باب 6- التيمم و آدابه و أحكامه

الآيات النساء يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَ لا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً المائدة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ

 تفسير قد تقدم الكلام في صدري الآيتين الكريمتين في مبحثي الوضوء و الغسل و لنذكر هنا ما يتعلق منهما بالتيمم. اعلم أنه سبحانه قدم في الآيتين حكم الواجدين للماء القادرين على استعماله ثم أتبع ذلك بأصحاب الأعذار فقال تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى و حمله الأصحاب على المرض الذي يضر معه استعمال الماء و الذي يوجب العجز عن السعي إليه أو عن استعماله و ظاهر الآية يشمل كل ما يصدق عليه اسم المرض لكن علماؤنا رضي الله عنهم مختلفون في اليسير و مثلوه بالصداع و وجع الضرس و لعله للشك   في تسمية مثل ذلك مرضا عرفا فذهب المحقق و العلامة إلى أنه غير مبيح للتيمم و بعض المتأخرين على إيجابه له و لعله أقوى فإنه أشد من الشين و قد أطبقوا على إيجابه التيمم أَوْ عَلى سَفَرٍ أي متلبسين به إذ الغالب عدم وجود الماء في أكثر الصحاري أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ هو كناية عن الحدث إذ الغائط المكان المنخفض من الأرض و كانوا يقصدونه للحدث لتغيب فيه أشخاصهم عن الراءين   فكني عن الحدث بالمجي‏ء من مكانه و تسمية الفقهاء العذرة بالغائط من تسمية الحال باسم المحل و قيل إن لفظة أو هاهنا بمعنى الواو و المراد و الله أعلم أو كنتم مسافرين و جاء أحد منكم من الغائط. أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ المراد جماعهن كما في قوله تعالى وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ و اللمس و المس بمعنى كما قاله اللغويون و سيأتي الأخبار في تفسير اللمس بالوطء و قد نقل الخاص و العام عن ابن عباس أنه كان يقول إن الله سبحانه حيي كريم يعبر عن مباشرة النساء بملامستهن و ذهب الشافعي إلى أن المراد مطلق اللمس لغير محرم و خصه مالك بما كان عن شهوة و أما أبو حنيفة فقال المراد الوطء لا المس. و قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا ماءً يشمل ما لو وجد ماء لا يكفيه للغسل و هو جنب أو للوضوء و هو محدث حدثا أصغر فعند علمائنا يترك الماء و ينتقل فرضه إلى التيمم و قول بعض العامة يجب عليه أن يستعمله في بعض أعضائه ثم يتيمم لأنه واجد للماء ضعيف إذ وجوده على هذا التقدير كعدمه و لو صدق عليه أنه واجد للماء لما جاز له التيمم كذا قيل. و قال الشيخ البهائي قدس الله سره للبحث فيه مجال فقوله سبحانه فَلَمْ تَجِدُوا ماءً يراد به و الله أعلم ما يكفي الطهارة و مما يؤيد ذلك قوله تعالى في كفارة اليمين فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ أي فمن لم يجد إطعام عشرة مساكين ففرضه الصيام و قد حكم الكل بأنه لو وجد إطعام أقل من عشرة لم يجب عليه ذلك و انتقل فرضه إلى الصوم انتهى. و قال الشهيد الثاني ربما حكي عن الشيخ في بعض أقواله التبعيض و احتمل العلامة في النهاية وجوب صرف الماء إلى بعض أعضاء الجنب لجواز وجود ما يكمل طهارته   و سقوط الموالاة بخلاف المحدث و المعتمد ما ذكره في التذكرة و المنتهى من عدم الفرق مسندا ذلك إلى الأصحاب لعدم التمكن من الطهارة المائية فتكون ساقطة. و لا يخفى أن البحث إنما هو فيمن هو مكلف بطهارة واحدة أعني الجنب و ذا الحدث الأصغر المذكورين في الآية أما الحائض مثلا فإنها لو وجدت ما لا يكفي لغسلها و وضوئها معا فإنها تستعمله فيما يكفيه و تتيمم عن الآخر. ثم لا يخفى أن المتبادر من قوله سبحانه فَلَمْ تَجِدُوا ماءً كون المكلف غير واجد للماء بأن يكون في موضع لا ماء فيه فيكون ترخيص من وجد الماء و لم يتمكن من استعماله في التيمم لمرض و نحوه مستفادا من السنة المطهرة و يكون المرضى غير داخلين في خطاب فَلَمْ تَجِدُوا لأنهم يتيممون و إن وجدوا الماء كذا في كلام بعض المفسرين و يمكن أن يراد بعدم وجدان الماء عدم التمكن من استعماله و إن كان موجودا فيدخل المرضى في خطاب لم تجدوا و يسري الحكم إلى كل من لا يتمكن من استعماله كفاقد الثمن أو الآلة و الخائف من لص أو سبع و نحوهم و هذا التفسير و إن كان فيه تجوز إلا أنه هو المستفاد من كلام محققي المفسرين من الخاصة و العامة كالشيخ الطبرسي و صاحب الكشاف و أيضا فهو غير مستلزم لما هو خلاف الظاهر من تخصيص خطاب فَلَمْ تَجِدُوا بغير المرضى مع ذكر الأربعة على نسق واحد. و اعلم أن الفقهاء اختلفوا فيمن وجد من الماء ما لا يكفيه للطهارة إلا

    بمزجه بالمضاف بحيث لا يخرج من الإطلاق هل يجب عليه المزج و الطهارة به أم يجوز له ترك المزج و اختيار التيمم فجماعة من المتأخرين كالعلامة و أتباعه على الأول و جمع من المتقدمين كالشيخ و أتباعه على الثاني و لعل ابتناء القولين على التفسيرين السابقين فالأول على الثاني و الثاني على الأول إذ يصدق على من هذا حاله أنه غير واجد لما يكفيه للطهارة على الأول فيندرج تحت قوله سبحانه فلم تجدوا ماء بخلاف الثاني فإنه متمكن منه. و بعض المحققين بنى القول الأول على كون الطهارة بالماء واجبا مطلقا فيجب المزج إذ ما لا يتم الواجب المطلق إلا به و هو مقدور واجب و الثاني على أنها واجب مشروط بوجود الماء و تحصيل مقدمة الواجب المشروط غير واجب. و اعلم أن هاهنا إشكالا مشهورا و هو أنه سبحانه جمع بين هذه الأشياء في الشرط المرتب عليه جزاء واحد هو الأمر بالتيمم مع أن سببية الأولين للترخص بالتيمم و الثالث و الرابع لوجوب الطهارة عاطفا بينها بأو المقتضية لاستقلال كل واحد منها في ترتب الجزاء مع أنه ليس كذلك إذ متى لم يجتمع أحد الآخرين مع واحد من الأولين لم يترتب الجزاء و هو وجوب التيمم.   و أجيب عنه بوجوه الأول ما أومأنا إليه سابقا من أن أو في قوله تعالى    أَوْ جاءَ بمعنى الواو كما قيل في قوله تعالى وَ أَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ الثاني قال البيضاوي وجه هذا التقسيم أن المترخص بالتيمم إما محدث أو جنب و الحال المقتضية له في غالب الأمر إما مرض أو سفر و الجنب لما سبق   ذكره اقتصر على بيان حاله و الحدث لما لم يجر ذكره ذكر من أسبابه ما يحدث بالذات و ما يحدث بالعرض و استغنى عن تفصيل أحواله بتفصيل حال الجنب و بيان العذر مجملا و كأنه قيل و إن كنتم جنبا مرضى أو على سفر أو محدثين جئتم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء و هذا الوجه لا يوافق ما ثبت عندنا من أن المراد بالملامسة الجماع. الثالث قال في الكشاف جوابا عن هذا الإشكال قلت أراد سبحانه أن يرخص للذين وجب عليهم التطهر و هم عادمون للماء في التيمم بالتراب فخص أولا من بينهم مرضاهم و سفرهم لأنهم المتقدمون في استحقاق بيان الرخصة لهم لكثرة السفر و المرض و غلبتهما على سائر الأسباب الموجبة للرخصة ثم عم كل من وجب عليه التطهر و أعوزه الماء لخوف عدو أو سبع أو عدم آلة استقاء أو إزهاق في مكان لا ماء فيه أو غير ذلك مما لا يكثر كثرة المرض و السفر انتهى. و قيل في توضيح كلامه إن القصد إلى الترخيص في التيمم لكل من وجب عليه التطهر و لم يجد الماء فقيد عدم الوجدان راجع إلى الكل و قيد وجوب التطهر المكنى عنه بالمجي‏ء من الغائط أو الملامسة اللذين هما من أغلب أسباب وجوب التطهر معتبر في الكل حتى المرضى و المسافرين و ذكرهما تخصيص بعد التعميم بناء على زيادة استحقاقهما للترخيص و غلبة المرض و السفر على سائر أسباب الرخصة فكأنه قيل إن جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء خصوصا المرضى و المسافرين فتيمموا و وجه سببية مضمون الشرط لمضمون الجزاء ظاهر. هذا و لكن ينبغي أن يعتبر عدم وجدان الماء بعدم القدرة على استعماله ليفيد ترخيص المريض الواجد للماء العاجز عن الاستعمال و يصح أن المرض سبب من الأسباب الغالبة و إلا فهو باعتبار العجز عن الحركة و الوصول إلى الماء

    من الأسباب النادرة لا الغالبة. و قيل جعل عدم الوجدان قيدا للجميع لا يخلو من شي‏ء لأنه إذا جمع بين الأشياء في سلك واحد و يكون شي‏ء واحد و هو عدم الوجدان قيدا للجميع كان المناسب أن يكون لكل واحد منها مع قطع النظر عن القيد مناسبة ظاهرة مع الترخيص بالتيمم و ذلك منتف في الآخرين إلا عند جعل عدم الوجدان قيدا مختصا و كلام صاحب الكشاف غير آب عن ذلك فالأحسن أن يقال قوله سبحانه فَلَمْ تَجِدُوا ماءً قيد للأخيرين مختص بهما لكنه في الأولين مراد بمعاونة المقام فإنه سبحانه لما أمر بالوضوء و الغسل كان هاهنا مظنة سؤال يخطر بالبال فكأن سائلا يقول إذا كان الإنسان مسافرا لا يجد الماء أو مريضا يخاف من استعماله الضرر فما حكمه فأجاب جل شأنه ببيان حكمه و ضم سائر المعذورين فكأنه قال و إن كنتم في حال الحدث و الجنابة مرضى تستضرون باستعمال الماء أو مسافرين غير واجدين للماء أو كنتم جنبا أو محدثين غير واجدين للماء و إن لم تكونوا مرضى أو على سفر فتيمموا صعيدا. و التصريح بالجنابة و الحدث ثانيا مع اعتبارهما في المريض و المسافر أيضا لئلا يتوهم اختصاص الحكم المذكور بالجنب لكونه بعده. و قد يقال في قوله سبحانه أو لامستم النساء في موقع كنتم جنبا مع التفنن و الخروج عن التكرار تنبيه على أن الأمر هاهنا ليس مبنيا على استيفاء الموجب في ظاهر اللفظ فلا يتوهم أيضا حصر موجب الوضوء في المجي‏ء من الغائط و على كل حال فيه تنبيه على أن كونهم محدثين ملحوظ في إيجاب الوضوء. قوله جل و علا فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً أي اقصدوا صعيدا و اختلف كلام أهل اللغة في الصعيد   فبعضهم كالجوهري قال هو التراب و وافقه ابن فارس في المجمل و نقل ابن دريد في الجمهرة عن أبي عبيدة أنه التراب الخالص الذي لا يخالطه سبخ و لا رمل و نقل الطبرسي عن الزجاج أن الصعيد ليس هو التراب إنما هو وجه الأرض ترابا كان أو غيره سمي صعيدا لأنه نهاية ما يصعد من باطن الأرض و قريب منه ما نقله الجوهري عن ثعلب و كذا ما نقل المحقق في المعتبر عن الخليل عن ابن الأعرابي و لاختلاف أهل اللغة في الصعيد اختلف فقهاؤنا في التيمم بالحجر لمن تمكن من التراب فمنعه المفيد و أتباعه لعدم دخوله في اسم الصعيد و جوز

    الشيخ في المبسوط و المحقق و العلامة التيمم بالحجر نظرا إلى دخوله تحت الصعيد المذكور في الآية. و اختلف المفسرون في المراد بالطيب فيها فبعضهم على أنه الطاهر و بعضهم على أنه الحلال و آخرون على أنه المنبت دون ما لا ينبت كالسبخة و أيدوه بقوله تعالى وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ و الأول هو مختار مفسري أصحابنا قدس الله أرواحهم. و قوله فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ قد يدعى أن فيه دلالة على أن أول أفعال التيمم مسح الوجه لعطفه بالفاء التعقيبية على قصد الصعيد من دون توسط الضرب على الأرض فيتأيد به ما ذهب إليه العلامة في النهاية من جواز مقارنة نية التيمم لمسح الوجه و أن ضرب اليدين على الأرض بمنزلة اغتراف الماء في الوضوء و فيه كلام. و الباء في قوله سبحانه بِوُجُوهِكُمْ للتبعيض كما مر في حديث زرارة و قد تقدم الكلام في كون الباء للتبعيض في باب كيفية الوضوء فالواجب في التيمم مسح بعض الوجه و بعض اليدين كما ذهب إليه جمهور علمائنا و أكثر الروايات ناطقة به و ذهب علي بن بابويه رحمه الله إلى وجوب استيعاب الوجه و اليدين إلى المرفقين كالوضوء عملا ببعض الأخبار و مال المحقق في المعتبر إلى التخيير بين استيعاب الوجه و اليدين و بين الاكتفاء ببعض كل منهما كالمشهور و مال العلامة في المنتهى إلى استحباب الاستيعاب و أما العامة فمختلفون أيضا فالشافعي يقول بمقالة علي بن بابويه و ابن حنبل باستيعاب الوجه فقط و الاكتفاء بظاهر الكفين و لأبي حنيفة قولان أحدهما كالشافعي و الآخر الاكتفاء بأكثر أجزاء الوجه و اليدين و ذهب الزهري منهم إلى وجوب مسح اليدين إلى الإبطين لأنهما حدا في الوضوء إلى المرفقين   و لم يحدا في التيمم بشي‏ء فوجب استيعاب ما يصدق عليه اليد و هذا القول مما انعقد إجماع الأمة على خلافه. و كلمة من في قوله سبحانه منه في الآية الثانية تحتمل أربعة أوجه الأول أنها لابتداء الغاية و الضمير عائد إلى الصعيد فالمعنى أن المسح يبتدئ من الصعيد أو من الضرب عليه. الثاني للسببية و ضمير منه للحدث المفهوم من الكلام السابق كما يقال تيممت من الجنابة و كقوله تعالى مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا و قول الشاعر و ذلك من نبإ جاءني و قول الفرزدق

يغضي حياء و يغضى من مهابته

 و يحتمل إرجاع الضمير إلى عدم وجدان الماء و إلى المجموع. و يرد عليه أنه خلاف الظاهر و متضمن لإرجاع الضمير إلى الأبعد مع إمكان الإرجاع إلى الأقرب مع استلزامه أن يجعل لفظة منه تأكيدا لا تأسيسا إذ السببية تفهم من الفاء و من جعل المسح في معرض الجزاء و تعليقه بالوصف المناسب المشعر بالعلية. الثالث أنها للتبعيض و ضمير منه للصعيد كما تقول أخذت من الدراهم و أكلت من الطعام. الرابع أن تكون للبدلية كما في قوله تعالى أَ رَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ و قوله سبحانه لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ و قوله جل شأنه لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أي بدل طاعته أو رحمته و حينئذ يرجع الضمير إلى الماء و المعنى فلم تجدوا ماء فتيمموا الصعيد بدل الماء و هذا أيضا لا يخلو من بعد مع أن قوما من النحاة أنكروا   مجي‏ء من للبدلية فقالوا التقدير أ رضيتم بالحياة الدنيا بدلا من الآخرة فالمفيد للبدلية متعلقها المحذوف و كذا الأخيران و إن كان هذا أيضا يجري هاهنا لكنه خلاف الظاهر. و الظاهر أن حملها على التبعيض أقرب من الجميع مع موافقته للأخبار الصحيحة و لذا اختاره صاحب الكشاف الذي هو المقتدى في العربية و خالف الحنفية القائلين بعدم اشتراط العلوق مع توغله في متابعة أقوالهم و تهالكه في نصرة مذاهبهم قال في الكشاف فإن قلت قولهم إنها لابتداء الغاية قول متعسف فلا يفهم أحد من العرب من قول القائل مسحت برأسه من الدهن و من الماء و من التراب إلا معنى التبعيض قلت هو كما تقول و الإذعان للحق أحق من المراء. و قد يقال عدم فهم العرب من هذه الأمثلة إلا ما ذكره قد يكون للغرض المعروف عندهم من التدهين و التنظيف و نحو ذلك مع إمكان المنع عند الإطلاق في قوله من التراب على أنه يمكن أن يقال إنها في الأمثلة كلها للابتداء كما هو الأصل فيها و أما التبعيض فإنما جاء من لزوم تعلق شي‏ء من الدهن و الماء باليد فيقع المسح به و نحوه التراب إن فهم فلا يلزم مثله في الصعيد الأعم من التراب و الصخر. قيل و الإنصاف أنها إن استعملت فيما يصلح للعلوق و إن كان باعتبار غالب أفراده كان المتبادر منها التبعيض و إن استعملت فيما لا يصلح لذلك كان المفهوم منها الابتدائية و عدم صلاحية المقام لغيرها قرينة عليها. و ما يقال من أن حملها على التبعيض غير مستقيم لأن الصعيد يتناول الحجر كما صرح به أئمة اللغة و التفسير و حملها على الابتداء تعسف و ليس ببعيد حملها على السببية و قد جعل التعليل من معاني من صاحب مغني اللبيب و على تقدير أن لا يكون حقيقة فلا أقل من أن يكون مجازا و لا بد من ارتكاب المجاز هنا إما في الصعيد أو في من و لا ريب أن التوسع في حروف

    الجر أكثر. فمندفع لبعد هذا الاحتمال كما عرفت و قرب الحمل على التبعيض و تبادره إلى الذهن و إن سلمنا استلزامه حمل الصعيد على المعنى المجازي فارتكاب هذا المجاز أولى لما عرفت. فظهر أن ظاهر الآية موافق لما ذهب إليه ابن الجنيد من اشتراط علوق شي‏ء من التراب بالكفين ليمسح به و يتأيد بذلك ما ذهب إليه المفيد و أتباعه من عدم جواز التيمم بالحجر. و قد ختم سبحانه الآية الأولى بقوله إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً و يفهم منه التعليل لما سبقه من ترخيص ذوي الأعذار في التيمم فهو واقع موقع قوله جل شأنه في الآية الثانية ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ يعني أن من عادته العفو عنكم و المغفرة لكم فهو حقيق بالتسهيل عليكم و التخفيف عنكم. و قد اختلف المفسرون في المراد من التطهير في قوله وَ لكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ قيل المراد به التطهير من الحدث بالتراب عند تعذر استعمال الماء و قيل تنظيف الأبدان بالماء فهو راجع إلى الوضوء و الغسل و قيل المراد التطهير من الذنوب بما فرض من الوضوء و الغسل و التيمم و يؤيده ما روي عن النبي ص أنه قال إن الوضوء يكفر ما قبله و قيل المراد تطهير القلب عن التمرد من طاعة الله سبحانه لأن إمساس هذه الأعضاء بالماء و التراب لا يعقل له فائدة إلا محض الانقياد و الطاعة. و قوله تعالى وَ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ أي بما شرعه لكم مما يتضمن تطهير أجسادكم أو قلوبكم أو تكفير ذنوبكم و اللامات في الأفعال الثلاثة للتعليل و مفعول يريد محذوف في الموضعين و قوله تعالى لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أي على نعمائه المتكاثرة التي من جملتها ما يترتب على ما شرعه في هذه الآية الكريمة أو لعلكم تؤدون شكره بالقيام بما كلفكم به فيها و الله يعلم. ثم اعلم أنه يمكن أن يكون الحكمة في تكرار حكم التيمم في الكتاب   العزيز في آيتين متشابهتين و اشتمالهما على أنواع التأكيد علمه سبحانه بإنكار عمر و أتباعه هذا الحكم بمحض الاستبعاد بل معاندة لله و لرسوله كما سيأتي و بيناه مفصلا في كتاب الفتن في باب بدعه

1-  العلل، لمحمد بن علي بن إبراهيم سئل أبو عبد الله ع عن التيمم فوضع يديه على التراب ثم نفضهما و مسح وجهه و يديه فوق الكف و العلة في ترك مسح الرأس و الرجلين في التيمم أن الله فرض الطهور بالماء فجعل غسل الوجه و اليدين و مسح الرأس و الرجلين و فرض الصلاة أربع ركعات ثم جعل للمسافر ركعتين و كذلك للذي لا يقدر على الماء مسح الوجه و اليدين و ترك مسح الرأس و الرجلين كما ترك للمسافر ركعتين

2-  الهداية، من كان جنبا أو على غير وضوء و وجب الصلاة و لم يجد الماء فليتيمم كما قال الله فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً و الصعيد الموضع المرتفع و الطيب الذي ينحدر عنه الماء و التيمم هو أن يضرب الرجل بيديه على الأرض مرة واحدة و ينفضهما و يمسح بهما جبينه و حاجبيه و يمسح على ظهر كفيه و النظر إلى الماء ينقض التيمم و لا بأس بأن يصلي الرجل بتيمم واحد صلوات الليل و النهار كلها ما لم يحدث أو يصيب ماء و من تيمم و صلى ثم وجد الماء فقد مضت صلاته فليتوضأ لصلاة أخرى و من كان في مفازة و لم يجد الماء و لم يقدر على التراب و كان معه لبد جاف تيمم منه أو من عرف دابته و من أصابته جنابة فخاف على نفسه التلف إن اغتسل فإنه إن كان جامع فليغتسل و إن أصابه ما أصابه و إن احتلم فليتيمم و المجدور إذا أصابته جنابة يؤمم لأن مجدورا أصابته جنابة على عهد رسول الله ص فغسل فمات فقال رسول الله ص أخطأتم أ لا يممتموه

    -3  قرب الإسناد، عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى ع قال سألته عن رجل تصيبه الجنابة و لا يقدر على ماء فيصيبه المطر هل يجزيه ذلك أم هل يتيمم قال إن غسله أجزأه و إلا عليه التيمم قال قلت أيهما أفضل أ يتيمم أو يمسح بثلج وجهه و جسده و رأسه قال الثلج إن بل رأسه و جسده أفضل و إن لم يقدر على أن يغتسل تيمم

 و منه عن محمد بن الوليد و عن عبد الله بن بكير قال سألت أبا عبد الله ع عن رجل أجنب فلم يصب الماء أ يتيمم و يصلي قال لا حتى آخر الوقت إنه إن فاته الماء لم تفته الأرض

 بيان يدل على رجحان التأخير إلى آخر الوقت لكن فيه إشعار برجاء زوال العذر و لا خلاف ظاهرا في عدم جواز التيمم قبل دخول وقت الغاية و نقلوا الإجماع عليه و اختلفوا في جواز التيمم في سعة الوقت على أقوال ثلاثة الأول وجوب التأخير إلى آخر الوقت و إليه ذهب الأكثر بل نقلوا عليه الإجماع. الثاني الجواز في أول الوقت مطلقا و هو المنسوب إلى الصدوق و الجعفي و قواه العلامة في المنتهى و التحرير و الشهيد في البيان و قال البزنطي في الجامع على ما نقل عنه الشهيد لا ينبغي لأحد أن يتيمم إلا في آخر وقت الصلاة و فيه إشعار بالاستحباب. الثالث ما اختاره ابن الجنيد و هو جواز التقديم عند العلم أو الظن الغالب بفوت الماء أو امتداد العذر إلى آخر الوقت و اختاره العلامة في عدة من كتبه لكن إنما قيد بالعلم و لم يذكر الظن و إليه يومي كلام ابن أبي عقيل و الثاني لا يخلو من قوة و بعده الثالث

4-  الخصال، عن محمد بن جعفر البندار عن مجاهد بن أعين عن أبي بكير   ابن أبي العوام عن يزيد عن سليمان التميمي عن سيار عن أبي أمامة قال قال رسول الله ص فضلت بأربع جعلت لأمتي الأرض مسجدا و طهورا و أيما رجل من أمتي أراد الصلاة فلم يجد ماء و وجد الأرض فقد جعلت له مسجدا و طهورا الحديث

5-  و منه، و من العلل، عن محمد بن علي بن شاه عن محمد بن جعفر البغدادي عن أبيه عن أحمد بن السخت عن محمد بن الأسود الوراق عن أيوب بن سليمان عن أبي البختري عن محمد بن حميد عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله ص قال الله عز و جل جعلت لك و لأمتك الأرض كلها مسجدا و ترابها طهورا تمام الخبر

 إيضاح احتج المرتضى رضي الله عنه على أن الصعيد هو التراب بقول النبي ص جعلت لي الأرض مسجدا و ترابها طهورا و لو كانت أجزاء الأرض طهورا و إن لم تكن ترابا لكان ذكر التراب واقعا في غير محله و أجاب عنه في المعتبر بأنه تمسك بدلالة الخطاب و هي متروكة و أجاب عنه الشيخ البهائي قدس سره بأن مراده أن النبي في معرض التسهيل و التخفيف و بيان امتنان الله سبحانه عليه و على هذه الأمة المرحومة فلو كان مطلق وجه الأرض من الحجر و نحوه طهورا لكان ذكر التراب مخلا بانطباق الكلام على الغرض المسوق له و كان المناسب لمقتضى الحال أن يقول جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا انتهى. و يرد عليه أن ما ذكره لا يخرجه عن كونه استدلالا بالمفهوم بل ما ذكره لو تم لكان دليلا على حجية المفهوم في هذا المقام مع أنه يحتمل أن يكون الفائدة في ذكر التراب التصريح بشموله لكل تراب و إن كان منفصلا عن الأرض و رفع توهم حذف مضاف غير المدعى.   و الحق أن ما ذكره السيد متين لكن لا بد من التأويل مع وجود المعارض القوي

6-  العلل، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن حماد عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر ع في حديث طويل مضى في باب الوضوء حيث قال ثم قال الله تعالى فإن فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ فلما وضع عمن لم يجد الماء أثبت مكان الغسل مسحا لأنه قال بِوُجُوهِكُمْ ثم وصل بها وَ أَيْدِيَكُمْ ثم قال منه أي من ذلك التيمم لأنه علم أن ذلك أجمع لم يجر على الوجه لأنه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف و لا يعلق ببعضها ثم قال ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ في الدين مِنْ حَرَجٍ و الحرج الضيق

7-  فقه الرضا، قال ع اعلموا رحمكم الله أن التيمم غسل المضطر و وضوؤه و هو نصف الوضوء في غير ضرورة إذا لم يوجد الماء و ليس له أن يتيمم حتى يأتي إلى آخر الوقت أو إلى أن يتخوف خروج وقت الصلاة و صفة التيمم للوضوء و الجنابة و سائر أبواب الغسل واحد و هو أن تضرب بيديك على الأرض ضربة واحدة ثم تمسح بهما وجهك من حد الحاجبين إلى الذقن و روي من موضع السجود من مقام الشعر إلى طرف الأنف ثم تضرب بهما أخرى فتمسح بهما الكفين من حد الزند و روي من أصول الأصابع تمسح باليسرى اليمنى و باليمنى اليسرى على هذه الصفة و أروي إذا أردت التيمم اضرب كفيك على الأرض ضربة واحدة ثم تضع إحدى يديك على الأخرى ثم تمسح بأطراف أصابعك وجهك من فوق حاجبيك و بقي ما بقي ثم تضع أصابعك اليسرى على أصابعك اليمنى من أصل الأصابع من فوق الكف ثم تمرها على مقدمها على ظهر الكف ثم تضع أصابعك   اليمنى على أصابعك اليسرى فتصنع بيدك اليمنى ما صنعت بيدك اليسرى على اليمنى مرة واحدة فهذا هو التيمم و هو الوضوء التام الكامل في وقت الضرورة فإذا قدرت على الماء انتقض التيمم و عليك إعادة الوضوء و الغسل بالماء لما تستأنف الصلاة اللهم إلا أن تقدر على الماء و أنت في وقت من الصلاة التي صليتها بالتيمم فتطهر و تعيد الصلاة و نروي أن جبرئيل ع نزل إلى سيدنا رسول الله ص في الوضوء بغسلين و مسحين غسل الوجه و اليدين و مسح الرأس و الرجلين ثم نزل في التيمم بإسقاط المسحين و جعل مكان موضع الغسل مسحا و نروي عنه ع أنه قال رب الماء و رب الصعيد واحد و ليس للمتيمم أن يتيمم إلا في آخر الوقت و إن تيمم و صلى قبل خروج الوقت ثم أدرك الماء و عليه الوقت فعليه أن يعيد الصلاة و الوضوء و إن مر بماء فلم يتوضأ و قد كان تيمم و صلى في آخر الوقت و هو يريد ماء آخر فلم يبلغ الماء حتى حضرت الصلاة الأخرى فعليه أن يعيد التيمم لأن ممره بالماء نقض تيممه و قد يصلي بتيمم واحد خمس صلوات ما لم يحدث حدثا ينقض به الوضوء و تتيمم للجنابة و الحائض تتيمم مثل تيمم الصلاة إن الله عز و جل فرض الطهر فجعل غسل الوجه و اليدين و مسح الرأس و الرجلين و فرض الصلاة أربع ركعات فجعل للمسافر ركعتين و وضع عنه الركعتين ليس فيهما القراءة و جعل للذي لا يقدر على الماء التيمم مسح الوجه و اليدين و رفع عنه مسح الرأس و الرجلين و قال الله تبارك و تعالى فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً و الصعيد الموضع المرتفع عن الأرض و الطيب الذي ينحدر عنه الماء و قد روي أنه يمسح الرجل على جبينيه و حاجبيه و يمسح على ظهر كفيه فإذا كبرت في صلاتك تكبيرة   الافتتاح و أتيت بالماء فلا تقطع الصلاة و لا تنقض تيممك و امض في صلاتك

 تبيين اعلم أن الأصحاب قد اختلفوا في عدد الضربات في التيمم فقال الشيخان في النهاية و المبسوط و المقنعة ضربة للوضوء و ضربتان للغسل و هو اختيار الصدوق و سلار و أبي الصلاح و ابن إدريس و أكثر المتأخرين و قال المرتضى في شرح الرسالة الواجب ضربة واحدة في الجميع و هو اختيار ابن الجنيد و ابن أبي عقيل و المفيد في المسائل العزية. و نقل عن المفيد في الأركان اعتبار الضربتين في الجميع و حكاه العلامة في المنتهى و المختلف و المحقق في المعتبر عن علي بن بابويه و ظاهر كلامه في الرسالة اعتبار ثلاث ضربات ضربة باليدين للوجه و ضربة باليسار لليمين و ضربة باليمين لليسار و لم يفرق بين الوضوء و الغسل و حكي في المعتبر القول بالضربات الثلاث عن قوم منا. و منشأ الخلاف اختلاف الأخبار فعلى المشهور جمعوا بينها بحمل أخبار الضربة على بدل الوضوء و الضربتين على بدل الغسل للمناسبة و لرواية غير دالة على الفرق و منهم من جمع بينها بحمل الضربتين على الاستحباب و هو أظهر في الجمع. و الأصوب عندي حمل أخبار الضربتين على التقية لأنه قال الطيبي في   شرح المشكاة في شرح حديث عمار إن في الخبر فوائد منها أن في التيمم تكفي ضربة واحدة للوجه و الكفين و هو مذهب علي و ابن عباس و عمار و جمع من التابعين و ذهب عبد الله بن عمر و جابر من التابعين و الأكثرون من فقهاء الأمصار إلى أن التيمم ضربتان انتهى. فظهر من هذا أن القول المشهور بين المخالفين ضربتان و أن الضربة مشهور عندهم من مذهب أمير المؤمنين ع و عمار التابع له في جميع الأحكام و ابن عباس الموافق له في أكثرها فتبين أن أخبار الضربة أقوى و أخبار الضربتين حملها على التقية أولى و إن كان الأحوط الجمع بينهما فيهما و لعل اختلاف أجزاء هذا الخبر أيضا للتقية. ثم اعلم أن معظم الأصحاب عبروا بلفظ الضرب و هو الوضع المشتمل على اعتماد يحصل به مسماه عرفا فلا يكفي الوضع المجرد عنه و بعضهم عبر بلفظ الوضع كالشيخ في النهاية و المبسوط و اختاره الشهيد و جماعة و التعبير في الأخبار مختلف و الضرب أحوط بل أقوى. و استحباب نفض اليدين بعد الضرب مذهب الأصحاب و أجمعوا على عدم وجوبه و استحب الشيخ مسح إحدى اليدين بالأخرى بعد النفض و ذكر في هذا الخبر مكان النفض. و اعتبر أكثر الأصحاب كون مسح الوجه بباطن الكفين معا و نقل عن ابن الجنيد أنه اجتزأ باليد اليمنى لصدق المسح و هو كذلك بالنظر إلى الآية لكن ظاهر الأخبار المبينة لها الأول. و قالوا يعتبر في المسح كونه بباطن الكف اختيارا لأنه المعهود فلو مسح بالظهر اختيارا أو بآلة لم يجز نعم لو تعذر المسح بالباطن أجزأ الظاهر و الأحوط ضم التولية معه. و ظاهر الأصحاب أنه يشترط في ضرب اليدين أن يكونا دفعة فلو ضرب إحدى يديه ثم أتبعه بالأخرى لم يجز و مسح الجبهة من قصاص شعر الرأس

    إلى طرف الأنف الأعلى كأنه متفق عليه بين الأصحاب و أوجب بعضهم الجبينين أيضا و الصدوق مسح الحاجبين أيضا و قد عرفت أن أباه قال بمسح جميع الوجه قال في الذكرى و في كلام الجعفي إشعار به و المشهور في اليدين أن حدهما الزند و نقل ابن إدريس عن بعض الأصحاب أن المسح على اليدين من أصول الأصابع إلى رءوسها. و قال علي بن بابويه امسح يديك من المرفقين إلى الأصابع و قال الصدوق في بيان التيمم للجنابة و مسح يده فوق الكف قليلا و يحتمل أن يكون مراده الابتداء من فوق الكف من باب المقدمة أو أراد عدم وجوب الاستيعاب. و أما أنه إذا تمكن من استعمال الماء في غير الصلاة ينتقض تيممه و لو فقد الماء بعد ذلك يجب عليه إعادة التيمم فقد قال في المعتبر إنه إجماع أهل العلم و من تيمم تيمما صحيحا و صلى ثم خرج الوقت لم يجب عليه القضاء و قال في المنتهى و عليه إجماع أهل العلم. و نقل عن السيد المرتضى أن الحاضر إذا تيمم لفقد الماء وجب عليه الإعادة إذا وجده و الأقوى سقوط القضاء مطلقا و لو تيمم و صلى مع سعة الوقت ثم وجد الماء في الوقت فإن قلنا باختصاص التيمم بآخر الوقت بطلت صلاته مطلقا و إن قلنا بجوازه مع السعة فالأقوى عدم الإعادة كما اختاره المحقق في المعتبر و الشهيد في الذكرى و نقل عن ابن الجنيد و ابن أبي عقيل القول بوجوب الإعادة لأخبار حملها على الاستحباب طريق الجمع و أما أنه يكفيه تيمم واحد لصلوات متعددة فلا خلاف فيه ظاهرا بين الأصحاب. و لو وجد الماء بعد الدخول في الصلاة فقد اختلف فيه كلام الأصحاب على أقوال الأول أنه يمضي في صلاته و لو تلبس بتكبيرة الإحرام كما دل عليه هذا الخبر و هو مختار الأكثر الثاني أنه يرجع ما لم يركع و إليه ذهب الصدوق و الشيخ في النهاية و جماعة الثالث أنه يرجع ما لم يقرأ ذهب إليه سلار الرابع وجوب القطع مطلقا إذا غلب على ظنه سعة الوقت بقدر الطهارة   و الصلاة و عدم وجوب القطع إذا لم يمكنه ذلك و استحباب القطع ما لم يركع نقله الشيخ عن ابن حمزة الخامس ما نقله الشهيد أيضا عن ابن الجنيد حيث قال و إذا وجد المتيمم الماء بعد دخوله في الصلاة قطع ما لم يركع الركعة الثانية فإن ركعها مضى في صلاته فإن وجده بعد الركعة الأولى و خاف ضيق الوقت أن يخرج إن قطع رجوت أن يجزيه أن لا يقطع صلاته و أما قبله فلا بد من قطعها مع وجود الماء. و منشأ الخلاف اختلاف الروايات و يمكن الجمع بينها بحمل أخبار المضي على الجواز و أخبار القطع قبل الركوع على الاستحباب بل القطع بعده أيضا و المسألة قليلة الجدوى إذ الفرض نادر

8-  العلل، و الخصال، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن محمد بن عيسى اليقطيني عن القاسم بن يحيى عن جده الحسن بن راشد عن أبي بصير و محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عن آبائه عن أمير المؤمنين ع قال لا ينام المسلم و هو جنب و لا ينام إلا على طهور فإن لم يجد الماء فليتيمم بالصعيد فإن روح المؤمن تروح إلى الله عز و جل فيلقاها و يبارك عليها فإن كان أجلها قد حضر جعلها في مكنون رحمته و إن لم يكن أجلها قد حضر بعث بها مع أمنائه من ملائكته فيردوها في جسده

9-  المحاسن، عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن عبيد الله الحلبي أنه سأل أبا عبد الله ع عن الرجل يمر بالركية و ليس معه دلو قال ليس عليه أن يدخل الركية لأن رب الماء هو رب الأرض فليتيمم

 بيان الركية البئر و حمل على ما إذا كان في النزول إليها مشقة كثيرة أو كان مستلزما لإفساد الماء و المراد بعدم الدلو عدم مطلق الآلة و ذكر الدلو   لأنه الفرد الشائع فلو أمكنه بل طرف عمامته مثلا ثم عصرها و الوضوء بمائها لوجب عليه و فيه إشارة إلى جواز التيمم بغير التراب

10-  السرائر، نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب عن ابن أبي عمير عن محمد بن سكين و غيره عن أبي عبد الله ع قال قيل يا رسول الله ص إن فلانا أصابته جنابة و هو مجدور فغسلوه فمات فقال قتلوه أ لا سألوا أ لا يمموه إن شفاء العي السؤال

 إيضاح في القاموس الجدر خروج الجدري بضم الجيم و فتحها لقروح في البدن تنفط و تقيح و قد جدر و جدر كعني و يشدد فهو مجدور و مجدر قوله فغسلوه أي أمروه بالغسل أي أفتوه به أو ولوا غسله و على الثاني يدل على أن المفتي ضامن إذا أخطأ و لعله في الآخرة مع التقصير أو عدم الصلاحية و العي بالكسر يحتمل أن يكون صفة مشبهة عن عيي إذا عجز و لم يهتد إلى العلم بالشي‏ء و أن يكون مصدرا و في بعض نسخ الحديث أن آفة العي السؤال فعلى الأول المعنى أن الجاهل ربما يتأبى عن السؤال و يترفع عنه و يعده آفة و على الثاني المعنى أن السؤال آفة العي فكما أن الآفة تفني الشي‏ء و تذهبه كذلك السؤال يذهب العي و ما هنا أظهر موافقا للفقيه و لروايات العامة. قال في النهاية في الحديث شفاء العي السؤال العي الجهل و قد عيي به يعيا عياء

11-  المحاسن، عن أبي إسحاق الثقفي و محمد بن مروان جميعا عن أبان بن عثمان عمن ذكره عن أبي عبد الله ع قال إن الله أعطى محمدا ص شرائع نوح و إبراهيم و موسى و عيسى ع إلى أن قال و جعل له الأرض مسجدا و طهورا الحديث

    -12  تفسير علي بن إبراهيم، في قوله تعالى وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ الْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ قال إن الله كان قد فرض على بني إسرائيل الغسل و الوضوء و لم يحل لهم التيمم و لم يحل لهم الصلاة إلا في البيع و الكنائس و المحاريب و كان الرجل إذا أذنب خرج نفسه منتنا فيعلم أنه أذنب و إذا أصاب أحدهم شيئا من بدنه البول قطعوه و لم يحل لهم المغنم فرفع ذلك رسول الله ص عن أمته

13-  السرائر، نقلا من كتاب حريز عن زرارة قال قلت لأبي جعفر ع أ رأيت المواقف إن لم يكن على وضوء كيف يصنع و لا يقدر على النزول قال يتيمم من لبد دابته أو سرجه أو معرفة دابته فإن فيها غبارا

 بيان المواقف كمقاتل لفظا و معنى و اللبد بكسر اللام و إسكان الباء الموحدة ما يوضع تحت السرج و المعرفة كمرحلة موضع العرف من الفرس و هو بالضم شعر عنقه و ذكر الأصحاب أن مع فقد التراب و ما في معناه يجب التيمم بغبار الثوب أو عرف الدابة أو لبد السرج أو غير ذلك مما فيه غبار قال في المعتبر و هو مذهب علمائنا و أكثر العامة و إنما يجوز التيمم بالغبار مع فقد التراب كما نص عليه الأكثر و ربما ظهر من عبارة المرتضى في الجمل جوازه مع وجوده و هو بعيد. ثم المشهور التخيير بين كل ما فيه غبار كما هو ظاهر الخبر و قال الشيخ في النهاية للتيمم مراتب فأولها التراب فإن فقده فالحجر فإن فقد تيمم بغبار عرف دابته أو لبد سرجه فإن لم يكن معه دابة تيمم بغبار ثوبه فإن لم يكن معه شي‏ء من ذلك تيمم بالوحل و قال ابن إدريس التراب ثم الحجر ثم غبار   الثوب ثم غبار العرف و اللبد ثم الوحل و أطلق الشيخ التيمم بغبار الثوب و ظاهر المفيد و سلار وجوب النفض و التيمم بالغبار الخارج منه و ربما يشترط الإحساس بالغبار و ظاهر الخبر وجود الغبار فيها كما هو ظاهر الأكثر أما إخراجه أو ظهوره للحس فلا و إن كان الأحوط السعي في إخراجه

14-  السرائر، نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب عن العبيدي عن حماد بن عيسى عن حريز عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله ع قال سألته عن الرجل يجنب في السفر فلا يجد إلا الثلج أو ماء جامدا قال هو بمنزلة الضرورة يتيمم و لا أرى أن يعود إلى هذه الأرض التي توبق دينه

 المحاسن، عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله ع مثله بيان قال المفيد لو لم يوجد إلا الثلج فليكسره و ليتوضأ بمائه و إن خاف على نفسه من ذلك يضع بطن راحته اليمنى على الثلج و يحركه عليه باعتماد ثم يرفعها بما فيها من نداوة يمسح بها وجهه ثم يضع راحته اليسرى على الثلج و يصنع بها كما صنع باليمنى و يمسح بها يده اليمنى من مرفقه إلى أطراف الأصابع كالدهن إلى آخر ما ذكره ثم قال و إن كان محتاجا إلى التطهر بالغسل صنع بالثلج كما صنع به عند وضوئه و قال الشيخ ما يقاربه. و المنقول عن علم الهدى أنه يتيمم بنداوته و هو المنسوب إلى ابن الجنيد و سلار و قال آخرون بسقوط الطهارة و اختار العلامة مذهب الشيخ. و قال المحقق في المعتبر و التحقيق عندي أنه إن أمكن الطهارة بالثلج بحيث يكون به غاسلا فإنه يكون مقدما على التراب بل مساويا للماء في التخيير عند الاستعمال و إن قصر عن ذلك لم يكف في حصول الطهارة و كان التراب معتبرا دونه و لا عبرة بالدهن لأنه لا يسمى غسلا فلا يحصل به الطهارة   الشرعية إلا أن يراد بالدهن ما يجري على العضو و إن كان قليلا انتهى و لا يخفى متانته. ثم إنه ينقل عن السيد رحمه الله أنه استدل بهذه الرواية على مذهبه و لا يخفى ما فيه إذ الظاهر أن المراد بها التيمم بالتراب و قوله فلا يجد إلا الثلج أي مما يصح الاغتسال به قوله ع توبق دينه أي تذهبه من قولهم أوبقت الشي‏ء أي أهلكته و يدل على أن من صلى بتيمم و إن كان مضطرا فصلاته ناقصة و أنه يجب عليه إزالة هذا النقص عن صلاته المستقبلة بالخروج عن ذلك المحل إلى محل لا يضطر فيه إلى ذلك. و ربما يستنبط منه وجوب المهاجرة عن بلاد التقية إلى بلاد يمكنه فيها تركها بل عن البلاد التي لا يتمكن من أقام فيها من القيام التام بوظائف الطاعات و إعطاء الصلاة بل سائر العبادات حقها من الخشوع و الإقبال على الحق جل شأنه فضلا عن البلاد التي لا يسلم المقيم فيها يوما من الأعمال السيئة و الأقوال الشنيعة و لا يكاد ينفك عن الصفات الذميمة المهلكة من الغل و الحسد و التكبر و حب الجاه و الرئاسة وفقنا الله و سائر المؤمنين لإقامة شرائع الدين في مقام أمين لا يستولي فيه الشياطين على المؤمنين

15-  المحاسن، في رواية حفص بن غياث عن أبي عبد الله ع قال من أوى إلى فراشه فذكر أنه على غير طهر و تيمم من دثاره و ثيابه كان في صلاة ما ذكر الله

 بيان رواه في التهذيب مرسلا

 عن الصادق ع أنه قال من تطهر ثم أوى إلى فراشه بات و فراشه كمسجده فإن ذكر أنه ليس على وضوء فيتيمم من دثاره كائنا ما كان لم يزل في صلاة ما ذكر الله عز و جل

و في الفقيه   فليتيمم من دثاره كائنا ما كان و رواه في ثواب الأعمال عن محمد بن كردوس عنه ع مثل الفقيه. فعلى ما في التهذيب لعل المعنى كائنا ما كان الدثار سواء كان فيه غبار أم لا أو كائنا ما كان النائم سواء قدر على القيام و الوضوء أم لا و على ما في الفقيه فالظاهر أن المراد سواء كان متوضئا أو متيمما أو المراد أنه إذا ذكر الله فسواء توضأ أو تيمم أم لا فهو في صلاة و يمكن أن يعمم أيضا بحيث يشمل غير حالة النوم أيضا و الظاهر هو الأول فالمراد أنه إذا تطهر و لم يذكر يكتب له ثواب الكون في المسجد و إن ذكر يكتب له ثواب الصلاة. و على الاحتمالين الآخرين الظاهر أن كون فراشه كمسجده كناية عن أنه يكتب له ثواب الصلاة و على ما هنا الظاهر اشتراط الطهارة و الذكر معا في الثواب المذكور و ظاهر الخبر اشتراط التيمم بالذكر في الدثار لا مطلقا و هو خلاف المشهور

16-  السرائر، نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب عن عثمان بن عيسى عن معاوية بن شريح قال سأل رجل أبا عبد الله ع و أنا عنده فقال يصيبنا الدمق و الثلج و نريد أن نتوضأ و لا نجد إلا ماء جامدا فكيف أتوضأ أدلك به جلدي قال نعم

17-  و منه، عن الكتاب المذكور عن محمد بن أحمد العلوي عن العمركي عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر ع قال سألته عن الرجل الجنب أو على غير وضوء لا يكون معه ماء و هو يصيب ثلجا و صعيدا أيهما أفضل أ يتيمم أم يمسح بالثلج وجهه قال الثلج إذا بل رأسه و جسده أفضل فإن لم يقدر على أن يغتسل به فليتيمم

    بيان دلالة الخبرين على ما ذهب إليه المفيد ظاهر و يمكن حملهما على الجريان ليوافق المشهور

18-  السرائر، نقلا من كتاب نوادر أحمد بن محمد بن أبي نصر عن عبد الله بن بكير عن زرارة عن أبي جعفر ع قال أتى عمار بن ياسر رسول الله ص فقال يا رسول الله ص إني أجنبت الليلة فلم يكن معي ماء قال كيف صنعت قال طرحت ثيابي و قمت على الصعيد فتمعكت فيه فقال هكذا يصنع الحمار إنما قال الله عز و جل فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فضرب بيديه على الأرض ثم ضرب إحداهما على الأخرى ثم مسح بجبينيه ثم مسح كفيه كل واحدة على الأخرى مسح باليسرى على اليمنى و باليمنى على اليسرى

 توضيح يدل على الاكتفاء في بدل الجنابة بالضربة الواحدة و تمعك الدابة تقلبها في التراب و هذا منه ص إما مطايبة أو تأديب على ترك القياس فإنه قاس التيمم بالغسل و عدم التقصير في طلب علم ما تكثر الحاجة إليه و على الأول يدل على جواز جريان أمثالها بين الأصدقاء

19-  المحاسن، عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن عبيد الله بن علي الحلبي أنه سأل أبا عبد الله ع عن الرجل إذا أجنب و لم يجد الماء قال يتيمم بالصعيد فإذا وجد الماء فليغتسل و لا يعيد الصلاة

    -20  السرائر، نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي عن جعفر بن بشير عن عبد الله بن عاصم قال سمعت أبا عبد الله ع و سئل عن رجل تيمم و قام في الصلاة فأتي بماء قال إن كان ركع فليمض في صلاته و إن لم يكن ركع فلينصرف و ليتوضأ

21-  و منه، عن الكتاب المذكور عن علي بن السندي عن حماد عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر ع قال سألته عن رجل صلى ركعة على تيمم ثم جاء رجل و معه قربتان من ماء فقال يقطع الصلاة و يتوضأ ثم يبني على واحدة

22-  و منه، عن الكتاب المذكور عن علي بن السندي عن صفوان عن إسحاق بن عمار قال سألت أبا إبراهيم ع عن الرجل يكون مع أهله في السفر فلا يجد الماء يأتي أهله فقال ما أحب أن يفعل ذلك إلا أن يكون شبقا أو يخاف على نفسه قلت يطلب بذلك اللذة قال هو حلال قلت فإنه روي عن النبي ص أن أبا ذر سأله عن هذا فقال ائت أهلك تؤجر فقال يا رسول الله و أوجر فقال كما أنك إذا أتيت الحرام أزرت فكذلك إذا أتيت الحلال أجرت فقال أ لا ترى أنه إذا خاف على نفسه فأتى الحلال أجر

 بيان قوله ع أزرت كذا في النسخ و القياس وزرت أو أوزرت و على تقدير عدم التصحيف لعله أتى به كذلك لمزاوجة أجرت قال الجزري الوزر الحمل و الثقل و أكثر ما يطلق في الحديث على الذنب و الإثم و منه الحديث ارجعن مأجورات غير مأزورات أي غير آثمات و قياسه موزورات يقال وزر فهو موزور و إنما قال مأزورات للازدواج بمأجورات و نحوه قال الجوهري. و يدل الحديث على جواز إحداث الجنابة عند عدم الماء أو عدم التمكن من استعماله كمرض و نحوه و نقل المحقق في المعتبر عليه الإجماع   و ربما يوهم الخبر تقييد الجواز بالشبق أو الخوف على النفس من الوقوع في الحرام لكن ظاهره الجواز و إن كان لمحض الالتذاذ. ثم اعلم أن المشهور بين الأصحاب عدم الفرق بين متعمد الجنابة و غيره في تسويغ التيمم له عند التضرر بالماء و قال المفيد إن أجنب نفسه مختارا وجب عليه الغسل و إن خاف منه على نفسه و لم يجزه التيمم و أسند في المعتبر إلى الشيخين القول بعدم جواز التيمم و إن خاف التلف أو زيادة المرض و أسند في المنتهى إلى الشيخ القول بأن المتعمد وجب عليه الغسل و إن لحقه برد إلا أن يخاف على نفسه التلف. و قال في المبسوط و النهاية يتيمم عند خوف البرد على نفسه و يعيد الصلاة عند الاغتسال إذا كانت الجنابة عمدا و المنقول عن ظاهر ابن الجنيد عدم إجزاء التيمم للمتعمد و الأشهر جواز التيمم مطلقا و عدم الإعادة و هو أقوى

23-  السرائر، نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن الحسين عن صفوان عن العلا عن محمد عن أحدهما ع أنه سئل عن الرجل يقيم بالبلاد الأشهر ليس فيها ماء من أجل المراعي و صلاح الإبل قال لا

 و منه نقلا من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب عن العلا و أبي أيوب و ابن بكير كلهم عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر ع مثله بيان قوله من أجل المراعي يمكن تعلقه بقوله ليس فيها ماء أي لا ماء فيها لصلاح الإبل و مرعاه فيكون النهي للإضرار بالإبل و إتلاف المال و يحتمل تعلقه بيقيم فالمراد أنه يسكن البلدة أو القرية لرعي الإبل في نواحيها و الماء في البلد قليل قد لا يفي بالوضوء و الغسل و الاستنجاء و تنظيف الثوب و الجسد فالنهي لعدم التمكن من هذه الأمور الضرورية فيكون مثل قوله و لا أرى أن يعود إلى هذه الأرض التي توبق دينه و لعل الشيخ فهم هذا المعنى حيث أورده في التهذيب   في باب التيمم

24-  كتاب سليم بن قيس، بالأسانيد التي ذكرناها في صدر الكتاب عنه عن أمير المؤمنين ع فيما ذكره من بدع عمر قال ع و العجب لجهله و جهل الأمة أنه كتب إلى جميع عماله أن الجنب إذا لم يجد الماء فليس له أن يصلي و ليس له أن يتيمم بالصعيد حتى يجد الماء و إن لم يجده حتى يلقى الله و في رواية أخرى و إن لم يجده سنة ثم قبل الناس ذلك منه و رضوا به و قد علم و علم الناس أن رسول الله ص قد أمر عمارا و أمر أبا ذر أن يتيمما من الجنابة و يصليا و شهدا به عنده و غيرهما فلم يقبل ذلك و لم يرفع به رأسا

25-  نوادر الراوندي، عن عبد الواحد بن إسماعيل الروياني عن محمد بن الحسن التميمي عن سهل بن أحمد الديباجي عن محمد بن محمد بن الأشعث عن موسى بن إسماعيل بن موسى عن أبيه عن جده موسى عن أبيه جعفر بن محمد عن آبائه ع قال قال رسول الله ص تمسحوا بالأرض فإنها أمكم و هي بكم برة

 بيان لعل المراد بالتمسح التيمم عند الضرورة و يحتمل أن يكون المراد التمسح على وجه البركة أو يكون كناية عن الجلوس عليها و يؤيد الأخيرين ما

 رواه الراوندي أيضا أنه أقبل رجلان إلى رسول الله ص فقال أحدهما لصاحبه اجلس على اسم الله تعالى و البركة فقال رسول الله ص اجلس على استك فأقبل يضرب الأرض بعصا فقال رسول الله ص لا تضربها فإنها أمكم و هي بكم برة

و الخبر مذكور في روايات العامة أيضا قال في النهاية فيه تمسحوا بالأرض فإنها بكم برة أراد به التيمم و قيل أراد مباشرة ترابها بالجباه في السجود من غير حائل و يكون هذا أمر تأديب و استحباب لا وجوب و قوله فإنها بكم برة أي مشفقة عليكم كالوالدة البرة بأولادها يعني أن منها خلقكم و   فيها معاشكم و إليها بعد الموت معادكم

26-  نوادر الراوندي، بالإسناد المتقدم قال قال علي ع من أخذته سماء شديدة و الأرض مبتلة فليتيمم من غيرها أو من غبار ثوبه أو غبار سرجه أو أكفافه

 بيان كفة كل شي‏ء بالضم طرته و حاشيته

27-  النوادر، بالإسناد المتقدم عنه عن آبائه ع قال سئل علي ع عن رجل يكون في زحام في صلاة جمعة أحدث و لا يقدر على الخروج فقال يتيمم و يصلي معهم و يعيد

 تأييد و توجيه ذهب الشيخ في النهاية و المبسوط إلى أن من منعه زحام الجمعة عن الخروج يتيمم و يصلي و يعيد إذا وجد الماء و مستنده ما رواه

 في التهذيب بسند فيه ضعف عن السكوني عن جعفر عن أبيه ع عن علي ع أنه سئل عن رجل يكون وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة لا يستطيع الخروج من المسجد من كثرة الناس قال يتيمم و يصلي معهم و يعيد إذا انصرف

 و بسند موثق عن سماعة عنه ع مثله و المشهور عدم الإعادة و حملها بعضهم على الاستحباب و لا يبعد حملها على ما إذا كانت الصلاة مع المخالفين و لم يمكنه الخروج و لا ترك الصلاة تقية فلذا يعيد بقرينة ذكر عرفة في الروايتين و الوقت فيه غير مضيق و حملها على ما إذا لم يمكنه الخروج إلى آخر الوقت بعيد و لذا خص الشيخ الحكم بالجمعة مع اشتمال الروايتين على عرفة   أيضا و إن لم يبعد تجويز التيمم و الصلاة لإدراك فضل الجماعة لا سيما الجماعة المشتملة على تلك الكثرة العظيمة الواقعة في مثل هذا اليوم الشريف لكن لم أر قائلا به و هذا الإشكال عن خبر النوادر مندفع و الأحوط الفعل و الإعادة في الجمعة

28-  النوادر، بالإسناد المتقدم عنه عن آبائه ع قال قال علي ع يجوز التيمم بالجص و النورة و لا يجوز بالرماد لأنه لم يخرج من الأرض فقيل له أ يتيمم بالصفا البالية على وجه الأرض قال نعم

 توضيح أما عدم جواز التيمم بالرماد فلا خلاف فيه إذا كان مأخوذا من الشجر و النبات و هو الظاهر من الرواية للتعليل بأنه لم يخرج من الأرض أي لم يحصل منها و يؤيده أنه روى الشيخ مثل هذه الرواية عن السكوني عنه ع و زاد في آخره إنما يخرج من الشجرة. و أما النورة و الجص قبل الإحراق فيجوز التيمم بهما من يجوز التيمم بالحجر و منع منه ابن إدريس لكونهما معدنا و هو ضعيف و شرط الشيخ في النهاية في جواز التيمم بهما فقد التراب و أما النورة و الجص بعد الإحراق فالمشهور المنع من التيمم بهما لعدم صدق اسم الأرض عليهما و المنقول عن المرتضى و سلار الجواز و هو الظاهر من الرواية بل الظاهر منها جواز التيمم بكل ما يحصل من الأرض كالخزف و اختلفوا فيه و لعل الجواز أقوى و الترك اختيارا أولى و كذا الرماد الحاصل من التراب و إن كان الحكم فيه أخفى و الأكثر فيه على عدم الجواز مع الخروج عن اسم الأرض

    -29  دعائم الإسلام، عن الصادق ع عن آبائه عن علي ع أنه   قال لا ينبغي أن يتيمم من لم يجد الماء إلا في آخر الوقت

 و عنه ع قال من تيمم صلى بتيممه ذلك ما شاء من الصلوات ما لم يحدث أو يجد الماء فإنه إذا مر بالماء أو وجده انتقض تيممه فإن عدمه بعد ذلك تيمم و إن هو تيمم في أول الوقت و صلى ثم وجد الماء و في الوقت بقية يمكنه معها أن يتوضأ و يصلي توضأ و صلى و لم يجزه صلاته بالتيمم إذا هو وجد الماء و هو في وقت من الصلاة قال و كذلك إن تيمم و لم يصل فوجد الماء و هو في وقت من الصلاة انتقض تيممه و عليه أن يتوضأ و يصلي و إن دخل في الصلاة بتيمم ثم وجد الماء فلينصرف فيتوضأ و يصلي إن لم يكن ركع فإن ركع مضى في صلاته فإن انصرف منها و هو في وقت توضأ و أعادها فإن مضى الوقت أجزأه و قال ع إن عمار بن ياسر أصابته جنابة فتجرد من ثيابه و أتى صعيدا فتمعك عليه فبلغ ذلك رسول الله ص فقال له يا عمار تمعكت تمعك الحمار قد كان يجزيك من ذلك أن تمسح بيديك وجهك و كفيك كما قال الله عز و جل

 و عن علي ع أنه قال من أصابته جنابة و الأرض مبتلة فلينفض لبده و ليتيمم بغباره و كذلك قال أبو جعفر و أبو عبد الله ع لينفض ثوبه أو لبده أو إكافه إذا لم يجد ترابا طيبا

 و قالوا صلوات الله عليهم المتيمم تجزيه ضربة واحدة يضرب بيديه على الأرض فيمسح بهما وجهه و يديه و قالوا لا يجزي التيمم بالجص و لا بالرماد و لا بالنورة و يجزي بالصفا الثابت في الأرض إذا كان عليه غبار و لم يكن مبلولا و لا يتيمم في الحضر إلا من عذر أو يكون في زحام و لا يخلص منه و حضرت الصلاة فإنه يتيمم و يصلي و يعيد تلك الصلاة

    و قالوا في الجنب يمر بالبئر و لا يجد ما يستقي به يتيمم و من كانت به قروح أو علة يخاف منها على نفسه يتيمم و كذلك إن خاف أن يقتله البرد إن اغتسل يتيمم و إن لم يخف اغتسل فإن مات فهو شهيد و من لم يكن معه من الماء إلا شي‏ء يسير يخاف إن هو توضأ به أو تطهر أن يموت عطشا قالوا ع يتيمم و يبقي الماء لنفسه و لا يعين على هلاكها قال الله عز و جل وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً

 و قالوا صلوات الله عليهم في المسافر إذا لم يجد الماء إلا بموضع يخاف فيه على نفسه إن مضى في طلبه من لصوص أو سباع أو يخاف منه التلف و الهلاك يتيمم و يصلي

 و قالوا في المسافر يجد الماء بثمن غال أن يشتريه إذا كان واجدا لثمنه فقد وجده إلا أن يكون في دفعه الثمن ما يخاف منه على نفسه التلف إن عدمه و العطب فلا يشتريه و يتيمم بالصعيد و يصلي

 و عن علي ع قال لا بأس أن يجامع الرجل امرأته في السفر و ليس معه ماء و يتيمم و يصلي و سئل رسول الله ص عن مثل هذا فقال نعم ائت أهلك و تيمم و تؤجر قال يا رسول الله و أوجر قال نعم إذا أتيت الحلال أجرت كما أنك إذا أتيت الحرام أثمت

 بيان إكاف الحمار ككتاب و غراب برذعته و هي ما يلقى تحت الرحل

30-  أربعين الشهيد، عن محمد بن القاسم بن معية الحسني الديباجي عن السيد علي بن عبد الحميد بن فخار الموسوي عن أبيه عن جده عن السيد عبد الحميد بن التقي الحسني عن السيد فضل الله بن علي الراوندي عن السيد ذي الفقار بن معد الحسني عن الشيخ الصدوق أحمد بن علي النجاشي عن أحمد بن عبدون عن أحمد بن جعفر بن سفيان البزوفري عن أحمد بن إدريس عن   محمد بن علي بن محبوب عن العباس بن معروف عن إسماعيل بن همام عن محمد بن سعيد بن غزوان عن إسماعيل بن أبي زياد السكوني عن الصادق عن أبيه عن آبائه صلوات الله عليهم عن أبي ذر الغفاري أنه أتى النبي ص فقال يا رسول الله هلكت جامعت على غير ماء قال فأمر النبي ص بمحمل فاستترت به و بماء فاغتسلت أنا و هي ثم قال ص يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين

 و منه بإسناده عن شيخ الطائفة عن المفيد عن الصدوق محمد بن بابويه عن والده عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن داود بن النعمان عن أبي عبد الله ع قال إن عمارا أصابته جنابة فتمعك في التراب كما تتمعك الدابة فقال له رسول الله ص و هو يهزأ به يا عمار تمعكت كما تتمعك الدابة فقلنا له فكيف التيمم فوضع يديه على الأرض ثم رفعهما فمسح وجهه و يديه فوق الكف قليلا

 بيان الظاهر أن قائل فقلنا داود و المقول له الصادق ع و يحتمل أن يكون القائل الصحابة الذين كانوا حاضرين و المقول له هو الرسول ص و الإمام حكى كلامهم بلفظه و يؤيده بعض الروايات و إن كان بعيدا هنا. و ظاهره الاكتفاء بالوضع بدون اعتماد و مسح جميع الوجه و قد مر الكلام فيهما و قوله فوق الكف قليلا يحتمل وجهين الأول مسح قليل من ظهر الكف فيدل على عدم وجوب الاستيعاب كما ذهب إليه الصدوق و الثاني أنه ابتدأ في المسح بما فوق الكف من باب المقدمة