقيه المقتدى بقية المشيخة نجيب الدين يحيى بن سعيد أدام الله بركاتهم كلهم عن الفقيه محمد بن عبد الله بن زهرة الحسيني عن محمد بن الحسن العلوي الحسيني الساكن بمشهد الكاظم ع عن القطب الراوندي عن محمد بن علي بن المحسن الحلبي عن الطوسي و نقلته من خطه حرفا حرفا عن المفيد محمد بن محمد بن النعمان عن محمد بن أحمد بن داود عن أبي الحسين محمد بن تمام الكوفي قال حدثنا أبو الحسن علي بن الحسن بن الحجاج من حفظه قال كنا جلوسا في مجلس ابن عمي أبي عبد الله محمد بن عمران بن الحجاج و فيه جماعة من أهل الكوفة من المشايخ و فيمن حضر العباس بن أحمد العباسي و كانوا قد حضروا عند ابن عمي يهنئونه بالسلامة لأنه حضر وقت سقوط سقيفة سيدي أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب ع في ذي الحجة من سنة ثلاث و سبعين و مائتين فبينا هم قعود يتحدثون إذ حضر المجلس إسماعيل بن عيسى العباسي فلما نظرت الجماعة إليه أحجمت عما كانت فيه و أطال إسماعيل الجلوس فلما نظر إليهم قال لهم يا أصحابنا أعزكم الله لعلي قطعت حديثكم بمجيئي قال أبو الحسن علي بن يحيى السليماني و كان شيخ الجماعة و مقدما فيهم لا و الله يا أبا عبد الله أعزك الله ما أمسكنا بحال من الأحوال فقال لهم يا أصحابنا اعلموا أن الله عز و جل مسائلي عما أقول لكم و ما أعتقده المذهب حتى حلف بعتق جواريه و مماليكه و حبس دوابه أنه لا يعتقد إلا ولاية علي بن أبي طالب ع و السادة من الأئمة ع و عدهم واحدا واحدا و ساق الحديث فأبسط إليه أصحابنا و سألهم و سألوه ثم قال لهم رجعنا يوم جمعة من الصلاة من المسجد الجامع مع عمي داود فلما كان قبل منازلنا و قبل منزله و قد خلا الطريق قال لنا أينما كنتم قبل أن تغرب الشمس فصيروا إلي و لا يكون أحد منكم على حال فيتخلف لأنه كان جمرة بني هاشم فصرنا إليه آخر النهار و هو جالس ينتظرنا فقال صيحوا بفلان و فلان من الفعلة فجاءه رجلان معهما آلتهما و التفت إلينا فقال اجتمعوا كلكم فاركبوا في وقتكم هذا و خذوا معكم الجمل غلاما كان له أسود يعرف بالجمل و كان لو حمل هذا الغلام على سكر دجلة لسكرها من شدته و بأسه و امضوا إلى هذا القبر الذي قد افتتن به الناس و يقولون إنه قبر علي حتى تنبشوه و تجيئوني بأقصى ما فيه فمضينا إلى الموضع فقلنا دونكم و ما أمر به فحضر الحفارون و هم يقولون لا حول و لا قوة إلا بالله في أنفسهم و نحن في ناحية حتى نزلوا خمسة أذرع فلما بلغوا إلى الصلابة قال الحفارون قد بلغنا إلى موضع صلب و ليس نقوى بنقره فأنزلوا الحبشي فأخذ المنقار فضرب ضربة سمعنا لها طنينا شديدا في البر ثم ضرب ثانية فسمعنا طنينا أشد من ذلك ثم ضرب الثالثة فسمعنا أشد مما تقدم ثم صاح الغلام صيحة فقمنا فأشرفنا عليه و قلنا للذين كانوا معه اسألوه ما باله فلم يجبهم و هو يستغيث فشدوه و أخرجوه بالحبل فإذا على يده من أطراف أصابعه إلى مرفقه دم و هو يستغيث لا يكلمنا و لا يحير جوابا فحملناه على البغل و رجعنا طائرين و لم يزل لحم الغلام ينثر من عضده و جنبيه و سائر شقه الأيمن حتى انتهينا إلى عمي فقال أيش وراءكم فقلنا ما ترى و حدثناه بالصورة فالتفت إلى القبلة و تاب عما هو عليه و رجع عن المذهب و تولى و تبرأ و ركب بعد ذلك في الليل على مصعب بن جابر فسأله أن يعمل على القبر صندوقا و لم يخبره بشي‏ء مما جرى و وجه من طم الموضع و عمر الصندوق عليه و مات الغلام الأسود من وقته قال أبو الحسن بن الحجاج رأينا هذا الصندوق الذي هذا حديثه لطيفا و ذلك من قبل أن يبنى عليه الحائط الذي بناه الحسن بن زيد هذا آخر ما نقلته من خط الطوسي رضي الله عنه

 أقول و قد ذكر هنا الشريف أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن بن علي بن الحسين بن عبد الرحمن الشجري بالإسناد المقدم إليه حدثني أبو الحسن محمد بن أحمد بن عبد الله الجواليقي لفظا قال أخبرنا أبو جعفر محمد بن محمد بن الحسين إجازة و كتبته من خط يده قال أخبرنا علي بن الحسين بن الحجاج إملاء من حفظه قال كنا في مجلس عمي أبي عبد الله محمد بن عمران بن الحجاج و تمم الحديث على نحو ما ذكرناه و لم يقل ابن عمي و فيه تغيير لا يضر طائلا و قال في آخره الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ع المعروف بالداعي الخارج بطبرستان

 أقول هذا الحسن بن زيد صاحب الدعوة بالري قتله مرداويج ملك بلادا كثيرة قال الفقيه صفي الدين محمد بن معد و قد رأيت هذا الحديث بخط أبي يعلى محمد بن حمزة الجعفري صهر الشيخ المفيد و الجالس بعد وفاته مجلسه. أقول و قد رأيته بخط أبي يعلى الجعفري أيضا في كتابه كما ذكر صفي الدين أيضا و رأيته أنا في خط أبي يعلى و رأيت هذا في مزار ابن داود القمي عندي في نسخة عتيقة مقابلة بنسخة عليها مكتوب ما صورته قد أجزت هذا الكتاب و هو أول كتاب الزيارات من تصنيفي و جميع مصنفاتي و رواياتي ما لم يقع فيها تدليس لمحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سميع أعزه الله فليرو ذلك عني إذا أحب لا حرج عليه فيه أن يقول أخبرنا أو حدثنا و كتب محمد بن أحمد بن داود القمي في شهر ربيع الآخر سنة ستين و ثلاثمائة حامدا لله شاكرا و على نبيه مصليا و مسلما و هذه الرواية مطابقة لما أورده الطوسي بخطه

2-  و أخبرني عبد الرحمن بن الحربي الحنبلي عن عبد العزيز بن الأخضر عن محمد بن ناصر السلامي عن أبي الغنائم محمد بن علي بن ميمون البرسي قال أخبرني الشريف أبو عبد الله الحسني المقدم ذكره قال حدثنا أبو الحسن محمد بن الحسن بن عبد الله الجواليقي بقراءته علي لفظا و كتبه لي بخطه قال أخبرنا أبي قال أخبرنا جدي أبو أمي محمد بن علي بن دحيم الشناني قال مضيت أنا و والدي علي بن دحيم و عمي حسين بن دحيم و أنا صبي صغير في سنة نيف و ستين و مائتين بالليل و معنا جماعة مختفين إلى الغري لزيارة قبر مولانا أمير المؤمنين ع فلما جئنا إلى القبر و كان يومئذ حول قبره حجارة سود و لا بناء حوله عنده و ليس في طريقه غير قائم الغري فبينا نحن عنده و بعضنا يقرأ و بعضنا يصلي و بعضنا يزور إذا نحن بأسد مقبل نحونا فلما قرب منا مقدار رمح قال بعضنا لبعض أبعدوا عن القبر حتى ننظر ما يريد فأبعدنا فجاء الأسد إلى القبر فجعل يمرغ ذراعه على القبر فمضى رجل منا فشاهده و عاد فأعلمنا فزال الرعب عنا و جئنا بأجمعنا حتى شاهدناه يمرغ ذراعه على القبر و فيه جراح فلم يزل يمرغه ساعة ثم انزاح عن القبر و مضى و عدنا إلى ما كنا عليه من القراءة و الصلاة و الزيارة و قراءة القرآن

3-  و من محاسن القصص ما قرأته بخط والدي قدس الله روحه على ظهر كتاب بالمشهد الكاظمي على مشرفها السلام ما صورته قال سمعت من شهاب الدين بندار بن ملكدار القمي يقول حدثني كمال الدين شرف المعالي بن غياث القمي قال دخلت إلى حضرة مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه فزرته و تحولت إلى موضع المسألة و دعوت و توسلت فتعلق مسمار من الضريح المقدس صلوات الله عليه في قبائي فمزقه فقلت مخاطبا لأمير المؤمنين ع ما أعرف عوض هذا إلا منك و كان إلى جانبي رجل رأيه غير رأيي فقال لي مستهزئا ما يعطيك عوضه إلا قباء ورديا فانفصلنا من الزيارة و جئنا إلى الحلة و كان جمال الدين قشتمر الناصري رحمه الله قد هيأ لشخص يريد أن ينفذه إلى بغداد يقال له ابن مايست قباء و قلنسوة فخرج الخادم على لسان قشتمر و قال هاتوا كمال الدين القمي المذكور فأخذ بيدي و دخل إلى الخزانة و خلع علي قباء ملكيا ورديا فخرجت و دخلت حتى أسلم على قشتمر و أقبل كفه فنظر إلي نظرا عرفت الكراهة في وجهه و التفت إلى الخادم كالمغضب و قال طلبت فلانا يعني ابن مايست فقال الخادم إنما قلت كمال الدين القمي و شهد الجماعة الذين كانوا جلساء الأمير أنه أمر بحضور كمال الدين القمي المذكور فقلت أيها الأمير ما خلعت علي أنت هذه الخلعة بل أمير المؤمنين خلعها علي فالتمس مني الحكاية فحكيت له فخر ساجدا و قال الحمد لله كيف كانت الخلعة على يدي ثم شكره و قال تستحق

 هذا آخر ما حدث به شهاب الدين و كتب أحمد بن طاوس هذا آخر ما وجدت بخطه فنقلته

4-  و روى ذلك السيد محمد بن شرفشاه الحسيني عن شهاب الدين بندار أيضا وجدت ما صورته عن العم السعيد رضي الدين علي بن طاوس عن الشيخ حسين بن عبد الكريم الغروي و إن كان اللفظ يزيد أو ينقص عما وجدته مسطورا قال كان قد وفد إلى المشهد الشريف الغروي على ساكنه السلام رجل أعمى من أهل تكريت و كان قد عمي على كبر و كانت عيناه ناتئتين على خده و كان كثيرا ما يقعد عند المسألة و يخاطب الجناب الأشرف المقدس بخطاب غير حسن و كانت تارة أهم بالإنكار عليه و تارة يراجعني الفكر في الصفح عنه فمضى على ذلك مدة فإذا أنا في بعض الأيام قد فتحت الخزانة إذ سمعت ضجة عظيمة فظننت أنه قد جاء للعلويين بر من بغداد أو قتل في المشهد قتيل فخرجت ألتمس الخبر فقيل لي هاهنا أعمى قد رد بصره فرجوت أن يكون ذلك الأعمى فلما وصلت إلى الحضرة الشريفة وجدته ذلك الأعمى بعينه و عيناه كأحسن ما يكون فشكرت الله تعالى على ذلك و زاد والدي على هذه الرواية أنه كان يقول له من جملة كلامه كخطاب الأحياء و كيف يليق أجي‏ء و أمسي يشتفي من لا يجب و من هذا الجنس سمعت والدي قدس الله روحه يحكي

5-  و سمعت والدي قدس الله روحه غير مرة يحكي عن الشيخ الحسين بن عبد الكريم الغروي هذه الحكاية الآتي ذكرها و إن لم أحقق لفظه و لكن المعنى منها أرويه عنه و اللفظ وجدته مرويا عن العم السعيد عنه أنه كان إيلغازي أميرا بالحلة و كان قد اتفق أنه أنفذ سرية إلى العرب فلما رجعت السرية نزلوا حول سور المشهد الأشرف المقدس الغروي على الحال به أفضل الصلاة و السلام قال الشيخ الحسين فخرجت بعد رحيلهم إلى ذلك الموضع الذي كانوا فيه نزولا لأمر عرض فوجدت كلابي سربوش ملقاة في الرمل فمددت يدي أخذتهما فلما صارا في يدي ندمت ندامة عظيمة و قلت أخذتهما و تعلقت ذمتي بما ليس فيه راحة فلما كان بعد مدة زمانية اتفق أنه ماتت عندنا بالمشهد المقدس امرأة علوية فصلينا عليها فخرجت معهم إلى المقبرة و إذا برجل تركي قائم يفتش موضعا لقيت الكلابين فقلت لأصحابي اعلموا أن ذلك التركي يفتش على كلابي سربوش و هما معي في جيبي و كنت لما أردت الخروج إلى الصلاة على الميتة لاح لي الكلابان في داري فأخذتهما ثم جئت أنا و أصحابي فسلمت على التركي و قلت له على ما تفتش قال أفتش على كلابي سربوش ضاعت مني منذ سنة فقلت سبحان الله تضيع منك منذ سنة تطلبه اليوم قال نعم اعلم أنني لما دخلت السرية و كنت معهم فلما وصلنا إلى خندق الكوفة ذكرنا الكلابين فقلت يا علي هما في ضمانك لأنهما في حرمك و أنا أعلم أنهما لا يصيبهما شي‏ء فقلت له الآن ما حفظ الله عليك شيئا غيرهما ثم ناولته إياهما و أعتقد أن المدة كانت سنة

6-  وقفت في كتاب قد نقل عن الشيخ حسن بن الحسين بن الطحال المقدادي قال أخبرني أبي عن أبيه عن جده أنه أتاه رجل مليح الوجه نقي الأثواب دفع إليه دينارين و قال له أغلق علي القبة و ذرني فأخذها منه و أغلق الباب فنام فرأى أمير المؤمنين ع في منامه و هو يقول اقعد أخرجه عني فإنه نصراني فنهض علي بن طحال و أخذ حبلا فوضعه في عنق الرجل و قال له اخرج تخدعني بالدينارين و أنت نصراني فقال له لست بنصراني قال بلى إن أمير المؤمنين ع أتاني في المنام و أخبرني أنك نصراني و قال أخرجه عني فقال امدد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله ص و أن عليا ولي الله و الله ما علم أحد بخروجي من الشام و لا عرفني أحد من أهل العراق ثم حسن إسلامه

7-  و حكى أيضا أن عمران بن شاهين من أهل العراق عصى على عضد الدولة فطلبه طلبا حثيثا فهرب منه إلى المشهد متخفيا فرأى أمير المؤمنين ع في منامه و هو يقول له يا عمران في غد يأتي فناخسرو إلى هاهنا فيخرجون من بهذا المكان فتقف أنت هاهنا و أشار إلى زاوية من زوايا القبة فإنهم لا يرونك فسيدخل و يزور و يصلي و يبتهل في الدعاء و القسم بمحمد و آله أن يظفره بك فادن منه و قل له أيها الملك من هذا الذي قد ألححت بالقسم بمحمد و آله أن يظفرك به فسيقول رجل شق عصاي و نازعني في ملكي و سلطاني فقل ما لمن يظفرك به فيقول إن حتم علي بالعفو عنه عفوت عنه فأعلمه بنفسك فإنك تجد منه ما تريد فكان كما قال له فقال أنا عمران بن شاهين قال من أوقفك هاهنا قال له هذا مولانا قال في منامي غدا يحضر فناخسرو إلى هاهنا و أعاد عليه القول فقال له بحقه قال لك فناخسرو قلت أي و حقه فقال عضد الدولة ما عرف أحد أن اسمي فناخسرو إلا أمي و القابلة و أنا ثم خلع عليه خلعة الوزارة و طلع من بين يديه إلى الكوفة و كان عمران بن شاهين قد نذر عليه أنه متى عفا عنه عضد الدولة أتى إلى زيارة أمير المؤمنين ع حافيا حاسرا فلما جنه الليل خرج من الكوفة وحده فرأى جدي علي بن طحال مولانا أمير المؤمنين ع في منامه و هو يقول له اقعد افتح لوليي عمران بن شاهين الباب فقعد و فتح الباب و إذا بالشيخ قد أقبل فلما وصل قال له بسم الله يا مولانا فقال و من أنا فقال عمران بن شاهين قال لست بعمران بن شاهين فقال بلى إن أمير المؤمنين ع أتاني في منامي و قال لي اقعد افتح لوليي عمران بن شاهين قال له بحقه هو قال لك قال أي و حقه هو قال لي فوقع على العتبة يقبلها و أحاله على ضامن السمك بستين دينارا و كان له زوارق تعمل في الماء في صيد السمك أقول و بني الرواق المعروف برواق عمران في المشهدين الشريفين الغروي و الحائري على مشرفهما السلام

 قصة أبي البقاء قيم مشهد مولانا أمير المؤمنين ع

8-  و في سنة إحدى و خمسمائة بيع الخبز بالمشهد الشريف الغروي كل رطل بقيراط بقي أربعين يوما فمضى القوام من الضر على وجوههم إلى القرى و كان من القوام رجل يقال له أبو البقاء بن سويقة و كان له من العمر مائة و عشر سنين فلم يبق من القوام سواه فأضر به الحال فقالت له زوجته و بناته هلكنا امض كما مضى القوام فلعل الله تعالى يفتح شيئا نعيش به فعزم على المضي فدخل إلى القبة الشريفة صلوات الله على صاحبها و زار و صلى و جلس عند رأسه الشريف و قال يا أمير المؤمنين لي في خدمتك مائة سنة ما فارقتك ما رأيت الحلة و ما رأيت السكون و قد أضر بي و بأطفالي الجوع و ها أنا مفارقك و يعز علي فراقك أستودعك هذا فراق بيني و بينك ثم خرج و ما مضى مع المكارية حتى يعبر إلى الوقف و سوراء و في صحبته وهبان السلمي و أبو كردان و جماعة من المكارية طلعوا من المشهد بليل و أقبلوا إلى أبي هبيش قال بعضهم لبعض هذا وقت كثير فنزلوا و نزل أبو البقاء معهم فنام فرأى في منامه أمير المؤمنين ع و هو يقول له يا أبا البقاء فارقتني بعد طول هذه المدة عد إلى حيث كنت فانتبه باكيا فقيل له ما يبكيك فقص عليهم المنام و رجع فحيث رأينه بناته صرخن في وجهه فقص عليهن القصة و طلع و أخذ مفتاح القبة من الخازن أبي عبد الله بن شهريار القمي و قعد على عادته بقي ثلاثة أيام ففي اليوم الثالث أقبل رجل و بين كتفيه مخلاة كهيئة المشاة إلى طريق مكة فحلها و أخرج منها ثيابا لبسها و دخل إلى القبة الشريفة و زار و صلى و دفع إلي دينارا و قال ائت بطعام نتغدى فمضى القيم أبو البقاء و أتى بخبز و لبن و تمر فقال له ما يوافق لي هذا و لكن امض به إلى أولادك يأكلونه و خذ هذا الدينار الآخر و اشتر لنا به دجاجا و خبزا فأخذت له بذلك فلما كان وقت صلاة الظهر صلى الظهرين و أتى إلى داره و الرجل معه فأحضر الطعام و أكلا و غسل الرجل يديه و قال لي ائتني بأوزان الذهب فطلع القيم أبو البقاء إلى زيد بن واقصة و هو صائغ على باب دار التقي بن أسامة العلوي النسابة فأخذ منه الصينية و فيها أوزان الذهب و أوزان الفضة فجمع الرجل جميع الأوزان فوضعها في الكفة حتى الشعير و الأرز و حبة الشبه و أخرج كيسا مملوءا ذهبا و ترك منه بحذاء الأوزان و صبه في حجر القيم و نهض و شد ما تخلف معه و مد مداسه فقال له القيم يا سيدي ما أصنع بهذا قال له هو لك الذي قال لك ارجع إلى حيث كنت قال لي أعطه حذاء الأوزان و لو جئت بأكثر من هذه الأوزان لأعطيتك فوقع القيم مغشيا عليه و مضى الرجل فزوج القيم بناته و عمر داره و حسنت حاله

 قصة البدوي مع شحنة الكوفة

9-  و في سنة خمس و سبعين و خمسمائة كان الأمير مجاهد الدين سنقر الأمن يقطع الكوفة و قد وقع بينه و بين بني خفاجة فما كان أحد منهم يأتي إلى المشهد و لا غيره إلا و له طليعة فأتى فارسان فدخل أحدهما و بقي الآخر طليعة فخرج سنقر من مطلع الرهيمي و أتى مع السور فلما بصر به الفارس نادى بصاحبه جاءت العجم و تحته سابق من الخيل فأفلت و منعوا الآخر أن يخرج من الباب و اقتحموا وراءه فدخل راكبا ثم نزل عن فرسه قدام باب السلام الكبير البراني فمضت الفرس فدخلت في باب ابن عبد الحميد النقيب بن أسامة و دخل البدوي و وقف على الضريح الشريف فقال سنقر ايتوني به فجاءت المماليك يجذبونه من الضريح الشريف و قد لزم البدوي برمانة الضريح و قال يا أبا الحسن أنا عربي و أنت عربي و عادة العرب الدخول و قد دخلت عليك يا أبا الحسن دخيلك دخيلك و هم يفكون أصابعه عن الرمانة الفضة و هو ينادي و يقول لا تخفر ذمامك يا أبا الحسن فأخذوه و مضوا به فأراد أن يقتله فقطع على نفسه مائتي دينار و حصان من الخيل الذكور فكفله ابن بطن الحق على ذلك و مضى ابن بطن الحق يأتي بالفرس و المال فلما كان الليل و أنا نائم مع والدي محمد بن طحال بالحضرة الشريفة و إذا بالباب تطرق فنهض والدي و فتح الباب و إذا أبو البقاء بن الشيرجي السوراوي معه البدوي و عليه جبة حمراء و عمامة زرقاء و مملوك على رأسه منشفة مكورة يحملها فدخلوا القبة الشريفة حين فتحت و وقفوا قدام الشباك و قال يا أمير المؤمنين عبدك سنقر يسلم عليك و يقول لك إلى الله و إليك المعذرة و التوبة و هذا دخيلك و هذا كفارة ما صنعت فقال له والدي ما سبب هذا قال إنه رأى أمير المؤمنين ع في منامه و بيده حربة و هو يقول له و الله لئن لم تخل سبيل دخيلي لانتزعن نفسك على هذه الحربة و قد خلع عليه و أرسله و معه خمسة عشر رطلا فضة بعيني رأيتها و هي سروج و كيزان و رءوس أعلام و صفائح فضة فعملت ثلاث طاسات على الضريح الشريف صلوات الله على مشرفه و ما زالت إلى أن سكت في هذه الحلية التي عليه الآن و أما البدوي ابن بطن الحق فرأى أمير المؤمنين ع في منامه في البرية و هو يقول له ارجع إلى سنقر فقد خلى سبيل البدوي الذي كان قد أخذه فرجع إلى المشهد و اجتمع بالأسير المطلق هذا رأيته سنة خمس و سبعين و خمسمائة

قصة سيف سرق من الحضرة الشريفة و ظهر فيما بعد

10-  قال و في سنة أربع و ثمانين و خمسمائة في شهر رمضان المبارك كانوا يأتون مشايخ زيدية من الكوفة كل ليلة يزورون الإمام ع و كان فيهم رجل يقال له عباس الأمعص قال ابن طحال و كانت نوبة الخدمة تلك الليلة علي فجاءوا على العادة و طرقوا الباب ففتحته لهم و فتحت باب القبة الشريفة و بيد عباس سيف فقال لي أين أطرح هذا السيف فقلت اطرحه في هذه الزاوية و كان شريكي في الخدمة شيخ كبير يقال له بقاء بن عنقود فوضعه و دخلت فأشعلت لهم شمعة و حركت القناديل و زاروا و صلوا و طلعوا و طلب العباس السيف فلم يجده فسألني عنه فقلت له مكانه فقال ما هو هاهنا فطلبه فما وجده و عادتنا أن لا نخلي أحدا ينام بالحضرة سوى أصحاب النوبة فلما يئس منه دخل و قعد عند الرأس و قال يا أمير المؤمنين أنا وليك عباس و اليوم لي خمسون سنة أزورك في كل ليلة في رجب و شعبان و رمضان و السيف الذي معي عارية و حقك إن لم ترده علي ما رجعت زرتك أبدا و هذا فراق بيني و بينك و مضى فأصبحت فأخبرت السيد النقيب السعيد شمس الدين علي بن المختار فضجر علي و قال أ لم أنهكم أن ينام أحد بالمشهد سواكم فأحضرت المختمة الشريفة و أقسمت بها أنني فتشت المواضع و قلبت الحصر و ما تركت أحدا عندنا فوجد من ذلك أمرا عظيما و صعب عليه فلما كان بعد ثلاثة أيام و إذا أصواتهم بالتكبير و التهليل فقمت ففتحت لهم على جاري عادتي و إذا العباس الأمعص و السيف معه فقال يا حسن هذا السيف فالزمه فقلت أخبرني خبره قال رأيت مولانا أمير المؤمنين ع في منامي و قد أتى إلي و قال يا عباس لا تغضب امض إلى دار فلان بن فلان اصعد الغرفة التي فيها التبن و بحياتي عليك لا تفضحه و لا تعلم به أحدا فمضيت إلى النقيب شمس الدين فأعلمته بذلك فطلع في السحر إلى الحضرة و أخذ السيف منه و حلى له ذلك فقال لا أعطيك السيف حتى تعلمني من كان أخذه فقال له عباس يا سيدي يقول لي جدك بحياتي عليك لا تفضحه و لا تعلم به أحدا و أخبرك و لم يعلمه و مات و لم يعلم أحدا من الآخذ السيف و هذه الحكاية أخبرنا بمعناها المذكور القاضي العالم الفاضل المدرس عفيف الدين ربيع بن محمد الكوفي عن القاضي الزاهد علي بن بدا الهمداني عن عباس المذكور يوم الثلاثاء خامس عشر ربيع الآخر سنة ثمان و ثمانين و ستمائة

قصة لطيفة

11-  قال و في سنة سبع و ثمانين و خمسمائة كانت نوبتي أنا و شيخ يقال له أبو الغنائم بن كدونا و قد أغلقت الحضرة الشريفة صلوات الله على صاحبها فإذا وقع في مسامعي صوت أحد أبواب القبة فارتعت لذلك و قمت ففتحت الباب الأولى و دخلت إلى باب الوداع فلمست الأقفال فوجدتها على ما هي عليه و الأغلاق و مشيت إلى الأبواب أجمع فوجدتها بحالها و كنت أقول و الله لو وجدت أحدا للزمته فلما رجعت طالعا وصلت إلى الشباك الشريف و إذا برجل على ظهر الضريح أحققه في ضوء القناديل فحين رأيته أخذتني القعقعة و الرعدة العظيمة و ربا لساني في فمي إلى أن صعد إلى سقف حلقي فلزمت بكلتا يدي عمود الشباك و ألصقت منكبي الأيمن في ركنه و غاب وجدي عني ساعة و إذا همهمة الرجل و مشيه على فرش الصحن بالقبة و تحريك الختمة الشريفة بالزاوية من القبة و بعد ساعة رد روعي و سكن ما عندي فنظرت فلم أره فرجعت حتى أطلع وجدت الباب المقابل باب الحضرة للنساء قد فتح منه مقدار شبر فرجعت إلى باب الوداع ففتحت الأقفال و الأغلاق و دخلت أغلقته من داخل فهذا ما رأيته و شاهدته

قصة أخرى

12-  و قال أيضا إن رجلا يقال له أبو جعفر الكناتيني سأله رجل أن يدفع إليه بضاعة فلما ألح عليه أخرج ستين دينارا و قال له أشهد لي أمير المؤمنين بذلك فأشهده عليه بالقبض و التسليم ففعل ذلك فلما قبض المبلغ بقي ثلاث سنين ما أعطاه شيئا و كان بالمشهد رجل ذو صلاح يقال له مفرج فرأى في المنام كأن الذي قبض المال قد مات و قد جاءوا به على العادة ليدخلوه الحضرة الشريفة صلوات الله على صاحبها فلما وصلوا إلى الباب طلع أمير المؤمنين إلى العتبة و قال لا يدخل هذا البناء و لا يصلي أحد عليه فتقدم ولد له يقال له يحيى فقال يا أمير المؤمنين وليك قال صدقت و لكن أشهدني عليه لأبي جعفر الكناتيني بمال ما أوصله إليه فلما أصبح مفرج فأخبرنا بذلك فدعونا أبا جعفر و قلنا له أي شي‏ء لك عند فلان قال ما لي عنده شي‏ء فقلنا له ويحك شاهدك إمام قال و من شاهدي فقلنا له أمير المؤمنين ع فوقع على وجهه يبكي فأرسلنا إلى الرجل الذي قبض المال فقلنا له أنت هنالك فأخبرناه بالمنام فبكى و مضى فأحضر أربعين دينارا فسلمها إلى أبي جعفر و أعطاه الباقي

قصة أخرى

13-  و حكى علي بن مظفر النجار قال كان لي حصة في ضيعة فقبضت غصبا فدخلت إلى أمير المؤمنين ع شاكيا و قلت يا أمير المؤمنين إن رد هذه الحصة علي عملت هذا المجلس من مالي فردت الحصة عليه فغفل مدة فرأى أمير المؤمنين ع في منامه و هو قائم في زاوية القبة و قد قبض على يده و طلع حتى وقف على باب الوداع البراني و أشار إلى المجلس و قال يا علي يُوفُونَ بِالنَّذْرِ فقال له حبا و كرامة يا أمير المؤمنين و أصبح اشتغل في عمله

قصة أخرى

14-  سمعت بعض من أثق به يحكي بعض الفقهاء عن القاضي ابن بدا الهمداني و كان زيديا صالحا متعبدا توفي في رجب سنة ثلاث و ستين و ستمائة و دفن بالسهلة قال كنت في الجامع بالكوفة و كانت ليلة مطيرة فدق باب مسلم جماعة فذكر بعضهم أن معهم جنازة فأدخلوها و جعلوها على الصفة التي تجاه باب مسلم بن عقيل ثم إن أحدهم نعس فرأى في منامه كأن قائلا يقول لآخر ما نبصره حتى نبصر هل لنا معه حساب أم لا فكشفوا عن وجهه و قال بلى لنا معه حساب و ينبغي أن نأخذه منه معجلا قبل أن يتعدى الرصافة فما يبقى لنا معه طريق فانتبهت و حكيت لهم المنام و قلت لهم خذوه معجلا فأخذوه و مضوا في الحال

 بيان قال الفيروزآبادي المداس كسحاب الذي يلبس في الرجل و قال السك تضبيب الباب بالحديد و قال القعقعة صريف الأسنان لشدة وقعها قوله و ربا لساني أي ارتفع

15-  حة، ]فرحة الغري[ إسماعيل بن أبان عن عتاب بن كريم عن الحارث بن حصيرة قال حضر صاحب شرطة الحجاج حفيرة في الرحبة فاستخرج شيخا أبيض الرأس و اللحية فكتب إلى الحجاج أني حفرت و استخرجت شيخا أبيض الرأس و اللحية و هو علي بن أبي طالب ع فكتب إليه الحجاج كذبت أعد الرجل من حيث استخرجت فإن الحسن بن علي حمل أباه من حيث خرج إلى المدينة

16-  حة، ]فرحة الغري[ نجيب الدين يحيى بن سعيد عن محمد بن عبد الله بن زهرة عن محمد بن علي بن شهرآشوب عن جده عن الشيخ عن المفيد عن محمد بن زكريا عن عبد الله بن محمد بن عائشة عن عبد الله بن حازم قال خرجنا يوما مع الرشيد من الكوفة نتصيد فصرنا إلى ناحية الغريين و الثوية فرأينا ظباء فأرسلنا عليها الصقورة و الكلاب فحاولتها ساعة ثم لجأت الظباء إلى أكمة فسقطت عليها فسقطت الصقورة ناحية و رجعت الكلاب فتعجب الرشيد من ذلك ثم إن الظباء هبطت من الأكمة فسقط الصقورة و الكلاب فرجعت الظباء إلى الأكمة فتراجعت عنها الكلاب و الصقورة ففعلت ذلك ثلاثا فقال هارون اركضوا فمن لقيتموه ائتوني به فأتيناه بشيخ من بني أسد فقال هارون ما هذه الأكمة قال إن جعلت لي الأمان أخبرتك قال لك عهد الله و ميثاقه أن لا أهيجك و لا أوذيك قال حدثني أبي عن أبيه أنهم كانوا يقولون هذه الأكمة قبر علي بن أبي طالب ع جعله الله حرما لا يأوي إليه أحد إلا أمن فنزل هارون و دعا بماء فتوضأ و صلى عند الأكمة و تمرغ عليها و جعل يبكي فقال محمد بن عائشة فكان قلبي لم يقبل ذلك فلما كان بعد ذلك حججت إلى مكة فرأيت فيها ياسر جمال الرشيد و كان يجلس معنا إذا طفنا فجرى الحديث إلى أن قال قال لي الرشيد ليلة من الليالي و قد قدمنا من مكة فنزل الكوفة فقال يا ياسر قل لعيسى بن جعفر فليركب فركبا جميعا و ركبت معهما حتى إذا صرنا إلى الغريين فأما عيسى فأطرح نفسه فنام و أما الرشيد فجاء إلى أكمة فصلى عندها فلما صلى ركعتين دعا و بكى و تمرغ على الأكمة ثم يقول يا ابن عم أنا و الله أعرف فضلك و سابقتك و بك و الله جلست مجلسي الذي أنا به و أنت و أنت و لكن ولدك يؤذونني و يخرجون علي ثم يقوم فيصلي ثم يعيد هذا الكلام و يدعو و يبكي حتى إذا كان وقت السحر قال يا ياسر أقم عيسى فأقمته فقال يا عيسى قم صل قبر ابن عمك قال له أي عمومتي هذا قال هذا قبر علي بن أبي طالب ع فتوضأ عيسى و قام يصلي فلم يزالا كذلك حتى الفجر فقلت يا أمير المؤمنين أدركك الصبح فركبنا و رجعنا إلى الكوفة

 شا، ]الإرشاد[ محمد بن زكريا مثله

17-  حة، ]فرحة الغري[ أقول و ذكر صفي الدين محمد بن معد رحمه الله نحو هذا المتن في رواية رآها في بعض الكتب الحديثية القديمة و أسنده بما صورته قال حدثنا محمد بن سهل قال حدثنا عبد العزيز بن يحيى قال حدثنا محمد بن دينار العتبي قال حدثنا عبيد الله بن محمد بن عائشة قال حدثنا عبد الله بن حازم بن خزيمة قال خرجنا مع الرشيد من الكوفة نتصيد فصرنا إلى ناحية الغريين و الثوية و ذكر نحو المتن فلما وصل إلى آخره زاد فيه بعد قوله و رجعنا إلى الكوفة ثم إن أمير المؤمنين خرج إلى الرقة و أنا معه فقال لي ذات ليلة و نحن بالرقة و ذلك بعد سنة فقال لي يا ياسر تذكر ليلة الغريين قلت نعم يا أمير المؤمنين قال أ تدري قبر من ذاك قلت لا قال قبر علي بن أبي طالب ع فقلت يا أمير المؤمنين تفعل هذا بقبره و تحبس أولاده فقال ويلك إنهم يؤذونني و يحوجونني إلى ما أفعل بهم انظر إلى من في الحبس منهم فأحصينا من في الحبس منهم ببغداد و الرقة فكانوا مقدار خمسين رجلا فقال ادفع إلى كل رجل منهم ألف درهم و ثلاثة أثواب و أطلق جميع من في الحبس منهم قال ياسر ففعلت ذلك فما لي عند الله حسنة أكثر منها فقال ابن عائشة فصدق عندي حديث ياسر ما حدثني به عبد الله بن حازم

18-  حة، ]فرحة الغري[ ذكر إبراهيم بن علي بن محمد بن بكروس الدينوري في كتاب نهاية الطلب و غاية السؤال في مناقب آل الرسول و قد اختلف الروايات في قبر أمير المؤمنين ع و الصحيح أنه مدفون في الموضع الشريف الذي على النجف الآن و يقصد و يزار و ما ظهر لذلك من الآيات و الآثار و الكرامات فأكثر من أن تحصى و قد أجمع الناس عليه على اختلاف مذاهبهم و تباين أقوالهم و لقد كنت في النجف ليلة الأربعاء ثالث عشر ذي الحجة سنة سبع و تسعين و خمسمائة و نحن متوجهون نحو الكوفة بعد أن فارقنا الحاج بأرض النجف و كانت ليلة مصحية كالنهار و كان من الوقت ثلث الليل فظهر نور دخل القبر في ضمنه و لم يبق له الأثر و كان يسير إلى جانبي بعض الأجناد و شاهد ذلك أيضا فتأملت سبب ذلك و إذا على قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع عمود من نور يكون عرضه في رأي العين نحو الذراع و طوله حدود عشرين ذراعا و قد نزل من السماء و بقي على ذلك حدود ساعتين ما زال يتلاشى على القبة حتى اختفى عني و عاد نور القمر على ما كان عليه و كلمت الجندي الذي كان إلى جانبي فوجدته قد ثقل لسانه و ارتعش فلم أزل به حتى عاد لما كان عليه و أخبرني أنه شاهد مثل ذلك قال جامع الكتاب أدام الله أيامه هذا باب متسع لو ذهبنا إلى جميع ما قيل فيه لضاق عنه الوقت و لظهر العجز عن الحصر فليس ذلك بموقوف على أحد دون الآخر فإن هذه الأشياء الخارقة لم تزل تظهر هنالك مع طول الزمان و من تدبر ذلك وجده مشاهدة و أخبارا و من أحق بذلك منه ع و أولى و هو الذي اشترى الآخرة بطلاق الأولى و فيما أظهرنا الله عليه من خصائصه كفاية لمن كان له نظر و دراية و الله الموفق لمن كان له قلب و أراد الهداية آخر كلامه حرفا حرفا

19-  يقول عبد الرحمن بن محمد بن العتائقي عفا الله عنه و أنا كنت جالسا في حسن الأدب مقابل باب الحضرة المقدسة فجاء رجلان يريد أحدهما يحلف الآخر باب الحضرة الشريفة فقال له و الساعة لا بد لك أن تحلفني و أنت تعلم أني مظلوم و أنك ليس لك قبلي شي‏ء و أنك تفعل ذلك بي عنادا قال له لا بد من ذلك فقال اللهم بحق صاحب هذا الضريح من كان المعتدي على الآخر منا يغمى و يموت في الحال و حلفه فلما فرغ من اليمين غشي على الذي حلفه فحمل إلى بيته فمات في الحال

20-  من كشف اليقين للعلامة كان بالحلة أمير فخرج يوما إلى الصحراء فوجد على قبة مشهد الشمس طيرا فأرسل عليه صقرا يصطاده فانهزم الطير عنه فتبعه حتى وقع في دار الفقيه ابن نما و الصقر يتبعه حتى وقع عليه فتشجت رجلاه و جناحاه و عطل فجاء بعض أتباع الأمير فوجد الصقر على تلك الحال فأخذه و أخبر مولاه بذلك فاستعظم هذه الحال و عرف علو منزلة المشهد و شرع في عمارته

21-  أقول وجدت في بعض مؤلفات أصحابنا أن أمير المؤمنين ع كان ذات يوم يصلي بالغري إذ أقبل رجلان معهما تابوت على ناقة فحطا التابوت و أقبلا إليه فسلما عليه فقال من أين أقبلتما قالا من اليمن قال و ما هذه الجنازة قالا كان لنا أب شيخ كبير فلما أدركته الوفاة أوصى إلينا أن نحمله و ندفنه في الغري فقلنا يا أبانا إنه موضع شاسع بعيد عن بلدنا و ما الذي تريد بذلك فقال إنه سيدفن هناك رجل يدخل في شفاعته مثل ربيعة و مضر فقال أمير المؤمنين ع الله أكبر الله أكبر أنا و الله ذلك الرجل ثم قام فصلى عليه و دفناه و مضيا من حيث أقبلا

22-  و قال حكي عن زيد النساج قال كان لي جار و هو شيخ كبير عليه آثار النسك و الصلاح و كان يدخل إلى بيته و يعتزل عن الناس و لا يخرج إلا يوم الجمعة قال زيد النساج فمضيت يوم الجمعة إلى زيارة زين العابدين فدخلت إلى مشهده و إذا أنا بالشيخ الذي هو جاري قد أخذ من البئر ماء و هو يريد أن يغتسل غسل الجمعة و الزيارة فلما نزع ثيابه و إذا في ظهره ضربة عظيمة فتحتها أكثر من شبر و هي تسيل قيحا و مدة فاشمأز قلبي منها فحانت منه التفاتة فرآني فخجل فقال لي أنت زيد النساج فقلت نعم فقال لي يا بني عاوني على غسلي فقلت لا و الله لا أعاونك حتى تخبرني بقصة هذه الضربة التي بين كتفيك و من كف من خرجت و أي شي‏ء كان سببها فقال لي يا زيد أخبرك بها بشرط أن لا تحدث بها أحدا من الناس إلا بعد موتي فقلت لك ذلك فقال عاوني على غسلي فإذا لبست أطماري حدثتك بقصتي قال زيد فساعدته فاغتسل و لبس ثيابه و جلس في الشمس و جلست إلى جانبه و قلت له حدثني يرحمك الله فقال لي اعلم أنا كنا عشرة أنفس قد تواخينا على الباطل و توافقنا على قطع الطريق و ارتكاب الآثام و كانت بيننا نوبة نديرها في كل ليلة على واحد منا ليصنع لنا طعاما نفيسا و خمرا عتيقا و غير ذلك فلما كانت الليلة التاسعة و كنا قد تعشينا عند واحد من أصحابنا و شربنا الخمر ثم تفرقنا و جئت إلى منزلي و نمت أيقظتني زوجتي و قالت لي إن الليلة الآتية نوبتها عليك و لا عندنا في البيت حبة من الحنطة قال فانتبهت و قد طار السكر من رأسي و قلت كيف أعمل و ما الحيلة و إلى أين أتوجه فقالت لي زوجتي الليلة ليلة الجمعة و لا يخلو مشهد مولانا علي بن أبي طالب ع من زوار يأتون إليه يزورونه فقم و امض و اكمن على الطريق فلا بد أن ترى أحدا فتأخذ ثيابه فتبيعها و تشتري شيئا من الطعام لتتم مروءتك عند أصحابك و تكافئهم على صنيعهم قال فقمت و أخذت سيفي و حجفتي و مضيت مبادرا و كمنت في الخندق الذي في ظهر الكوفة و كانت ليلة مظلمة ذات رعد و برق فأبرقت برقة فإذا أنا بشخصين مقبلين من ناحية الكوفة فلما قربا مني برقت برقة أخرى فإذا هما امرأتان فقلت في نفسي في مثل هذه الساعة أتاني امرأتان ففرحت و وثبت إليهما و قلت لهما انزعا الحلي الذي عليكما سريعا فطرحاه فأبرقت السماء برقة أخرى فإذا إحداهما عجوز و الأخرى شابة من أحسن النساء وجها كأنها ظبية قناص أو درة غواص فوسوس لي الشيطان على أن أفعل بها القبيح و قلت في نفسي مثل هذه الشابة التي لا يوجد مثلها حصلت عندي في هذا الموضع و أخليها فراودتها عن نفسها فقالت العجوز يا هذا أنت في حل مما أخذته منا من الثياب و الحلي فخلنا نمضي إلى أهلنا فو الله إنها بنت يتيمة من أمها و أبيها و أنا خالتها و في هذه الليلة القابلة تزف إلى بعلها و إنها

 قالت لي يا خالة إن الليلة القابلة أزف إلى ابن عمي و أنا و الله راغبة في زيارة سيدي علي بن أبي طالب ع و إني إذا مضيت عند بعلي ربما لا يأذن لي بزيارته فلما كانت هذه الليلة الجمعة خرجت بها لأزورها مولاها و سيدها أمير المؤمنين ع فبالله عليك لا تهتك سترها و لا تفض ختمها و لا تفضحها بين قومها فقلت لها إليك عني و ضربتها و جعلت أدور حول الصبية و هي تلوذ بالعجوز و هي عريانة ما عليها غير السروال و هي في تلك الحال تعقد تكتها و توثقها عقدا فدفعت العجوز عن الجارية و صرعتها إلى الأرض و جلست على صدرها و مسكت يديها بيد واحدة و جعلت أحل عقد التكة باليد الأخرى و هي تضطرب تحتي كالسمكة في يد الصياد و هي تقول المستغاث بك يا الله المستغاث بك يا علي بن أبي طالب خلصني من يد هذا الظالم قال فو الله ما استتم كلامها إلا و حسست حافر فرس خلفي فقلت في نفسي هذا فارس واحد و أنا أقوى منه و كانت لي قوة زائدة و كنت لا أهاب الرجال قليلا أو كثيرا فلما دنا مني فإذا عليه ثياب بيض و تحته فرس أشهب تفوح منه رائحة المسك فقال لي يا ويلك خل المرأة فقلت له اذهب لشأنك فأنت نجوت و تريد تنجي غيرك قال فغضب من قولي و نقفني بذبال سيفه بشي‏ء قليل فوقعت مغشيا علي لا أدري أنا في الأرض أو في غيرها و انعقد لساني و ذهبت قوتي لكني أسمع الصوت و أعي الكلام فقال لهما قوما البسا ثيابكما و خذا حليكما و انصرفا لشأنكما فقالت العجوز فمن أنت يرحمك الله و قد من الله علينا بك و إني أريد منك أن توصلنا إلى زيارة سيدنا و مولانا علي بن أبي طالب ع قال فتبسم في وجوههما و قال لهما أنا علي بن أبي طالب ارجعا إلى أهلكما فقد قبلت زيارتكما قال فقامت العجوز و الصبية و قبلتا يديه و رجليه و انصرفتا في سرور و عافية قال الرجل فأفقت من غشوتي و انطلق لساني فقلت له يا سيدي أنا تائب إلى الله على يدك و إني لا عدت أدخل في معصيته أبدا فقال إن تبت تاب الله عليك فقلت له تبت و الله على ما أقول شهيد ثم قلت له يا سيدي إن تركتني و في هذه الضربة هلكت بلا شك قال فرجع إلي و أخذ بيده قبضة من تراب ثم وضعها على الضربة و مسح بيده الشريفة عليها فالتحمت بقدرة الله تعالى قال زيد النساج فقلت له كيف التحمت و هذه حالها فقال لي و الله إنها كانت ضربة مهولة أعظم مما تراها الآن و لكنها بقيت موعظة لمن يسمع و يرى

 توضيح القناص الصياد و قال الفيروزآبادي النقف كسر الهامة عن الدماغ أو ضربها أشد ضرب أو برمح أو عصا انتهى. أقول استعماله في الظهر على التوسع و المجاز و لعل المراد بذبال السيف الموضع الذابل أي الدقيق منه و هو رأسه و في بعض النسخ بالمثناة و هو أيضا كناية عن رأسه. تذنيب اعلم أنه كان في بعض الأزمان بين المخالفين اختلاف في موضع قبره الشريف ع فذهب جماعة من المخالفين إلى أنه دفن في رحبة مسجد الكوفة و قيل إنه دفن في قصر الإمارة و قيل إنه أخرجه معه الحسن ع و حمله معه إلى المدينة و دفنه بالبقيع و كان بعض جهلة الشيعة يزورونه بمشهد في الكرخ و قد اجتمعت الشيعة على أنه ع مدفون بالغري في الموضع المعروف عند الخاص و العام و هو عندهم من المتواترات رووه خلفا عن سلف إلى أئمة الدين صلوات الله عليهم أجمعين و كان السبب في هذا الاختلاف إخفاء قبره ع خوفا من الخوارج و المنافقين و كان من لا يعرف ذلك إلا خاص الخاص من الشيعة إلى أن ورد الصادق ع الحيرة في زمن السفاح فأظهره لشيعته و من هذا اليوم إلى الآن يزوره كافة الشيعة في هذا المكان و قد كتب السيد عبد الكريم بن أحمد بن طاوس كتابا في تعيين موضع قبره ع و رد أقوال المخالفين و سماه فرحة الغري و ذكر فيه أخبارا متواترة فرقناها على الأبواب. و قال عبد الحميد بن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة قال أبو الفرج الأصفهاني حدثني أحمد بن عيسى عن الحسين بن نصر عن زيد بن المعدل عن يحيى بن شعيب عن أبي مخنف عن فضل بن جريح عن الأسود الكندي و الأجلح قالا توفي علي ع و هو ابن أربع و ستين سنة في عام أربعين من الهجرة ليلة الأحد لإحدى و عشرين ليلة مضت في شهر رمضان و ولي غسله ابنه الحسن ع و عبد الله بن العباس و كفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص و صلى عليه ابنه الحسن فكبر عليه خمس تكبيرات و دفن في الرحبة مما يلي أبواب كندة عند صلاة الصبح هذه رواية أبي مخنف قال أبو الفرج و حدثني أحمد بن سعيد عن يحيى بن الحسن العلوي عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن الحسن بن علي الحلال عن جده قال قلت للحسين بن علي ع أين دفنتم أمير المؤمنين ع قال خرجنا به ليلا من منزله حتى مررنا به على منزل الأشعث حتى خرجنا به إلى الظهر بجنب الغري قلت و هذه الرواية هي الحق و عليها العمل و قد قلنا فيما تقدم إن أبناء الناس أعرف بقبور آبائهم من غيرهم من الأجانب و هذا القبر الذي بالغري هو الذي كان بنو علي يزورونه قديما و حديثا

  و يقولون هذا قبر أبينا لا يشك أحد في ذلك من الشيعة و لا من غيرهم أعني بني علي من ظهر الحسن و الحسين و غيرهما من سلالته المتقدمين منهم و المتأخرين ما زاروا و لا وقفوا إلا على هذا القبر بعينه. و قد روى أبو الفرج علي بن عبد الرحمن الجوزي عن أبي الغنائم قال مات بالكوفة ثلاثمائة صحابي ليس قبر أحد منهم معروفا إلا قبر أمير المؤمنين ع و هو القبر الذي تزوره الناس الآن جاء جعفر بن محمد و أبوه محمد بن علي بن الحسين ع فزاراه و لم يكن إذ ذاك قبر ظاهر و إنما كان به شيوخ أيضا حتى جاء محمد بن زيد الداعي صاحب الديلم فأظهر القبة انتهى كلامه و سيأتي تمام القول في ذلك في كتاب المزار. هذا آخر المجلد التاسع من كتاب بحار الأنوار ختم على يدي مؤلفه ختم الله له بالحسنى و حشره مع مواليه أئمة الهدى في سادس شهر ربيع الثاني من شهور سنة تسع و سبعين بعد الألف من الهجرة المقدسة النبوية عليه و آله ألف ألف ألف صلاة و تحية