باب 26- الشرائع

1-  سن، ]المحاسن[ عن أبي إسحاق الثقفي عن محمد بن مروان عن أبان بن عثمان عمن ذكره عن أبي عبد الله ع قال إن الله تبارك و تعالى أعطى محمدا ص شرائع نوح و إبراهيم و موسى و عيسى التوحيد و الإخلاص و خلع الأنداد و الفطرة و الحنيفية السمحة لا رهبانية و لا سياحة أحل فيها الطيبات و حرم فيها الخبيثات و وضع عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ الْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فعرف فضله بذلك ثم افترض عليها فيه الصلاة و الزكاة و الصيام و الحج و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الحلال و الحرام و المواريث و الحدود و الفرائض و الجهاد في سبيل الله و زاده الوضوء و فضله بفاتحة الكتاب و بخواتيم سورة البقرة و المفصل و أحل له المغنم و الفي‏ء و نصره بالرعب و جعل له الأرض مسجدا و طهورا و أرسله كافة إلى الأبيض و الأسود و الجن و الإنس و أعطاه الجزية و أسر المشركين و فداهم ثم كلف ما لم يكلف أحدا من الأنبياء أنزل عليه سيفا من السماء في غير غمد و قيل له فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ

 عباس بن عامر و زاد فيه بعضهم فأخذ الناس بأربع و تركوا هذه يعني الولاية

    كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن البزنطي و العدة عن البرقي عن إبراهيم بن محمد الثقفي عن محمد بن مروان جميعا عن أبان مثله إلا أن فيه و الفطرة الحنيفية و حرم فيها الخبائث إلى قوله ثم افترض عليه فيها الصلاة

تبيين قوله ع شرائع نوح يحتمل أن يكون المراد بالشرائع أصول الدين و يكون التوحيد و الإخلاص و خلع الأنداد بيانا لها و الفطرة الحنيفية معطوفة على الشرائع و إنما خص ع ما به الاشتراك بهذه الثلاثة مع اشتراكه ع معهم في كثير من العبادات لاختلاف الكيفيات فيها دون هذه الثلاثة و لعله ع لم يرد حصر المشتركات فيما ذكر لعدم ذكر سائر أصول الدين كالعدل و المعاد مع أنه يمكن إدخالها في بعض ما ذكر لا سيما الإخلاص بتكلف. و يمكن أن يكون المراد منها الأصول و أصول الفروع المشتركة و إن اختلفت في الخصوصيات و الكيفيات و حينئذ يكون جميع تلك الفقرات إلى قوله ع و زاده بيانا للشرائع و يشكل حينئذ ذكر الرهبانية و السياحة إذ المشهور أن عدمهما من خصائص نبينا ص إلا أن يقال المراد عدم الوجوب و هو مشترك أو يقال إنهما لم يكونا في شريعة عيسى ع أيضا و إن استشكل بالجهاد و أنه لم يجاهد عيسى ع فالجواب أنه يمكن أن يكون واجبا عليه لكن لم يتحقق شرائطه و لذا لم يجاهد و لعل قوله ع زاده و فضله بهذا الوجه أوفق و كأن المراد بالتوحيد نفي الشريك في الخلق و بالإخلاص نفي الشريك في العبادة و خلع الأنداد تأكيد لهما أو المراد به ترك اتباع خلفاء الجور و أئمة الضلالة أو نفي الشرك الخفي أو المراد بالإخلاص نفي الشرك الخفي و بخلع الأنداد نفي الشريك في استحقاق العبادة و الأنداد جمع ند و هو مثل الشي‏ء الذي يضاده في أموره و يناده أي يخالفه. و الفطرة ملة الإسلام التي فطر الله الناس عليها كما مر و الحنيفية المائلة   من الباطل إلى الحق أو الموافقة لملة إبراهيم ع قال في النهاية الحنيف عند العرب من كان على دين إبراهيم و أصل الحنف الميل و منه الحديث بعثت بالحنيفية السمحة السهلة و في القاموس السمحة الملة التي ما فيها ضيق. و في النهاية فيه لا رهبانية في الإسلام و هي من رهبنة النصارى و أصله من الرهبة الخوف كانوا يترهبون بالتخلي من أشغال الدنيا و ترك ملاذها و الزهد فيها و العزلة عن أهلها و تعمد مشاقها حتى أن منهم من كان يخصي نفسه و يضع السلسلة في عنقه و غير ذلك من أنواع التعذيب فنفاها النبي ص عن الإسلام و نهى المسلمين عنها انتهى. و قال الطبرسي قدس سره في قوله تعالى وَ رَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها هي الخصلة من العبادة يظهر فيها معنى الرهبة إما في لبسه أو انفراد عن الجماعة أو غير ذلك من الأمور التي يظهر فيها نسك صاحبه و المعنى ابتدعوا رهبانية لم نكتبها عليهم و قيل إن الرهبانية التي ابتدعوها هي رفض النساء و اتخاذ الصوامع عن قتادة قال و تقديره و رهبانية ما كتبناها عليهم إلا أنهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها و قيل إن الرهبانية التي ابتدعوها لحاقهم بالبراري و الجبال في خبر مرفوع عن النبي ص فما رعوها الذين بعدهم حق رعايتهم و ذلك لتكذيبهم بمحمد ص عن ابن عباس و قيل إن الرهبانية   هي الانقطاع عن الناس للانفراد بالعبادة ما كَتَبْناها أي ما فرضناها عَلَيْهِمْ و قال الزجاج إن تقديره ما كتبناها عليهم إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ و ابتغاء رضوان الله اتباع ما أمر الله فهذا وجه قال و فيها وجه آخر جاء في التفسير أنهم كانوا يرون من ملوكهم ما لا يصبرون عليه و فاتخذوا أسرابا و صوامع و ابتدعوا ذلك فلما ألزموا أنفسهم ذلك التطوع و دخلوا عليه لزمهم إتمامه كما أن الإنسان إذا جعل على نفسه صوما لم يفرض عليه لزمه أن يتمه. قال و قوله فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها على ضربين أحدهما أن يكونوا قصروا فيما ألزموه أنفسهم و الآخر و هو الأجود أن يكونوا حين بعث النبي ص فلم يؤمنوا به و كانوا تاركين لطاعة الله فما رعوها أي تلك الرهبانية حق رعايتها و دليل ذلك قوله فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ يعني الذين آمنوا بالنبي ص وَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ أي كافرون انتهى كلام الزجاج.

 و يعضد هذا ما جاءت به الرواية عن ابن مسعود قال كنت رديف رسول الله ص على حمار فقال يا ابن أم عبد هل تدري من أين أحدثت بنو إسرائيل الرهبانية فقلت الله و رسوله أعلم فقال ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسى ع يعملون بمعاصي الله فغضب أهل الإيمان فقاتلوهم فهزم أهل الإيمان ثلاث مرات فلم يبق منهم إلا القليل فقالوا إن ظهرنا هؤلاء أفنونا و لم يبق للدين أحد يدعو إليه فتعالوا نتفرق في الأرض إلى أن يبعث الله النبي الذي وعدنا به عيسى ع يعنون محمدا ص فتفرقوا في غيران الجبال و أحدثوا رهبانية فمنهم من تمسك بدينه و منهم من كفر ثم تلا هذه الآية وَ رَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إلى آخرها ثم قال يا ابن أم عبد أ تدري ما رهبانية أمتي قلت الله و رسوله أعلم قال الهجرة و الجهاد و الصلاة و الصوم و الحج و العمرة

 و في حديث آخر عن ابن مسعود أنه ص قال من آمن بي و صدقني و اتبعني فقد رعاها حق رعايتها و من لم يؤمن بي فأولئك هم الهالكون انتهى

   و قال في النهاية فيه لا سياحة في الإسلام يقال ساح في الأرض يسيح سياحة إذا ذهب فيها و أصله من السيح و هو الماء الجاري المنبسط على الأرض أراد مفارقة الأمصار و سكنى البراري و ترك شهود الجمعة و الجماعات و قيل أراد الذين يسيحون في الأرض بالشر و النميمة و الإفساد بين الناس و من الأول الحديث سياحة هذه الأمة الصيام قيل للصائم سائح لأن الذي يسيح في الأرض متعبدا يسيح و لا زاد معه و لا ماء فحين يجد يطعم و الصائم يمضي نهاره لا يأكل و لا يشرب شيئا فشبه به انتهى. قوله ع أحل فيها الطيبات إشارة إلى قوله تعالى في الأعراف الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ الْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ الآية قال الطبرسي قدس سره وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ معناه يبيح لهم المستلذات الحسنة و يحرم عليهم القبائح و ما تعافه الأنفس و قيل يحل لهم ما اكتسبوه من وجه طيب و يحرم عليهم ما اكتسبوه من وجه خبيث و قيل يحل لهم ما حرمه عليهم رهابينهم و أحبارهم و ما كان يحرمه أهل الجاهلية من البحائر و السوائب و غيرها و يحرم عليهم الميتة و الدم و لحم الخنزير و ما ذكر معها وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ أي ثقلهم شبه ما كان على بني إسرائيل من التكليف الشديد بالثقل و ذلك أن الله سبحانه جعل توبتهم أن يقتل بعضهم بعضا و جعل توبة هذه الأمة الندم بالقلب حرمة للنبي ص عن الحسن و قيل الإصر هو العهد الذي كان الله سبحانه أخذه على بني إسرائيل أن يعملوا بما في التوراة عن ابن عباس و الضحاك و السدي و يجمع المعنيين قول الزجاج الإصر ما عقدته من عقد ثقيل وَ الْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ معناه و يضع عنهم العهود التي كانت في ذمتهم و جعل تلك العهود بمنزلة الأغلال التي تكون في الأعناق للزومها كما يقال هذا طوق في عنقك و قيل يريد بالأغلال ما امتحنوا به من قتل   نفوسهم في التوبة و قرض ما يصيبه البول من أجسادهم و ما أشبه ذلك من تحريم السبت و تحريم العروق و الشحوم و قطع الأعضاء الخاطئة و وجوب القصاص دون الدية عن أكثر المفسرين انتهى. و أقول استدل أكثر أصحابنا على تحريم كثير من الأشياء مما تستقذره طباع أكثر الخلق بهذه الآية و هو مشكل إذ الظاهر من سياق الآية مدح النبي ص و شريعته بأن ما يحل لهم هو طيب واقعا و إن لم نفهم طيبه و ما يحرم عليهم هو الخبيث واقعا و إن لم نعلم خبثه كالطعام المستلذ الذي يكون من مال اليتيم أو مال السرقة تستلذه الطبع و هو خبيث واقعا و أكثر الأدوية التي يحتاج الناس إليها في غاية البشاعة و تستقذرها الطبع و لم أر قائلا بتحريمها فالحمل على المعنى الذي لا يحتاج إلى تخصيص و يكون موافقا لقواعد الإمامية من الحسن و القبح العقليين أولى من الحمل على معنى لا بد فيه من تخصيصات كثيرة بل ما يخرج منهما أكثر مما يدخل فيهما كما لا يخفى على من تتبع مواردهما. و يمكن أن يقال هذه الآية كالصريحة في الحسن و القبح العقليين و لم يستدل بها الأصحاب رضي الله عنهم و قيل الإصر الثقل الذي يأصر حامله أي يحبسه في مكانه لفرط ثقله و قال الزمخشري هو مثل لثقل تكليفهم و صعوبته نحو اشتراط قتل الأنفس في صحة توبتهم و كذلك الأغلال مثل لما كان في شرائعهم من الأشياء الشاقة نحو بت القضاء بالقصاص عمدا كان أو خطأ من غير شرع الدية و قطع الأعضاء الخاطئة و قرض موضع النجاسة من الجلد و الثوب و إحراق الغنائم و تحريم العروق في اللحم و تحريم السبت و عن عطا كانت بنو إسرائيل إذا قامت تصلي لبسوا المسوح و غلوا أيديهم إلى أعناقهم و ربما ثقب الرجل ترقوته و جعل فيها طرف السلسلة و أوثقها إلى السارية يحبس نفسه على العبادة انتهى. قوله ع ثم افترض عليه أي على نبينا ص فيها أي في الفطرة التي هي ملته و كان ثم للتفاوت في الرتبة و قيل المراد و بالحلال ما عدا الحرام

    فيشمل الأحكام الأربعة و المراد بالفرائض المواريث ذكرت تأكيدا أو مطلق الواجبات و قيل الفرائض ما له تقدير شرعي من المواريث و هي أعم منها و من غيرها مما ليس له تقدير و قيل المراد بالفرائض ما فرض من القصاص بقدر الجناية و قوله و زاده الوضوء يدل على عدم شرع الوضوء في الأمم السابقة و ينافيه ما ورد في تفسير قوله تعالى فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَ الْأَعْناقِ أنهم مسحوا ساقهم و عنقهم و كان ذلك وضوءهم إلا أن يقال المراد زيادة الوضوء كما في بعض النسخ و زيادة الوضوء عطفا على الجهاد. قوله ع و فضله إشارة إلى ما روي

 عن النبي ص أنه قال أعطيت مكان التوراة السبع الطول و مكان الإنجيل المثاني و مكان الزبور المئين و فضلت بالمفصل

 و في رواية واثلة بن الأصقع و أعطيت مكان الإنجيل المئين و مكان الزبور المثاني و أعطيت فاتحة الكتاب و خواتيم البقرة من تحت العرش لم يعطها نبي قبلي و أعطاني ربي المفصل نافلة

قال الطبرسي روح الله روحه فالسبع الطول البقرة و آل عمران و النساء و المائدة و الأنعام و الأعراف و الأنفال مع التوبة لأنهما تدعيان القرينتين و لذلك لم يفصل بينهما بالبسملة و قيل إن السابعة سورة يونس و الطول جمع الطولى تأنيث الأطول و إنما سميت هذه السور الطول لأنها أطول سور القرآن و أما المثاني فهي السور التالية للسبع الطول أولها يونس و آخرها النحل و إنما سميت المثاني لأنها ثنت الطول أي تلتها و كان الطول هي المبادي و المثاني لها ثواني و واحدها مثنى مثل المعنى و المعاني و قال الفراء واحدها مثناة و قيل المثاني سور القرآن كلها طوالها و قصارها من قوله تعالى كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ و أما المئون فهي كل سورة تكون نحوا من مائة آية أو فويق ذلك أو دوينه و هي سبع سور أولها سورة بني إسرائيل و آخرها المؤمنون و قيل إن المئين ما ولي السبع الطول   ثم المثاني بعدها و هي التي تقصر عن المئين و تزيد على المفصل و سميت المثاني لأن المئين مباد لها و أما المفصل فما بعد الحواميم من قصار السور إلى آخر القرآن سميت مفصلا لكثرة الفصول بين سورها ب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ انتهى. و أقول اختلف في أول المفصل فقيل من سورة ق و قيل من سورة محمد ص و قيل من سورة الفتح و عن النووي مفصل القرآن من محمد إلى آخر القرآن و قصاره من الضحى إلى آخره و مطولاته إلى عم و متوسطاته إلى الضحى و في الخبر المفصل ثمان و ستون سورة و سيأتي تمام الكلام في ذلك في كتاب القرآن. و أحل له المغنم في النهاية الغنيمة و الغنم المغنم و الغنائم هو ما أصيب من أموال أهل الحرب و أوجف عليه المسلمون بالخيل و الركاب و قال الفي‏ء ما حصل للمسلمين من أموال الكفار من غير حرب و لا جهاد و أصل الفي‏ء الرجوع يقال فاء يفي‏ء فيئة و فيئا كأنه في الأصل لهم ثم رجع إليهم انتهى. أقول و يحتمل أن يكون المراد بالمغنم المنقولات و بالفي‏ء الأراضي سواء أخذت بحرب أم لا و على التقديرين في قوله له توسع أي له و لأهل بيته و أمته و يحتمل أن تكون اللام سببية لا صلة للإحلال فيكون من أحل له غير مذكور فيشمل الجمع و الاختصاص لما مر أن الأمم السابقة كانوا لا تحل لهم الغنيمة بل كانوا يجمعونها فتنزل نار من السماء فتحرقها و كان ذلك بلية عظيمة عليهم حتى كان قد يقع فيها السرقة فيقع الطاعون بينهم فمن الله على هذه الأمة بإحلالها و نصره بالرعب مع قلة العدة و العدة و كثرة الأعداء و شدة بأسهم و الرعب الفزع و الخوف فكان الله تعالى يلقي رعبه في قلوب الأعداء حتى إذا كان بينه و بينهم مسيرة شهر هابوه و فزعوا منه. و جعل له الأرض مسجدا أي مصلى يجوز لهم الصلاة في أي موضع شاءوا بخلاف الأمم السابقة فإن صلاتهم كانت في بيعهم و كنائسهم إلا من ضرورة و طهورا

    أي مطهرا أو ما يتطهر به تطهر أسفل القدم و النعل و محل الاستنجاء و تقوم مقام الماء عند تعذره في التيمم و المراد بكونها طهورا أنها بمنزلة الطهور في استباحة الصلاة بها و حمله السيد رحمه الله على ظاهره فاستدل به على ما ذهب إليه من أن التيمم يرفع الحدث إلى وجود الماء. و أرسله كافة إشارة إلى قوله تعالى وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ و كافة في الآية إما حال عما بعدها أي إلى الناس جميعا و من لم يجوز تقديم الحال على ذي الحال المجرور قال هي حال عن الضمير المنصوب في أرسلنا و التاء للمبالغة أو صفة لمصدر محذوف أي إرساله كافة أو مصدر كالكاذبة و العافية و لعل الأخيرين في الخبر أنسب و ظاهره أن غيره ص لم يبعث في الكافة و هو خلاف المشهور. و يحتمل أن يكون الحصر إضافيا أو يكون المراد به بعثه على جميع من بعده إذ لا نبي بعده بخلاف سائر أولي العزم فإنهم لم يكونوا كذلك بل نسخت شريعتهم و الأبيض و الأسود العجم و العرب أو كل من اتصف باللونين ليشمل جميع الناس قال في النهاية فيه بعثت إلى الأحمر و الأسود أي العجم و العرب لأن الغالب على ألوان العجم الحمرة و البياض و على ألوان العرب الأدمة و السمرة و قيل الجن و الإنس و قيل أراد بالأحمر الأبيض مطلقا فإن العرب تقول امرأة حمراء أي بيضاء و منه الحديث أعطيت الكنزين الأحمر و الأبيض هي ما أفاء الله على أمته من كنوز الملوك فالأحمر الذهب و الأبيض الفضة و الذهب كنوز الروم لأنه الغالب على نقودهم و الفضة كنوز الأكاسرة لأنها الغالبة على نقودهم و قيل أراد العرب و العجم جمعهم الله على دينه و ملته انتهى و الكلام في اختصاص البعث على الجن و الإنس به ص كالكلام فيما سبق. و يدل الخبر أيضا على اختصاص الجزية و الأسر و الفداء به ص و الجزية المال الذي يقرره الحاكم على الكتابي إذا أقره على دينه و هي فعله من الجزاء كأنها جزت عن قتله و أسره و الفداء بالكسر و المد و بالفتح و القصر فكاك الأسير بالمال الذي قرره الحاكم عليه يقال فداه يفديه فداء ثم كلف على بناء

    المفعول و ثم هنا أيضا مثل ما سبق لأن هذا التكليف أعظم التكليفات و أشقها فقد ثبت ص في حرب أحد و حنين بعد انهزام أصحابه مصرحا باسمه لا يبالي شيئا و أنزل عليه سيف من السماء أي ذو الفقار أو غيره و كونه بلا غمد تحريض على الجهاد و إشارة إلى أن سيفه ينبغي أن لا يغمد و قيل السيف عبارة عن آية سورة براءة فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ فإنها يقال لها آية السيف و كونه من غير غمد كناية عن أنها من المحكمات و لا يخفى بعده و الغمد بالكسر الغلاف و قال البيضاوي قاتل في سبيل الله إن تثبطوا و تركوك وحدك لا تكلف إلا نفسك أي إلا فعل نفسك لا يضرك مخالفتهم و تقاعدهم فتقدم إلى الجهاد و إن لم يساعدك أحد فإن الله ناصرك لا الجنود

2-  سن، ]المحاسن[ عن عثمان بن عيسى عن سماعة قال قلت لأبي عبد الله ع قول الله فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ فقال نوح و إبراهيم و موسى و عيسى و محمد صلوات الله عليهم و على جميع أنبياء الله و رسله قلت كيف صاروا أولي العزم قال لأن نوحا بعث بكتاب و شريعة فكل من جاء بعد نوح أخذ بكتاب نوح و شريعته و منهاجه حتى جاء إبراهيم ع بالصحف و بعزيمة ترك كتاب نوح لا كفرا به فكل نبي جاء بعد إبراهيم جاء بشريعة إبراهيم و منهاجه و بالصحف حتى جاء موسى بالتوراة و بعزيمة ترك الصحف فكل نبي جاء بعد موسى أخذ بالتوراة و شريعته و منهاجه حتى جاء المسيح بالإنجيل و بعزيمة ترك شريعة موسى و منهاجه فكل نبي جاء بعد المسيح أخذ بشريعته و منهاجه حتى جاء محمد ص فجاء بالقرآن و شريعته و منهاجه فحلاله حلال إلى يوم القيامة و حرامه حرام إلى يوم القيامة فهؤلاء أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ

 كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي مثله   بيان فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ قال الطبرسي رحمه الله أي فاصبر يا محمد على أذى هؤلاء الكفار و على ترك إجابتهم لك كما صبر الرسل و من هنا لتبيين الجنس فالمراد جميع الأنبياء لأنهم عزموا على أداء الرسالة و تحمل أعبائها و قيل إن من هاهنا للتبعيض و هو قول أكثر المفسرين و الظاهر في روايات أصحابنا ثم اختلفوا فقيل هم من أتى بشريعة مستأنفة نسخت شريعة من تقدمه و هم نوح و إبراهيم و موسى و عيسى و محمد ص و عليهم عن ابن عباس و قتادة و هو المروي

 عن أبي جعفر و أبي عبد الله ع قالا و هم سادة النبيين و عليهم دارت رحى المرسلين و قيل هم ستة نوح صبر على أذى قومه و إبراهيم صبر على النار و إسحاق صبر على الذبح و يعقوب صبر على فقد الولد و ذهاب البصر و يوسف صبر على البئر و السجن و أيوب صبر على الضر عن مجاهد

و قيل هم الذين أمروا بالجهاد و القتال و أظهروا المكاشفة و جاهدوا في الدين عن السدي و الكلبي و قيل هم أربعة إبراهيم و نوح و هود و رابعهم محمد ص عن أبي العالية و العزم هو الوجوب و الحتم و أولو العزم من الرسل هم الذين شرعوا الشرائع و أوجبوا على الناس الأخذ بها و الانقطاع عن غيرها انتهى. قوله ع لا كفرا به أي إنكارا لحقيته بل إيمانا به و بصلاحه في وقت دون آخر و للنسخ مصالح كثيرة و العبد مأمور بالتسليم و كان من جملتها ابتلاء الخلق و اختبارهم في ترك ما كانوا متمسكين به قوله و منهاجه كأنه إشارة إلى قوله تعالى لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً

3-  فس، ]تفسير القمي[ قوله شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مخاطبة لرسول الله ص ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ يا محمد وَ ما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى وَ عِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ أي تعلموا الدين يعني التوحيد و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و صوم شهر رمضان و حج البيت و السنن و الأحكام التي في الكتب و الإقرار بولاية   أمير المؤمنين ع وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ أي لا تختلفوا فيه كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ من ذكر هذه الشرائع ثم قال اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ أي يختار وَ يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ و هم الأئمة الذين اختارهم و اجتباهم قال وَ ما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ قال لم يتفرقوا بجهل و لكنهم تفرقوا لما جاءهم العلم و عرفوه فحسد بعضهم بعضا و بغى بعضهم على بعض لما رأوا من تفاضل أمير المؤمنين ع بأمر الله فتفرقوا في المذاهب و أخذوا بالآراء و الأهواء ثم قال عز و جل وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ قال لو لا أن الله قد قدر ذلك أن يكون في التقدير الأول لقضي بينهم إذا اختلفوا و أهلكهم و لم ينظرهم و لكن أخرهم إلى أجل مسمى وَ إِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ كناية عن الذين نقضوا أمر رسول الله ص ثم قال فَلِذلِكَ فَادْعُ يعني لهذه الأمور و الذي تقدم ذكره و موالاة أمير المؤمنين وَ اسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ

 قال فحدثني أبي عن علي بن مهزيار عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله ع في قول الله أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ قال الإمام وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كناية عن أمير المؤمنين ثم قال كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ من أمر ولاية علي اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ كناية عن علي ع وَ يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ثم قال فَلِذلِكَ فَادْعُ يعني إلى ولاية أمير المؤمنين ع وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ فيه وَ قُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَ أُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَ رَبُّكُمْ إلى قوله وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ