باب 18- فضل التعزي و الصبر عند المصائب و المكاره

 الآيات البقرة وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ‏ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ و قال تعالى وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ إلى قوله وَ الصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَ الضَّرَّاءِ وَ حِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ لقمان وَ اصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ الزمر إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ تفسير وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ أي و لنصيبنكم إصابة من يختبر أحوالكم هل تصبرون على البلاء و تستسلمون للقضاء بِشَيْ‏ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ أي بقليل من ذلك و إنما قلله بالإضافة إلى ما وقاهم عنه ليخفف عنهم و يريهم أن رحمته لا تفارقهم أو بالنسبة إلى ما يصيب به معانديهم في الآخرة وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ عطف على شي‏ء أو الخوف و قيل الخوف خوف الله و الجوع صوم شهر رمضان و النقص من الأموال الزكوات و الصدقات و من الأنفس الأمراض و من الثمرات موت الأولاد فإنهم ثمرات القلوب كما مر في الخبر و التعميم في   الجميع أولى. وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ الخطاب للرسول ص أو لمن يتأتى منه البشارة و المصيبة تعم ما يصيب الإنسان من مكروه أي أخبرهم بما لهم على الصبر في تلك المشاق و المكاره من المثوبة الجزيلة و العاقبة الجميلة. قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ معنى إِنَّا لِلَّهِ إقرار له بالعبودية أي نحن عبيد الله و ملكه فله التصرف فينا بالحياة و الموت و الصحة و المرض و المالك على الإطلاق أعلم بصلاح مملوكه و اعتراض المملوك عليه من سفاهته وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ إقرار بالبعث و النشور و تسلية للنفس بأن الله تعالى عند رجوعنا إليه يثيبنا على ما أصابنا من المكاره و الآلام أحسن الثواب كما وعدنا و ينتقم لنا ممن ظلمنا و فيه تسلية من جهة أخرى و هي أنه إذ كان رجوعنا جميعا إلى الله و إلى ثوابه فلا نبالي بافتراقنا بالموت و لا ضرر على الميت أيضا فإنه ينتقل من دار إلى دار أحسن من الأولى و رجع إلى رب كريم هو مالك الدنيا و العقبى.

 و قال الطبرسي قال أمير المؤمنين ع قولنا إِنَّا لِلَّهِ إقرار على أنفسنا بالملك و قولنا وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ إقرار على أنفسنا بالهلك

و في الحديث من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته و أحسن عقباه و جعل له خلفا صالحا يرضاه و قال ع من أصيب بمصيبة فأحدث استرجاعا و إن تقادم عهدها كتب الله له من الأجر مثله يوم أصيب. و الصلاة في الأصل الدعاء و من الله التزكية و الثناء الجميل و المغفرة و جمعها للتنبيه على كثرتها و تنوعها و المراد بالرحمة اللطف و الإحسان وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ للحق و الصواب حيث استرجعوا و سلموا لقضاء الله.

 و روى الكليني في الصحيح عن عبد الله بن سنان و إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص قال الله عز و جل إني جعلت الدنيا   بين عبادي قرضا فمن أقرضني منها قرضا أعطيته بكل واحدة عشرا إلى سبعمائة ضعف و ما شئت من ذلك و من لم يقرضني منها فأخذت منه شيئا قسرا فصبر أعطيته ثلاث خصال لو أعطيت واحدة منهن ملائكتي لرضوا بها مني ثم تلا أبو عبد الله ع قول الله تعالى الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ فهذه واحدة من ثلاث خصال وَ رَحْمَةٌ اثنتان وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ثلاث ثم قال أبو عبد الله ع هذا لمن أخذ الله منه شيئا قسرا

 وَ الصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَ الضَّرَّاءِ قيل البأساء البؤس و الفقر و الضراء الوجع و العلة وَ حِينَ الْبَأْسِ وقت القتال و جهاد العدو أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا في الدين و اتباع الحق و طلب البر وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ عن الكفر و سائر الرذائل. إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ أي الصبر أو كل ما أمره مما عزمه الله من الأمور أي قطعه قطع إيجاب. أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ أي أجرا لا يهتدي إليه حساب الحساب. أقول قد مرت سائر الآيات الواردة في الصبر في بابه في كتاب الإيمان و الكفر

1-  ثواب الأعمال، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن الحسن بن علي عن عبد الله بن سنان عن معروف بن خربوذ عن أبي جعفر ع قال سمعته يقول ما من مؤمن يصاب بمصيبة في الدنيا فيسترجع عند مصيبته حين تفجأه المصيبة إلا غفر الله له ما مضى من ذنوبه إلا الكبائر التي أوجب الله عليها النار قال و كلما ذكر مصيبة فيما يستقبل من عمره فاسترجع عندها و حمد الله غفر الله له كل ذنب اكتسبه فيما بين الاسترجاع الأول إلى الاسترجاع   الثاني إلا الكبائر من الذنوب

2-  و منه، عن ابن الوليد عن الصفار عن أحمد بن محمد عن علي بن سيف عن أخيه عن أبيه سيف بن عميرة عن أبي عبد الله ع قال من ألهم الاسترجاع عند المصيبة وجبت له الجنة

 بيان في القاموس أرجع في المصيبة قال إنا لله و إنا إليه راجعون كرجع و استرجع

3-  ثواب الأعمال، عن محمد بن الحسن عن محمد بن أبي القاسم عن أحمد بن أبي عبد الله عن الحسن بن الحسين بن يزيد عن إبراهيم بن أبي بكر عن عاصم عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر الباقر ع قال سمعته يقول من صبر على مصيبة زاده الله عز و جل عزا على عزه و أدخله جنته مع محمد و أهل بيته ص

4-  مجالس الصدوق، و العيون، عن محمد بن القاسم المفسر عن أحمد بن الحسن الحسيني عن الحسن بن علي بن الناصر عن أبيه عن محمد بن علي عن أبيه الرضا عن أبيه قال نعي إلى الصادق ع إسماعيل و هو أكبر أولاده و هو يريد أن يأكل و قد اجتمع ندماؤه فتبسم ثم دعا بطعامه فقعد مع ندمائه و جعل يأكل أحسن من أكله سائر الأيام و يحث ندماءه و يضع بين أيديهم و يعجبون منه لا يرون للحزن في وجهه أثرا فلما فرغ قالوا لقد رأينا منك عجبا أصبت بمثل هذا الابن و أنت كما نرى فقال ما لي لا أكون كما ترون و قد جاءني خبر أصدق الصادقين أني ميت و إياكم إن قوما عرفوا الموت فلم ينكروا ما يخطفه الموت منهم و سلموا لأمر خالقهم عز و جل

    -5  العيون، عن علي بن عبد الله عن سعد بن عبد الله عن الهيثم بن أبي مسروق عن محمد بن الفضل عن الرضا ع قال قال أبو جعفر ع من بلي من شيعتنا ببلاء فصبر كتب الله له مثل أجر ألف شهيد

 بيان لعل المراد شهداء سائر الأمم

6-  صفات الشيعة، للصدوق عن محمد بن علي ماجيلويه عن عمه عن محمد بن أحمد عن محمد بن زيد عن أبي عبد الله ع قال لا تكونون مؤمنين حتى تكونوا مؤتمنين و حتى تعدوا النعمة و الرخاء مصيبة و ذلك أن الصبر على البلاء أفضل من العافية عند الرخاء

7-  المحاسن، عن عبد الله بن حماد عن أبي عمران عمر بن مصعب عن أبي حمزة الثمالي قال سمعت أبا عبد الله ع يقول العبد بين ثلاث بين بلاء و قضاء و نعمة فعليه للبلاء من الله الصبر فريضة و عليه للقضاء من الله التسليم فريضة و عليه النعمة من الله الشكر فريضة

8-  مجالس المفيد، عن محمد بن عمر الجعابي عن عبد الله بن بريد البجلي عن محمد بن بواب الهباري عن محمد بن علي بن جعفر عن أبيه عن أخيه موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه صلوات الله عليهم قال قال رسول الله ص أربع من كن فيه كتبه الله من أهل الجنة من كان عصمته شهادة أن لا إله إلا الله و أني محمد رسول الله ص و من إذا أنعم الله عليه بنعمة قال الحمد لله و من إذا أصاب ذنبا قال أستغفر الله و من إذا أصابته مصيبة قال إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ

 مسكن الفؤاد، عن النبي ص قال أربع من كن فيه كان في نور الله   الأعظم و ذكر نحوه

9-  مجالس المفيد، بإسناده إلى هاشم بن محمد في خبر طويل قال لما وصل إلى أمير المؤمنين ع وفاة الأشتر جعل يتلهف و يتأسف عليه و يقول لله در مالك لو كان من جبل لكان أعظم أركانه و لو كان من حجر كان صلدا أما و الله ليهدن موتك فعلى مثلك فلتبك البواكي ثم قال إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ إني أحتسبه عندك فإن موته من مصائب الدهر فرحم الله مالكا قد وفى بعهده و قَضى نَحْبَهُ و لقي ربه مع أنا قد وطنا أنفسنا أن نصبر على كل مصيبة بعد مصابنا برسول الله ص فإنها أعظم المصيبة

10-  و منه، عن أحمد بن محمد بن الحسن عن أبيه عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن مالك بن عطية عن داود بن فرقد عن أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد ع قال إن فيما ناجى الله به موسى بن عمران أن يا موسى ما خلقت خلقا هو أحب إلي من عبدي المؤمن و إني إنما أبتليه لما هو خير له و أنا أعلم بما يصلح عبدي و ليصبر على بلائي و ليشكر نعمائي و ليرض بقضائي أكتبه في الصديقين عندي إذا عمل بما يرضيني و أطاع أمري

11-  و منه، عن أحمد بن محمد عن أبيه محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن العباس بن معروف عن علي بن مهزيار عن رفاعة عن أبي عبد الله جعفر بن محمد صلوات الله عليهما أنه قال أربع في التوراة و أربع إلى جنبهن من أصبح على الدنيا حزينا أصبح ساخطا على ربه و من أصبح يشكو مصيبة نزلت به فإنما يشكو ربه الحديث

12-  و منه، بإسناده عن علي بن مهزيار عن علي بن عقبة عن أبي كهمش   عن عمرو بن سعيد بن هلال قال قلت لأبي عبد الله ع أوصني قال أوصيك بتقوى الله إلى أن قال و إن نازعتك نفسك إلى شي‏ء من ذلك فاعلم أن رسول الله ص كان قوته الشعير و حلواه التمر إذا وجده و وقوده السعف و إذا أصبت بمصيبة فاذكر مصابك برسول الله ص فإن الناس لن يصابوا بمثله أبدا

13-  أعلام الدين، قال أمير المؤمنين ع للحارث الأعور ثلاثة بهن يكمل المسلم التفقه في الدين و التقدير في المعيشة و الصبر على النوائب

 و منه و روي أن أمير المؤمنين ع سمع إنسانا يقول إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ فقال قولنا إِنَّا لِلَّهِ إقرار له منا بالملك و قولنا إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ إقرار على أنفسنا بالهلك

14-  مجالس الشيخ، عن جماعة عن أبي المفضل عن محمد بن جعفر الرزاز عن أيوب بن نوح عن محمد بن أبي عقيلة عن الحسين بن زيد عن أبيه عن علي بن الحسين ع قال سمعته يقول من تعزى عن الدنيا بثواب الآخرة فقد تعزى عن حقير بخطير و أعظم من ذلك من عد فائته سلامة نالها و غنيمة أعين عليها

15-  و منه، عن الحسين بن إبراهيم عن محمد بن وهبان عن محمد بن أحمد بن زكريا عن الحسن بن علي بن فضال عن علي بن عقبة عن أبي كهمش عن عمرو بن سعيد بن هلال عن أبي عبد الله ع قال إذا أصبت بمصيبة فاذكر مصابك برسول الله ص فإن الناس لم يصابوا بمثله و لن يصابوا بمثله أبدا

16-  دعوات الراوندي، قال أمير المؤمنين ع الجزع أتعب من الصبر

    و قال النبي ص يقول الله عز و جل من لم يرض بقضائي و لم يشكر لنعمائي و لم يصبر على بلائي فليتخذ ربا سواي و قال من أصبح حزينا على الدنيا أصبح ساخطا على الله و من أصبح يشكو مصيبة نزلت به فإنما يشكو الله عز و جل و أوحى الله إلى عزير يا عزير إذا وقعت في معصية فلا تنظر إلى صغرها و لكن انظر من عصيت و إذا أوتيت رزقا مني فلا تنظر إلى قلته و لكن انظر إلى من أهداه و إذا نزلت إليك بلية فلا تشك إلى خلقي كما لا أشكوك إلى ملائكتي عند صعود مساويك و فضائحك

 و روي عن الحسن البصري أنه قال بئس الشي‏ء الولد إن عاش كدني و إن مات هدني فبلغ ذلك زين العابدين ع فقال كذب و الله نعم الشي‏ء الولد إن عاش فدعاء حاضر و إن مات فشفيع سابق

 و عن أم سلمة قال رسول الله ص من أصيب بمصيبة فقال كما أمره الله إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ اللهم أجرني من مصيبتي و أعقبني خيرا منه فعل الله ذلك به قال فلما توفي أبو سلمة قلته ثم قلت و من مثل أبي سلمة فأعقبني الله برسوله ص فتزوجني

 و قال الباقر ع ما من مؤمن يصاب بمصيبة في الدنيا فيسترجع عند مصيبته إلا غفر الله له ما مضى من ذنوبه

 و قال النبي ص ما من مسلم يصاب بمصيبة و إن قدم عهدها فأحدث لها استرجاعا إلا أحدث الله له منزلة و أعطاه مثل ما أعطاه يوم أصيب بها و ما من نعمة و إن تقادم عهدها تذكرها العبد فقال الحمد لله إلا جدد الله له ثوابه كيوم وجدها و قال إن أهل المصيبة لتنزل بهم المصيبة فيجزعون فيمر بهم مار من الناس فيسترجع فيكون أعظم أجرا من أهلها

    و كان أبو عبد الله ع يقول عند المصيبة الحمد لله الذي لم يجعل مصيبتي في ديني و الحمد لله الذي لو شاء أن تكون مصيبتي أعظم مما كانت لكانت و كان للصادق ع ابن فبينا هو يمشي بين يديه إذ غص فمات فبكى و قال لئن أخذت لقد بقيت و لئن ابتليت لقد عافيت ثم حمل إلى النساء فلما رأينه صرخن فأقسم عليهن أن لا يصرخن فلما أخرجه للدفن قال سبحان من يقتل أولادنا و لا نزداد له إلا حبا فلما دفنه قال يا بني وسع الله في ضريحك و جمع بينك و بين نبيك و قال ع إنا قوم نسأل الله ما نحب فيمن نحب فيعطينا فإذا أحب ما نكره فيمن نحب رضينا و قال ع نحن صبر و شيعتنا و الله أصبر منا لأنا صبرنا على ما علمنا و صبروا على ما لم يعلموا

 بيان على ما علمنا أي نزوله قبل وقوعه و ذلك مما يهون المصيبة أو قدر الأجر الذي يترتب على الصبر عليها بعلم اليقين و لعل الأول الظهر

17-  دعوات الراوندي، قال الصادق ع يصبح المؤمن حزينا و يمسي حزينا و لا يصلحه إلا ذاك و ساعات الغموم كفارات الذنوب

 و قال أمير المؤمنين ع من قصر عمره كانت مصيبته في نفسه و من طال عمره تواترت مصائبه و رأى في نفسه و أحبائه ما يسوءه

 و قال أبو عبد الله ع المؤمن صبور في الشدائد وقور في الزلازل قنوع بما أوتي لا يعظم عليه المصائب و لا يحيف على مبغض و لا يأثم في محب الناس منه في راحة و النفس منه في شدة

 و قال زين العابدين ع ما أصيب أمير المؤمنين ع بمصيبة إلا صلى في ذلك اليوم ألف ركعة و تصدق على ستين مسكينا و صام ثلاثة أيام و قال لأولاده إذا أصبتم بمصيبة فافعلوا بمثل ما أفعل فإني رأيت رسول الله ص هكذا يفعل فاتبعوا أثر نبيكم و لا تخالفوه فيخالف الله بكم إن الله تعالى يقول    وَ لَمَنْ صَبَرَ وَ غَفَرَ فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ثم قال زين العابدين ع فما زلت أعمل بعمل أمير المؤمنين ع

 و قال ع الرضا بالمكروه أرفع درجات المتقين

 و قال أمير المؤمنين ع المصائب بالسوية مقسومة بين البرية

 و قال ع من لم ينجه الصبر أهلكه الجزع

 و روي أن موسى ع قال يا رب دلني على عمل إذا أنا عملته نلت به رضاك فأوحى الله إليه يا ابن عمران إن رضاي في كرهك و لن تطيق ذلك قال فخر موسى ع ساجدا باكيا فقال يا رب خصصتني بالكلام و لم تكلم بشرا قبلي و لم تدلني على عمل أنال به رضاك فأوحى الله إليه أن رضاي في رضاك بقضائي

18-  نهج البلاغة، قال أمير المؤمنين و قد عزى الأشعث بن قيس عن ابن له يا أشعث إن تحزن على ابنك فقد استحقت ذلك منك الرحم و إن تصبر ففي الله من كل مصيبة خلف يا أشعث إن صبرت جرى عليك القدر و أنت مأجور و إن جزعت جرى عليك القدر و أنت مأزور سرك و هو بلاء و فتنة و حزنك و هو ثواب و رحمة

 و قال ع على قبر رسول الله ص ساعة دفن إن الصبر لجميل إلا عنك و إن الجزع لقبيح إلا عليك و إن المصاب بك لجليل و إنه قبلك و بعدك لجلل

 بيان قال الجوهري الوزر الإثم و الثقل قال الأخفش تقول منه وزر يوزر و وزر يزر و وزر يوزر فهو موزور و إنما قال في الحديث مأزورات لمكان مأجورات و لو أفرد لقال موزورات انتهى.   قوله ع و هو بلاء و فتنة لقوله تعالى إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ قوله ع لجلل قال في النهاية الجلل من الأضداد يكون للعظيم و الحقير انتهى إن كل مصيبة قبلك و بعدك سهل هين بالنسبة إلى مصابك و قيل أراد به أن المصاب به قبله عظيم على المسلمين لحذرهم منه و بعده عظيم لاختلال أمرهم و أمر الدين بفقده و الأول أظهر

19-  النهج، ]نهج البلاغة[ سمع ع رجلا يقول إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ فقال إن قولنا إِنَّا لِلَّهِ إقرار على أنفسنا بالملك و قولنا إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ إقرار على أنفسنا بالهلك

 و قال ع ينزل الصبر على قدر المصيبة و من ضرب يده على فخذه عنده مصيبة حبط أجره

 و قال ع من أصبح على الدنيا حزينا فقد أصبح لقضاء الله ساخطا و من أصبح يشكو مصيبة نزلت به فإنما يشكو ربه و عزى ع قوما عن ميت مات لهم فقال إن هذا الأمر ليس بكم بدء و لا إليكم انتهى و قد كان صاحبكم هذا يسافر فعدوه في بعض سفراته فإن قدم عليكم و إلا قدمتم عليه

 و قال ع من صبر صبر الأحرار و إلا سلا سلو الأغمار

 و في خبر آخر إنه ع قال للأشعث بن قيس معزيا إن صبرت صبر الأكارم   و إلا سلوت سلو البهائم

 بيان قال في القاموس سلاه و عنه كدعاه و رضيه سلوا و سلوا نسيه فتسلى و في النهاية الأغمار جمع غمر بالضم و هو الجاهل الغر الذي لم يجرب الأمور

20-  نهج البلاغة، و دعوات الراوندي، قال ع من عظم صغار المصائب ابتلاه الله بكبارها

 بيان قوله بكبارها أي في الدنيا أو أعم من الدنيا و العقبى فإن تعظيم المصيبة يوجب الجزع الموجب للنار أو لحبط الأعمال المنجية منها

21-  كنز الكراجكي، روي عن رسول الله ص أنه قال الصبر ستر من الكروب و عون على الخطوب

 و قال ص الصبر صبران صبر عند البلاء و أفضل منه الصبر عند المحارم

 و قال أمير المؤمنين ع من كنوز الإيمان الصبر على المصاب

 و قال ع الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد و لا إيمان لمن لا صبر له

 و قال ع اطرح عنك الهموم بعزائم الصبر و حسن اليقين

 و قال ع من صبر ساعة حمد ساعات

 و قال ع الصبر على ثلاثة أوجه صبر على المعصية و صبر على المصيبة و صبر على الطاعة

 و قال ع من جعل له الصبر واليا لم يكن بحدث مباليا

22-  مسكن الفؤاد، للشهيد الثاني قدس سره أوحى الله تعالى إلى داود تريد و أريد و إنما يكون ما أريد فإن سلمت لما أريد كفيتك ما تريد و إن لم تسلم لما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد

    و روي عن النبي ص أنه قال الصبر نصف الإيمان

 و قال ص من أقل ما أوتيتم اليقين و عزيمة الصبر و من أعطي حظه منهما لم يبال ما فاته من قيام الليل و صيام النهار و لأن تصبروا على مثل ما أنتم عليه أحب إلي من أن يوافيني كل امرئ منكم بمثل عمل جميعكم و لكني أخاف أن يفتح عليكم الدنيا بعدي فينكر بعضكم بعضا و ينكركم أهل السماء عند ذلك فمن صبر و احتسب ظفر بكمال ثوابه ثم قرأ ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَ ما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ وَ لَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ الآية و سئل ع ما الإيمان قال الصبر

 و قال ص الصبر كنز من كنوز الجنة

 و قيل أوحى الله إلى داود ع تخلق بأخلاقي و إن من أخلاقي الصبر

 و عن ابن عباس لما دخل رسول الله ص على الأنصار فقال أ مؤمنون أنتم فسكتوا فقال رجل نعم يا رسول الله فقال و ما علامة إيمانكم فقالوا نشكر على الرخاء و نصبر على البلاء و نرضى بالقضاء فقال مؤمنون و رب الكعبة

 و قال ص في الصبر على ما نكره خير كثير

 و قال المسيح ع إنكم لا تدركون ما تحبون إلا بصبركم على ما تكرهون

 و قال علي ع بني الإيمان على أربع دعائم اليقين و الصبر و الجهاد و العدل

 و قال ع الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد و لا جسد لمن لا رأس له و لا إيمان لمن لا صبر له

 و قال ع عليكم بالصبر فإن به يأخذ الحازم و إليه يعود الجازع

 و عن الحسن بن علي ع عن النبي ص قال إن في الجنة شجرة يقال   لها شجرة البلوى يؤتى بأهل البلاء يوم القيامة فلا يرفع لهم ديوان و لا ينصب لهم ميزان يصب عليهم الأجر صبا و قرأ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ

 و عنه عن النبي ص قال ما من جرعة أحب إلى الله تعالى من جرعة غيظ كظمها رجل أو جرعة صبر على مصيبة و ما من قطرة أحب إلى الله عز و جل من قطرة دمع من خشية الله أو قطرة دم أهريقت في سبيل الله

 و عن زين العابدين ع قال إذا جمع الله الأولين و الآخرين ينادي مناد أين الصابرون ليدخلوا الجنة جميعا بغير حساب قال فيقوم عنق من الناس فتتلقاهم الملائكة فيقولون إلى أين يا بني آدم فيقولون إلى الجنة فيقولون و قبل الحساب فقالوا نعم قالوا و من أنتم قالوا الصابرون قالوا و ما كان صبركم قالوا صبرنا على طاعة الله و صبرنا عن معصية الله حتى توفانا الله عز و جل قالوا أنتم كما قلتم ادخلوا الجنة فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ

 و عن ابن مسعود عن النبي ص أنه قال ثلاث من رزقهن فقد رزق خير الدارين الرضا بالقضاء و الصبر على البلاء و الدعاء في الرخاء

 و عن ابن عباس قال كنت عند رسول الله ص فقال يا غلام أو يا غليم أ لا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن فقلت بلى فقال احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده أمامك تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة إذا سألت فاسأل الله فإذا استعنت فاستعن بالله و اعلم أن في الصبر على ما نكره خيرا كثيرا و أن النصر مع الصبر و أن الفرج مع الكرب و أن مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً

 و عنه ع إذا أدخل الرجل القبر قامت الصلاة عن يمينه و الزكاة عن شماله و البر يظلل عليه و الصبر ناحية يقول دونكم صاحبي فإني من ورائه يعني إن استطعتم أن تدفعوا عنه العذاب و إلا فأنا أكفيكم ذلك و أدفع عنه العذاب

    و عنه ع عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير و ليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له و إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له

 و عنه ص الصبر خير مركب ما رزق الله عبدا خيرا له و لا أوسع من الصبر و سئل ص هل من رجل يدخل الجنة بغير حساب قال نعم كل رحيم صبور

 و عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن الحر حر على جميع أحواله إن نابته نائبة صبر لها و إن تداكت عليه المصائب لم تكسره و إن أسر و قهر و استبدل باليسر عسرا كما كان يوسف الصديق الأمين صلوات الله عليه لم يضرر حريته أن استعبد و قهر و لم تضرره ظلمة الجب و وحشته و ما ناله أن من الله عليه فجعل الجبار العاتي له عبدا بعد أن كان مالكا فأرسله و رحم به أمه و كذلك الصبر يعقب خيرا فاصبروا و وطئوا أنفسكم على الصبر تؤجروا

 بيان النوب نزول الأمر و التداكك الازدحام قوله أن من الله أي إلى أن أو في أن من الله

23-  المسكن، عن علي ع قال قال رسول الله الصبر ثلاثة صبر عند المصيبة و صبر على الطاعة و صبر عن المعصية فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلاث مائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الأرض و من صبر على الطاعة كتب الله له ست مائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش و من صبر عن المعصية كتب الله له تسعمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش

 و عن أم سلمة زوجة النبي ص قالت سمعت رسول الله ص يقول   ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله عز و جل إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ اللهم أجرني في مصيبتي و اخلف علي خيرا منها إلا آجره الله عز و جل في مصيبته و أخلف له خيرا منها قالت فلما مات أبو سلمة رضي الله عنه قلت و أي رجل خير من أبي سلمة أول بيت هاجر إلى رسول الله ص ثم إني قلتها فأخلف الله لي رسول الله ص قالت أرسل رسول الله ص بحاطب بن أبي بلتعة يخطبني فقلت له إن لي بنتا و أنا غيور فقال أما بنتها فأدعو الله أن يغنيها عنها و أدعو الله أن يذهب بالغيرة عنها و في آخر قالت أتاني أبو سلمة يوما من عند رسول الله ص فقال سمعت من رسول الله ص قولا سررت به قال لا يصيب أحدا من المسلمين مصيبة فيسترجع عند مصيبته فيقول اللهم أجرني في مصيبتي و اخلف لي خيرا منها إلا فعل ذلك به قالت أم سلمة فحفظت ذلك منه فلما توفي أبو سلمة استرجعت و قلت اللهم أجرني في مصيبتي و اخلف لي خيرا منه ثم رجعت إلى نفسي فقلت من أين لي خير من أبي سلمة فلما انقضت عدتي استأذن على رسول الله ص و أنا أدبغ إهابا لي فغسلت يدي من القرظ و أذنت له فوضعت له وسادة من أدم حشوها ليف فقعد عليها فخطبني إلى نفسي فلما فرغ من مقالته قلت يا رسول الله ص ما بي إلا أن يكون بك الرغبة و لكني امرأة في غيرة شديدة فأخاف أن ترى مني شيئا يعذبني الله به و أنا امرأة قد دخلت في السن و أنا ذات عيال فقال أما ما ذكرت من السن فقد أصابني مثل الذي أصابك و أما ما ذكرت من العيال فإنما عيالك عيالي قالت فقد سلمت لرسول الله ص فتزوجها رسول الله فقالت أم سلمة فقد أبدلني الله بأبي سلمة خيرا منه رسول الله ص

 بيان في مصباح اللغة القرظ حب معروف يخرج في غلف كالعدس من الشجر الغضاة و بعضهم يقول القرظ ورق السلم يدبغ به الأديم و هو تسامح فإن الورق لا يدبغ به و إنما يدبغ بالحب

    -24  المسكن و عن ابن عباس قال قال رسول الله ص إن للموت فزعا فإذا أتى أحدكم وفاة أخيه فليقل إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ وَ إِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ اللهم اكتبه عندك من المحسنين و اجعل كتابه في عليين و اخلف على عقبه في الآخرين اللهم لا تحرمنا أجره و لا تفتنا بعده

 و عن الحسين بن علي بن أبي طالب ع أن النبي ص قال من أصابته مصيبته فقال إذا ذكرها إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ جدد الله له أجرها مثل ما كان له يوم أصابته

 و عن عبادة بن محمد بن عبادة بن الصامت قال لما حضرت عبادة الوفاة قال أخرجوا فراشي إلى الصحن يعني الدار ففعلوا ذلك ثم قال أجمعوا لي موالي و خدمي و جيراني و من كان يدخل علي فجمعوا فقال إن يومي هذا لا أراه إلا آخر يوم يأتي علي من الدنيا و أولى ليلة من ليالي الآخرة و إني لا أدري لعله قد فرط مني إليكم بيدي أو بلساني شي‏ء و هو و الذي نفس عبادة بيده القصاص يوم القيامة فأحرج على أحد منكم في نفسه شي‏ء من ذلك إلا اقتص مني قبل أن تخرج نفسي فقالوا بل كنت والدا و كنت مؤدبا و ما قال لخادم سوءا قط قال أ غفرتم لي ما كان من ذلك قالوا نعم قال اللهم اشهدهم ثم قال أما فاحفظوا وصيتي أحرج على إنسان منكم يبكي فإذا خرجت نفسي فتوضئوا و أحسنوا الوضوء ثم ليدخل كل إنسان منكم مسجدا يصلي ثم ليستغفر لعبادة و لنفسه فإن الله عز و جل قال اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ ثم أسرعوا بي إلى حفرتي و لا تتبعوني بنار و لا تضعوا تحتي أرجوانا بيان في النهاية في الدعاء على ما فرط مني أي سبق و تقدم و قال فيه في قتل الحيات فليحرج عليها هو أن يقول لها أنت في حرج أي ضيق إن عدت إلينا. و منه اللهم إني أحرج حق الضعيفين أي أضيقه و أحرمه على من ظلمهما

    -25  المسكن عن ربعي بن عبد الله عن الصادق ع قال إن الصبر و البلاء يستبقان إلى المؤمن فيأتيه البلاء و هو صبور و إن الجزع و البلاء يستبقان إلى الكافر فيأتيه البلاء و هو جزوع

 و عن أبي ميسرة قال كنا عند أبي عبد الله ع فجاءه رجل و شكا إليه مصيبته فقال له أما إنك إن تصبر تؤجر و إن لا تصبر يمض عليك قدر الله عز و جل الذي قدر الله عليك و أنت مذموم

 و كان أبو ذر رضي الله عنه لا يعيش له ولد فقيل له إنك امرؤ لا يبقى لك ولد فقال الحمد لله الذي يأخذهم في دار الفناء و يدخرهم في دار البقاء

 و روي أن قوما كانوا عند علي بن الحسين ع فاستعجل خادما بشواء في التنور فأقبل به مسرعا فسقط السفود من يده على ابن له ع فأصاب رأسه فقتله فوثب علي بن الحسين ع فلما رأى ابنه ميتا قال للغلام أنت حر لوجه الله أما إنك لم تتعمده و أخذ في جهاز ابنه

 و روى الصدوق أنه لما مات ذر بن أبي ذر وقف على قبره و مسح القبر بيده ثم قال رحمك الله يا ذر و الله إن كنت بي لبرا و لقد قبضت و إني عنك راض و الله ما بي فقدك و لا على من غضاضة و ما لي إلى أحد سوى الله من حاجة و لو لا هول المطلع لسرني أن أكون مكانك و قد شغلني الحزن لك عن الحزن عليك و الله ما بكيت لك بل بكيت عليك فليت شعري ما قلت و ما قيل لك اللهم إني وهبت ما افترضت عليه من حقي فهب له ما افترضت عليه من حقك فأنت أحق بالجود مني و الكرم

 بيان إن في قوله إن كنت مخففة ما بي فقدك أي ليس بي غم من فقدك و لا علي بأس و منقصة من فوتك و الغضاضة الذلة و المنقصة و لو لا هول المطلع بالفتح أي ما يشرف عليه من أهوال الآخرة و ربما يقرأ بالكسر أي الرب تعالى

26-  المسكن، قال النبي ص إذا أحب الله عبدا ابتلاه فإن صبر اجتباه و إن رضي اصطفاه

    و قال ص أعطوا الله الرضا من قلوبكم تظفروا بثواب الله تعالى يوم فقركم و الإفلاس

 و في أخبار موسى ع أنهم قالوا اسأل لنا ربك أمرا إذا نحن فعلناه يرضى به عنا فأوحى الله تعالى إليه قل لهم يرضون عني حتى أرضى عنهم

 و في أخبار داود ع ما لأوليائي و الهم بالدنيا إن الهم يذهب حلاوة مناجاتي من قلوبهم يا داود إن محبتي من أوليائي أن يكونوا روحانيين لا يغتمون

 و روي أن موسى ع قال يا رب دلني على أمر فيه رضاك عني أعمله فأوحى الله إليه أن رضاي في كرهك و أنت ما تصبر على ما تكره قال يا رب دلني عليه قال فإن رضاي في رضاك بقضائي

 و عن ابن عباس قال أول من يدعى إلى الجنة يوم القيامة الذين يحمدون الله تعالى على كل حال

 و عن داود بن زربي عن الصادق ع قال من ذكر مصيبة و لو بعد حين فقال إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ اللهم أجرني على مصيبتي و اخلف علي أفضل منها كان له من الأجر مثل ما كان عند أول صدمة

 و عن النبي ص أنه قال في مرض موته أيها الناس أيما عبد من أمتي أصيب بمصيبة من بعدي فليتعز بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري فإن أحدا من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي

 و عن عبد الله بن الوليد بإسناده قال لما أصيب علي ع بعثني الحسن إلى الحسين ع و هو بالمدائن فلما قرأ الكتاب قال يا لها من مصيبة ما أعظمها مع أن رسول الله ص قال من أصيب منكم بمصيبة فليذكر مصابي فإنه لن يصاب بمصيبة أعظم منها

    و روى إسحاق بن عمار عن الصادق ع أنه قال يا إسحاق لا تعدن مصيبة أعطيت عليها الصبر و استوجبت عليها من الله الثواب إنما المصيبة التي يحرم صاحبها أجرها و ثوابها إذا لم يصبر عند نزولها

 و عن جابر قال قال رسول الله ص قال جبرئيل ع يا محمد عش ما شئت فإنك ميت و أحبب من شئت فإنك مفارقه و اعمل ما شئت فإنك ملاقيه

 بيان لعل الأمر للتسوية كقوله صاحب الحسن أو ابن سيرين أو للتهديد

27-  أعلام الدين، قال أبو الحسن الثالث ع المصيبة للصابر واحدة و للجازع اثنتان

28-  نهج البلاغة، قال ع مرارة الدنيا حلاوة الآخرة و حلاوة الدنيا مرارة الآخرة

29-  دعائم الإسلام، عن جعفر بن محمد عن آبائه ع عن رسول الله ص أنه مر على امرأة تبكي على قبر فقال لها اصبري أيتها المرأة فقالت يا هذا الرجل اذهب إلى عملك فإنه ولدي و قرة عيني فمضى رسول الله ص و تركها و لم تكن المرأة عرفته فقيل لها إنه رسول الله فقامت تشتد حتى لحقته فقالت يا رسول الله لم أعرفك فهل لي من أجر إن صبرت قال الأجر مع الصدمة الأولى

 و عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه أنه قال إياك و الجزع فإنه يقطع الأمل و يضعف العمل و يورث الهم و اعلم أن المخرج في أمرين ما كانت فيه حيلة فالاحتيال و ما لم تكن فيه حيلة فالاصطبار

 و عن النبي ص أنه مر على قوم من الأنصار في بيت فسلم عليهم و وقف فقال كيف أنتم قالوا مؤمنون يا رسول الله قال أ فمعكم برهان ذلك قالوا   نعم قال هاتوا قالوا نشكر الله في الرخاء و نصبر على البلاء و نرضى بالقضاء قال أنتم إذا أنتم

30-  مشكاة الأنوار، عن الصادق ع قال قال رسول الله ص أربع من كن فيه كان في نور الله الأعظم من كان عصمة أمره شهادة أن لا إله إلا الله و أني رسول الله و من إذا أصابته مصيبته قال إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ و من إذا أصاب خيرا قال الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ و من إذا أصاب خطيئة قال أستغفر الله و أتوب إليه

 و منه عن عمار بن مروان عن أبي الحسن موسى ع قال سمعته يقول لن تكونوا مؤمنين حتى تعدوا البلاء نعمة و الرخاء مصيبة و ذلك أن الصبر على البلاء أفضل من الغفلة عند الرخاء

 و عن أبي جعفر ع قال ما من عبد أعطي قلبا شاكرا و لسانا ذاكرا و جسدا في البلاء صابرا و زوجة صالحة إلا و قد أعطي خير الدنيا و الآخرة

31-  جوامع الجوامع، عن الصادق ع قال قال رسول الله ص إذا نشرت الدواوين و نصبت الموازين لم ينصب لأهل البلاء ميزان و لم ينشر لهم ديوان و تلا هذه الآية إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ

32-  الإقبال، للسيد بن طاوس عن شيخ الطائفة عن المفيد و ابن الغضائري عن الصدوق عن ابن الوليد عن الصفار عن ابن أبي الخطاب عن ابن أبي عمير عن إسحاق بن عمار و عن الشيخ عن أحمد بن محمد بن موسى الأهوازي عن ابن عقدة عن محمد بن الحسن القطواني عن حسين بن أيوب الخثعمي عن صالح بن أبي الأسود عن عطية بن نجيح بن مطهر الرازي و   إسحاق بن عمار الصيرفي قالا معا إن أبا عبد الله جعفر بن محمد ع كتب إلى عبد الله بن الحسن رضي الله عنه حين حمل هو و أهل بيته يعزيه عما صار إليه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إلى الخلف الصالح و الذرية الطيبة من ولد أخيه و ابن عمه أما بعد فلئن كنت قد تفردت أنت و أهل بيتك ممن حمل معك بما أصابكم ما انفردت بالحزن و الغيظ و الكأبة و أليم وجع القلب دوني فلقد نالني من ذلك من الجزع و القلق و حر المصيبة مثل ما نالك و لكن جرت إلى ما أمر الله جل جلاله به المتقين من الصبر و حسن العزاء حين يقول لنبيه ص وَ اصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا و حين يقول فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَ لا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ و حين يقول لنبيه ص حين مثل بحمزة وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ و صبر ص و لم يعاقب و حين يقول وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَ الْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى و حين يقول الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ و حين يقول إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ و حين يقول لقمان لابنه وَ اصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ و حين يقول عن موسى قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَ اصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ و حين يقول الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا   الصَّالِحاتِ وَ تَواصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ و حين يقول ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَ تَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ و حين يقول وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ‏ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ و حين يقول وَ كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ ما ضَعُفُوا وَ مَا اسْتَكانُوا وَ اللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ و حين يقول وَ الصَّابِرِينَ وَ الصَّابِراتِ و حين يقول وَ اصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ و أمثال ذلك من القرآن كثير و اعلم أي عم و ابن عم أن الله جل جلاله لم يبال بضر الدنيا لوليه ساعة قط و لا شي‏ء أحب إليه من الضر و الجهد و البلاء مع الصبر و أنه تبارك و تعالى لم يبال بنعيم الدنيا لعدوه ساعة قط و لو لا ذلك ما كان أعداؤه يقتلون أولياءه و يخيفونهم و يمنعونهم و أعداؤه آمنون مطمئنون عالون ظاهرون قاهرون و لو لا ذلك لما قتل زكريا و يحيى بن زكريا ظلما و عدوانا في بغي من البغايا و لو لا ذلك ما قتل جدك علي بن أبي طالب صلوات الله عليه لما قام بأمر الله جل و عز ظلما و عمك الحسين بن فاطمة صلوات الله عليهما اضطهادا و عدوانا و لو لا ذلك ما قال الله جل و عز في كتابه وَ لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَ مَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ

   و لو لا ذلك لما قال في كتابه أَ يَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَ بَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ و لو لا ذلك لما جاء في الحديث لو لا أن يحزن المؤمن لجعلت للكافر عصابة من حديد لا يصدع رأسه أبدا و لو لا ذلك لما جاء في الحديث أن الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة و لو لا ذلك ما سقى كافرا منها شربة من ماء و لو لا ذلك لما جاء في الحديث لو أن مؤمنا على قلة جبل لابتعث الله له كافرا أو منافقا يؤذيه و لو لا ذلك لما جاء في الحديث أنه إذا أحب الله قوما أو أحب عبدا صب عليه البلاء صبا فلا يخرج من غم إلا وقع في غم و لو لا ذلك لما جاء في الحديث ما من جرعتين أحب إلى الله عز و جل أن يجرعهما عبده المؤمن في الدنيا من جرعة غيظ كظم عليها و جرعة حزن عند مصيبة صبر عليها بحسن عزاء و احتساب و لو لا ذلك لما كان أصحاب رسول الله يدعون على من ظلمهم بطول العمر و صحة البدن و كثرة المال و الولد و لو لا ذلك ما بلغنا أن رسول الله ص كان إذا خص رجلا بالترحم عليه و الاستغفار استشهد فعليكم يا عم و ابن عم و بني عمومتي و إخوتي بالصبر و الرضا و التسليم و التفويض إلى الله جل و عز و الرضا و الصبر على قضائه و التمسك بطاعته و النزول عند أمره أفرغ الله علينا و عليكم الصبر و ختم لنا و لكم بالأجر و السعادة و أنقذكم و إيانا من كل هلكة بحوله و قوته إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ و صلى الله على صفوته من خلقه محمد النبي و أهل بيته

 مسكن الفؤاد، بالسند الأول من السندين مثله