باب 25- حب الدنيا و ذمها و بيان فنائها و غدرها بأهلها و ختل الدنيا بالدين

الآيات البقرة أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ و قال زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَ يَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ اللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ آل عمران زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَ الْبَنِينَ وَ الْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ الْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَ الْأَنْعامِ وَ الْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ اللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ قُلْ أَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَ رِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَ اللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ و قال مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ و قال وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ الأنعام وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ لَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ   يَتَّقُونَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ و قال تعالى وَ غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا الأعراف فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَ يَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَ إِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَ لَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَ دَرَسُوا ما فِيهِ وَ الدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ التوبة أَ رَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ و قال تعالى فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ كافِرُونَ و قال تعالى كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَ أَكْثَرَ أَمْوالًا وَ أَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَ خُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ أَ لَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَ عادٍ وَ ثَمُودَ وَ قَوْمِ إِبْراهِيمَ وَ أَصْحابِ مَدْيَنَ وَ الْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ يونس إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَ رَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَ اطْمَأَنُّوا بِها وَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ و قال تعالى إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَ الْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَ ازَّيَّنَتْ وَ ظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ   بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ و قال تعالى قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ و قال تعالى مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ و قال سبحانه وَ قالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَ مَلَأَهُ زِينَةً وَ أَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ هود مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَ هُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَ حَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ الرعد وَ فَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ إبراهيم الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَ يَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ الحجر لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ النحل ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَ ما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ وَ لَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ و قال تعالى ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَ أَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ أسرى وَ أَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ

   و قال تعالى مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً وَ مَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَ سَعى لَها سَعْيَها وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَ هَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَ ما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ لَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَ أَكْبَرُ تَفْضِيلًا الكهف تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا و قال تعالى وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَ كانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ مُقْتَدِراً الْمالُ وَ الْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَ خَيْرٌ أَمَلًا طه وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَ رِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَ أَبْقى القصص وَ ما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ زِينَتُها وَ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَ أَبْقى أَ فَلا تَعْقِلُونَ أَ فَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ و قال تعالى فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً وَ لا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ العنكبوت ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَ لَعِبٌ وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ   الروم يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ لقمان يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَ اخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَ لا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَ لا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ فاطر يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَ لا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ص فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ الزمر فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَ ما هُمْ بِمُعْجِزِينَ أَ وَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ المؤمن وَ قالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَ إِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ حمعسق مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ و قال تعالى فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَ أَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الزخرف وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ   لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَ رَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ وَ لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَ مَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ وَ لِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَ سُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ وَ زُخْرُفاً وَ إِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ الجاثية ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَ غَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَ لا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ محمد إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ إِنْ تُؤْمِنُوا وَ تَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَ لا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ النجم فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَ لَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ الحديد اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زِينَةٌ وَ تَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَ تَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَ مَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رِضْوانٌ وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ المجادلة لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ المنافقون يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَ لا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ

   التغابن إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَ اللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ القيامة كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَ تَذَرُونَ الْآخِرَةَ الدهر إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَ يَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلًا النازعات فَأَمَّا مَنْ طَغى وَ آثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى وَ أَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى الأعلى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ وَ أَبْقى إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى الضحى وَ لَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى

1-  كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن درست بن أبي منصور عن رجل عن أبي عبد الله ع و هشام عن أبي عبد الله ع قال رأس كل خطيئة حب الدنيا

 بيان رأس كل خطيئة حب الدنيا لأن خصال الشر مطوية في حب الدنيا و كل ذمائم القوة الشهوية و الغضبية مندرجة في الميل إليها و لذا قال الله عز و جل مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ و لا يمكن التخلص من حبها إلا بالعلم بمقابحها و منافع الآخرة و تصفية النفس و تعديل القوتين

2-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن النعمان عن أبي أسامة زيد عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص من لم يتعز بعزاء الله تقطعت نفسه حسرات على الدنيا و من أتبع بصره ما في أيدي الناس كثر همه و لم يشف غيظه   و من لم ير لله عز و جل عليه نعمة إلا في مطعم أو مشرب أو ملبس فقد قصر عمله و دنا عذابه

 بيان من لم يتعز بعزاء الله قال في النهاية فيه و من لم يتعز بعزاء الله فليس منا أي من لم يدع بدعوى الإسلام فيقول يا للإسلام و يا للمسلمين و يا لله و قيل أراد بالتعزي التسلي و التصبر عند المصيبة و أن يقول إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ كما أمر الله تعالى و معنى قوله بعزاء الله أي بتعزية الله تعالى إياه فأقام الاسم مقام المصدر انتهى و قيل العزاء مصدر بمعنى الصبر أو اسم للتعزية و كلاهما مناسب و على الأول إسناده إلى الله تعالى لأنه السبب له و الباء إما للآلية المجازية كما قيل في قوله تعالى فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ أو للسببية و الحاصل أنه من لم يصبر على ما فاته من الدنيا و على البلايا التي تصيبه فيها بما سلاه الله في قوله وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ و سائر الآيات الواردة في ذم الدنيا و فنائها و مدح الرضا بقضائه تعالى تقطعت نفسه للحسرات على المصائب و على ما فاته من الدنيا و ربما يحمل الحسرات على ما يحصل له عند الموت من مفارقتها أو الأعم منها و مما يحصل له في الدنيا و جمعية الحسرات مع كونها مصدرا لإرادة الأنواع و من أتبع نظره ما في أيدي الناس أي نظر إلى من هو فوقه من أهل الدنيا و ما في أيديهم من نعيمها و زبرجها نظر رغبة و تحصر و تمن كثر همه لعدم تيسرها له فيغتاظ لذلك و يحسدهم عليها و لا يمكنه شفاء غيظه إلا بأن يحصل له مما في أيديهم أو يسلب الله عنهم جميع ذلك و لا يتيسر له شي‏ء من الأمرين فلا يشفى غيظه أبدا و لا يتهنأ له العيش ما رأى في نعمة أحدا و لا يتفكر في أنه إنما منعه الله تعالى ذلك لأنه علم أنه سبب هلاكه فهو يتمنى حالهم و لا يعلم حقيقة مآلهم كما حكى الله   سبحانه عن قوم تمنوا حال قارون حيث قالوا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً وَ لا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ فلما خسف الله به و بداره الأرض أَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ يَقْدِرُ لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ و انتفاء الخسف الظاهري بأهل الأموال و التجبر من هذه الأمة لا يوجب انتهاء الخسف في دركات الشهوات النفسانية و مهاوي التعلقات الجسمانية و الحرمان عن درجات القرب و الكمال و خسفهم في الآخرة في عظيم النكال و شديد الوبال أعاذنا الله و سائر المؤمنين من جميع ذلك و سهل لنا الوصول في الدارين إلى أحسن الأحوال. و من لم ير أن لله عليه نعمة إلا في مطعم أي من توهم أن نعمة الله عليه منحصرة في هذه النعم الظاهرة كالمطعم و المشرب و المسكن و أمثالها فإذا فقدها أو شيئا منها ظن أنه ليس لله عليه نعمة فلا ينشط في طاعة الله و إن عمل شيئا مع هذه العقيدة الفاسدة و عدم معرفة منعمه لا ينفعه و لا يتقبل منه فيكون عمله قاصرا و عذابه دانيا لأن هذه النعم الظاهرة حقيرة في جنب نعم الله العظيمة عليه من الإيمان و الهداية و التوفيق و العقل و القوى الظاهرة و الباطنة و الصحة و دفع شر الأعادي و غيرها بما لا يحصى بل هذا الفقر أيضا من أعظم نعم الله عليه وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها. و قال بعض المحققين معنى الحديث أن من لم يصبر و لم يسل أو لم يحسن الصبر و السلوة على ما رزقه الله من الدنيا بل أراد الزيادة في المال أو الجاه مما لم يرزقه الله إياه تقطعت نفسه متحسرا حسرة بعد حسرة على ما يراه في يدي غيره ممن فاق عليه في العيش فهو لم يزل يتبع بصره ما في أيدي الناس و من أتبع بصره ما في أيدي الناس كثر همه و لم يشف غيظه فهو لم ير أن لله عليه

    نعمة إلا نعم الدنيا و إنما يكون كذلك من لا يوقن بالآخرة و من لم يوقن بالآخرة قصر عمله و إذ ليس له من الدنيا إلا قليل بزعمه مع شدة طمعه في الدنيا و زينتها فقد دنا عذابه نعوذ بالله من ذلك و منشأ ذلك كله الجهل و ضعف الإيمان و أيضا لما كان عمل أكثر الناس على قدر ما يرون من نعم الله عليه عاجلا و آجلا لا جرم من لم ير من النعم عليه إلا القليل فلا يصدر عنه من العمل إلا قليل و هذا يوجب قصور العمل و دنو العذاب

3-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن أحمد بن محمد بن خالد عن منصور بن العباس عن سعيد بن جناح عن عثمان بن سعيد عن عبد الحميد بن علي الكوفي عن مهاجر الأسدي عن أبي عبد الله ع قال مر عيسى ابن مريم ع على قرية قد مات أهلها و طيرها و دوابها فقال أما إنهم لم يموتوا إلا بسخطة و لو ماتوا متفرقين لتدافنوا فقال الحواريون يا روح الله و كلمته ادع الله أن يحييهم لنا فيخبرونا ما كانت أعمالهم فنجتنبها فدعا عيسى ع ربه فنودي من الجو أن نادهم فقام عيسى ع بالليل على شرف من الأرض فقال يا أهل هذه القرية فأجابه منهم مجيب لبيك يا روح الله و كلمته فقال ويحكم ما كانت أعمالكم قال عبادة الطاغوت و حب الدنيا مع خوف قليل و أمل بعيد في غفلة و لهو و لعب فقال كيف كان حبكم للدنيا قال كحب الصبي لأمه إذا أقبلت علينا فرحنا و سررنا و إذا أدبرت عنا بكينا و حزنا قال كيف كانت عبادتكم للطاغوت قال الطاعة لأهل المعاصي قال كيف كانت عاقبة أمركم قال بتنا ليلة في عافية و أصبحنا في الهاوية فقال و ما الهاوية قال سجين قال و ما سجين قال جبال من جمر توقد علينا إلى يوم القيامة قال فما قلتم و ما قيل لكم قال قلنا ردنا إلى الدنيا فنزهد فيها قيل لنا كذبتم قال ويحك كيف لم يكلمني غيرك من بينهم قال يا روح الله و كلمته إنهم ملجمون بلجام من نار بأيدي ملائكة غلاظ شداد و إني كنت فيهم و لم أكن عنهم فلما نزل العذاب عمني معهم فأنا معلق بشعرة على شفير جهنم لا أدري أكبكب فيها   أم أنجو منها فالتفت عيسى ع إلى الحواريين فقال يا أولياء الله أكل الخبز اليابس بالملح الجريش و النوم على المزابل خير كثير مع عافية الدنيا و الآخرة

 بيان أما إنهم قال الشيخ البهائي قدس الله روحه أما بالتخفيف حرف استفتاح و تنبيه يدخل على الجمل لتنبيه المخاطب و طلب إصغائه إلى ما يلقى إليه و قد يحذف ألفها نحو أم و الله زيد قائم إلا بسخطة السخط بالتحريك و بضم أوله و سكون ثانية الغضب لتدافنوا الظاهر أن التفاعل هنا بمعنى فعل كتواني و يمكن إبقاؤه على أصل المشاركة بتكلف فقال الحواريون هم خواص عيسى ع قيل سموا حواريين لأنهم كانوا قصارين يحورون الثياب أي يقصرونها و ينقونها من الأوساخ و يبيضونها مشتق من الحور و هو البياض الخالص. أقول و قد قيل إنهم إنما سموا حواريين لنقاء ثيابهم و قيل لنقاء قلوبهم و قيل الحواري بمعنى الناصر و قد كان الحواريون أنصار عيسى ع و قيل لأنهم كانوا نورانيين عليهم أثر العبادة و نورها و حسنها و قيل إنهم اتبعوا عيسى ع فكانوا إذا جاعوا قالوا يا روح الله جعنا فيضرب ع بيده الأرض سهلا كان أو جبلا و يخرج لكل منهم رغيفين و إذا عطشوا قالوا يا روح الله عطشنا فيضرب بيده الأرض فيخرج ماء و يشربون فقالوا يا روح الله من أفضل منا إذا شئنا أطعمنا و إذا شئنا سقينا و قد آمنا بك و اتبعناك فقال عيسى ع أفضل منكم من يعمل بيده و يأكل من كسبه فصاروا يغسلون الثياب بالكرى بعد ذلك و يأكلون من أجرته و سيأتي في مطاوي شرح حديث الكافي في أواسط هذا الباب كلام أيضا في معنى الحواريين فانتظره. و قال بعض العلماء إنهم لم يكونوا قصارين على الحقيقة و إنما أطلق هذا الاسم عليهم رمزا إلى أنهم كانوا ينقون نفوس الخلائق من الأوساخ و الأوصاف الذميمة و الكدورات و يرفعونها إلى عالم النور من عالم الظلمات.   يا روح الله أقول في تسميته روحا أقوال أحدها أنه إنما سماه روحا لأنه حدث عن نفخة جبرئيل ع في درع مريم بأمر الله تعالى و إنما نسبه إليه لأنه كان بأمره و قيل إنما أضافه إليه تفخيما لشأنه كما قال الصوم لي و أنا أجزي به و قد يسمى النفخ روحا و الثاني أن المراد به يحيا به الناس في دينهم كما يحيون بالأرواح و الثالث أن معناه إنسان أحياه الله بتكوينه بلا واسطة من جماع و نطفة كما جرت العادة بذلك الرابع أن معناه و رحمة منه و الخامس أن معناه روح من الله خلقها فصورها ثم أرسلها إلى مريم فدخلت في فيها فصيرها الله سبحانه عيسى ع السادس سماه روحا لأنه كان يحيي الموتى كما أن الروح يصير سببا للحياة. و كذا اختلفوا في تسميته كلمة في قوله سبحانه إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ و قوله تعالى إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَ كَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَ رُوحٌ مِنْهُ على أقوال أحدها أنه إنما سمي بذلك لأنه حصل بكلمة من الله من غير والد و هو قوله كن كما قال سبحانه إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. و الثاني أنه سمي بذلك لأن الله تعالى بشر به في الكتب السالفة أو بشرت بها مريم على لسان الملائكة و الثالث أنه يهتدي به الخلق كما اهتدوا بكلام الله و وحيه. فنودي من الجو الجو بالفتح و التشديد ما بين السماء و الأرض على شرف قال الشيخ البهائي قدس سره الشرف المكان العالي قيل و منه سمي الشريف شريفا تشبيها للعلو المعنوي بالعلو المكاني فقال ويحك ويح اسم فعل بمعنى الترحم

    كما أن ويل كلمة عذاب و بعض اللغويين يستعمل كلا منهما مكان الأخرى و الطاغوت فلعوت من الطغيان و هو تجاوز الحد و أصله طغيوت فقدموا لأمه على عينه على خلاف القياس ثم قلبوا الياء ألفا فصار طاغوت و هو يطلق على الكاهن و الشيطان و الأصنام و على كل رئيس في الضلالة و على كل ما يصد عن عبادة الله تعالى و على ما عبد من دون الله و يجي‏ء مفردا لقوله تعالى يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ و جمعا كقوله تعالى وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ. و قال قدس سره لعلك تظن أن ما تضمنه هذا الحديث من أن الطاعة لأهل المعاصي عبادة لهم جار على ضرب من التجوز لا الحقيقة و ليس كذلك بل هو حقيقة فإن العبادة ليست إلا الخضوع و التذلل و الطاعة و الانقياد و لهذا جعل سبحانه اتباع الهوى و الانقياد إليه عبادة للهوى فقال أَ رَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ و جعل طاعة الشيطان عبادة له فقال تعالى أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ. ثم نقل أخبارا كثيرة في ذلك فقال بعد ذلك و إذا كان اتباع الغير و الانقياد إليه عبادة له فأكثر الخلق عند التحقيق مقيمون على عبادة أهواء نفوسهم الخسيسة الدنية و شهواتهم البهيمية و السبعية على كثرة أنواعها و اختلاف أجناسها و هي أصنامهم التي هم عليها عاكفون و الأنداد التي هم لها من دون الله عابدون و هذا هو الشرك الخفي نسأل الله سبحانه أن يعصمنا عنه و يطهر نفوسنا عنه بمنه و كرمه. و غفلة عطف على خوف و عطفه على عبادة الطاغوت بعيد في لهو   قال الشيخ البهائي رحمه الله لفظة في هنا إما للظرفية المجازية كما في نحو النجاة في الصدق أو بمعنى مع كما في قوله تعالى ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ و للسببية كقوله تعالى فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ. إذا أقبلت علينا قال قدس سره الشرطيتان واقعتان موقع أي المفسرة لحب الصبي لأمه. قال الطاعة لأهل المعاصي قال رحمه الله ما ذكره هذا الرجل المتكلم لعيسى على نبينا و آله و عليه السلام في وصف أصحاب تلك القرية و ما كانوا عليه من الخوف القليل و الأمل البعيد و الغفلة و اللهو و اللعب و الفرح بإقبال الدنيا و الخوف بإدبارها هو بعينه حالنا و حال أهل زماننا بل أكثرهم خال عن ذلك الخوف القليل أيضا نعوذ بالله من الغفلة و سوء المنقلب قال جبال من جمر في القاموس الجمرة النار المتقدة و الجمع جمر قال الشيخ المتقدم ذكره رحمه الله هذا صريح في وقوع العذاب في مدة البرزخ أعني ما بين الموت و البعث و قد انعقد عليه الإجماع و نطقت به الأخبار و دل عليه القرآن العزيز و قال به أكثر أهل الملل و إن وقع الاختلاف في تفاصيله و الذي يجب علينا هو التصديق المجمل بعذاب واقع بعد الموت و قبل الحشر في الجملة و أما كيفياتها و تفاصيله فلم نكلف بمعرفتها على التفصيل و أكثرها مما لا تسعه عقولنا فينبغي ترك البحث و الفحص عن تلك التفاصيل و صرف الوقت فيما هو أهم منها أعني فيما يصرف ذلك العذاب و يدفعه عنا كيف ما كان و على أي نوع حصل و هو المواظبة على الطاعات و اجتناب المنهيات لئلا يكون حالنا في الفحص عن ذلك و الاشتغال به عن الفكر فيما يدفعه و ينجي منه كحال شخص أخذه السلطان و حبسه ليقطع في غد يده و يجذع أنفه فترك الفكر في الحيل المؤدية إلى خلاصه و بقي طول ليله متفكرا في أنه هل يقطع بالسكين أو بالسيف و هل

    القاطع زيد أو عمرو. قيل لنا كذبتم دل على أنهم لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ كما نطقت به الآية أو كذبتم فيما دل عليه قولكم هذا أنه يمكنكم العود و ربما يقرأ بالتشديد أي كذبتم الرسل فلا محيص عن عذابكم. قال يا روح الله في بعض النسخ يا روح الله و كلمته بقدس الله فقوله بقدس الله متعلق بروح الله و كلمته يعني أيها الذي صار روح الله و كلمته بقدس الله كما قيل و يحتمل أن يكون الباء بمعنى مع أي مع تقدسه عن أن يكون له روح و كلمة حقيقة. ثم قال الشيخ البهائي رحمه الله ثم لا يخفى أن ما قاله هذا الرجل من أنه كان فيهم و لم يكن منهم فلما نزل العذاب عمه معهم يشعر بأنه ينبغي المهاجرة عن أهل المعاصي و الاعتزال لهم و أن المقيم معهم شريك لهم في العذاب و محترق بنارهم و إن لم يشاركهم في أفعالهم و أقوالهم و قد يستأنس لذلك بعموم قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ ساءَتْ مَصِيراً و لو لم يكن في الاعتزال عن الناس فائدة سوى ذلك لكفى و فيه من الفوائد ما لا يعد و لا يحصى نسأل الله سبحانه أن يوفقنا لذلك بمنه و كرمه. فأنا معلق هذا كناية عن أنه مشرف على الوقوع فيها و لا يبعد أن يراد به معناه الصريح أيضا و الشفير حافة الوادي و جانبه أكبكب فيها على البناء للمفعول أي أطرح فيها على وجهي و في القاموس جرش الشي‏ء لم ينعم دقة فهو جريش و في الصحاح ملح جريش لم يطيب مع عافية الدنيا أي إذا كان مع عافية الدنيا من الخطايا و الآخرة من النار أو فيه عافية الدنيا من تشويش   البال و مشقة تحصيل الأموال و عافية الآخرة من العذاب و السؤال

4-  كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله ع قال ما فتح الله على عبد بابا من أمر الدنيا إلا فتح الله عليه من الحرص مثله

 بيان يدل على زيادة الحرص بزيادة المال و غيره من مطلوبات الدنيا كما هو المجرب

5-  كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن القاسم بن محمد المنقري عن حفص بن غياث عن أبي عبد الله ع قال قال عيسى ابن مريم ع تعملون للدنيا و أنتم ترزقون فيها بغير عمل و لا تعملون للآخرة و أنتم لا ترزقون فيها إلا بالعمل ويلكم علماء سوء الأجر تأخذون و العمل تضيعون يوشك رب العمل أن يقبل عمله و يوشك أن تخرجوا من ضيق الدنيا إلى ظلمة القبر كيف يكون من أهل العلم من هو في مسيره إلى آخرته و هو مقبل على دنياه و ما يضره أحب إليه مما ينفعه

 بيان و أنتم ترزقون فيها بغير عمل أي كد شديد كما قال تعالى وَ ما مِنْ دَابَّةٍ... إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها و أنتم لا ترزقون فيها إلا بالعمل كما قال تعالى وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى علماء سوء بفتح السين قال الجوهري ساءه يسوؤه سوءا بالفتح نقيض سره و الاسم السوء بالضم و قرئ قوله عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ يعني الهزيمة و الشر و من فتح فهو من المساءة و تقول هذا رجل سوء بالإضافة ثم تدخل عليه الألف و اللام فتقول هذا رجل السوء قال الأخفش و لا يقال الرجل   السوء لأن السوء ليس بالرجل قال و لا يقال هذا رجل السوء بالضم انتهى. الأجر تأخذون بحذف حرف الاستفهام و هو على الإنكار و يحتمل أن يكون المراد أجر الدنيا أي نعم الله سبحانه و على هذا يحتمل أن يكون توبيخا لا استفهاما و أن يكون المراد أجر الآخرة فالاستفهام متعين فالواو في قوله و العمل للحالية أي كيف تستحقون أخذ الأجرة و الحال أنكم تضيعون العمل. أن يقبل عمله أي يتوجه إلى أخذ عمله و هو لا يأخذ و لا يقبل إلا العمل الخالص فهو كناية عن الطلب و يؤيده أن في مجالس الشيخ أن يطلب عمله أو هو من الإقبال على الحذف و الإيصال أي يقبل على عمله. و قال بعض الأفاضل أريد برب العمل العابد الذي يقلد أهل العلم في عبادته أعني يعمل بما يأخذ عنهم و فيه توبيخ لأهل العلم الغير العامل و قرأ بعضهم يقيل بالياء المثناة من الإقالة أي يرد عمله فإن المقيل يريد المتاع

6-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن عبد الله بن سنان و عبد العزيز العبدي عن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله ع قال من أصبح و أمسى و الدنيا أكبر همه جعل الله تعالى الفقر بين عينيه و شتت أمره و لم ينل الدنيا إلا ما قسم له و من أصبح و أمسى و الآخرة أكبر همه جعل الله تعالى الغنى في قلبه و جمع له أمره

 بيان أكبر همه أي قصده أو حزنه جعل الله الفقر بين عينيه لأنه كلما يحصل له من الدنيا يزيد حرصه بقدر ذلك فيزيد احتياجه و فقره أو لضعف توكله على الله يسد الله عليه بعض أبواب رزقه و قيل فهو فقير في الآخرة لتقصيره فيما ينفعه فيها و في الدنيا لأنه يطلبها شديدا و الغني من لا يحتاج إلى الطلب و لأن مطلوبة كثيرا ما يفوت عنه و الفقر عبارة عن فوات المطلوب و أيضا يبخل عن نفسه و عياله خوفا من فوات الدنيا و هو فقر حاضر.   و شتت أمره التشتيت التفريق لأنه لعدم توكله على ربه لا ينظر إلا إلى الأسباب و يتوسل بكل سبب و وسيلة فيتحير في أمره و لا يدري وجه رزقه و لا ينتظم أحواله أو لشدة حرصه لا يقنع بما حصل له و يطلب الزيادة و لا يتيسر له فهو دائما في السعي و الطلب و لا ينتفع بشي‏ء و حمله على تفرق أمر الآخرة بعيد. و لم ينل من الدنيا إلا ما قسم له يدل على أن الرزق مقسوم و لا يزيد بكثرة السعي كما قال تعالى نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا و لذلك منع الصوفية من طلب الرزق و الحق أن الطلب حسن و قد يكون واجبا و تقديره لا ينافي اشتراطه بالسعي و الطلب و لزومه على الله بدون سعي غير معلوم و قيل قدر سد الرمق واجب على الله و يحتمل أن يكون التقدير مختلفا في صورتي الطلب و تركه بأن قدر الله تعالى قدرا من الرزق بدون الطلب لكن مع التوكل التام عليه و قدرا مع الطلب لكن شدة الحرص و كثرة السعي لا يزيده و به يمكن الجمع بين أخبار هذا الباب و سيأتي القول فيه في كتاب التجارة إن شاء الله تعالى. و قيل المراد بقوله لم ينل من الدنيا إلا ما قسم له أنه لا ينتفع إلا بما قسم له و إن زاد بالسعي فإنه يبقى للوارث و هو حظه و قيل فيه إشارة إلى أن ذا المال الكثير قد لا ينتفع به بسبب مرض أو غيره و ذا المال القليل ينتفع به أكثر منه و لا يخفى ما فيه. جعل الله الغنى في قلبه أي بالتوكل على ربه و الاعتماد عليه و إخراج الحرص و حب الدنيا من قلبه لا بكثرة المال و غيره و لذا نسبه إلى القلب. و جمع له أمره أي جعل أحواله منتظمة و باله فارغا عن حب الدنيا و تشعب الفكر في طلبها

7-  كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن عمر فيما أعلم عن أبي علي الحذاء عن حريز عن زرارة و محمد بن مسلم عن أبي عبد الله ع قال أبعد ما يكون   العبد من الله عز و جل إذا لم يهمه إلا بطنه و فرجه

 بيان إذا لم يهمه إلا بطنه و فرجه أي لا يكون اهتمامه و عزمه و سعيه و غمه و حزنه إلا في مشتهيات البطن و الفرج في القاموس الهم الحزن و ما هم به في نفسه و همه الأمر حزنه كأهمه فاهتم انتهى فالمراد الإفراط فيهما و قصر همته عليهما و إلا فللبطن و الفرج نصيب عقلا و شرعا و هو ما يحتاج إليه لقوام البدن و اكتساب العلم و العمل و بقاء النوع

8-  كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن ابن سنان عن حفص بن قرط عن أبي عبد الله ع قال من كثر اشتباكه بالدنيا كان أشد لحسرته عند فراقها

 بيان من كثر اشتباكه بالدنيا أي اشتغاله و تعلق قلبه بها يقال اشتبكت النجوم إذا كثرت و انضمت و كل متداخلين مشتبكان و منه تشبيك الأصابع لدخول بعضها في بعض و الغرض الترغيب في رفض الدنيا و ترك محبتها لئلا يشتد الحزن و الحسرة في مفارقتها

9-  كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه و علي بن محمد جميعا عن القاسم بن محمد عن سليمان المنقري عن عبد الرزاق بن همام عن معمر بن راشد عن الزهري محمد بن مسلم بن عبيد الله قال سئل علي بن الحسين ع أي الأعمال أفضل عند الله قال ما من عمل بعد معرفة الله عز و جل و معرفة رسوله ص أفضل من بغض الدنيا فإن لذلك لشعبا كثيرة و للمعاصي شعب فأول ما عصى الله به الكبر معصية إبليس حين أَبى وَ اسْتَكْبَرَ وَ كانَ مِنَ الْكافِرِينَ ثم الحرص و هي معصية آدم و حواء ع حين قال الله عز و جل لهما فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ فأخذا ما لا حاجة بهما إليه فدخل ذلك على   ذريتهما إلى يوم القيامة و ذلك أن أكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به إليه ثم الحسد و هي معصية ابن آدم حيث حسد أخاه فقتله فتشعب من ذلك حب النساء و حب الدنيا و حب الرئاسة و حب الراحة و حب الكلام و حب العلو و الثروة فصرن سبع خصال فاجتمعن كلهن في حب الدنيا فقالت الأنبياء و العلماء بعد معرفة ذلك حب الدنيا رأس كل خطيئة و الدنيا دنياءان دنيا بلاغ و دنيا ملعونة

 بيان قد مر هذا الخبر بعينه في باب ذم الدنيا ما من عمل بعد معرفة الله يدل على أن المعرفة أفضل لأنها أصل جميع الأخلاق و الأعمال و يدخل في معرفة الرسول معرفة الإمام فإن لذلك كأنه تعليل لكون بغض الدنيا بعد المعرفة أفضل و فيما مضى و إن كما في بعض النسخ هنا و هو أظهر و ذلك إشارة إلى بغض الدنيا أو إلى الدنيا و قيل المشار إليه العمل يعني أن للأعمال الصالحة لشعبا يرجع كلها إلى بغض الدنيا و للمعاصي شعبا يرجع كلها إلى حب الدنيا ثم اكتفى ببيان أحدهما عن الآخر و كأن ما ذكرنا أظهر. و المراد بالشعب الأولى أنواع الأخلاق و الأعمال الفاضلة و بالثانية أنواع المعاصي و الأولى مندرجة تحت بغض الدنيا و الثانية تحت حبها فبغضها أفضل الأعمال لاشتماله على محاسن كثيرة كالتواضع المقابل للكبر و القنوع المقابل للحرص و هكذا و بحكم المقابلة حب الدنيا أقبح الأعمال لاشتماله على رذائل كثيرة و هي الكبر إلى آخر ما ذكر و ذلك أن و في بعض النسخ فلذلك أي لدخول الحرص على ذريتهما و إنما قال أكثر لأن طلب المحتاج إليه و هو القدر الضروري من الطعام و اللباس و المسكن و نحوها ليس بمذموم بل ممدوح لأنه لا يمكن بدونه تكميل النفس بالعلم و العمل. حيث حسد أخاه قيل حسده في قبول قربانه و قيل في حب النساء و قيل   في حب الدنيا لئلا يكون له نسل يعيرون أولاده في رد قربانه و كأن المراد بحب الدنيا أولا حب المال أو حب البقاء في الدنيا و كراهة الموت و به ثانيا حب كل ما لا حاجة به في تحصيل الآخرة و قيل يمكن أن يكون المراد بالسبع الكبر و الحرص و حب النساء و حب الرئاسة و حب الراحة و حب الكلام و حب العلو و الثروة و هما شعبة واحدة بقرينة عدم ذكر الحب في المعطوف و أما الحسد فقد اكتفى عنه بذكر شعبة و أنواعه دنيا بلاغ أي كفاف و كفاية أو تبلغ بها إلى الآخرة

10-  كا، ]الكافي[ و بهذا الإسناد عن المنقري عن حفص بن غياث عن أبي عبد الله ع قال في مناجاة موسى ع يا موسى إن الدنيا دار عقوبة عاقبت فيها آدم ع عند خطيئته و جعلتها ملعونة ملعون ما فيها إلا ما كان فيها لي يا موسى إن عبادي الصالحين زهدوا في الدنيا بقدر علمهم و سائر الخلق رغبوا فيها بقدر جهلهم و ما من أحد عظمها فقرت عينه فيها و لا يحقرها أحد إلا انتفع بها

 بيان جعلتها ملعونة اللعن الطرد و الإبعاد و السب و كأن المراد بلعنها لعن أهلها أو كراهتها و المنع عن حبها و كل ما نهى الله تعالى عنها فقد لعنها و طردها و قيل العرب تقول لكل شي‏ء ضار ملعون و الشجرة الملعونة عندهم هي كل من ذاقها كرهها و لعنها و كذلك حال الدنيا فإن كل من ذاق شهواتها لعنها إذا أحس بضررها. ملعون ما فيها إلا ما كان فيها لي أقول هذا معيار كامل للدنيا الملعونة و غيرها فكل ما كان في الدنيا و يوجب القرب إلى الله تعالى من المعارف و العلوم الحقة و الطاعات و ما يتوصل به إليها من المعيشة بقدر الضرورة و الكفاف فهي من الآخرة و ليست من الدنيا و كلما يصير سببا للبعد عن الله و الاشتغال عن ذكره و يلهي عن درجات الآخرة و كمالاتها و ليس الغرض فيه القرب منه تعالى و الوصول إلى رضاه فهي الدنيا الملعونة. قيل ما يقع في الدنيا من الأعمال أربعة أقسام الأول ما يكون ظاهره   و باطنه لله كالطاعات و الخيرات الخالصة الثاني ما يكون ظاهره و باطنه للدنيا كالمعاصي و كثير من المباحات أيضا لأنها مبدأ البطر و الغفلة الثالث ما يكون ظاهره لله و باطنه للدنيا كالأعمال الريائية الرابع عكس الثالث كطلب الكفاف لحفظ بقاء البدن و القوة على العبادة و تكميل النفس بالعلم و العمل. بقدر علمهم أي بعيوبها و فنائها و مضرتها ما من أحد عظمها فقرت عينه فيها أي من عظمها و تعلق قلبه بها تصير سببا لبعده عن الله و لا تبقى الدنيا له ليخسر الدنيا و الآخرة و من حقرها تركها و لم يأخذ منها إلا ما يصير سببا لتحصيل الآخرة فينتفع بها في الدارين

11-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن يحيى الخزاز عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله ع قال إن الشيطان يدبر ابن آدم في كل شي‏ء فإذا أعياه جثم له عند المال فأخذ برقبته

 بيان في القاموس جثم الإنسان و الطائر و النعام و الخشف و اليربوع يجثم و يجثم جثما و جثوما لزم مكانه فلم يبرح أو وقع على صدره أو تلبد بالأرض انتهى و الحاصل أن الشيطان يدبر ابن آدم في كل شي‏ء أي يبعثه على ارتكاب كل ضلالة و معصية أو يكون معه و يلازمه عند عروض كل شبهة أو شهوة لعله يضله أو يزله فإذا أعياه المستتر راجع إلى ابن آدم و البارز إلى الشيطان أي لم يقبل منه و لم يطعه حتى أعياه ترصد له و اختفى عند المال فإذا أتى المال أخذ برقبته فأوقعه فيه بالحرام و الشبهة. و الحاصل أن المال أعظم مصائد الشيطان إذ قل من لم يفتتن به عند تيسره له و كأنه محمول على الغالب إذ قد يكون لا يفتتن بالمال و يفتتن بحب الجاه و بعض الشهوات الغالبة و قيل فإذا أعياه أي أعجزه عن كل شهوة و لذة و ذلك بأن يشيب كما ورد في حديث آخر يشيب ابن آدم و يشب فيه خصلتان الحرص و طول الأمل

    -12  كا، ]الكافي[ عن العدة عن أحمد بن أبي عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن زياد القندي عن أبي وكيع عن أبي إسحاق السبيعي عن الحارث الأعور عن أمير المؤمنين ع قال قال رسول الله ص إن الدينار و الدرهم أهلكا من كان قبلكم و هما مهلكاكم

 بيان إن الدينار و الدرهم أي حبهما و صرف العمر في تحصيلهما و تحصيل ما يتوقف عليهما أهلكا من كان قبلكم لأن حبهما يمنع من حبه تعالى و صرف العمر فيهما يمنع من صرف العمر في طاعته تعالى و التمكن منهما يورث التمكن من كثير من المعاصي و يبعثان على الأخلاق الدنية و الأعمال السيئة كالظلم و الحسد و الحقد و العداوة و الفخر و الكبر و البخل و منع الحقوق إلى غير ذلك مما لا يحصى و مفارقتهما عند الموت تورث الحسرة و الندامة و حبهما يمنع من حب لقاء الله تعالى و تركهما يوجب الراحة في الدنيا و خفة الحساب في العقبى

13-  كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يحيى بن عقبة الأزدي عن أبي عبد الله ع قال قال أبو جعفر ع مثل الحريص على الدنيا كمثل دودة القز كلما ازدادت من القز على نفسها لفا كان أبعد لها من الخروج حتى تموت غما

 و قال أبو عبد الله ع أغنى الغنى من لم يكن للحرص أسيرا

 و قال لا تشعروا قلوبكم الاشتغال بما قد فات فتشغلوا أذهانكم عن الاستعداد لما لم يأت

 بيان كمثل دودة القز هذا من أحسن التمثيلات للدنيا و قد أنشد بعضهم فيه

أ لم تر أن المرء طول حياته حريص على ما لا يزال يناسجه‏كدود كدود القز ينسج دائما فيهلك غما وسط ما هو ناسجه.

   قوله ع أغنى الغنى أي ليس الغنى و عدم الحاجة بكثرة المال بل بترك الحرص فإن الحريص كلما ازداد ماله اشتد حرصه فيكون أفقر و أحوج ممن لا مال له لا تشعروا قلوبكم أي لا تلزموه إياها و لا تجعلوه شعارها في القاموس أشعره الأمر و به أعلمه و الشعار ككتاب ما تحت الدثار من اللباس و هو يلي شعر الجسد و استشعره لبسه و أشعره غيره ألبسه إياه و أشعر الهم قلبي لزق به و كلما ألزقته بشي‏ء أشعرته به الاشتغال بما قد فات أي من أمور الدنيا سواء لم يحصل أو حصل و فات فإن اشتغال القلب به يوجب غفلته عن ذكر الله تعالى و حبه فإنه لا يجتمع حبان متضادان في قلب واحد

14-  كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن فضال عن ابن بكير عن حماد بن بشير قال سمعت أبا عبد الله ع يقول ما ذئبان ضاريان في غنم قد فارقها رعاؤها أحدهما في أولها و الآخر في آخرها بأفسد فيها من حب المال و الثروة في دين المسلم

 بيان بأفسد هنا بمعنى أشد إفسادا و إن كان نادرا

15-  كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن عثمان بن عيسى عن أبي أيوب عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر ع قال ما ذئبان ضاريان في غنم ليس لها راع هذا في أولها و هذا في آخرها بأسرع فيها من حب المال و الشرف في دين المؤمن

 بيان بأسرع أي في القتل و الإفناء

16-  كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن ابن محبوب عن عبد العزيز العبدي عن ابن أبي يعفور قال سمعت أبا عبد الله ع يقول من تعلق قلبه بالدنيا تعلق قلبه بثلاث خصال هم لا يغني و أمل لا يدرك و رجاء لا ينال

 بيان لا يغني لأنه لا يحصل له ما هو مقتضى حرصه و أمله في الدنيا   و لا يمكنه الاحتراز عن آفاتها و مصائبها فهو في الدنيا دائما في الغم لما فات و الهم لما لم يحصل فإذا فات فهو في أحزان و حسرات من مفارقتها و لم يقدم منها شيئا ينفعه فهمه لا يغني أبدا و الفرق بين الأمل و الرجاء أن متعلق الأمل العمر و البقاء في الدنيا و متعلق الرجاء ما سواه أو متعلق الأمل بعيد الحصول و متعلق الرجاء قريب الوصول و معلوم أن محب الدنيا و طالبها يأمل منها ما لا مطمع في حصوله لكن لشدة حرصه يطلبه و يأمله و يرجو الانتفاع بها فيحول الأجل بينه و بينها أو يرجو الآخرة و جمعها مع الدنيا مع أنه لا يسعى لتحصيل الآخرة و يقصر همه على تحصيل الدنيا و نعم ما قيل

يا طالب الرزق مجتهدا أقصر عناك فإن الرزق مقسوم‏لا تحرصن على ما لست تدركه إن الحريص على الآمال محروم.

 تتمة مهمة قال بعض المحققين اعلم أن معرفة ذم الدنيا لا يكفيك ما لم تعرف الدنيا المذمومة ما هي و ما الذي ينبغي أن يجتنب و ما الذي لا يجتنب فلا بد أن نبين الدنيا المذمومة المأمور باجتنابها لكونها عدوة قاطعة لطريق الله ما هي فنقول. دنياك و آخرتك عبارتان عن حالتين من أحوال قلبك و القريب الداني منهما يسمى دنيا و هي كل ما قبل الموت و المتراخي المتأخر يسمى آخره و هي ما بعد الموت فكل ما لك فيه حظ و غرض و نصيب و شهوة و لذة في عاجل الحال قبل الوفاة فهي الدنيا في حقك إلا أن جميع ما لك إليه ميل و فيه نصيب و حظ فليس بمذموم بل هي تنقسم إلى ثلاثة أقسام. الأول ما يصحبك في الدنيا و يبقى معك ثمرته بعد الموت و هو شيئان العلم و العمل فقط و أعني بالعلم العلم بالله و صفاته و أفعاله و ملائكته و كتبه و رسله و ملكوت أرضه و سمائه و العلم بشريعة نبيه و أعني بالعمل العبادة الخالصة لوجه الله و قد يأنس العالم بالعلم حتى يصير ذلك ألذ الأشياء عنده فيهجر النوم و المنكح و المشرب و المطعم في لذته لأنه أشهى عنده من جميعها فقد   صار حظا عاجلا في الدنيا و لكنا إذا ذكرنا الدنيا المذمومة لم نعد هذا من الدنيا أصلا بل قلنا إنه من الآخرة و كذلك العابد قد يأنس بعبادته و يستلذها بحيث لو منعت عنه لكان ذلك أعظم العقوبات عليه و هذا أيضا ليس من الدنيا المذمومة. الثاني و هو المقابل للقسم الأول على الطرف الأقصى كل ما فيه حظ عاجل و لا ثمرة له في الآخرة أصلا كالتلذذ بالمعاصي و التنعم بالمباحات الزائدة على قدر الضرورات و الحاجات الداخلة في جملة الرفاهية و الرعونات كالتنعم بالقناطير المقنطرة من الذهب و الفضة و الخيل المسومة و الأنعام و الحرث و الغلمان و الجواري و الخيول و المواشي و القصور و الدور المشيدة و رفيع الثياب و لذائذ الأطعمة فحظ العبد من هذه كلها هي الدنيا المذمومة و فيما يعد فضولا و في محل الحاجة نظر طويل. الثالث و هو متوسط بين الطرفين كل حظ في العاجل معين على أعمال الآخرة كقدر القوت من الطعام و القميص الواحد الخشن و كل ما لا بد منه ليتأتى للإنسان البقاء و الصحة التي بها يتوصل إلى العلم و العمل و هذا ليس من الدنيا كالقسم الأول لأنه معين على القسم الأول و وسيلة إليه فمهما تناوله العبد على قصد الاستعانة على العلم و العمل لم يكن به متناولا للدنيا و لم يصر به من أبنائها و إن كان باعثه الحظ العاجل دون الاستعانة على التقوى التحق بالقسم الثاني و صار من جملة الدنيا. و لا يبقى مع العبد عند الموت إلا ثلاث صفاء القلب و أنسه بذكر الله و حبه لله و صفاء القلب لا يحصل إلا بالكف عن شهوات الدنيا و الأنس لا يحصل إلا بكثرة ذكر الله و الحب لا يحصل إلا بالمعرفة و لا تحصل المعرفة إلا بدوام الفكر. فهذه الثلاث هي المنجيات المسعدات بعد الموت و هي الباقيات الصالحات أما طهارة القلب عن شهوات الدنيا فهي من المنجيات إذ تكون جنة بين العبد و بين عذاب الله و أما الأنس و الحب فهما من المسعدات و هما موصلان العبد إلى لذة

    اللقاء و المشاهدة و هذه السعادة تتعجل عقيب الموت إلى أن يدخل الجنة فيصير القبر روضة من رياض الجنة. و كيف لا يكون كذلك و لم يكن له إلا محبوب واحد و كانت العوائق تعوقه عن الأنس بدوام ذكره و مطالعة جماله فارتفعت العوائق و أفلت من السجن و خلي بينه و بين محبوبه فقدم عليه مسرورا آمنا من العوائق آمنا من الفرق و كيف لا يكون محب الدنيا عند الموت معذبا و لم يكن له محبوب إلا الدنيا و قد غصب منه و حيل بينه و بينه و سدت عليه طرق الحيلة في الرجوع إليه و ليس الموت عدما إنما هو فراق لمحاب الدنيا و قدوم على الله تعالى فإذن سالك طريق الآخرة هو المواظب على أسباب هذه الصفات الثلاث و هي الذكر و الفكر و العمل الذي يحفظه من شهوات الدنيا و يبغض إليه ملاذها و يقطعه عنها و كل ذلك لا يمكن إلا بصحة البدن و صحة البدن لا تنال إلا بالقوت و الملبس و المسكن و يحتاج كل واحد إلى أسباب. فالقدر الذي لا بد منه من هذه الثلاثة إذا أخذه العبد من الدنيا للآخرة لم يكن من أبناء الدنيا و كانت الدنيا في حقه مزرعة الآخرة و إن أخذ ذلك على قصد التنعم و لحظ النفس صار من أبناء الدنيا و الراغبين في حظوظها إلا أن الرغبة في حظوظ الدنيا تنقسم إلى ما يعرض صاحبه لعذاب الله في الآخرة و يسمى ذلك حراما و إلى ما يحول بينه و بين الدرجات العلي و يعرضه لطول الحساب و يسمى ذلك حلالا. و البصير يعلم أن طول الموقف في عرصات القيامة لأجل المحاسبة أيضا عذاب فمن نوقش في الحساب عذب فلذلك قال رسول الله ص حلالها حساب و حرامها عقاب و قد قال أيضا حلالها عذاب إلا أنه عذاب أخف من عذاب الحرام بل لو لم يكن الحساب لكان ما يفوت من الدرجات العلى في الجنة و ما يرد على القلب من التحسر على تفويتها بحظوظ حقيرة خسيسة لا بقاء لها هو أيضا عذاب فالدنيا قليلها و كثيرها حلالها و حرامها ملعونة إلا ما أعان على تقوى   الله فإن ذلك القدر ليس من الدنيا. و كل من كانت معرفته أقوى و أتقن كان حذره من نعيم الدنيا أشد و لهذا زوى الله تعالى الدنيا عن نبينا ص فكان يطوي أياما و كان يشد الحجر على بطنه من الجوع و لهذا سلط الله البلاء و المحن على الأنبياء و الأولياء ثم الأمثل فالأمثل كل ذلك نظرا لهم و امتنانا عليهم ليتوفر من الآخرة حظهم كما يمنع الوالد الشفيق ولده لذيذ الفواكه و يلزمه ألم الفصد و الحجامة شفقة عليه و حبا له لا بخلا به عليه و قد عرفت بهذا أن كل ما ليس لله فهو للدنيا و ما هو لله فليس من الدنيا. فإن قلت فما الذي هو لله فأقول الأشياء ثلاثة أقسام منها ما لا يتصور أن يكون لله و هو الذي يعبر عنه بالمعاصي و المحظورات و أنواع التنعمات في المباحات و هي الدنيا المحضة المذمومة فهي الدنيا صورة و معنى. و منها ما صورتها لله و يمكن أن يجعل لغير الله و هي ثلاثة الفكر و الذكر و الكف عن شهوات فهذه الثلاثة إذا جرت سرا و لم يكن عليها باعث سوى أمر الله و اليوم الآخر فهي لله و ليست من الدنيا و إن كان الغرض من النظر طلب العلم للشرف و طلب القبول بين الخلق بإظهار المعرفة أو كان الغرض من ترك الشهوة حفظ المال أو الحمية لصحة البدن أو الاشتهار بالزهد فقد صار هذا من الدنيا بالمعنى و إن كان يظن بصورتها أنها لله. و منها ما صورتها لحظ النفس و يمكن أن يجعل معناه لله و ذلك كالأكل و النكاح و كل ما لا يرتبط به بقاؤه و بقاء ولده فإن كان القصد حظ النفس فهو من الدنيا و إن كان القصد الاستعانة على التقوى فهو لله بمعناه و إن كان صورته صورة الدنيا قال ص من طلب من الدنيا حلالا مكاثرا مفاخرا لقي الله و هو عليه غضبان و من طلبها استعفافا عن المسألة و صيانة لنفسه جاء يوم القيامة و وجهه كالقمر ليلة البدر.

    انظر كيف اختلف ذلك بالقصد فإذا الدنيا حظ نفسك العاجل الذي لا حاجة إليه لأمر الآخرة و يعبر عنه بالهوى و إليه أشار قوله تعالى وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى. و اعلم أن مجامع الهوى خمسة أمور و هي ما جمعه الله عز و جل في قوله أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زِينَةٌ وَ تَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَ تَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ و الأعيان التي تحصل منها هذه الأمور سبعة يجمعها قوله تعالى زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَ الْبَنِينَ وَ الْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ الْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَ الْأَنْعامِ وَ الْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ اللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ فقد عرفت أن كل ما هو لله فليس من الدنيا و قدر ضرورة القوت و ما لا بد منه من مسكن و ملبس فهو لله و إن قصد منه وجه الله و الاستكثار منه تنعم و هو لغير الله و بين التنعم و الضرورة درجة يعبر عنها بالحاجة و لها طرفان و واسطة طرف يقرب من حد الضرورة فلا يضر فإن الاقتصار على حد الضرورة غير ممكن و طرف تتاخم جانب التنعم و يقرب منه و ينبغي أن يحذر و بينهما وسائط متشابه و من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه و الحزم في الحذر و التقوى و التقرب من حد الضرورة ما أمكن اقتداء بالأنبياء و الأولياء. ثم قال اعلم أن الدنيا عبارة من أعيان موجودة و للإنسان فيها حظ و له في إصلاحها شغل فهذه ثلاثة أمور قد يظن أن الدنيا عبارة عن آحادها و ليس كذلك أما الأعيان الموجودة التي الدنيا عبارة عنها فهي الأرض و ما عليها قال الله تعالى إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا فالأرض فراش للآدميين و مهاد و مسكن و مستقر و ما عليها لهم ملبس و مطعم و مشرب و منكح.   و يجمع ما على الأرض ثلاثة أقسام المعادن و النبات و الحيوان أما المعادن فيطلبها الآدمي للآلات و الأواني كالنحاس و الرصاص أو للنقد كالذهب و الفضة و لغير ذلك من المقاصد و أما النبات فيطلبها الآدمي للإقتات و التداوي و أما الحيوان فينقسم إلى الإنسان و البهائم أما البهائم فيطلب لحومها للمأكل و ظهورها للمركب و الزينة و أما الإنسان فقد يطلب الآدمي أن يملك أبدان الناس ليستخدمهم و يستسخرهم كالغلمان أو ليتمتع بهم كالجواري و النسوان و يطلب قلوب الناس ليملكها فيغرس فيها التعظيم و الإكرام و هو الذي يعبر عنه بالجاه إذ معنى الجاه ملك قلوب الآدميين. فهذه هي الأعيان التي يعبر عنها بالدنيا و قد جمعها الله تعالى في قوله زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَ الْبَنِينَ و هذا من الإنس وَ الْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ و هذا من الجواهر و المعادن و فيه تنبيه على غيرها من اللآلي و اليواقيت وَ الْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَ الْأَنْعامِ و هي البهائم و الحيوانات وَ الْحَرْثِ و هو النبات و الزرع. فهذه هي أعيان الدنيا إلا أن لها مع العبد علاقتين علاقة مع القلب و هو حبه لها و حظه منها و انصراف قلبه إليها حتى تصير قلبه كالعبد أو المحب المستهتر بالدنيا و يدخل في هذه العلاقة جميع صفات القلب المتعلقة بالدنيا كالكبر و الغل و الحسد و الرياء و السمعة و سوء الظن و المداهنة و حب الثناء و حب التكاثر و التفاخر فهذه هي الدنيا الباطنة و أما الظاهرة فهي الأعيان التي ذكرناها و العلاقة الثانية مع البدن و هو اشتغاله بإصلاح هذه الأعيان ليصلح لحظوظه و حظوظ غيره و هي جملة الصناعات و الحرف التي الخلق مشغولون بها و الخلق إنما نسوا أنفسهم و مالهم و منقلبهم لهاتين العلاقتين علاقة القلب بالحب و علاقة البدن بالشغل و لو عرف ربه و عرف نفسه و عرف حكمة الدنيا و سرها علم أن هذه الأعيان التي سميتها دنيا لم تخلق إلا لعلف الدابة التي تسير بها إلى الله تعالى و أعني بالدابة البدن فإنه لا يبقى إلا بمطعم و ملبس و مسكن

    كما لا يبقى الإبل في طريق الحج إلا بعلف و ماء و جلال. و مثال العبد في نسيانه نفسه و مقصده مثال الحاج الذي يقف في منازل الطريق و لا يزال يعلف الدابة و يتعهدها و ينظفها و يكسوها ألوان الثياب و يحمل إليها أنواع الحشيش و يبرد لها الماء بالثلج حتى تفوته القافلة و هو غافل عن الحج و عن مرور القافلة و عن بقائه في البادية فريسة للسباع هو و ناقته و الحاج البصير لا يهمه من أمر الجمل إلا القدر الذي يقوى به على المشي فيتعهده و قلبه إلى الكعبة و الحج و إنما يلتفت إلى الناقة بقدر الضرورة فكذلك البصير في سفر الآخرة لا يشغل بتعهد البدن إلا بالضرورة كما لا يدخل بيت الماء إلا للضرورة و لا فرق بين إدخال الطعام في البدن و بين إخراجه من البطن و أكثر ما شغل الناس عن الله البدن فإن القوت ضروري و أمر الملبس و المسكن أهون و لو عرفوا سبب الحاجة إلى هذه الأمور و اقتصروا عليها لم تستغرقهم أشغال الدنيا فإنما استغرقتهم لجهلهم بالدنيا و حكمتها و حظوظهم منها و لكنهم جهلوا و غفلوا و تتابعت أشغال الدنيا و اتصلت بعضها ببعض و تداعت إلى غير نهاية محدودة فتاهوا في كثرة الأشغال و نسوا مقصودها. و أما تفاصيل أشغال الدنيا و كيفية حدوث الحاجة إليها و انجرار بعضها إلى بعض فمما يطول ذكرها و خارج عن مقصود كتابنا. و إذا تأملت فيها علمت أن الإنسان لاضطراره إلى القوت و المسكن و الملبس يحتاج إلى خمس صناعات و هي الفلاحة لتحصيل النبات و الرعاية لحفظ الحيوانات و استنتاجها و الاقتناص لتحصيل ما خلق الله من صيد أو معدن أو حشيش أو حطب و الحياكة للباس و البناء للمسكن ثم يحتاج بسبب ذلك إلى التجارة و الحدادة و الخرز أي إصلاح جلود الحيوانات و أجزائها ثم لبقاء النوع إلى المنكح ثم إلى حفظ الولد و تربيته ثم لاجتماعهم إلى قرية يجتمعون فيها ثم إلى قاض و حاكم يتحاكمون إليه ثم إلى جند يحرسهم عن الأعادي ثم إلى خراج يعان به الجند ثم إلى عمال و خزان لذلك ثم إلى ملك يدبرهم   و أمير مطاع و قائد على كل طائفة منهم فانظر كيف ابتدأ الأمر من حاجة القوت و المسكن و الملبس و إلى ما ذا انتهى. هكذا أمور الدنيا لا يفتح منها باب إلا و ينفتح منها بسببه عشرة أبواب أخر و هكذا يتناهى إلى حد غير محصور و كأنها هاوية لا نهاية لعمقها و من وقع في مهواة منها سقط منها إلى أخرى و هكذا على التوالي. فهذه هي الحرف و الصناعات و يتفرع عليها أيضا بناء الحوانيت و الخانات للمتحرفة و التجار و جماعة يتجرون و يحملون الأمتعة من بلد إلى بلد و يتفرع عليها الكراية و الإجارة ثم يحدث بسبب البيوع و الإجارات و أمثالها الحاجة إلى النقدين لتقع المعاملة بهما فاتخذت النقود من الذهب و الفضة و النحاس ثم مست الحاجة إلى الضرب و النقش و التقدير فحدثت الحاجة إلى دار الضرب و إلى الصيارفة. فهذه أشغال الخلق و هي معايشهم و شي‏ء من هذه الحرف لا يمكن مباشرته إلا بنوع تعلم و تعب في الابتداء و في الناس من يغفل عن ذلك في الصبا فلا يشتغل به أو يمنعه مانع فيبقى عاجزا فيحتاج إلى أن يأكل مما سعى فيه غيره فتحدث منه حرفتان خسيستان اللصوصية و الكدية و للصوص أنواع و لهم حيل شتى في ذلك و أما التكدي فله أسباب مختلفة فمنهم من يطلب ذلك بالتمسخر و المحاكاة و الشعبذة و الأفعال المضحكة و قد يكون بالأشعار مع النغمة أو غيرها في المدح أو التعشق أو غيرهما أو تسليم ما يشبه العوض و ليس بعوض كبيع التعويذات و الطلسمات و كأصحاب القرعة و الفال و الزجر من المنجمين و يدخل في هذا الجنس الوعاظ المتكدون على رءوس المنابر. فهذه هي أشغال الخلق و أعمالهم التي أكبوا عليها و جرهم إلى ذلك كله الحاجة إلى القوت و الكسوة و لكن نسوا في أثناء ذلك أنفسهم و مقصودهم و منقلبهم و مالهم فضلوا و تاهوا و سبق إلى عقولهم الضعيفة بعد أن كدرها زحمة أشغال الدنيا خيالات فاسدة و انقسمت مذاهبهم و اختلفت آراؤهم على عدة أوجه.

    فطائفة غلب عليهم الجهل و الغفلة فلم ينفتح أعينهم للنظر إلى عاقبة أمرهم فقالوا المقصود أن نعيش أياما في الدنيا فنجهد حتى نكسب القوت ثم نأكل حتى نقوى على الكسب ثم نكتسب حتى نأكل فيأكلون ليكسبوا و يكسبون ليأكلوا فهذه مذاهب الملاحين و المتحرفين و من ليس لهم تنعم في الدنيا و لا قدم في الدين و طائفة أخرى زعموا أنهم تفطنوا للأمر و هو أن ليس المقصود أن يشقى الإنسان و لا يتنعم في الدنيا بل السعادة في أن يقضي وطره من شهوات الدنيا و هي شهوة البطن و الفرج فهؤلاء طائفة نسوا أنفسهم و صرفوا همهم إلى اتباع النسوان و جمع لذائذ الأطعمة يأكلون كما تأكل الأنعام و يظنون أنهم إذا نالوا ذلك فقد أدركوا غايات السعادات فيشغلهم ذلك عن الله و اليوم الآخر. و طائفة ظنوا أن السعادة في كثرة المال و الاستغناء بكنز الكنوز فأسهروا ليلهم و نهارهم في الجمع فهم يتعبون في الأسفار طول الليل و النهار و يترددون في الأعمال الشاقة و يكسبون و يجمعون و لا يأكلون إلا قدر الضرورة شحا و بخلا عليها أن تنقص و هذه لذتهم و في ذلك دأبهم و حركتهم إلى أن يأتيهم الموت فيبقى تحت الأرض أو يظفر به من يأكله في الشهوات و اللذات فيكون للجامع تعبها و وبالها و للآكل لذتها و حسابها ثم إن الذين يجمعون ينظرون إلى أمثال ذلك في أشباههم و أمثالهم فلا يعتبرون. و طائفة زعموا أن السعادة في حسن الاسم و انطلاق الألسن بالثناء و المدح بالتجمل و المروة فهؤلاء يتعبون في كسب المعايش و يضيقون على أنفسهم في المطعم و المشرب و يصرفون جميع مالهم إلى الملابس الحسنة و الدواب النفيسة و يزخرفون أبواب الدور و ما يقع عليه أبصار الناس حتى يقال إنه غني و إنه ذو ثروة و يظنون أن ذلك هو السعادة فهمتهم في ليلهم و نهارهم في تعهد موقع نظر الناس. و طائفة أخرى ظنوا أن السعادة في الجاه و الكرامة بين الناس و انقياد الخلق بالتواضع و التوقير فصرفوا همتهم إلى استجرار الناس إلى الطاعة بطلب الولاية   و تقلد الأعمال السلطانية لينفذوا أمرهم بها على طائفة من الناس و يرون أنهم إذا اتسعت ولايتهم و انقادت لهم رعاياهم فقد سعدوا سعادة عظيمة و أن ذلك غاية المطلب و هذا أغلب الشهوات على قلوب المتغافلين من الناس فهؤلاء شغلهم حب تواضع الناس لهم عن التواضع لله و عن عبادته و عن التفكر في آخرتهم و معادهم. و وراء هذا طوائف يطول حصرها تزيد على نيف و سبعين فرقة كلهم ضلوا و أضلوا عن سواء السبيل و إنما جرهم إلى جميع ذلك حاجة المطعم و الملبس و المسكن فنسوا ما يراد له هذه الأمور الثلاثة و القدر الذي يكفي منها و انجرت بهم أوائل أسبابها إلى أواخرها و تداعت لهم إلى مبادي لم يمكنهم الترقي منها. فمن عرف وجه الحاجة إلى هذه الأسباب و الأشغال و عرف غاية المقصود منها فلا يخوض في شغل و حرفة و عمل إلا و هو عالم بمقصوده و عالم بحظه و نصيبه منه و أن غاية مقصوده تعهد بدنه بالقوة و الكسوة حتى لا يهلك و ذلك أن سلك فيه سبيل التقليل اندفعت الأشغال و فرغ القلب و غلب عليه ذكر الآخرة و انصرفت الهمة إلى الاستعداد له و إن تعدى به قدر الضرورة كثرت الأشغال و تداعى البعض إلى البعض و تسلسل إلى غير نهاية فتشعب به الهموم و من تشعب به الهموم في أودية الدنيا فلا يبال الله في أي واد أهلكه. فهذا شأن المنهمكين في أشغال الدنيا و تنبه لذلك طائفة فأعرضوا عن الدنيا فحسدهم الشيطان فلم يتركهم و أضلهم في الأعراض أيضا حتى انقسموا إلى طوائف فظنت طائفة أن الدنيا دار بلاء و محنة و أن الآخرة دار سعادة لكل من وصل إليها سواء تعبد في الدنيا أو لم يتعبد فرأوا أن الصواب في أن يقتلوا أنفسهم للخلاص من محنة الدنيا و إليه ذهب طوائف من عباد الهند فهم يتهجمون على النار و يقتلون أنفسهم بالإحراق و يظنون أن ذلك خلاص منهم من سجن الدنيا. و ظنت طائفة أخرى أن القتل لا يخلص بل لا بد أولا من إماتة الصفات البشرية و قلعها عن النفس بالكلية و أن السعادة في قطع الشهوة و الغضب ثم أقبلوا على المجاهدة فشدوا على أنفسهم حتى هلك بعضهم بشدة الرياضة و بعضهم فسد

    عقله و جن و بعضهم مرض و انسدت عليه طرق العبادة. و بعضهم عجز عن قمع الصفات بالكلية فظن أن ما كلفه الشرع محال و أن الشرع تلبيس لا أصل له فوقع في الإلحاد و الزندقة و ظهر لبعضهم أن هذا التعب كله لله و أن الله مستغن عن عبادة العباد لا ينقصه عصيان عاص و لا يزيده عبادة عابد فعادوا إلى الشهوات و سلكوا مسلك الإباحة فطووا بساط الشرع و الأحكام و زعموا أن ذلك من صفاء توحيدهم حيث اعتقدوا أن الله مستغن عن عبادة العباد. و ظن طائفة أخرى أن المقصود من العبادات المجاهدة حتى يصل العبد بها إلى معرفة الله تعالى فإذا حصلت المعرفة فقد وصل و بعد الوصال يستغني عن الوسيلة و الحيلة فتركوا السعي و العبادة و زعموا أنه ارتفع محلهم في معرفة الله سبحانه عن أن يمتحنوا بالتكاليف و إنما التكليف على عوام الخلق. و وراء هذا مذاهب باطلة و ضلالة هائلة و خيالات فاسدة يطول إحصاؤها إلى أن يبلغ نيفا و سبعين فرقة و إنما الناجي منها فرقة واحدة و هي السالكة ما كان عليها رسول الله ص و أصحابه و هو أن لا يتركوا الدنيا بالكلية و لا يقمع في الشهوات بالكلية. أما الدنيا فيأخذ منها قدر الزاد و أما الشهوات فيقمع منها ما يخرج عن طاعة الشرع و العقل فلا يتبع كل شهوة و لا يترك كل شهوة بل يتبع العدل و لا يترك كل شي‏ء من الدنيا و لا يطلب كل شي‏ء من الدنيا بل يعلم مقصود كل ما خلق من الدنيا و يحفظه على حد مقصوده فيأخذ من القوت ما يقوى به البدن على العبادة و من المسكن ما يحفظ به من اللصوص و الحر و البرد و من الكسوة كذلك حتى إذا فرغ القلب من شغل البدن أقبل على الله بكنه همه و اشتغل بالذكر و الفكر طول العمر و بقي ملازما لسياسة الشهوات و مراقبا لها حتى لا تجاوز حدود الورع و التقوى و لا يعلم تفصيل ذلك إلا بالاقتداء بالفرقة الناجية الذين صحت عقائدهم و اتبعوا الرسول و أئمة الهدى صلوات الله عليهم في أقوالهم و أفعالهم فإنهم ما كانوا

    يأخذون الدنيا للدنيا بل للدين و ما كانوا يترهبون و يهجرون الدنيا بالكلية و ما كان لهم في الأمور تفريط و لا إفراط بل كانوا بين ذلك قواما و ذلك هو العدل و الوسط بين الطرفين و هو أحب الأمور إلى الله تعالى وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ

17-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن أبي عبد الله المؤمن عن جابر قال دخلت على أبي جعفر ع فقال يا جابر و الله إني لمحزون و إني لمشغول القلب قلت جعلت فداك و ما شغلك و ما حزن قلبك فقال يا جابر إنه من دخل قلبه صافي خالص دين الله شغل قلبه عما سواه يا جابر ما الدنيا و ما عسى أن تكون الدنيا هل هي إلا طعام أكلته أو ثوب لبسته أو امرأة أصبتها يا جابر إن المؤمنين لم يطمئنوا إلى الدنيا ببقائهم فيها و لم يأمنوا قدومهم الآخرة يا جابر الآخرة دار قرار و الدنيا دار فناء و زوال و لكن أهل الدنيا أهل غفلة و كان المؤمنين هم الفقهاء أهل فكرة و عبرة لم يصمهم عن ذكر الله ما سمعوا بآذانهم و لم يعمهم عن ذكر الله ما رأوا من الزينة ففازوا بثواب الآخرة كما فازوا بذلك العلم و اعلم يا جابر أن أهل التقوى أيسر أهل الدنيا مئونة و أكثرهم لك معونة تذكر فيعينونك و إن نسيت ذكروك قوالون بأمر الله قوامون على أمر الله قطعوا محبتهم بمحبة ربهم و وحشوا الدنيا لطاعة مليكهم و نظروا إلى الله تعالى و إلى محبته بقلوبهم و علموا أن ذلك هو المنظور إليه لعظيم شأنه فأنزل الدنيا كمنزل نزلته ثم ارتحلت عنه أو كمال وجدته في منامك و استيقظت و ليس معك منه شي‏ء إني إنما ضربت لك هذا مثلا لأنها عند أهل اللب و العلم بالله كفيئ الظلال يا جابر فاحفظ ما استرعاك الله من دينه و حكمته و لا تسألن عما لك عنده إلا ما له عند نفسك فإن تكن الدنيا على غير ما وصفت لك فتحول إلى دار المستعتب فلعمري لرب حريص على أمر قد شقي به حين أتاه و لرب كاره   لأمر قد سعد به حين أتاه و ذلك قول الله تعالى وَ لِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَمْحَقَ الْكافِرِينَ

 بيان قوله ع صافي خالص دين الله كأن إضافة الصافي إلى الخالص للبيان تأكيدا و يحتمل اللامية أي المحبة الصافية لله الحاصلة من خالص دينه و في تحف العقول من دخل قلبه خالص حقيقة الإيمان و أكلته و أختاها على صيغة الخطاب و يحتمل التكلم و الغرض أن هذه لذات قليلة فانية و لا يختارها العاقل على النعم الجليلة الباقية. لم يطمئنوا أي لم يلههم الأمل الطويل عن العمل و لم يأمنوا أي في كل حين قدومهم الآخرة بالموت أو عذاب الآخرة أهل فكرة خبر مبتدأ محذوف استئنافا بيانيا و كذا قوله لم يصمهم استئناف بياني للاستئناف ما سمعوا بآذانهم من وصف ملاذ الدنيا و زهراتها و حكومة أهلها و بسطة أيديهم فيها و القصص الملهية الباطلة. و لم يعمهم عن ذكر الله الحاصل بالعبرة من أحوال الدنيا و فنائها ففازوا لترك الدنيا بثواب الآخرة كما فازوا بذلك العلم و هو العلم اليقيني بدناءة الدنيا و فنائها و رفعة الآخرة و بقائها و تمييز الخير من الشر و الهدى من الضلالة و أهل الدنيا من أهل الآخرة و المحقين من المبطلين و من يجب اتباعه من أهل الآخرة و أئمة الحق و من يجب التبري عنه من أهل الدنيا و أصحابها و أئمة الضلالة فهذه هي الحكمة الحاصلة من الزهد في الدنيا فلما فازوا بهذا العلم فازوا بنعيم الآخرة. أيسر أهل الدنيا مئونة المئونة بالفتح القوت و الثقل و ذلك لأنهم يكتفون بقدر الكفاية بل الضرورة و المعونة مصدر بمعنى الإعانة تذكر أي حاجتك لهم فيعينونك فيها و إذا كنت متذكرا لما يوجب صلاح أمر دنياك و آخرتك   أعانوك على فعله و إن كنت ناسيا له ذكروك و أرشدوك إليه ثم يعينونك مع الحاجة إلى الإعانة. قوالون بأمر الله أي بما أمر الله به أو بكل أمر يرضى الله به موعظة و إرشادا و تذكيرا و أمرا بالمعروف و نهيا عن المنكر قوامون على أمر الله بحفظ دين الله و شرائعه و أصول الدين و فروعه و بمنع أهل الباطل و أرباب البدع من التغيير و التحريف في دين الله. قطعوا محبتهم أي عن كل شي‏ء أو عما لا يرضى الله بمحبة ربهم أي بسببها أو جعلوا محبتهم تابعين لمحبة الله و لا يحبون شيئا إلا لحب الله له كقوله تعالى وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ. وحشوا الدنيا الوحشة ضد الأنس أي لم يستأنسوا بالدنيا لطاعة مليكهم أي مالكهم و سيدهم أو ذي الملك و السلطنة عليهم إما لأمره بالزهد في الدنيا أو لأن طاعة الله مطلقا و الإخلاص فيها لا تجتمع مع حب الدنيا نظروا إلى الله و إلى محبته بقلوبهم الظرف في قوله بقلوبهم متعلق بنظروا أي لم ينظروا بعين قلوبهم إلا إلى الله أي رضاه أو معرفته و مراقبته و ذكره و عدم الالتفات إلى غيره و إلى محبته أي تحصيل حبهم لله أو حب الله لهم أو الأعم كما قال تعالى يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ أو ما يحبه الله من الأخلاق و الأعمال و الأقوال. و علموا أن ذلك أي المذكور و هو الله و محبته و الإشارة للتعظيم هو المنظور إليه أي هو الذي ينبغي أن ينظر إليه لا غيره لعظمة شأنه و حقارة ما سواه بالنسبة إليه فأنزل الدنيا أي اجعلها عند نفسك كمنزل نزلته ثم ارتحلت عنه بل هذه الدنيا بالنسبة إلى الآخرة أقصر بالمراتب الغير المتناهية عن نسبة مدة نزول المنزل بالنسبة إلى مدة عمر الدنيا لأن الأولى نسبة المتناهي إلى غير المتناهي و الثانية نسبة المتناهي إلى المتناهي و الغرض العمدة من التشبيه أنها لم تخلق للتوطن بل للعبور   كما أن منازل المسافر إنما تبنى لذلك و قد قال بعض الشعراء في هذا المعنى

نزلنا هاهنا ثم ارتحلنا كذا الدنيا نزول و ارتحال‏أردنا أن نقيل بها و لكن مقيل المرء في الدنيا محال.

 و هذا مثل للمبتدين ثم ذكر مثلا كاملا للكاملين و هو أو كمال وجدته في منامك إلى آخره فإن أكثر الناس في الدنيا كالنائمين لغفلتهم عن الآخرة و عما يراد بهم فإذا ماتوا لم يجدوا معهم شيئا مما اكتسبوا في الدنيا للدنيا كما قال أمير المؤمنين ع الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا. ثم ذكر ع تمثيلا ثالثا و هو أنها كفيئ الظلال في سرعة الزوال و الظلال بالكسر جمع الظل و هو و الفي‏ء بمعنى واحد عند كثير من الناس و قال ابن قتيبة الظل يكون غدوة و عشية و الفي‏ء لا يكون إلا بعد الزوال لأنه ظل فاء عن جانب المغرب إلى جانب المشرق و الفي‏ء الرجوع و قال ابن السكيت الظل من الطلوع إلى الزوال و الفي‏ء من الزوال إلى المغرب و قال تغلب الظل للشجرة و غيرها للغداة و الفي‏ء للعشاء و قال رؤبة كلما كانت عليه الشمس فزالت عنه فهو ظل و في‏ء و ما لم تكن عليه الشمس فهو ظل و من هنا قيل الشمس تنسخ الظل و الفي‏ء ينسخ الشمس و المراد هنا بالفي‏ء إما المصدر أي كرجوع الظلال أي كما تظل في ظل شجرة مثلا فتنتفع به ساعة فترجع عنك فتكون في الشمس أو المراد بالفي‏ء الظل و بالظلال ما أظلك من شجر و جدار و نحوهما أو المراد بالظلال قطعات السحاب التي توارى الشمس قليلا ثم تذهب و هذا أنسب قال في القاموس الظل من كل شي‏ء شخصه و من السحاب ما وارى الشمس منه و الظلالة بالكسر السحابة تراها وحدها و ترى ظلها على الأرض و كسحاب ما أظلك و قال راعيته لاحظته محسنا إليه و الأمر نظرت إلى م يصير و أمره حفظه كرعاه و استرعاه إياهم استحفظه انتهى و في تحف العقول فاحفظ يا جابر ما أستودعك من دين الله و حكمته. قوله ع و لا تسألن أقول يحتمل وجوها الأول أن يكون المعنى لا تبالغ في الدعاء و السؤال من الله عما لك عنده من الرزق و غيره مما ضمن لك و لكن   سله التوفيق عما له عندك من الطاعات و الاستثناء ظاهره الانقطاع و يحتمل الاتصال أيضا لأن التوفيق و الإعانة أيضا مما للعبد عند الله. الثاني أن يكون المراد لا تسأل أحدا عما لك عند الله من الأجر و الرزق و أمثالهما فإنها بيد الله و علمها عنده و لا ينفعك السؤال عنها بل سل العلماء عما لله عندك من الطاعات لتعلم شرائطها و كيفياتها. الثالث أن يكون المعنى أنك لا تحتاج إلى السؤال عما لك عند الله من الثواب فإنه بقدر ما لله عندك من عملك فيمكنك معرفته بالرجوع إلى نفسك و عملك فعلى هذا يحتمل أن يكون التقدير لا تسأل عما لك عند الله من أحد إلا مما له عندك فيكون ما له عنده مسئولا و الاستثناء متصلا لكن في السؤال تجوز و يؤيد الأخير على الوجهين ما روي

 في المحاسن عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص من أحب أن يعلم ما له عند الله فليعلم ما لله عنده

و في تحف العقول في هذا الخبر مكان هذه الفقرة هكذا و انظر ما لله عندك في حياتك فكذلك يكون لك العهد عنده في مرجعك. قوله ع فإن تكن الدنيا أقول هذه الفقرة أيضا تحتمل وجوها الأول ما ذكره بعض المحققين أن المعنى إن تكن الدنيا عندك على غير ما وصف لك فتكون تطمئن إليها فعليك أن تتحول فيها إلى دار ترضي فيها ربك يعني أن تكون في الدنيا ببدنك و في الآخرة بروحك تسعى في فكاك رقبتك و تحصيل رضا ربك عنك حتى يأتيك الموت. الثاني ما ذكره بعض الأفاضل أن المعنى إن تكن الدنيا عندك على غير ذلك فانتقل إلى مقام التوبة و الاستعتاب و الاسترضاء فإن هذه عقيدة سيئة. الثالث ما خطر بالبال أن المعنى إن لم تكن الدنيا عندك على ما وصفت لك فتوجه إلى الدنيا و انظر بعين البصيرة فيها و تفكر في أحوالها من فنائها و تقلبها بأهلها ليتحقق لك حقيقة ما ذكرت و إنما عبر ع عن ذلك بالتحول إشعارا بأن من أنكر ذلك فكأنه لغفلته و غروره ليس في الدنيا فليتحول إليها   ليعرف ذلك. الرابع أنه أراد أنه لا بد لكل مكلف من دار استرضاء حتى يرضي فيها ربه بالأعمال الصالحة فإذا لم تكن الدنيا عندك كما وصفتها لك بل تكون منهمكا في لذاتها حريصا عليها فلتطلب دار استرضاء أخرى غير التي أنت فيها فإنه مما لا بد منه. الخامس أن يقرأ تحول بصيغة المضارع المخاطب بحذف إحدى التاءين فالمعنى أنه لا يخفى على ذي عقل قبح الدنيا و فنائها فإن زعمت أنه ليس كذلك فلعلك تقول ذلك لأجل أنها دار يمكن فيها تحصيل رضا الله و هذا لا ينافي ما ذكرت لك من ذم الركون إلى لذاتها و شهواتها كما عرفت سابقا السادس أن يكون المراد بدار المستعتب دار الآخرة لأن الكفار يطلبون فيها الرجوع إلى الدنيا عند مشاهدة عذابها كما قال تعالى وَ إِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ فالمراد به إن لم تصدق بهذه الأوصاف لهذه الدار فاصبر حتى ترد دار القرار فإنه حينئذ يظهر لك حقيقة هذا الكلام و على هذا الوجه يمكن أن يقرأ على اسم الفاعل أيضا. السابع ما ذكره بعض المدعين للفضل أن المستعتب لعله اسم رجل ذي جاه و مال أصابه الذل و ذهب جميع ما كان له فقال ع تحول إلى داره لتعتبر به و إنما ذكرناه لغرابته. و أقول في تحف العقول ليس لفظ غير بل هو هكذا فإن تكن الدنيا عندك على ما وصفت لك فتحول عنها إلى دار المستعتب اليوم فيؤيد المعنى الأول أي إذا عرفت أن الدنيا كذلك و صدقت بما قلت فتحول عنها أي انتقل إلى الآخرة بقلبك و اقطع تعلقك عن الدنيا اليوم اختيارا قبل أن تقلع عنها عند الموت اضطرارا أو إلى مقام الاسترضاء كما مر. و الظاهر أن المستعتب على أكثر الاحتمالات مصدر ميمي قال في القاموس   العتبى بالضم الرضا و استعتبه أعطاه العتبى كأعتبه و طلب إليه العتبى ضد و إن تستعتبوا فما هم من المعتبين أي إن يستقيلوا ربهم لم يقلهم أي لم يردهم إلى الدنيا و في النهاية المعتبة الغضب و أعتبني فلان إذا عاد إلى مسرتي و استعتب طلب أن يرضى عنه كما يقول استرضيته فأرضاني و المعتب المرضي

 و منه الحديث لا يتمنين أحدكم الموت إما محسنا فلعله يزداد و إما مسيئا فلعله يستعتب

أي يرجع عن الإساءة و يطلب الرضا و منه الحديث و لا بعد الموت من مستعتب أي ليس بعد الموت من استرضاء لأن الأعمال بطلت و انقضى زمانها و ما بعد الموت دار جزاء لا دار عمل انتهى. و قوله ع فلعمري أي أقسم بحياتي و في القسم مفتوح غالبا لرب حريص على أمر من أمور الدنيا قد شقي به حين أتاه أي تعب به في الدنيا أو صار سببا لشقاوته في الآخرة و يطلق غالبا على سوء العاقبة و السعادة ضد الشقاوة و تطلق غالبا على حسن العاقبة و راحة الآخرة. في القاموس الشقاء الشدة و العسر و يمد شقي كرضي شقاوة و يكسر و شقا و شقاء و شقوة و يكسر و قال السعادة خلاف الشقاوة و قد سعد كعلم و عني فهو سعيد و مسعود. و قال الراغب و السعد و السعادة معاونة الأمور الإلهية للإنسان على نيل الخير و يضاد الشقاوة و قال الشقاوة خلاف السعادة و كما أن السعادة في الأصل ضربان سعادة أخروية و سعادة دنيوية ثم السعادة الدنيوية ثلاثة أضرب سعادة نفسية و بدنية و خارجية كذلك الشقاوة على هذه الأضرب و قال بعضهم قد يوضع الشقاء موضع التعب نحو شقيت في كذا و كل شقاوة تعب و ليس كل تعب شقاوة فالتعب أعم من الشقاوة. و في التحف فلرب حريص على أمر من أمور الدنيا قد ناله فلما ناله كان عليه وبالا و شقي به و لرب كاره لأمر من أمور الآخرة قد ناله فسعد به و إلى هنا انتهى الخبر فيه.   قوله وَ لِيُمَحِّصَ اللَّهُ الآية في آل عمران عند ذكر غزوة أحد حيث قال تعالى وَ تِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَ لِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَ لِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا قال الطبرسي رحمه الله بين وجه المصلحة في مداولة الأيام بين الناس أي و ليبتلي الله الذين آمنوا وَ يَمْحَقَ الْكافِرِينَ ينقصهم أو ليخلص الله ذنوب المؤمنين أو ينجي الله الذين آمنوا من الذنوب بالابتلاء و يهلك الكافرين بالذنوب عند الابتلاء. و أقول هذا الوجه الأخير أنسب بالخبر ليكون استشهادا للجزئين معا فإن الكافرين كانوا حرصاء في الغلبة على المؤمنين فنالوها فصارت سببا لشقاوتهم و مزيد عذابهم و المؤمنين كانوا كارهين للمغلوبية فصارت سببا لمزيد سعادتهم و تمحيص ذنوبهم. قال الراغب أصل المحص تخليص الشي‏ء مما فيه من عيب يقال محصت الذهب و محصته إذا أزلت عنه ما يشوبه من خبث قال تعالى وَ لِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا فالتمحيص هنا كالتزكية و التطهير

18-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن عمر بن أبان عن أبي حمزة عن أبي جعفر ع قال قال علي بن الحسين ع إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة و إن الآخرة قد ارتحلت مقبلة و لكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة و لا تكونوا من أبناء الدنيا ألا و كونوا من الزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة ألا إن الزاهدين في الدنيا اتخذوا الأرض بساطا و التراب فراشا و الماء طيبا و قرضوا من الدنيا تقريضا ألا و من اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات و من أشفق من النار رجع عن المحرمات و من زهد في الدنيا هانت عليه المصائب ألا إن لله عبادا كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين و كمن رأى أهل   النار في النار معذبين شرورهم مأمونة و قلوبهم محزونة أنفسهم عفيفة و حوائجهم خفيفة صبروا أياما قليلة فصاروا بعقبى راحة طويلة أما الليل فصافون أقدامهم تجري دموعهم على خدودهم و هم يجأرون إلى ربهم يسعون في فكاك رقابهم و أما النهار فحكماء علماء بررة أتقياء كأنهم القداح قد براهم الخوف من العبادة ينظر إليهم الناظر فيقول مرضى و ما بالقوم من مرض أم خولطوا فقد خالط القوم أمر عظيم من ذكر النار و ما فيها

 توضيح أن الدنيا قد ارتحلت يقال رحل و ارتحل أي شخص و سار مدبرة المراد بإدبار الدنيا تقضيها و انصرامها و بإقبال الآخرة قرب الموت و ما يكون بعدها من نعيم أو عذاب فشبه الدنيا و حياتها براكب حمل على مراكبها أثقالها و هي لذات الدنيا و شهواتها و أموالها و سائر ما يتعلق الإنسان بها و الموت براكب آخر حمل على مراكبه نعيمه و عذابه و سائر ما يكون بعده فالراكب الأول يوما فيوما و ساعة فساعة في التقضي و الفناء فهو يبعد عن الإنسان و الراكب الثاني يسير إلى الإنسان و يقرب منه فعن قريب يصل إليه فلا بد من الاستعداد لوصوله و تلقيه بالعقائد الحقة و الأعمال الصالحة. و لكل واحدة منهما بنون استعار ع لفظ البنين للعباد بالنسبة إلى الدنيا و الآخرة فشبههم لميل كل منهم إلى إحداهما ميل الولد إلى والده و ركون الفصيل إلى أمه و توقع كل منهم توقع النفع من إحداهما و مشابهته بها و كونه مخلوقة لأجلها و شبه كلا منهما بالأب أو بالأم لتأنيثهما أو الآخرة بالأب و الدنيا بالأم لنقصها و لمناسبة الآباء العلوية بالأولى و الأمهات السفلية بالثانية فكأن أبناء الدنيا بمنزلة أولاد الزنا لا أب لهم. فكونوا من أبناء الآخرة لبقائها و خلوص لذاتها و لكونها صادقة في وعدها و لا تكونوا من أبناء الدنيا لفنائها و كذبها و غرورها و كون لذاتها مشوبة بأنواع الآلام ثم أشار ع إلى أن المقصود ليس مجرد رفض الدنيا و ترك العمل   لها بل مع إزالة حبها من القلب بقوله و كونوا من الزاهدين إلخ. و البساط فعال بمعنى المفعول أي اكتفوا بالأرض عوضا عن الفرش المبسوطة في البيوت مع عدم تيسر البساط إلا من الحرام أو الشبهة أو مطلقا و الأول أنسب بالجمع بين الأخبار و كذا في البواقي و في الصحاح البساط ما يبسط و بالفتح الأرض الواسعة و التراب فراشا بمعنى المفروش أي عوضا عن الثياب الناعمة المحشوة بالقطن و غيره للنوم عليها فإن التراب ألين من سائر أجزاء الأرض و الماء طيبا فإن الطيب عمدة منفعته دفع الروائح الكريهة و هو يتحقق بالغسل بالماء و ما قيل من أن المراد التلذذ بشرب الماء بدلا من الأشربة اللذيذة لأن أصل الطيب اللذة كما في القاموس فهو بعيد. و قرضوا من الدنيا تقريضا على بناء المفعول من التفعيل من القرض بمعنى القطع و بناء التفعيل للمبالغة و قيل بمعنى التجاوز من قرضت الوادي إذ جزته أو بمعنى العدول من قرضت المكان إذا عدلت عنه و في النهج ثم قرضوا الدنيا قرضا. قوله ع سلا عن الشهوات أي نسيها و تركها و في القاموس سلاه و عنه كدعاه و رضيه سلوا و سلوا و سلوانا و سليا نسيه و أسلاه عنه فتسلى عن المحرمات و في بعض النسخ عن الحرمات جمع الحرمة كالغرفات جمع الغرفة هانت عليه المصائب لأنها راجعة إلى فوات الأمور الدنيوية و من زهد فيها سهل عنده فواتها. قوله ع كمن رأى أي صاروا من اليقين بمنزلة المعاينة كما مر في باب اليقين مخلدين أي كأنه يرى خلودهم أو يراهم مع علمه بخلودهم و من الأفاضل من قرأ مخلدين على بناء الفاعل من الإفعال كقولهم أخلد إليه أي مال و لا يخفى بعده. و قلوبهم محزونة لهم الآخرة و خوف التقصير و عدم العلم بالعاقبة أنفسهم

    عفيفة عن المحرمات و الشبهات و حوائجهم خفيفة لاقتصارهم في الدنيا على القدر الضروري منها صبروا أياما قليلة أي أيام عمرهم فإنها قليلة في جنب أيام الآخرة صبروا فيها على الفقر و الضر و مشقة فعل الطاعات و ترك المحرمات و إيذاء الظلمة و المخالفين فصاروا بعقبى راحة طويلة في القاموس العقبى جزاء الأمر و قال الراغب العقب و العقبى يختصان بالثواب نحو خَيْرٌ ثَواباً وَ خَيْرٌ عُقْباً و قال أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ و العاقبة إطلاقها يختص بالثواب نحو وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ و بالإضافة قد تستعمل في العقوبة نحو ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى انتهى. و أقول العقبى غالبه أنه يستعمل في الثواب و قد يستعمل في العقاب أيضا كقوله تعالى تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ عُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ و قوله سبحانه وَ لا يَخافُ عُقْباها و قال البيضاوي في قوله تعالى أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ أي عاقبة الدنيا و ما ينبغي أن يكون مال أهلها و هي الجنة و في قوله سبحانه تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا أي الجنة الموصوفة مالهم و منتهى أمرهم و في قوله وَ سَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ اللام يدل على أن المراد بالعقبى العاقبة المحمودة انتهى و الباء في قوله بعقبى إما بمعنى إلى أو بمعنى مع و إضافة العقبى إلى الراحة للبيان و يحتمل غيره أيضا و في فقه الرضا فصارت لهم العقبى راحة طويلة. و أما الليل ظاهره النصب على الظرفية و قيل يحتمل الرفع على الابتداء و التخصيص به لأن العبادة فيه أشق و أقرب إلى القربة و حضور القلب   فيه أكثر كما قال تعالى إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَ أَقْوَمُ قِيلًا فصافون أقدامهم أي للصلاة و يدل على استحباب صف القدمين في الصلاة بحيث لا يكون أحدهما أقرب من القبلة من الأخرى أو تكون الفاصلة بينهما من الأصابع إلى العقبين مساوية و الأول أظهر و على استحباب التضرع و البكاء في صلاة الليل و في القاموس جار كمنع جأرا و جؤارا رفع صوته بالدعاء و تضرع و استغاث قوله في فكاك رقابهم أي من النار كأنهم القداح في القاموس القدح بالكسر السهم قبل أن يراش و ينصل و الجمع قداح و أقداح و أقاديح انتهى و أشار ع إلى وجه التشبيه بالقداح بقوله قد براهم الخوف أي نحلهم و ذبلهم كما يبري السهم في القاموس برى السهم يبريه بريا و ابتراه نحته و براه السفر يبريه بريا هزله و قوله من العبادة إما متعلق بقوله براهم أي نحتهم الخوف بآلة العبادة أي بحمله إياهم عليها و على كثرتها أو بقوله كأنهم القداح فيرجع إلى الأول و على التقديرين من للسببية و العلية أو متعلق بالخوف أي من قلة العبادة و الأول أظهر. فيقول مرضى أي يظن أنهم مرضى لصفرة وجوههم و نحافة بدنهم فخطأ ع ظنه و قال و ما بالقوم من مرض بل هم من الأصحاء من الأدواء النفسانية و الأمراض القلبية أم خولطوا أي أو يقول خولطوا و يحتمل أن يكون مرضى على الاستفهام و قوله أم خولطوا معادلا له من كلام الناظر فاعترض جوابه ع بين أجزاء كلامه. و الحاصل أنهم لما كانوا لشدة اشتغالهم بحب الله و عبادته و اعتزالهم عن عامة الخلق و مباينة أطوارهم لأطوارهم و أقوالهم لأقوالهم و يسمعون منهم ما هو فوق إدراكهم و عقولهم فتارة ينسبونهم إلى المرض الجسماني و تارة إلى المرض الروحاني و هو الجنون و اختلاط العقل بما يفسده فأجاب ع عن الأول بالنفي المطلق و عن الثاني بأن المخالطة متحققة لكن لا بما يفسد   العقل بل بما يكمله من خوف النار و حب الملك الغفار

19-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن ابن عيسى عن ابن محبوب عن الهيثم بن واقد الحريري عن أبي عبد الله ع قال من زهد في الدنيا أثبت الله الحكمة في قلبه و أنطق بها لسانه و بصره عيوب الدنيا داءها و دواءها و أخرجه من الدنيا سالما إلى دار السلام

 بيان قال في المغرب زهد في الشي‏ء و عن الشي‏ء زهدا و زهادة إذا رغب عنه و لم يرده و من فرق بين زهد فيه و عنه فقد أخطأ و قال في عدة الداعي

 روي أن النبي ص سأل جبرئيل ع عن تفسير الزهد فقال جبرئيل ع الزاهد يحب من يحب خالقه و يبغض من يبغض خالقه و يتحرج من حلال الدنيا و لا يلتفت إلى حرامها فإن حلالها حساب و حرامها عقاب و يرحم جميع المسلمين كما يرحم نفسه و يتحرج من الكلام فيما لا يعنيه كما يتحرج من الحرام و يتحرج من كثرة الأكل كما يتحرج من الميتة التي قد اشتد نتنها و يتحرج من حطام الدنيا و زينتها كما يجتنب النار أن يغشاها و أن يقصر أمله و كان بين عينيه أجله

و الحكمة العلوم الحقة المقرونة بالعمل أو العلوم الربانية الفائضة من الله تعالى بعد العمل بطاعته و قد مر تحقيقها في كتاب العقل و غيره. قال الراغب الحكمة أصابه الحق بالعلم و العقل فالحكمة من الله تعالى معرفة الأشياء و إيجادها على غاية الإحكام و من الإنسان معرفة الموجودات و فعل الخيرات و هذا هو الذي وصف به لقمان في قوله تعالى وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ و نبه على جملتها بما وصفه بها انتهى. قوله ع داءها و دواءها كأنه بدل اشتمال للعيوب أي المراد بتبصير العيوب أن يعرفه أدواء الدنيا من ارتكاب المحرمات و الصفات الذميمة المتفرعة   على حب الدنيا و يعرفه ما يعالج به تلك الأدواء من التفكرات الصحيحة و المواعظ الحسنة و فعل الطاعات و الرياضات و مجاهدة النفس في ترك الشهوات كأن يقال الطب حد معرفة الأمراض بأن يعرف ما تحصل منه و أصل المرض و كيفية علاجه أو يقال الدنيا دنياءان دنيا بلاغ يصير سببا لتحصيل الآخرة و دنيا ملعونة فلما ذكر عيوب الدنيا فصلها و بين أن منها ما هو داء و منها ما هو دواء. و يحتمل حينئذ ارتكاب استخدام بأن يكون المراد بالدنيا أولا الدنيا المذمومة و بالضمير الأعم و يحتمل أن يكون داؤها تأكيدا لعيوب الدنيا و دواؤها عطفا على العيوب. و قيل داؤها و دواؤها مجروران بدلا بعض للدنيا فالمراد بعيوب دواء الدنيا شدتها على النفس و صعوبتها و ربما يقرأ دواها بالقصر بمعنى الأحمق أي المبتلى بحب الدنيا و لا يخفى بعده و أخرجه من الدنيا سالما من العيوب و المعاصي إلى دار السلام أي الجنة التي من دخلها سلم من جميع المكاره و الآلام

20-  كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم عن أبيه و علي بن محمد القاساني جميعا عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث عن أبي عبد الله ع قال سمعته يقول جعل الخير كله في بيت و جعل مفتاحه الزهد في الدنيا ثم قال قال رسول الله ص لا يجد الرجل حلاوة الإيمان في قلبه حتى لا يبالي من أكل الدنيا ثم قال أبو عبد الله ع حرام على قلوبكم أن تعرف حلاوة الإيمان حتى تزهد في الدنيا

 بيان جعل الخير كله إلخ لما كان الزهد في الدنيا سببا لحصول جميع السعادات العلمية و العملية شبه تلك الكمالات بالأمتعة المخزونة في بيت و الزهد بمفتاح ذلك البيت لا يجد الرجل إلخ شبه ص الإيمان بشي‏ء حلو في   ميل الطبع السليم إليه و أثبت له الحلاوة على الاستعارة المكنية و التخييلية أو استعار لفظ الحلاوة لآثار الإيمان التي تلتذ الروح بها حتى لا يبالي من أكل الدنيا يحتمل أن يكون من اسم موصول و أكل فعلا ماضيا و أن يكون من حرف جر و أكل مصدرا فعلى الأول المعنى أنه لا يعتني بشأن الدنيا بحيث لا يحسد أحدا عليها و لو كانت كلها لقمة في فم كلب لم يغتم لذلك و لم ير ذلك له كثيرا و على الثاني أيضا يرجع إلى ذلك أو المعنى لا يعتني بأكل الدنيا و التصرف فيها

21-  كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن أبي أيوب الخزاز عن أبي حمزة عن أبي جعفر ع قال قال أمير المؤمنين ع إن من أعون الأخلاق على الدين الزهد في الدنيا

 بيان إن من أعون الأخلاق إلخ و ذلك لأن الاشتغال بالدنيا و صرف الفكر في طرق تحصيلها و وجه ضبطها و رفع موانعها مانع عظيم من تفرغ القلب للأمور الدينية و تفكره فيها بل حبها لا يجتمع مع حب الله تعالى و طاعته و طلب الآخرة كما روي أن الدنيا و الآخرة ضرتان إذ الميل بأحدهما يضر بالآخر

22-  كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم عن أبيه و علي بن محمد عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن علي بن هاشم بن البريد عن أبيه أن رجلا سأل علي بن الحسين ع عن الزهد فقال عشرة أشياء فأعلى درجة الزهد أدنى درجة الورع و أعلى درجة الورع أدنى درجة اليقين و أعلى درجة اليقين أدنى درجة الرضا ألا و إن الزهد في آية من كتاب الله عز و جل لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ

    بيان قد مر صدر هذا الخبر في باب الرضا بالقضاء إلى قوله إلا أن الزهد و كان فيه الزهد عشرة أجزاء و منهم من جعل الأجزاء العشرة باعتبار ترك حب عشرة أشياء المال و الأولاد و اللباس و الطعام و الزوجة و الدار و المركوب و الانتقام من العدو و الحكومة و حب الشهرة بالخير و هو تكلف مستغنى عنه و الآيات في الحديد هكذا اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زِينَةٌ وَ تَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَ تَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ إلى قوله سبحانه وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ ثم قال تعالى بعد آية ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا قال المفسرون أي كتبنا ذلك في كتاب لِكَيْلا تَأْسَوْا أي تحزنوا عَلى ما فاتَكُمْ من نعم الدنيا وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ أي ما أعطاكم منها و قال الطبرسي رحمه الله و الذي يوجب نفي الأسى و الفرح من هذا أن الإنسان إذا علم أن ما فات منها ضمن الله تعالى العوض عليه في الآخرة فلا ينبغي أن يحزن لذلك و إذا علم أن ما ناله منها كلف الشكر عليه و الحقوق الواجبة فيه فلا ينبغي أن يفرح به و أيضا فإذا علم أن شيئا منها لا يبقى فلا ينبغي أن يهتم له بل يجب أن يهتم لأمر الآخرة التي تدوم و لا تبيد انتهى. و لا يخفى أن هذين الوجهين لا ينطبقان على التعليل المذكور في الآية إلا أن يقال إن هذه الأمور أيضا من الأمور المكتوبة و لذا قال غيره إن العلة في ذلك أن من علم أن الكل مقدر هان عليه الأمر. و قال بعض الأفاضل هو تعليل لقوله قبل ذلك بثلاث آيات اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ و هذا وجه حسن بحسب المعنى و لا تكلف في التعليل حينئذ لكنه بحسب اللفظ بعيد و إن كانت الآيات متصلة بحسب المعنى   مسوقة لأمر واحد و قد مر وجه آخر في تأويل الآية في كتاب الإمامة و أنها نازلة في أهل البيت ع و قد بيناه هناك. و قال البيضاوي المراد منه نفي الأسى المانع عن التسليم لأمر الله و الفرح الموجب للبطر و الاختيال و الله لا يحب كل مختال فخور إذ قل من يثبت نفسه حالي السراء و الضراء انتهى.

 و روي في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين ع أنه قال الزهد كله بين كلمتين في القرآن قال الله سبحانه لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ فمن لم يأس على الماضي و لم يفرح بالآتي فقد أخذ الزهد بطرفيه

23-  كا، ]الكافي[ بالإسناد المتقدم عن المنقري عن سفيان بن عيينة قال سمعت أبا عبد الله ع يقول كل قلب فيه شك أو شرك فهو ساقط و إنما أرادوا بالزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم للآخرة

24-  كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن ابن محبوب عن العلا بن رزين عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله ع قال قال أمير المؤمنين ع إن علامة الراغب في ثواب الآخرة زهده في عاجل زهرة الدنيا أما إن زهد الزاهد في هذه الدنيا لا ينقصه مما قسم الله له عز و جل فيها و إن زهد و إن حرص الحريص على عاجل زهرة الدنيا لا يزيده فيها و إن حرص فالمغبون من حرم حظه من الآخرة

 بيان إن علامة الراغب إشارة إلى ما عرفت من أن الدنيا و الآخرة ضرتان لا يجتمع حبهما في قلب فالراغب في أحدهما زاهد في الآخر لا محالة و إنما أدخل العاجل لأنه السبب لاختيار الناس الدنيا غالبا على ثواب الآخرة آجلا أو لدلالته على عدم الثبات و قيل لأن زهرة الدنيا المتعلقة بالآجلة و الآخرة كقدر ما يحتاج إليه الإنسان لتحصيل ما ينفع في الآخرة لا ينافي الرغبة في ثوابها   بل معين لحصوله و المراد بزهرة الدنيا بهجتها أو نضارتها أو متاعها تشبيها له بزهرة النبات لكونها أقل الرياحين ثباتا و هو إشارة إلى قوله تعالى وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَ رِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَ أَبْقى قال في القاموس الزهرة و يحرك النبات و نوره أو الأصفر منه و من الدنيا بهجتها و نضارتها و حسنها انتهى قوله ع في هذه الدنيا الإشارة للتحقير و إن زهد أي بالغ في الزهد و كذا قوله و إن حرص أو المراد بقوله و إن زهد و إن سعى في صرفها عن نفسه و بقوله و إن حرص أي بالغ في تحصيلها فالمراد بالزهد و الحرص الأولين القلبيان بالآخرين الجسمانيان. و الحاصل أن الرزق لكل أحد مقدر و إن كان وصولها إليه مشروطا بقدر من السعي على ما أمره الشارع من غير إفراط يمنعه عن الطاعات و لا تقصير كثير بترك السعي مطلقا و لا مدخل لكثرة السعي في كثرة الرزق فمن ترك الطاعات و ارتكب المحرمات في ذلك حرم ثواب الآخرة و لا يزيد رزقه في الدنيا فهو مغبون و هذا على القول بأن مقدار الرزق معين مقدر و لا يزيد بالسعي و لا ينقص بتركه و على القول بأن الرزق المقدر الواجب على الله تعالى هو القدر الضروري و يزيد بالكسب بالسعي فيحتاج الخبر إلى تأويل بعيد و سيأتي الكلام فيه في محله إن شاء الله تعالى

25-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن يحيى الخثعمي عن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله ع قال ما أعجب رسول الله ص شي‏ء من الدنيا إلا أن يكون فيها جائعا خائفا

 بيان إلا أن يكون فيها كان الاستثناء منقطع و يحتمل الاتصال   جائعا أي بسبب الصوم أو الإيثار على الغير أو لأن الجوع موجب للقرب من الله تعالى بخلاف الشبع فإنه موجب للبعد مع أن في الجوع الاضطراري و الصبر عليه و الرضا بقضائه سبحانه لذة للمقربين خائفا أي من عذاب الآخرة أو من العدو في الجهاد أيضا أو لأن الضراء في الدنيا مطلقا موجب للسراء في الآخرة و قد أشبعنا الكلام في جوعه و قناعه و تواضعه ص في المأكل و الملبس و المجلس و سائر أحواله في المجلد السادس

26-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي عن القاسم بن يحيى عن جده الحسن بن راشد عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع قال خرج النبي ص و هو محزون فأتاه ملك و معه مفاتيح خزائن الأرض فقال يا محمد هذه مفاتيح خزائن الدنيا يقول لك ربك افتح و خذ منها ما شئت من غير أن تنقص شيئا عندي فقال رسول الله ص الدنيا دار من لا دار له و لها يجمع من لا عقل له فقال الملك و الذي بعثك بالحق لقد سمعت هذا الكلام من ملك يقول في السماء الرابعة حين أعطيت المفاتيح

 بيان خرج النبي أي من البيت أو إلى بعض الغزوات و هو محزون لعل حزنه ص كان لضعف المسلمين و عدم رواج الدين و قوة المشركين و قلة أسباب الجهاد من غير أن تنقص على بناء المجهول قال الجوهري نقص الشي‏ء و نقصته أنا يتعدى و لا يتعدى انتهى و يمكن أن يقرأ على بناء المعلوم فالمستتر راجع إلى المفاتيح و في بعض النسخ على الغيبة أي ينقص أخذك شيئا من المنزلة و الدرجة التي لك عندي من لا دار له أي في الآخرة فالمعنى أن الذي يهتم لتحصيل الدنيا و تعميرها ليست له دار في الآخرة أو يختار الدنيا من لا يؤمن بأن له دارا في الآخرة أو من لا دار له أصلا فإن دار الآخرة قد فوتها و دار الدنيا لا تبقى له و لها أي للدنيا و العيش فيها يجمع الأموال و الأسباب من لا عقل له لأن العاقل لا يختار الفاني على الباقي و ربما يقرأ يجمع على بناء   الإفعال من العزم و الاهتمام في القاموس الإجماع الاتفاق و صر أخلاف الناقة جمع و جعل الأمر جميعا بعد تفرقه و الإعداد و الإيباس و سوق الإبل جميعا و العزم على الأمر أجمعت الأمر و عليه و الأمر مجمع انتهى و يناسب هذا أكثر المعاني لكن الأول أظهر

27-  كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله ع قال مر رسول الله بجدي أسك ملقى على مزبلة ميتا فقال لأصحابه كم يساوي هذا فقالوا لعله لو كان حيا لم يساو درهما فقال النبي ص و الذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذا الجدي على أهله

 بيان قال في النهاية فيه أنه مر بجدي أسك أي مصطلم الأذنين مقطوعهما و في القاموس السكك محركة الصمم و صغر الأذن و لزوقها بالرأس و قلة إشرافها أو صغر قوب الأذن و ضيق الصماخ يكون في الناس و غيرهم سككت يا جدي و هي أسك و هي سكاء. و أقول

 روى مسلم في صحيحه هذا الحديث بإسناده عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن رسول الله ص مر بالسوق فمر بجدي أسك ميت فتناوله فأخذ بإذنه ثم قال أيكم يحب أن هذا له بدرهم فقالوا ما نحب أنه لنا بشي‏ء و ما نصنع به قال تحبون أنه لكم قالوا و الله لو كان حيا كان عيبا فيه لأنه أسك فكيف و هو ميت فقال فو الله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم

و المزبلة بفتح الباء و الضم لغة موضع يلقى فيه الزبل بالكسر و هو السرقين

28-  كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم عن علي بن محمد القاساني عمن ذكره عن عبد الله بن القاسم عن أبي عبد الله ع قال إذا أراد الله بعبد خيرا زهده في الدنيا و فقهه في الدين و بصره عيوبها و من أوتيهن فقد أوتي خير الدنيا   و الآخرة و قال لم يطلب أحد الحق بباب أفضل من الزهد في الدنيا و هو ضد لما طلب أعداء الحق قلت جعلت فداك مما ذا قال من الرغبة فيها و قال أ لا من صبار كريم و إنما هي أيام قلائل إلا أنه حرام عليكم أن تجدوا طعم الإيمان حتى تزهدوا في الدنيا

 قال و سمعت أبا عبد الله ع يقول إذا تخلى المؤمن من الدنيا سما و وجد حلاوة حب الله و كان عند أهل الدنيا كأنه قد خولط و إنما خالط القوم حلاوة حب الله فلم يشتغلوا بغيره

 قال و سمعته يقول إن القلب إذا صفا ضاقت به الأرض حتى يسمو

 بيان و بصره عيوبها أي الدنيا و من أوتيهن أي تلك الخصال الثلاث و فيه إشعار بأنها لا تتيسر إلا بتوفيق الله تعالى فقد أوتي كأنه إشارة إلى قوله تعالى وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً فالحكمة العلم بالدين أصوله و فروعه و بعيوب الدنيا و الزهد فيها لم يطلب أحد الحق أي الدين بباب أي بسبب و وسيلة أفضل من ترك الدنيا فإنه ليس الباعث لاختيار الباطل مع وضوح الحق و ظهوره إلا حب الدنيا فإنها غالبا مع أهل الباطل. و يمكن تعميم الحق في كل حكم و مسألة فإن الأغراض الدنيوية تعمي القلب عن الحق أو المراد بالحق الرب تعالى أي قربه و وصاله و هو أي الزهد ضد لما طلب أعداء الحق و قوله مما ذا طلب لبيان ما طلبه أعداء الحق فبين ع بقوله من الرغبة فيها و الرغبة و إن كانت عين الطلب لكن جعلها مطلوبهم مبالغة و يحتمل أن يكون ما في قوله لما طلب مصدرية فلا يكون مما للبيان بل للتعليل كما سيأتي. و يحتمل أن يكون ضمير هو راجعا إلى الحق أي الحق ضد لمطلوب أعداء   الحق فمن في قوله مما للتعليل و ما ذا للاستفهام أي لأي علة صار ضد الحق مطلوبهم قال لرغبتهم في الدنيا و قيل أي مما ذا طلب أعداء الحق مطلوبهم. و الهمزة في أ لا للاستفهام و لا للنفي و من زائدة لعموم النفي و المعنى أ لا يوجد صبار كريم النفس يصبر على الدنيا و على فقرها و شدتها و يزهد فيها و قد يقرأ صبار بكسر الصاد و تخفيف الباء مصدر باب المفاعلة مضافا إلى كريم و قرأ بعضهم إلا بالتشديد استثناء من الرغبة فيها أي إلا أن تكون الرغبة فيها من صبار كريم يطلبها من طرق الحلال و يصبر على الحرام و على إخراج الحقوق المالية و إعانة الفقراء فإن الرغبة في هذه الدنيا أنما هي للآخرة و أول الوجوه أظهرها. ثم رغب ع في الزهد و سهل تحصيله بقوله فإنما هي أي الدنيا أيام قلائل و هي أيام العمر فالصبر على ترك الشهوات و تحمل الملاذ فيها سهل يسير سيما إذا كان مستلزما للراحة الطويلة الدائمة ألا إنه ألا حرف تنبيه و شبه حصول الإيمان الكامل في القلب بحيث يظهر أثره في الجوارح بإدراك طعم شي‏ء لذيذ مع أن اللذات الروحانية أعظم من اللذات الجسمانية. قوله إذا تخلى المؤمن من الدنيا أي جعل نفسه خالية من حب الدنيا و قطع تعلقه بها أو تفرغ للعبادة مجتنبا من الدنيا و معرضا عنها قال في النهاية فيه أن تقول أسلمت وجهي إلى الله و تخليت التخلي التفرغ يقال تخلى للعبادة و هو تفعل من الخلو و المراد التبرؤ من الشرك و عقد القلب على الإيمان و قال السمو العلو يقال سما يسمو سموا فهو سام و يقال فلان يسمو إلى المعالي إذا تطاول إليها انتهى أي ارتفع من حضيض النقص إلى أوج الكمال أو مال و ارتفع إلى عالم الملكوت و ارتفعت همته عن التدنس بما في عالم الناسوت. كأنه قد خولط قال في القاموس خالطه مخالطة و خلاطا مازجه و الخلاط

    بالكسر أن يخالط الرجل في عقله و قد خولط و في النهاية فيه ظن الناس أن قد خولطوا و ما خولطوا و لكن خالط قلبهم هم عظيم يقال خولط فلان في قلبه إذا اختل عقله فقوله خولط بهذا المعنى و خالط بمعنى الممازجة و هذا أعلى درجات المحبين حيث استقر حب الله تعالى في قلوبهم و أخرج حب كل شي‏ء غيره منها فلا يلتفتون إلى غيره تعالى و يتركون معاشرة عامة الخلق لمباينة طوره أطوارهم فهم يعدونه سفيها مخالطا كما نسبوا الأنبياء ع إلى الجنون لذلك. إن القلب إذا صفا أي إن القلب أي الروح الإنساني لما كان من عالم الملكوت و إنما أهبط إلى هذا العالم الأدنى أو ابتلي بالتعلق بالبدن لتحصيل الكمالات و حيازة السعادات كما أن الثوب قد يلوث ببعض الكثافات ليصير بعد الغسل أشد بياضا و أصفى مما كان فإذا اختار الشقاوة و تشبث بهذه العلائق الجسمانية و الشهوات الظلمانية لحق بالأنعام بل هو أضل سبيلا و إن تمسك بعروة الشريعة الحقة و عمل بالنواميس الإلهية و الرياضات البدنية حتى انفتح له عين اليقين فنظر إلى الدنيا و لذاتها بتلك العين الصحيحة رآها ضيقة مظلمة فانية موحشة غدارة غرارة ملوثة بأنواع النجاسات المعنوية و الصفات الدنية استوحش منها و تذكر عالمه الأصلي فرغب إليها و تعلق بها فجانب المتعلقين بهذا العالم و آنس بالمتعلقين بالملإ الأعلى فلحق بهم و ضاقت به الأرض و صارت همته رفيعة عالية فلم يرض إلا بالصعود إلى سدرة المنتهى و جنة المأوى فهم مع كونهم بين الخلق أرواحهم معلقة بالملإ الأعلى و يستسعدون بقرب المولى. أو يقال لما كانت الأرض أعظم أجزاء الإنسان و كانت قواه الظاهرة و الباطنة مائلة إليها بالطبع لكمال النسبة بينهما كانت الدواعي إلى زهراتها حاضرة و البواعث إلى لذاتها ظاهرة فربما اشتغل بها و اكتسب الأخلاق و الأعمال الفاسدة لتحصيل المقاصد حتى تصير النفس تابعة لها راضية بأثرها مشعوفة بعملها متكدرة بالشهوات منغمسة في اللذات فتحب الاستقرار في الأرض و تركن

    إليها. و أما إذا منعت تلك القوى عن مقتضاها و صرفتها عن هواها و روضتها بمقامع الشريعة و أدبتها بآداب الطريقة حتى غلبت عليها و صفت عن كدوراتها و طهرت عن خبائث لذاتها و تحلت بالأخلاق الفاضلة و الأعمال الصالحة و الآداب السنية و الأطوار الرضية ضاقت بها الأرض حتى تسمو إلى عالم النور فتشاهد العالم الأعلى بالعيان و تنظر إلى الحق بعين العرفان و يزداد لها نور الإيمان و الإيقان فتعاف جملة الدنيا و الاستقرار في الأرض فبدنها في هذه الدنيا و هي في العالم الأعلى فيصير

 كما قال ع لو لا الآجال التي كتبت عليهم لم يستقر أرواحهم في أبدانهم طرفة عين

و لذا قال مولى المؤمنين عند الشهادة فزت و رب الكعبة

29-  كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن علي بن محمد القاساني عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن عبد الرزاق بن همام عن معمر بن راشد عن الزهري محمد بن مسلم بن شهاب قال سئل علي بن الحسين ع أي الأعمال أفضل عند الله عز و جل فقال ما من عمل بعد معرفة الله عز و جل و معرفة رسوله ص أفضل من بغض الدنيا و إن لذلك لشعبا كثيرة و للمعاصي شعبا فأول ما عصى الله به الكبر و هي معصية إبليس حين أَبى وَ اسْتَكْبَرَ وَ كانَ مِنَ الْكافِرِينَ و الحرص و هي معصية آدم و حواء حين قال الله عز و جل لهما فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ فأخذا ما لا حاجة بهما إليه فدخل ذلك على ذريتهما إلى يوم القيامة و ذلك أن أكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به إليه ثم الحسد و هي معصية ابن آدم حيث حسد أخاه فقتله فتشعب من ذلك حب النساء و حب الدنيا و حب الرئاسة و حب الراحة و حب الكلام و حب العلو و حب الثروة فصرن سبع خصال فاجتمعن كلهن في حب الدنيا فقال الأنبياء و العلماء بعد معرفة ذلك حب الدنيا   رأس كل خطيئة و الدنيا دنياءان دنيا بلاغ و دنيا ملعونة

 بيان و إن لذلك أي لبغض الدنيا لشعبا أي من الصفات الحسنة و الأعمال الصالحة و هي ضد شعب المعاصي كالتواضع مع الكبر و القنوع مع الحرص و الرضا بما آتاه الله مع الحسد و قد مر ذكر الأضداد كلها في باب جنود العقل و الجهل و إنما ذكر هنا معظمها و هي معصية آدم هي عند الإمامية مجاز و النهي عندهم نهي تنزيه فدخل ذلك أي الحرص أو أخذ ما لا حاجة به إليه و ذلك أن أكثر ما يطلب إنما قال أكثر لأن قدر الكفاف لا بد منه فتشعب من ذلك أي من ذلك المذكور و هو الكبر و الحرص و الحسد و التخصيص بالحسد بعيد معنى. حب النساء أي لمحض الشهوة لا لاتباع السنة أو إذا انتهى إلى الحرام و الشبهة و حب الدنيا أي حياة الدنيا و كراهة الموت لئلا ينافي اجتماعهن في حب الدنيا و إن احتمل أن يكون المراد اجتماع الخمسة أو الظرفية المجازية و حب الرئاسة أي بغير استحقاق أو الباطلة أو لمحض الاستيلاء و الغلبة و حب الراحة كأن النوم أيضا داخل فيها و حب الكلام أي بغير فائدة أو للفخر و المراء و حب العلو أي في المجالس أو الأعم و حب الثروة أي الكثرة في الأموال أو الأعم منها و من الأولاد و العشائر و الأتباع

 و روى في المحاسن عن أبي عبد الله ع قال إن أول ما عصى الله به ست حب الدنيا و حب الرئاسة و حب الطعام و حب النساء و حب النوم و حب الراحة

قوله ع و العلماء أي الأوصياء أو الأعم و قولهم إما بالوحي أو بعلومهم الكاملة ثم لما كان هنا مظنة أن ارتكاب كل ما في الدنيا مذموم قسم ع الدنيا إلى دنيا بلاغ أي تبلغ به إلى الآخرة و يحصل بها مرضاة الرب تعالى أو دنيا تكون بقدر الضرورة و الكفاف فالزائد عليها ملعونة أي ملعون   صاحبها فالإسناد على المجاز أو هي ملعونة أي بعيدة من الله و الخير و السعادة قال في النهاية البلاغ ما يتبلغ و يتوصل به إلى الشي‏ء المطلوب و في المصباح البلغة ما يتبلغ به من العيش و لا يفضل يقال تبلغ به إذا اكتفى به و في هذا بلاغ و بلغة و تبلغ أي كفاية

30-  كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن ابن بكير عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص إن في طلب الدنيا إضرارا بالآخرة و في طلب الآخرة إضرارا بالدنيا فأضروا بالدنيا فإنها أحق بالإضرار

 بيان يومئ إلى أن المذموم من الدنيا ما يضر بأمر الآخرة فأما ما لا يضر به كقدر الحاجة في البقاء و التعيش فليس بمذموم و لنذكر معنى الدنيا و ما هو مذموم منها فإن ذلك قد اشتبه على أكثر الخلق فكثير منهم يسمون أمرا حقا بالدنيا و يذمونه و يختارون شيئا هو عين الدنيا المذمومة و يسمونه زهدا و يشبهون ذلك على الجاهلين. اعلم أن الدنيا تطلق على معان الأول حياة الدنيا و هي ليست بمذمومة على الإطلاق و ليست مما يجب بغضه و تركه بل المذموم منها أن يحب البقاء في الدنيا للمعاصي و الأمور الباطلة أو يطول الأمل فيها و يعتمد عليها فبذلك يسوف التوبة و الطاعات و ينسى الموت و يبادر بالمعاصي و الملاهي اعتمادا على أنه يتوب في آخر عمره عند مشيبه و لذلك يجمع الأموال الكثيرة و يبني الأبنية الرفيعة و يكره الموت لتعلقه بالأموال و حبه للأزواج و الأولاد و يكره الجهاد و القتل في سبيل الله لحبه للبقاء أو يترك الصوم و قيام الليل و أمثال ذلك لئلا يصير سببا لنقص عمره. و الحاصل أن من يحب العيش و البقاء و العمر للأغراض الباطلة فهو مذموم و من يحبه للطاعات و كسب الكمالات و تحصيل السعادات فهو ممدوح و هو عين الآخرة فلذا طلب الأنبياء و الأوصياء ع طول العمر و البقاء في الدنيا

 و قد قال   سيد الساجدين عمرني ما كان عمري بذلة في طاعتك فإذا كان عمري مرتعا للشيطان فاقبضني إليك و لو لم يكن الكون في الدنيا صلاحا للعباد لتحصيل الذخائر للمعاد لما أسكن الله الأرواح المقدسة في تلك الأبدان الكثيفة

و سيأتي خطبة أمير المؤمنين ع في ذلك و سنتكلم عليها إن شاء الله تعالى. الثاني الدينار و الدرهم و أموال الدنيا و أمتعتها و هذه أيضا ليست مذمومة بأسرها بل المذموم منها ما كان من حرام أو شبهة أو وسيلة إليها و ما يلهي عن ذكر الله و يمنع عبادة الله أو يحبها حبا لا يبذلها في الحقوق الواجبة و المستحبة و في سبل طاعة الله كما مدح الله تعالى جماعة حيث قال رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَ إِقامِ الصَّلاةِ وَ إِيتاءِ الزَّكاةِ. و بالجملة المذموم من ذلك الحرص عليها و حبها و شغل القلب بها و البخل بها في طاعة الله و جعلها وسيلة لما يبعد عن الله و أما تحصيلها لصرفها في مرضاة الله و تحصيل الآخرة بها فهي من أفضل العبادات و موجبة لتحصيل السعادات.

 و قد روي في الصحيح عن ابن أبي يعفور قال قلت لأبي عبد الله ع إنا لنحب الدنيا فقال لي تصنع بها ما ذا قلت أتزوج منها و أحج و أنفق على عيالي و أنيل إخواني و أتصدق قال لي ليس هذا من الدنيا هذا من الآخرة

 و قد روي نعم المال الصالح للعبد الصالح و نعم العون الدنيا على الآخرة

و سيأتي بعض الأخبار في ذلك في أبواب المكاسب إن شاء الله تعالى. الثالث التمتع بملاذ الدنيا من المأكولات و المشروبات و الملبوسات و المنكوحات و المركوبات و المساكن الواسعة و أشباه ذلك و قد وردت أخبار كثيرة في استحباب التلذذ بكثير من ذلك ما لم يكن مشتملا على حرام أو شبهة أو إسراف و تبذير و في ذم تركها و الرهبانية و قد قال تعالى قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ.   فإذا عرفت ذلك فاعلم أن الذي يظهر من مجموع الآيات و الأخبار على ما نفهمه أن الدنيا المذمومة مركبة من مجموع أمور يمنع الإنسان من طاعة الله و حبه و تحصيل الآخرة فالدنيا و الآخرة ضرتان متقابلتان فكلما يوجب رضى الله سبحانه و قربه فهو من الآخرة و إن كان بحسب الظاهر من أعمال الدنيا كالتجارات و الصناعات و الزراعات التي يكون المقصود منها تحصيل المعيشة للعيال لأمره تعالى به و صرفها في وجوه البر و إعانة المحتاجين و الصدقات و صون الوجه عن السؤال و أمثال ذلك فإن هذه كلها من أعمال الآخرة و إن كان عامة الخلق يعدونها من الدنيا. و الرياضات المبتدعة و الأعمال الرئائية و إن كان مع الترهب و أنواع المشقة فإنها من الدنيا لأنها مما يبعد عن الله و لا يوجب القرب إليه كأعمال الكفار و المخالفين فرب مترهب متقشف يعتزل الناس و يعبد الله ليلا و نهارا و هو أحب الناس للدنيا و إنما يفعل ذلك ليخدع الناس و يشتهر بالزهد و الورع و ليس في قلبه إلا جلب قلوب الناس و يحب المال و الجاه و العزة و جميع الأمور الباطلة أكثر من سائر الخلق و جعل ترك الدنيا ظاهرا مصيدة لتحصيلها و رب تاجر طالب للأجر لا يعده الناس شيئا و هو من الطالبين للآخرة لصحة نيته و عدم حبه للدنيا. و جملة القول في ذلك أن المعيار في العلم بحسن الأشياء و قبحها و ما يجب فعلها و تركها الشريعة المقدسة و ما صدر في ذلك عن أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم فما علم من الآيات و الأخبار أن الله سبحانه أمر به و طلبه من عباده سواء كان صلاة أو صوما أو حجا أو تجارة أو زراعة أو صناعة أو معاشرة للخلق أو عزلة أو غيرها و عملها بشرائطها و آدابها بنية خالصة فهي من الآخرة و ما لم يكن كذلك فهو من الدنيا المذمومة المبعدة عن الله و عن الآخرة. و هي على أنواع فمنها ما هو حرام و هو ما يستحق به العقاب سواء كان عبادة مبتدعة أو رياء و سمعة أو معاشرة الظلمة أو ارتكاب المناصب المحرمة أو تحصيل

    الأموال من الحرام أو للحرام و غير ذلك مما يستحق به العقاب. و منها ما هو مكروه كارتكاب الأفعال و الأعمال و المكاسب المكروهة و كتحصيل الزوائد من الأموال و المساكن و المراكب و غيرها مما لم يكن وسيلة لتحصيل الآخرة و تمنع من تحصيل السعادات الأخروية. و منها ما هو مباح كارتكاب الأعمال التي لم يأمر الشارع بها و لم ينه عنها إذا لم تصر مانعة عن تحصيل الآخرة و إن كانت نادرة و يمكن إيقاع كثير من المباحات على وجه تصير عبادة كالأكل و النوم للقوة على العبادة و أمثال ذلك و ربما كان ترك المباحات بظن أنها عبادة بدعة موجبة لدخول النار كما يصنعه كثير من أرباب البدع

31-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن أبي أيوب الخزاز عن أبي عبيدة الحذاء قال قلت لأبي جعفر ع حدثني بما أنتفع به فقال يا أبا عبيدة أكثر ذكر الموت فإنه لم يكثر إنسان ذكر الموت إلا زهد في الدنيا

 بيان كأن المراد بذكر الموت تذكر ما بعده من الأهوال و الشدائد و الحسرات أيضا و إن كان تذكر الموت و فناء الدنيا كافيا لزهد العاقل

32-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن الحكم بن أيمن عن داود الأبزاري قال قال أبو جعفر ع ملك ينادي كل يوم ابن آدم لد للموت و اجمع للفناء و ابن للخراب

 بيان لد للموت اللام لام العاقبة كما في قوله تعالى فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً و الأمر ليس على حقيقته بل الغرض اعلموا أن ولادتكم عاقبتها الموت

33-  كا، ]الكافي[ بالإسناد المتقدم عن علي بن الحكم عن موسى بكر عن أبي   إبراهيم ع قال قال أبو ذر رحمه الله جزى الله الدنيا عني مذمة بعد رغيفين من الشعير أتغدى بأحدهما و أتعشى بالآخر و بعد شملتي الصوف أتزر بإحداهما و أرتدي بالأخرى

 بيان جزى الله الدنيا عني مذمة قوله مذمة مفعول ثان لجزى أي يوفقني لأن أجزيه و قيل أحال الذم إلى الله نيابة عنه للدلالة على كمال ذمه فإن كل فعل من الفاعل القوي قوي و في النهاية الشملة كساء يتغطى به و يتلفف فيه انتهى و يدل على جواز لبس الصوف بل استحبابه و ما ورد بالنهي و الذم فمحمول على المداومة عليه أو على ما إذا لم يكن للقناعة بل لإظهار الزهد و الفضل كما ورد في وصية النبي ص لأبي ذر رضي الله عنه يلبسون الصوف في صيفهم و شتائهم يرون أن لهم بذلك الفضل على غيرهم و سيأتي الكلام فيه في أبواب التجمل إن شاء الله تعالى

34-  كا، ]الكافي[ بالإسناد المتقدم عن علي بن الحكم عن المثنى عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال كان أبو ذر رضي الله عنه يقول في خطبته يا مبتغي العلم كأن شيئا من الدنيا لم يكن شيئا إلا ما ينفع خيره و يضر شره إلا من رحم الله يا مبتغي العلم لا يشغلك أهل و لا مال عن نفسك أنت يوم تفارقهم كضيف بت فيهم ثم غدوت عنهم إلى غيرهم و الدنيا و الآخرة كمنزل تحولت منه إلى غيره و ما بين الموت و البعث إلا كنومة نمتها ثم استيقظت منها يا مبتغي العلم قدم لمقامك بين يدي الله عز و جل فإنك مثاب بعملك كما تدين تدان يا مبتغي العلم

 بيان يا مبتغي العلم أي يا طالبه كأن شيئا من الدنيا هذا يحتمل وجوها الأول أن يكون إلا في قوله إلا ما ينفع كلمة استثناء و ما موصولة فالمعنى أن ما يتصور في هذه الدنيا إما شي‏ء ينفع خيره أو شي‏ء يضر شره كل أحد إلا من رحم الله فيغفر له إما بالتوبة أو بدونها.   الثاني أن يكون مثل السابق إلا أنه يكون المعنى أن كل شي‏ء في الدنيا له جهة نفع و جهة ضر لكل الناس إلا من رحم الله فيوفقه للاحتراز عن جهة شره. الثالث أن يكون كلمة ما مصدرية و الاستثناء من مفعول يضر أي ليس شي‏ء من الدنيا شيئا إلا نفع خيره و إضرار شره لكل أحد إلا من رحم الله. الرابع ما قيل إن ألا بالتخفيف حرف تنبيه و ما نافية و الضميران للشي‏ء و معنى الاستثناء أن المرحوم ينتفع بخيره و لا يتضرر من شره و قيل في بيان هذا الوجه يعني أن شيئا من الدنيا ليس شيئا يعتد به و يركن إليه العاقل لأنه إما خير أو شر و خيره لا ينفع لأنه في معرض الفناء و الزوال و شره يضر إلا مع رحمة الله و هو الذي عصمه من الشر. الخامس أن كلمة ما مصدرية و ضمير خيره راجعا إلى شيئا من الدنيا و الإضافة من قبيل إضافة الجزء إلى الكل و الاستثناء من مفعول يضر أي كان شيئا من الدنيا لم يكن شيئا إلا نفع الطاعة فيه أو إضرار المعصية فيه كل أحد إلا من رحم الله بتوفيق التوبة و هذا يرجع إلى المعنى الثالث و على جميع التقادير الاستثناء الثاني مفرغ. عن نفسك أي عن تحصيل ما ينفعها في يوم لا ينفع مال و لا بنون و قد قال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَ لا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ و المراد بالأهل هنا أعم من الزوجة و الأولاد و سائر من في بيته بل يشمل الأقارب أيضا قال الراغب أهل الرجل من جمعه و إياهم نسب أو دين أو ما يجري مجراهما من صناعة و بيت و بلد و ضيعة فأهل الرجل في الأصل من جمعه و إياهم مسكن واحد ثم تجوز به فقيل أهل بيت الرجل لمن يجمعه و إياهم نسب و عبر بأهل الرجل عن امرأته و أهل الإسلام الذين يجمعهم. قوله كمنزل أي كمنزلين تحولت من إحداهما إلى الآخر و التصريح   بتشبيه الدنيا للإشارة إلى أن الاهتمام هنا ببيان حاله أشد و أكثر و الضمير في نمتها راجع إلى النومة فهو بمنزلة مفعول مطلق و هذا بالنسبة إلى المستضعفين و كأن التخصيص بذكرهم لأن المتقين بعد الموت في النعيم و الجنة و الكفار في العذاب و النار فليس بين الدنيا و الآخرة لهما فاصلة فيتحولون من الدنيا إلى الآخرة كما روي من مات فقد قامت قيامته. و أما المستضعفون فلما كانوا ملهى عنهم استدرك ذلك بأن حالهم في البرزخ كنوم ليلة فلا فاصلة بين دنياهم و آخرتهم حقيقة و يحتمل أن يكون الغرض بيان قلة نعيم البرزخ و حميمها بالنسبة إلى نعيم الآخرة و جحيمها فكأنهم نائمون أو لأن جل عذابهم بعد السؤال و الضغطة و أمثالهما لما كان روحانيا شبه تلك الحالة بالنومة و لم يتعرض أحد لتحقيق هذه الفقرة مع إشكالها و مخالفتها ظاهرا للآيات و الأخبار الكثيرة. قوله رحمه الله قدم أي العمل الصالح لمقامك بين يدي الله عز و جل أي للحساب كما تدين تدان أي كما تفعل تجازى فهو على المشاكلة و لا يضر تقدمه أو كما تجازي الرب تجازى و لا تخلو من بعد أو كما تجازي العباد تجازى فيكون تأسيسا قال الجوهري دانه دينا أي جازاه كما يقال كما تدين تدان أي كما تجازي تجازى بفعلك و بحسب ما عملت و قوله تعالى إِنَّا لَمَدِينُونَ أي مجزيون. يا مبتغي العلم قيل هذا افتتاح كلام آخر تركه المصنف و إنما ذكر ليعلم أن ما ذكره ليس جميع الخطبة كما مر بعضه في باب الصمت حيث قال رضي الله عنه يا مبتغي العلم إن هذا اللسان مفتاح خير إلخ

35-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي عن القاسم بن يحيى عن جده الحسن   بن راشد عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص ما لي و الدنيا و ما أنا و الدنيا إنما مثلي و مثلها كمثل راكب رفعت له شجرة في يوم صائف فقال تحتها ثم راح و تركها

 بيان ما لي و للدنيا أي أي شغل لي مع الدنيا و قيل ما نافية أي ما لي محبة مع الدنيا أو للاستفهام أي أي محبة لي معها حتى أرغب فيها ذكره الطيبي في شرح بعض رواياتهم و ما أنا و الدنيا أي أي مناسبة بيني و بين الدنيا

 و من طريق العامة روي عن ابن مسعود أن رسول الله ص نام على حصير فقام و قد أثر في جسده فقالوا لو أمرتنا أن نبسط لك و نعمل فقال ما لي و للدنيا و ما أنا و الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح أو تركها

أقول وجه الشبه سرعة الرحيل و قلة المكث و عدم الرضا به وطنا و قال الكرماني في شرح البخاري فيه فرفعت لنا صخرة أي ظهرت لأبصارنا و فيه أيضا فرفع إلى البيت المعمور أي قرب و كشف و عرض. و قال الجوهري يوم صائف أي حار و ليلة صائفة و ربما قالوا يوم صاف بمعنى صائف كما قالوا يوم راح و قال القائلة الظهيرة يقال أتانا عند القائلة و قد يكون بمعنى القيلولة أيضا و هي النوم في الظهيرة تقول قال يقيل قيلولة و قيلا و مقيلا و هو شاذ فهو قائل. و في المصباح راح يروح رواحا و تروح مثله يكون بمعنى الغدو و بمعنى الرجوع و قد يتوهم بعض الناس أن الرواح لا يكون إلا في آخر النهار و ليس كذلك بل الرواح و الغدو عند العرب يستعملان في المسير أي وقت كان من ليل أو نهار و قال ابن فارس الرواح رواح العشي و هو من الزوال إلى الليل

36-  كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يحيى بن عقبة الأزدي عن أبي عبد الله ع قال قال أبو جعفر ع مثل الحريص على الدنيا كمثل دودة القز كلما ازدادت على نفسها لفا كان أبعد لها من الخروج حتى تموت غما

    قال و قال أبو عبد الله ع و كان فيما وعظ به لقمان ابنه يا بني إن الناس قد جمعوا قبلك لأولادهم فلم يبق ما جمعوا و لم يبق من جمعوا له و إنما أنت عبد مستأجر قد أمرت بعمل و وعدت عليه أجرا فأوف عملك و استوف أجرك و لا تكن في هذه الدنيا بمنزلة شاة وقعت في زرع أخضر فأكلت حتى سمنت فكان حتفها عند سمنها و لكن اجعل الدنيا بمنزلة قنطرة على نهر جزت عليها و تركتها و لم ترجع إليها آخر الدهر أخربها و لا تعمرها فإنك لم تؤمر بعمارتها و اعلم أنك ستسأل غدا إذا وقفت بين يدي الله عز و جل عن أربع شبابك فيما أبليته و عمرك فيما أفنيته و مالك مما اكتسبته و فيما أنفقته فتأهب لذلك و أعد له جوابا و لا تأس على ما فاتك من الدنيا فإن قليل الدنيا لا يدوم بقاؤه و كثيرها لا يؤمن بلاؤه فخذ حذرك و جد في أمرك و اكشف الغطاء عن وجهك و تعرض لمعروف ربك و جدد التوبة في قلبك و اكمش في فراغك قبل أن يقصد قصدك و يقضى قضاؤك و يحال بينك و بين ما تريد

 بيان قال في المصباح القز معرب قال الليث هو ما يعمل منه الإبريسم و لهذا قال بعضهم القز و الإبريسم مثل الحنطة و الدقيق انتهى و لفا تميز عن نسبة ازدادت و غما مفعول له أو حال فلم يبق ما جمعوا في بعض النسخ ما جمعوا له و كأنه زيد له من النساخ و على تقديره كأن المعنى لم يبق الأغراض و المطالب الباطلة التي جمعوا لها الدنيا كالجاه و العزة و الغلبة و الفخر و أمثالها. فكان حتفها أي هلاكها المعنوي فإن التمتع بالمستلذات الجسمانية موجبة لقوة القوى الشهوانية و طغيانها و هذا استعارة تمثيلية شبه توسع الإنسان في لذات الدنيا و شهواتها و عدم مبالاته بحرامها و شبهاتها و ابتلائه بعد الموت بعقوباتها بشاة وقعت في زرع أخضر فأكلت منها حيث شاءت و كيف شاءت بلا مانع حتى إذا سمنت قتلها صاحبها لسمنها   آخر الدهر أي إلى آخر الزمان أي أبدا أخربها أي دعها خرابا بترك ما لا تحتاج إليه من المطاعم و المشارب و الملابس و المناكح و المساكن و الاقتصار على القدر الضروري في كل منها ستسأل قيل السين لمحض التأكيد فيما أبليته كلمة ما في المواضع الأربعة استفهامية و إثبات الألف مع حرف الجر فيها شاذ و الثوب البالي هو الذي استعمل حتى أشرف على الاندراس. ثم إن العمر لا يستلزم القوة و الشباب فكل منهما نعمة يسأل عنها و مع الاستلزام أيضا تكفي المغايرة للسؤال عن كل منهما. و أما السؤال عن المال إما لغير المؤمنين أو لغير الكاملين منهم

 لما روي عن أمير المؤمنين ع فيما كتب إلى أهل مصر من عمل لله أعطاه الله أجره في الدنيا و الآخرة و كفاه المهم فيهما و قد قال الله يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ فما أعطاهم الله في الدنيا لم يحاسبهم به في الآخرة قال الله تعالى لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَ زِيادَةٌ و الحسنى هي الجنة و الزيادة هي الدنيا

 و روى البرقي في الصحيح عن أبي عبد الله ع قال ثلاثة أشياء لا يحاسب العبد المؤمن عليهن طعام يأكله و ثوب يلبسه و زوجة صالحة تعاونه و يحصن بها فرجه

و قد وردت أخبار كثيرة في تفسير قوله تعالى ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ إن النعيم ولاية أهل البيت ع

 و قد روى العياشي و غيره أنه سأل أبو حنيفة أبا عبد الله ع عن هذه الآية فقال له ما النعيم عندك يا نعمان قال القوت من الطعام و الماء البارد فقال لئن أوقفك الله بين يديه يوم القيامة حتى يسألك عن كل أكلة أكلتها أو شربة شربتها ليطولن وقوفك   بين يديه قال فما النعيم جعلت فداك قال نحن أهل البيت النعيم الذي أنعم الله بنا على العباد الخبر

و يمكن أن يقال السؤال عن مال اكتسبه من حلال أو حرام أو أنفقه في حلال أو حرام لا ينافي عدم محاسبتهم على ما أنفقوه في الحلال من مأكلهم و مسكنهم و ملبسهم و نحو ذلك أو المراد بتلك الأخبار أنهم لا يعاتبون بذلك و لا يقاص من حسناتهم بها فلا ينافي أصل المحاسبة كما

 روى الشيخ في مجالسه بإسناده عن أمير المؤمنين ع قال يوقف العبد بين يدي الله فيقول قيسوا بين نعمي عليه و بين عمله فتستغرق النعم العمل فيقولون قد استغرق النعم العمل فيقول هبوا له نعمي و قيسوا بين الخير و الشر منه فإن استوى العملان أذهب الله الشر بالخير و أدخله الجنة و إن كان له فضل أعطاه الله بفضله و إن كان عليه فضل و هو من أهل التقوى لم يشرك بالله تعالى و اتقى الشرك به فهو من أهل المغفرة يغفر الله له برحمته إن شاء و يتفضل عليه بعفوه

و قال الجوهري تأهب استعد و أهبة الحرب عدتها و قال الأسى بالياء مفتوح مقصور الحزن و أسي على مصيبته بالكسر يأسى أسى أي حزن لا يدوم بقاؤه و العاقل لا يتأسف بفوات قليل لا بقاء له لا يؤمن بلاؤه أي في الدنيا و الآخرة و العاقل لا يتأسف بفوت ما يتوقع منه الضرر و البلية مع أن الرب الذي فوتهما عليه أعلم بمصلحته أو المعنى لا تحزن على ما لم يصل إليك من الدنيا فإن الصبر على قليل الدنيا و قلته سهل فإنه لا يدوم و ينقضي قريبا بالموت و الكثرة محل الآفات. فخذ حذرك بالكسر أي ما تحذر به من مكايد النفس و الشيطان في الدنيا   و العذاب في الآخرة قال الراغب في قوله تعالى خُذُوا حِذْرَكُمْ أي ما فيه الحذر من السلاح و غيره و جد في أمرك أي في تهيئة سفر الآخرة و الاستعداد للقاء الله من العقائد الحسنة و الأعمال الصالحة و الأخلاق المرضية فإن من أراد سفرا يأخذ الأسلحة لدفع ضرر الطريق و يجهز و يهيئ ما يحتاج إليه في ذلك السفر. و اكشف الغطاء عن وجهك أي ارفع غطاء الغفلة عن وجه قلبك لتميز بين الحق و الباطل و الفاني و الباقي أو عن الجهة التي تتوجه إليه و الطريق الذي تسلكه لئلا يشتبه عليك فتسلك طريقا يؤديك إلى النار و أنت لا تعلم و تعرض لمعروف ربك بما به يستحق إحسانه و تفضله عليك من صالح النيات و الأعمال و جدد التوبة في قلبك أي كلما ذكرت معاصيك و في النسبة إلى القلب إشعار بأن التوبة أمر قلبي و هي الندامة على ما مضى و العزم على عدم الإتيان بمثله فيما سيأتي و فيه دلالة على حسن تكرار التوبة و إن كانت عن معصية واحدة و اكمش أي أسرع و عجل في الصحاح الكمش الرجل السريع الماضي و قد كمش بالضم كماشة فهو كمش و كميش و كمشته تكميشا أعجلته و انكمش و تكمش أسرع انتهى. في فراغك أي في أن تفرغ من الأمور التي تحتاج إليه في الآخرة أو في فراغك من الدنيا و جعلك نفسك فارغة منها للآخرة أو في قصدك إلى الآخرة أو أسرع في العمل في أيام فراغك قبل أن تشتغل أو تبتلى بشي‏ء يمنعك عنه فإن الفراغ خلاف الشغل قال في المصباح فرغ من الشغل فروغا من باب قعد و من باب تعب لغة لبني تميم و الاسم الفراغ و فرغت للشي‏ء و إليه قصدت. أقول و يؤيد المعنى الأخير ما روي في مجالس الشيخ عن ابن عمر خذ من حياتك لموتك و خذ من صحتك لسقمك و خذ من فراغك لشغلك فإنك يا عبد الله ما تدري   ما اسمك غدا

 و ما رواه الصدوق في مجالسة عن الكاظم عن آبائه عن علي ع في قول الله عز و جل وَ لا تَنْسَ نَصِيبَكَ قال لا تنس صحتك و قوتك و فراغك و شبابك و نشاطك أن تطلب بها الآخرة

قبل أن يقصد على بناء المجهول قصدك أي نحوك كناية عن توجه ملك الموت إليه لقبض روحه أو توجه الأمراض و البلايا من الله إليه و يقضى قضاؤك أي يقدر و يحتم موتك و يحال بالموت أو الأعم بينك و بين ما تريد من التوبة و الأعمال الصالحة و لا ينفعه تمني الحياة و الرجعة حيث يقول رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ فيقال كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ أعاذنا الله و سائر المؤمنين من ندامة تلك الساعة و أهوال هذا اليوم

37-  كا، ]الكافي[ علي عن أبيه عن ابن محبوب عن بعض أصحابه عن ابن أبي يعفور قال سمعت أبا عبد الله ع يقول في ما ناجى الله عز و جل به موسى ع يا موسى لا تركن إلى الدنيا ركون الظالمين و ركون من اتخذها أبا و أما يا موسى لو وكلتك إلى نفسك لتنظر إليها إذا لغلب عليك حب الدنيا و زهرتها يا موسى نافس في الخير و اسبقهم إليه فإن الخير كاسمه و اترك من الدنيا ما بك الغنى عنه و لا تنظر عينك إلى كل مفتون بها و موكل إلى نفسه و اعلم أن كل فتنة بدوها حب الدنيا و لا تغبط أحدا بكثرة المال فإن مع كثرة المال تكثر الذنوب لواجب الحقوق و لا تغبطن أحدا برضى الناس عنه حتى تعلم أن الله راض عنه و لا تغبطن أحدا بطاعة الناس له فإن طاعة الناس له و اتباعهم إياه على غير الحق هلاك له و لمن اتبعه

 بيان يقال ركن إليه كنصر و علم و منع مال و يطلق غالبا على الميل القلبي   لو وكلتك يدل على أن الزهد في الدنيا لا يحصل بدون توفيقه تعالى و في القاموس نظر لهم رثى لهم و أعانهم و قال النظر محركة الفكر في الشي‏ء تقدره و تقيسه و الحكم بين القوم و الإعانة و الفعل كنصر و في النهاية المنافسة الرغبة في الشي‏ء و الانفراد به و هو من الشي‏ء النفيس الجيد في نوعه و نافست في الشي‏ء منافسة و نفاسا إذا رغبت فيه. قوله ع فإن الخير كاسمه لعل المعنى أن الخير لما دل بحسب أصل معناه في اللغة على الأفضلية و ما يطلق عليه في العرف و الشرع من الأعمال الحسنة أو إيصال النفع إلى الغير هي خير الأعمال فالخير كاسمه أي إطلاق هذا الاسم على تلك الأمور بالاستحقاق و المعنى المصطلح مطابق للمدلول اللغوي أو المراد به أن الخير لما كان كل من سمعه يستحسنه فهو حسن واقعا و حسنه حسن واقعي و الحاصل أن ما يحكم به عقول عامة الخلق في ذلك مطابق للواقع أو المراد باسمه ذكره بين الناس يعني أن الخير ينفع في الآخرة كما يصير سببا لرفعة الذكر في الدنيا. ما بك الغنى عنه أي ما لم يحتج إليه بل لم تضطر إليه و لا تنظر على بناء المجرد عينك بالرفع أو النصب بنزع الخافض أي بعينك و ربما يقرأ تنظر على بناء الإفعال أي لا تجعلها ناظرة إلى كل مفتون بها أي مبتلى مخدوع بها و المراد النظر إلى كل من لقيه منهم فإنه لا يمكن النظر إلى كلهم أو كناية عن أن النظر إلى واحد منهم بالإعجاب به و بما معه من زينتها بمنزلة النظر إلى جميعهم لاشتراك العلة. و موكل إلى نفسه المتبادر أنه على بناء المفعول لكن الظاهر حينئذ و موكول إذ لم يأت أوكله في ما عندنا من كتب اللغة لكن كثير من الأبنية المتداولة كذلك و يمكن أن يقرأ على بناء الفاعل من الإيكال بمعنى الاعتماد في القاموس وكل بالله يكل و توكل عليه و أوكل و اتكل استسلم إليه و وكل إليه الأمر وكلا و وكولا سلمه و تركه. إن كل فتنة أي ضلالة أو بلية أو امتحان أو إثم في القاموس الفتنة بالكسر   الخبرة و إعجابك بالشي‏ء و الضلال و الإثم و الكفر و الفضيحة و العذاب و إذابة الذهب و الفضة و الإضلال و الجنون و المحنة و المال و الأولاد و اختلاف الناس في الآراء و أقول يناسب هنا أكثر المعاني و لا تغبط أحدا بأن تتمنى حالة تكثر الذنوب بصيغة المضارع من باب حسن أو مصدر باب التفعل لواجب الحقوق أي للتقصير في أداء الحقوق الواجبة غالبا بطاعة الناس له أي في الباطل

38-  كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن عبد الله بن المغيرة عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله ع قال إن في كتاب علي صلوات الله عليه إنما مثل الدنيا كمثل الحية ما ألين مسها و في جوفها السم الناقع يحذرها الرجل العاقل و يهوي إليها الصبي الجاهل

 بيان قال في النهاية السم الناقع أي القاتل و قد نقعت فلانا إذا قتلته و قيل الناقع الثابت المجتمع من نقع الماء انتهى و ما أحسن هذا التشبيه و أتمه و أكمله

39-  كا، ]الكافي[ عن علي عن ابن عيسى عن يونس عن أبي جميلة قال قال أبو عبد الله ع كتب أمير المؤمنين ع إلى بعض أصحابه يعظه أوصيك و نفسي بتقوى من لا تحل معصيته و لا يرجى غيره و لا الغنى إلا به فإن من اتقى الله عز و قوي و شبع و روي و رفع عقله عن أهل الدنيا فبدنه مع أهل الدنيا و قلبه و عقله معاين الآخرة فأطفأ بضوء قلبه ما أبصرت عيناه من حب الدنيا فقذر حرامها و جانب شبهاتها و أضر و الله بالحلال الصافي إلا ما لا بد منه من كسرة يشد بها صلبه و ثوب يواري به عورته من أغلظ ما يجد و أخشنه و لم يكن له في ما لا بد منه ثقة و لا رجاء فوقعت ثقته و رجاؤه على خالق الأشياء فجد و اجتهد و أتعب بدنه حتى بدت الأضلاع و غارت العينان فأبدل الله له من ذلك قوة في بدنه و شدة في عقله و ما ذخر له في الآخرة أكثر فارفض الدنيا فإن حب الدنيا يعمي و يصم و يبكم و يذل الرقاب فتدارك ما بقي من عمرك و لا تقل غدا و بعد غد فإنما هلك من كان قبلك بإقامتهم على الأماني   و التسويف حتى أتاهم أمر الله بغتة و هم غافلون فنقلوا على أعوادهم إلى قبورهم المظلمة الضيقة و قد أسلمهم الأولاد و الأهلون فانقطع إلى الله بقلب منيب من رفض الدنيا و عزم ليس فيه انكسار و لا انخزال أعاننا الله و إياك على طاعته و وفقنا الله و إياك لمرضاته

 بيان قال الراغب الوعظ زجر مقترن بتخويف و قال الخليل هو التذكير بالخير فيما يرق له القلب و العظة و الموعظة الاسم و قال الوصية التقدم إلى الغير بما يعمل به مقترنا بوعظ من قولهم أرض واصية متصلة النبات يقال أوصاه و وصاه فإن من اتقى الله علة للوصية عز أي بعزة واقعية ربانية لا تزول بإذلال الناس كما قال تعالى وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ و قوي بقوة معنوية إلهية لا تشبه القوى البدنية

 كما قال أمير المؤمنين ع ما قلعت باب خيبر بقوة جسمانية بل بقوة ربانية

و شبع و روي من غير اكتساب لقوله تعالى وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ أو شبع بالعلوم الدينية و ارتوى بزلال الحكمة الإلهية. و رفع عقله على بناء المجهول عن أهل الدنيا أي صار عقله أرفع من عقولهم أو أرفع من أن ينظر إلى الدنيا و أهلها و يلتفت إليهم و يعتني بشأنهم إلا لهدايتهم و إرشادهم فبدنه مع أهل الدنيا لكونه من جنس أبدانهم في الصورة الجسدانية و قلبه و عقله لشدة يقينه معاين الآخرة لتخليته عن العلائق الجسمانية. من حب الدنيا من للبيان أو للتبعيض و إسناد الأبصار إلى الحب على المجاز واو المصدر بمعنى المفعول أو هو بالكسر قال في القاموس الحب بالكسر المحبوب شبه ع ما أبصره أو أحبه بالنار في الإهلاك استعارة مكنية و نسبة الإطفاء إليه تخييلية.   فقذر حرامها أي عده قذرا نجسا يجب اجتنابه أو كرهه في الصحاح القذر ضد النظافة و شي‏ء قذر بين القذارة و قذرت الشي‏ء بالكسر و تقذرته و استقذرته إذا كرهته و جانب شبهاتها و هي المشتبهات بالحرام مع عدم العلم بكونها حراما كأموال الظلمة فيكون مكروها على المشهور أو الذي اشتبه عليه الحكم فيه فاجتنابه مستحب على المشهور و كأنه ع لذلك غير التعبير فعبر هنا بالاجتناب و في الحرام بالحكم بالقذارة. و أضر على بناء المعلوم كناية عن تركه و عدم الاعتناء به و ترك الالتفات إليه أو على بناء المجهول أي يعد نفسه متضررة به أو يتضرر به لعلو حاله بالحلال الصافي من الشبهة فكيف بالحرام و الشبهة و في المصباح الكسرة القطعة من الشي‏ء المكسور و منه الكسرة من الخبز و في القاموس الكسرة بالكسر القطعة من الشي‏ء المكسور و الجمع كسر انتهى. يشد بها صلبه أي يقوى بها على العبادة من أغلظ ما يجد ظاهره استحباب الاكتفاء بالثياب الخشنة و إن كان قادرا على الناعمة و هو مخالف لأخبار كثيرة إلا أن يحمل على أن المراد به من الأغلظ الذي يجده أي إذا لم يجد غيره أو على ما إذا لم يجد غيره إلا بارتكاب الحرام أو الشبهة أو بصرف جل أوقاته في تحصيله بحيث يمنعه عن النوافل و فواضل الطاعات أو على ما إذا علم أنه يصير سببا لطغيانه و أن علاج كبره و صفاته الذميمة منحصر في ذلك. ثقة و لا رجاء أي بغيره سبحانه كما بينه في الفقرة الآتية و في المصباح الجد بالكسر الاجتهاد و هو مصدر يقال منه جد يجد من بابي ضرب و قتل و الاسم الجد بالكسر و أتعب بدنه أي بالعبادات الشرعية لا الأعمال المبتدعة. فأبدل الله له لأنه تعالى قال لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ فمن بذل ما أعطاه الله من الأموال الفانية عوضه الله من الأموال الباقية أضعافها و من بذل قوته البدنية في طاعة الله أبدله الله قوة روحانية لا يفنى في الدنيا و الآخرة فتبدو منه

    المعجزات و خوارق العادات و الكرامات و ما لا يقدر عليه بالقوى الجسمانية و من بذل علمه في الله و عمل به ورثه الله علما لدنيا يزيد في كل ساعة و من بذل عزه الفاني الدنيوي في رضى الله تعالى أعطاه الله عزا حقيقيا لا يتبدل بالذل أبدا كما أن الأنبياء و الأوصياء ع لما بذلوا عزهم الدنيوي في سبيل الله أعطاهم الله عزة في الدارين لا يشبه عز غيرهم فيلوذ الناس بقبورهم و ضرائحهم المقدسة و الملوك يعفرون وجوههم على أعتابهم و يتبركون بذكرهم. و من بذل حياته البدنية في الجهاد في سبيله عوضه الله حياة أبدية يتصرفون بعد موتهم في عوالم الملك و الملكوت و لذا قال تعالى وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ و من بذل نور بصره و سمعه في الطاعة أعطاه الله نورا منه به ينظر في ملكوت السماوات و الأرض و به يسمع كلام الملائكة المقربين و وحي رب العالمين كما ورد المؤمن ينظر بنور الله و ورد بي يسمع و بي يبصر و إذا تخلى من إرادته و جعلها تابعة لإرادة الله جعله بحيث لا يشاء إلا أن يشاء الله و كان الله هو الذي يدبر في بدنه و قلبه و عقله و روحه و الكلام هنا دقيق لا تفي به العبارة و البيان و في هذا المقام تزل الأقدام. و الرفض الترك يعمى أي بصر القلب عن رؤية الحق كما قال تعالى فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ و يصم القلب أيضا عن سماع الحق و قبوله و يمكن أن يراد بهما عمى البصر الظاهر لعدم انتفاعه بما يرى فكأنه أعمى و صمم السمع الظاهر لأنه لا ينتفع بما يسمع فكأنه أصم كما قال سبحانه خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ وَ عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ و البكم نسبته إلى الظاهر أظهر فإنه لما لم يتكلم بالحق و بما ينفعه فكأنه أبكم و إن أمكن حمله أيضا على لسان القلب فإن لسان الرأس معبر عنه حقيقة. و يذل الرقاب لأنه موجب للتذلل عند أهل الدنيا لتحصيله أو يذلها   لقبول الباطل من أهله من الذل بالكسر و هو ضد الصعوبة فتدارك ما بقي التدارك ليس هنا بمعنى التلافي و لا بمعنى التلاحق بل بمعنى الإدراك أي أدركه و لا تفوته كقوله تعالى لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ أي أدركته بإجابة دعائه كما قاله الطبرسي و يحتمل أن يكون ما بقي ظرفا و المفعول مقدرا أي تلاف ما فات منك فيما بقي من عمرك لكنه بعيد و لا تقل غدا أي أتوب أو أعمل غدا حتى أتاهم أمر الله أي بالموت أو بالعذاب بغتة بالفتح و قد تحرك أي فجاءه و هم غافلون من إتيانه على أعوادهم أي كائنين على السرر و التوابيت المعمولة من الأعواد إلى قبورهم المظلمة الضيقة فإنها على الأشقياء كذلك و إن كانت للأصفياء روضة من رياض الجنة فانقطع أي عن الدنيا و أهلها بقلب أي مع قلب منيب أي تائب راجع عن الذنوب إشارة إلى قوله تعالى مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَ جاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ قال الطبرسي أي وافى الآخرة بقلب مقبل على طاعة الله راجع إلى الله بضمائره من رفض الدنيا من تعليل للإنابة أو للانقطاع و عزم عطف على قلب ليس فيه انكسار أي وهن و لا انخزال أي تثاقل أو انقطاع في القاموس الانخزال مشية في تثاقل و الانخزال الانفراد و الحذف و الاقتطاع و انخزل عن جوابي لم يعبأ به و في كلامه انقطع لمرضاته أي لما يوجب رضاه عنا

40-  كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن عبد الله بن المغيرة و غيره عن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله ع قال مثل الدنيا كمثل ماء البحر كلما شرب منه العطشان ازداد عطشا حتى يقتله

 بيان كمثل ما البحر أي المالح و هذا من أحسن التمثيلات للدنيا و هو مجرب فإن الحريص على جمع الدنيا كلما ازداد منها ازداد حرصه عليها و أيضا كلما حصل منها لا بد له لحفظه و نموه و سائر ما يليق به و يناسبه من   أشياء أخرى و لا ينتهي إلى حد فيصرف جميع عمره في تحصيلها حتى يموت و يبقى له حسراتها و عقوباتها أعاذنا الله منها

41-  كا، ]الكافي[ عن الحسين بن محمد عن المعلى عن الوشاء قال سمعت الرضا ع يقول قال عيسى ابن مريم صلوات الله عليه للحواريين يا بني إسرائيل لا تأسوا على ما فاتكم من الدنيا كما لا يأسى أهل الدنيا على ما فاتهم من دينهم إذا أصابوا دنياهم

 بيان قال في النهاية فيه حواري من أمتي أي خاصتي من أصحابي و ناصري و منه الحواريون أصحاب عيسى ع أي خلصاؤه و أنصاره و أصله من التحوير التبييض قيل إنهم كانوا قصارين يحورون الثياب أي يبيضونها و منه الخبز الحواري الذي نخل مرة بعد مرة قال الأزهري الحواريون خلصان الأنبياء و تأويله الذين أخلصوا و نقوا من كل عيب و قال الراغب الحواريون أنصار عيسى ع قيل كانوا قصارين و قيل كانوا صيادين. و قال بعض العلماء إنما سموا حواريين لأنهم كانوا يطهرون نفوس الناس بإفادتهم الدين و العلم المشار إليه بقوله إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً قال و إنما قيل كانوا قصارين على التمثيل و التشبيه و تصور منه من لم يتخصص بمعرفة الحقائق المهنة المتداولة بين العامة قال و إنما قال كانوا صيادين لاصطيادهم نفوس الناس من الحيرة و قودهم إلى الحق انتهى. أقول و قد سبق كلام طويل الذيل في أوائل هذا الباب في أثناء شرح حديث من الكافي أيضا في تحقيق معنى الحواريين فلا تغفل. و الأسى الحزن على فوت الفائت و الغرض لا يكون أهل الدنيا على باطلهم   أشد حرصا منكم على الحق

42-  نهج، ]نهج البلاغة[ الحمد لله غير مقنوط من رحمته و لا مخلو من نعمته و لا مأيوس من مغفرته و لا مستنكف عن عبادته الذي لا تبرح منه رحمة و لا تفقد منه نعمة و الدنيا دار منى لها الفناء و لأهلها منها الجلاء و هي حلوة خضرة قد عجلت للطالب و التبست بقلب الناظر فارتحلوا منها بأحسن ما بحضرتكم من الزاد و لا تسألوا فيها فوق الكفاف و لا تطلبوا منها أكثر من البلاغ

43-  كنز الكراجكي، قال رسول الله ص من أحب دنياه أضر بآخرته

 و قال أمير المؤمنين ع الدنيا دول فاطلب حظك منها بأجمل الطلب

 و قال ص من أمن الزمان خانه و من غالبه أهانه

 و قال الدهر يومان يوم لك و يوم عليك فإن كان لك فلا تبطر و إن كان عليك فاصبر فكلاهما عنك سينحسر

 و قال ع من أصبح حزينا على الدنيا فقد أصبح ساخطا على ربه تعالى و من كانت الدنيا أكبر همه طال شقاؤه و غمه الدنيا لمن تركها و الآخرة لمن طلبها الزاهد في الدنيا كلما ازدادت له تحليا ازداد عنها تخليا

 و قال ع إذا طلبت شيئا من الدنيا فزوي عنك فاذكر ما خصك الله به من دينك و صرفه عن غيرك فإن ذلك أحرى أن تستحق نفسك بما فاتك

 و قال رسول الله ص أنا زعيم بثلاث لمن أكب على الدنيا بفقر لا غناء له و بشغل لا فراغ له و بهم و حزن لا انقطاع له

 و قال ص كونوا في الدنيا أضيافا و اتخذوا المساجد بيوتا و عودوا قلوبكم الرقة و أكثروا التفكر و البكاء و لا تختلفن بكم الأهواء تبنون ما لا تسكنون و تجمعون ما لا تأكلون و تأملون ما لا تدركون

44-  عدة الداعي، قال الصادق ع إنا لنحب الدنيا و أن لا نؤتاها خير لنا من أن نؤتاها و ما أوتي ابن آدم منها شيئا إلا نقص حظه من الآخرة

    -45  نهج، ]نهج البلاغة[ من خطبة له ع دار بالبلاء محفوفة و بالغدر معروفة لا تدوم أحوالها و لا يسلم نزالها أحوال مختلفة و تارات متصرفة العيش فيها مذموم و الأمان منها معدوم و إنما أهلها فيها أغراض مستهدفة ترميهم بسهامها و تفنيهم بحمامها و اعلموا عباد الله أنكم و ما أنتم فيه من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى قبلكم ممن كان أطول منكم أعمارا و أعمر ديارا و أبعد آثارا أصبحت أصواتهم هامدة و رياحهم راكدة و أجسادهم بالية و ديارهم خالية و آثارهم عافية و استبدلوا بالقصور المشيدة و بالنمارق الممهدة الصخور و الأحجار المسندة و القبور اللاطئة الملحدة التي قد بني للخراب فناؤها و شيد بالتراب بناؤها فمحلها مقترب و ساكنها مغترب بين أهل محلة موحشين و أهل فراغ متشاغلين لا يستأنسون بالأوطان و لا يتواصلون تواصل الجيران على ما بينهم من قرب الجوار و دنو الدار و كيف يكون بينهم تزاور و قد طحنهم بكلكلة البلى و أكلتهم الجنادل و الثرى و كان قد صرتم إلى ما صاروا إليه و ارتهنكم ذلك المضجع و ضمكم ذلك المستودع فكيف بكم لو تناهت بكم الأمور و بعثرت القبور هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ

    -46  نهج، ]نهج البلاغة[ من خطبة له ع فإن تقوى الله مفتاح سداد و ذخيرة معاد و عتق من كل ملكة و نجاة من كل هلكة بها ينجح الطالب و ينجو الهارب و تنال الرغائب فاعملوا و العمل يرفع و التوبة تنفع و الدعاء يسمع و الحال هادئة و الأقلام جارية و بادروا بالأعمال عمرا ناكسا أو مرضا حابسا أو موتا خالسا فإن الموت هادم لذاتكم و مكدر شهواتكم و مباعد طياتكم زائر غير محبوب و قرن غير مغلوب و واتر غير مطلوب قد أعلقتكم حبائله و تكنفتكم غوائله و أقصدتكم معابله و عظمت فيكم سطوته و تتابعت عليكم عدوته و قلت عنكم نبوته فيوشك أن تغشاكم دواجي ظلله و احتدام علله و حنادس غمراته و غواشي سكراته و أليم إزهاقه و دجو أطباقه و جشوبة مذاقه فكأن قد أتاكم بغتة فأسكت نجيكم و فرق نديكم و عفى آثاركم و عطل دياركم و بعث وراثكم يقتسمون تراثكم بين حميم خاص لم ينفع و قريب محزون لم يمنع و آخر شامت لم يجزع فعليكم بالجد و الاجتهاد و التأهب و الاستعداد و التزود في منزل الزاد و لا تغرنكم الدنيا كما غرت من كان قبلكم من الأمم الماضية و القرون الخالية الذين احتلبوا درتها و أصابوا غرتها و أفنوا عدتها و أخلقوا جدتها أصبحت مساكنهم أجداثا و أموالهم ميراثا لا يعرفون من أتاهم و لا يحفلون من بكاهم و لا يجيبون من دعاهم فاحذروا الدنيا فإنها غدارة غرارة خدوع معطية منوع ملبسة نزوع لا يدوم رخاؤها و لا ينقضي عناؤها و لا يركد بلاؤها

47-  نهج الكيدري، عند شرح قول أمير المؤمنين ع لهمام في وصف   المتقين أرادتهم الدنيا و لم يريدوها

 قال من مكاشفات أمير المؤمنين ع ما رواه الصادق عن آبائه ع أنه قال إني كنت بفدك في بعض حيطانها و قد صارت لفاطمة ع إذا أنا بامرأة قد هجمت علي و في يدي مسحاة و أنا أعمل بها فلما نظرت إليها طار قلبي مما تداخلني من جمالها فشبهتها ببثينة بنت عامر الجمحي و كانت من أجمل نساء قريش فقالت لي يا ابن أبي طالب هل لك أن تزوجني و أغنيك عن هذه المسحاة و أدلك على خزائن الأرض و يكون لك الملك ما بقيت فقلت لها من أنت حتى أخطبك من أهلك فقالت أنا الدنيا فقلت لها ارجعي فاطلبي زوجا غيري فلست من شأني و أقبلت على مسحاتي و أنشأت أقول

لقد خاب من غرته دنيا دنية و ما هي إن غرت قرونا بطائل‏أتتنا على زي العزيز بثينة و زينتها في مثل تلك الشمائل‏فقلت لها غري سواي فإنني عزوف عن الدنيا و لست بجاهل‏و ما أنا و الدنيا فإن محمدا رهين بقفر بين تلك الجنادل‏و هبها أتتنا بالكنوز و درها و أموال قارون و ملك القبائل‏أ ليس جميعا للفناء مصيرها و يطلب من خزانها بالطوائل‏فغري سواي إنني غير راغب لما فيك من عز و ملك و نائل‏و قد قنعت نفسي بما قد رزقته فشأنك يا دنيا و أهل الغوائل‏فإني أخاف الله يوم لقائه و أخشى عتابا دائما غير زائل

   و قال أيضا

دنيا تخادعني كأني لست أعرف حالهامدت إلى يمينها فرددتها و شمالهاو رأيتها محتاجة فوهبت جملتها لها

فهذا معنى قوله ع أرادتهم الدنيا و لم يريدوها

48-  عدة الداعي، قال أمير المؤمنين ع و اعلموا عباد الله أن المؤمن لا يصبح و لا يمسي إلا و نفسه ظنون عنده فلا يزال زاريا عليها و مستزيدا لها فكونوا كالسابقين قبلكم و الماضين أمامكم قوضوا من الدنيا تقويض الراحل و طووها طي المنازل

49-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن إسماعيل بن جابر عن يونس بن ظبيان قال سمعت أبا عبد الله ع يقول قال رسول الله ص إن الله عز و جل يقول ويل للذين يختلون الدنيا بالدين و ويل للذين يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس و ويل للذين يسير المؤمن فيهم بالتقية أ بي يغترون أم علي يجترءون فبي حلفت لأتيحن لهم فتنة تترك الحليم منهم حيران ]حيرانا[

 بيان ويل للذين يختلون الدنيا بالدين أي العذاب و الهلاك للذين يطلبون الدنيا بعمل الآخرة بالخديعة و المكر قال في النهاية الويل الحزن و الهلاك و المشقة من العذاب و قال فيه من أشراط الساعة أن تعطل سيوف الجهاد و أن تختل الدنيا بالدين أي تطلب الدنيا بعمل الآخرة يقال ختله يختله إذا خدعه و راوغه و ختل الذئب الصيد إذا تخفى له و الختل الخداع و في القاموس ختله يختله و يختله ختلا و ختلانا خدعه و الذئب الصيد تخفى له و خاتله خادعه و تخاتلوا تخادعوا و اختتل تسمع لسر القوم انتهى.   و بناء الافتعال كما هو المذكور في عنوان باب الكافي لم أره بهذا المعنى في كتب اللغة و في بعض النسخ اختيال بالياء و هو تصحيف الذين يأمرون بالقسط أي بالعدل و هم الأئمة ع و خواص أصحابهم يسير المؤمن أي يعيش و يعمل مجازا أ بي يغترون أي بسبب إمهالي و نعمتي يغفلون عن بطشي و عذابي من الاغترار بمعنى الغفلة و يحتمل أن يكون من الاغترار بمعنى الوقوع في الغرر و الهلاك. و قال تعالى ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ قال البيضاوي أي شي‏ء خدعك و جرأك على عصيانه يجترءون بالهمزة أو بدونه بقلب الهمزة ياء ثم إسقاط ضمها ثم حذفها لالتقاء الساكنين لأتيحن قال في النهاية فيه فبي حلفت لأتيحنهم فتنة تدع الحليم منهم حيران يقال أتاح الله لفلان كذا أي قدره له و أنزله به و تاح له الشي‏ء و الحليم ذو الحلم و الأناة و التثبت في الأمور أو ذو العقل و تنوين حيرانا للتناسب و إنما خص بالذكر لأنه بكلي معنييه أبعد من الحيرة و ذلك لأنه أصبر على الفتن و الزلازل و الحاصل أنه لا يجد العقلاء و ذوو التثبت و التدبر في الأمور المخرج من تلك الفتنة

50-  لي، ]الأمالي للصدوق[ الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي عن جعفر بن محمد العلوي عن محمد بن علي بن خلف عن حسن بن صالح عن أبي معشر عن محمد بن قيس قال كان النبي ص إذا قدم من سفر بدأ بفاطمة ع فدخل عليها فأطال عندها المكث فخرج مرة في سفر فصنعت فاطمة مسكتين من ورق و قلادة و قرطين و سترا لباب البيت لقدوم أبيها و زوجها ع فلما قدم رسول الله ص دخل   عليها فوقف أصحابه على الباب لا يدرون يقفون أو ينصرفون لطول مكثه عندها فخرج عليهم رسول الله ص و قد عرف الغضب في وجهه حتى جلس عند المنبر فظنت فاطمة ع أنه إنما فعل ذلك رسول الله لما رأى من المسكتين و القلادة و القرطين و الستر فنزعت قلادتها و قرطيها و مسكتيها و نزعت الستر فبعثت به إلى رسول الله ص و قالت للرسول قل له تقرأ عليك ابنتك السلام و تقول اجعل هذا في سبيل الله فلما أتاه قال فعلت فداها أبوها ثلاث مرات ليست الدنيا من محمد و لا من آل محمد و لو كانت الدنيا تعدل عند الله من الخير جناح بعوضة ما سقى فيها كافرا شربة ماء ثم قام فدخل عليها

51-  لي، ]الأمالي للصدوق[ ماجيلويه عن عمه عن الكوفي عن محمد بن سنان عن المفضل عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص إن الله جل جلاله أوحى إلى الدنيا أن أتعبي من خدمك و اخدمي من رفضك ثم قال ع عليكم بالورع و الاجتهاد و العبادة و ازهدوا في هذه الدنيا الزاهدة فيكم فإنها غرارة دار فناء و زوال كم من مغتر فيها قد أهلكته و كم من واثق بها قد خانته و كم من معتمد عليها قد خدعته و أسلمته

 أقول قد أثبتنا الخبر بتمامه في باب مواعظ النبي ص

52-  لي، ]الأمالي للصدوق[ عن العطار عن سعد عن الأصبهاني عن المنقري عن حفص عن الصادق ع قال كان فيما ناجى الله موسى بن عمران يا موسى إذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين و إذا رأيت الغنى مقبلا فقل ذنب عجلت عقوبته إن الدنيا دار عقوبة عاقبت فيها آدم ع عند خطيئته و جعلتها ملعونة ملعونا ما فيها إلا ما كان فيها لي يا موسى إن عبادي الصالحين زهدوا فيها بقدر علمهم بي و سائرهم من خلقي   رغبوا فيها بقدر جهلهم بي و ما من أحد من خلقي عظمها فقرت عينه و لم يحقرها أحد إلا انتفع بها الخبر

53-  ثو، ]ثواب الأعمال[ عن أبيه عن سعد عن الأصبهاني عن المنقري عن حفص عن أبي عبد الله ع قال إن الله عز و جل قال في مناجاته لموسى ع يا موسى إن الدنيا دار عقوبة إلى آخر الخبر

54-  لي، ]الأمالي للصدوق[ عن الصادق ع قال إن كانت الدنيا فانية فالطمأنينة إليها لما ذا

55-  لي، ]الأمالي للصدوق[ عن الصادق ع قال قال رسول الله ص أغفل الناس من لم يتعظ بتغير الدنيا من حال إلى حال و أعظم الناس في الدنيا خطرا من لم يجعل للدنيا عنده خطرا

56-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ لي، ]الأمالي للصدوق[ الأسترآبادي عن أحمد بن الحسن الحسيني عن أبي محمد عن آبائه ع قال قال أمير المؤمنين ع كم من غافل ينسج ثوبا ليلبسه و إنما هو كفنه و يبني بيتا ليسكنه و إنما هو موضع قبره

 و قال أمير المؤمنين ع في بعض خطبه أيها الناس إن الدنيا دار فناء و الآخرة دار بقاء فخذوا من ممركم لمقركم و لا تهتكوا أستاركم عند من لا تخفى عليه أسراركم و أخرجوا من الدنيا قلوبكم من قبل أن تخرج منها أبدانكم ففي الدنيا حييتم و للآخرة خلقتم و إنما الدنيا كالسم يأكله من لا يعرفه إن العبد إذا مات قالت الملائكة ما قدم و قال الناس ما أخر فقدموا فضلا يكن لكم و لا تؤخروا كلا يكن عليكم فإن المحروم من حرم خير ماله و المغبوط من ثقل بالصدقات و الخيرات موازينه و أحسن في الجنة بها مهاده و طيب على   الصراط بها مسلكه

 أقول قد أثبتنا كثيرا من الأخبار في باب مواعظ أمير المؤمنين ع

57-  لي، ]الأمالي للصدوق[ في خبر الشامي الذي أتى أمير المؤمنين ع قال ع يا شيخ إن الدنيا خضرة حلوة و لها أهل و إن الآخرة لها أهل ظلفت أنفسهم عن مفاخرة أهل الدنيا لا يتنافسون في الدنيا و لا يفرحون بغضارتها و لا يحزنون لبؤسها يا شيخ من خاف البيات قل نومه ما أسرع الليالي و الأيام في عمر العبد فاخزن لسانك و عد كلامك يقل كلامك إلا بخير يا شيخ ارض للناس ما ترضى لنفسك و آت إلى الناس ما تحب أن يؤتى إليك ثم أقبل على أصحابه فقال أيها الناس أ ما ترون إلى أهل الدنيا يمسون و يصبحون على أحوال شتى فبين صريع يتلوى و بين عائد و معود و آخر بنفسه يجود و آخر لا يرجى و آخر مسجى و طالب الدنيا و الموت يطلبه و غافل و ليس بمغفول عنه و على أثر الماضي يصير الباقي

58-  فس، ]تفسير القمي[ محمد بن إدريس عن محمد بن أحمد عن محمد بن سيار عن المفضل عن أبي عبد الله ع قال لما نزلت هذه الآية لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ قال رسول الله ص من لم يتعز بعزاء الله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات و من رمى ببصره إلى ما في يدي غيره كثر همه و لم يشف غيظه و من لم يعلم أن لله عليه نعمة إلا في مطعم أو ملبس فقد قصر عمله و دنا عذابه و من أصبح على الدنيا حزينا أصبح على الله ساخطا و من شكا مصيبة نزلت به فإنما يشكو ربه و من دخل النار من هذه الأمة ممن قرأ القرآن فهو ممن يتخذ آياتِ اللَّهِ هُزُواً و من أتى ذا ميسرة فتخشع له طلب ما في يديه ذهب ثلثا دينه   ثم قال و لا تعجل و ليس يكون الرجل ينال من الرجل المرفق فيبجله و يوقره فقد يجب ذلك له عليه و لكن تراه أنه يريد بتخشعه ما عند الله و يريد أن يختله عما في يديه

59-  فس، ]تفسير القمي[ أبي عن الأصبهاني عن المنقري عن حفص قال قال أبو عبد الله ع يا حفص ما أنزلت الدنيا من نفسي إلا بمنزلة الميتة إذا اضطررت إليها أكلت منها الخبر و سيأتي في أبواب المواعظ

60-  ب، ]قرب الإسناد[ عن ابن أبي الخطاب عن البزنطي عن الرضا ع قال و الله ما أخر الله عن المؤمن من هذه الدنيا خير له مما يعجل منها ثم صغر الدنيا إلي فقال أي شي‏ء هي ثم قال إن صاحب النعمة على خطر إنه يجب علي حقوق لله منها و الله إنه ليكون علي النعم من الله فما أزال منها على وجل و حرك يديه حتى أخرج من الحقوق التي تجب لله تبارك و تعالى علي فيها

61-  ل، ]الخصال[ عن أبيه عن سعد عن ابن يزيد عن ابن محبوب عن ابن رباط رفعه قال شكا رجل إلى أمير المؤمنين ع الحاجة فقال اعلم أن كل شي‏ء تصيبه من الدنيا فوق قوتك فإنما أنت فيه خازن لغيرك

62-  ل، ]الخصال[ عن أبيه عن سعد عن ابن يزيد عن ابن أبي عمير عن درست عن رجل عن أبي عبد الله ع قال حب الدنيا رأس كل خطيئة

63-  ل، ]الخصال[ عن محمد بن أحمد الأسدي عن محمد بن أبي عمران عن أحمد بن أبي بكر عن علي بن أبي علي اللهبي عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله   قال قال رسول الله ص إن أخوف ما أخاف على أمتي الهوى و طول الأمل أما الهوى فإنه يصد عن الحق و أما طول الأمل فينسي الآخرة و هذه الدنيا قد ارتحلت مدبرة و هذه الآخرة قد ارتحلت مقبلة و لكل واحدة منهما بنون فإن استطعتم أن تكونوا من أبناء الآخرة و لا تكونوا من أبناء الدنيا فافعلوا فإنكم اليوم في دار عمل و لا حساب و أنتم غدا في دار حساب و لا عمل

64-  ل، ]الخصال[ عن ابن بندار عن أحمد بن إسحاق عن عمر بن الحسن بن نصر عن مؤمل بن إهاب عن عبد الله بن المغيرة المصري عن سفيان الثوري عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله ص الليل و النهار مطيتان

65-  ل، ]الخصال[ عن محمد بن أحمد الأسدي عن أحمد بن محمد العامري عن إبراهيم بن عيسى بن عبيد عن سليمان بن عمرو عن عبد الله بن الحسن بن الحسن عن أمه فاطمة بنت الحسين عن أبيها ع قال قال رسول الله ص الرغبة في الدنيا تكثر الهم و الحزن و الزهد في الدنيا يريح القلب و البدن

66-  ل، ]الخصال[ عن أبيه عن محمد العطار عن الأشعري عن سهل عن عبد العزيز العبدي عن ابن أبي يعفور قال سمعت أبا عبد الله ع يقول من تعلق قلبه بالدنيا تعلق منها بثلاث خصال هم لا يفنى و أمل لا يدرك و رجاء لا ينال

 أقول قد مضى بعض الأخبار في باب السكينة و الوقار

67-  ل، ]الخصال[ عن حمزة العلوي عن علي عن أبيه عن عمرو بن عثمان عن إبراهيم بن عبد الحميد عن موسى بن جعفر عن أبيه ع قال الدنيا سجن المؤمن و القبر حصنه و الجنة مأواه و الدنيا جنة الكافر و القبر سجنه و النار   مأواه

68-  ل، ]الخصال[ عن العسكري عن أحمد بن محمد بن أسيد عن أحمد بن يحيى الصوفي عن أبي غسان عن مسعود بن سعد عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن ابن عمر قال قال رسول الله ص أشد ما يتخوف على أمتي ثلاثة زلة عالم أو جدال منافق بالقرآن أو دنيا تقطع رقابكم فاتهموها على أنفسكم

69-  ل، ]الخصال[ عن أبيه عن سعد عن الأصبهاني عن المنقري عن ابن عيينة عن الزهري قال سمعت علي بن الحسين ع يقول من لم يتعز بعزاء الله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات و الله ما الدنيا و الآخرة إلا ككفتي الميزان فأيهما رجح ذهب بالآخرة ثم تلا قوله عز و جل إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ يعني القيامة لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ خافِضَةٌ خفضت و الله بأعداء الله إلى النار رافِعَةٌ رفعت و الله أولياء الله إلى الجنة ثم أقبل على رجل من جلسائه فقال له اتق الله و أجمل في الطلب و لا تطلب ما لم يخلق فإن من طلب ما لم يخلق تقطعت نفسه حسرات و لم ينل ما طلب ثم قال و كيف ينال ما لم يخلق فقال الرجل و كيف يطلب ما لم يخلق فقال من طلب الغنى و الأموال و السعة في الدنيا فإنما يطلب ذلك للراحة و الراحة لم تخلق في الدنيا و لا لأهل الدنيا إنما خلقت الراحة في الجنة و لأهل الجنة و التعب و النصب خلقا في الدنيا و لأهل الدنيا و ما أعطي أحد منها حفنة إلا أعطي من الحرص مثليها و من أصاب من الدنيا أكثر كان فيها أشد فقرا لأنه يفتقر إلى الناس في حفظ أمواله و يفتقر إلى كل آلة من آلات الدنيا فليس في غنى الدنيا راحة و لكن الشيطان يوسوس إلى ابن آدم أن له في جمع ذلك راحة و إنما يسوقه إلى التعب في الدنيا   و الحساب عليه في الآخرة ثم قال ع كلا ما تعب أولياء الله في الدنيا للدنيا بل تعبوا في الدنيا للآخرة ثم قال ألا و من اهتم لرزقه كتب عليه خطيئة كذلك قال المسيح ع للحواريين إنما الدنيا قنطرة فاعبروها و لا تعمروها

70-  مع، ]معاني الأخبار[ ع، ]علل الشرائع[ ل، ]الخصال[ عن القطان عن السكري عن الجوهري عن ابن عمارة عن أبيه قال قال الصادق ع مطلوبات الناس في الدنيا الفانية أربعة الغنى و الدعة و قلة الاهتمام و العز فأما الغنى فموجود في القناعة فمن طلبه في كثرة المال لم يجده و أما الدعة فموجود في خفة المحمل فمن طلبها في ثقله لم يجدها و أما قلة الاهتمام فموجودة في قلة الشغل فمن طلبها مع كثرته لم يجدها و أما العز فموجود في خدمة الخالق فمن طلبه في خدمة المخلوق لم يجده

71-  ل، ]الخصال[ عن الفامي عن محمد بن جعفر عن الصفار عن ابن هاشم عن الحسن بن أبي الحسين الفارسي عن عبد الله بن الحسين بن زيد عن أبيه عن أبي عبد الله ع قال من سلم من أمتي من أربع خصال فله الجنة من الدخول في الدنيا و اتباع الهوى و شهوة البطن و شهوة الفرج الخبر

 أقول قد مضى بعض الأخبار في باب الحياء

72-  ل، ]الخصال[ عن ابن الوليد عن الصفار عن ابن أبي الخطاب عن ابن أسباط عن سليم مولى طربال عن رجل عن أبي جعفر ع قال سمعته يقول   الدنيا دول فما كان لك فيها أتاك على ضعفك و ما كان منها عليك أتاك و لم تمتنع منه بقوة ثم أتبع هذا الكلام بأن قال من يئس مما فات أراح بدنه و من قنع بما أوتي قرت عينه

 ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ عن المفيد عن محمد بن محمد بن طاهر عن ابن عقدة عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن جعفر عن الحسن بن موسى عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين ع مثله

73-  ل، ]الخصال[ عن أبيه عن محمد العطار عن الأشعري عن اللؤلؤي عن إسحاق الضحاك عن منذر الجوان عن أبي عبد الله ع قال قال سلمان رحمة الله عليه عجبت لست ثلاث أضحكتني و ثلاث أبكتني فأما الذي أبكتني ففراق الأحبة محمد و حزبه و هول المطلع و الوقوف بين يدي الله عز و جل و أما الذي أضحكتني فطالب الدنيا و الموت يطلبه و غافل ليس بمغفول عنه و ضاحك مل‏ء فيه لا يدري أ رضي الله أم سخط

74-  مع، ]معاني الأخبار[ عن أبيه عن علي عن أبيه عن ابن معبد عن عبد الله بن القاسم عن ابن سنان عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص أول ما عصى الله تبارك و تعالى بست خصال حب الدنيا و حب الرئاسة و حب النساء و حب الطعام و حب النوم و حب الراحة

75-  ل، ]الخصال[ في خبر أبي ذر عجبت لمن يرى الدنيا و تقلبها بأهلها لم يطمئن إليها

    -76  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ بالأسانيد الثلاثة عن الرضا عن آبائه عن الحسين بن علي ع أنه قال وجد لوح تحت حائط مدينة من المدائن فيه مكتوب أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا و محمد نبيي عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح و عجبت لمن أيقن بالقدر كيف يحزن و عجبت لمن اختبر الدنيا كيف يطمئن إليها و عجبت لمن أيقن بالحساب كيف يذنب

77-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ عن أبيه عن سعد عن ابن هاشم عن ابن المغيرة قال سمعت الرضا ع يقول

إنك في دار لها مدة يقبل فيها عمل العامل‏أ لا ترى الموت محيطا بها يكذب فيها أمل الآمل‏تعجل الذنب لما تشتهي و تأمل التوبة في قابل‏و الموت يأتي أهله بغتة ما ذاك فعل الحازم العامل

78-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ البيهقي عن الصولي عن محمد بن يحيى بن أبي عباد عن عمه قال سمعت الرضا ع يوما ينشد شعرا

كلنا نأمل مدا في الأجل و المنايا هن آفات الأمل‏لا يغرنك أباطيل المنى و الزم القصد و دع عنك العلل‏إنما الدنيا كظل زائل حل فيه راكب ثم رحل

79-  جا، ]المجالس للمفيد[ ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ المفيد عن عمر بن محمد المعروف بابن الزيات عن ابن مهرويه عن داود بن سليمان عن الرضا عن آبائه ع قال قال أمير المؤمنين ع لو رأى العبد أجله و سرعته إليه أبغض الأمل و ترك طلب الدنيا

    -80  جا، ]المجالس للمفيد[ ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ عن المفيد عن الجعابي عن محمد بن الوليد عن عنبر بن محمد عن شعبة عن سلمة عن أبي الطفيل قال سمعت أمير المؤمنين ع يقول إن أخوف ما أخاف عليكم طول الأمل و اتباع الهوى فأما طول الأمل فينسي الآخرة و أما اتباع الهوى فيصد عن الحق ألا و إن الدنيا قد تولت مدبرة و الآخرة قد أقبلت مقبلة و لكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة و لا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل و لا حساب و الآخرة حساب و لا عمل

 أقول قد مضى بعض الأخبار في باب الزهد

 ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ المفيد عن عمر بن محمد الصيرفي عن محمد بن مخلد عن محمد بن الوليد عن حيدر بن محمد عن سعيد عن سلمة بن كهيل عن أبي الطفيل قال قال أمير المؤمنين ع في خطبة له و ذكر مثله

81-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ قال أمير المؤمنين ع أيها الناس أصبحتم أغراضا تنتضل فيكم المنايا و أموالكم نهب للمصائب ما طعمتم في الدنيا من طعام فلكم فيه غصص و ما شربتموه من شراب فلكم فيه شرق و أشهد بالله ما تنالون في الدنيا نعمة تفرحون بها إلا بفراق أخرى تكرهونها أيها الناس إنا خلقنا و إياكم للبقاء لا للفناء و لكنكم من دار تنقلون فتزودوا لما أنتم صائرون إليه و خالدون فيه و السلام

82-  ف، ]تحف العقول[ قال أمير المؤمنين ع إني أحذركم الدنيا فإنها حلوة خضرة حفت بالشهوات و تحببت بالعاجلة و عمرت بالآمال و تزينت بالغرور لا تدوم حبرتها و لا تؤمن فجعتها غرارة ضرارة زائلة نافدة أكالة غوالة لا تعدو إذا   هي تناهت إلى أمنية أهل الرغبة فيها و الرضى بها أن تكون كما قال الله سبحانه كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَ كانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ مُقْتَدِراً مع أن امرأ لم يكن منها في حبرة إلا أعقبته عبرة و لم يلق من سرائها بطنا إلا منحته من ضرائها ظهرا و لم تظله فيها ديمة رخاء إلا هتنت عليه مزنة بلاء إذا هي أصبحت منتصرة لم تأمن أن تمسي له متنكرة و إن جانب منها اعذوذب لامرئ و احلولى أمر عليه جانب منها فأوبى و ما أمسى امرؤ منها في جناح أمن إلا أصبح في أخوف خوف غرارة غرور ما فيها فانية فان من عليها لا خير في شي‏ء من زادها إلا التقوى من أقل منها استكثر مما يؤمنه و من استكثر منها لم يدم له و زال عما قليل عنه كم من واثق بها قد فجعته و ذي طمأنينة إليها قد صرعته و ذي حذر قد خدعته و كم ذي أبهة فيها قد صيرته حقيرا و ذي نخوة قد ردته خائفا فقيرا و كم ذي تاج قد أكبته لليدين و الفم سلطانها ذل و عيشها رنق و عذبها أجاج و حلوها صبر حيها بعرض موت و صحيحها بعرض سقم و منيعها بعرض اهتضام و ملكها مسلوب و عزيزها مغلوب و أمنها منكوب و جارها محروب و من وراء ذلك سكرات الموت و زفراته و هول المطلع و الوقوف بين يدي الحاكم العدل لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى أ لستم في مساكن من كان أطول منكم أعمارا و أبين آثارا و أعد منكم عديدا و أكثف منكم جنودا و أشد منكم عنودا تعبدوا للدنيا أي تعبد و آثروها أي إيثار ثم ظعنوا عنها بالصغار أ فبهذه تؤثرون أم على هذه تحرصون أم إليها تطمئنون يقول الله مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَ هُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَ حَبِطَ ما صَنَعُوا   فِيها وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ فبئست الدار لمن لم يتهيأها و لم يكن فيها على وجل و اعلموا و أنتم تعلمون أنكم تاركوها لا بد و إنما هي كما نعت الله لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زِينَةٌ وَ تَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَ تَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ فاتعظوا فيها بالذين كانوا يبنون بكل ريع آية يعبثون و يتخذون مصانع لعلهم يخلدون و بالذين قالوا من أشد منا قوة و اتعظوا بمن رأيتم من إخوانكم كيف حملوا إلى قبورهم و لا يدعون ركبانا و أنزلوا و لا يدعون ضيفانا و جعل لهم من الضريح أكنانا و من التراب أكفانا و من الرفات جيرانا فهم جيرة لا يجيبون داعيا و لا يمنعون ضيما لا يزورون و لا يزارون حلماء قد بادت أضغانهم جهلاء قد ذهبت أحقادهم لا تخشى فجعتهم و لا يرجى دفعهم و هم كمن لم يكن و كما قال الله سبحانه فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَ كُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ استبدلوا بظهر الأرض بطنا و بالسعة ضيقا و بالأهل غربة و بالنور ظلمة جاءوها كما فارقوها حفاة عراة قد ظعنوا منها بأعمالهم إلى الحياة الدائمة و إلى خلود أبد يقول الله تبارك و تعالى كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ

 83-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ الفحام عن المنصوري عن عم أبيه عن أبي الحسن الثالث عن آبائه ع قال قال الصادق ع من صفت له دنياه فاتهمه في دينه

84-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ الفحام عن عمه عن محمد بن جعفر عن محمد بن المثنى عن أبيه   عن عثمان بن زيد عن جابر الجعفي عن الباقر ع قال يا جابر أنزل الدنيا منك كمنزل نزلته تريد التحول عنه و هل الدنيا إلا دابة ركبتها في منامك فاستيقظت و أنت على فراشك غير راكب و لا أحد يعبأ بها أو كثوب لبسته أو كجارية وطئتها يا جابر الدنيا عند ذوي الألباب كفيئ الظلال

85-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ عن ابن الصلت عن ابن عقدة عن القاسم بن جعفر عن عباد بن أحمد القزويني قال حدثني عمي عن أبيه عن موسى الجهني عن زيد بن وهب عن عقبة بن عامر الجهني قال سمعت سلمان الفارسي و قد أكره على طعام فقال حسبي إني سمعت رسول الله ص يقول إن أكثر الناس شبعا في الدنيا أكثرهم جوعا في الآخرة يا سلمان إنما الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر

86-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ عن مجاهد عن ابن عمر قال قال رسول الله ص كن في الدنيا كأنك غريب أو كأنك عابر سبيل و عد نفسك في أصحاب القبور

 قال مجاهد و قال لعبد الله بن عمر و أنت يا عبد الله إذا أمسيت فلا تحدث نفسك أن تصبح و إذا أصبحت فلا تحدث نفسك أن تمسي و خذ من حياتك لموتك و من صحتك لسقمك فإنك لا تدري ما اسمك غدا

87-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ عن الغضائري عن التلعكبري عن ابن عقدة عن الحسن بن علي بن إبراهيم العلوي عن الوشاء عن ثعلبة عن أبي عبد الله ع قال كان أمير المؤمنين ع يقول إنما الدنيا فناء و عناء و عبر و غير فمن فنائها أن الدهر موتر قوسه مفوق نبله يرمي الصحيح بالسقم و الحي بالموت و من عنائها أن المرء يجمع ما لا يأكل و يبني ما لا يسكن و من عبرها أنك ترى المغبوط مرحوما و المرحوم مغبوطا ليس منها إلا نعيم زال و بؤس نزل و من غيرها إن المرء يشرف على أمله فيختطفه من دونه أجله

    قال أبو عبد الله ع و قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه كم من مستدرج بالإحسان إليه مغرور بالستر عليه مفتون بحسن القول فيه و ما أبلى الله عبدا بمثل الإملاء له

 ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ عن جماعة عن أبي المفضل عن عبد الله بن أبي داود عن إبراهيم بن الحسن المقسمي عن بشر بن زاذان عن عمر بن صبيح عن الصادق ع مثله بتغيير ما و قد أثبتناهما في باب المواعظ

88-  ف، ]تحف العقول[ قال جابر بن عبد الله الأنصاري كنا مع أمير المؤمنين ع بالبصرة فلما فرغ من قتال من قتله أشرف علينا من آخر الليل فقال ما أنتم فيه فقلنا في ذم الدنيا فقال علام تذم الدنيا يا جابر ثم حمد الله و أثنى عليه و قال أما بعد فما بال أقوام يذمون الدنيا انتحلوا الزهد فيها الدنيا منزل صدق لمن صدقها و مسكن عافية لمن فهم عنها و دار غنى لمن تزود منها فيها مسجد أنبياء الله و مهبط وحيه و مصلى ملائكته و مسكن أحبائه و متجر أوليائه اكتسبوا فيها الرحمة و ربحوا منها الجنة فمن ذا يذم الدنيا يا جابر و قد آذنت ببينها و نادت بانقطاعها و نعت نفسها بالزوال و مثلت ببلائها البلاء و شوقت بسرورها إلى السرور راحت بفجيعة و ابتكرت بنعمة و عافية ترهيبا و ترغيبا يذمها قوم عند الندامة و يحمدها آخرون عند السلامة خدمتهم جميعا فصدقتهم و ذكرتهم فذكروا و وعظتهم فاتعظوا و خوفتهم فخافوا و شوقتهم فاشتاقوا فأيها الذام للدنيا المغتر بغرورها متى استذمت إليك بل متى غرتك بنفسها أ بمصارع آبائك من البلى أم بمضاجع أمهاتك من الثرى كم مرضت بيديك و عللت بكفيك تستوصف لهم الدواء و تطلب لهم الأطباء لم تدرك فيه طلبتك و لم تسعف فيه بحاجتك   بل مثلت الدنيا به نفسك و بحاله حالك غداة لا ينفعك أحباؤك و لا يغني عنك نداؤك حين يشتد من الموت أعالين المرض و أليم لوعات المضض حين لا ينفع الأليل و لا يدفع العويل يحفز بها الحيزوم و يعض بها الحلقوم لا يسمعه النداء و لا يروعه الدعاء فيا طول الحزن عند انقطاع الأجل ثم يراح به على شرجع تقله أكف أربع فيضجع في قبره في محل لبث و ضيق جدث فذهبت الجدة و انقطعت المدة و رفضته العطفة و قطعته اللطفة لا يقاربه الأخلاء و لا يلم به الزوار و لا اتسقت به الدار انقطع دونه الأثر و استعجم دونه الخبر و بكرت ورثته فقسمت تركته و لحقه الحوب و أحاطت به الذنوب فإن يكن قدم خيرا طاب مكسبه و إن يكن قدم شرا تب منقلبه و كيف ينفع نفسا قرارها و الموت قصارها و القبر مزارها فكفى بهذا واعظا كفى يا جابر امض معي فمضيت معه حتى أتينا القبور فقال يا أهل التربة و يا أهل الغربة أما المنازل فقد سكنت و أما المواريث فقد قسمت و أما الأزواج فقد نكحن هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم ثم أمسك عني مليا ثم رفع رأسه فقال و الذي أقل السماء فعلت و سطح الأرض فدحت لو أذن للقوم في الكلام لقالوا إنا وجدنا خير الزاد التقوى ثم قال يا جابر إذا شئت فارجع

89-  ع، ]علل الشرائع[ عن أبيه عن سعد عن ابن يزيد عن محمد بن عمرو عن صالح بن   سعيد عن أخيه سهل الحلواني عن أبي عبد الله ع قال بينا عيسى في سياحته إذ مر بقرية فوجد أهلها موتى في الطرق و الدور قال فقال إن هؤلاء ماتوا بسخطة و لو ماتوا بغيرها تدافنوا قال فقال أصحابه وددنا أنا عرفنا قصتهم فقيل له نادهم يا روح الله قال فقال يا أهل القرية فأجابه مجيب منهم لبيك يا روح الله قال ما حالكم و ما قصتكم قال أصبحنا في عافية و بتنا في الهاوية قال فقال ما الهاوية قال بحار من نار فيها جبال من نار قال و ما بلغ بكم ما أرى قال حب الدنيا و عبادة الطاغوت قال و ما بلغ من حبكم الدنيا قال كحب الصبي لأمه إذا أقبلت فرح و إذا أدبرت حزن قال و ما بلغ من عبادتكم الطاغوت قال كانوا إذا أمروا أطعناهم قال فكيف أجبتني أنت من بينهم قال لأنهم ملجمون بلجم من نار عليهم مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ و إني كنت فيهم و لم أكن منهم فلما أصابهم العذاب أصابني معهم فأنا معلق بشجرة أخاف أن أكبكب في النار قال فقال عيسى ع النوم على المزابل و أكل خبز الشعير كثير مع سلامة الدين

 ثو، ]ثواب الأعمال[ مع، ]معاني الأخبار[ عن أبيه عن محمد العطار عن ابن يزيد مثله

90-  مع، ]معاني الأخبار[ عن ابن الوليد عن محمد العطار عن الأشعري عن الحسن بن علي رفعه إلى عمرو بن جميع رفعه إلى علي ع في قول الله عز و جل وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما قال كان ذلك الكنز لوحا من ذهب فيه مكتوب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ لا إله إلا الله محمد رسول الله عجبت لمن يعلم أن الموت حق كيف يفرح عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن عجبت لمن يذكر النار كيف يضحك عجبت لمن يرى الدنيا و تصرف أهلها حالا بعد حال كيف   يطمئن إليها

91-  مع، ]معاني الأخبار[ عن أبيه عن سعد عن البرقي عن أبيه عن أحمد بن النضر عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر ع أنه قال قال رسول الله ص أخبرني جبرئيل ع أن ريح الجنة توجد من مسيرة ألف عام ما يجدها عاق و لا قاطع رحم و لا شيخ زان و لا جار إزاره خيلاء و لا فنان و لا منان و لا جعظري قال قلت فما الجعظري قال الذي لا يشبع من الدنيا

 و في حديث آخر و لا حيوف و هو النباش و لا زنوف و هو المخنث و لا جواض و لا جعظري و هو الذي لا يشبع من الدنيا

92-  مع، ]معاني الأخبار[ عن أبيه عن سعد عن الأصبهاني عن المنقري عن حفص قال سمعت موسى بن جعفر ع عند قبر و هو يقول إن شيئا هذا آخره لحقيق أن يزهد في أوله و إن شيئا هذا أوله لحقيق أن يخاف آخره

93-  لي، ]الأمالي للصدوق[ في خبر المناهي قال النبي ص ألا و من عرضت له دنيا و آخرة فاختار الدنيا على الآخرة لقي الله يوم القيامة و ليست له حسنة يتقي بها النار و من اختار الآخرة على الدنيا رضي الله عنه و غفر له مساوي عمله

94-  ل، ]الخصال[ عن أبيه عن محمد العطار عن الأشعري عن سهل عن عبد العزيز العبدي عن ابن أبي يعفور قال سمعت أبا عبد الله ع يقول من تعلق قلبه بالدنيا تعلق منها بثلاث خصال هم لا يفنى و أمل لا يدرك و رجاء لا ينال

95-  ب، ]قرب الإسناد[ عن ابن طريف عن ابن علوان عن جعفر عن أبيه ع قال   قال علي ع ما ملئ بيت قط خيره إلا أوشك أن يملأ غيره و لا ملئ بيت قط غيره إلا يوشك أن يملأ خيره

96-  ل، ]الخصال[ الأربعمائة قال أمير المؤمنين ع من عبد الدنيا و آثرها على الآخرة استوخم العاقبة

 و قال ع أنا يعسوب المؤمنين و المال يعسوب الظلمة

 و قال ع ما بال من خالفكم أشد بصيرة في ضلالتهم و أبذل لما في أيديهم منكم ما ذاك إلا أنكم ركنتم إلى الدنيا فرضيتم بالضيم و شححتم على الحطام و فرطتم فيما فيه عزكم و سعادتكم و قوتكم على من بغى عليكم لا من ربكم تستحيون فيما أمركم و لا لأنفسكم تنظرون و أنتم في كل يوم تضامون و لا تنتبهون من رقدتكم و لا ينقضي فتوركم

97-  ثو، ]ثواب الأعمال[ عن أبيه عن سعد عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن عبد الله بن سنان و عبد العزيز معا عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص من أصبح و أمسى و الآخرة أكبر همه جعل الله الغنى في قلبه و جمع له أمره و لم يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه و من أصبح و أمسى و الدنيا أكبر همه جعل الله الفقر بين عينيه و شتت عليه أمره و لم ينل من الدنيا إلا ما قسم له

98-  ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بالإسناد إلى الصدوق عن ابن الوليد عن الصفار عن ابن أبي الخطاب عن ابن أسباط عن خلف بن حماد عن قتيبة الأعشى قال قال أبو جعفر ع إن فيما ناجى الله به موسى ع أن قال إن الدنيا ليست بثواب للمؤمن بعمله و لا نقمة الفاجر بقدر ذنبه هي دار الظالمين إلا العامل فيها بالخير فإنها له نعمت الدار

    -99  ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ عن الصدوق عن ابن المتوكل عن الحميري عن أحمد بن محمد عن رجل عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله ع قال كان فيما ناجى الله تعالى به موسى لا تركن إلى الدنيا ركون الظالمين و ركون من اتخذها أما و أبا يا موسى لو وكلتك إلى نفسك تنظرها لغلب عليك حب الدنيا و زهرتها يا موسى نافس في الخير أهله و اسبقهم إليه فإن الخير كاسمه و اترك من الدنيا ما بك الغنى عنه و لا تنظر عيناك إلى كل مفتون فيها موكول إلى نفسه و اعلم أن كل فتنة بذرها حب الدنيا و لا تغبطن أحدا برضا الناس عنه حتى تعلم أن الله عز و جل عنه راض و لا تغبطن أحدا بطاعة الناس له و اتباعهم إياه على غير الحق فهو هلاك له و لمن اتبعه

100-  سن، ]المحاسن[ عن أبيه رفعه قال قال أبو عبد الله ع المسجون من سجنته دنياه عن آخرته

101-  مص، ]مصباح الشريعة[ قال الصادق ع الدنيا بمنزلة صورة رأسها الكبر و عينها الحرص و أذنها الطمع و لسانها الرئاء و يدها الشهوة و رجلها العجب و قلبها الغفلة و كونها الفناء و حاصلها الزوال فمن أحبها أورثته الكبر و من استحسنها أورثته الحرص و من طلبها أوردته إلى الطمع و من مدحها أكبته الرئاء و من أرادها مكنته من العجب و من اطمأن إليها ركبته الغفلة و من أعجبه متاعها فتنته فيما يبقى و من جمعها و بخل بها ردته إلى مستقرها و هي النار

102-  شا، ]الإرشاد[ عن أمير المؤمنين ع أما بعد فإنما مثل الدنيا مثل الحية لين مسها شديد نهشها فأعرض عما يعجبك منها لقلة ما يصحبك منها و كن أسر ما تكون فيها أحذر ما تكون لها فإن صاحبها كلما اطمأن منها إلى سرور أشخصه منها إلى مكروه و السلام

    -103  شا، ]الإرشاد[ روى العلماء بالأخبار و نقلة السير و الآثار أن أمير المؤمنين ع كان ينادي في كل ليلة حين يأخذ الناس مضاجعهم بصوت يسمعه كافة من في المسجد و من جاوره من الناس تزودوا رحمكم الله فقد نودي فيكم بالرحيل و أقلوا العرجة على الدنيا و انقلبوا بصالح ما يحضركم من الزاد فإن أمامكم عقبة كئودا و منازل مهولة لا بد من الممر بها و الوقوف عليها إما برحمة من الله نجوتم من فضاعتها و إما هلكة ليس بعدها انجبار يا لها حسرة على ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجة و تؤديه أيامه إلى شقوة جعلنا الله و إياكم ممن لا تبطره نعمة و لا تحل به بعد الموت نقمة فإنما نحن به و له و بيده الخير وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ

104-  شا، ]الإرشاد[ أيها الناس أصبحتم أغراضا تنتضل فيكم المنايا و أموالكم نهب للمصائب ما طعمتم في الدنيا من طعام فلكم فيه غصص و ما شربتم من شراب فلكم فيه شرق و أشهد بالله ما تنالون من الدنيا نعمة تفرحون بها إلا بفراق أخرى تكرهونها أيها الناس إنا خلقنا و إياكم للبقاء لا للفناء لكن من دار إلى دار تنقلون فتزودوا لما أنتم صائرون إليه و خالدون فيه و السلام

105-  سر، ]السرائر[ عن أبان بن تغلب عن محمد بن عبد الله بن زرارة عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن ابن أبي يعفور قال قلت لأبي عبد الله ع إنا لنحب الدنيا فقال لي تصنع بها ما ذا قلت أتزوج منها و أحج و أنفق على عيالي و أنيل إخواني و أتصدق قال لي ليس هذا من الدنيا هذا من الآخرة

    -106  سر، ]السرائر[ عن كتاب أبان بن تغلب عن ابن أسباط و ابن أبي نجران و الوشاء عن محمد بن حمران عن أبي عبد الله أو عن زرارة عن أبي عبد الله ع قال آخر نبي يدخل الجنة سليمان بن داود ع و ذلك لما أعطي في الدنيا

107-  شي، ]تفسير العياشي[ عن ابن مسكان عن أبي جعفر ع في قوله وَ لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ قال الدنيا

108-  جا، ]المجالس للمفيد[ عن الصدوق عن أبيه عن الحميري عن أيوب بن نوح عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عن الثمالي عن علي بن الحسين ع أنه قال يوما لأصحابه إخواني أوصيكم بدار الآخرة و لا أوصيكم بدار الدنيا فإنكم عليها حريصون و بها متمسكون أ ما بلغكم ما قال عيسى ابن مريم ع للحواريين قال لهم الدنيا قنطرة فاعبروها و لا تعمروها و قال أيكم يبني على موج البحر دارا تلكم الدار الدنيا فلا تتخذوها قرارا

109-  جا، ]المجالس للمفيد[ عن المرزباني عن أحمد بن محمد المكي عن أبي العيناء عن محمد بن الحكم عن لوط بن يحيى عن الحارث بن كعب عن مجاهد قال قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع ازهدوا في هذه الدنيا التي لم يتمتع بها أحد كان قبلكم و لا تبقى لأحد من بعدكم سبيلكم فيها سبيل الماضين قد تصرمت و آذنت بانقضاء و تنكر معروفها فهي تخبر أهلها بالفناء و سكانها بالموت و قد أمر منها ما كان حلوا و كدر منها ما كان صفوا فلم تبق منها إلا سملة كسملة الإداوة أو جرعة كجرعة الإناء   لو تمززها العطشان لم ينقع بها فأذنوا بالرحيل من هذه الدار المقدر على أهلها الزوال الممنوع أهلها من الحياة المذللة فيها أنفسهم بالموت فلا حي يطمع في البقاء و لا نفس إلا مذعنة بالمنون فلا يعللكم الأمل و لا يطول عليكم الأمد و لا تغتروا منها بالآمال و لو حننتم حنين الوله العجال و دعوتم مثل حنين الحمام و جأرتم جأر متبتلي الرهبان و خرجتم إلى الله تعالى من الأموال و الأولاد التماس القربة إليه في ارتفاع الدرجة عنده أو غفران سيئة أحصتها كتبته و حفظتها ملائكته لكان قليلا فيما أرجو لكم من ثوابه و أتخوف عليكم من عقابه جعلنا الله و إياكم من التائبين العابدين

110-  من كتاب عيون الحكم و المواعظ، لعلي بن محمد الواسطي كتبناه من أصل قديم عن أمير المؤمنين ع قال احذروا هذه الدنيا الخداعة الغدارة التي قد تزينت بحليها و فتنت بغرورها و غرت بآمالها و تشوفت لخطابها فأصبحت كالعروس المجلوة و العيون إليها ناظرة و النفوس بها مشغوفة و القلوب إليها تائقة و هي لأزواجها كلهم قاتلة فلا الباقي بالماضي معتبر و لا الآخر بسوء أثرها   على الأول مزدجر و لا اللبيب فيها بالتجارب منتفع أبت القلوب لها إلا حبا و النفوس إلا صبا و الناس لها طالبان طالب ظفر بها فاغتر فيها و نسي التزود منها للظعن فقل فيها لبثه حتى خلت منها يده و زلت عنها قدمه و جاءته أسر ما كان بها منيته فعظمت ندامته و كثرت حسرته و جلت مصيبته فاجتمعت عليه سكرات الموت فغير موصوف ما نزل به و آخر اختلج عنها قبل أن يظفر بحاجته ففارقها بغرته و أسفه و لم يدرك ما طلب منها و لم يظفر بما رجا فيها فارتحلا جميعا من الدنيا بغير زاد و قدما على غير مهاد فاحذروا الدنيا الحذر كله و ضعوا عنكم ثقل همومها لما تيقنتم لو شك زوالها و كونوا أسر ما تكونون فيها أحذر ما تكونون لها فإن طالبها كلما اطمأن منها إلى سرور أشخصه عنها مكروه و كلما اغتبط منها بإقبال نغصه عنها إدبار و كلما ثبتت عليه منها رجلا طوت عنه كشحا فالسار فيها غار و النافع فيها ضار وصل رخاؤها بالبلاء و جعل بقاؤها إلى الفناء فرحها مشوب بالحزن و آخر همومها إلى الوهن فانظر إليها بعين الزاهد المفارق و لا تنظر إليها بعين الصاحب الوامق اعلم يا هذا أنها تشخص الوادع الساكن و تفجع المغتبط الأمن لا يرجع منها ما تولى فأدبر و لا يدرى ما هو آت فيحذر أمانيها كاذبة و آمالها باطلة صفوها كدر و ابن آدم فيها على خطر إما نعمة زائلة و إما بلية نازلة و إما معظمة جائحة و إما منية قاضية فلقد كدرت عليه العيشة إن عقل و أخبرته عن نفسها إن وعى و لو كان خالقها جل و عز لم يخبر عنها خبرا و لم يضرب لها مثلا و لم يأمر بالزهد فيها و الرغبة عنها لكانت وقائعها و فجائعها قد أنبهت النائم و وعظت الظالم و بصرت العالم و كيف و قد جاء عنها من الله تعالى زاجر و أتت منه

   فيها البينات و البصائر فما لها عند الله عز و جل قدر و لا وزن و لا خلق فيما بلغنا خلقا أبغض إليه منها و لا نظر إليها مذ خلقها و لقد عرضت على نبينا ص بمفاتيحها و خزائنها لا ينقصه ذلك من حظه من الآخرة فأبى أن يقبلها لعلمه أن الله عز و جل أبغض شيئا فأبغضه و صغر شيئا فصغره و أن لا يرفع ما وضعه الله جل ثناؤه و أن لا يكثر ما أقله الله عز و جل و لو لم يخبرك عن صغرها عند الله إلا أن الله عز و جل صغرها عن أن يجعل خيرها ثوابا للمطيعين و أن يجعل عقوبتها عقابا للعاصين لكفى و مما يدلك على دناءة الدنيا أن الله جل ثناؤه زواها عن أوليائه و أحبائه نظرا و اختيارا و بسطها لأعدائه فتنة و اختبارا فأكرم عنها محمدا نبيه ص حين عصب على بطنه من الجوع و حماها موسى نجيه المكلم و كانت ترى خضرة البقل من صفاق بطنه من الهزال و ما سأل الله عز و جل يوم أوى إلى الظل إلا طعاما يأكله لما جهده من الجوع و لقد جاءت الرواية أنه قال أوحى الله إليه إذا رأيت الغنى مقبلا فقل ذنب عجلت عقوبته و إذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين و صاحب الروح و الكلمة عيسى ابن مريم ع إذ قال إدامي الجوع و شعاري الخوف و لباسي الصوف و دابتي رجلاي و سراجي بالليل القمر و صلاي في الشتاء مشارق الشمس و فاكهتي ما أنبتت الأرض للأنعام أبيت و ليس لي شي‏ء و ليس أحد أغنى مني و سليمان بن داود و ما أوتي من الملك إذ كان يأكل خبز الشعير و يطعم أمه الحنطة و إذا جنه الليل لبس المسوح و غل يده إلى عنقه و بات باكيا حتى يصبح و يكثر أن يقول رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فإن لم تغفر لي و ترحمني لأكونن من الخاسرين لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فهؤلاء أنبياء الله و أصفياؤه تنزهوا عن الدنيا و زهدوا فيما زهدهم الله جل ثناؤه فيه منها و أبغضوا ما أبغض و صغروا ما صغر ثم اقتص الصالحون آثارهم   و سلكوا منهاجهم و ألطفوا الفكر و انتفعوا بالعبر و صبروا في هذا العمر القصير من متاع الغرور الذي يعود إلى الفناء و يصير إلى الحساب نظروا بعقولهم إلى آخر الدنيا و لم ينظروا إلى أولها و إلى باطن الدنيا و لم ينظروا إلى ظاهرها و فكروا في مرارة عاقبتها فلم يستمرئهم حلاوة عاجلها ثم ألزموا أنفسهم الصبر و أنزلوا الدنيا من أنفسهم كالميتة التي لا يحل لأحد أن يشبع منها إلا في حال الضرورة إليها و أكلوا منها بقدر ما أبقى لهم النفس و أمسك الروح و جعلوها بمنزلة الجيفة التي اشتد نتنها فكل من مر بها أمسك على فيه فهم يتبلغون بأدنى البلاغ و لا ينتهون إلى الشبع من النتن و يتعجبون من الممتلي منها شبعا و الراضي بها نصيبا إخواني و الله لهي في العاجلة و الآجلة لمن ناصح نفسه في النظر و أخلص لها الفكر أنتن من الجيفة و أكره من الميتة غير أن الذي نشأ في دباغ الإهاب لا يجد نتنه و لا تؤذيه رائحته ما تؤذي المار به و الجالس عنده و قد يكفي العاقل من معرفتها علمه بأن من مات و خلف سلطانا عظيما سره أنه عاش فيها سوقة خاملا أو كان فيها معافا سليما سره أنه كان فيها مبتلى ضريرا فكفى بهذا على عورتها و الرغبة عنها دليلا و الله لو أن الدنيا كانت من أراد منها شيئا وجده حيث تنال يده من غير طلب و لا تعب و لا مئونة و لا نصب و لا ظعن و لا دأب غير أن ما أخذ منها من شي‏ء لزمه حق الله فيه و الشكر عليه و كان مسئولا عنه محاسبا به لكان يحق على العاقل أن لا يتناول منها إلا قوته و بلغة يومه حذرا من السؤال و خوفا من الحساب و إشفاقا من العجز عن الشكر فكيف بمن تجشم في طلبها من خضوع رقبته و وضع خده و فرط عنائه و الاغتراب عن أحبابه و عظيم أخطاره ثم لا يدري ما آخر ذلك الظفر أم الخيبة إنما الدنيا ثلاثة أيام يوم مضى بما فيه فليس بعائد و يوم أنت فيه فحق عليك اغتنامه و يوم لا تدري أنت من أهله و لعلك راحل فيه أما اليوم الماضي

   فحكيم مؤدب و أما اليوم الذي أنت فيه فصديق مودع و أما غدا فإنما في يديك منه الأمل فإن يكن أمس سبقك بنفسه فقد أبقى في يديك حكمته و إن يكن يومك هذا آنسك بمقدمة عليك فقد كان طويل الغيبة عنك و هو سريع الرحلة فتزود منه و أحسن وداعه خذ بالثقة من العمل و إياك و الاغترار بالأمل و لا تدخل عليك اليوم هم غد يكفي اليوم همه و غدا داخل عليك بشغله إنك إن حملت على اليوم هم غد زدت في حزنك و تعبك و تكلفت أن تجمع في يومك ما يكفيك أياما فعظم الحزن و زاد الشغل و اشتد التعب و ضعف العمل للآمل و لو أخليت قلبك من الأمل لجددت في العمل و الأمل الممثل في اليوم غدا أضرك في وجهين سوفت به العمل و زدت به في الهم و الحزن أ و لا ترى أن الدنيا ساعة بين ساعتين ساعة مضت و ساعة بقيت و ساعة أنت فيها فأما الماضية و الباقية فلست تجد لرخائهما لذة و لا لشدتهما ألما فأنزل الساعة الماضية و الساعة التي أنت فيها منزلة الضيفين نزلا بك فظعن الراحل عنك بذمه إياك و حل النازل بك بالتجربة لك فإحسانك إلى الثاوي يمحو إساءتك إلى الماضي فأدرك ما أضعت به عتابك مما استقبلت و احذر أن تجمع عليك شهادتهما فيوبقاك و لو أن مقبورا من الأموات قيل له هذه الدنيا أولها إلى آخرها تخلفها لولدك الذي لم يكن لك هم غيره أو يوم نرده إليك فتعمل فيه لنفسك لاختار يوما يستعتب فيه من سيئ ما أسلف على جميع الدنيا به يورثها ولدا خلفه فما يمنعك أيها المغتر المضطر المسوف أن تعمل على مهل قبل حلول الأجل و ما يجعل المقبور أشد تعظيما لما في يديك منك أ لا تسعى في تحرير رقبتك و فكاك رقك و وقاء نفسك من النار التي عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ و قال ع أوصيكم عباد الله بتقوى الله عز و جل و اغتنام ما استطعتم عملا به من طاعة الله عز و جل في هذه الأيام الخالية بجليل ما يشقى عليكم به الفوت   بعد الموت و بالرفض لهذه الدنيا التاركة لكم و إن لم تكونوا تحبون تركها و المبلية لكم و إن كنتم تحبون تجديدها فإنما مثلكم و مثلها كركب سلكوا سبيلا فكأنهم قد قطعوه و أموا علما فكان قد بلغوه و كم عسى من المجرى إلى الغاية أن يجري حتى يبلغها فكم عسى أن يكون بقاء من له يوم لا يعدوه و من ورائه طالب حثيث يحدوه في الدنيا حتى يفارقها فلا تتنافسوا في عز الدنيا و فخرها و لا تعجبوا بزينتها و لا تجزعوا من ضرائها و بؤسها فإن عز الدنيا و فخرها إلى انقطاع و إن زينتها و نعيمها إلى زوال و إن ضراءها و بؤسها إلى نفاد و كل مدة فيها إلى منتهى و كل حي فيها إلى فناء أ و ليس لكم في آثار الأولين مزدجر و في آبائكم الماضين تبصرة و معتبر إن كنتم تعقلون أ لم تروا إلى الماضين منكم لا يرجعون و إلى الخلف الباقي منكم لا يبقون قال الله عز و علا وَ حَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ الآية و التي بعدها و قال عز و جل كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَ إِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ أ لستم ترون أهل الدنيا يمسون و يصبحون على أحوال شتى ميت يبلى و آخر يعزى و صريع مبتلى و عائد معود و آخر بنفسه يجود و طالب و الموت يطلبه و غافل و ليس بمغفول عنه و على أثر الماضي منا يمضي الباقي فلله الحمد رب السماوات السبع و رب العرش العظيم الذي يبقى و يفنى ما سواه و إليه موئل الخلق و مرجع الأمور و قال ع أما بعد فإني أحذركم الدنيا فإنها حلوة خضرة حفت

   بالشهوات و راقت بالقليل و تحببت بالعاجلة و عمرت بالآمال و تزينت بالغرور فلا تدوم نعمتها و لا تفنى فجائعها غدارة ضرارة حائلة زائلة نافدة بائدة أكالة غوالة لا تعدو إذا تناهت إلى أمنية أهل الرغبة فيها و الرضا بها كما قال الله عز و جل كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَ كانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ مُقْتَدِراً مع أن امرأ لم يكن منها في حبرة إلا أعقبته منها بعد بعبرة و لم يلق من سرائها بطنا إلا أعطته من ضرائها ظهرا و لم يطله فيها ديمة رخاء إلا هتنت عليه منها مزنة بلاء و حري إذا أصبحت لك متحبرة أن تمسي لك متنكرة و إن جانب منها اعذوذب لامرئ و احلولى أمر عليه جانب فأوبى و إن آنس إنسان من غضارتها رغبا أرهقته من بوائقها تعبا غرارة غرور ما فيها فان من عليها و لم يمس امرؤ منها في جناح أمن إلا أصبح في جوف خوف لا خير في شي‏ء من زادها إلا التقوى من أقل منها استكثر مما يوبقه و من استكثر منها لم تدم له و زالت عنه كم واثق بها فجعته و ذي طمأنينة إليها صرعته و ذي خدع فيها خدعته و كم من ذي أبهة فيها قد صيرته حقيرا و ذي نخوة فيها قد ردته خائفا فقيرا و كم من ذي تاج قد أكبته لليدين و الفم سلطانها دول و عيشها رنق و عذبها أجاج و حلوها صبر و غذاؤها سمام و أسبابها رمام و قطافها سلع حيها بعرض موت و صحيحها بعرض سقم و منيعها بعرض اهتضام و ملكها مسلوب   و عزيزها مغلوب و ضيفها منكوب و جارها محروم مع أن وراء ذلك سكرات الموت و زفراته و هول المطلع و الوقوف بين يدي إلهكم الحكم ليجزي الذين أحسنوا بالحسنى أ لستم في مساكن من كان قبلكم كانوا أطول منكم أعمارا و أبقى منكم آثارا و أعد منكم عديدا و أكثف منكم جنودا و أشد منكم عنودا تعبدوا للدنيا أي تعبد و آثروها أي إيثار ثم ظعنوا عنها بالصغار و هل بلغكم أن الدنيا سخت لهم نفسا بفدية أو صدت عنهم فيما أهلكتهم به بخطب بل أوهنتهم بالقوارع و ضعضعتهم بالنوائب و مقرتهم بالمناخر و أعانها عليهم ريب المنون فقد رأيتم تنكرها لمن دان لها و آثرها أو أخلد إليها حين ظعنوا عنها لفراق أبد أو إلى آخر زوال هل زودتهم إلا السغب أو أحلتهم إلا إلى الضنك أو نورت لهم إلا الظلمة أو أعقبتهم إلا النار أ لهذه تؤثرون أم عليها تربصون أم إليها تطمئنون يقول الله عز و جل مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَ هُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَ حَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ فبئست الدار لمن لم يتهمها و لم يكن فيها على وجل منها اذكروا عند تصرفها بكم سرعة انقضائها عنكم و وشك زوالها و ضعف مجالها أ لم تجدكم على مثال من كان قبلكم و وجدت من كان قبلكم على مثال من كان قبلهم جيل بعد جيل و أمة بعد أمة و قرن بعد قرن و خلف بعد خلف فلا هي تستحي من العار و ما لا ينبغي من المبديات و لا تخجل من الغدر اعلموا و أنتم تعلمون أنكم تاركوها لا بد و إنما هي كما نعت الله عز و جل لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زِينَةٌ وَ تَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَ تَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ فاتعظوا فيها بالذين كانوا يبنون بكل ريع آية يعبثون و يتخذون مصانع

   لعلهم يخلدون و بالذين قالوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً و اتعظوا بمن رأيتم من إخوانكم كيف حملوا إلى قبورهم لا يدعون ركبانا و أنزلوا لا يدعون ضيفانا و جعل لهم من الضريح أجنانا و من التراب أكفانا و من الرفات جيرانا و هم جيرة لا يجيبون داعيا و لا يمنعون ضيما و لا يبالون مندبة و لا يعرفون نسبا و لا حسبا و لا يشهدون زورا إن جيدوا لم يفرحوا و إن قحطوا لم يقنطوا جميع و هم آحاد و جيرة و هم أبعاد و متدانون لا يتزاورون و لا يزورون حلماء قد بادت أضغانهم جهلاء قد ذهبت أحقادهم لا يخشى فجعهم و لا يرجى دفعهم و هم كمن لم يكن و كما قال جل ثناؤه فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَ كُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ إن الدنيا وهن مطلبها رنق مشربها ردغ مشرعها غرور ماحل و سم قاتل و سناد مائل تريق مطرفها و تردي مستزيدها و تصرع مستفيدها   بإنفاد لذتها و موبقات شهواتها و أسر نافرها قنصت بأحبلها و قصدت بأسهمها مائلا لهناتها و تعلل بهباتها ليالي عمره و أيام حياته قد علقته أوهاق المنية فأردته بمرائرها قائدة له بحتوفها إلى ضنك المضجع و وحشة المرجع و مجاورة الأموات و معاينة المحل و ثواب العمل ثم ضرب على أدناهم سبات الدهور و هم لا يرجعون قد ارتهنت الرقاب بسالف الاكتساب و أحصيت الآثار لفصل الخطاب وَ قَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً

 و قال ع في ذم الدنيا في خطبة خطبها الحمد لله أحمده و أستعينه و أومن به و أتوكل عليه و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله أرسله بالحق و دين الهدى ليزيح به علتكم و ليوقظ به غفلتكم و اعلموا أنكم ميتون و مبعوثون من بعد الموت و موقوفون على أعمالكم و مجزون بها فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فإنها دار بالبلاء محفوفة و بالعناء معروفة و بالغدر موصوفة و كل ما فيها إلى زوال و هي بين أهلها دول و سجال لا تدوم أحوالها و لا يسلم من شرها بينا أهلها منها في رخاء و سرور إذ هم منها في بلاء و غرور أحوال مختلفة و تارات متصرفة العيش فيها مذموم و الرخاء فيها لا يدوم و إنما أهلها فيها أغراض مستهدفة ترميهم بسهامها و تقصمهم بحمامها و كل حتفه فيها مقدور و حظه منها موفور و اعلموا عباد الله أنكم و ما أنتم فيه من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى ممن كان أطول منكم باعا و أشد منكم بطشا و أعمر ديارا و أبعد آثارا فأصبحت أصواتهم هامدة خامدة من بعد طول تغلبها و أجسادهم بالية و ديارهم خالية و آثارهم عافية فاستبدلوا بالقصور المشيدة و الستور و النمارق الممهدة الصخور و الأحجار المسندة في القبور التي قد بني للخراب فناؤها فمحلها مقترب   و ساكنها مغترب بين أهل عمارة موحشين و أهل محلة متشاغلين لا يستأنسون بالعمران و لا يتواصلون تواصل الجيران و الإخوان على ما بينهم من قرب الجوار و دنو الدار و كيف يكون بينهم تواصل و قد طحنهم بكلكله البلى و أكلتهم الجنادل و الثرى فأصبحوا بعد الحياة أمواتا و بعد غضارة العيش رفاتا فجع بهم الأحباب و سكنوا التراب و ظعنوا فليس لهم إياب هيهات هيهات إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فكان قد صرتم إلى ما صاروا إليه من البلى و الوحدة في المثوى و ارتهنتم في ذلك المضجع و ضمكم ذلك المستودع فكيف بكم لو قد تناهت الأمور و بعثرت القبور و حصل ما في الصدور و وقفتم للتحصيل بين يدي ملك جليل فطارت القلوب لإشفاقها من سالف الذنوب و هتكت عنكم الحجب و الأستار و ظهرت منكم العيوب و الأسرار هنالك تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ إن الله عز و جل يقول لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى و قال وَ وُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَ يَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً جعلنا الله و إياكم عاملين بكتابه متبعين لأوليائه حتى يحلنا و إياكم دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ

 و قال ع انظروا إلى الدنيا نظر الزاهدين فيها فإنها و الله عن قليل تزيل الثاوي الساكن و تفجع المترف الأمن لا يرجع ما تولى عنها فأدبر و لا يدرى ما هو آت منها فينتظر سرورها مشوب بالحزن و آخر الحياة فيها إلى الضعف و الوهن فلا يغرنكم كثرة ما يعجبكم فيها لقلة ما يصحبكم منها   رحم الله عبدا تفكر و اعتبر فأبصر إدبار ما قد أدبر و حضور ما قد حضر و كان ما هو كائن من الدنيا عن قليل لم يكن و كان ما هو كائن من الآخرة لم يزل و كل ما هو آت قريب ألا و إن الدنيا دار لا يسلم منها إلا فيها و لا ينجي بشي‏ء كان لها ابتلي الناس بها فتنة فما أخذوه منها لها أخرجوا منه و حوسبوا عليه و ما أخذوه منها لغيرها قدموا عليه و أقاموا فيه و إنها لذوي العقول كفيئ الظل بينا تراه سابغا حتى قلص و زائدا حتى نقص

111-  ضه، ]روضة الواعظين[ قال رسول الله ص ما لي و الدنيا إنما مثلي و مثل الدنيا كمثل راكب مر للقيلولة في ظل شجرة في يوم صيف ثم راح و تركها

 و قال ص ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع

 قال أمير المؤمنين ع الدنيا دار منى لها الفناء و لأهلها منها الجلاء و هي حلوة خضرة قد عجلت للطالب و التبست بقلب الناظر فارتحلوا عنها بأحسن ما بحضرتكم من الزاد و لا تسألوا فيها فوق الكفاف و لا تطلبوا منها أكثر من البلاغ

 و قال ع ألا و إن الدنيا دار لا يسلم منها إلا فيها و لا ينجي بشي‏ء كان لها ابتلي الناس بها فتنة فما أخذوه منها لها أخرجوا منه و حوسبوا عليه و ما أخذوه منها لغيرها قدموا عليه و أقاموا فيه و إنها عند ذوي العقول كفيئ الظل بينا تراه سابغا حتى قلص و زائدا حتى نقص

 و قال ع حلاوة الدنيا مرارة الآخرة و مرارة الآخرة حلاوة الدنيا

 و قال ع الدنيا تغر و تضر و تمر إن الله تعالى لم يرضها ثوابا لأوليائه و لا عقابا لأعدائه و إن أهل الدنيا كركب بيناهم حلول إذ صاح بهم سائقهم فارتحلوا

 قال الصادق ع حب الدنيا رأس كل خطيئة

 و قال المسيح ع للحواريين إنما الدنيا قنطرة فاعبروها و لا تعمروها

    قال رسول الله ص الرغبة في الدنيا تكثر الهم و الحزن و الزهد في الدنيا يريح القلب و البدن

 قال أمير المؤمنين ع ما أصف دارا أولها عناء و آخرها فناء في حلالها حساب و في حرامها عقاب من استغنى فيها فتن و من افتقر فيها حزن و من ساعاها فاتته و من قعد عنها آتته و من أبصر بها بصرته و من أبصر إليها أعمته

 قال رسول الله ص إن الله جل جلاله أوحى إلى الدنيا أن أتعبي من خدمك و اخدمي من رفضك و إن العبد إذا تخلى بسيده في جوف الليل المظلم و ناجاه أثبت الله النور في قلبه فإذا قال يا رب يا رب ناداه الجليل جل جلاله لبيك عبدي سلني أعطك و توكل علي أكفك ثم يقول جل جلاله لملائكته يا ملائكتي انظروا إلى عبدي قد تخلى في جوف هذا الليل المظلم و البطالون لاهون و الغافلون نيام اشهدوا أني قد غفرت له ثم قال ع عليكم بالورع و الاجتهاد و العبادة و ازهدوا في هذه الدنيا الزاهدة فيكم فإنها غرارة دار فناء و زوال كم من مغتر بها قد أهلكته و كم من واثق بها قد خانته و كم من معتمد عليها قد خدعته و أسلمته و اعلموا أن أمامكم طريقا بعيدا و سفرا مهولا و ممرا على الصراط و لا بد للمسافر من زاد و من لم يتزود و سافر عطب و هلك و خير الزاد التقوى

 إلى آخر الخبر قال الصادق ع كان عيسى ابن مريم ع يقول لأصحابه يا بني آدم اهربوا من الدنيا إلى الله و أخرجوا قلوبكم عنها فإنكم لا تصلحون لها و لا تصلح لكم و لا تبقون لها و لا تبقى لكم هي الخداعة الفجاعة المغرور من اغتر بها المفتون من اطمأن إليها الهالك من أحبها و أرادها فَتُوبُوا إِلى الله بارِئِكُمْ و اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَ اخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَ لا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً   أين آباؤكم و أمهاتكم أين إخوانكم أين أخواتكم أين أولادكم دعوا فأجابوا و استودعوا الثرى و جاوروا الموتى و صاروا في الهلكى و خرجوا عن الدنيا و فارقوا الأحبة و احتاجوا إلى ما قدموا و استغنوا عما خلفوا كم توعظون و كم تزجرون و أنتم لاهون ساهون مثلكم في الدنيا مثل البهائم أهمتكم بطونكم و فروجكم أ ما تستحيون ممن خلقكم قد وعد من عصاه النار و لستم ممن يقوى على النار و وعد من أطاعه الجنة و مجاورته في الفردوس الأعلى فتنافسوا و كونوا من أهله و أنصفوا من أنفسكم و تعطفوا على ضعفائكم و أهل الحاجة منكم و تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً و كونوا عبيدا أبرارا و لا تكونوا ملوكا جبابرة و لا من الفراعنة المتمردين على الله قهرهم بالموت جبار الجبابرة رب السماوات و رب الأرض و إله الأولين و الآخرين مالك يوم الدين شديد العقاب الأليم العذاب لا ينجو منه ظالم و لا يفوته شي‏ء و لا يتوارى منه شي‏ء أحصى كل شي‏ء علمه و أنزله منزله في جنة أو نار ابن آدم الضعيف أين تهرب ممن يطلبك في سواد ليلك و بياض نهارك و في كل حال من حالاتك فقد أبلغ من وعظ و أفلح من اتعظ قال الله تعالى يا موسى إن الدنيا دار عقوبة و جعلتها ملعونة ملعون ما فيها إلا ما كان لي يا موسى إن عبادي الصالحين زهدوا فيها بقدر علمهم و سائرهم من خلقي رغبوا فيها بقدر جهلهم و ما من خلقي أحد عظمها فقرت عينه و لم يحقرها أحد إلا انتفع بها ثم قال الصادق ع إن قدرتم ألا تعرفوا فافعلوا و ما عليك إن لم يثن عليك الناس و ما عليك أن تكون مذموما عند الناس إذا كنت عند الله محمودا إن عليا ع كان يقول لا خير في الدنيا إلا لأحد رجلين رجل يزداد كل يوم إحسانا و رجل يتدارك سيئة بالتوبة و أنى له بالتوبة و الله لو سجد حتى ينقطع عنقه ما قبل الله منه إلا بولايتنا

    و قال المسيح ع مثل الدنيا و الآخرة كمثل رجل له ضرتان إن أرضى إحداهما أسخطت الأخرى

 و قيل للنبي ص كيف يكون الرجل في الدنيا قال كما تمر القافلة قيل فكم القرار فيها قال كقدر المتخلف عن القافلة قال فكم ما بين الدنيا و الآخرة قال غمضه عين قال الله عز و جل كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ الآية

 قال النبي ص الدنيا حلم المنام أهلها عليها مجازون معاقبون

 و قيل إن النبي ص مر على سخلة منبوذة على ظهر الطريق فقال أ ترون هذه هينة على أهلها فو الله الدنيا أهون على الله من هذه على أهلها

 و قال ص الدنيا دار من لا دار له و مال من لا مال له و لها يجمع من لا عقل له و شهواتها يطلب من لا فهم له و عليها يعادي من لا علم له و عليها يحسد من لا فقه له و لها يسعى من لا يقين له

 و روي أن النبي ص قرأ أَ فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فقال إن النور إذا وقع في القلب انفسح له و انشرح قالوا يا رسول الله فهل لذلك علامة يعرف بها قال التجافي عن دار الغرور و الإنابة إلى دار الخلود و الاستعداد للموت قبل نزول الموت

 قال ص لابن عمر كن كأنك غريب أو عابر سبيل و اعدد نفسك مع الموتى

112-  نبه، ]تنبيه الخاطر[ كان الحسن بن علي ع كثيرا ما يتمثل

يا أهل لذات دنيا لا بقاء لها إن اغترارا بظل زائل حمق

 و قال النبي ص الدنيا دار من لا دار له و مال من لا مال له و لها يجمع من لا عقل له و يطلب شهواتها من لا فهم له و عليها يعادي من لا علم له   و عليها يحسد من لا فقه له و لها يسعى من لا يقين له

 و عن علي ع الدنيا قد نعت إليك نفسها و تكشفت لك عن مساويها و إياك أن تغتر بما ترى من إخلاد أهلها إليها و تكالبهم عليها فإنهم كلاب عاوية و سباع ضارية يهر بعضها على بعض يأكل عزيزها ذليلها و يقهر كبيرها صغيرها نعم معقلة و أخرى مهملة قد أضلت عقولها و ركبت مجهولها

113-  نبه، ]تنبيه الخاطر[ قال أمير المؤمنين ع و أحذركم الدنيا فإنها دار قلعة و ليست بدار نجعة دار هانت على ربها فخلط خيرها بشرها و حلوها بمرها لم يرضها لأوليائه و لم يضن بها على أعدائه رب فعل يصاب به وقته فيكون سنة و يخطأ به وقته فيكون سبة دخل عمر على رسول الله ص و هو على حصير قد أثر في جنبه فقال يا نبي الله لو اتخذت فراشا أوثر منه فقال ما لي و للدنيا ما مثلي و مثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح و تركها

 قال أمير المؤمنين علي ع و اعلموا رحمكم الله أنكم في زمان القائل فيه بالحق قليل و اللسان عن الصدق كليل و اللازم للحق ذليل أهله معتكفون في العصيان يصطلحون على الادهان فتاهم عارم و شائبهم آثم و عالمهم منافق و قارئهم مماذق و لا يعظم صغيرهم كبيرهم و لا يعول غنيهم فقيرهم

 بعضهم إياك و هم الغد ارض للغد برب الغد

    أبو ذر رحمه الله يومك جملك إذا أخذت برأسه أتاك ذنبه يعني إذا كنت من أول النهار في خير لم تزل فيه إلى آخره

 لقمان قال لابنه يا بني لا تدخل في الدنيا دخولا يضر بآخرتك و لا تتركها تركا تكون كلا على الناس

 علي ع قلما اعتدل به المنبر إلا قال أمام خطبته أيها الناس اتقوا الله فما خلق امرؤ عبثا فيلهو و لا ترك سدى فيلغو و ما دنياه التي تحسنت له بخلف من الآخرة التي قبحها سوء النظر عنده و ما المغرور الذي ظفر من الدنيا بأعلى همته كالآخر الذي ظفر من الآخرة بأدنى سهمته

114-  ختص، ]الإختصاص[ قال الصادق ع من ازداد في الله علما و ازداد للدنيا حبا ازداد من الله بعدا و ازداد الله عليه غضبا

115-  ختص، ]الإختصاص[ قال رسول الله ص لو عدلت الدنيا عند الله عز و جل جناح بعوضة لما سقى الكافر منها شربة

116-  ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ محمد بن سنان عن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله ع قال إن مثل الدنيا مثل الحية مسها لين و في جوفها السم القاتل يحذرها الرجل العاقل و يهوي إليها الصبيان بأيديهم

117-  ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ فضالة عن داود بن فرقد قال قلت لأبي عبد الله ع ما يسرني بحبكم الدنيا و ما فيها فقال أف للدنيا و ما فيها و ما هي يا داود هل هي إلا ثوبان و مل‏ء بطنك

118-  ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ النضر عن درست عن سلمة عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله ع قال إنا لنحب الدنيا و لأن لا نؤتاها خير من أن نؤتاها و ما من عبد بسط الله له من دنياه إلا نقص من حظه في آخرته

119-  ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ عن النضر عن إبراهيم بن عبد الحميد عن إسحاق بن غالب   قال قال لي أبو عبد الله ع يا إسحاق كم ترى أصحاب هذه الآية فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَ إِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ ثم قال لي هم أكثر من ثلثي الناس

 و بهذا الإسناد قال سمعت أبا عبد الله ع يقول في هذه الآية وَ لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَ مَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ قال لو فعل لكفر الناس جميعا

120-  ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ عن ابن علوان عن ابن طريف عن ابن نباتة قال كنت جالسا عند أمير المؤمنين ع فجاء إليه رجل فشكا إليه الدنيا و ذمها فقال أمير المؤمنين ع إن الدنيا منزل صدق لمن صدقها و دار غنى لمن تزود منها و دار عاقبة لمن فهم عنها مسجد أحباء الله و مهبط وحي الله و مصلى ملائكته و متجر أوليائه اكتسبوا فيها الجنة و ربحوا فيها الرحمة فلما ذا تذمها و قد آذنت ببينها و نادت بانقطاعها و نعت نفسها و أهلها فمثلت ببلائها إلى البلاء و شوقت بسرورها إلى السرور راحت بفجيعة و ابتكرت بعافية تحذيرا و ترغيبا و تخويفا فذمها رجال غداة الندامة و حمدها آخرون يوم القيامة ذكرتهم فذكروا و حدثتهم فصدقوا فيا أيها الذام للدنيا المعتل بتغريرها متى استذمت إليك الدنيا و غرتك أ بمنازل آبائك من الثرى أم بمضاجع أمهاتك من البلى كم مرضت بكفيك و كم عللت بيديك تبتغي له الشفاء و تستوصف له الأطباء لم ينفعه أشفاقك و لم تعقه طلبتك مثلت لك به الدنيا نفسك و بمصرعه مصرعك فجدير بك أن لا يفنى به بكاؤك و قد علمت أنه لا ينفعك أحباؤك

121-  ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ عن ابن المغيرة عن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله ع قال   تمثلت الدنيا لعيسى ع في صورة امرأة زرقاء فقال لها كم تزوجت قالت كثيرا قال فكل طلقك قالت بل كلا قتلت قال فويح أزواجك الباقين كيف لا يعتبرون بالماضين قال و قال أبو عبد الله ع مثل الدنيا كمثل البحر المالح كلما شرب العطشان منه ازداد عطشا حتى يقتله

122-  ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ فضالة عن أبان بن عثمان عن سلمة بن أبي حفص عن أبي عبد الله عن أبيه ع عن جابر قال مر رسول الله ص بالسوق و أقبل يريد العالية و الناس يكتنفه فمر بجدي أسك على مزبلة ملقى و هو ميت فأخذ بإذنه فقال أيكم يحب أن يكون هذا له بدرهم قالوا ما نحب أنه لنا بشي‏ء و ما نصنع به قال أ فتحبون أنه لكم قالوا لا حتى قال ذلك ثلاث مرات فقالوا و الله لو كان حيا كان عيبا فكيف و هو ميت فقال رسول الله ص إن الدنيا على الله أهون من هذا عليكم

123-  ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ عن فضالة عن أبان عن زياد بن أبي رجاء عن أبي هاشم عن أبي عبد الله ع قال من أصبح و الدنيا أكبر همه شتت الله عليه أمره و كان فقره بين عينيه و لم يأته من الدنيا إلا ما قدر له و من كانت الآخرة أكبر همه كشف الله عنه ضيقه و جمع له أمره و أتته الدنيا و هي راغمة

124-  ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ عن حماد بن عيسى عن الحسين بن المختار عن إسماعيل بن أبي حمزة عن جابر قال قال لي أبو جعفر ع يا جابر أنزل الدنيا منك كمنزل نزلته ثم أردت التحرك منه من يومك ذلك أو كمال اكتسبته في منامك و استيقظت فليس في يدك منه شي‏ء و إذا كنت في جنازة فكن كأنك أنت المحمول و كأنك سألت ربك الرجعة إلى الدنيا لتعمل عمل من عاش فإن الدنيا عند العلماء مثل الظل

125-  ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ عن النضر عن ابن سنان قال سمعت أبا عبد الله ع يقول دخل على النبي ص رجل و هو على حصير قد أثر في جسمه و وسادة ليف قد أثرت في خده فجعل يمسح و يقول ما رضي بهذا كسرى و لا قيصر إنهم ينامون   على الحرير و الديباج و أنت على هذا الحصير قال فقال رسول الله ص لأنا خير منهما و الله لأنا أكرم منهما و الله ما أنا و الدنيا إنما مثل الدنيا كمثل رجل راكب مر على شجرة و لها في‏ء فاستظل تحتها فلما أن مال الظل عنها ارتحل فذهب و تركها

126-  ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ عن النضر عن أبي سيار عن مروان عن أبي عبد الله ع قال قال لي علي بن الحسين ع ما عرض لي قط أمران أحدهما للدنيا و الآخر للآخرة فآثرت الدنيا إلا رأيت ما أكره قبل أن أمسي ثم قال أبو عبد الله ع لبني أمية إنهم يؤثرون الدنيا على الآخرة منذ ثمانين سنة و ليس يرون شيئا يكرهونه

127-  ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ ابن أبي عمير عن الأحمسي عمن أخبره عن أبي جعفر ع أنه كان يقول نعم العون الدنيا على الآخرة

128-  ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ الحسن بن علي عن أبي الحسن ع قال قال عيسى ع للحواريين يا بني آدم لا تأسوا على ما فاتكم من دنياكم كما لا يأسى أهل الدنيا على ما فاتهم من آخرتهم إذا أصابوا دنياهم

129-  محص، ]التمحيص[ ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن الثمالي قال سمعت علي بن الحسين ع يقول عجبا كل العجب لمن عمل لدار الفناء و ترك دار البقاء

130-  محص، ]التمحيص[ عن مالك بن أعين قال سمعت أبا جعفر ع يقول يا مالك إن الله يعطي الدنيا من يحب و يبغض و لا يعطي دينه إلا من يحب

131-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ عن الحسين بن إبراهيم القزويني عن محمد بن وهبان عن أحمد بن إبراهيم عن الحسن بن علي الزعفراني عن البرقي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله ع قال رأس كل خطيئة حب الدنيا

 و بهذا الإسناد عن هشام قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إنا لنحب الدنيا و أن لا نعطاها خير لنا و ما أعطي أحد منها شيئا إلا نقص حظه في   الآخرة قال فقال له رجل و الله إنا لنطلب الدنيا فقال له أبو عبد الله ع تصنع بها ما ذا قال أعود بها على نفسي و على عيالي و أتصدق منها و أصل منها و أحج منها قال فقال أبو عبد الله ع ليس هذا طلب الدنيا هذا طلب الآخرة

132-  نهج، ]نهج البلاغة[ قال ع أهل الدنيا كركب يسار بهم و هم نيام

 و قال ع إذا كنت في إدبار و الموت في إقبال فما أسرع الملتقى

 و قال ع الدهر يخلق الأبدان و يجدد الآمال و يقرب المنية و يباعد الأمنية من ظفر به نصب و من فاته تعب

 و قال ع نفس المرء خطاه إلى أجله

 و قال ع كل معدود منقض و كل متوقع آت

133-  نهج، ]نهج البلاغة[ و من خبر ضرار بن ضمرة الضبابي عند دخوله على معاوية و مسألته عن أمير المؤمنين ع قال فأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه و قد أرخى الليل سدوله و هو قائم في محرابه قابض على لحيته يتململ تململ السليم و يبكي بكاء الحزين و يقول يا دنيا يا دنيا إليك عني أ بي تعرضت أم إلي تشوقت لا حان حينك هيهات غري غيري لا حاجة لي فيك قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها فعيشك قصير و خطرك يسير و أملك حقير آه من قلة الزاد و طول الطريق و بعد السفر و عظيم المورد و خشونة المضجع

    -134  نهج، ]نهج البلاغة[ قال ع إن الدنيا و الآخرة عدوان متفاوتان و سبيلان مختلفان فمن أحب الدنيا و تولاها أبغض الآخرة و عاداها و هما بمنزلة المشرق و المغرب و ماش بينهما كلما قرب من واحد بعد من الآخر و هما بعد ضرتان

135-  نهج، ]نهج البلاغة[ قال ع مثل الدنيا كمثل الحية لين مسها و السم الناقع في جوفها يهوي إليها الغر الجاهل و يحذرها ذو اللب العاقل

136-  نهج، ]نهج البلاغة[ قال أمير المؤمنين ع و قد سمع رجلا يذم الدنيا أيها الذام للدنيا المغتر بغرورها المنخدع بأباطيلها أ تغتر بالدنيا ثم تذمها أنت المتجرم عليها أم هي المتجرمة عليك متى استهوتك أم متى غرتك أ بمصارع آبائك من البلى أم بمضاجع أمهاتك تحت الثرى كم عللت بكفيك و كم مرضت بيديك تبغي لهم الشفاء و تستوصف لهم الأطباء لم ينفع أحدهم إشفاقك و لم تسعف فيه بطلبتك و لم تدفع عنهم بقوتك قد مثلت لك به الدنيا نفسك و بمصرعه مصرعك إن الدنيا دار صدق لمن صدقها و دار عافية لمن فهم عنها و دار غنى لمن تزود منها و دار موعظة لمن اتعظ بها مسجد أحباء الله و مصلى ملائكة الله و مهبط وحي الله و متجر أولياء الله اكتسبوا فيها الرحمة و ربحوا فيها الجنة فمن ذا يذمها و قد آذنت ببينها و نادت بفراقها و نعت نفسها و أهلها فمثلت لهم ببلائها البلاء و شوقتهم بسرورها إلى السرور راحت بعافية و ابتكرت بفجيعة ترغيبا و ترهيبا و تخويفا و تحذيرا فذمها رجال غداة الندامة و حمدها آخرون يوم القيامة ذكرتهم الدنيا فذكروا و حدثتهم فصدقوا و وعظتهم فاتعظوا

    و قال ع الدنيا دار ممر إلى دار مقر و الناس فيها رجلان رجل باع نفسه فأوبقها و رجل ابتاع نفسه فأعتقها

 و قال ع لكل مقبل إدبار و ما أدبر كأن لم يكن

 و قال ع الأمر قريب و الاصطحاب قليل

 و قال ع الرحيل وشيك

 و قال ع إنما المرء في الدنيا غرض تنتضل فيه المنايا و نهب تبادره المصائب و مع كل جرعة شرق و في كل أكلة غصص و لا ينال العبد نعمة إلا بفراق أخرى و لا يستقبل يوما من عمره إلا بفراق آخر من أجله فنحن أعوان المنون و أنفسنا نصب الحتوف فمن أين نرجو البقاء و هذا الليل و النهار لم يرفعا من شي‏ء شرفا إلا أسرعا الكرة في هدم ما بنيا و تفريق ما جمعا

 و قال ع من لهج قلبه بحب الدنيا التاط منها بثلاث هم لا يغبه و حرص لا يتركه و أمل لا يدركه

 و قال ع و الله لدنياكم هذه أهون في عيني من عراق خنزير في يد مجذوم

    قال ع مرارة الدنيا حلاوة الآخرة و حلاوة الدنيا مرارة الآخرة

 و قال ع الناس في الدنيا عاملان عامل في الدنيا للدنيا قد شغلته دنياه عن آخرته يخشى على من يخلف الفقر و يأمنه على نفسه فيفنى عمره في منفعة غيره و عامل عمل في الدنيا لما بعدها فجاءه الذي له من الدنيا بغير عمل فأحرز الحظين معا و ملك الدارين جميعا فأصبح وجيها عند الله لا يسأل الله شيئا فيمنعه

 و قال ع الناس أبناء الدنيا و لا يلام الرجل على حب أمه

 و قال ع يا أيها الناس متاع الدنيا حطام موبئ فتجنبوا مرعاة قلعتها أحظى من طمأنينتها و بلغتها أزكى من ثروتها حكم على مكثريها بالفاقة و أعين من غني عنها بالراحة من راقه زبرجها أعقبت ناظريه كمها و من استشعر الشغف بها ملأت ضميره أشجانا لهن رقص على سويداء قلبه هم يشغله و هم يحزنه كذلك حتى يؤخذ بكظمه فيلقى بالفضاء منقطعا أبهراه هينا على الله فناؤه و على الإخوان إلقاؤه و إنما ينظر المؤمن إلى الدنيا بعين الاعتبار   و يقتات منها ببطن الاضطرار و يسمع فيها بإذن المقت و الإبغاض إن قيل أثرى قيل أكدى و إن فرح له بالبقاء حزن له بالفناء هذا و لم يأتهم يوم فيه يبلسون

137-  نهج، ]نهج البلاغة[ روي أنه ع قلما اعتدل به المنبر إلا قال أمام خطبته أيها الناس اتقوا الله فما خلق امرؤ عبثا فيلهو و لا ترك سدى فيلغو و ما دنياه التي تحسنت له بخلف من الآخرة التي قبحها سوء النظر عنده و ما المغرور الذي ظفر من الدنيا بأعلى همته كالآخر الذي ظفر من الآخرة بأدنى سهمته

 و قال ع رب مستقبل يوما ليس بمستدبره و مغبوط في أول ليلة قامت بواكيه في آخره

 و قال ع الركون إلى الدنيا مع ما تعاين منها جهل

 و قال من هوان الدنيا على الله أنه لا يعصى إلا فيها و لا ينال ما عنده إلا بتركها

 و قال ع في صفة الدنيا أن الدنيا تغر و تضر و تمر إن الله تعالى لم يرضها ثوابا لأوليائه و لا عقابا لأعدائه و إن أهل الدنيا كركب بيناهم حلوا إذ صاح بهم سائقهم فارتحلوا

 و قال ع أ لا حر يدع هذه اللماظة لأهلها إنه ليس لأنفسكم ثمن إلا   الجنة فلا تبيعوها إلا بها

 و قال ع منهومان لا يشبعان طالب علم و طالب دنيا

 و قال ع الدنيا خلقت لغيرها و لم تخلق لنفسها

 و من خطبة له ع ألا و إن الدنيا دار لا يسلم منها إلا فيها و لا ينجى بشي‏ء كان لها ابتلي الناس بها فتنة فما أخذوه منها لها أخرجوا منه و حوسبوا عليه و ما أخذوه منها لغيرها قدموا عليه و أقاموا فيه فإنها عند ذوي العقول كفيئ الظل بينا تراه سابغا حتى قلص و زائدا حتى نقص

 و قال ع ما أصف من دار أولها عناء و آخرها فناء في حلالها حساب و في حرامها عقاب من استغنى فيها فتن و من افتقر فيها حزن و من ساعاها فاتته و من قعد عنها واتته و من أبصر بها بصرته و من أبصر إليها أعمته

138-  نهج، ]نهج البلاغة[ من خطبة له ع بعثه حين لا علم قائم و لا منار ساطع و لا منهج واضح أوصيكم عباد الله بتقوى الله و أحذركم الدنيا فإنها دار شخوص و محلة تنغيص ساكنها ظاعن و قاطنها بائن تميد بأهلها ميدان السفينة تعصفها العواصف في لجج البحار فمنهم الغرق الوبق و منهم الناجي على متون   الأمواج تحفزه الرياح بأذيالها و تحمله على أهوالها فما غرق منها فليس بمستدرك و ما نجا منها فإلى مهلك عباد الله الآن فاعملوا و الألسن مطلقة و الأبدان صحيحة و الأعضاء لدنة و المتقلب فسيح و المجال عريض قبل إرهاق الفوت و حلول الموت فحققوا عليكم نزوله و لا تنتظروا قدومه

139-  نهج، ]نهج البلاغة[ من كلام له ع أيها الناس إنما الدنيا دار مجاز و الآخرة دار قرار فخذوا من ممركم لمقركم و لا تهتكوا أستاركم عند من يعلم أسراركم و أخرجوا من الدنيا قلوبكم من قبل أن تخرج منها أبدانكم ففيها اختبرتم و لغيرها خلقتم إن المرء إذا هلك قال الناس ما ترك و قالت الملائكة ما قدم لله آباؤكم فقدموا بعضا يكن لكم قرضا و لا تخلفوا كلا فيكون عليكم كلا

 و من كلام له ع كثيرا ما ينادي به أصحابه تجهزوا رحمكم الله فقد نودي فيكم بالرحيل و أقلوا العرجة على الدنيا و انقلبوا بصالح ما بحضرتكم من الزاد فإن أمامكم عقبة كئودا و منازل مخوفة مهولة لا بد من الورود عليها و الوقوف عندها و اعلموا أن ملاحظ المنية نحوكم دانية و كأنكم بمخالبها و قد نشبت فيكم و قد دهمتكم منها مفظعات الأمور و معضلات المحذور فقطعوا علائق الدنيا و استظهروا بزاد التقوى

140-  نهج، ]نهج البلاغة[ الحمد لله غير مقنوط من رحمته و لا مخلو من نعمته و لا   مأيوس من مغفرته و لا مستنكف من عبادته الذي لا تبرح منه رحمة و لا تفقد له نعمة و الدنيا دار منى لها الفناء و لأهلها منها الجلاء و هي حلوة خضرة قد عجلت للطالب و التبست بقلب الناظر فارتحلوا عنها بأحسن ما بحضرتكم من الزاد و لا تسألوا فوق الكفاف و لا تطلبوا منها أكثر من البلاغ

141-  كنز الكراجكي، قال رسول الله ص من أحب دنياه أضر بآخرته

 و قال أمير المؤمنين ع الدنيا دول فاطلب حظك منها بأجمل الطلب

 و قال ص من أمن الزمان خافه و من غالبه أهانه

 و قال ص الدهر يومان يوم لك و يوم عليك فإن كان لك فلا تبطر و إن كان عليك فاصبر فكلاهما غائب سيحضر