باب 15- مواعظ أمير المؤمنين ع و خطبه أيضا و حكمه

1-  مع، ]معاني الأخبار[ لي، ]الأمالي للصدوق[ الطالقاني عن أحمد بن محمد الهمداني عن الحسن بن القاسم قراءة عن علي بن إبراهيم بن المعلى عن أبي عبد الله محمد بن خالد عن عبد الله بن بكر المرادي عن موسى بن جعفر عن أبيه عن جده عن علي بن الحسين عن أبيه ع قال بينا أمير المؤمنين ع ذات يوم جالس مع أصحابه يعبيهم للحرب إذ أتاه شيخ عليه شخبة السفر فقال أين أمير المؤمنين فقيل هو ذا فسلم عليه ثم قال يا أمير المؤمنين إني أتيتك من ناحية الشام و أنا شيخ كبير قد سمعت فيك من الفضل ما لا أحصي و إني أظنك ستغتال فعلمني مما علمك الله قال نعم يا شيخ من اعتدل يوماه فهو مغبون و من كانت الدنيا همته اشتدت حسرته   عند فراغها و من كانت غده شر يوميه فمحروم و من لم يبال ما رزأ من آخرته إذا سلمت له دنياه فهو هالك و من لم يتعاهد النقص من نفسه غلب عليه الهوى و من كان في نقص فالموت خير له يا شيخ إن الدنيا خضرة حلوة و لها أهل و إن الآخرة لها أهل ظلفت أنفسهم عن مفاخره أهل الدنيا لا يتنافسون في الدنيا و لا يفرحون بغضارتها و لا يحزنون لبؤسها يا شيخ من خاف البيات قل نومه ما أسرع الليالي و الأيام في عمر العبد فاخزن لسانك و عد كلامك يقل كلامك إلا بخير يا شيخ ارض للناس ما ترضى لنفسك و أت إلى الناس ما تحب أن يؤتى إليك ثم أقبل على أصحابه فقال أيها الناس أ ما ترون إلى أهل الدنيا يمسون و يصبحون على أحوال شتى فبين صريع يتلوى و بين عائد و معود و آخر بنفسه يجود و آخر لا يرجى و آخر مسجى و طالب الدنيا و الموت يطلبه و غافل و ليس بمغفول عنه و على أثر الماضي يصير الباقي فقال له زيد بن صوحان العبدي يا أمير المؤمنين أي سلطان أغلب و أقوى قال الهوى قال فأي ذل أذل قال الحرص على الدنيا قال فأي فقر أشد قال الكفر بعد الإيمان قال فأي دعوة أضل قال الداعي بما لا يكون قال فأي عمل أفضل قال التقوى قال فأي عمل أنجح قال طلب ما عند الله قال فأي صاحب شر قال المزين لك معصية الله قال   فأي الخلق أشقى قال من باع دينه بدنيا غيره قال فأي الخلق أقوى قال الحليم قال فأي الخلق أشح قال من أخذ المال من غير حله فجعله في غير حقه قال فأي الناس أكيس قال من أبصر رشده من غيه فمال إلى رشده قال فمن أحلم الناس قال الذي لا يغضب قال فأي الناس أثبت رأيا قال من لم يغره الناس من نفسه و لم تغره الدنيا بتشوفها قال فأي الناس أحمق قال المغتر بالدنيا و هو يرى ما فيها من تقلب أحوالها قال فأي الناس أشد حسرة قال الذي حرم الدنيا و الآخرة ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ قال فأي الخلق أعمى قال الذي عمل لغير الله يطلب بعمله الثواب من عند الله عز و جل قال فأي القنوع أفضل قال القانع بما أعطاه الله قال فأي المصائب أشد قال المصيبة بالدين قال فأي الأعمال أحب إلى الله عز و جل قال انتظار الفرج قال فأي الناس خير عند الله عز و جل قال أخوفهم لله و أعملهم بالتقوى و أزهدهم في الدنيا قال فأي الكلام أفضل عند الله عز و جل قال كثرة ذكره و التضرع إليه و دعاؤه قال فأي القول أصدق قال شهادة أن لا إله إلا الله قال فأي الأعمال أعظم عند الله عز و جل قال التسليم و الورع قال فأي الناس أكرم قال من صدق في المواطن ثم أقبل ع على الشيخ فقال يا شيخ إن الله عز و جل خلق خلقا ضيق الدنيا عليهم نظرا لهم فزهدهم فيها و في حطامها فرغبوا في دار السلام الذي دعاهم إليه و صبروا على ضيق المعيشة و صبروا على المكروه و اشتاقوا على ما عند الله من الكرامة و بذلوا أنفسهم ابتغاء رضوان الله و كانت خاتمة أعمالهم الشهادة فلقوا الله و هو عنهم راض و علموا أن الموت سبيل من مضى و من بقي فتزودوا لآخرتهم غير الذهب و الفضة و لبسوا الخشن و صبروا على القوت و قدموا الفضل و

   أحبوا في الله و أبغضوا في الله عز و جل أولئك المصابيح و أهل النعيم في الآخرة و السلام فقال الشيخ فأين أذهب و أدع الجنة و أنا أراها و أرى أهلها معك يا أمير المؤمنين جهزني بقوة أتقوى بها على عدوك فأعطاه أمير المؤمنين ع سلاحا و حمله فكان في الحرب بين يدي أمير المؤمنين ع يضرب قدما قدما و أمير المؤمنين ع يعجب مما يصنع فلما اشتدت الحرب أقدم فرسه حتى قتل رحم الله و اتبعه رجل من أصحاب أمير المؤمنين ع فوجده صريعا و وجد دابته و وجد سيفه في ذراعه فلما انقضت الحرب أتى أمير المؤمنين ع بدابته و سلاحه و صلى أمير المؤمنين ع عليه و قال هذا و الله السعيد حقا فترحموا على أخيكم

 ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ عن الحسين بن عبيد الله الغضائري عن الصدوق بإسناده مثله كتاب الغايات، للشيخ جعفر بن أحمد القمي مرسلا مثله

2-  لي، ]الأمالي للصدوق[ عن جعفر بن علي بن الحسن بن علي بن عبد الله بن المغيرة عن جده الحسن عن جده عبد الله عن إسماعيل بن مسلم عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه ع قال قال أمير المؤمنين ع كانت الفقهاء و الحكماء إذا كاتب بعضهم بعضا كتبوا بثلاث ليس معهن رابعة من كانت الآخرة همه كفاه الله همه من الدنيا و من أصلح سريرته أصلح الله علانيته و من أصلح فيما بينه و بين الله عز و جل أصلح الله له فيما بينه و بين الناس

3-  لي، ]الأمالي للصدوق[ عن أبيه عن علي عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن الصادق عن أبيه عن آبائه ع قال قال علي ع ما من يوم يمر على   ابن آدم إلا قال له ذلك اليوم يا ابن آدم أنا يوم جديد و أنا عليك شهيد فقل في خيرا و أعمل في خيرا أشهد لك به يوم القيامة فإنك لن تراني بعده أبدا

4-  لي، ]الأمالي للصدوق[ عن محمد بن علي عن عمه محمد بن أبي القاسم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه ع أن أمير المؤمنين ع خطب بالبصرة فقال بعد ما حمد الله عز و جل و أثنى عليه و صلى على النبي و آله المدة و إن طالت قصيرة و الماضي للمقيم عبرة و الميت للحي عظة و ليس لأمس مضى عودة و لا المرء من غد على ثقة إن الأول للأوسط رائد و الأوسط للآخر قائد و كل لكل مفارق و كل بكل لاحق و الموت لكل غالب و اليوم الهائل لكل آزف و هو اليوم الذي لا يَنْفَعُ فيه مالٌ وَ لا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ثم قال ع معاشر شيعتي اصبروا على عمل لا غنى بكم عن ثوابه و اصبروا عن عمل لا صبر لكم على عقابه إنا وجدنا الصبر على طاعة الله أهون من الصبر على عذاب الله عز و جل اعلموا أنكم في أجل محدود و أمل ممدود و نفس معدود و لا بد للأجل أن يتناهى و للآمل أن يطوى و للنفس أن يحصى ثم دمعت عيناه و قرأ وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ

5-  يد، ]التوحيد[ لي، ]الأمالي للصدوق[ عن ابن عصام عن الكليني عن محمد بن علي بن معن عن محمد بن علي بن عاتكة عن الحسين بن النضر الفهري عن عمرو الأوزاعي عن عمرو بن شمر عن جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عن أبيه عن جده ع قال قال أمير المؤمنين ع في خطبة خطبها بعد موت النبي ص بتسعة أيام و ذلك حين فرغ من جمع القرآن فقال   الحمد لله الذي أعجز الأوهام أن تنال إلا وجوده و حجب العقول أن تتخيل ذاته في امتناعها من الشبه و الشكل بل هو الذي لم يتفاوت في ذاته و لم يتبعض بتجزئة العدد في كماله فارق الأشياء لا على اختلاف الأماكن و تمكن منها لا على الممازجة و علمها لا بأداة لا يكون العلم إلا بها و ليس بينه و بين معروفه علم غيره إن قيل كان فعلى تأويل أزلية الوجود و إن قيل لم يزل فعلى تأويل نقي العدم فسبحانه و تعالى عن قول من عبد سواه و اتخذ إلها غيره علوا كبيرا نحمده بالحمد الذي ارتضاه لخلقه و أوجب قبوله على نفسه و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله شهادتان ترفعان القول و تضاعفان العمل خف ميزان ترفعان منه و ثقل ميزان توضعان فيه و بهما الفوز بالجنة و النجاة من النار و الجواز على الصراط و بالشهادتين تدخلون الجنة و بالصلاة تنالون الرحمة فأكثروا من الصلاة على نبيكم و آله إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً أيها الناس إنه لا شرف أعلى من الإسلام و لا كرم أعز من التقوى و لا معقل أحرز من الورع و لا شفيع أنجح من التوبة و لا كنز أنفع من العلم و لا عز أرفع من الحلم و لا حسب أبلغ من الأدب و لا نصب أوضع من الغضب و لا جمال أزين من العقل و لا سوأة أسوأ من الكذب و لا حافظ أحفظ من الصمت و لا لباس أجمل من العافية و لا غائب أقرب من الموت أيها الناس إنه من مشى على وجه الأرض فإنه يصير إلى بطنها و الليل و النهار مسرعان في هدم الأعمار و لكل ذي رمق قوت و لكل حبة آكل و أنت قوت الموت و إن من عرف الأيام لم يغفل عن الاستعداد لن ينجو من الموت غني بماله و لا فقير لإقلاله أيها الناس من خاف ربه كف ظلمه و من لم يرع في كلامه أظهر هجره و من لم يعرف الخير من الشر فهو بمنزلة البهم ما أصغر المصيبة مع عظم الفاقة غدا هيهات هيهات و ما تناكرتم إلا لما فيكم من المعاصي   و الذنوب فما أقرب الراحة من التعب و البؤس من النعيم و ما شر بشر بعده الجنة و ما خير بخير بعده النار و كل نعيم دون الجنة محقور و كل بلاء دون النار عافية

6-  لي، ]الأمالي للصدوق[ عن محمد بن القاسم الأسترآبادي عن أحمد بن الحسن الحسيني عن الحسن بن علي العسكري عن آبائه ع قال قال أمير المؤمنين ع كم من غافل ينسج ثوبا ليلبسه و إنما هو كفنه و يبني بيتا ليسكنه و إنما هو موضع قبره

7-  لي، ]الأمالي للصدوق[ قيل لأمير المؤمنين ع ما الاستعداد للموت قال أداء الفرائض و اجتناب المحارم و الاشتمال على المكارم ثم لا يبالي أ وقع على الموت أم وقع الموت عليه و الله ما يبالي ابن أبي طالب أ وقع على الموت أم وقع الموت عليه

8-  لي، ]الأمالي للصدوق[ قال أمير المؤمنين ع في بعض خطبه أيها الناس إن الدنيا دار فناء و الآخرة دار بقاء فخذوا من ممركم لمقركم و لا تهتكوا أستاركم عند من لا يخفى عليه أسراركم و أخرجوا من الدنيا قلوبكم من قبل أن تخرج منها أبدانكم ففي الدنيا حييتم و للآخرة خلقتم إنما الدنيا كالسم يأكله من لا يعرفه إن العبد إذا مات قالت الملائكة ما قدم و قال الناس ما أخر فقدموا فضلا يكن لكم و لا تؤخروا كلا يكن عليكم فإن المحروم من حرم خير ماله و المغبوط من ثقل بالصدقات و الخيرات موازينه و أحسن في الجنة بها مهاده و طيب على الصراط بها مسلكه

9-  لي، ]الأمالي للصدوق[ عن ابن إدريس عن أبيه عن ابن أبي الخطاب عن المغيرة   بن محمد عن بكر بن خنيس عن أبي عبد الله الشامي عن نوف البكالي قال أتيت أمير المؤمنين ع و هو في رحبة مسجد الكوفة فقلت السلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة الله و بركاته فقال و عليك السلام يا نوف و رحمة الله و بركاته فقلت له يا أمير المؤمنين عظني فقال يا نوف أحسن يحسن إليك فقلت زدني يا أمير المؤمنين فقال يا نوف ارحم ترحم فقلت زدني يا أمير المؤمنين قال يا نوف قل خيرا تذكر بخير فقلت زدني يا أمير المؤمنين قال اجتنب الغيبة فإنها إدام كلاب النار ثم قال قال ع يا نوف كذب من زعم أنه ولد من حلال و هو يأكل لحوم الناس بالغيبة و كذب من زعم أنه ولد من حلال و هو يبغضني و يبغض الأئمة من ولدي و كذب من زعم أنه ولد من حلال و هو يحب الزناء و كذب من زعم أنه يعرف الله عز و جل و هو مجتر على معاصي الله كل يوم و ليلة يا نوف اقبل وصيتي لا تكونن نقيبا و لا عريفا و لا عشارا و لا بريدا يا نوف صل رحمك يزيد الله في عمرك و حسن خلقك يخفف الله في حسابك يا نوف إن سرك أن تكون معي يوم القيامة فلا تكن للظالمين معينا يا نوف من أحبنا كان معنا يوم القيامة و لو أن رجلا أحب حجرا لحشره الله معه يا نوف إياك أن تتزين للناس و تبارز الله بالمعاصي فيفضحك الله يوم تلقاه يا نوف احفظ عني ما أقول لك تنل به خير الدنيا و الآخرة

10-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ لي، ]الأمالي للصدوق[ عن علي بن أحمد بن موسى عن محمد بن هارون الصوفي عن عبيد الله موسى الروياني عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال قلت لأبي جعفر محمد بن علي الرضا ع يا ابن رسول الله حدثني بحديث عن آبائك ع فقال حدثني أبي عن جدي عن آبائه ع قال قال أمير المؤمنين ع لا يزال الناس بخير ما تفاوتوا فإذا استووا هلكوا قال قلت له زدني يا ابن رسول الله فقال حدثني أبي عن جدي عن آبائه ع قال قال أمير المؤمنين ع لو تكاشفتم ما تدافنتم   قال فقلت له زدني يا ابن رسول الله فقال حدثني أبي عن جدي عن آبائه ع قال قال أمير المؤمنين ع إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بطلاقة الوجه و حسن اللقاء فإني سمعت رسول الله ص يقول إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم قال فقلت له زدني يا ابن رسول الله فقال حدثني أبي عن جدي عن آبائه ع قال قال أمير المؤمنين ع من عتب على الزمان طالت معتبته قال فقلت له زدني يا ابن رسول الله فقال حدثني أبي عن جدي عن آبائه ع قال قال أمير المؤمنين ع مجالسة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار قال فقلت له زدني يا ابن رسول الله قال حدثني أبي عن جدي عن آبائه ع قال قال أمير المؤمنين ع بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد قال فقلت له زدني يا ابن رسول الله فقال حدثني أبي عن جدي عن آبائه ع قال قال أمير المؤمنين ع قيمة كل امرئ ما يحسنه قال فقلت له زدني يا ابن رسول الله قال حدثني أبي عن جدي عن آبائه ع قال قال أمير المؤمنين ع المرء مخبو تحت لسانه قال فقلت له زدني يا ابن رسول الله فقال حدثني أبي عن جدي عن آبائه ع قال قال أمير المؤمنين ع ما هلك امرؤ عرف قدره قال فقلت له زدني يا ابن رسول الله فقال حدثني أبي عن جدي عن آبائه ع قال قال أمير المؤمنين ع التدبير قبل العمل يؤمنك من الندم قال قلت له زدني يا ابن رسول الله فقال حدثني أبي عن جدي عن آبائه ع قال قال أمير المؤمنين ع من وثق بالزمان صرع قال فقلت له زدني يا ابن رسول الله فقال حدثني أبي عن جدي عن آبائه ع قال قال أمير المؤمنين ع خاطر بنفسه من استغنى برأيه   قال فقلت له زدني يا ابن رسول الله فقال حدثني أبي عن جدي عن آبائه ع قال قال أمير المؤمنين ع قلة العيال أحد اليسارين قال فقلت له زدني يا ابن رسول الله فقال حدثني أبي عن جدي عن آبائه ع قال قال أمير المؤمنين ع من دخله العجب هلك قال فقلت له زدني يا ابن رسول الله فقال حدثني أبي عن جدي عن آبائه ع قال قال أمير المؤمنين ع من أيقن بالخلف جاد بالعطية قال فقلت له زدني يا ابن رسول الله فقال حدثني أبي عن جدي عن آبائه ع قال قال أمير المؤمنين ع من رضي بالعافية ممن دونه رزق السلامة ممن فوقه قال فقلت له حسبي

11-  جا، ]المجالس للمفيد[ ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ عن المفيد عن علي بن محمد بن حبيش الكاتب عن الحسن بن علي الزعفراني عن إبراهيم بن محمد الثقفي عن عبد الله بن محمد بن عثمان عن علي بن محمد بن أبي سعيد عن فضيل بن الجعد عن أبي إسحاق الهمداني قال لما ولى أمير المؤمنين ع محمد بن أبي بكر مصر و أعمالها كتب له كتابا و أمره أن يقرأه على أهل مصر و ليعمل بما وصاه به فيه فكان الكتاب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من عبد الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى أهل مصر و محمد بن أبي بكر سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله فيما أنتم عنه مسئولون و إليه تصيرون فإن الله تعالى يقول كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ و يقول وَ يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَ إِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ و يقول فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ و اعملوا عباد الله إن الله عز و جل سائلكم عن الصغير من عملكم   و الكبير فإن يعذب فنحن أظلم و إن يعف فهو أرحم الراحمين يا عباد الله إن أقرب ما يكون العبد إلى المغفرة و الرحمة حين يعمل الله بطاعته و ينصحه في التوبة عليكم بتقوى الله فإنها تجمع الخير و لا خير غيرها و يدرك بها من الخير ما لا يدرك بغيرها من خير الدنيا و خير الآخرة قال الله عز و جل وَ قِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَ لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ اعلموا يا عباد الله إن المؤمن من يعمل الثلاث من الثواب أما الخير فإن الله يثيبه بعمله في دنياه قال الله سبحانه لإبراهيم وَ آتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ فمن عمل لله تعالى أعطاه الله أجره في الدنيا و الآخرة و كفاه المهم فيهما و قد قال الله تعالى يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ فما أعطاهم الله في الدنيا لم يحاسبهم به في الآخرة قال الله تعالى لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَ زِيادَةٌ و الحسنى هي الجنة و الزيادة هي الدنيا و إن الله تعالى يكفر بكل حسنة سيئة قال الله عز و جل إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ حتى إذا كان يوم القيامة حسبت لهم حسناتهم ثم أعطاهم بكل واحدة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله عز و جل جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً و قال فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَ هُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ فارغبوا في هذا رحمكم الله و اعملوا له و

   تحاضوا عليه و اعلموا يا عباد الله إن المتقين حازوا عاجل الخير و آجله شاركوا أهل الدنيا في دنياكم و لم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم أباحهم الله ما كفاهم و أغناهم قال الله عز اسمه قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت و أكلوها بأفضل ما أكلت شاركوا أهل الدنيا في دنياهم و أكلوا معهم من طيبات ما يأكلون و شربوا من طيبات ما يشربون و لبسوا من أفضل ما يلبسون و سكنوا من أفضل ما يسكنون و تزوجوا من أفضل ما يتزوجون و ركبوا من أفضل ما يركبون أصابوا لذة الدنيا مع أهل الدنيا و هم غدا جيران الله تعالى يتمنون عليه فيعطيهم ما يتمنون لا يرد لهم دعوة و لا ينقص لهم نصيب من اللذة فإلى هذا يا عباد الله يشتاق إليه من كان له عقل و يعمل له بتقوى الله و لا حول و لا قوة إلا بالله يا عباد الله إن اتقيتم الله و حفظتم نبيكم في أهل بيته فقد عبدتموه بأفضل ما عبد و ذكرتموه بأفضل ما ذكر و شكرتموه بأفضل ما شكر و أخذتم بأفضل الصبر و الشكر و اجتهدتم بأفضل الاجتهاد و إن كان غيركم أطول منكم صلاة و أكثر منكم صياما فأنتم أتقى لله و أنصح منهم لأولي الأمر احذروا يا عباد الله الموت و سكرته فأعدوا له عدته فإنه يفجؤكم بأمر عظيم بخير لا يكون معه شر أبدا أو بشر لا يكون معه خير أبدا فمن أقرب إلى الجنة من عاملها و من أقرب إلى النار من عاملها أنه ليس أحد من الناس تفارق روحه جسده حتى يعلم إلى أي المنزلتين يصير إلى الجنة أم النار أ عدو هو لله أم ولي فإن كان وليا لله فتحت له أبواب الجنة و شرعت له طرقها و رأى ما أعد الله له فيها ففرغ من كل شغل و وضع عنه كل ثقل و إن كان عدوا لله فتحت له أبواب النار و شرع له طرقها و نظر إلى ما أعد الله له فيها فاستقبل كل مكروه و ترك كل سرور كل هذا يكون عند الموت و عنده يكون بيقين

   قال الله تعالى الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ و يقول الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ يا عباد الله إن الموت ليس منه فوت فاحذروه قبل وقوعه و أعدوا له عدته فإنكم طرد الموت إن أقمتم له أخذكم و إن فررتم منه أدرككم و هو ألزم لكم من ظلكم الموت معقود بنواصيكم و الدنيا تطوي بخلفكم فأكثروا ذكر الموت عند ما تنازعكم إليه أنفسكم من الشهوات و كفى بالموت واعظا و كان رسول الله ص كثيرا ما يوصي أصحابه بذكر الموت فقال أكثروا ذكر الموت فإنه هاذم اللذات حائل بينكم و بين الشهوات يا عباد الله ما بعد الموت لمن لا يغفر له أشد من الموت القبر فاحذروا ضيقه و ضنكه و ظلمته و غربته إن القبر يقول كل يوم أنا بيت الغربة أنا بيت التراب أنا بيت الوحشة أنا بيت الدود و الهوام و القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران إن العبد المؤمن إذا دفن قالت له الأرض مرحبا و أهلا قد كنت ممن أحب أن تمشي على ظهري فإذا وليتك فستعلم كيف صنيعي بك فيتسع له مد البصر و إن الكافر إذا دفن قالت له الأرض لا مرحبا بك و لا أهلا لقد كنت من أبغض من يمشي على ظهري فإذا وليتك فستعلم كيف صنيعي بك فتضمه حتى تلتقي أضلاعه و إن المعيشة الضنك التي حذر الله منها عدوه عذاب القبر أنه يسلط على الكافر في قبره تسعة و تسعين تنينا فينهشن لحمه و يكسرن عظمه يترددن عليه كذلك إلى يوم يبعث لو أن تنينا منها تنفخ في الأرض لم تنبت زرعا أبدا اعلموا يا عباد الله إن أنفسكم الضعيفة و أجسادكم الناعمة الرقيقة التي   يكفيها اليسير تضعف عن هذا فإن استطعتم أن تجزعوا لأجسادكم و أنفسكم مما لا طاقة لكم به و لا صبر لكم عليه فاعملوا بما أحب الله و اتركوا ما كره الله يا عباد الله إن بعد البعث ما هو أشد من القبر يوم يشيب فيه الصغير و يسكر منه الكبير و يسقط فيه الجنين و تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ يوم عبوس قمطرير يوم كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً إن فزع ذلك اليوم ليرهب الملائكة الذين لا ذنب لهم و ترعد منه السبع الشداد و الجبال الأوتاد و الأرض المهاد و تنشق السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ و تتغير فكأنها وردة كالدهان و تكون الجبال سرابا مهيلا بعد ما كانت صما صلابا و ينفخ في الصور فيفزع مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ فكيف من عصى بالسمع و البصر و اللسان و اليد و الرجل و الفرج و البطن إن لم يغفر الله له و يرحمه من ذلك اليوم لأنه يفضي و يصير إلى غيره إلى نار قعرها بعيد و حرها شديد و شرابها صديد و عذابها جديد و مقامعها حديد لا يفتر عذابها و لا يموت ساكنها دار ليس فيها رحمة و لا تسمع لأهلها دعوة و اعلموا يا عباد الله أن مع هذا رحمة الله التي لا تعجز العباد جنة عرضها كعرض السماوات و الأرض أعدت للمتقين لا يكون معها شر أبدا لذاتها لا تمل و مجتمعها لا يتفرق و سكانها قد جاوروا الرحمن و قام بين أيديهم الغلمان بصحاف من الذهب فيها الفاكهة و الريحان ثم اعلم يا محمد بن أبي بكر إني قد وليتك أعظم أجنادي في نفسي أهل مصر فإذا وليتك ما وليتك من أمر الناس فأنت حقيق أن تخاف منه على نفسك و أن تحذر منه على دينك فإن استطعت أن لا تسخط ربك برضا أحد من خلقه فافعل فإن لله عز و جل خلفا من غيره و ليس في شي‏ء سواه خلف منه اشتد على الظالم و خذ عليه و لن لأهل الخير و قربهم و اجعلهم بطانتك و أقرانك و انظر إلى صلاتك كيف هي فإنك إمام لقومك أن تتمها و لا تخففها و ليس من إمام يصلي بقوم يكون في صلاتهم نقصان إلا كان عليه لا ينقص من صلاتهم شي‏ء و تممها و تحفظ فيها يكن لك

   مثل أجورهم و لا ينقص ذلك من أجرهم شي‏ء و انظر إلى الوضوء فإنه من تمام الصلاة تمضمض ثلاث مرات و استنشق ثلاثا و اغسل وجهك ثم يدك اليمنى ثم اليسرى ثم امسح رأسك و رجليك فإني رأيت رسول الله ص يصنع ذلك و اعلم أن الوضوء نصف الإيمان ثم ارتقب وقت الصلاة فصلها لوقتها و لا تعجل بها قبله لفراغ و لا تؤخرها عنه لشغل فإن رجلا سأل رسول الله ص عن أوقات الصلاة فقال رسول الله ص أتاني جبرئيل ع وقت الصلاة حين زالت الشمس فكانت على حاجبه الأيمن ثم أتاني وقت العصر فكان ظل كل شي‏ء مثله ثم صلى المغرب حين غربت الشمس ثم صلى العشاء الآخرة حين غاب الشفق ثم صلى الصبح فأغلس بها و النجوم مشبكة فصل لهذه الأوقات و الزم السنة المعروفة و الطريق الواضح ثم انظر ركوعك و سجودك فإن رسول الله ص كان أتم الناس صلاة و أخفهم عملا فيها و اعلم أن كل شي‏ء من عملك تبع لصلاتك فمن ضيع الصلاة فإنه لغيرها أضيع أسأل الله الذي يرى و لا يرى و هو بالمنظر الأعلى أن يجعلنا و إياك ممن يحب و يرضى حتى يعيننا و إياك على شكره و ذكره و حسن عبادته و أداء حقه و على كل شي‏ء اختار لنا في ديننا و دنيانا و آخرتنا و أنتم يا أهل مصر فليصدق قولكم فعلكم و سركم علانيتكم و لا تخالف ألسنتكم قلوبكم و اعلموا أنه لا يستوي إمام الهدى و إمام الردى و وصي النبي ص و عدوه إني لا أخاف عليكم مؤمنا و لا مشركا أما المؤمن فيمنعه الله بإيمانه و أما المشرك فيحجزه الله عنكم بشركه و لكني أخاف عليكم المنافق يقول ما تعرفون و يعمل ما تنكرون يا محمد بن أبي بكر اعلم أن أفضل العفة الورع في دين الله و العمل بطاعته و إني أوصيك بتقوى الله في أمر سرك و علانيتك و على أي حال كنت عليه الدنيا دار بلاء و دار فناء و الآخرة دار الجزاء و دار البقاء و اعمل لما يبقى و اعدل عما يفنى و لا تنس نصيبك من الدنيا أوصيك بسبع هن جوامع الإسلام تخشى الله عز و جل و لا تخشى الناس في الله   و خير القول ما صدقه العمل و لا تقض في أمر واحد بقضاءين مختلفين فيختلف أمرك و تزيغ عن الحق و أحب لعامة رعيتك ما تحب لنفسك و أهل بيتك و اكره لهم ما تكره لنفسك و لأهل بيتك فإن ذلك أوجب للحجة و أصلح للرعية و خض الغمرات إلى الحق و لا تخف في الله لومة لائم و انصح المرء إذا استشارك و اجعل نفسك أسوة لقريب المسلمين و بعيدهم جعل الله مودتنا في الدين و حلانا و إياكم حلية المتقين أبقى لكم طاعتكم حتى يجعلنا و إياكم بها إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ أحسنوا أهل مصر موازرة محمد أميركم و أثبتوا على طاعته تردوا حوض نبيكم ص أعاننا الله و إياكم على ما يرضيه و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

 بشا، ]بشارة المصطفى[ أخبرنا الشيخ الإمام أبو محمد الحسن بن الحسين بن بابويه قراءة عليه بالري سنة عشرة و خمسمائة عن شيخ الطائفة مثله إلى قوله فأنتم أتقى لله عز و جل منه و أنصح لولي الأمر ثم قال و الخبر بكماله أوردته في كتاب الزهد و التقوى

12-  لي، ]الأمالي للصدوق[ عن أبيه عن سعد عن ابن هاشم عن ابن أبي نجران عن ابن حميد عن محمد بن قيس عن أبي جعفر ع قال كان أمير المؤمنين ع بالكوفة إذا صلى العشاء الآخرة ينادي الناس ثلاث مرات حتى يسمع أهل المسجد أيها الناس تجهزوا رحمكم الله فقد نودي فيكم بالرحيل فما التعرج على الدنيا بعد نداء فيها بالرحيل تجهزوا رحمكم الله و انتقلوا بأفضل ما بحضرتكم من الزاد و هو التقوى و اعلموا أن طريقكم إلى المعاد و ممركم على الصراط و الهول الأعظم أمامكم على طريقكم عقبة كئودة و منازل مهولة مخوفة لا بد لكم من الممر عليها و الوقوف بها فأما برحمة من الله فنجاة من هولها و عظم خطرها و فظاعة منظرها و شدة مختبرها و إما بهلكة ليس بعدها انجبار

    جا، ]المجالس للمفيد[ عن أحمد بن الوليد عن أبيه عن الصفار عن ابن معروف عن ابن مهزيار عن ابن محبوب عن عمرو بن أبي المقدام عن جابر عن أبي جعفر ع مثله

13-  لي، ]الأمالي للصدوق[ عن الدقاق عن محمد بن الحسن الطاري عن محمد بن الحسين الخشاب عن محمد بن محسن عن المفضل بن عمر عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن أبيه ع قال قال أمير المؤمنين ع و الله ما دنياكم عندي إلا كسفر على منهل حلوا إذ صاح بهم سائقهم فارتحلوا و لا لذاذتها في عيني إلا كحميم أشربه غساقا و علقم أتجرع به زعاقا و سم أفعاة أسقاه دهاقا و قلادة من نار أوهقها حناقا و لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها و قال لي اقذف بها قذف الأتن لا يرتضيها ليرقعها فقلت له اعزب عني

فعند الصباح يحمد القوم السرى و تنجلي عني علالات الكرى

و لو شئت لتسربلت بالعبقري المنقوش من ديباجكم و لأكلت لباب هذا البر بصدور دجاجكم و لشربت الماء الزلال برقيق زجاجكم و لكني أصدق الله جلت عظمته حيث يقول مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَ هُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ فكيف أستطيع   الصبر على نار لو قذفت بشررة إلى الأرض لأحرقت نبتها و لو اعتصمت نفس بقلة لأنضجها وهج النار في قلتها و أيما خير لعلي أن يكون عند ذي العرش مقربا أو يكون في لظى خسيئا مبعدا مسخوطا عليه بجرمه مكذبا و الله لأن أبيت على حسك السعدان مرقدا و تحتي أطمار علي سفاها ممددا أو أجر في أغلالي مصفدا أحب إلي من أن ألقى في القيامة محمدا خائنا في ذي يتمه أظلمه بفلسه متعمدا و لم أظلم اليتيم و غير اليتيم لنفس تسرع إلى البلاء قفولها و يمتد في أطباق الثرى حلولها و إن عاشت رويدا فبذي العرش نزولها معاشر شيعتي احذروا فقد عضتكم الدنيا بأنيابها تختطف منكم نفسا بعد نفس كذئابها و هذه مطايا الرحيل قد أنيخت لركابها إلا أن الحديث ذو شجون فلا يقولن قائلكم إن كلام علي متناقض لأن الكلام عارض و لقد بلغني أن رجلا من قطان المدائن تبع بعد الحنيفية علوجه و لبس من ناله دهقانه منسوجه و تضمخ بمسك هذه النوافج صباحه و تبخر بعود الهند رواحه و حوله ريحان حديقة يشم تفاحه و قد مد له مفروشات الروم على سرره تعسا له بعد ما ناهز السبعين من عمره و حوله شيخ يدب على أرضه من هرمه و ذو يتمه تضور من ضره و من قرمه فما واساهم بفاضلات من علقمه لئن أمكنني الله منه لأخضمنه خضم البر و لأقيمن عليه حد المرتد و لأضربنه الثمانين بعد حد و لأسدن من جهله كل مسد تعسا له أ فلا شعر أ فلا صوف أ فلا وبر أ فلا رغيف قفار الليل إفطار مقدم أ فلا عبرة على خد في ظلمة ليال تنحدر و لو كان مؤمنا لاتسقت له الحجة إذا ضيع ما لا يملك و الله لقد رأيت عقيلا أخي و قد أملق حتى استماحني من بركم صاعة و عاودني في عشر وسق من شعيركم يطعمه جياعه و يكاد يلوي ثالث أيامه خامصا ما استطاعه و رأيت أطفاله شعث الألوان من ضرهم كأنما اشمأزت وجوههم من قرهم   فلما عاودني في قوله و كرره أصغيت إليه سمعي فغره و ظنني و أوتغ ديني فأتبع ما سره أحميت له حديدة ينزجر إذ لا يستطيع منها دنوا و لا يصبر ثم أدنيتها من جسمه فضج من ألمه ضجيج ذي دنف يئن من سقمه و كاد يسبني سفها من كظمه و لحرقة في لظى أضنى له من عدمه فقلت له ثكلتك الثواكل يا عقيل أ تئن من حديدة أحماها إنسانها لمدعبه و تجرني إلى نار سجرها جبارها من غضبه أ تئن من الأذى و لا أئن من لظى و الله لو سقطت المكافاة عن الأمم و تركت في مضاجعها باليات في الرمم لاستحييت من مقت رقيب يكشف فاضحات من الأوزار تنسخ فصبرا على دنيا تمر بلأوائها كليلة بأحلامها تنسلخ كم بين نفس في خيامها ناعمة و بين أثيم في جحيم يصطرخ فلا تعجب من هذا و أعجب بلا صنع منا من طارق طرقنا بملفوفات زملها في وعائها و معجونة بسطها في إنائها فقلت له أ صدقة أم نذر أم زكاة و كل ذلك يحرم علينا أهل بيت النبوة و عوضنا منه خمس ذي القربى في الكتاب و السنة فقال لي لا ذاك و لا ذاك و لكنه هدية فقلت له ثكلتك الثواكل أ فعن دين الله تخدعني بمعجونة عرقتموها بقندكم و خبيصة صفراء أتيتموني بها بعصير تمركم أ مختبط أم ذو جنة أم تهجر أ ليست النفوس عن مثقال حبة من خردل مسئولة فما ذا أقول في معجونة أتزقمها معمولة و الله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها و استرق لي قطانها مذعنة بأملاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها شعيرة فألوكها ما قبلت و لا أردت و لدنياكم أهون عندي من ورقة في في جرادة تقضمها و أقذر عندي من عراقة خنزير يقذف بها أجذمها و أمر على فؤادي من حنظلة يلوكها ذو سقم فيبشمها فكيف أقبل ملفوفات عكمتها في طيها و معجونة كأنها عجنت بريق حية أو قيئها

   اللهم إني نفرت عنها نفار المهرة من كيها أريه السها و يريني القمر أ أمتنع من وبرة من قلوصها ساقطة و أبتلع إبلا في مبركها رابطة أ دبيب العقارب من وكرها ألتقط أم قواتل الرقش في مبيتي أرتبط فدعوني أكتفي من دنياكم بملحي و أقراصي فبتقوى الله أرجو خلاصي ما لعلي و نعيم يفنى و لذة تنحتها المعاصي سألقى و شيعتي ربنا بعيون ساهرة و بطون خماص لِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَمْحَقَ الْكافِرِينَ و نعوذ بالله من سيئات الأعمال و صلى الله على محمد و آله

14-  فس، ]تفسير القمي[ قال أمير المؤمنين ع يوما و قد تبع جنازة فسمع رجلا يضحك فقال كأن الموت فيها على غيرنا كتب و كأن الحق فيها على غيرنا وجب و كأن الذي نسمع من الأموات سفر عما قليل إلينا راجعون ننزلهم أجداثهم و نأكل تراثهم كأنا مخلدون بعدهم قد نسينا كل واعظة و رمينا بكل جائحة أيها الناس طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس و تواضع من غير منقصة و جالس أهل التفقه و الرحمة و خالط أهل الذل و المسكنة و أنفق مالا جمعه في غير معصية أيها الناس طوبى لمن ذل في نفسه و طاب كسبه و صلحت سريرته و حسنت خليقته و أنفق الفضل من ماله و أمسك الفضل من كلامه و عدل عن الناس شره و سعته السنة و لم يتعد إلى البدعة يا أيها الناس طوبى لمن لزم بيته و أكل كسرته و بكى على خطيئته و كان من نفسه في تعب و الناس منه في الراحة

    -15  ل، ]الخصال[ عن ابن المتوكل عن علي عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين ع قال كانت الفقهاء و الحكماء إذا كاتب بعضهم بعضا كتبوا بثلاث ليس معهن رابعة من كانت الآخرة همه كفاه الله همه في الدنيا و من أصلح سريرته أصلح الله علانيته و من أصلح فيما بينه و بين الله عز و جل أصلح الله فيما بينه و بين الناس

16-  ل، ]الخصال[ عن أبيه عن علي عن أبيه عن حماد بن عيسى عمن ذكره عن أبي عبد الله ع قال قال أمير المؤمنين ع في وصيته لابنه محمد بن الحنفية إياك و العجب و سوء الخلق و قلة الصبر فإنه لا يستقيم لك على هذه الخصال الثلاث صاحب و لا يزال لك عليها من الناس مجانب و ألزم نفسك التودد و صبر على مئونات الناس نفسك و ابذل لصديقك نفسك و مالك و لمعرفتك رفدك و محضرك و للعامة بشرك و محبتك و لعدوك عدلك و إنصافك و اضنن بدينك و عرضك عن كل أحد فإنه أسلم لدينك و دنياك

17-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ عن المفيد عن الحسين بن محمد التمار عن محمد بن الحسين عن أبي نعيم عن صالح بن عبد الله عن هشام بن أبي مخنف عن الأعمش عن أبي إسحاق السبيعي عن الأصبغ بن نباتة قال إن أمير المؤمنين ع خطب ذات يوم فحمد الله و أثنى عليه و صلى على النبي ص قال أيها الناس اسمعوا مقالتي و عوا كلامي إن الخيلاء من التجبر و النخوة من التكبر و إن الشيطان عدو حاضر يعدكم الباطل ألا إن المسلم أخو المسلم ف لا تَنابَزُوا و لا تخاذلوا فإن شرائع الدين واحدة و سبيله قاصدة من أخذ بها لحق و من تركها مرق و من فارقها محق ليس المسلم بالخائن إذا ائتمن و لا بالمخلف إذا وعد و لا بالكذوب إذا نطق نحن أهل بيت   الرحمة و قولنا الحق و فعلنا القسط و منا خاتم النبيين و فينا قادة الإسلام و أمناء الكتاب ندعوكم إلى الله و رسوله و إلى جهاد عدوه و الشدة في أمره و ابتغاء رضوانه و إلى إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و حج البيت و صيام شهر رمضان و توفير الفي‏ء لأهله ألا و إن أعجب العجب أن معاوية بن أبي سفيان الأموي و عمرو بن العاص السهمي يحرضان الناس على طلب الدين بزعمهما و إني و الله لم أخالف رسول الله ص قط و لم أعصه في أمر قط أقيه بنفسي في المواطن التي تنكص فيها الأبطال و ترعد فيها الفرائص بقوة أكرمني الله بها فله الحمد و لقد قبض النبي ص و إن رأسه في حجري و لقد وليت غسله أغسله بيدي و تقلبه الملائكة المقربون معي و ايم الله ما اختلف أمة بعد نبيها إلا ظهر باطلها على حقها إلا ما شاء الله قال فقام عمار بن ياسر رحمة الله عليه فقال أما أمير المؤمنين فقد أعلمكم أن الأمة لم يستقم عليه فتفرق الناس و قد نفذت بصائرهم

18-  فس، ]تفسير القمي[ قال أمير المؤمنين ع للظالم غدا يكفيه عضه يديه و الرحيل وشيك و للأخلاء ندامة إلا المتقين

19-  ب، ]قرب الإسناد[ عن ابن ظريف عن ابن علوان عن جعفر عن أبيه ع قال قال علي ع ما ملئ بيت قط خيره إلا أوشك أن يملأ غيره و ما ملئ بيت قط غيره إلا أن يوشك أن يملأ خيره

    -20  ب، ]قرب الإسناد[ عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه ع أن عليا ع قال لرجل و هو يوصيه خذ مني خمسا لا يرجون أحدكم إلا ربه و لا يخاف إلا ذنبه و لا يستحي أن يتعلم ما لا يعلم و لا يستحي إذا سئل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم و اعلموا أن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد

21-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ عن المفيد عن أحمد بن الوليد عن أبيه عن الصفار عن ابن عيسى عن ابن محبوب عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين ع قال قال أمير المؤمنين ع أفضل ما توسل به المتوسلون الإيمان بالله و رسوله و الجهاد في سبيل الله و كلمة الإخلاص فإنها الفطرة و إقام الصلاة فإنها الملة و إيتاء الزكاة فإنها من فرائض الله و صيام شهر رمضان فإنه جنة من عذاب الله و حج البيت فإنه ميقات للدين و مدحضة للذنب و صلة الرحم فإنها مثراة للمال و منساة للأجل و الصدقة في السر فإنها تذهب الخطيئة و تطفئ غضب الرب و صنائع المعروف فإنها تدفع ميتة السوء و تقي مصارع الهوان ألا فاصدقوا فإن الله مع من صدق و جانبوا الكذب فإن الكذب مجانب الإيمان ألا و إن الصادق على شفا منجاة و كرامة ألا و إن الكاذب على شفا مخزاة و هلكة ألا و قولوا خيرا تعرفوا به و اعملوا به تكونوا من أهله و أدوا الأمانة إلى من ائتمنكم و صلوا من قطعكم و عودوا بالفضل على من ساءلكم

 ع، ]علل الشرائع[ عن أبيه عن سعد عن إبراهيم بن مهزيار عن أخيه عن حماد   بن عيسى عن إبراهيم بن عمر بإسناده يرفعه إلى علي بن أبي طالب ع مثله ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ عن حماد مثله

22-  ل، ]الخصال[ عن أبيه عن سعد عن أيوب بن نوح عن الربيع بن محمد المسلي عن عبد الأعلى عن نوف قال بت ليلة عند أمير المؤمنين ع فكان يصلي الليل كله و يخرج ساعة بعد ساعة فينظر إلى السماء و يتلو القرآن قال فمر بي بعد هدوء من الليل فقال يا نوف أ راقد أنت أم رامق قلت بل رامق أرمقك ببصري يا أمير المؤمنين قال يا نوف طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة أولئك الذين اتخذوا الأرض بساطا و ترابها فراشا و ماءها طيبا و القرآن دثارا و الدعاء شعارا و قرضوا من الدنيا تقريضا على منهاج عيسى ابن مريم ع إن الله عز و جل أوحى إلى عيسى ابن مريم ع قل للملإ من بني إسرائيل لا تدخلوا بيوتا من بيوتي إلا بقلوب طاهرة و أبصار خاشعة و أكف نقية و قل لهم اعلموا أني غير مستجيب لأحد منكم دعوة و لا لأحد من خلقي قبله مظلمة يا نوف إياك أن تكون عشارا أو شاعرا أو شرطيا أو عريفا أو صاحب عرطبة و هي الطنبور أو صاحب كوبة و هو الطبل فإن نبي الله داود ع خرج ذات ليلة فنظر إلى السماء فقال إنها الساعة التي لا ترد فيها دعوة إلا دعوة عريف أو دعوة شاعر أو دعوة عاشر أو شرطي أو صاحب عرطبة أو صاحب كوبة

    -23  ل، ]الخصال[ عن الحسن بن حمزة العلوي عن يوسف بن محمد الطبري عن سهل بن نجدة قال حدثنا وكيع عن زكريا بن أبي زائدة عن عامر الشعبي قال تكلم أمير المؤمنين ع بتسع كلمات ارتجلهن ارتجالا فقأن عيون البلاغة و أيتمن جواهر الحكمة و قطعن جميع الأنام عن اللحاق بواحدة منهن ثلاث منها في المناجاة و ثلاث منها في الحكمة و ثلاث منها في الأدب فأما اللاتي في المناجاة فقال إلهي كفى بي عزا أن أكون لك عبدا و كفى بي فخرا أن تكون لي ربا أنت كما أحب فاجعلني كما تحب و أما اللاتي في الحكمة فقال قيمة كل امرئ ما يحسنه و ما هلك امرؤ عرف قدره و المرء مخبو تحت لسانه و اللاتي في الأدب فقال امنن على من شئت تكن أميره و احتج إلى من شئت تكن أسيره و استغن عمن شئت تكن نظيره

24-  ل، ]الخصال[ عن العطار عن أبيه و سعد معاذ عن البرقي عن الحسن بن علي بن أبي عثمان عن موسى بن بكر عن أبي الحسن الأول عن أبيه ع قال قال أمير المؤمنين ع عشرة يفتنون أنفسهم و غيرهم ذو العلم القليل يتكلف أن يعلم الناس كثيرا و الرجل الحليم ذو العلم الكثير ليس بذي فطنة و الذي يطلب ما لا يدرك و لا ينبغي له و الكاد عند المتئد و المتئد الذي ليس له مع تؤدته علم و عالم غير مريد للصلاح و مريد للصلاح ليس بعالم و العالم يحب الدنيا و الرحيم بالناس يبخل بما عنده و طالب العلم يجادل فيه من هو أعلم فإذا علمه لم يقبل منه

25-  ل، ]الخصال[ عن أبيه عن محمد بن يحيى العطار و أحمد بن إدريس معا عن سهل عن محمد بن الحسن الزيات عن عمرو بن عثمان الخزاز عن ثابت بن دينار عن سعد بن طريف الخفاف عن الأصبغ بن نباتة قال كان أمير المؤمنين ع يقول   الصدق أمانة و الكذب خيانة و الأدب رئاسة و الحزم كياسة و السرف متواة و القصد مثراة و الحرص مفقرة و الدناءة محقرة و السخاء قربة و اللؤم غربة و الرقة استكانة و العجز مهانة و الهوى ميل و الوفاء كيل و العجب هلاك و الصبر ملاك

26-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ عن المفسر عن أحمد بن الحسن الحسيني عن الحسن بن علي العسكري عن آبائه ع قال قال أمير المؤمنين صلوات الله و سلامه عليه كم من غافل ينسج ثوبا ليلبسه و إنما هو كفنه و يبني بيتا ليسكنه و إنما هو موضع قبره

27-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ عن أحمد بن محمد الجعابي عن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن ياسين قال سمعت العبد الصالح علي بن محمد بن علي الرضا ع بسرمن‏رأى يذكر عن آبائه ع قال قال أمير المؤمنين ع العلم وراثة كريمة و الآداب حلل حسان و الفكر مرآة صافية و الاعتذار منذر ناصح و كفى بك أدبا لنفسك تركك ما كرهته من غيرك

28-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ عن المفيد عن الحسين بن محمد التمار عن محمد بن القاسم الأنباري عن أحمد بن عبيد عن عبد الرحيم بن قيس الهلالي عن العمري عن أبي حمزة السعدي عن أبيه قال أوصى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى الحسن بن علي ع فقال فيما أوصى إليه يا بني لا فقر أشد من الجهل و لا عدم أشد من عدم العقل و لا وحدة أوحش من العجب و لا حسب كحسن الخلق و لا   ورع كالكف عن محارم الله و لا عبادة كالتفكر في صنعة الله عز و جل يا بني العقل خليل المرء و الحلم وزيره و الرفق والده و الصبر من خير جنوده يا بني إنه لا بد للعاقل من أن ينظر في شأنه فليحفظ لسانه و ليعرف أهل زمانه يا بني إن من البلاء الفاقة و أشد من ذلك مرض البدن و أشد من ذلك مرض القلب و إن من النعم سعة المال و أفضل من ذلك سعة البدن و أفضل من ذلك تقوى القلوب يا بني للمؤمن ثلاث ساعات ساعة يناجي فيها ربه و ساعة يحاسب فيها نفسه و ساعة يخلو فيها بين نفسه و لذتها فيما يحل و يجمل و ليس للمؤمن بد من أن يكون شاخصا في ثلاث مرمة لمعاش أو خطوة لمعاد أو لذة في غير محرم

29-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ عن المفيد عن الجعابي عن ابن عقدة عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم أبي علي قال حدثني عم أبي الحسين بن موسى عن أبيه عن موسى عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين ع قال قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع إن المؤمن لا يصبح إلا خائفا و إن كان محسنا و لا يمسي إلا خائفا و إن كان محسنا لأنه بين أمرين بين وقت قد مضى لا يدري ما الله صانع به و بين أجل قد اقترب لا يدري ما يصيبه من الهلكات ألا و قولوا خيرا تعرفوا به و اعملوا به تكونوا من أهله صلوا أرحامكم و إن قطعوكم و عودوا بالفضل على من حرمكم و أدوا الأمانة إلى من ائتمنكم و أوفوا بعهد من عاهدتم و إذا حكمتم فاعدلوا

30-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ روي أن أمير المؤمنين ع خرج ذات ليلة من المسجد و كانت ليلة قمراء فأم الجبانة و لحقه جماعة يقفون أثره فوقف عليهم ثم قال من أنتم   قالوا شيعتك يا أمير المؤمنين فتفرس في وجوههم ثم قال فما لي لا أرى عليكم سيماء الشيعة قالوا و ما سيماء الشيعة يا أمير المؤمنين فقال صفر الوجوه من السهر عمش العيون من البكاء حدب الظهور من القيام خمص البطون من الصيام ذبل الشفاه من الدعاء عليهم غبرة الخاشعين و قال ع الموت طالب و مطلوب لا يعجزه المقيم و لا يفوته الهارب فقدموا و لا تنكلوا فإنه ليس من الموت محيص إنكم إن لم تقتلوا تموتوا و الذي نفس علي بيده لألف ضربة بالسيف على الرأس أهون من موت على فراش

31-  و من كلامه ع أيها الناس أصبحتم أغراضا تنتضل فيكم المنايا و أموالكم نهب للمصائب ما طعمتم في الدنيا من طعام فلكم فيه غصص و ما شربتموه من شراب فلكم فيه شرق و أشهد بالله ما تنالون من الدنيا نعمة تفرحون بها إلا بفراق أخرى تكرهونها أيها الناس إنا خلقنا و إياكم للبقاء لا للفناء و لكنكم من دار تنقلون فتزودوا لما أنتم صائرون إليه و خالدون فيه و السلام

32-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ عن ابن الصلت عن ابن عقدة عن القاسم بن جعفر المعروف بابن الشامي عن عباد بن أحمد القزويني قال حدثني عمي عن أبيه عن مطرف عن الشعبي عن صعصعة بن صوحان قال عادني أمير المؤمنين ع في مرض ثم قال انظر فلا تجعلن عيادتي إياك فخرا على قومك و إذا رأيتهم في أمر فلا تخرج منه   فإنه ليس بالرجل غنى عن قومه إذا خلع منهم يدا واحدة يخلعون منه أيدي كثيرة فإذا رأيتهم في خير فأعنهم عليه و إذا رأيتهم في شر فلا تخذلنهم و ليكن تعاونكم على طاعة الله فإنكم لن تزالوا بخير ما تعاونتم على طاعة الله تعالى و تناهيتم عن معاصيه

33-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ عن جماعة عن أبي المفضل عن عبد الله بن أبي داود السجستاني عن إبراهيم الحسن المقسمي الطرسوسي عن بشر بن زاذان عن عمرو بن صبيح عن جعفر بن محمد عن آبائه ع عن علي بن أبي طالب ع أنه قال إن الدنيا عناء و فناء و عبر و غير فمن فنائها أن الدهر موتر قوسه مفوق نبله تصيب الحي بالموت و الصحيح بالسقم و من عناها إن المرء يجمع ما لا يأكل و يبني ما لا يسكن و من عبرها إنك ترى المغبوط مرحوما أو المرحوم مغبوطا ليس بينهما إلا نعيم زال أو بؤس نزل و من غيرها إن المرء يشرف عليه أمله فيختطفه دونه أجله قال و قال علي ع أربع للمرء لا عليه الإيمان و الشكر فإن الله تعالى يقول ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَ آمَنْتُمْ و الاستغفار فإنه قال وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ ما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ و الدعاء فإنه قال تعالى قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ

34-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ عن جماعة عن أبي المفضل عن عبيد الله بن الحسن بن إبراهيم العلوي عن أبيه عن عبد العظيم الحسني عن أبي جعفر الثاني عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين ع قال قال أربع أنزل الله تعالى تصديقي بها في كتابه قلت المرء   مخبو تحت لسانه فإذا تكلم ظهر فأنزل الله تعالى وَ لَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ قلت فمن جهل شيئا عاداه فأنزل الله بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَ لَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ و قد قلت قدر أو قال قيمة كل امرئ بما يحسن فأنزل الله في قصة طالوت إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ و قلت القتل يقل القتل فأنزل الله وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ

35-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ عن محمد بن العباس النحوي عن العباس بن الفرج الرياشي عن سعيد بن أوس الأنصاري قال سمعت الخليل بن أحمد يقول أحث كلمة على طلب علم قول علي بن أبي طالب ع قدر كل امرئ ما يحسن

36-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ بإسناد المجاشعي عن أمير المؤمنين ع قال لا تتركوا حج بيتكم لا يخلو منكم ما بقيتم فإنكم إن تركتموه لم تنظروا و إن أدنى ما يرجع به من أتاه أن يغفر له ما سلف و أوصيكم بالصلاة و حفظها فإنها خير العمل و هي عمود دينكم و بالزكاة فإني سمعت نبيكم ص يقول الزكاة قنطرة الإسلام فمن أداها جاز القنطرة و من منعها احتبس دونها و هي تطفئ غضب الرب و عليكم بصيام شهر رمضان فإن صيامه جنة حصينة من النار و فقراء المسلمين أشركوهم في معيشتكم و الجهاد في سبيل الله بأموالكم و أنفسكم فإنما يجاهد في سبيل الله رجلان إمام هدى أو مطيع له مقتد بهداه و ذرية نبيكم ص لا تظلمون بين أظهركم و أنتم تقدرون على الدفع و أوصيكم بأصحاب نبيكم لا تسبوهم و هم الذين لم يحدثوا بعده حدثا و لم يؤووا محدثا فإن رسول الله ص أوصى بهم و أوصيكم بنسائكم   و ما ملكت أيمانكم و لا تأخذكم في الله لومة لائم يكفكم الله من أرادكم و بغى عليكم وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً كما أمركم الله عز و جل و لا تتركوا الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فيولي الله أموركم شراركم ثم تدعون فلا تستجاب لكم دعاؤكم و عليكم بالتواضع و التباذل و إياكم و التقاطع و التدابر و التفرق وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ

37-  مع، ]معاني الأخبار[ عن أبيه عن سعد عن اليقطيني عن يونس عن أبي أيوب عن أبي حمزة عن أبي جعفر ع قال قال أمير المؤمنين ع جمع الخير كله في ثلاث خصال النظر و السكوت و الكلام و كل نظر ليس فيه اعتبار فهو سهو و كل سكوت ليس فيه فكرة فهو غفلة و كل كلام ليس فيه ذكر فهو لغو فطوبى لمن كان نظره عبرة و سكوته فكرة و كلامه ذكرا و بكى على خطيئته و آمن الناس شره

38-  ف، ]تحف العقول[ و من حكمه صلوات الله عليه و ترغيبه و ترهيبه و وعظه أما بعد فإن المكر و الخديعة في النار فكونوا من الله على وجل و من صولته على حذر إن الله لا يرضى لعباده بعد إعذاره و إنذاره استطرادا و استدراجا مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ و لهذا يضل سعي العبد حتى ينسى الوفاء بالعهد و يظن أنه قد أحسن صنعا و لا يزال كذلك في ظن و رجاء و غفلة عما جاءه من النبإ يعقد على نفسه العقد و يهلكها بكل الجهد و هو في مهلة من الله على عهد يهوي مع الغافلين و يغدو مع المذنبين و يجادل في طاعة الله المؤمنين و يستحسن تمويه المترفين فهؤلاء   قوم شرحت قلوبهم بالشبهة و تطاولوا على غيرهم بالفرية و حسبوا أنها لله قربة و ذلك لأنهم عملوا بالهوى و غيروا كلام الحكماء و حرفوه بجهل و عمى و طلبوا به السمعة و الرياء بلا سبيل قاصدة و لا أعلام جارية و لا منار معلوم إلى أمدهم و إلى منهلهم واردوه و حتى إذا كشف الله لهم عن ثواب سياستهم و استخرجهم من جلابيب غفلتهم استقبلوا مدبرا و استدبروا مقبلا فلم ينتفعوا بما أدركوا من أمنيتهم و لا بما نالوا من طلبتهم و لا ما قضوا من وطرهم و صار ذلك عليهم وبالا فصاروا يهربون مما كانوا يطلبون و إني أحذركم هذه المزلة و آمركم بتقوى الله الذي لا ينفع غيره فلينتفع بنفسه إن كان صادقا على ما يجن ضميره فإنما البصير من سمع و تفكر و نظر و أبصر و انتفع بالعبر و سلك جددا واضحا يتجنب فيه الصرعة في الهوى و يتنكب طريق العمى و لا يعين على فساد نفسه الغواة بتعسف في حق أو تحريف في نطق أو تغيير   في صدق و لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ قولوا ما قيل لكم و سلموا لما روي لكم و لا تكلفوا ما لم تكلفوا فإنما تبعته عليكم فيما كسبت أيديكم و لفظت ألسنتكم أو سبقت إليه غايتكم و احذروا الشبهة فإنها وضعت للفتنة و اقصدوا السهولة و اعملوا فيما بينكم بالمعروف من القول و الفعل و استعملوا الخضوع و استشعروا الخوف و الاستكانة لله و اعملوا فيما بينكم بالتواضع و التناصف و التباذل و كظم الغيظ فإنها وصية الله و إياكم و التحاسد و الأحقاد فإنهما من فعل الجاهلية وَ لْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ أيها الناس اعلموا علما يقينا أن الله لم يجعل للعبد و إن اشتد جهده و عظمت حيلته و كثرت نكايته أكثر مما قدر له في الذكر الحكيم و لم يحل بين المرء على ضعفه و قلة حيلته و بين ما كتب له في الذكر الحكيم أيها الناس إنه لن يزداد امرؤ نقيرا بحذقه و لن ينتقص نقيرا لحمقه فالعالم بهذا العامل به أعظم الناس راحة في منفعة و التارك له أكثر الناس شغلا في مضرة رب منعم عليه في نفسه مستدرج بالإحسان إليه و رب مبتلى عند الناس مصنوع له فأفق أيها المستمتع من سكرك و انتبه من غفلتك و قصر من عجلتك

   و تفكر فيما جاء عن الله تبارك و تعالى فيما لا خلف فيه و لا محيص عنه و لا بد منه ثم ضع فخرك و دع كبرك و أحضر ذهنك و اذكر قبرك و منزلك فإن عليه ممرك و إليه مصيرك و كما تدين تدان و كما تزرع تحصد و كما تصنع يصنع بك و ما قدمت إليه تقدم عليه غدا لا محالة فلينفعك النظر فيما وعظت به و ع ما سمعت و وعدت فقد اكتنفك بذلك خصلتان و لا بد أن تقوم بأحدهما إما طاعة الله تقوم لها بما سمعت و إما حجة الله تقوم لها بما علمت فالحذر الحذر و الجد الجد فإنه لا ينبئك مثل خبير إن من عزائم الله في الذكر الحكيم التي لها يرضى و لها يسخط و لها يثيب و عليها يعاقب أنه ليس بمؤمن و إن حسن قوله و زين وصفه و فضله غيره إذا خرج من الدنيا فلقي الله بخصلة من هذه الخصال لم يتب منها الشرك بالله فيما افترض عليه من عبادته أو شفاء غيظ بهلاك نفسه أو يقر بعمل فعمل بغيره أو يستنجح حاجة إلى الناس بإظهار بدعة في دينه أو سره أن يحمده الناس بما لم يفعل من خير أو مشى في الناس بوجهين و لسانين و التجبر و الأبهة و اعلم و اعقل ذلك فإن المثل دليل على شبهه إن البهائم همها بطونها و إن السباع همها التعدي و الظلم و إن النساء همهن زينة الدنيا و الفساد فيها و إن المؤمنين مشفقون مستكينون خائفون

    -37  موعظته ع و وصفه المقصرين لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل و يرجو التوبة بطول الأمل يقول في الدنيا قول الزاهدين و يعمل فيها عمل الراغبين إن أعطي منها لم يشبع و إن منع لم يقنع يعجز عن شكر ما أوتي و يبتغي الزيادة فيما بقي ينهى الناس و لا ينتهي و يأمر الناس ما لا يأتي يحب الصالحين و لا يعمل بأعمالهم و يبغض المسيئين و هو منهم و يكره الموت لكثرة سيئاته و لا يدعها في حياته يقول كم أعمل فأتعنى ألا أجلس فأتمنى فهو يتمنى المغفرة و يدأب في المعصية و قد عمر ما يتذكر فيه من تذكر يقول فيما ذهب لو كنت عملت و نصبت لكان خيرا لي و يضيعه غير مكترث لاهيا إن سقم ندم على التفريط في العمل و إن صح أمن مغترا يؤخر العمل تعجبه نفسه ما عوفي و يقنط إذا ابتلي تغلبه نفسه على ما يظن و لا يغلبها على ما يستيقن لا يقنع من الرزق بما قسم له و لا يثق منه بما قد ضمن له و لا يعمل بما فرض عليه فهو من نفسه في شك إن استغنى بطر و فتن و إن افتقر قنط و وهن فهو   من الذنب و النعمة موفر و يبتغي الزيادة و لا يشكر و يتكلف من الناس ما لا يعنيه و يصنع من نفسه ما هو أكثر إن عرضت له شهوة واقعها باتكال على التوبة و هو لا يدري كيف يكون ذلك لا تغنيه رغبته و لا تمنعه رهبته ثم يبالغ في المسألة حين يسأل و يقصر في العمل فهو بالقول مدل و من العمل مقل يرجو نفع عمل ما لم يعمله و يأمن عقاب جرم قد عمله يبادر من الدنيا إلى ما يفنى و يدع جاهدا ما يبقى و هو يخشى الموت و لا يخاف الفوت يستكثر من معصية غيره ما يستقل أكثر منه من نفسه و يستكثر من طاعته ما يحتقر من غيره يخاف على غيره بأدنى من ذنبه و يرجو لنفسه بأدنى من عمله فهو على الناس طاعن و لنفسه مداهن يؤدي الأمانة ما عوفي و أرضي و الخيانة إذا سخط و ابتلي إذا عوفي ظن أنه قد تاب و إن ابتلي ظن أنه قد عوقب يؤخر الصوم و يعجل النوم لا يبيت قائما و لا يصبح صائما يصبح و همته الصبح و لم يسهر و يمسي و همته العشاء و و هو مفطر يتعوذ بالله ممن هو دونه و لا يتعوذ ممن هو هو فوقه ينصب الناس لنفسه و لا ينصب نفسه لربه النوم مع الأغنياء أحب إليه من الركوع مع الضعفاء يغضب من اليسير و يعصي في الكثير يعزف لنفسه على غيره و لا يعزف عليها لغيره فهو يحب أن يطاع و لا يعصى و يستوفى و لا يوفي يرشد غيره و يغوي نفسه و يخشى الخلق في غير ربه و لا يخشى ربه في خلقه يعرف ما أنكر و ينكر ما عرف و لا يحمد ربه على نعمه و لا يشكره على مزيد و لا يأمر بالمعروف و لا ينهى عن منكر فهو دهره في لبس إن مرض أخلص و تاب و إن عوفي   قسا و عاد فهو أبدا عليه و لا له لا يدري عمله إلى ما يؤديه إليه حتى متى و إلى متى اللهم اجعلنا منك على حذر احفظ و ع انصرف إذا شئت

38-  وصيته ع لكميل بن زياد يا كميل سم كل يوم باسم الله و قل لا حول و لا قوة إلا بالله و توكل على الله و اذكرنا و سم أسماءنا و صل علينا و أدر بذلك على نفسك و ما تحوطه عنايتك و تكف شر ذلك اليوم إن شاء الله يا كميل إن رسول الله ص أدبه الله و هو ع أدبني و أنا أؤدب المؤمنين و أورث الآداب المكرمين يا كميل ما من علم إلا و أنا أفتحه و ما من سر إلا و القائم ع يختمه يا كميل ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ يا كميل لا تأخذ إلا عنا تكن منا يا كميل ما من حركة إلا و أنت محتاج فيها إلى معرفة يا كميل إذ أكلت الطعام فسم باسم الذي لا يضر مع اسمه داء و فيه شفاء من كل الأسواء يا كميل و آكل الطعام و لا تبخل عليه فإنك لن ترزق الناس شيئا و الله يجزل لك الثواب بذلك أحسن عليه خلقك و ابسط جليسك و لا تتهم خادمك يا كميل إذا أكلت فطول أكلك ليستوفي من معك و يرزق منه غيرك يا كميل إذا استوفيت طعامك فاحمد الله على ما رزقك و ارفع بذلك صوتك   يحمده سواك فيعظم بذلك أجرك يا كميل لا توقرن معدتك طعاما و دع فيها للماء موضعا و للريح مجالا و لا ترفع يدك من الطعام إلا و أنت تشتهيه فإن فعلت ذلك فأنت تستمرئه فإن صحة الجسم من قلة الطعام و قلة الماء يا كميل البركة في مال من آتى الزكاة و واسى المؤمنين و وصل الأقربين يا كميل زد قرابتك المؤمن على ما تعطي سواه من المؤمنين و كن بهم أرأف و عليهم أعطف و تصدق على المساكين يا كميل لا ترد سائلا و لو من شطر حبة عنب أو شق تمرة فإن الصدقة تنمو عند الله يا كميل أحسن حلية المؤمن التواضع و جماله التعفف و شرفه التفقه و عزه ترك القال و القيل يا كميل في كل صنف قوم أرفع من قوم فإياك و مناظرة الخسيس منهم و إن أسمعوك و احتمل و كن من الذين وصفهم الله وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً يا كميل قل الحق على كل حال و واد المتقين و اهجر الفاسقين و جانب المنافقين و لا تصاحب الخائنين يا كميل لا تطرق أبواب الظالمين للاختلاط بهم و الاكتساب معهم و إياك   أن تعظمهم و أن تشهد في مجالسهم بما يسخط الله عليك و إن اضطررت إلى حضورهم فداوم ذكر الله و التوكل عليه و استعذ بالله من شرورهم و أطرق عنهم و أنكر بقلبك فعلهم و اجهر بتعظيم الله لتسمعهم فإنك بها تؤيد و تكفى شرهم يا كميل إن أحب ما امتثله العباد إلى الله بعد الإقرار به و بأوليائه التعفف و التحمل و الاصطبار يا كميل لا ترى الناس إقتارك و اصبر عليه احتسابا بعز و تستر يا كميل لا بأس أن تعلم أخاك سرك و من أخوك أخوك الذي لا يخذلك عند الشديدة و لا يقعد عنك عند الجريرة و لا يدعك حتى تسأله و لا يذرك و أمرك حتى تعلمه فإن كان مميلا أصلحه يا كميل المؤمن مرآة المؤمن لأنه يتأمله فيسد فاقته و يجمل حالته يا كميل المؤمنون إخوة و لا شي‏ء آثر عند كل أخ من أخيه يا كميل إن لم تحب أخاك فلست أخاه إن المؤمن من قال بقولنا فمن تخلف عنه قصر عنا و من قصر عنا لم يلحق بنا و من لم يكن معنا ف فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ يا كميل كل مصدور ينفث فمن نفث إليك منا بأمر أمرك بستره فإياك أن تبديه و ليس لك من إبدائه توبة و إذا لم تكن توبة فالمصير إلى لظى

   يا كميل إذاعة سر آل محمد صلوات الله عليهم لا يقبل منها و لا يحتمل أحد عليها و ما قالوه فلا تعلم إلا مؤمنا موفقا يا كميل قل عند كل شدة لا حول و لا قوة إلا بالله تكفها و قل عند كل نعمة الحمد لله تزدد منها و إذا أبطأت الأرزاق عليك فاستغفر الله يوسع عليك فيها يا كميل انج بولايتنا من أن يشركك الشيطان في مالك و ولدك يا كميل إنه مستقر و مستودع فاحذر أن تكون من المستودعين و إنما يستحق أن يكون مستقر إذا لزمت الجادة الواضحة التي لا تخرجك إلى عوج و لا تزيلك عن منهج يا كميل لا رخصة في فرض و لا شدة في نافلة يا كميل إن ذنوبك أكثر من حسناتك و غفلتك أكثر من ذكرك و نعم الله عليك أكثر من عملك يا كميل إنك لا تخلو من نعم الله عندك و عافيته إياك فلا تخل من تحميده و تمجيده و تسبيحه و تقديسه و شكره و ذكره على كل حال يا كميل لا تكونن من الذين قال الله نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ و نسبهم إلى الفسق فهم فاسقون يا كميل ليس الشأن أن تصلي و تصوم و تتصدق الشأن أن تكون الصلاة بقلب نقي و عمل عند الله مرضي و خشوع سوي و انظر فيما تصلي و على ما تصلي إن لم يكن من وجهه و حله فلا قبول   يا كميل اللسان ينزح القلب و القلب يقوم بالغذاء فانظر فيما تغذي قلبك و جسمك فإن لم يكن حلالا لم يقبل الله تسبيحك و لا شكرك يا كميل افهم و اعلم أنا لا نرخص في ترك أداء الأمانة لأحد من الخلق فمن روى عني في ذلك رخصة فقد أبطل و أثم و جزاؤه النار بما كذب أقسم لسمعت رسول الله ص يقول لي قبل وفاته بساعة مرارا ثلاثا يا أبا الحسن أداء الأمانة إلى البر و الفاجر فيما جل و قل حتى الخيط و المخيط يا كميل لا غزو إلا مع إمام عادل و لا نفل إلا من إمام فاضل يا كميل لو لم يظهر نبي و كان في الأرض مؤمن تقي لكان في دعائه إلى الله مخطئا أو مصيبا بل و الله مخطئا حتى ينصبه الله لذلك و يؤهله له يا كميل الدين لله فلا يقبل الله من أحد القيام به إلا رسولا أو نبيا أو وصيا يا كميل هي نبوة و رسالة و إمامة و ليس بعد ذلك إلا موالين متبعين أو عامهين مبتدعين إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ يا كميل إن الله كريم حليم عظيم رحيم دلنا على أخلاقه و أمرنا بالأخذ بها و حمل الناس عليها فقد أديناها غير متخلفين و أرسلناها غير منافقين و صدقناها غير مكذبين و قبلناها غير مرتابين يا كميل لست و الله متملقا حتى أطاع و لا ممنيا حتى لا أعصى و لا مائرا لطعام الأعراب حتى أنحل إمرة المؤمنين و أدعى بها   يا كميل إنما حظي من حظي بدنيا زائلة مدبرة و نحظى بآخرة باقية ثابتة يا كميل إن كلا يصير إلى الآخرة و الذي نرغب فيه منها رضي الله و الدرجات العلى من الجنة التي يورثها مَنْ كانَ تَقِيًّا يا كميل من لا يسكن الجنة فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ و خزي مقيم يا كميل أنا أحمد الله على توفيقه و على كل حال إذا شئت فقم

39-  شا، ]الإرشاد[ من كلام أمير المؤمنين ع ما اشتهر بين العلماء و حفظه ذوو الفهم و الحكماء أما بعد أيها الناس فإن الدنيا قد أدبرت و آذنت بوداع و إن الآخرة قد أقبلت و أشرفت باطلاع ألا و إن المضمار اليوم و غدا السباق و السبقة الجنة و الغاية النار ألا و إنكم في أيام مهل من ورائه أجل يحثه عجل فمن أخلص الله عمله لم يضره أمله و من بطأ به عمله في أيام مهلة قبل حضور أجله فقد خسر عمله و ضره أمله ألا فاعملوا في الرغبة و الرهبة فإن نزلت بكم رغبة فاشكروا الله و أجمعوا معها رهبة و إن نزلت بكم رهبة فاذكروا الله و أجمعوا معها رغبة فإن الله قد تأذن للمحسنين بالحسنى و لمن شكره بالزيادة و لا كسب خير من كسب ليوم تدخر فيه الذخائر و تجمع فيه الكبائر و تبلى فيه السرائر و إني لم أر مثل الجنة نام طالبها و لا مثل النار نام هاربها ألا و إنه من لا ينفعه اليقين يضره الشك و من لا ينفعه حاضر لبه و رأيه فغائبه عنه أعجز ألا و إنكم قد أمرتم بالظعن و دللتم على الزاد و إن أخوف ما أخاف عليكم اثنان اتباع الهوى و طول الأمل لأن اتباع الهوى يصد عن الحق و طول الأمل ينسى الآخرة ألا و إن الدنيا قد ترحلت مدبرة و إن الآخرة قد ترحلت مقبلة و لكل واحدة منهما بنون فكونوا إن استطعتم من أبناء الآخرة و لا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل و لا حساب و غدا حساب و لا عمل

    -40  شا، ]الإرشاد[ و من كلام أمير المؤمنين ع في الحكمة و الموعظة قوله خذوا رحمكم الله من ممركم لمقركم و لا تهتكوا أستاركم عند من لا يخفى عليه أسراركم و أخرجوا من الدنيا قلوبكم قبل أن يخرج منها أبدانكم فللآخرة خلقتم و في الدنيا حبستم إن المرء إذا هلك قالت الملائكة ما قدم و قال الناس ما خلف فلله آباؤكم قدموا بعضا يكن لكم و لا تخلفوا كلا فيكن عليكم فإنما مثل الدنيا مثل السم يأكله من لا يعرفه

 و من ذلك قوله ع لا حياة إلا بالدين و لا موت إلا بجحود اليقين فاشربوا من العذب الفرات ينبهكم من نومة السبات و إياكم و السمائم المهلكات

 و من ذلك قوله ع الدنيا دار صدق لمن عرفها و مضمار الخلاص لمن تزود منها في مهبط وحي الله تعالى و متجر أوليائه اتجروا تربحوا الجنة

 و من ذلك قوله ع لرجل سمعه يذم الدنيا من غير معرفة لما يجب أن يقول في معناها الدنيا دار صدق لمن صدقها و دار عافية لمن فهم عنها و دار غنى لمن تزود منها مسجد أنبياء الله و مهبط وحيه و مصلى ملائكته و متجر أوليائه اكتسبوا فيها الرحمة و ربحوا فيها الجنة فمن ذا يذمها و قد آذنت ببينها و نادت بفراقها و نعت نفسها فشوقت بسرورها إلى السرور و حذرت ببلائها إلى البلاء تخويفا و تحذيرا و ترغيبا و ترهيبا فيا أيها الذام للدنيا و المغتر بتغريرها متى غرتك أ بمصارع آبائك من البلى أم بمضاجع أمهاتك تحت الثرى كم عللت بكفيك و مرضت بيديك تبتغي لهم الشفاء و تستوصف لهم الأطباء و تلتمس لهم الدواء لم تنفعهم بطلبتك و لم تشفعهم بشفاعتك قد مثلت لك الدنيا بهم مصرعك و مضجعك حيث لا ينفعك بكاؤك و لا تغني عنك أحباؤك

 و من ذلك قوله ع أيها الناس خذوا عني خمسا فو الله لو رحلتم المطي فيها لأنضيتموها قبل أن تجدوا مثلها لا يرجون أحد إلا ربه و لا يخافن إلا ذنبه   و لا يستحيين العالم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول الله يعلم الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد و لا إيمان لمن لا صبر له

 و من ذلك قوله ع كل قول ليس لله فيه ذكر فلغو و كل صمت ليس فيه فكر فسهو و كل نظر ليس فيه اعتبار فلهو

 و قوله ع ليس من ابتاع نفسه فأعتقها كمن باع نفسه فأوبقها

 و قوله ع من سبق إلى الظل ضحا و من سبق إلى الماء ظمي

 و قوله حسن الأدب ينوب عن الحسب

 و قوله ع الزاهد في الدنيا كلما ازدادت له تجليا ازدادت عنه توليا

 و قوله ع المودة أشبك الأنساب و العلم أشرف الأحساب

 و قوله ع إن يكن الشغل مجهدة فاتصال الفراغ مفسدة

 و قوله ع من بالغ في الخصومة أثم و من قصر فيها خصم

 و قوله ع العفو يفسد من اللئيم بقدر إصلاحه من الكريم

 و قوله ع من أحب المكارم اجتنب المحارم

 و قوله ع من حسنت به الظنون رمقته الرجال بالعيون

 و قوله ع غاية الجود أن تعطي من نفسك المجهود

 و قوله ع ما بعد كائن و لا قرب بائن

 و قوله ع جهل المرء بعيوبه من أكبر ذنوبه

 و قوله ع تمام العفاف الرضا بالكفاف

 و قوله ع أتموا الجود ابتناء المكارم و احتمال المغارم

 و قوله ع أظهر الكرم صدق الإخاء في الشدة و الرخاء

 و قوله ع الفاجر إن سخط ثلب و إن رضي كذب و إن طمع خلب

 و قوله ع من لم يكن أكثر ما فيه عقله كان بأكثر ما فيه قتله

 و قوله ع احتمل زلة وليك لوقت وثبة عدوك

    و قوله ع حسن الاعتراف يهدم الاقتراف

 و قوله ع لم يضع من مالك ما بصرك صلاح حالك

 و قوله ع القصد أسهل من التعسف و الكف أدرع من التكلف

 و قوله ع شر الزاد إلى المعاد احتقاب ظلم العباد

 و قوله ع لا نفاد لفائدة إذا شكرت و لا بقاء لنعمة إذا كفرت

 و قوله ع الدهر يومان يوم لك و يوم عليك فإن كان لك فلا تبطر و إن كان عليك فاصبر

 و قوله ع رب عزيز أذله خلقه و ذليل أعزه خلقه

 و قوله ع من لم يجرب الأمور خدع و من صارع الحق صرع

 و قوله ع لو عرف الأجل قصر الأمل

 و قوله ع الشكر زينة الغنى و الصبر زينة البلوى

 و قوله ع قيمة كل امرئ ما يحسنه

 و قوله ع الناس أبناء ما يحسنون

 و قوله ع المرء مخبو تحت لسانه

 و قوله ع من شاور ذوي الألباب دل على الصواب

 و قوله ع من قنع باليسير استغنى عن الكثير و من لم يستغن بالكثير افتقر إلى الحقير

 و قوله ع من صحت عروقه أثمرت فروعه

 و قوله ع من أمل إنسانا هابه و من قصر عن معرفة شي‏ء عابه

 و من كلامه ع المؤمن من نفسه في تعب و الناس منه في راحة

 و قال ع من كسل لم يؤد حق الله عليه

 و قال ع أفضل العبادة الصبر و الصمت و انتظار الفرج

 و قال ع الصبر على ثلاثة أوجه فصبر على المصيبة و صبر عن المعصية   و صبر على الطاعة

 و قال ع الحلم وزير المؤمن و العلم خليله و الرفق أخوه و البر والده و الصبر أمير جنوده

 و قال ع ثلاثة من كنوز الجنة كتمان الصدقة و كتمان المصيبة و كتمان المرض

 و قال ع احتج إلى من شئت تكن أسيره و استغن عمن شئت تكن نظيره و أفضل على من شئت تكن أميره

 و كان يقول ع لا غنى مع فجور و لا راحة لحسود و لا مودة لملول

 و قال ع لأحنف بن قيس الساكت أخو الراضي و من لم يكن معنا كان علينا

 و قال ع الجود من كرم الطبيعة و المن مفسدة للصنيعة

 و قال ع ترك التعاهد للصديق داعية القطيعة

 و كان يقول ع إرجاف العامة بالشي‏ء دليل على مقدمات كونه

 و قال ع اطلبوا الرزق فإنه مضمون لطالبه

 و قال ع أربعة لا ترد لهم دعوة الإمام العادل لرعيته و الولد البار لوالده و الوالد البار لولده و المظلوم يقول الله و عزتي و جلالي لأنتصرن لك و لو بعد حين

 و قال ع خير الغنى ترك السؤال و شر الفقر لزوم الخضوع

 و قال ع المعروف عصمة البوار و الرفق نعشة من العثار

 و قال ع ضاحك معترف بذنبه خير من باك مدل على ربه

 و قال ع لو لا التجارب عميت المذاهب

 و قال ع لا عدة أنفع من العقل و لا عدو أضر من الجهل

 و قال ع من اتسع أمله قصر عمله

    و قال ع أشكر الناس أقنعهم و أكفرهم للنعم أجشعهم

 في أمثال هذا الكلام المفيد للحكمة و فصل الخطاب لم نستوف ما جاء في معناه عنه لئلا ينتشر به الخطاب و يطول الكتاب و فيما أثبتناه منه مقنع لذوي الألباب

41-  جا، ]المجالس للمفيد[ عن محمد بن الحسين المقري عن علي بن الحسين الصيدلاني عن أحمد بن محمد مولى بني هاشم عن أبي نصر المخزومي عن الحسن بن أبي الحسن البصري قال لما قدم علينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع البصرة مر بي و أنا أتوضأ فقال يا غلام أحسن وضوءك يحسن الله إليك ثم جازني فأقبلت أقفو أثره فحانت منه التفاتة فنظر إلي فقال يا غلام أ لك إلي حاجة قلت نعم علمني كلاما ينفعني الله به فقال يا غلام من صدق الله نجا و من أشفق على دينه سلم من الردى و من زهد في الدنيا قرت عينه بما يرى من ثواب الله عز و جل أ لا أزيدك يا غلام قلت بلى يا أمير المؤمنين قال من كن فيه ثلاث خصال سلمت له الدنيا و الآخرة من أمر بالمعروف و ائتمر به و نهى عن المنكر و انتهى عنه و حافظ على حدود الله يا غلام أ يسرك أن تلقى الله يوم القيامة و هو عنك راض قلت نعم يا أمير المؤمنين قال كن في الدنيا زاهدا و في الآخرة راغبا و عليك بالصدق في جميع أمورك فإن الله تعبدك و جميع خلقه بالصدق ثم مشى حتى دخل سوق البصرة فنظر إلى الناس يبيعون و يشترون فبكى بكاء شديدا ثم قال يا عبيد الدنيا و عمال أهلها إذا كنتم بالنهار تحلفون و بالليل في فراشكم تنامون و في خلال ذلك عن الآخرة تغفلون فمتى تجهزون الزاد و تفكرون في المعاد فقال له رجل يا أمير المؤمنين إنه لا بد لنا من المعاش فكيف نصنع فقال أمير المؤمنين ع إن طلب المعاش من حله لا يشغل عن عمل الآخرة فإن قلت لا بد   لنا من الاحتكار لم تكن معذورا فولى الرجل باكيا فقال له أمير المؤمنين ع أقبل علي أزدك بيانا فعاد الرجل إليه فقال له اعلم يا عبد الله أن كل عامل في الدنيا للآخرة لا بد أن يوفى أجر عمله في الآخرة و كل عامل دنيا للدنيا عمالته في الآخرة نار جهنم ثم تلا أمير المؤمنين ع قوله تعالى فَأَمَّا مَنْ طَغى وَ آثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى

42-  جا، ]المجالس للمفيد[ عن أحمد بن الوليد عن أبيه عن الصفار عن ابن معروف عن ابن مهزيار عن عاصم عن فضيل الرسان عن يحيى بن عقيل قال قال علي ع إنما أخاف عليكم اثنتين اتباع الهوى و طول الأمل فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق و أما طول الأمل فينسي الآخرة ارتحلت الآخرة مقبلة و ارتحلت الدنيا مدبرة و لكل بنون فكونوا من بني الآخرة و لا تكونوا من أبناء الدنيا اليوم عمل و لا حساب و غدا حساب و لا عمل

43-  من كتاب عيون الحكم و المواعظ، لعلي بن محمد الواسطي استنسخناه من أصل قديم في المواعظ و ذكر الموت و هو خمسمائة و ثماني و ثمانون حكمة قوله ع رحم الله عبدا سمع حكما فوعى و دعي إلى الرشاد فدنا و أخذ بحجزة هاد فنجى و راغب ربه و خاف ذنبه قدم خالصا و عمل صالحا اكتسب مذخورا و اجتنب محذورا رمى غرضا و أحرز عوضا كابد هواه و كذب مناه جعل الصبر مطية نجاته و التقوى عدة وفاته ركب الطريقة الغراء و لزم المحجة البيضاء اغتنم المهل و بادر الأجل و تزود من العمل

44-  و من خطبة له ع تعرف بالغراء منها جعل لكم أسماعا لتعي ما عناها و أبصارا لتجلو عن عشاها و أشلاء جامعة   لأعضائها ملائمة لأحنائها في تركيب صورها و مدد عمرها بأبدان قائمة بأرفاقها و قلوب رائدة لأرزاقها في مجللات نعمه و موجبات سننه و حواجز عافيته و قدر لكم أعمارا سترها عنكم و خلف لكم عبرا من آثار الماضين قبلكم من مستمتع خلاقهم و مستفسح خناقهم أرهقهم المنايا دون الآمال لم يمهدوا في سلامة الأبدان و لم يعتبروا في أنف الأوان فهل ينتظر أهل بضاضة الشاب إلا حواني الهرم و أهل غضارة الصحة إلا نوازل السقم و أهل مدة البقاء إلا آونة الفناء مع قرب الزيال و أزوف الانتقال و علز القلق و ألم المضض و غصص الجرض و تلفت   الاستعانة بنصرة الحفظة و الأقرباء و الأعزة و القرناء فهل دفعت الأقارب أو نفعت النواحب و قد غودر في محلة الأموات رهينا و في ضيق المضجع وحيدا قد هتكت الهوام جلدته و أبلت النواهك جدته و عفت العواصف آثاره و محا الحدثان معالمه و صارت الأجساد شحبة بعد بضتها و العظام نخرة بعد قوتها و الأرواح مرتهنة بثقل أعبائها موقنة بغيب أنبائها لا تستزاد من صالح عملها و لا تستعتب من سيئ زللها أ و لستم ترون أبناء القوم و الآباء و إخوانهم و الأقرباء تحتذون   أمثلتهم و تركبون قدتهم و تطاون جادتهم فالقلوب قاسية عن حظها لاهية عن رشدها سالكة في غير مضمارها كأن المعنى سواها و كأن الرشد في إحراز دنياها فاعلموا أن مجازكم على الصراط و مزالق دحضه و أهاويل زلله و تارات أهواله فاتقوا الله تقية ذي لب شغل التفكر قلبه و أنصب الخوف بدنه و أسهر التهجد غرار نومه و أظمأ الرجاء هواجر يومه فظلف الرهب شهواته و أوجف الذكر بلسانه و قدم الخوف لإبانه و تنكب المخالج عن وضح السبيل و سلك أقصد المسالك إلى النهج المطلوب و لم تفتله فاتلات الغرور و لم تعم عليه مشتبهات الأمور   ظافرا بفرحة البشرى و راحة النعمى في أنعم نومه و آمن يومه قد عبر معبر العاجلة حميدا و قدم زاد الآجلة سعيدا و بادر من وجل و أكمش في مهل و رغب في طلب و ذهب عن هرب و راغب في يومه غده و نظر قدما أمامه فكفى بالجنة ثوابا و نوالا و كفى بالنار عقابا و وبالا و كفى بالله منتقما و نصيرا و كفى بالكتاب حجيجا و خصيما و منها أم هذا الذي أنشأه في ظلمات الأرحام و شغف الأستار نطفة دهاقا و علقة محاقا و جنينا و راضعا و وليدا و يافعا ثم منحه قلبا حافظا و لسانا لافظا و بصرا لاحظا ليفهم معتبرا و يقصر مزدجرا حتى إذا أقام اعتداله و استوى مثاله نفر مستكبرا و خبط سادرا ماتحا في غرب هواه كادحا سعيا لدنياه في لذات طربه و بدوات أربه ثم لا يحتسب رزية و لا يخشع نعيه فمات في قبيلته   عزيزا و عاش في هفوته يسيرا لم يفد عوضا و لم يقض مفترضا دهمته فجعات المنية في غبر جماحه و سنن مراحه فظل سادرا و بادت ساهرا في غمرات الآلام و طوارق الأوجاع و الأسقام بين أخ شقيق و والد شفيق و داعية بالويل جزعا و لادمة للصدر قلقا و المرء في سكره ملهية و غمرة كارثة و أنة موجعة و جذبة مكربة و سوقة متعبة قد أدرج في أكفانه مبلسا و جذب منقادا   سلسا ثم ألقي على الأعواد رجيع وصب و نضو سقم تحمله حفدة الولدان و حشدة الإخوان إلى دار غربته و منقطع زورته حتى إذا انصرف المشيع و رجع المتفجع أقعد في حفرته نجيا لبهتة السؤال و عثرة الامتحان و أعظم ما هنالك بلية نزل الحميم و تصلية الجحيم و فورات السعير و سورات الزفير لا فترة مريحة و لا دعة مزيحة و لا قوة حاجزة و لا موتة ناجزة و لا سنة مسلية بين أطوار الموتات و عذاب الساعات إنا بالله عائذون عباد الله أين الذين عمروا فنعموا و علموا ففهموا و نظروا فلهوا و سلموا فنسوا أمهلوا طويلا و منحوا جميلا و حذروا أليما و وعدوا جسيما احذروا الذنوب المورطة و العيوب المسخطة أولي الأسماع و الأبصار و العافية و المتاع هل من مناص أو خلاص أو معاذ أو ملاذ أو قرار أو مجاز أم لا فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ أم أين تصرفون أم بما ذا

   تغترون و إنما حظ أحدكم من الأرض ذات الطول و العرض قيد قده متعفرا على خده الآن عباد الله و الخناق مهمل و الروح مرسل في فينة الإرشاد و راحة الأجساد و مهل البقية و أنف المشية و إنظار التوبة و انفساح الحوبة قبل الضنك و المضيق و الروع و الزهوق و قبل قدوم الغائب المنتظر و أخذ العزيز المقتدر

44-  و من خطبة له ع فاتعظوا عباد الله بالعبر النوافع و اعتبروا بالآي السواطع و ازدجروا بالنذر البوالغ و انتفعوا بالذكر و المواعظ فكان قد علقتكم مخالب المنية و انقطعت عنكم علائق الأمنية و دهمتكم مفظعات الأمور و السياقة إلى الورد المورود و كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَ شَهِيدٌ و سائق يسوقها إلى محشرها و شاهد يشهد عليها بعملها

45-  و من خطبة له ع هل يحس به أحد إذا دخل منزلا أم هل يراه   إذا توفى أحدا بل كيف يتوفى الجنين في بطن أمه أ يلج عليه من بعض جوارحها أم الروح أجابته بإذن ربها أم هو ساكن معها في أحشائها كيف يصف إلهه من يعجز عن صفة مخلوق مثله

46-  و من خطبة له ع عباد الله الله الله في أعز الأنفس عليكم و أحبها إليكم فإن الله قد أفصح سبيل الحق و أنار طرقه بشقوة لازمة أو سعادة دائمة فتزودوا في أيام الفناء لأيام البقاء فقد دللتم على الزاد و أمرتم بالظعن و حثثتم على السير فإنما أنتم كركب وقوف لا يدرون متى يؤمرون بالمسير ألا فما يصنع بالدنيا من خلق للآخرة و ما يصنع بالمال من عما قليل يسلبه و يبقى عليه تبعته و حسابه عباد الله إنه ليس لما وعد الله من الخير مترك و لا فيما نهى عنه من الشر مرغب عباد الله احذروا يوما تفحص فيه الأعمال و يكثر فيه الزلزال و تشيب فيه الأطفال اعلموا عباد الله أن عليكم رصدا من أنفسكم و عيونا من جوارحكم و حفاظ صدق يحفظون أعمالكم و عدد أنفاسكم لا تستركم منه ظلمة ليل داج و لا يكنكم منه باب ذو رتاج و إن غدا من اليوم قريب يذهب اليوم بما فيه و يجي‏ء الغد بما لا خفاء به فكان كل امرئ منكم قد بلغ من الأرض منزل وحدته و محط حفرته فيا له من بيت وحدة و منزل وحشة و مفرد غربة و كان الصيحة قد أتتكم و الساعة قد غشيتكم و برزتم لفصل القضاء قد زاحت عنكم الأباطيل و اضمحلت عنكم العلل و استحقت بكم الحقائق و صدرتكم الأمور مصادرها   فاتعظوا بالغير و اعتبروا بالعبر و انتفعوا بالنذر

47-  و من كلامه ع قاله بعد تلاوته أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ يا له مراما ما أبعده و زورا ما أغفله و حطاما ما أفرغه و خطرا ما أفظعه أ فبمصارع آبائهم يفتخرون أم بعديد الهلكى يتكاثرون يرتجعون منهم أجسادا خوت و حركات سكنت و لأن يكونوا عبرا أحق من أن يكون مفتخرا و لأن يهبطوا منهم جناب ذلة أحجى من أن يقوموا بهم مقام عزة لقد نظروا إليهم بأبصار العشوة و ضربوا منهم في غمرة جهالة و لو استنطقوا عنهم عرصات تلك الديار الخاوية و الربوع الخالية لقالت ذهبوا في الأرض ضلالا و ذهبتهم في أعقابهم جهالا تطاون في هامهم و تستثبتون في أجسادهم و ترتعون فيما لفظوا و تسكنون فيما خربوا و إنما الأيام بينهم و بينكم بواك و نوائح عليكم   أولئكم سلف غايتكم و فراط مناهلكم الذين كانت لهم مقاوم العز و حلبات الفخر ملوكا و سوقا و سلكوا في بطون البرزخ سبيلا سلطت الأرض عليهم فيه فأكلت من لحومهم و شربت من دمائهم فأصبحوا في فجوات قبورهم جمادا لا ينمون و ضمارا لا يوجدون لا يفزعهم ورود الأهوال و لا يحزنهم تنكر الأحوال و لا يحفلون بالرواجف و لا يأذنون للقواصف غيبا لا ينتظرون و شهودا لا يحضرون و إنما كانوا جميعا فتشتتوا و ألافا فافترقوا و ما عن طول عهدهم و لا بعد محلهم عميت أخبارهم و صمت ديارهم و لكنهم سقوا كأسا بدلتهم بالنطق خرسا و بالسمع صمما و بالحركات سكونا فكأنهم في ارتجال الصفة صرعى سبات جيران لا يتأنسون و أحباء لا يتزاورون بليت بينهم عرى التعارف و انقطعت منهم أسباب   الإخاء فكلهم وحيد و هم جميع و بجانب الهجر و هم أخلاء لا يتعارفون لليل صباحا و لا لنهار مساء أي الجديدين ظعنوا فيه كان عليهم سرمدا شاهدوا من أخطار دارهم أفظع مما خافوا و رأوا من آياتها أعظم مما قدروا فكلتا الغايتين مدت لهم إلى مباءة فأتت مبالغ الخوف و الرجاء فلو كانوا ينطقون بها لعيوا بصفة ما شاهدوا و ما عاينوا و لئن عميت آثارهم و انقطعت أخبارهم لقد رجعت فيهم أبصار العبر و سمعت عنهم آذان العقول و تكلموا من غير جهات النطق فقالوا كلحت الوجوه النواضر و خوت الأجسام النواعم و لبسنا أهدام البلى و تكاءدنا ضيق المضجع و توارثنا الوحشة و تهكمت علينا الربوع الصموت فانمحت محاسن أجسادنا   و تنكرت معارف صورنا و طالت في مساكن الوحشة إقامتنا و لم نجد من كرب فرجا و لا من ضيق متسعا فلو مثلتهم بعقلك أو كشف عنهم محجوب الغطاء لك و قد ارتسخت أسماعهم بالهوام فاستكت و اختلجت أبصارهم بالتراب فخسفت و تقطعت الألسنة في أفواههم بعد ذلاقتها و همدت القلوب في صدورهم بعد يقظتها و عاث في كل جارحة منهم جديد بلى سمجها و سهل طرق الآفة إليها مستسلمات فلا أيد تدفع و لا قلوب تجزع لرأيت أشجان قلوب و أقذاء عيون لهم من كل فظاعة صفة حال لا تنتقل و غمرة لا تنجلي فكم أكلت الأرض من عزيز جسد و أنيق لون كان في الدنيا غذي ترف و ربيب شرف يتعلل بالسرور في ساعة حزنه و يفزع إلى السلوة إن مصيبة نزلت به ضنا بغضارة عيشه و شحاحة بلهوه و لعبه فبينا هو يضحك إلى الدنيا و تضحك   الدنيا إليه في ظل عيش غفول إذ وطئ الدهر به حسكة و نقضت الأيام قواه و نظرت إليه الحتوف من كثب فخالطه بث لا يعرفه و نجي هم ما كان يجده و تولدت فيه فترات علل آنس ما كان بصحته ففزع إلى ما كان عودة الأطباء من تسكين الحار بالقار و تحريك البارد بالحار فلم يطفئ ببارد إلا ثور حرارة و لا حرك بحار إلا هيج برودة و لا اعتدل بممازج لتلك الطبائع إلا أمد منها كل ذات داء حتى فتر معللة و ذهل ممرضة و تعايا أهله بصفة دائه و خرسوا عن جواب السائلين عنه و تنازعوا دونه شجي خبر يكتمونه   فقائل يقول هو لما به و ممن لهم إياب عافيته و مصبر لهم على فقده يذكرهم أسى الماضين من قبله فبينا هو كذلك على جناح من فراق الدنيا و ترك الأحبة إذ عرض له عارض من غصصه فتحيرت نوافذ فطنته و يبست رطوبة لسانه فكم من مهم من جوابه عرفه فعي عن رده و دعاء مؤلم بقلبه سمعه فتصام عنه من كبير كان يعظمه أو صغير كان يرحمه و إن للموت لغمرات هي أفظع من أن تستغرق بصفة أو تعتدل على عقول أهل الدنيا

48-  و من كلامه ع إنكم مخلوقون اقتدارا و مربوبون اقتسارا   و مقبوضون احتضارا و مضمنون أجداثا و كائنون رفاتا و مبعوثون أفرادا و مدينون جزاء و مميزون حسابا فرحم الله عبدا اقترف فاعترف و وجل فعمل و حاذر فبادر و عبر فاعتبر و حذر فازدجر فأجاب فأناب و راجع فتاب و اقتدى فاحتذى فباحث طلبا و نجا هربا فأفاد ذخيرة و أطال سريرة و تأهب للمعاد و استظهر بالزاد ليوم رحيله و وجه مسيله و حال حاجته و موطن فاقته تقدم أمامه لدار مقامه فمهدوا لأنفسكم في سلامة الأبدان فهل ينتظر أهل غضارة الشاب إلا حواني الهرم و أهل بضاضة الصحة إلا نوازل السقم و أهل مدة البقاء إلا مفاجاة الفناء و اقتراب الفوت و دنو الموت و أزوف الانتقال و إشفاء الزوال و حفي الأنين و رشح الجبين و امتداد العرنين و علز القلق و فيض الرمق و ألم المضض و غصص الجرض   و اعلموا عباد الله أنكم و ما أنتم فيه من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى ممن كان أطول منكم أعمارا و أشد بطشا و أعمر ديارا و أبعد آثارا فأصبحت أصواتهم هامدة جامدة من بعد طول تقلبها و أجسادهم بالية و ديارهم خالية و آثارهم عافية و استبدلوا بالقصور المشيدة و السرر و النمارق الممهدة الصخور و الأحجار المسندة في القبور للاطية الملحدة التي قد بين الخراب فناؤها و شيد التراب بناؤها فمحلها مقترب و ساكنها مغترب بين أهل عمارة موحشين و أهل محلة متشاغلين لا يستأنسون بالعمران و لا يتواصلون الجيران و الإخوان على ما بينهم من قرب الجوار و دنو الدار و كيف يكون بينهم تواصل و قد طحنهم بكلكلة البلى فأكلهم الجنادل و الثرى فأصبحوا بعد الحياة أمواتا و بعد غضارة العيش رفاتا فجع بهم الأحباب و سكنوا التراب و ظعنوا فليس لهم إياب هيهات هيهات كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ و كأن قد صرتم إلى ما صاروا إليه من البلى و الوحدة في دار الموت و ارتهنتم في ذلك   المضجع و ضمكم ذلك المستودع فكيف بكم لو قد تناهت الأمور و بعثرت القبور وَ حُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ و وقعتم للتحصيل بين يدي الملك الجليل فطارت القلوب لإشفاقها من سالف الذنوب و هتكت منكم الحجب و الأستار و ظهرت منكم الغيوب و الأسرار هنالك تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ إن الله يقول لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى اغتنموا أيام الصحة قبل السقم و الشيبة قبل الهرم و بادروا التوبة قبل الندم و لا يحملنكم المهلة على طول الغفلة فإن الأجل يهدم الأمل و الأيام موكلة بنقص المدة و تفريق الأحبة فبادروا رحمكم الله بالتوبة قبل حضور النوبة و برزوا للغيبة التي لا ينتظر معها الأوبة و استعينوا على بعد المسافة بطول المخافة فكم من غافل وثق لغفلته و تعلل بمهلته فأمل بعيدا و بنى مشيدا فنقص بقرب أجله بعد أمله فاجأته منيته بانقطاع أمنيته فصار بعد العز و المنعة و الشرف و الرفعة مرتهنا بموبقات عمله قد غاب فما يرجع و ندم فما انتفع و شقي بما جمع في يومه و سعد به غيره في غده و بقي مرتهنا بكسب يده ذاهلا عن أهله و ولده لا يغني عنه ما ترك فتيلا و لا يجد إلى مناص سبيلا فعلام عباد الله التعرج و الدلج و إلى أين المفر و المهرب و هذا الموت   في الطلب يخترم الأول فالأول لا يتحنن على ضعيف و لا يعرج على شريف و الجديدان يحثان الأجل تحثيثا و يسوقانه سوقا حثيثا و كل ما هو آت فقريب و من وراء ذلك العجب العجب فأعدوا الجواب ليوم الحساب و أكثروا الزاد ليوم المعاد عصمنا الله و إياكم بطاعته و أعاننا و إياكم على ما يقرب إليه و يزلف لديه فإنما نحن به و له إن الله وقت لكم الآجال و ضرب لكم الأمثال و ألبسكم الرياش و أرفع لكم المعاش و آثركم بالنعم السوابغ و تقدم إليكم بالحجج البوالغ و أوسع لكم في الرفد الروافغ فتشمروا فقد أحاط بكم الإحصاء و ارتهن لكم الجزاء القلوب قاسية عن حظها لاهية عن رشدها اتقوا الله تقية من شمر تجريدا و جد تشميرا و انكمش في مهل و أشفق في وجل و نظر في كرة الموئل و عاقبة المصدر و مغبة المرجع و كفى بالله منتقما و نصيرا و كفى بكتاب الله حجيجا و خصيما رحم الله عبدا استشعر الحزن و تجلبب الخوف و أضمر اليقين و عرى عن الشك

   في توهم الزوال فهو منه على وبال فزهر مصباح الهدى في قلبه و قرب على نفسه البعيد و هون الشديد فخرج من صفة العمى و مشاركة الموتى و خيار من مفاتيح الهدى و مغاليق أبواب الردى و استفتح بما فتح به العالم أبوابه و خاض بحاره و قطع غماره و وضحت له سبيله و مناره و استمسك من العرى بأوثقها و استعصم من الجبال بأمتنها خواض غمرات فتاح مبهمات دفاع معضلات دليل فلوات يقول فيفهم و يسكت فيسلم قد أخلص لله فاستخلصه فهو من معادن دينه و أوتاد أرضه قد ألزم نفسه العدل فكان أول عدله نفي الهوى عن نفسه يصف الحق و يعمل به لا

يدع للخير غاية إلا أمها و لا مطية إلا قصدها 

49-  كتاب الغارات، لإبراهيم بن محمد الثقفي عن أبي زكريا الجريري عن بعض أصحابه قال خطبة لأمير المؤمنين ع الحمد لله نحمده و نستعينه و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا من يهدي الله فلا مضل له و مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله انتجبه بالولاية و اختصه بالإكرام و بعثه بالرسالة أحب خلقه إليه و أكرمهم عليه فبلغ رسالات ربه و نصح لأمته و قضى الذي عليه أوصيكم بتقوى الله فإن تقوى الله خير ما تواصت به العباد و أقربه من رضوان الله و خيرة في عواقب الأمور فبتقوى الله أمرتم و لها خلقتم فاخشوا الله خشية ليست بسمعة و لا تعذير فإنه لم يخلقكم عبثا و ليس بتارككم سدى قد أحصى أعمالكم و سمى آجالكم و كتب آثاركم فلا تغرنكم الدنيا فإنها غرارة مغرور من اغتر بها و إلى فناء ما هي نسأل الله ربنا و ربكم أن يرزقنا و إياكم خشية السعداء و منازل الشهداء و مرافقة الأنبياء فإنما نحن به و له

    -50  و بهذا الإسناد، خطبة له ع الحمد لله نحمده تسبيحا و نمجده تمجيدا نكبر عظمته لعز جلاله و نهلله تهليلا موحدا مخلصا و نشكره في مصانعة الحسنى أهل الحمد و الثناء الأعلى و نستغفره للحت من الخطايا و نستعفيه من متح ذنوب البلايا و نؤمن بالله يقينا في أمره و نستهدي بالهدى العاصم المنقذ العازم بعزمات خير قدر موجب فصل عدل فضاء نافذ بفوز سابق بسعادة في كتاب كريم مكنون و نعوذ بالله من مضيق مضايق السبل على أهلها بعد اتساع مناهج الحق لطمس آيات منير الهدى بلبس ثياب مضلات الفتن و نشهد غير ارتياب حال دون يقين مخلص بأن الله واحد موحد وفي وعده وثيق عقده صادق قوله لا شريك له في الأمر و لا ولي له من الذل نكبره تكبيرا لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ و نشهد أن محمدا ص عبده بعيث الله لوحيه و نبيه بعينه و رسوله بنوره مجيبا مذكرا مؤديا مبقيا مصابيح شهب ضياء مبصر و ماحيا ماحقا مزهقا رسوم أباطيل خوض الخائضين بدار اشتباك ظلمة كفر دامس فجلا غواشي أظلام لجي راكد بتفصيل آياته من بعد توصيل قوله و فصل فيه القول للذاكرين بمحكمات منه بينات و مشتبهات يتبعها الزائغ قلبه ابتغاء التأويل تعرضا للفتن و الفتن محيطة بأهلها و الحق نهج مستنير من يطع الرسول يطع الله و من يطع الله يستحق الشكر من الله بحسن الجزاء و من يعص الله و رسوله يعاين عسر الحساب لدى اللقاء قضاء بالعدل عند القصاص بالحق يوم إفضاء الخلق إلى الخالق أما بعد فمنصت سامع لواعظ نفعه إنصاته و صامت ذو لب شغل قلبه بالفكر في أمر الله حتى أبصر فعرف فضل طاعته على معصيته و شرف نهج ثوابه على احتلال من عقابه و مخبر النائل رضاه عند المستوجبين غضبه عند تزايل الحساب و شتى بين الخصلتين و بعيد تقارب ما بينهما أوصيكم بتقوى الله بارئ الأرواح و فالق الإصباح

    -51  من كتاب مطالب السئول، لمحمد بن طلحة من كلام أمير المؤمنين ع ذمتي بما أقول رهينة وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ إن من صرحت له العبر عما بين يديه من المثلات حجزه التقوى عن تقحم الشبهات ألا و إن الخطايا خيل شمس حمل عليها أهلها و خلعت لجمها فتقحمت بهم في النار ألا و إن التقوى مطايا ذلل حمل عليها أهلها و أعطوا أزمتها فأوردتهم الجنة حق و باطل و لكل أهل فلئن أمر الباطل لقديما فعل و لئن قل الحق فلربما و لعل و لقلما أدبر شي‏ء فأقبل لقد شغل من الجنة و النار أمامه ساع سريع نجا و طالب بطي‏ء رجا و مقصر في النار هوي اليمين و الشمال مضلة و الطريق الوسطى هي الجادة عليها باقي الكتاب و آثار النبوة و منها منفذ السنة و إليها مصير العاقبة هلك من ادعى و خابَ مَنِ افْتَرى و خسر من باع الآخرة بالأولى و لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ و كل ما هو آت قريب

52-  و منه، لقد جاهرتكم العبر و زجرتم بما فيه مزدجر و ما يبلغ عن الله بعد رسل الله إلا البشر ألا و إن الغاية أمامكم و إن وراءكم الساعة تحدوكم تخففوا تلحقوا فإنما ينتظر بأولكم آخركم

    -53  و قال ع يوما و قد أحدق الناس به أحذركم الدنيا فإنها منزل قلعة و ليست بدار نجعة هانت على ربها فخلط خيرها بشرها و حلوها بمرها لم يضعها لأوليائه و لا يضنن بها على أعدائه و هي دار ممر لا دار مستقر و الناس فيها رجلان رجل باع نفسه فأوبقها و رجل ابتاع نفسه فأعتقها إن اعذوذب منها جانب فحلا أمر منها جانب فأوبى أولها عناء و آخرها فناء من استغنى فيها فتن و من افتقر فيها حزن من ساعاها فاتته و من قعد عنها أتته و من أبصر فيها بصرته و من أبصر إليها أعمته فالإنسان فيها غرض المنايا مع كل جرعة شرق و مع كل أكلة غصص لا تنال منها نعمة إلا بفراق أخرى

54-  و قال يوما في مسجد الكوفة و عنده وجوه الناس أيها الناس إنا قد أصبحنا في دهر عنود و زمن شديد يعد فيه المحسن مسيئا و يزداد الظالم فيه عتوا لا ننتفع بما علمنا و لا نسأل عما جهلنا و لا نتخوف قارعة حتى تحل بنا و الناس على أربعة أصناف منهم من لا يمنعه الفساد في الأرض إلا مهانة نفسه و كلالة حده و نضيض وفره و منهم المصلت بسيفه المعلن بشره و المجلب بخيله و رجله قد أهلك نفسه و أوبق دينه لحطام ينتهزه أو مقنب يقوده أو منبر يفرعه و لبئس المتجر أن ترى   الدنيا لنفسك ثمنا و مما لك عند الله عوضا و منهم من يطلب الدنيا بعمل الآخرة و لا يطلب الآخرة بعمل الدنيا قد طأمن من شخصه و قارب من خطوه و شمر من ثوبه و زخرف من نفسه للأمانة و اتخذ سر الله تعالى ذريعة إلى المعصية و منهم من أقعده عن طلب الملك ضئولة نفسه و انقطاع سببه فقصرته الحال على حاله فتحلى باسم القناعة و تزين بلباس أهل الزهادة و ليس من ذلك في مراح و لا مغدى و بقي رجال غض أبصارهم ذكر المرجع و أراق دموعهم خوف المحشر فهم بين شريد ناء و خائف مقموع و ساكت مكعوم و داع مخلص و ثكلان موجع قد أخملتهم التقية و شملتهم الذلة فهم في بحر أجاج أفواههم خامرة و قلوبهم قرحة قد وعظوا حتى ملوا و قهروا حتى ذلوا و قتلوا حتى قلوا فلتكن الدنيا عندكم أصغر من حثالة القرظ و قراضة الجلم و اتعظوا بمن كان قبلكم قبل أن يتعظ بكم من بعدكم و ارفضوها ذميمة فإنها رفضت من كان أشغف بها منكم فيا ما أغر خداعها مرضعة و يا ما أضر نكالها فاطمة

55-  و قد نقل عنه ع أنه قال و قد اجتمع حوله خلق كثير اتقوا الله فما   خلق امرؤ عبثا فيلهو و لا ترك سدى فيلغو و ما دنياه التي تحسنت له بخلف من الآخرة التي قبحها سوء ظنه عنده و ما المغرور بزخرفها الذي بناج من عذاب ربه عند مرده إليه

56-  و قال ع عليكم بالعلم فإنه صلة بين الإخوان و دال على المروة و تحفة في المجالس و صاحب في السفر و مونس في الغربة و إن الله تعالى يحب المؤمن العالم الفقيه الزاهد الخاشع الحيي العليم الحسن الخلق المقتصد المنصف

57-  و قال ع من تواضع للمتعلمين و ذل للعلماء ساد بعلمه فالعلم يرفع الوضيع و تركه يضع الرفيع و رأس العلم التواضع و بصره البراءة من الحسد و سمعه الفهم و لسانه الصدق و قلبه حسن النية و عقله معرفة أسباب الأمور و من ثمراته التقوى و اجتناب الهوى و اتباع الهدى و مجانبة الذنوب و مودة الإخوان و الاستماع من العلماء و القبول منهم و من ثمراته ترك الانتقام عند القدرة و استقباح مقارفة الباطل و استحسان متابعة الحق و قول الصدق و التجافي عن سرور في غفلة و عن فعل ما يعقب ندامة و العلم يزيد العاقل عقلا و يورث متعلمه صفات حمد فيجعل الحليم أميرا و ذا المشورة وزيرا و يقمع الحرص و يخلع المكر و يميت البخل و يجعل مطلق الوحش مأسورا و بعيد السداد قريبا

58-  و قال ع العقل عقلان عقل الطبع و عقل التجربة و كلاهما يؤدي إلى المنفعة و الموثوق به صاحب العقل و الدين و من فاته العقل و المروة فرأس ماله المعصية و صديق كل امرئ عقله و عدوه جهله و ليس العاقل من يعرف الخير من الشر و لكن العاقل من يعرف خير الشرين و مجالسة العقلاء تزيد في الشرف و العقل الكامل قاهر الطبع السوء و على العاقل أن يحصي على نفسه مساويها في الدين و الرأي و الأخلاق و الأدب فيجمع ذلك في صدره أو في كتاب   و يعمل في إزالتها

59-  و قال ع الإنسان عقل و صورة فمن أخطأه العقل و لزمته الصورة لم يكن كاملا و كان بمنزلة من لا روح فيه و من طلب العقل المتعارف فليعرف صورة الأصول و الفضول فإن كثيرا من الناس يطلبون الفضول و يضعون الأصول فمن أحرز الأصل اكتفى به عن الفضل و أصل الأمور في الإنفاق طلب الحلال لما ينفق و الرفق في الطلب و أصل الأمور في الدين أن يعتمد على الصلوات و يجتنب الكبائر و ألزم ذلك لزوم ما لا غنى عنه طرفة عين و إن حرمته هلك فإن جاوزته إلى الفقه و العبادة فهو الحظ و إن أصل العقل العفاف و ثمرته البراءة من الآثام و أصل العفاف القناعة و ثمرتها قلة الأحزان و أصل النجدة القوة و ثمرتها الظفر و أصل العقل القدرة و ثمرتها السرور و لا يستعان على الدهر إلا بالعقل و لا على الأدب إلا بالبحث و لا على الحسب إلا بالوفاء و لا على الوقار إلا بالمهابة و لا على السرور إلا باللين و لا على اللب إلا بالسخاء و لا على البذل إلا بالتماس المكافاة و لا على التواضع إلا بسلامة الصدر و كل نجدة يحتاج إلى العقل و كل معونة تحتاج إلى التجارب و كل رفعة يحتاج إلى حسن أحدوثة و كل سرور يحتاج إلى أمن و كل قرابة يحتاج إلى مودة و كل علم يحتاج إلى قدرة و كل مقدرة تحتاج إلى بذل و لا تعرض لما لا يعنيك بترك ما يعنيك فرب متكلم في غير موضعه قد أعطبه ذلك

60-  و قال ع لا تسترشد إلى الحزم بغير دليل العقل فتخطئ منهاج الرأي فإن أفضل العقل معرفة الحق بنفسه و أفضل العلم وقوف الرجل عند علمه و أفضل المروة استبقاء الرجل ماء وجهه و أفضل المال ما وقي به العرض و قضيت به الحقوق

61-  و عن عبد الله بن عباس قال ما انتفعت بكلام بعد رسول الله ص كانتفاعي   بكتاب كتبه إلي علي بن أبي طالب ع فإنه كتب إلي أما بعد فإن المرء قد يسره درك ما لم يكن ليفوته و يسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه فليكن سرورك بما نلت من آخرتك و ليكن أسفك على ما فاتك منها و ما نلت من دنياك فلا تكثرن به فرحا و ما فاتك منه فلا تأس عليه جزعا و ليكن همك فيما بعد الموت و السلام

62-  و قال ع لجماعة خذوا عني هذه الكلمات فلو ركبتم المطي حتى تنضوها ما أصبتم مثلها لا يرجون عبد إلا ربه و لا يخافن إلا ذنبه و لا يستحي إذا لم يعلم أن يتعلم و لا يستحي إذا سئل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم و اعلموا أن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد و لا خير في جسد لا رأس له فاصبروا على ما كلفتموه رجاء ما وعدتموه

63-  و قال ع الشي‏ء شيئان شي‏ء قصر عني لم أرزقه فيما مضى و لا أرجوه فيما بقي و شي‏ء لا أناله دون وقته و لو استعنت عليه بقوة أهل السماوات و الأرض فما أعجب أمر هذا الإنسان يسره درك ما لم يكن ليدركه و لو أنه فكر لأبصر و لعلم أنه مدبر و اقتصر على ما تيسر و لم يتعرض لما تعسر و استراح قلبه مما استوعر فبأي هذين أفني عمري فكونوا أقل ما يكونون في الباطن أموالا أحسن ما يكونون في الظاهر أحوالا فإن الله تعالى أدب عباده المؤمنين العارفين أدبا حسنا فقال جل من قائل يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً

64-  و قال ع لا يكون غنيا حتى يكون عفيفا و لا يكون زاهدا حتى يكون متواضعا و لا يكون حليما حتى يكون وقورا و لا يسلم لك قلبك حتى تحب للمؤمنين ما تحب لنفسك و كفى بالمرء جهلا أن يرتكب ما نهي عنه و كفى به عقلا   أن يسلم عن شره فأعرض عن الجهل و أهله و اكفف عن الناس ما تحب أن يكف عنك و أكرم من صافاك و أحسن مجاورة من جاورك و ألن جانبك و اكفف عن الأذى و اصفح عن سوء الأخلاق و لتكن يدك العليا إن استطعت و وطن نفسك على الصبر على ما أصابك و ألهم نفسك القنوع و اتهم الرجاء و أكثر الدعاء تسلم من سورة الشيطان و لا تنافس على الدنيا و لا تتبع الهوى و توسط في الهمة تسلم ممن يتبع عثراتك و لا تك صادقا حتى تكتم بعض ما تعلم احلم عن السفيه يكثر أنصارك عليه عليك بالشيم العالية تقهر من يعاديك قل الحق و قرب المتقين و اهجر الفاسقين و جانب المنافقين و لا تصاحب الخائنين

65-  و قال ع قل عند كل شدة لا حول و لا قوة إلا بالله تكف بها و قل عند كل نعمة الحمد لله تزدد منها و قل إذا أبطأت عليك الأرزاق أستغفر الله يوسع عليك عليك بالمحجة الواضحة التي لا تخرجك إلى عوج و لا تردك عن منهج الناس ثلاث عالم رباني و متعلم على سبيل النجاة و همج رعاع مفتاح الجنة الصبر مفتاح الشرف التواضع مفتاح الغنى اليقين مفتاح الكرم التقوى من أراد أن يكون شريفا فيلزم التواضع عجب المرء بنفسه أحد حساد عقله الطمأنينة قبل الحزم ضد الحزم المغتبط من حسن يقينه

66-  و قال ع اللهو يسخط الرحمن و يرضي الشيطان و ينسي القرآن عليكم بالصدق فإن الله مع الصادقين المغبون من غبن دينه جانبوا الكذب فإنه مجانب الإيمان و الصادق على سبيل نجاة و كرامة و الكاذب على شفا هلك و هون قولوا الحق تعرفوا به و اعملوا الحق تكونوا من أهله و أدوا الأمانة إلى من ائتمنكم و لا تخونوا من خانكم و صلوا أرحام من قطعكم و عودوا بالفضل على من حرمكم أوفوا إذا عاهدتم و اعدلوا إذا حكمتم لا تفاخروا بالآباء وَ لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ و لا تحاسدوا و لا تباغضوا و لا تقاطعوا و أفشوا السلام و ردوا التحية بأحسن منها و ارحموا الأرملة و اليتيم و أعينوا الضعيف و المظلوم و أطيبوا المكسب و أجملوا في الطلب

    -67  و قال ع لا راحة لحسود و لا مودة لملول و لا مروة لكذوب و لا شرف لبخيل و لا همة لمهين و لا سلامة لمن أكثر مخالطة الناس الوحدة راحة و العزلة عبادة و القناعة غنية و الاقتصاد بلغة و عدل السلطان خير من خصب الزمان و العزيز بغير الله ذليل و الغني الشره فقير لا يعرف الناس إلا بالاختبار فاختبر أهلك و ولدك في غيبتك و صديقك في مصيبتك و ذا القرابة عند فاقتك و ذا التودد و الملق عند عطلتك لتعلم بذلك منزلتك عندهم و احذر ممن إذا حدثته ملك و إذا حدثك غمك و إن سررته أو ضررته سلك فيه معك سبيلك و إن فارقك ساءك مغيبه بذكر سوأتك و إن مانعته بهتك و افترى و إن وافقته حسدك و اعتدى و إن خالفته مقتك و مارى يعجز عن مكافاة من أحسن إليه و يفرط على من بغى عليه يصبح صاحبه في أجر و يصبح هو في وزر لسانه عليه لا له و لا يضبط قلبه قوله يتعلم للمراء و يتفقه للرياء يبادر الدنيا و يؤاكل التقوى فهو بعيد من الإيمان قريب من النفاق مجانب للرشد موافق للغي فهو باغ غاو لا يذكر المهتدين

68-  و قال ع لا تحدث من غير ثقة فتكون كذابا و لا تصاحب همازا فتعد مرتابا و لا تخالط ذا فجور فترى متهما و لا تجادل عن الخائنين فتصبح ملوما و قارن أهل الخير تكن منهم و باين أهل الشر تبن عنهم و اعلم أن من الحزم العزم و احذر اللجاج تنج من كبوته و لا تخن من ائتمنك و إن خانك في أمانته و لا   تذع سر من أذاع سرك و لا تخاطر بشي‏ء رجاء ما هو أكثر منه و خذ الفضل و أحسن البذل و قل للناس حسنا و لا تتخذ عدو صديقك صديقا فتعادي صديقك و ساعد أخاك و إن جفاك و إن قطعته فاستبق له بقية من نفسك و لا تضيعن حق أخيك فتعدم إخوته و لا يكن أشقى الناس بك أهلك و لا ترغبن فيمن زهد فيك و ليس جزاء من سرك أن تسوءه و اعلم أن عاقبة الكذب الذم و عاقبة الصدق النجاة

69-  و نقل عنه ع أنه رأى جابر بن عبد الله رضي الله عنه و قد تنفس الصعداء فقال ع يا جابر على م تنفسك أ على الدنيا فقال جابر نعم فقال له يا جابر ملاذ الدنيا سبعة المأكول و المشروب و الملبوس و المنكوح و المركوب و المشموم و المسموع فألذ المأكولات العسل و هو بصق من ذبابة و أحلى المشروبات الماء و كفى بإباحته و سباحته على وجه الأرض و أعلى الملبوسات الديباج و هو من لعاب دودة و أعلى المنكوحات النساء و هو مبال في مبال و مثال لمثال و إنما يراد أحسن ما في المرأة لأقبح ما فيها و أعلى المركوبات الخيل و هو قواتل و أجل المشمومات المسك و هو دم من سرة دابة و أجل المسموعات الغناء و الترنم و هو إثم فما هذه صفته لم يتنفس عليه عاقل قال جابر بن عبد الله فو الله ما خطرت الدنيا بعدها على قلبي

70-  و قال ع في الأمثال بالصبر يناضل الحدثان الجزع من أنواع الحرمان العدل مألوف و الهوى عسوف و الهجران عقوبة العشق البخل جلباب المسكنة لا تأمنن ملولا إزالة الرواسي أسهل من تأليف القلوب المتنافرة من اتبع الهوى ضل الشجاعة صبر ساعة خير الأمور أوسطها القلب بالتعلل رهين من ومقك   أعتبك القلة ذلة المجاعة مسكنة خير أهلك من كفاك ترك الخطيئة أهون من طلب التوبة من ولع بالحسد ولع به الشؤم كم تلف من صلف كم قرف من سرف عدو عاقل خير من صديق أحمق التوفيق من السعادة و الخذلان من الشقاوة من بحث عن عيوب الناس فبنفسه بدأ من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته من سلم من ألسنة الناس كان سعيدا من صحب الملوك تشاغل بالدنيا الفقر طرف من الكفر من وقع في ألسنة الناس هلك من تحفظ من سقط الكلام أفلح كل معروف صدقة كم من غريب خير من قريب لو ألقيت الحكمة على الجبال لقلقلتها كم من غريق هلك في بحر الجهالة و كم عالم قد أهلكته الدنيا خير إخوانك من واساك و خير منه من كفاك خير مالك ما أعانك على حاجتك خير من صبرت عليه من لا بد لك منه أحق من أطعت مرشد لا يعصيك من أحب الدنيا جمع لغيره المعروف فرض و الأيام دول عند تناهي البلاء يكون الفرج من كان في النعمة جهل قدر البلية من قل سروره كان في الموت راحته قد ينمي القليل فيكثر و يضمحل الكثير فيذهب رب أكلة يمنع الأكلات أفلج الناس حجة من شهد له خصمه بالفلج السؤال مذلة و العطاء محبة من حفر لأخيه بئرا كان بترديه فيها جديرا أملك عليك لسانك حسن التدبير مع الكفاف أكفى من الكثير مع الإسراف الفاحشة كاسمها مع كل جرعة شرقة مع كل أكلة غصة بحسب السرور يكون التنغيص الهوى يهوي بصاحب الهوى عدو العقل الهوى الليل أخفى للويل صحبة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار من أكثر من شي‏ء عرف به رب كثير هاجه صغير رب ملوم لا ذنب له الحر حر و لو مسه الضر ما ضل من   استرشد و لا حار من استشار الحازم لا يستبد برأيه آمن من نفسك عندك من وثقت به على سرك المودة بين الآباء قرابة بين الأبناء

71-  و قال ع من رضي عن نفسه كثر الساخط عليه و من بالغ في الخصومة أثم و من قصر فيها ظلم من كرمت عليه نفسه هانت عليه شهوته إنه ليس لأنفسكم ثمن إلا الجنة فلا تبيعوها إلا بها من عظم صغار المصائب ابتلاه الله بكبارها الولايات مضامير الرجال ليس بلد أحق منك من بلد و خير البلاد من حملك إذا كان في الرجل خلة رائعة فانتظر أخواتها الغيبة جهد العاجز رب مفتون بحسن القول فيه ما لابن آدم و الفخر أوله نطفة و آخره جيفة لا يرزق نفسه و لا يمنع حتفه الدنيا تغر و تضر و تمر إن الله تعالى لم يرضها ثوابا بأوليائه و لا عقابا لأعدائه و إن أهل الدنيا كركب بينا هم حلوا إذ صاح سائقهم فارتحلوا من صارع الحق صرعه القلب مصحف البصر التقى رئيس الأخلاق ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء طلبا لما عند الله و أحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء اتكالا على الله كل مقتصر عليه كاف الدهر يومان يوم لك و يوم عليك فإن كان لك فلا تبطر و إن كان عليك فلا تضجر من طلب شيئا ناله أو بعضه الركون إلى الدنيا مع ما يعاين منها جهل و التقصير في حسن العمل مع الوثوق بالثواب عليه غبن و الطمأنينة إلى كل أحد قبل الاختبار عجز و البخل جامع لمساوي الأخلاق نعم الله على العبد مجلبة لحوائج الناس إليه فمن قام لله فيها بما يجب عرضها للدوام و البقاء و من لم يقم فيها بما يجب عرضها للزوال و الفناء الرغبة مفتاح النصب و الحسد مطية التعب من علم أن كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه من نظر في عيوب الناس فأنكرها ثم حببها لنفسه فذلك الأحمق بعينه العفاف   زينة الفقر و الشكر زينة الغنى رسولك ترجمان عقلك و كتابك أبلغ ما ينطق عنك الناس أبناء الدنيا و لا يلام الرجل على حب أمه الطمع ضامن غير وفي و الأماني تعمي أعين البصائر لا تجارة كالعمل الصالح و لا ربح كالثواب و لا قائد كالتوفيق و لا حسب كالتواضع و لا شرف كالعلم و لا ورع كالوقوف عند الشبهة و لا قرين كحسن الخلق و لا عبادة كأداء الفرائض و لا عقل كالتدبير و لا وحدة أوحش من العجب و من أطال الأمل أساء العمل

72-  و سمع ع رجلا من الحرورية يقرأ و يتهجد فقال نوم على يقين خير من صلاة في شك إذا تم العقل نقص الكلام قدر الرجل قدر همته قيمة كل امرئ ما يحسنه المال مادة الشهوات الناس أعداء ما جهلوه أنفاس المرء خطاه إلى أجله

73-  و قال ع أحذركم الدنيا فإنها خضرة حلوة حفت بالشهوات و تحببت بالعاجلة و عمرت بالآمال و تزينت بالغرور و لا يؤمن فجعتها و لا يدوم حبرتها ضرارة غدارة غرارة زائلة بائدة أكالة عوالة لا تعدو إذا تناهت إلى أمنية أهل الرضا بها و الرغبة فيها أن يكون كما قال الله عز و جل كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ على أن امرأ لم يكن فيها في حبرة إلا أعقبته بعدها عبرة و لم يلق   من سرائها بطنا إلا منحته من ضرائها ظهرا و لم تطله فيها ديمة رخاء إلا هتنت عليه مزنة بلاء و حري إذا أصبحت له متنصرة أن تمسى له متنكرة فإن جانب منها اعذوذب لامرئ و احلولى أمر عليه جانب فأوبى و إن لقي امرؤ من غضارتها رغبا زودته من نوائبها تعبا و لا يمسي امرؤ منها في جناح أمن إلا أصبح في خوافي خوف غرارة غرور ما فيها فانية فإن من عليها من أقل منها استكثر مما يؤمنه و من استكثر منها لم يدم له و زال عما قليل عنه كم من واثق بها قد فجعته و ذي طمأنينة إليها قد صرعته و ذي خدع قد خدعته و ذي أبهة قد صيرته حقيرا و ذي نخوة قد صيرته خائفا فقيرا و ذي تاج قد أكبته لليدين و الفم سلطانها دول و عيشها رنق و عذبها أجاج و حلوها صبر و غذائها سمام و أسبابها رمام حيها بعرض موت و صحيحها بعرض سقم و منيعها بعرض اهتضام عزيزها مغلوب و ملكها مسلوب و ضيفها مثلوب و جارها محروب ثم من وراء   ذلك هول المطلع و سكرات الموت و الوقوف بين يدي الحكم العدل لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى أ لستم في منازل من كان أطول منكم أعمارا و آثارا و أعد منكم عديدا و أكثف جنودا و أشد منكم عتودا تعبدوا الدنيا أي تعبد و آثروها أي إيثار ثم ظعنوا عنها بالصغار فهل بلغكم أن الدنيا سخت لهم بفدية أو أغنت عنهم فيما قد أهلكهم من خطب بل قد أوهنتهم بالقوارع و ضعضعتهم بالنوائب و عفرتهم للمناخر و أعانت عليهم ريب المنون فقد رأيتم تنكرها لمن دان لها و أخلد إليها حتى ظعنوا عنها لفراق أمد إلى آخر المستند هل أحلتهم إلا الضنك أو زودتهم إلا التعب أو نورت لهم إلا الظلم أو أعقبتهم إلا النار فهذه تؤثرون أم على هذه تحرصون إلى هذه تطمئنون يقول الله جل من قائل مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَ هُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَ حَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ فبئست الدار لمن لا يتهمها و إن لم يكن فيها على وجل منها اعلموا و أنتم لا تعلمون أنكم تاركوها لا بد فإنما هي كما نعتها الله تعالى لَهْوٌ وَ لَعِبٌ و اتعظوا   بالذين كانوا يبنون بكل ريع آية يعبثون و يتخذون مصانع لعلهم يخلدون و اتعظوا بالذين قالوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً و اتعظوا بإخوانكم الذين نقلوا إلى قبورهم لا يدعون ركبانا قد جعل لهم من الضريح أكنانا و من التراب أكفانا و من الرفات جيرانا فهم جيرة لا يجيبون داعيا و لا يمنعون ضيما قد بادت أضغانهم فهم كمن لم يكن و كما قال الله عز و جل فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَ كُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ استبدلوا بظهر الأرض بطنا و بالسعة ضيقا و بالأهل غربة جاءوها كما فارقوها بأعمالهم إلى خلود الأبد كما قال عز من قائل كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ

74-  و قال أيها الذام للدنيا أنت المتجرم عليها أم هي المتجرمة عليك فقال قائل من الحاضرين بل أنا المجترم عليها يا أمير المؤمنين فقال له فلم ذممتها أ ليست دار صدق لمن صدقها و دار غنى لمن تزود منها و دار عافية لمن فهم عنها مسجد أحبائه و مصلى أنبيائه و مهبط الملائكة و متجر أوليائه اكتسبوا فيها الطاعة و ربحوا فيها الجنة فمن ذا يذمها و قد آذنت بانتهائها و نادت بانقضائها و أنذرت ببلائها فإن راحت بفجيعة فقد غدت بمبتغي و إن أعصرت بمكروه فقد أسفرت بمشتهي ذمها رجال يوم الندامة و مدحها آخرون حدثتهم فصدقوا و ذكرتهم فتذكروا فيا أيها الذام لها المغتر بغرورها متى غرتك أم متى استذمت إليك أ بمصارع   آبائك من البلى أم بمضاجع أمهاتك تحت الثرى كم عللت بيديك و مرضت و أذاقتك شهدا و صبرا فإن ذممتها لصبرها فامدحها لشهدها و إلا فاطرحها لا مدح و لا ذم فقد مثلت لك نفسك حين ما يغني عنك بكاؤك و لا يرحمك أحباؤك

75-  و قال ع إن الدنيا قد أدبرت و آذنت بوداع و إن الآخرة قد أقبلت و آذنت باطلاع ألا و إن المضمار اليوم و السباق غدا ألا و إن السبقة الجنة و الغاية النار ألا و إنكم في أيام مهل من ورائه أجل يحثه عجل فمن عمل في أيام مهلة قبل حلول أجله نفعه عمله و لم يضره أمله و من لم يعمل أيام مهلة قبل حضور أجله ضره أمله و لم ينفعه عمله و لو عاش أحدكم ألف عام كان الموت بالغه و نحبه لاحقه فلا تغرنكم الأماني و لا يغرنكم بالله الغرور و قد كان قبلكم لهذه الدنيا سكان شيدوا فيها البنيان و وطنوا الأوطان أضحت أبدانهم في قبورهم هامدة و أنفسهم خامدة فتلهف المفرط منهم على ما فرط يقول يا ليتني نظرت لنفسي يا ليتني كنت أطعت ربي

76-  و قال ع إن الدنيا ليست بدار قرار و لا محل إقامة إنما أنتم فيها كركب عرسوا و ارتاحوا ثم استقلوا فغدوا و راحوا دخلوها خفافا و ارتحلوا عنها ثقالا فلم يجدوا عنها نزوعا و لا إلى ما تركوا بها رجوعا جد بهم فجدوا و ركنوا إلى الدنيا فما استعدوا حتى أخذ بكظمهم و رحلوا إلى دار   قوم لم يبق من أكثرهم خبر و لا أثر قل في الدنيا لبثهم و أعجل بهم إلى الآخرة بعثهم و أصبحتم حلولا في ديارهم و ظاعنين على آثارهم و المنايا بكم تسير سيرا ما فيه أين و لا بطوء نهاركم بأنفسكم دءوب و ليلكم بأرواحكم ذهوب و أنتم تقتفون من أحوالهم حالا و تحتذون من أفعالهم مثالا فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فإنما أنتم فيها سفر حلول و الموت بكم نزول فتنتضل فيكم مناياه و تمضي بكم مطاياه إلى دار الثواب و العقاب و الجزاء و الحساب فرحم الله من راقب ربه و خاف ذنبه و جانب هواه و عمل لآخرته و أعرض عن زهرة الحياة الدنيا

77-  و قال ع كان قد زالت عنكم الدنيا كما زالت عمن كان قبلكم فأكثروا عباد الله اجتهادكم فيها بالتزود من يومها القصير ليوم الآخرة الطويل فإنها دار العمل و الدار الآخرة دار القرار و الجزاء فتجافوا عنها فإن المغتر من اغتر بها لن تعد الدنيا إذا تناهت إليها أمنية أهل الرغبة فيها المطمئنين إليها المغترين بها أن تكون كما قال الله تعالى كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَ الْأَنْعامُ ألا إنه لم يصب امرؤ منكم من هذه الدنيا حبرة إلا أعقبتها عبرة و لا يصبح امرؤ في حياة إلا و هو خائف منها أن تئول جائحة أو تغير نعمه أو زوال عافيته و الموت من وراء ذلكم و هول المطلع و الوقوف بين يدي الحكم العدل لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ و يجزي الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى

78-  و قال ع ما لكم و الدنيا فمتاعها إلى انقطاع و فخرها إلى وبال و زينتها إلى زوال و نعيمها إلى بؤس و صحتها إلى سقم أو هرم و مال ما فيها إلى نفاد وشيك و فناء قريب كل مدة فيها إلى منتهى و كل حي فيها إلى مقارنة البلى أ ليس لكم في آثار الأولين و آبائكم الماضين عبرة و تبصرة إن كنتم تعقلون أ لم تروا إلى الماضين منكم لا يرجعون و إلى الخلف الباقين منكم   لا يبقون أ و لستم ترون أهل الدنيا يمسون و يصبحون على أحوال شتى ميت يبكى و آخر يعزى و صريع مبتلى و عائد يعود و دنف بنفسه يجود و طالب للدنيا و الموت يطلبه و غافل و ليس بمغفول عنه على أثر الماضي يمضي الباقي وَ إِلَى اللَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ

79-  و قال ع انظروا إلى الدنيا نظر الزاهدين فيها فإنها عن قليل تزيل الساكن و تفجع المترف فلا تغرنكم كثرة ما يعجبكم فيها لقلة ما يصحبكم منها فرحم الله امرأ تفكر و اعتبر و أبصر إدبار ما قد أدبر و حضور ما قد حضر فكان ما هو كائن من الدنيا عن قليل لم يكن و كان ما هو كائن من الآخرة لم يزل و كل ما هو آت قريب فكم من مؤمل ما لا يدركه و جامع ما لا يأكله و مانع ما لا يتركه و لعله من باطل جمعه أو حق منعه أصابه حراما و ورثه عدوانا فاحتمل ما ضره و باء بوزره و قدم على ربه آسفا لاهفا خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةَ و ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ

80-  و قال ع الدنيا مثل الحية لين مسها قاتل سمها فأعرض عما يعجبك فيها لقلة ما يصحبك منها و كن آنس ما يكون إليها أوحش ما تكون منها فإن صاحبها كلما اطمأن منها إلى سرور أشخصته إلى مكروه فقد يسر المرء بما لم يكن ليفوته و ليحزن لفوات ما لم يكن ليصيبه أبدا و إن جهد فليكن سرورك بما قدمت من عمل أو قول و لتكن أسفك على ما فرطت فيه من ذلك و لا تكن   على ما فاتك من الدنيا حزينا و ما أصابك منها فلا تنعم به سرورا و اجعل همك لما بعد الموت ف إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ

81-  و قال ع انظروا إلى الدنيا نظر الزاهدين فيها فإنها و الله عن قليل تشقي المترف و تحرك الساكن و تزيل الثاوي صفوها مشوب بالكدر و سرورها منسوج بالحزن و آخر حياتها مقترن بالضعف فلا يعجبنكم ما يغركم منها فعن كثب تنقلون عنها و كلما هو آت قريب و هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ

82-  و قال ع أحذركم الدنيا فإنها ليست بدار غبطة قد تزينت بغرورها و غرت بزينتها لمن كان ينظر إليها فاعرفوها كنه معرفتها فإنها دار هانت على ربها قد اختلط حلالها بحرامها و حلوها بمرها و خيرها بشرها و لم يذكر الله شيئا اختصه منها لأحد من أوليائه و لا أنبيائه و لم يصرفها من أعدائه فخيرها زهيد و شرها عتيد و جمعها ينفد و ملكها يسلب و عزها يبيد فالمتمتعون من الدنيا تبكي قلوبهم و إن فرحوا و يشتد مقتهم لأنفسهم و إن اغتبطوا ببعض ما رزقوا الدنيا فانية لا بقاء لها و الآخرة باقية لا فناء لها الدنيا مقبلة و الآخرة ملجأ الدنيا و ليس للآخرة منتقل و لا منتهى من كانت الدنيا همه اشتد لذلك غمه و من آثر الدنيا على الآخرة حلت به الفاقرة

    -83  و قال ع إنما الدنيا دار فناء و عناء و غير و عبر فمن فنائها أنك ترى الدهر موتر قوسه مفوق نبله يرمي الصحيح بالسقيم و الحي بالميت و البري‏ء بالمتهم و من عنائها أنك ترى المرء يجمع ما لا يأكل و يبني ما لا يسكن و يأمل ما لا يدرك و من غيرها أنك ترى المرحوم مغبوطا و المغبوط مرحوما ليس بينهم إلا نعيم زال أو مثله حلت أو موت نزل و من عبرها أن المرء يشرف عليه أمله حتى يختطفه دونه أجله

84-  قال ع اجعل الدنيا شوكا و انظر أين تضع قدمك منها فإن من ركن إليها خذلته و من أنس فيها أوحشته و من يرغب فيها أوهنته و من انقطع إليها قتلته و من طلبها أرهقته و من فرح بها أترحته و من طمع فيها صرعته و من قدمها أخرته و من ألزمها أهانته و من آثرها باعدته من الآخرة و من بعد من الآخرة قرب إلى النار فهي دار عقوبة و زوال و فناء و بلاء نورها ظلمة و عيشها كدر و غنيها فقير و صحيحها سقيم و عزيزها ذليل فكل منعم برغدها شقي و كل مغرور بزينتها مفتون و عند كشف الغطاء يعظم الندم و يحمد الصدر أو يذم

85-  و قال ع يأتي على الناس زمان لا يعرف فيه إلا الماحل و لا يظرف فيه إلا الفاجر و لا يؤتمن فيه إلا الخائن و لا يخون إلا المؤتمن يتخذون الفي‏ء مغنما و الصدقة مغرما و صلة الرحم منا و العبادة استطالة على الناس و تعديا و ذلك يكون عند سلطان النساء و مشاورة الإماء و إمارة الصبيان

86-  و قال ع احذروا الدنيا إذا أمات الناس الصلاة و أضاعوا الأمانات و اتبعوا الشهوات و استحلوا الكذب و أكلوا الربا و أخذوا الرشى و شيدوا البناء و اتبعوا الهوى و باعوا الدين بالدنيا و استخفوا بالدماء و ركنوا إلى الرياء و تقاطعت الأرحام و كان الحلم ضعفا و الظلم فخرا   و الأمراء فجرة و الوزراء كذبة و الأمناء خونة و الأعوان ظلمة و القراء فسقة و ظهر الجور و كثر الطلاق و موت الفجأة و حليت المصاحف و زخرفت المساجد و طولت المنابر و نقضت العهود و خربت القلوب و استحلوا المعازف و شربت الخمور و ركبت الذكور و اشتغل النساء و شاركن أزواجهن في التجارة حرصا على الدنيا و علت الفروج السروج و يشبهن بالرجال فحينئذ عدوا أنفسكم في الموتى و لا تغرنكم الحياة الدنيا فإن الناس اثنان بر تقي و آخر شقي و الدار داران لا ثالث لهما و الكتاب واحد لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها ألا و إن حب الدنيا رأس كل خطيئة و باب كل بلية و مجمع كل فتنة و داعية كل ريبة الويل لمن جمع الدنيا و أورثها من لا يحمده و قدم على من لا يعذره الدنيا دار المنافقين و ليست بدار المتقين فلتكن حظك من الدنيا قوام صلبك و إمساك نفسك و تزود لمعادك

87-  و قال ع يا دنيا يا دنيا أ بي تعرضت أم إلي تشوقت هيهات هيهات غري غيري قد بتتك ثلاثة لا رجعة لي فيك فعمرك قصير و عيشك حقير و خطرك كبير آه من قلة الزاد و وحشة الطريق

88-  و قال ع احذروا الدنيا فإن في حلالها حساب و في حرامها عقاب و أولها عناء و آخرها فناء من صح فيها هرم و من مرض فيها ندم و من استغنى فيها فتن و من افتقر فيها حزن و من أتاها فاتته و من بعد عنها أتته و من نظر إليها أعمته و من بصر بها بصرته إن أقبلت غرت و إن أدبرت ضرت

89-  في وصفه المؤمنين قال ع المؤمنون هم أهل الفضائل هداهم السكوت و هيئتهم الخشوع و سمتهم التواضع خاشعين غاضين أبصارهم عما حرم الله عليهم رافعين أسماعهم إلى العلم نزلت أنفسهم منهم في البلاء كما نزلت في الرخاء لو لا الآجال التي كتبت عليهم لم تستقر أرواحهم في أبدانهم طرفة   عين شوقا إلى الثواب و خوفا من العقاب عظم الخالق في أنفسهم و صغر ما دونه في أعينهم فهم كأنهم قد رأوا الجنة و نعيمها و النار و عذابها فقلوبهم محزونة و شرورهم مأمونة و حوائجهم خفيفة و أنفسهم ضعيفة و معونتهم لإخوانهم عظيمة اتخذوا الأرض بساطا و ماءها طيبا و رفضوا الدنيا رفضا و صبروا أياما قليلة فصارت عاقبتهم راحة طويلة تجارتهم مربحة يبشرهم بها رب كريم أرادتهم الدنيا فلم يريدوها و طلبتهم فهربوا منها أما الليل فأقدامهم مصطفة يتلون القرآن يرتلونه ترتيلا فإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا و تطلعت أنفسهم تشوقا فيصيرونها نصب أعينهم و إذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها بقلوبهم و أبصارهم فاقشعرت منها جلودهم و وجلت قلوبهم خوفا و فرقا نحلت لها أبدانهم و ظنوا أن زفير جهنم و شهيقها و صلصلة حديدها في آذانهم مكبين على وجوههم و أكفهم تجري دموعهم على خدودهم يجأرون إلى الله تعالى في فكاك رقابهم و أما النهار فعلماء أبرار أتقياء قد براهم الخوف فهم أمثال القداح إذا نظر إليهم الناظر يقول بهم مرض و ما بهم مرض و يقول قد خولطوا و ما خولطوا إذا ذكروا عظمة الله و شدة سلطانه و ذكروا الموت و أهوال القيامة وجفت قلوبهم   و طاشت حلومهم و ذهلت عقولهم فإذا استفاقوا من ذلك بادروا إلى الله بالأعمال الزاكية لا يرضون بالقليل و لا يستكثرون الكثير فهم لأنفسهم متهمون و من أعمالهم مشفقون إن زكي أحدهم خاف الله و غائلة التزكية قال و أنا أعلم بنفسي من غيري و ربي أعلم بي مني اللهم لا تؤاخذني بما يقولون و اجعلني كما يظنون و اغفر لي ما لا يعلمون و من علامات أحدهم أن يكون له حزم في لين و إيمان في يقين و حرص في تقوى و فهم في فقه و حلم في علم و كيس في رفق و قصد في غنى و خشوع في عبادة و تحمل في فاقة و صبر في شدة و إعطاء في حق و طلب لحلال و نشاط في هدى و تحرج عن طمع و تنزه عن طبع و بر في استقامة و اعتصام بالله من متابعة الشهوات و استعاذة به من الشيطان الرجيم يمسي و همه الشكر و يصبح و شغله الفكر أولئك الآمنون المطمئنون الذين يسقون من كأس لا لَغْوٌ فِيها وَ لا تَأْثِيمٌ

90-  و قال ع المؤمنون هم الذين عرفوا ما أمامهم فذبلت شفاههم و غشيت عيونهم و شحبت ألوانهم حتى عرفت في وجوههم غبرة الخاشعين فهم عباد الله الذين مشوا عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً و اتخذوها بساطا و ترابها فراشا فرفضوا الدنيا و أقبلوا على الآخرة على منهاج المسيح ابن مريم إن شهدوا لم يعرفوا و إن غابوا لم يفتقدوا و إن مرضوا لم يعادوا صوام الهواجر قوام الدياجر   يضمحل عندهم كل فتنة و ينجلي عنهم كل شبهة أولئك أصحابي فاطلبوهم في أطراف الأرضين فإن لقيتم منهم أحدا فاسألوه أن يستغفر لكم

91-  و قال ع شيعتنا المتباذلون في ولايتنا المتحابون في مودتنا المتوازرون في أمرنا الذين إن غضبوا لم يظلموا و إن رضوا لم يسرفوا بركة على من جاوره سلم لمن خالطوه أولئك هم السائحون الناحلون الزابلون ذابلة شفاههم خميصة بطونهم متغيرة ألوانهم مصفرة وجوههم كثير بكاؤهم جارية دموعهم يفرح الناس و يحزنون و ينام الناس و يسهرون إذا شهدوا لم يعرفوا و إذا غابوا لم يفتقدوا و إذا خطبوا الأبكار لم يزوجوا قلوبهم محزونة و شرورهم مأمونة و أنفسهم عفيفة و حوائجهم خفيفة ذبل الشفاه من العطش خمص البطون من الجوع عمش العيون من السهر الرهبانية عليهم لائحة و الخشية لهم لازمة كلما ذهب منهم سلف خلف في موضعه خلف أولئك الذين يردون القيامة وجوههم كالقمر ليلة البدر تغبطهم الأولون و الآخرون و لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا... يَحْزَنُونَ

92-  و قال ع المؤمن يرغب فيما يبقى و يزهد فيما يفنى يمزج الحلم بالعلم و العلم بالعمل بعيد كسله دائم نشاطه قريب أمله حي قلبه ذاكر لسانه لا يحدث بما لا يؤتمن عليه الأصدقاء و لا يكتم شهادة الأعداء لا يعمل شيئا من الخير رياء و لا يتركه حياء الخير منه مأمول و الشر منه مأمون إن كان في الذاكرين لم يكتب في الغافلين و إن كان في الغافلين كتب في الذاكرين و يعفو عمن ظلمه و يعطي من حرمه و يصل من قطعه و يحسن إلى من أساء إليه لا يعزب حلمه و لا يعجل فيما يريبه بعيد جهله لين قوله قريب معروفه غائب منكره صادق كلامه حسن فعله مقبل خيره مدبر شره في الزلازل وقور و في المكاره   صبور و في الرخاء شكور لا يحيف على من يبغض و لا يأثم فيمن يحب و لا يدعي ما ليس له و لا يجحد حقا عليه يعترف بالحق قبل أن يشهد عليه و لا يضيع ما استحفظ و لا يرغب فيما لا تدعوه الضرورة إليه لا يتنابز بالألقاب و لا يبغي على أحد و لا يهزأ بمخلوق و لا يضار بالجار و لا يشمت بالمصائب مؤدب بأداء الأمانات مسارع إلى الطاعات محافظ على الصلوات بطي‏ء في المنكرات لا يدخل على الأمور بجهل و لا يخرج عن الحق بعجز إن صمت فلا يغمه الصمت و إن نطق لا يقول الخطأ و إن ضحك فلا تعلو صوته سمعه و لا يجمح به الغضب و لا تغلبه الهوى و لا يقهره الشح و لا تملكه الشهوة يخالط الناس ليعلم و يصمت ليسلم و يسأل ليفهم ينصت إلى الخير ليعمل به و لا يتكلم به ليفخر على ما سواه نفسه منه في عناء و الناس منه في راحة يتعب نفسه لآخرته و يعصي هواه لطاعة ربه بعده عمن تباعد منه نزاهة و دنوه ممن دنا منه لين و رحمة ليس بعده بكبر و لا قربه خديعة مقتد بمن كان قبله من أهل الإيمان إمام لمن بعده من البررة المتقين

93-  و قال ع طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة أولئك قوم اتخذوا أرض الله مهادا و ترابها وسادا و ماءها طيبا و جعلوا الكتاب شعارا و الدعاء دثارا و إن الله أوحى إلى عبده المسيح ع أن قل لبني إسرائيل لا تدخلوا بيتا من بيوتي إلا بقلوب طاهرة و أبصار خاشعة و أكف نقية و أعلمهم أني لا أجيب لأحد منهم دعوة و لأحد من خلقي قبله مظلمة

94-  و قال ع المؤمن وقور عند الهزاهز ثبوت عند المكاره صبور عند البلاء شكور عند الرخاء قانع بما رزقه الله لا يظلم الأعداء و لا يتحامل للأصدقاء الناس منه راحة و نفسه منه في تعب العلم خليله و العقل قرينه   و الحلم وزيره و الصبر أميره و الرفق أخوه و اللين والده

95-  و قوله ع لنوف البكالي أ تدري يا نوف من شيعتي قال لا و الله قال شيعتي الذبل الشفاه الخمس البطون الذين تعرف الرهبانية في وجوههم رهبان بالليل أسد بالنهار الذين إذا جنهم الليل ائتزروا على أوساطهم و ارتدوا على أطرافهم و صفوا أقدامهم و افترشوا جباههم تجري دموعهم على خدودهم يجأرون إلى الله في فكاك أعناقهم و أما النهار فحلماء علماء كرام نجباء أبرار أتقياء يا نوف شيعتي من لم يهر هرير الكلب و لم يطمع طمع الغراب و لم يسأل الناس و لو مات جوعا إن رأى مؤمنا أكرمه و إن رأى فاسقا هجره هؤلاء و الله شيعتي

96-  قال نوف عرضت لي حاجة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع فاستتبعت إليه جندب بن زهير و الربيع بن خثيم و ابن أخيه همام بن عبادة بن خثيم و كان من أصحاب البرانس المتعبدين فأقبلنا إليه فألفيناه حين خرج يؤم المسجد فأفضى و نحن معه إلى نفر متدينين قد أفاضوا في الأحدوثات تفكها و هم يلهي بعضهم بعضا فأسرعوا إليه قياما و سلموا عليه فرد التحية ثم قال من القوم فقالوا أناس من شيعتك يا أمير المؤمنين فقال لهم خيرا ثم قال يا هؤلاء ما لي لا أرى فيكم سمة شيعتنا و حلية أحبتنا فأمسك القوم حياء فأقبل عليه جندب و الربيع فقالا له ما سمة شيعتك يا أمير المؤمنين فسكت فقال همام كان عابدا مجتهدا أسألك بالذي أكرمكم أهل البيت و خصكم و حباكم لما أنبأتنا بصفة شيعتك فقال لا تقسم فسأنبئكم جميعا و وضع يده على منكب همام و قال   شيعتنا هم العارفون بالله العاملون بأمر الله أهل الفضائل الناطقون بالصواب مأكولهم القوت و ملبسهم الاقتصاد و مشيهم التواضع بخعوا لله تعالى بطاعته و خضعوا له بعبادته فمضوا غاضين أبصارهم عما حرم الله عليهم واقفين أسماعهم على العلم بدينهم نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالذي نزلت منهم في الرخاء رضوا عن الله تعالى بالقضاء فلو لا الآجال التي كتب الله تعالى لهم لم تستقر أرواحهم في أبدانهم طرفة عين شوقا إلى لقاء الله و الثواب و خوفا من أليم العقاب عظم الخالق في أنفسهم و صغر ما دونه في أعينهم فهم و الجنة كمن رآها فهم على أرائكها متكئون و هم و النار كمن رآها فهم فيها معذبون صبروا أياما قليلة فأعقبتهم راحة طويلة أرادتهم الدنيا فلم يريدوها و طلبتهم فأعجزوها أما الليل فصافون أقدامهم تالون لأجزاء القرآن يرتلونه ترتيلا يعظون أنفسهم بأمثاله و يستشفون لدائهم بدوائه تارة و تارة يفترشون جباههم و أنفسهم و ركبهم و أطراف أقدامهم تجري دموعهم على خدودهم يمجدون جبارا عظيما و يجأرون إليه في فكاك أعناقهم هذا ليلهم و أما نهارهم فحلماء علماء بررة أتقياء براهم خوف باريهم فهم كالقداح تحسبهم مرضى و قد خولطوا و ما هم بذلك بل خامرهم من عظمة ربهم و شدة سلطانه ما طاشت له قلوبهم و ذهلت منه عقولهم فإذا اشتاقوا من ذلك بادروا إلى الله تعالى بالأعمال الزكية لا يرضون له بالقليل و لا يستكثرون له الجزيل فهم لأنفسهم متهمون و من أعمالهم مشفقون يرى لأحدهم قوة في دين و حزما في لين و إيمانا في يقين و حرصا على   علم و فهما في فقه و علما في حلم و كيسا في قصد و قصدا في غنى و تجملا في فاقة و صبرا في شدة و خشوعا في عبادة و رحمة في مجهود و إعطاء في حق و رفقا في كسب و طلبا من حلال و تعففا في طمع و طمعا في غير طبع و نشاطا في هدى و اعتصاما في شهوة و برا في استقامة لا يغره ما جهله و لا يدع إحصاء ما عمله يستبطئ نفسه في العمل و هو من صالح عمله على وجل يصبح و شغله الذكر و يمسي و همه الشكر يبيت حذرا من سنة الغفلة و يسبح فرحا بما أصاب من الفضل و الرحمة و إن استصعب عليه نفسه فيما تكره لم يطعها سؤلها مما إليه تسره رغبته فيما يبقى و زهادته فيما يفنى قد قرن العلم بالعمل و العمل بالحلم و يظل دائما نشاطه بعيدا كسله قريبا أمله قليلا زلله متوقعا أجله خاشعا قلبه ذاكرا ربه قانعة نفسه عازبا جهله محرزا دينه ميتا داؤه كاظما غيظه صافيا خلقه آمنا منه جاره سهلا أمره معدوما كبره متينا صبره كثيرا ذكره لا يعمل شيئا من الخير رياء و لا يتركه حياء أولئك شيعتنا و أحبتنا و منا و معنا آها و شوقا إليهم فصاح همام صيحة و وقع مغشيا عليه فحركوه فإذا هو قد فارق الدنيا رحمه الله تعالى فغسل و صلى عليه أمير المؤمنين ع و نحن معه فشيعته ع هذه صفتهم و هي صفة المؤمنين و تقدم بعضها

97-  و قال ع الجنة التي أعدها الله تعالى للمؤمنين خطافة لأبصار الناظرين فيها درجات متفاضلات و منازل متعاليات لا يبيد نعيمها و لا يضمحل حبورها و لا ينقطع سرورها و لا يظعن مقيمها و لا يهرم خالدها و لا يبؤس ساكنها آمن سكانها من الموت فلا يخافون صفا لهم العيش و دامت لهم النعمة في أنهار مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَ أَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَ أَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَ أَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَ لَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ على فرش موزونة و أزواج مطهرة و حور عين كأنهن اللؤلؤ المكنون وَ فاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَ لا مَمْنُوعَةٍ    وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ

 أقول قد مضى في كتاب الإيمان و الكفر في باب المؤمن و صفاته خبر همام و طلبه عنه ع ذكر صفات المؤمن و أنه ع قال الخطبة بمسجد الكوفة بعده طرق من كتب عديدة و لكن بينها أنواع من الاختلافات و كذلك بينها و بين هذا الخبر فلا تغفل ثم قد سبق في ذلك الباب كلام ابن أبي الحديد من كون همام هذا هو همام بن شريح بن يزيد بن مرة و المذكور هنا ينافيه كما لا يخفى

98-  جع، ]جامع الأخبار[ جاء رجل إلى أمير المؤمنين ع فقال جئتك لأسأل عن أربعة مسائل فقال ع سل و إن كان أربعين فقال أخبرني ما الصعب و ما الأصعب و ما القريب و ما الأقرب و ما العجب و ما الأعجب و ما الواجب و ما الأوجب فقال ع الصعب المعصية و الأصعب فوت ثوابها و القريب كل ما هو آت و الأقرب هو الموت و العجب هو الدنيا و غفلتنا فيها أعجب و الواجب هو التوبة و ترك الذنوب هو الأوجب

99-  قيل جاء رجل إلى أمير المؤمنين ع و قال جئتك من سبعمائة فرسخ لأسألك عن سبع كلمات فقال ع سل ما شئت فقال الرجل أي شي‏ء أعظم من السماء و أي شي‏ء أوسع من الأرض و أي شي‏ء أضعف من اليتيم و أي شي‏ء أحر من النار و أي شي‏ء أبرد من الزمهرير و أي شي‏ء أغنى من البحر و أي شي‏ء أقسى من الحجر قال أمير المؤمنين ع البهتان على البري‏ء أعظم من السماء و الحق أوسع من الأرض و نمائم الوشاة أضعف من اليتيم و الحرص أحر من النار و حاجتك إلى البخيل أبرد من الزمهرير و البدن القانع أغنى من البحر و قلب الكافر أقسى من الحجر

100-  ختص، ]الإختصاص[ روي عن أمير المؤمنين ع أنه قال المفتخر بنفسه أشرف   من المفتخر بأبيه لأني أشرف من أبي و النبي ص أشرف من أبيه و إبراهيم أشرف من تارخ

101-  قيل و بم الافتخار قال بإحدى ثلاث مال ظاهر أو أدب بارع أو صناعة لا يستحي المرء منها

102-  قيل لأمير المؤمنين ع كيف أصبحت يا أمير المؤمنين قال أصبحت آكل و أنتظر أجلي

103-  قيل له ع فما تقول في الدنيا قال فما أقول في دار أولها غم و آخرها الموت من استغنى فيها افتقر و من افتقر فيها حزن في حلالها حساب و في حرامها النار

104-  قيل فمن أغبط الناس قال جسد تحت التراب قد أمن من العقاب و يرجو الثواب

105-  و قال ع من زار أخاه المسلم في الله ناداه الله أيها الزائر طبت و طابت لك الجنة

106-  و قال ع ما قضى مسلم لمسلم حاجة إلا ناداه الله علي ثوابك و لا أرضى لك بدون الجنة

107-  و قال ع ثلاثة يضحك الله إليهم يوم القيامة رجل يكون على فراشه مع زوجته و هو يحبها فيتوضأ و يدخل المسجد فيصلي و يناجي ربه و رجل أصابته جنابة و لم يصب ماء فقام إلى الثلج فكسره ثم دخل فيه و اغتسل و رجل لقي عدوا و هو مع أصحابه و جاءهم مقاتل فقاتل حتى قتل

108-  و قال ع التعزية تورث الجنة

109-  و قال ع إذا حملت بجوانب سرير الميت خرجت من الذنوب كما ولدتك أمك

110-  و قال ع من اشترى لعياله لحما بدرهم كان كمن أعتق نسمة من ولد إسماعيل

    -111  و قال ع من شرب من سؤر أخيه تبركا به خلق الله بينهما ملكا يستغفر لهما حتى تقوم الساعة

112-  و قال ع في سؤر المؤمن شفاء من سبعين داء

113-  ختص، ]الإختصاص[ محمد بن الحسين عن محمد بن سنان عن بعض رجاله عن أبي الجارود يرفعه قال قال أمير المؤمنين ع من أوقف نفسه موقف التهمة فلا يلومن من أساء به الظن و من كتم سره كانت الخيرة في يده و كل حديث جاوز اثنين فشى و ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك منه ما يغلبك و لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءا و أنت تجد لها في الخير محملا و عليك بإخوان الصدق فكثر في اكتسابهم عدة عند الرخاء و جندا عند البلاء و شاور حديثك الذين يخافون الله و أحبب الإخوان على قدر التقوى و اتقوا شرار النساء و كونوا من خيارهن على حذر إن أمرنكم بالمعروف فخالفوهن حتى لا يطمعن في المنكر

114-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ عن جماعة عن أبي المفضل عن محمد بن جعفر الرزاز عن أيوب بن نوح عن الشارب بن ذراع عن أخيه يسار عن حمران عن أبي عبد الله عن أبيه ع عن جابر بن عبد الله قال بينا أمير المؤمنين ع في جماعة من أصحابه أنا فيهم إذ ذكروا الدنيا و تصرفها بأهلها فذمها رجل فذهب في ذمها كل مذهب فقال له أمير المؤمنين ع أيها الذام للدنيا أنت المتجرم عليها أم هي المتجرمة عليك فقال بل أنا المتجرم عليها يا أمير المؤمنين قال فبم تذمها أ ليست منزل صدق لمن صدقها و دار غنى لمن تزود منها و دار عافية لمن فهم عنها و مساجد أنبياء الله و مهبط وحيه و مصلى ملائكته و متجر أوليائه اكتسبوا فيها الرحمة و رجوا فيها الجنة فمن ذا يذمها و قد آذنت ببينها و نادت بانقطاعها و نعت نفسها و أهلها   فمثلت ببلائها البلى و شوقت بسرورها إلى السرور تخويفا و ترغيبا فابتكرت بعافية و راحت بفجيعة فذمها رجال فرطوا غداة الندامة و حمدها آخرون اكتسبوا فيه الخير فيا أيها الذام للدنيا المغتر بغرورها متى استذمت إليك أو متى غرتك أم بمضاجع آبائك من البلى أم بمصارع أمهاتك تحت الثرى كم مرضت بيديك و عالجت بكفيك تلتمس لهم الشفاء و تستوصف لهم الأطباء لم تنفعهم بشفاعتك و لم تسعفهم في طلبتك مثلت لك ويحك الدنيا بمصرعهم مصرعك و بمضجعهم مضجعك حين لا يغني بكاؤك و لا ينفعك أحباؤك ثم التفت إلى أهل المقابر فقال يا أهل التربة و يا أهل القربة أما المنازل فقد سكنت و أما الأموال فقد قسمت و أما الأزواج فقد نكحت هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم ثم أقبل على أصحابه فقال و الله لو أذن لهم في الكلام لأخبروكم أن خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى

115-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ عن جماعة عن أبي المفضل عن عبيد الله بن الحسين العلوي عن محمد بن علي بن حمزة العلوي عن أبيه عن الرضا عن آبائه ع قال قال أمير المؤمنين ع الهيبة خيبة و الفرصة خلسة و الحكمة ضالة المؤمن فاطلبوها و لو عند المشرك تكونوا أَحَقَّ بِها وَ أَهْلَها

116-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ عن أحمد بن محمد بن الصلت عن ابن عقدة عن محمد بن عيسى الضرير عن محمد بن زكريا المكي عن كثير بن طارق عن زيد عن أبيه علي بن الحسين ع قال خطب علي بن أبي طالب ع بهذه الخطبة في يوم الجمعة فقال الحمد لله المتوحد بالقدم و الأزلية الذي ليس له غاية في دوامه و لا له أولية أنشأ صنوف البرية لا عن أصول كانت بدية و ارتفع من مشاركة الأنداد   و تعالى عن اتخاذ صاحبة و أولاد هو الباقي بغير مدة و المنشئ لا بأعوان لا بآلة فطر و لا بجوارح صرف ما خلق لا يحتاج إلى محاولة التفكير و لا مزاولة مثال و لا تقدير أحدثهم على صنوف من التخطيط و التصوير لا برؤية و لا ضمير سبق علمه في كل الأمور و نفذت مشيته في كل ما يريد في الأزمنة و الدهور و انفرد بصنعة الأشياء فأتقنها بلطائف التدبير سبحانه من لطيف خبير لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ

117-  كتاب الغارات، لإبراهيم بن محمد الثقفي عن عبد الرحمن بن نعيم عن أشياخ من قومه أن عليا ع كان كثيرا ما يقول في خطبته أيها الناس إن الدنيا قد أدبرت و آذنت أهلها بوداع و إن الآخرة قد أقبلت و آذنت باطلاع ألا و إن المضمار اليوم و السباق غدا ألا و إن السبق الجنة و الغاية النار ألا و إنكم في أيام مهل من ورائه أجل يحثه عجل فمن عمل في أيام مهلة قبل حضور أجله نفعه عمله و لم يضره أمله ألا و إن الأمل يسهى القلب و يكذب الوعد و يكثر الغفلة و يورث الحسرة فاعزبوا عن الدنيا كأشد ما أنتم عن شي‏ء تعزبون فإنها من ورود صاحبها منها في غطاء معنى و افزعوا إلى قوام دينكم بإقامة الصلاة لوقتها و أداء الزكاة لأهلها و التضرع إلى الله و الخشوع له و صلة الرحم و خوف المعاد و إعطاء السائل و إكرام الضيف و تعلموا القرآن و اعملوا به و اصدقوا الحديث و آثروه و أوفوا بالعهد إذا عاهدتم و أدوا الأمانة إذا ائتمنتم و ارغبوا في ثواب الله و خافوا عقابه فإني لم أر كالجنة نام طالبها و لا كالنار نام هاربها فتزودوا من الدنيا ما تحوزوا به أنفسكم غدا من النار و اعملوا بالخير تجزوا بالخير يوم يفوز أهل الخير بالخير