باب 33- الكبر

الآيات البقرة أَ فَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ و قال تعالى وَ إِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَ لَبِئْسَ الْمِهادُ النساء إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً المائدة ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَ رُهْباناً وَ أَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ الأعراف فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ و قال تعالى وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ اسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ إلى قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ اسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ و قال سبحانه وَ نادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ   و قال قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَ تَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ و قال تعالى قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ و قال فَاسْتَكْبَرُوا وَ كانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ و قال تعالى سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يونس فَاسْتَكْبَرُوا وَ كانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ هود حاكيا عن قوم نوح فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَ ما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَ ما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ إلى قوله وَ ما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَ لكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ وَ يا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ وَ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَ لا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَ لا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَ لا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ و قال حاكيا عن قوم شعيب قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَ إِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَ لَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَ ما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ قالَ يا قَوْمِ أَ رَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَ اتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ إبراهيم وَ اسْتَفْتَحُوا وَ خابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ   و قال تعالى وَ بَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْ‏ءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَ جَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ النحل فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَ هُمْ مُسْتَكْبِرُونَ لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَ ما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ و قال تعالى فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ و قال تعالى وَ هُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ أسرى وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا المؤمنون ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَ أَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَ سُلْطانٍ مُبِينٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلَائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَ كانُوا قَوْماً عالِينَ فَقالُوا أَ نُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَ قَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ الفرقان لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَ عَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً الشعراء وَ ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَ إِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ القصص وَ اسْتَكْبَرَ هُوَ وَ جُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ لقمان وَ لا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ

   التنزيل وَ هُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ فاطر اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ الصافات إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ص إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَ كانَ مِنَ الْكافِرِينَ إلى قوله تعالى أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ الزمر بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَ اسْتَكْبَرْتَ وَ كُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ إلى قوله تعالى أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ المؤمن وَ قالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَ رَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ و قال تعالى كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ و قال تعالى وَ إِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ و قال تعالى إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ و قال تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ و قال تعالى فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ السجدة فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ قالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَ وَ لَمْ   يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَ كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ نوح وَ أَصَرُّوا وَ اسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً المدثر ثُمَّ أَدْبَرَ وَ اسْتَكْبَرَ فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ

 تفسير أَ فَكُلَّما جاءَكُمْ الخطاب لليهود رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ في تفسير الإمام ع أي أخذ عهودكم و مواثيقكم بما لا تحبون من اتباع النبي ص و بذل الطاعة لأولياء الله اسْتَكْبَرْتُمْ عن الإيمان و الاتباع فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ كموسى و عيسى وَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ أي قتل أسلافكم كزكريا و يحيى و أنتم رمتم قتل محمد و علي فخيب الله سعيكم. وَ إِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ و دع سوء صنيعك أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ أي حملته الأنفة و حمية الجاهلية على الإثم الذي يؤمر باتقائه و ألزمته ارتكابه لجاجا من قولك أخذته بكذا إذا حملته عليه و ألزمته إياه فيزداد إلى شره شرا و يضيف إلى ظلمه ظلما فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ أي كفاه جزاء و عذابا على سوء فعله وَ لَبِئْسَ الْمِهادُ أي الفراش يمهدها و يكون دائما فيها كذا في تفسير الإمام ع. مَنْ كانَ مُخْتالًا أي متكبرا يأنف عن أقاربه و جيرانه و أصحابه و لا يكتنف إليهم فَخُوراً يتفاخر عليهم. وَ أَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ أي عن قبول الحق إذا فهموه و يتواضعون. فَما يَكُونُ لَكَ أي فما يصح لك أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها و تعصي فإنها   مكان الخاشع المطيع قيل فيه تنبيه على أن التكبر لا يليق بأهل الجنة و أنه تعالى إنما طرده و أهبطه للتكبر لا بمجرد عصيانه إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ أي ممن أهانه الله تعالى لكبره. وَ اسْتَكْبَرُوا عَنْها أي عن الإيمان بها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ لأدعيتهم و أعمالهم و لنزول البركة عليهم و لصعود أرواحهم إذا ماتوا

 و في المجمع، عن الباقر ع أما المؤمنون فترفع أعمالهم و أرواحهم إلى السماء فتفتح لهم أبوابها و أما الكافر فيصعد بعمله و روحه حتى إذا بلغ إلى السماء نادى مناد اهبطوا به إلى سجين و هو واد بحضرموت يقال له برهوت

 وَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ أي لا يدخلون الجنة حتى يكون ما لا يكون أبدا. الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا أي أنفوا من اتباعه لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أي للذين استضعفوهم و أذلوهم لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بدل الذين أَ تَعْلَمُونَ قالوه على سبيل الاستهزاء فَاسْتَكْبَرُوا أي من الإيمان. سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ أي المنصوبة في الآفاق و الأنفس أو معجزات الأنبياء و في المجمع ذكر في معناه وجوه أحدها أنه أراد سأصرف عن نيل الكرامة المتعلقة بآياتي و الاعتزاز بها كما يناله المؤمنون في الدنيا و الآخرة المستكبرين و ثانيها أن معناه سأصرفهم عن زيادة المعجزات التي أظهرها على الأنبياء بعد قيام الحجة بما تقدم من المعجزات و ثالثها أن معناه سأمنع من الكذابين و المتكبرين آياتي و معجزاتي و أصرفهم عنها و أخص بها الأنبياء و رابعها أن يكون الصرف معناه المنع من إبطال الآيات و الحجج و القدح فيها   و خامسها أن المراد سأصرف عن إبطال آياتي و المنع من تبليغها هؤلاء المتكبرين. فَاسْتَكْبَرُوا أي عن اتباعها وَ كانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ أي معتادين الأجرام فلذلك تهاونوا في رسالة ربهم و اجترءوا على ردها. ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا أي لا مزية لك علينا تخصك بالنبوة و وجوب الطاعة إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا أي أخساؤنا و قال علي بن إبراهيم يعني المساكين و الفقراء بادِيَ الرَّأْيِ أي ظاهر الرأي من غير تعمق من البدو أو أول الرأي من البدء و إنما استرذلوهم لفقرهم فإنهم لما لم يعلموا إلا ظاهرا من الحياة الدنيا كان الأحظ بها أشرف عندهم و المحروم أرذل وَ ما نَرى لَكُمْ أي لك و لمتبعيك عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ يؤهلكم للنبوة و استحقاق المتابعة بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ أنت في دعوى النبوة و إياهم في دعوى العلم بصدقك. وَ ما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا يعني الفقراء و هو جواب لهم حين سألوا طردهم إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ يلاقونه و يفوزون بقربه فيخاصمون طاردهم فكيف أطردهم وَ لكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ الحق و أهله و تتسفهون عليهم بأن تدعوهم أراذل مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ يدفع انتقامه إِنْ طَرَدْتُهُمْ و هم بتلك المثابة أَ فَلا تَذَكَّرُونَ لتعرفوا أن التماس طردهم و توفيق الإيمان عليه ليس بصواب. وَ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ أي خزائن رزقه حتى جحدتم فضلي وَ لا أَعْلَمُ الْغَيْبَ أي و لا أقول أنا أعلم الغيب حتى تكذبوني استبعادا أو

    حتى أعلم أن هؤلاء اتبعوني بادي الرأي من غير بصيرة و عقد قلب وَ لا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ حتى تقولوا ما أنت إلا بشر مثلنا وَ لا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ أي و لا أقول في شأن من استرذلتموهم لفقرهم من زرى عليه إذا عابه و إسناده إلى الأعين للمبالغة و التنبيه على أنهم استرذلوهم بادي الرأي من غير رؤية لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً فإن ما أعد الله لهم في الآخرة خير مما آتاكم في الدنيا إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ إن قلت شيئا من ذلك ما نَفْقَهُ أي ما نفهم ضَعِيفاً أي لا قوة لك و لا عز و قال علي بن إبراهيم قد كان ضعف بصره وَ لَوْ لا رَهْطُكَ أي قومك و عزتهم عندنا لكونهم على ملتنا لَرَجَمْناكَ أي لقتلناك شر قتلة وَ ما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ فتمنعنا عزتك عن القتل بل رهطك هم الأعزة علينا وَ اتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا و جعلتموه كالمنسي المنبوذ وراء الظهر لا يعبأ به. وَ اسْتَفْتَحُوا أي سألوا من الله الفتح على أعدائهم أو القضاء بينهم و بين أعاديهم من الفتاحة بمعنى الحكومة وَ خابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ في التوحيد عن النبي ص من أبى أن يقول لا إله إلا الله

 و روى علي بن إبراهيم عن الباقر ع قال العنيد المعرض عن الحق

 وَ بَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً يعني يبرزون يوم القيامة فَقالَ الضُّعَفاءُ أي ضعفاء الرأي و هم الأتباع لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا أي لرؤسائهم

 و في المتهجد في خطبة الغدير لأمير المؤمنين ع بعد تلاوته لها أ فتدرون الاستكبار ما هو هو ترك الطاعة لمن أمروا بطاعته و الترفع على من   ندبوا إلى متابعته

 إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً في تكذيب الرسل و الإعراض عن نصائحهم فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا أي دافعون عنا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْ‏ءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ للإيمان و النجاة من العذاب و قال علي بن إبراهيم الهدى هنا الثواب مِنْ مَحِيصٍ أي منجى و مهرب من العذاب قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ في المجمع أي جاحدة للحق يستبعد ما يرد عليها من المواعظ وَ هُمْ مُسْتَكْبِرُونَ عن الانقياد للحق دافعون له من غير حجة و الاستكبار طلب الترفع بترك الإذعان للحق إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ أي المتعظمين الذين يأنفون أن يكونوا أتباعا للأنبياء أي لا يريد ثوابهم و تعظيمهم و أقول

 روى العياشي أنه مر الحسين بن علي ع على مساكين قد بسطوا كساءهم و ألقوا كسرا فقالوا هلم يا ابن رسول الله فثنى وركه فأكل معهم ثم تلا إن الله لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ

 فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ أي جهنم وَ هُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ أي عن عبادته مَرَحاً أي ذا مرح و في المجمع معناه لا تمش على وجه الأشر و البطر و الخيلاء و التكبر قال الزجاج معناه لا تمش في الأرض مختالا فخورا و قيل المرح شدة الفرح بالباطل إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ إلخ هذا مثل ضربه الله قال إنك أيها الإنسان لن تشق الأرض من تحت قدمك بكبرك و لن تبلغ الجبال بتطاولك و المعنى أنك لن تبلغ مما تريد كثير مبلغ كما لا يمكنك أن تبلغ هذا فما وجه المثابرة على ما هذا سبيله مع أن الحكمة زاجرة عنه و إنما   قال ذلك لأن من الناس من يمشي في الأرض بطرا يدق قدميه عليها ليري بذلك قدرته و قوته و يرفع رأسه و عنقه فبين الله سبحانه أنه ضعيف مهين لا يقدر أن يخرق الأرض بدق قدميه عليها حتى ينتهي إلى آخرها و إن طوله لا يبلغ الجبال و إن كان طويلا علم سبحانه عباده التواضع و المروءة و الوقار. فَاسْتَكْبَرُوا أي عن الإيمان و المتابعة وَ كانُوا قَوْماً عالِينَ أي متكبرين وَ قَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ يعني أن بني إسرائيل لنا خادمون منقادون لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ أي في شأنهم وَ عَتَوْا أي تجاوزوا الحد في الظلم عُتُوًّا كَبِيراً بالغا أقصى مراتبه حيث عاينوا المعجزات القاهرة فأعرضوا عنها و اقترحوا لأنفسهم الخبيثة ما سدت دونه مطامح النفوس القدسية. بِغَيْرِ الْحَقِّ أي بغير الاستحقاق فإن الكبرياء رداء الله لا يُرْجَعُونَ أي بالنشور. وَ لا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ قيل أي لا تمله عنهم و لا تولهم صفحة خدك كما يفعله المتكبرون من الصعر و هو داء يعتري البعير فيلوي عنقه و في المجمع أي و لا تمل وجهك من الناس تكبرا و لا تعرض عمن يكلمك استخفافا به و هذا معنى قول ابن عباس و أبي عبد الله ع و قيل هو أن يسلم عليك فتلوي عنقك تكبرا وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً أي بطرا و خيلاء إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ أي كل متكبر فَخُورٍ على الناس و قال علي بن إبراهيم وَ لا تُصَعِّرْ خَدَّكَ أي لا تذل لِلنَّاسِ طمعا فيما عندهم وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً أي فرحا و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع أي بالعظمة.    وَ هُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ قيل أي عن الإيمان و الطاعة. يَسْتَكْبِرُونَ أي عن كلمة التوحيد أو على من يدعوهم إليه. اسْتَكْبَرَ قيل أي تعظم و صار من الكافرين باستنكاره أمر الله تعالى و استكباره عن المطاوعة أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ قيل أي تكبرت من غير استحقاق أو كنت ممن علا و استحق التفوق و قيل استكبرت الآن أم لم تزل كنت من المستكبرين. و أقول في بعض الروايات أن المراد بالعالين أنوار الحجج ع. بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي قال علي بن إبراهيم المراد بالآيات الأئمة ع مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ أي عن الإيمان و الطاعة

 و روى علي بن إبراهيم عن الصادق ع قال إن في جهنم لواديا للمتكبرين يقال له سقر شكا إلى الله تعالى شدة حره و سأله أن يتنفس فأذن له فتنفس فأحرق جهنم

 إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ قال البيضاوي أي إلا تكبر عن الحق و تعظم عن التفكر و التعلم أو إرادة الرئاسة أو أن النبوة و الملك لا يكون إلا لهم ما هُمْ بِبالِغِيهِ أي ببالغي دفع الآيات أو المراد فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ أي فالتجئ إليه إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ لأقوالكم و أفعالكم. عَنْ عِبادَتِي فسرت في الأخبار بالدعاء داخِرِينَ أي صاغرين و في الكافي عن الباقر ع في هذه الآية قال هو الدعاء و أفضل العبادة الدعاء و الأخبار في ذلك كثيرة سيأتي في كتاب الدعاء إن شاء الله و في الصحيفة السجادية   بعد ذكر هذه الآية فسميت دعاءك عبادة و تركه استكبارا و توعدت على تركه دخول جهنم داخرين. فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ فَاسْتَكْبَرُوا أي فتعظموا فيها على أهلها بغير استحقاق و اغتروا بقوتهم و شوكتهم هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً أي قدرة وَ كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ أي يعرفون أنها حق و ينكرونها. ثُمَّ أَدْبَرَ أي عن الحق وَ اسْتَكْبَرَ عن اتباعه و يُؤْثَرُ أي يروى و يتعلم

1-  كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن عيسى عن يونس عن أبان عن حكيم قال سألت أبا عبد الله ع عن أدنى الإلحاد قال إن الكبر أدناه

 بيان قال الراغب ألحد فلان مال عن الحق و الإلحاد ضربان إلحاد إلى الشرك بالله و إلحاد إلى الشرك بالأسباب فالأول ينافي الإيمان و يبطله و الثاني يوهن عراه و لا يبطله و من هذا النحو قوله عز و جل وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ. و قال الكبر الحالة التي يتخصص بها الإنسان من إعجابه بنفسه و ذلك أن يرى الإنسان نفسه أكبر من غيره و أعظم التكبر التكبر على الله عز و جل بالامتناع من قبول الحق و الإذعان له بالعبادة و الاستكبار يقال على وجهين أحدهما أن يتحرى الإنسان و يطلب أن يصير كبيرا و ذلك متى كان على ما يجب و في المكان الذي يجب و في الوقت الذي يجب فمحمود و الثاني أن يتشبع فيظهر من نفسه ما ليس له و هذا   هو المذموم. و على هذا ما ورد في القرآن و هو ما قال تعالى أَبى وَ اسْتَكْبَرَ أَ فَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ وَ أَصَرُّوا وَ اسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً و قال تعالى فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَ ما كانُوا سابِقِينَ و قال تعالى الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ و قال تعالى إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ اسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ و قوله تعالى فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا قابل المستكبرين بالضعفاء تنبيها على أن استكبارهم كان بما لهم من القوة في البدن و المال و قال تعالى قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فقابل بالمستكبرين المستضعفين و قال عز و جل ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَ هارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلَائِهِ بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَ كانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ نبه تعالى بقوله فَاسْتَكْبَرُوا على تكبرهم و إعجابهم بأنفسهم و تعظمهم عن الإصغاء إليه و نبه بقوله وَ كانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ على أن الذي حملهم على ذلك هو ما تقدم من جرمهم فإن ذلك لم يكن شيئا حدث منهم بل كان ذلك دأبهم. قال فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَ هُمْ مُسْتَكْبِرُونَ و قال بعده إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ.   و التكبر يقال على وجهين أحدهما أن تكون الأفعال الحسنة كثيرة في الحقيقة و زائدة على محاسن غيره و على هذا وصف الله تعالى بالمتكبر و قال تعالى الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ الثاني أن يكون متكلفا لذلك متشبعا و ذلك في وصف عامة الناس نحو قوله عز و جل فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ و قوله تعالى كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ و من وصف بالتكبر على الوجه الأول فمحمود و من وصف به على الوجه الثاني فمذموم. و يدل على أنه قد يصح أن يوصف الإنسان بذلك و لا يكون مذموما قوله تعالى سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ فجعل المتكبرين بغير الحق مصروفا. و الكبرياء هي الترفع عن الانقياد و ذلك لا يستحقه غير الله قال تعالى وَ لَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ و لما قلنا

 روي عنه ع يقول عن الله تعالى الكبرياء ردائي و العظمة إزاري فمن نازعني في شي‏ء منهما قصمته

 قالُوا أَ جِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَ تَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَ ما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ انتهى. و أقول الآيات و الأخبار في ذم الكبر و مدح التواضع أكثر من أن تحصى قال الشهيد قدس الله روحه الكبر معصية و الأخبار كثيرة في ذلك

 قال رسول الله ص لن يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من الكبر فقالوا يا رسول الله إن أحدنا يحب أن يكون ثوبه حسنا و فعله حسنا فقال إن الله جميل يحب الجمال و لكن الكبر بطر الحق و غمص الناس

بطر الحق رده على قائله و الغمص بالصاد المهملة الاحتقار و الحديث مؤول بما يؤدي إلى الكفر أو يراد أنه لا يدخل الجنة مع دخول غير المتكبر بل بعده   و بعد العذاب في النار و قد علم منه أن التجمل ليس من التكبر في شي‏ء انتهى. و قيل الكبر ينقسم إلى باطن و ظاهر و الباطن هو خلق في النفس و الظاهر هو أعمال تصدر من الجوارح و اسم الكبر بالخلق الباطن أحق و أما الأعمال فإنها ثمرات لذلك الخلق و لذلك إذا ظهر على الجوارح يقال له تكبر و إذا لم يظهر يقال له في نفسه كبر فالأصل هو الخلق الذي في النفس و هو الاسترواح إلى رؤية النفس فوق المتكبر عليه فإن الكبر يستدعي متكبرا عليه و متكبرا به و به ينفصل الكبر عن العجب فإن العجب لا يستدعي غير المعجب. بل لو لم يخلق الإنسان إلا وحده تصور أن يكون معجبا و لا يتصور أن يكون متكبرا إلا أن يكون مع غيره و هو يرى نفسه فوق ذلك الغير في صفات الكمال بأن يرى لنفسه مرتبة و لغيره مرتبة ثم يرى مرتبة نفسه فوق مرتبة غيره فعند هذه الاعتقادات الثلاثة يحصل فيه خلق الكبر لا أن هذه الرؤية هي الكبر بل هذه الرؤية و هذه العقيدة تنفخ فيه فيحصل في قلبه اغترار و هزة و فرح و ركون إلى ما اعتقده و عز في نفسه بسبب ذلك فتلك العزة و الهزة و الركون إلى المعتقد هو خلق الكبر

 و لذلك قال النبي ص أعوذ بك من نفخة الكبرياء

فالكبر عبارة عن الحالة الحاصلة في النفس من هذه الاعتقادات و يسمى أيضا عزا و تعظما و لذلك قال ابن عباس في قوله تعالى إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فقال عظمة لا يبلغوها ثم هذه العزة تقتضي أعمالا في الظاهر و الباطن و هي ثمراته و يسمى ذلك تكبرا فإنه مهما عظم عنده قدر نفسه بالإضافة إلى غيره حقر من دونه و ازدراه و أقصاه من نفسه و أبعده و ترفع عن مجالسته و مؤاكلته و رأى أن حقه أن يقوم ماثلا بين يديه إن اشتد كبره. فإن كان كبره أشد من ذلك استنكف عن استخدامه و لم يجعله أهلا للقيام بين يديه فإن كان دون ذلك يأنف عن مواساته و يتقدم عليه في مضايق الطرق و ارتفع عليه في المحافل و انتظر أن يبدأه بالسلام و إن حاج أو ناظر   استنكف أن يرد عليه و إن وعظ أنف من القبول و إن وعظ عنف في النصح و إن رد عليه شي‏ء من قوله غضب و إن علم لم يرفق بالمتعلمين و استذلهم و انتهرهم و امتن عليهم و استخدمهم و ينظر إلى العامة كما ينظر إلى الحمير استجهالا لهم و استحقارا. و الأعمال الصادرة من الكبر أكثر من أن تحصى فهذا هو الكبر و آفته عظيمة و فيه يهلك الخواص و العوام و كيف لا تعظم آفته

 و قد قال رسول الله ص لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر

و إنما صار حجابا عن الجنة لأنه يحول بين المرء و بين أخلاق المؤمنين كلها و تلك الأخلاق هي أبواب الجنة و الكبر و عز النفس تغلق تلك الأبواب كلها لأنه مع تلك الحالة لا يقدر على حبه للمؤمنين ما يحب لنفسه و لا على التواضع و هو رأس أخلاق المتقين و لا على كظم الغيظ و لا على ترك الحقد و لا على الصدق و لا على ترك الحسد و الغضب و لا على النصح اللطيف و لا على قبوله و لا يسلم من الإزراء بالناس و اغتيابهم فما من خلق ذميم إلا و صاحب الكبر و العز مضطر إليه ليحفظ به عزه و ما من خلق محمود إلا و هو عاجز عنه خوفا من أن يفوته عزه فعن هذا لم يدخل الجنة. و شر أنواع الكبر ما يمنع من استفادة العلم و قبول الحق و الانقياد له و فيه وردت الآيات التي فيها ذم المتكبرين كقوله سبحانه وَ كُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ و أمثالها كثيرة

 و لذلك ذكر رسول الله ص جحود الحق في حد الكبر و الكشف عن حقيقته

 و قال من سفه الحق و غمص الناس

ثم اعلم أن المتكبر عليه هو الله أو رسله أو سائر الخلق فهو بهذه الجهة ثلاثة أقسام الأول التكبر على الله و هو أفحش أنواعه و لا مثار له إلا الجهل المحض و الطغيان مثل ما كان لنمرود و فرعون. الثاني التكبر على الرسل و الأوصياء ع كقولهم أَ نُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ   مِثْلِنا وَ لَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ و قالوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَ عَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً و هذا قريب من التكبر على الله عز و جل و إن كان دونه و لكنه تكبر عن قبول أمر الله. الثالث التكبر على العباد و ذلك بأن يستعظم نفسه و يستحقر غيره فتأبى نفسه عن الانقياد لهم و تدعوه إلى الترفع عليهم فيزدريهم و يستصغرهم و يأنف عن مساواتهم و هذا و إن كان دون الأول و الثاني فهو أيضا عظيم من وجهين. أحدهما أن الكبر و العزة و العظمة لا يليق إلا بالمالك القادر فأما العبد الضعيف الذليل المملوك العاجز الذي لا يقدر على شي‏ء فمن أين يليق به الكبر فمهما تكبر العبد فقد نازع الله تعالى في صفة لا تليق إلا بجلاله و إلى هذا المعنى الإشارة بقوله تعالى العظمة إزاري و الكبرياء ردائي فمن نازعني فيهما قصمته أي أنه خاص صفتي و لا يليق إلا بي و المنازع فيه منازع في صفة من صفاتي فإذا كان التكبر على عباده لا يليق إلا به فمن تكبر على عباده فقد جنى عليه إذ الذي استرذل خواص غلمان الملك و يستخدمهم و يترفع عليهم و يستأثر بما حق الملك أن يستأثر به منهم فهو منازع له في بعض أمره و إن لم يبلغ درجته درجة من أراد الجلوس على سريره و الاستبداد بملكه كمدعي الربوبية. و الوجه الثاني أنه يدعو إلى مخالفة الله تعالى في أوامره لأن المتكبر إذا سمع الحق من عبد من عباد الله استنكف عن قبوله و يتشمر بجحده و لذلك ترى المناظرين في مسائل الدين يزعمون أنهم يتباحثون عن أسرار الدين   ثم إنهم يتجاحدون تجاحد المتكبرين و مهما اتضح الحق على لسان أحدهم أنف الآخر من قبوله و يتشمر بجحده و يحتال لدفعه بما يقدر عليه من التلبيس و ذلك من أخلاق الكافرين و المنافقين إذ وصفهم الله تعالى فقال وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَ الْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ و كذلك يحمل ذلك على الأنفة من قبول الوعظ كما قال تعالى وَ إِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ و تكبر إبليس من ذلك. فهذه آفة من آفات الكبر عظيمة.

 و لذلك شرح رسول الله ص الكبر بهاتين الآفتين إذ سأله ثابت بن قيس فقال يا رسول الله ص إني امرؤ حبب إلي من الجمال ما ترى أ فمن الكبر هو فقال ص لا و لكن الكبر من بطر الحق و غمص الناس

 و في حديث آخر من سفه الحق

و قوله غمص الناس أي ازدراهم و استحقرهم و هم عباد الله أمثاله و خير منه و هذه الآفة الأولى و قوله سفه الحق هو رده به و هذه الآفة الثانية. ثم اعلم أنه لا يتكبر إلا من استعظم نفسه و لا يستعظمها إلا و هو يعتقد لها صفة من صفات الكمال و مجامع ذلك يرجع إلى كمال ديني أو دنيوي و الديني هو العلم و العمل و الدنيوي هو النسب و الجمال و القوة و المال و كثرة الأنصار فهذه سبعة. الأول العلم و ما أسرع الكبر إلى العلماء

 و لذلك قال ص آفة العلم الخيلاء

فهو يتعزز بعز العلم و يستعظم نفسه و يستحقر الناس و ينظر إليهم نظرة إلى البهائم و يتوقع منهم الإكرام و الابتداء بالسلام و يستخدمهم و لا يعتني بشأنهن هذا فيما يتعلق بالدنيا و أما في الآخرة فبأن يرى نفسه عند الله أعلى و أفضل منهم فيخاف عليهم أكثر مما يخافه على نفسه و يرجو لنفسه أكثر مما يرجو لهم و هذا بأن يسمى جاهلا أولى من أن يسمى عالما بل العلم الحقيقي   هو الذي يعرف الإنسان به نفسه و ربه و خطر الخاتمة و حجة الله على العلماء و عظم خطر العمل فيه و هذه العلوم تزيد خوفا و تواضعا و تخشعا و يقتضي أن يرى أن كل الناس خير منه لعظم حجة الله عليه بالعلم و تقصيره في القيام بشكر نعمة العلم. فإن قلت فما بال بعض الناس يزداد بالعلم كبرا و أمنا. فاعلم أن له سببين أحدهما أن يكون اشتغاله بما يسمى علما و ليس بعلم حقيقي و إنما العلم الحقيقي ما يعرف العبد به نفسه و ربه و خطر أمره في لقاء الله و الحجاب عنه و هذا يورث الخشية و التواضع دون الكبر و الأمن قال الله تعالى إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فأما ما وراء ذلك كعلم الطب و الحساب و اللغة و الشعر و النحو و فصل الخصومات و طرق المجادلات فإذا تجرد الإنسان لها حتى امتلأ بها امتلأ كبرا و نفاقا و هذه بأن تسمى صناعات أولى بأن تسمى علوما بل العلم هو معرفة العبودية و الربوبية و طريق العبادة و هذا يورث التواضع غالبا. السبب الثاني أن يخوض العبد في العلم و هو خبيث الدخلة ردي النفس سيئ الأخلاق فلم يشتغل أولا بتهذيب نفسه و تزكية قلبه بأنواع المجاهدات و لم يرض نفسه في عبادة ربه فبقي خبيث الجوهر فإذا خاض في العلم أي علم كان صادف العلم من قلبه منزلا خبيثا فلم يطب ثمره و لم يظهر في الخير أثره. و قد ضرب وهب لهذا مثلا فقال العلم كالغيث ينزل من السماء حلوا صافيا فتشربه الأشجار بعروقها فتحوله على قدر طعومها فيزداد المر مرارة و الحلو حلاوة و كذلك العلم يحفظه الرجال فيحوله على قدر هممهم و أهوائهم فيزيد المتكبر تكبرا و المتواضع تواضعا و هذا لأن من كانت همته الكبر و هو جاهل فإذا حفظ العلم وجد ما يتكبر به فازداد كبرا و إذا كان الرجل خائفا مع جهله فإذا ازداد علما علم أن الحجة قد أكدت عليه فيزداد خوفا و إشفاقا و تواضعا فالعلم من أعظم ما به يتكبر.   الثاني العمل و العبادة و ليس يخلو عن رذيلة العز و الكبر و استمالة قلوب الناس الزهاد و العباد و يترشح الكبر منهم في الدنيا و الدين أما الدنيا فهو أنهم يرون غيرهم بزيارتهم أولى من أنفسهم بزيارة غيرهم و يتوقعون قيام الناس بحوائجهم و توقيرهم و التوسيع لهم في المجالس و ذكرهم بالورع و التقوى و تقديمهم على سائر الناس في الحظوظ إلى غير ذلك مما مر في حق العلماء و كأنهم يرون عبادتهم منه على الخلق. و أما في الدين فهو أن يرى الناس هالكين و يرى نفسه ناجيا و هو الهالك تحقيقا مهما رأى ذلك

 قال النبي ص إذا سمعتم الرجل يقول هلك الناس فهو أهلكهم

 و روي أن رجلا في بني إسرائيل يقال له خليع بني إسرائيل لكثرة فساده مر برجل يقال له عابد بني إسرائيل و كانت على رأس العابد غمامة تظله لما مر الخليع به فقال الخليع في نفسه أنا خليع بني إسرائيل كيف أجلس بجنبه و قال العابد هو خليع بني إسرائيل كيف يجلس إلي فأنف منه و قال له قم عني فأوحى الله إلى نبي ذلك الزمان مرهما فليستأنفا العمل فقد غفرت للخليع و أحبطت عمل العابد

 و في حديث آخر فتحولت الغمامة إلى رأس الخليع

و هذه آفة لا ينفك عنها أحد من العباد إلا من عصمه الله لكن العلماء و العباد في آفة الكبر على ثلاث درجات. الدرجة الأولى أن يكون الكبر مستقرا في قلبه يرى نفسه خيرا من غيره إلا أنه يجتهد و يتواضع و يفعل فعل من يرى غيره خيرا من نفسه و هذا قد رسخت في قلبه شجرة الكبر و لكنه قطع أغصانها بالكلية. الثانية أن يظهر ذلك على أفعاله بالترفع في المجالس و التقدم على الأقران و إظهار الإنكار على من يقصر في حقه و أدنى ذلك في العالم أن يصعر خده للناس كأنه معرض عنهم و في العابد أن يعبس وجهه و يقطب جبينه كأنه متنزه عن الناس مستقذر لهم أو غضبان عليهم و ليس يعلم المسكين أن الورع ليس في الجبهة حتى يقبطها و لا في الوجه حتى يعبس و لا في الخد حتى يصعر و لا   في الرقبة حتى يطأطئ و لا في الذيل حتى يضم إنما الورع في القلوب قال ص التقوى هاهنا و أشار إلى صدره. و هؤلاء أخف حالا ممن هو في المرتبة الثالثة و هو الذي يظهر الكبر على لسانه حتى يدعوه إلى الدعوي و المفاخرة و المباهاة و تزكية النفس أما العابد فإنه يقول في معرض التفاخر لغيره من العباد من هو و ما عمله و من أين زهده فيطيل اللسان فيهم بالتنقص ثم يثني على نفسه و يقول إني لم أفطر منذ كذا و كذا و لا أنام بالليل و فلان ليس كذلك و قد يزكي نفسه ضمنا فيقول قصدني فلان فهلك ولده و أخذ ماله أو مرض و ما يجري مجراه هذا يدعي الكرامة لنفسه. و أما العالم فإنه يتفاخر و يقول أنا متفنن في العلوم و مطلع على الحقائق رأيت من الشيوخ فلانا و فلانا و من أنت و ما فضلك و من لقيته و من ذا الذي سمعت من الحديث كل ذلك ليصغره و يعظم نفسه فهذا كله أخلاق الكبر و آثاره التي يثمرها التعزز بالعلم و العمل و أين من يخلو عن جميع ذلك أو عن بعضه يا ليت شعري من عرف هذه الأخلاق من نفسه و سمع

 قول رسول الله ص لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر

كيف يستعظم نفسه و يتكبر على غيره و هو بقول رسول الله ص من أهل النار و إنما العظيم من خلا عن هذا و من خلا عنه لم يكن فيه تعظم و تكبر. الثالث التكبر بالنسب و الحسب فالذي له نسب شريف يستحقر من ليس له ذلك النسب و إن كان أرفع منه عملا و علما و ثمرته على اللسان التفاخر به و ذلك عرق رقيق في النفس لا ينفك عنه نسيب و إن كان صالحا أو عاقلا إلا أنه قد لا يترشح منه عند اعتدال الأحوال فإن غلب غضب أطفأ ذلك نور بصيرته و ترشح منه. الرابع التفاخر بالجمال و ذلك يجري أكثره بين النساء و يدعو ذلك إلى التنقص و التسبب و الغيبة و ذكر عيوب الناس. الخامس الكبر بالمال و ذلك يجري بين الملوك في الخزائن و بين التجار   في بضائعهم و بين الدهاقين في أراضيهم و بين المتجملين في لباسهم و خيولهم و مراكبهم فيستحقر الغني الفقير و يتكبر عليه و من ذلك تكبر قارون. السادس الكبر بالقوة و شدة البطش و التكبر به على أهل الضعف. السابع التكبر بالأتباع و الأنصار و التلاميذ و الغلمان و العشيرة و الأقارب و البنين و يجري ذلك بين الملوك في المكاثرة في الجنود و بين العلماء بالمكاثرة بالمستفيدين و بالجملة فكل ما هو نعمة و أمكن أن يعتقد كمالا و إن لم يكن في نفسه كمالا أمكن أن يتكبر به حتى أن المخنث ليتكبر على أقرانه بزيادة قدرته و معرفته في صفة المخنثين لأنه يرى ذلك كمالا فيفتخر به و إن لم يكن فعله إلا نكالا. و أما بيان البواعث على التكبر فاعلم أن الكبر خلق باطن و أما ما يظهر من الأخلاق و الأعمال فهو ثمرتها و نتيجتها و ينبغي أن يسمى تكبرا و يخص اسم الكبر بالمعنى الباطن الذي هو استعظام النفس و رؤية قدر لها فوق قدر الغير و هذا الباب الباطن له موجب واحد و هو العجب فإنه إذا أعجب بنفسه و بعلمه و عمله أو بشي‏ء من أسبابه استعظم نفسه و تكبر و أما الكبر الظاهر فأسبابه ثلاثة سبب في المتكبر و سبب في المتكبر عليه و سبب يتعلق بغيرهما أما السبب الذي في المتكبر فهو العجب و الذي يتعلق بالمتكبر عليه فهو الحقد و الحسد و الذي يتعلق بغيرهما هو الرئاء فالأسباب بهذا الاعتبار أربعة العجب و الحقد و الحسد و الرئاء. أما العجب فقد ذكرنا أنه يورث الكبر الباطن و الكبر الباطن يثمر التكبر الظاهر في الأعمال و الأقوال و الأفعال. و أما الحقد فإنه قد يحمل على التكبر من غير عجب و يحمله ذلك على رد الحق إذا جاء من جهته و على الأنفة من قبول نصحه و على أن يجتهد في التقدم عليه و إن علم أنه لا يستحق ذلك. و أما الحسد فإنه يوجب البغض للمحسود و إن لم يكن من جهته إيذاء

    و سبب يقتضي الغضب و الحقد و يدعو الحسد أيضا إلى جحد الحق حتى يمتنع من قبول النصح و تعلم العلم فكم من جاهل يشتاق إلى العلم و قد بقي في الجهل لاستنكافه أن يستفيد من واحد من أهل بلده و أقاربه حسدا و بغيا عليه. و أما الرئاء فهو أيضا يدعو إلى أخلاق المتكبرين حتى أن الرجل ليناظر من يعلم أنه أفضل منه و ليس بينه و بينه معرفة و لا محاسدة و لا حقد و لكن يمتنع من قبول الحق منه خيفة من أن يقول الناس إنه أفضل منه. و أما معالجة الكبر و اكتساب التواضع فهو علمي و عملي أما العلمي فهو أن يعرف نفسه و ربه و يكفيه ذلك في إزالته فإنه مهما عرف نفسه حق المعرفة علم أنه أذل من كل ذليل و أقل من كل قليل بذاته و أنه لا يليق به إلا التواضع و الذلة و المهانة و إذا عرف ربه علم أنه لا يليق العظمة و الكبرياء إلا بالله. أما معرفة ربه و عظمته و مجده فالقول فيه يطول و هو منتهى علم الصديقين و أما معرفة نفسه فكذلك أيضا يطول و يكفيه أن يعرف معنى آية واحدة من كتاب الله تعالى فإنه في القرآن علم الأولين و الآخرين لمن فتحت بصيرته و قد قال تعالى قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْ‏ءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ فقد أشار الآية إلى أول خلق الإنسان و إلى آخر أمره و إلى وسطه فلينظر الإنسان ذلك ليفهم معنى هذه الآية أما أول الإنسان فهو أنه لم يكن شيئا مذكورا و قد كان ذلك في كتم العدم دهورا بل لم يكن لعدمه أول فأي شي‏ء أخس و أقل من المحو و العدم و قد كان كذلك في القدم ثم خلقه الله تعالى من أذل الأشياء ثم من أقذرها إذ خلقه مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ ثم جعله عظاما ثم كسى العظام لحما. فقد كان هذا بداية وجوده حيث صار شيئا مذكورا فما صار مذكورا إلا   و هو على أخس الأوصاف و النعوت إذ لم يخلق في ابتدائه كاملا بل خلقه جمادا ميتا لا يسمع و لا يبصر و لا يحس و لا يتحرك و لا ينطق و لا يبطش و لا يدرك و لا يعلم فبدأ بموته قبل حياته و بضعفه قبل قوته و بجهله قبل علمه و بعماه قبل بصره و بصممه قبل سمعه و ببكمه قبل نطقه و بضلالته قبل هداه و بفقره قبل غناه و بعجزه قبل قدرته. فهذا معنى قوله تعالى هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ كذلك خلقه أولا ثم امتن عليه فقال ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ و هذه إشارة إلى ما تيسر له في مدة حياته إلى الموت و لذلك قال مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ و معناه أنه أحياه بعد أن كان جمادا ميتا ترابا أولا و نطفة ثانيا و أبصره بعد ما كان فاقد البصر و قواه بعد الضعف و علمه بعد الجهل و خلق له الأعضاء بما فيها من العجائب و الآيات بعد الفقد لها و أغناه بعد الفقر و أشبعه بعد الجوع و كساه بعد العرى و هداه بعد الضلال. فانظر كيف دبره و صوره و إلى السبيل كيف يسره و إلى طغيان الإنسان ما أكفره و إلى جهل الإنسان كيف أظهره فقال تعالى أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ فانظر إلى نعمة الله عليه كيف نقله من تلك القلة و الذلة و الخسة و القذارة إلى هذه الرفعة و الكرامة فصار موجودا بعد العدم و حيا بعد الموت و ناطقا بعد البكم و بصيرا بعد العمى و قويا بعد الضعف و عالما بعد الجهل و مهديا بعد الضلالة و قادرا بعد العجز و غنيا بعد الفقر فكان في ذاته لا شي‏ء و أي شي‏ء أخس من لا شي‏ء و أي قلة أقل من العدم المحض ثم صار بالله شيئا و إنما خلقه من التراب الذليل و النطفة القذرة بعد العدم المحض ليعرفه خسة ذاته فيعرف به نفسه و إنما أكمل

    النعمة عليه ليعرف بها ربه و يعلم بها عظمته و جلاله و أنه لا يليق الكبرياء إلا به عز و جل. فلذلك امتن عليه فقال تعالى أَ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَ لِساناً وَ شَفَتَيْنِ وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ و عرف خسته أولا فقال أَ لَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى ثُمَّ كانَ عَلَقَةً ثم ذكر مننه فقال فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَ الْأُنْثى ليدوم وجوده بالتناسل كما حصل وجوده ابتداء بالاختراع فمن كان هذا بدؤه و هذا أحواله فمن أين له البطر و الكبرياء و الفخر و الخيلاء و هو على التحقيق أخس الأخساء و أضعف الضعفاء. نعم لو أكمله و فوض إليه أمره و أدام له الوجود باختياره لجاز أن يطغى و ينسى المبدأ و المنتهى و لكنه سلط عليه في دوام وجوده الأمراض الهائلة و الأسقام العظيمة و الآفات المختلفة و الطبائع المتضادة من المرة و البلغم و الريح و الدم ليهدم البعض من أجزائه البعض شاء أم أبي رضي أم سخط فيجوع كرها و يعطش كرها و يمرض كرها و يموت كرها لا يملك لنفسه نفعا و لا ضرا و لا خيرا و لا شرا يريد أن يعلم الشي‏ء فيجهله و يريد أن يذكر الشي‏ء فينساه و يريد أن ينسى الشي‏ء فيغفل عنه فلا يغفل و يريد أن يصرف قلبه إلى ما يهمه فيجول في أودية الوسواس و الأفكار بالاضطرار فلا يملك قلبه قلبه و لا نفسه نفسه. يشتهي الشي‏ء و ربما يكون هلاكه فيه و يكره الشي‏ء و يكون حياته فيه يستلذ الأطعمة فتهلكه و ترديه و يستبشع الأدوية و هي تنفعه و تحييه لا يأمن في لحظة من ليله و نهاره أن يسلب سمعه و بصره و علمه و قدرته و تفلج أعضاؤه و يختلس عقله و يختطف روحه و يسلب جميع ما يهواه في دنياه و هو مضطر ذليل إن ترك ما بقي و إن اختطف فني عبد مملوك لا يقدر على شي‏ء من نفسه و لا من غيره فأي شي‏ء أذل منه لو عرف نفسه و أنى يليق الكبر به لو لا جهله.

    فهذا أوسط أحواله فليتأمله و أما آخره و مورده فهو الموت المشار إليه بقوله تعالى ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ و معناه أنه يسلب روحه و سمعه و بصره و علمه و قدرته و حسه و إدراكه و حركته فيعود جمادا كما كان أول مرة لا تبقى إلا شبه أعضائه و لا صورته لا حس فيها و لا حركة ثم يوضع في التراب فيصير جيفة منتنة قذرة كما كان في الأول نطفة قذرة ثم تبلى أعضاؤه و صورته و تفتت أجزاؤه و تنخر عظامه فتصير رميما و رفاتا فتأكل الدود أجزاءه فيبتدئ بحدقتيه فيقلعهما و بخديه فيقطعهما و بسائر أجزائه فتصير روثا في أجواف الديدان و تكون جيفة تهرب منه الحيوان و يستقذره كل إنسان و يهرب منه لشدة الإنتان و أحسن أحواله أن يعود إلى ما كان فيصير ترابا يعمل منه الكيزان أو يعمر به البنيان و يصير مفقودا بعد ما كان موجودا و صار كأن لم يغن بالأمس حصيدا كما كان أول مرة أمدا مديدا. و ليته بقي كذلك فما أحسنه لو ترك ترابا لا بل يحييه بعد طول البلى ليقاسي شدائد البلاء فيخرج من قبره بعد جمع أجزائه المتفرقة و يخرج إلى أهوال القيامة فينظر إلى قيامة قائمة و سماء ممزقة مشققة و أرض مبدلة و جبال مسيرة و نجوم منكدرة و شمس منكسفة و أحوال مظلمة و ملائكة غلاظ شداد و جحيم تزفر و جنة ينظر إليها المجرم فيتحسر. و يرى صحائف منشورة فيقال له اقْرَأْ كِتابَكَ فيقول و ما هو فيقال كان قد وكل بك في حياتك التي كنت تفرح بها و تتكبر بنعيمها و تفتخر بأسبابها ملكان رقيبان يكتبان عليك ما تنطق به أو تعمله من قليل و كثير و نقير و قطمير و أكل و شرب و قيام و قعود و قد نسيت ذلك و أحصاه الله فهلم إلى الحساب و استعد للجواب أو يساق إلى دار العذاب فينقطع قلبه هول هذا الخطاب من قبل أن ينشر الصحف و يشاهد ما فيها من مخازيه فإذا شاهدها قال يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا   الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها فهذا آخر أمره و هو معنى قوله عز و جل ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ فما لمن هذا حاله و التكبر بل ما له و للفرح في لحظة فضلا عن البطر و التجبر فقد ظهر له أول حاله و وسطه و لو ظهر آخره و العياذ بالله ربما اختار أن يكون كلبا و خنزيرا ليصير مع البهائم ترابا و لا يكون إنسانا يسمع خطابا و يلقى عذابا و إن كان عند الله مستحقا للنار فالخنزير أشرف منه و أطيب و أرفع إذ أوله التراب و آخره التراب و هو بمعزل عن الحساب و العذاب و الكلب و الخنزير لا يهرب منه الخلق. و لو رأى أهل الدنيا العبد المذنب في النار لصعقوا من وحشة خلقته و قبح صورته و لو وجدوا ريحه لماتوا من نتنه و لو وقعت قطرة من شرابه الذي يسقاه في بحار الدنيا لصارت أنتن من الجيف فمن هذا حاله في العاقبة إلا أن يعفى عنه و هو على شك من العفو فكيف يتكبر و كيف يرى نفسه شيئا حتى يعتقد لها فضلا و أي عبد لم يذنب ذنبا استحق به العقوبة إلا أن يعفو الكريم بفضله. أ رأيت من جنى على بعض الملوك بما استحق به ألف سوط فحبس في السجن و هو منتظر أن يخرج إلى العرض و يقام عليه العقوبة على ملإ من الخلق و ليس يدري أ يعفى عنه أم لا فكيف يكون ذلة في السجن و ما من عبد مذنب إلا و الدنيا سجنه و قد استحق العقوبة من الله تعالى و لا يدري كيف يكون أمره فيكفيه ذلك حزنا و خوفا و إشفاقا و مهانة و ذلا. فهذا هو العلاج العلمي القاطع لأصل الكبر و أما العلاج العملي فهو التواضع بالفعل لله تعالى و لسائر الخلق بالمواظبة على أخلاق المتواضعين و ما وصل إليه من أحوال الصالحين و من أحوال رسول الله ص حتى أنه كان يأكل على الأرض و يقول إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد. و قيل لسلمان لم لا تلبس ثوبا جيدا فقال إنما أنا عبد فإذا أعتقت يوما لبست أشار به إلى العتق في الآخرة.

    و لا يتم التواضع بعد المعرفة إلا بالعمل فمن عرف نفسه فلينظر إلى كل ما يتقاضاه الكبر من الأفعال فليواظب على نقيضها حتى يصير التواضع له خلقا و قد ورد في الأخبار الكثيرة علاج الكبر بالأعمال و بيان أخلاق المتواضعين. قيل اعلم أن التكبر يظهر في شمائل الرجل كصعر في وجهه و نظره شزرا و إطراقه رأسه و جلوسه متربعا و متكئا و في أقواله حتى في صوته و نغمته و صفته في الإيراد و يظهر في مشيته و تبختره و قيامه و جلوسه في حركاته و سكناته و في تعاطيه لأفعاله و سائر تقلباته في أقواله و أفعاله و أعماله. فمن المتكبرين من يجمع ذلك كله و منهم من يتكبر في بعض فمنها التكبر بأن يحب قيام الناس له أو بين يديه

 و قد قال علي صلوات الله عليه و من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى رجل قاعد و بين يديه قوم قيام

و قال أنس لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله ص و كانوا إذا رأوه لا يقومون له لما يعلمون من كراهته لذلك. و منها أن لا يمشي إلا و معه غيره يمشي خلفه. قال أبو الدرداء لا يزال العبد يزداد من الله بعدا ما مشى خلفه و كان رسول الله ص في بعض الأوقات يمشي مع الأصحاب فيأمرهم بالتقدم و يمشي في غمارهم و منها أن لا يزور غيره و إن كان يحصل من زيارته خير لغيره في الدين و هو ضد التواضع. و منها أن يستنكف من جلوس غيره بالقرب منه إلا أن يجلس بين يديه و التواضع خلافه قال أنس كانت الوليدة من ولائد المدينة تأخذ بيد رسول الله ص و لا ينزع منها يده حتى تذهب به حيث شاءت. و منها أن يتوقى مجالسة المرضى و المعلولين و يتحاشى عنهم و هو كبر دخل رجل على رسول الله ص و عليه جدري قد يقشر و عنده أصحابه يأكلون فما جلس عند أحد إلا قام من جنبه فأجلسه النبي ص بجنبه. و منها أن لا يتعاطى بيده شغلا في بيته و التواضع خلافه و منها أن لا يأخذ   متاعا و يحمله إلى بيته و هذا خلاف عادة المتواضعين كان رسول الله يفعل ذلك

 و قال علي ع لا ينقص الرجل من كماله ما حمل من شي‏ء إلى عياله

 و قال بعضهم رأيت عليا اشترى لحما بدرهم فحمله في ملحفته فقال أحمل عنك يا أمير المؤمنين قال لا أبو العيال أحق أن يحمل

و منها اللباس إذ يظهر به التكبر و التواضع

 و قد قال رسول الله ص البذاذة من الإيمان

قيل هي الدون من الثياب و عوتب علي ع في إزار مرقوع فقال يقتدي به المؤمن و يخشع له القلب

 و قال عيسى ع جودة الثياب خيلاء القلب

 و قد قال رسول الله ص من ترك زينة لله و وضع ثيابا حسنة تواضعا لله و ابتغاء وجهه كان حقا على الله أن يدخله عبقري الجنة

فإن قلت فقد قال عيسى ع جودة الثياب خيلاء القلب

 و قد سئل نبينا ص من الجمال في الثياب هل هو من الكبر فقال لا و لكن الكبر من سفه الحق و غمص الناس

فكيف طريق الجمع بينهما. فاعلم أن الثوب الجيد ليس من ضرورته أن يكون من التكبر في حق كل أحد في كل حال و هو الذي أشار إليه رسول الله ص و هو الذي عرفه رسول الله ص من حال ثابت بن قيس إذ قال إني امرؤ حبب إلي الجمال ما ترى فعرفه أن ميله إلى النظافة و جودة الثياب لا ليتكبر على غيره فإنه ليس من ضرورته أن يكون من الكبر و قد يكون ذلك من الكبر كما أن الرضا بالثوب الدون قد يكون من التواضع فإذا انقسمت الأحوال نزل قول عيسى ع على بعض الأحوال على أن قوله خيلاء القلب يعني قد يورث خيلاء في القلب و قول نبينا إنه ليس من الكبر يعني أن الكبر لا يوجبه و يجوز أن لا يوجبه الكبر ثم يكون هو مورثا للكبر. و بالجملة فالأحوال تختلف في مثل هذا و المحمود الوسط من اللباس الذي لا يوجب شهرة بالجودة و لا بالرذالة

 و قد قال ص كلوا و اشربوا و البسوا و تصدقوا في غير سرف و لا بخل إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده

   و قال بكر بن عبد الله المزني البسوا ثياب الملوك و أميتوا قلوبكم بالخشية و إنما خاطب بهذا قوما يطلبون التكبر بثياب أهل الصلاح

 و قال عيسى ع ما لكم تأتوني و عليكم ثياب الرهبان و قلوبكم قلوب الذئاب الضواري البسوا ثياب الملوك و ألينوا قلوبكم بالخشية

و منها أن يتواضع بالاحتمال إذا سب و أوذي و أخذ حقه فذلك هو الأفضل. و بالجملة فمجامع حسن الأخلاق و التواضع سيرة رسول الله ص فبه ينبغي أن يقتدى و منه ينبغي أن يتعلم و قد قال ابن أبي سلمة قلت لأبي سعيد الخدري ما ترى في ما أحدث الناس من الملبس و المشرب و المركب و المطعم فقال يا ابن أخي كل لله و اشرب لله و كل شي‏ء من ذلك دخله زهو أو مباهاة أو رئاء أو سمعة فهو معصية و سرف. و عالج في بيتك من الخدمة ما كان رسول الله ص يعالج في بيته كان يعلف الناضح و يعقل البعير و يقم البيت و يحلب الشاة و يخصف النعل و يرقع الثوب و يأكل مع خادمه و يطحن عنه إذا أعيا و يشتري الشي‏ء من السوق و لا يمنعه الحياء أن يعلقه بيده أو يجعله في طرف ثوبه فينقلب إلى أهله يصافح الغني و الفقير و الصغير و الكبير و يسلم مبتدئا على كل من استقبله من صغير أو كبير أسود أو أحمر حر أو عبد من أهل الصلاة. ليس له حلة لمدخله و حلة لمخرجه لا يستحيي من أن يجيب إذا دعي و إن كان أشعث أغبر و لا يحقر ما دعي إليه و إن لم يجد إلا حشف الدقل لا يرفع غداء لعشاء و لا عشاء لغداء هين المقولة لين الخلقة كريم الطبيعة جميل المعاشرة طلق الوجه بساما من غير ضحك محزونا من غير عبوس شديدا من غير عنف متواضعا من غير مذلة جوادا من غير سرف رحيما بكل   ذي قربى قريبا من كل ذمي و مسلم رقيق القلب دائم الإطراق لم يبشم قط من شبع و لا يمد يده إلى طمع. قال أبو سلمة فدخلت على عائشة فحدثتها كل هذا من أبي سعيد فقالت ما أخطأ فيه حرفا و لقد قصر إذ ما أخبرك أن رسول الله ص لم يمتلئ قط شبعا و لم يبث إلى أحد شكوى و إن كانت الفاقة أحب إليه من اليسار و الغنى و إن كان ليظل جائعا يتلوى ليلته حتى يصبح فما يمنعه ذلك عن صيام يومه و لو شاء أن يسأل ربه فيؤتى كنوز الأرض و ثمارها و رغد عيشها من مشارقها و مغاربها لفعل. و ربما بكيت رحمة له مما أوتي من الجوع فأمسح بطنه بيدي فأقول نفسي لك الفداء لو تبلغت من الدنيا بقدر ما يقوتك و يمنعك من الجوع فيقول يا عائشة إخواني من أولي العزم من الرسل قد صبروا على ما هو أشد من هذا فمضوا على حالهم فقدموا على ربهم فأكرم مآبهم و أجزل ثوابهم فأجدني أستحيي إن ترفهت في معيشتي أن يقصر بي دونهم فأصبر أياما يسيرة أحب إلي من أن ينقص حظي غدا في الآخرة و ما من شي‏ء أحب إلي من اللحوق بإخواني و أخلائي فقالت عائشة فو الله ما استكمل بعد ذلك جمعة حتى قبضه الله تعالى. فما نقل من أخلاقه ص يجمع جملة أخلاق المتواضعين فمن طلب التواضع فليقتد به و من رأى نفسه فوق محله ص و لم يرض لنفسه بما رضي هو به فما أشد جهله فلقد كان رسول الله ص أعظم خلق الله تعالى منصبا في الدين و الدنيا فلا عزة و لا رفعة إلا في الاقتداء به و لذلك لما عوتب بعض الصحابة في بذاذة هيئته قال أنا قوم أعزنا الله تعالى بالإسلام فلا نطلب العز في غيره

2-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن ابن عيسى عن علي بن الحكم عن الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله ع قال سمعته يقول الكبر قد يكون   في شرار الناس من كل جنس و الكبر رداء الله فمن نازع الله عز و جل رداءه لم يزده الله إلا سفالا إن رسول الله مر في بعض طرق المدينة و سوداء تلقط السرقين فقيل لها تنحي عن طريق رسول الله ص فقالت إن الطريق لمعرض فهم بها بعض القوم أن يتناولها فقال رسول الله ص دعوها فإنها جبارة

 بيان قوله ع قد يكون أقول يحتمل أن يكون قد للتحقيق و إن كان في المضارع قليلا كما قيل في قوله تعالى قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ قال الزمخشري دخل قد لتوكيد العلم و يرجع ذلك إلى توكيد الوعيد و قيل هو للتقليل باعتبار قيد من كل جنس و قوله من كل جنس أي من كل صنف من أصناف الناس و إن كان دنيا أو من كل جنس من أجناس سبب التكبر من الأسباب التي أشرنا إليها سابقا و الأول أظهر كما يومئ إليه قصة السوداء. و الكبر رداء الله

 قال في النهاية في الحديث قال الله تبارك و تعالى العظمة إزاري و الكبرياء ردائي

ضرب الإزار و الرداء مثلا في انفراده بصفة العظمة و الكبرياء أي ليستا كسائر الصفات التي قد يتصف بها الخلق مجازا كالرحمة و الكرم و غيرهما و شبههما بالإزار و الرداء لأن المتصف بهما يشملانه كما يشمل الرداء و الإزار الإنسان و لأنه لا يشاركه في ردائه و إزاره أحد فكذلك الله لا ينبغي أن يشركه فيهما أحد و مثله الحديث الآخر تأزر بالعظمة و تردى بالكبرياء و تسربل بالعز انتهى. قال بعض شراح صحيح مسلم الإزار الثوب الذي يشد على الوسط و الرداء الذي يمد على الكتفين و قال محيي الدين و هما لباس و اللباس من خواص الأجسام و هو سبحانه ليس بجسم فهما استعارة للصفة التي هي العظمة و العزة و وجه الاستعارة أن هذين الثوبين لما كانا مختصين بالناس و لا   يستغني عنهما و لا يقبلان الشركة و هما جمال عبر عن العز بالرداء و عن الكبر بالإزار على وجه الاستعارة المعروفة عند العرب كما يقال فلان شعاره الزهد و دثاره التقوى لا يريدون الثوب الذي هو شعار و دثار بل صفة الزهد كما يقولون فلان غمر الرداء واسع العطية فاستعاروا لفظ الرداء للعطية انتهى. لم يزده الله إلا سفالا أي في أعين الخلق مطلقا غالبا على خلاف مقصوده كما سيأتي أو في أعين العارفين و الصالحين أو في القيامة كما سيأتي أنهم يجعلون في صورة الذر تلقط كتنصر أو على بناء التفعل بحذف إحدى التاءين في القاموس لقطة أخذه من الأرض كالتقطه و تلقطه التقطه من هاهنا و هاهنا و قال السرقين و السرجين بكسرهما الزبل معربا سرگين بالفتح فقيل لها تنحي بالتاء و النون و الحاء المشددة كلها مفتوحة و الياء الساكنة أمر الحاضرة من باب التفعل أي ابعدي. لمعرض على بناء المفعول من الإفعال أو التفعيل و قد يقرأ على بناء الفاعل من الإفعال فعلى الأولين من قولهم أعرضت الشي‏ء و عرضته أي جعلته عريضا و على الثالث من قولهم عرضت الشي‏ء أي أظهرته فأعرض أي ظهر و هو من النوادر فهم بها أي قصدها أن يتناولها أي يأخذها فينحيها قسرا عن طريقه ص أو يشتمها من قولهم نال من عرضه أي شتمه و الأول أظهر فإنها جبارة أي متكبرة و ذلك خلقها لا يمكنها تركه أو إذا قهرتموها يظهر منها أكثر من ذلك من البذاء و الفحش. قال في النهاية فيه أنه أمر امرأة فتأبت فقال دعوها فإنها جبارة أي متكبرة عاتية و قال الراغب أصل الجبر إصلاح الشي‏ء بضرب من القهر و تجبر يقال إما لتصور معنى الاجتهاد أو للمبالغة أو لمعنى التكلف و الجبار في صفة الإنسان يقال لمن يجبر نقيصته بادعاء منزلة من التعالي لا يستحقها و هذا لا يقال إلا على طريق الذم كقوله تعالى وَ خابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ وَ لَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا.    إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ أي متعال عن قبول الحق و الإذعان له و أما في وصفه تعالى نحو الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ فقد قيل سمي بذلك من قولهم جبرت الفقير لأنه هو الذي يجبر الناس بفائض نعمه و قيل لأنه يجبر الناس أي يقهرهم على ما يريده. و دفع بعض أهل اللغة ذلك من حيث اللفظ فقال لا يقال من أفعلت فعال فجبار لا يبنى من أجبرت فأجيب عنه بأن ذلك من لفظ الجبر المروي في قوله لا جبر و لا تفويض لا من الإجبار. و أنكر جماعة من المعتزلة ذلك من حيث المعنى فقالوا تعالى الله عن ذلك و ليس ذلك بمنكر فإن الله تعالى قد أجبر الناس على أشياء لا انفكاك لهم منها حسب ما تقتضيه الحكمة الإلهية لا على ما تتوهمه الغواة الجهلة و ذلك لإكراههم على المرض و الموت و البعث و سخر كلا منهم بصناعة يتعاطاها و طريقه من الأخلاق و الأعمال يتحراها و جعله مجبرا في صورة مخير فإما راض بصنعته لا يريد عنها حولا و إما كاره لها يكابدها مع كراهية لها كأنه لا يجد عنها بدلا قال فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ و قال تعالى نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا و على هذا الحد وصف بالقاهر و هو لا يقهر إلا على ما تقتضي الحكمة أن يقهر عليه

    -3  كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي عن عثمان بن عيسى عن العلاء بن الفضيل عن أبي عبد الله ع قال قال أبو جعفر ع العز رداء الله و الكبر إزاره فمن تناول شيئا منه أكبه الله في جهنم

 بيان قيل في علة تشبيه العز بالرداء و الكبر بالإزار إن العزة أمر إضافي كما قيل هي الامتناع من أن ينال و قيل هي الصفة التي تقتضي عدم وجود مثل الموصوف بها و قيل هي الغلبة على الغير و الأمر الإضافي أمر ظاهر و الرداء من الأثواب الظاهرة فبينهما مناسبة من جهة الظهور و الكبر بمعنى العظمة و هي صفة حقيقية إذ العظيم قد يتعاظم في نفسه من غير ملاحظة الغير فهي أخفى من العزة و الإزار ثوب خفي لأنه يستر غالبا بغيره فبينهما مناسبة من هذه الجهة. أقول و يحتمل أن يراد بالعز إظهار العظمة و بالكبر نفسها أو بالعز ما يصل إليه عقول الخلق من كبريائه و بالكبر ما عجز الخلق عن إدراكه أو بالعز ما كان بسبب صفاته العلية و بالكبر ما كان بحسب ذاته المقدسة و المناسبة على كل من الوجوه ظاهرة. فمن تناول أي تصرف و أخذ شيئا منه الضمير راجع إلى كل من   العز و الكبر و الغالب في أكب مطاوع كب يقال كبه فأكب و قد يستعمل أكب أيضا متعديا في القاموس كبه قلبه و صرعه كأكبه و كبكبه فأكب و هو لازم متعد و في المصباح كببت زيدا كبا ألقيته على وجهه فأكب هو و هو من النوادر التي تعدى ثلاثيها و قصر رباعيها و في التنزيل فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ أَ فَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ

4-  كا، ]الكافي[ عن الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن ابن فضال عن ثعلبة عن معمر بن عمر بن عطا عن أبي جعفر ع قال الكبر رداء الله و المتكبر ينازع الله رداءه

 بيان قال بعض المحققين الإنسان مركب من جوهرين أحدهما أعظم من الآخر و هو الروح التي من أمر الرب و بينها و بين الرب قرب تام لو لا عنان العبودية لقال كل أحد أنا ربكم الأعلى فكل أحد يحب الربوبية و لكن يدفعها عن نفسه بالإقرار بالعبودية و يطلب باعتبار الجوهر الآخر   المركوز فيه القوة الشهوية و الغضبية آثار الربوبية و خواصها و هي أن يكون فوق كل شي‏ء و أعلى رتبة منه و يغفل عن أن هذا في الحقيقة دعوى الربوبية و كذلك كل صفة من الصفات الرذيلة تتولد من ادعاء آثار الربوبية كالغضب و الحسد و الحقد و الرئاء و العجب فإن الغضب من جهة الاستيلاء اللازم للربوبية و الحسد من جهة أنه يكره أن يكون أحد أفضل منه في الدين و الدنيا و هو أيضا من لوازمها و الحقد يتولد من احتقان الغضب في الباطن و الرئاء من جهة أنه يريد ثناء الخلق و العجب من جهة أنه يرى ذاته كاملة و كل ذلك من آثار الربوبية و قس عليه سائر الرذائل فإنك إن فتشتها وجدتها مبنية على ادعاء الربوبية و الترفع

5-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي عن محمد بن علي عن أبي جميلة عن ليث المرادي عن أبي عبد الله ع قال الكبر رداء الله فمن نازع الله شيئا من ذلك أكبه الله في النار

 بيان شيئا من ذلك أي في شي‏ء من الكبر

6-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي عن أبيه عن القاسم بن عروة عن عبد الله بن بكير عن زرارة عن أبي جعفر و أبي عبد الله ع قالا لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر

 بيان الذر النمل الأحمر الصغير واحدتها ذرة و سئل تغلب عنها فقال إن مائة نملة وزن حبة و الذرة واحدة منها و قيل الذرة ليس لها وزن و يراد بها ما يرى في شعاع الشمس الداخل في النافذة. و قال فيه لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر يعني كبر الكفر و الشرك كقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ أ لا ترى أنه قابلة في نقيضه بالإيمان فقال و لا يدخل النار   من في قلبه مثل ذلك من الإيمان أراد دخول تأبيد و قيل أراد إذا دخل الجنة نزع ما في قلبه من الكبر كقوله تعالى وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ انتهى. و أقول التأويل الأول حسن و موافق لما في الخبر الآتي و أما الثاني فلا يخفى بعده لأن المقصود ذم التكبر و تحذيره لا تبشيره برفع الإثم عنه و لذا حمله بعضهم على المستحل أو عدم الدخول ابتداء بل بعد المجازاة و ما في الخبر أصوب

7-  كا، ]الكافي[ عن علي عن محمد بن عيسى عن يونس عن أبي أيوب عن محمد بن مسلم عن أحدهما ع قال لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من الكبر قال فاسترجعت فقال ما لك تسترجع قلت لما سمعت منك فقال ليس حيث تذهب إنما أعني الجحود إنما هو الجحود

 بيان فاسترجعت يقال أرجع فرجع و استرجع في المصيبة قال إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ كما في القاموس و إنما قال ذلك لأنه استشعر بالهلاك و استحقاق دخول النار بحمل الكلام على ظاهره لأنه كان متصفا ببعض الكبر إنما هو الجحود أي المراد بالكبر إنكار الله سبحانه أو إنكار أنبيائه أو حججه ع و الاستكبار عن إطاعتهم و قبول أوامرهم و نواهيهم مثل تكبر إبليس لعنه الله فإنه لما كان مقرونا بالجحود و الإباء عن طاعة الله و الاستصغار لأمره كما دل عليه قوله لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ و قوله أَ أَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً كان سببا لكفره و الكفر يوجب الحرمان من الجنة أبدا و هذا   أحد التأويلات للروايات الدالة على أن صاحب الكبر لا يدخل الجنة كما عرفت و كان المقصود أن هذا الوعيد مختص بكبر الجحود لا أن غيره لا يتعلق به الوعيد مطلقا و التكرير للتأكيد

8-  كا، ]الكافي[ عن الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن ابن فضال عن علي بن عقبة عن أيوب بن الحر عن عبد الأعلى عن أبي عبد الله ع قال الكبر أن تغمص الناس و تسفه الحق

 بيان أن تغمص الناس أي تحقرهم و المراد إما مطلق الناس أو الحجج و الأئمة ع كما ورد في الأخبار أنهم الناس كما قال تعالى ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ في القاموس غمصه كضرب و سمع احتقره كاغتمصه و عابه و تهاون بحقه و النعمة لم يشكرها و قال سفه نفسه و رأيه مثلثة حمله على السفه أو نسبه إليه أو أهلكه و سفه كفرح و كرم علينا جهل و سفه تسفيها جعله سفيها كسفهه كعلمه أو نسبه إليه و سفه صاحبه كنصر غلبه في المسافهة. و في النهاية فيه إنما ذلك من سفه الحق و غمص الناس أي احتقرهم و لم يرهم شيئا تقول منه غمص الناس يغمصهم غمصا و قال فيه إنما البغي من سفه الحق أي من جهله و قيل جهل نفسه و لم يفكر فيها و رواه الزمخشري من سفه الحق على أنه اسم مضاف إلى الحق قال و فيه وجهان أحدهما أن يكون على حذف الجار و إيصال الفعل كان الأصل سفه على الحق و الثاني أن يضمن معنى فعل متعد كجهل و المعنى الاستخفاف بالحق و أن لا يراه على ما هو عليه من الرجحان و الرزانة و قال أيضا فيه و لكن الكبر من بطر الحق أي ذو الكبر أي كبر من بطر كقوله تعالى وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى و هو   أن يجعل ما جعله حقا من توحيده و عبادته باطلا و قيل و هو أن يتجبر عند الحق فلا يراه حقا و قيل هو أن يتكبر عن الحق فلا يقبله

9-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة عن عبد الأعلى بن أعين قال قال أبو عبد الله ع قال رسول الله ص إن أعظم الكبر غمص الخلق و سفه الحق قال قلت و ما غمص الخلق و سفه الحق قال يجهل الحق و يطعن على أهله فمن فعل ذلك فقد نازع الله عز و جل رداءه

 بيان قال يجهل الحق النشر على خلاف ترتيب اللف و كأن المراد بالخلق هنا أيضا أهل الحق و أئمة الدين كالناس في الخبر السابق و الجملتان متلازمتان فإن جهل الحق أي عدم الإذعان به و إنكاره تكبرا يستلزم الطعن على أهله و تحقيرهم و هما لازمتان للجحود فالتفاسير كلها يرجع إلى واحد. فمن فعل ذلك فقد نازع الله قيل فإن قلت الغمص و السفه بالتفسير المذكور ليسا من صفات الله تعالى و ردائه فكيف نازعه في ذلك قلت الغمص و السفه أثران من آثار الكبر ففاعل ذلك ينازع الله من حيث الملزوم على أنه لا يبعد أن يراد بهما الملزوم مجازا و هو الكبر البالغ إلى هذه المرتبة. و أقول يحتمل أن يكون المنازعة من حيث إنه إذا لم يقبل إمامة أئمة الحق و نصب غيرهم لذلك فقد نازع الله في نصب الإمامة و بيان الحق و هما مختصان به كما أطلق لفظ المشرك في كثير من الأخبار على من فعل ذلك

10-  كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن ابن بكير عن أبي عبد الله ع قال إن في جهنم لواديا للمتكبرين يقال له سقر شكا إلى الله عز و جل شدة حره و سأله أن يأذن له أن يتنفس فتنفس فأحرق جهنم

 بيان في القاموس الوادي مفرج بين جبال أو تلال أو آكام و أقول ذلك إشارة إلى قوله تعالى تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَ لَيْسَ   فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ و قال بعد ذكر المشركين فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ و قال سبحانه بعد ذكر الكفار و دخولهم النار فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ في موضعين و إلى قوله عز و جل ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ إلى قوله كُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ و إلى قوله بعد ذكر المكذبين بالنبي ص و بالقرآن سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَ ما أَدْراكَ ما سَقَرُ لا تُبْقِي وَ لا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ. و في النهاية سقر اسم أعجمي لنار الآخرة و لا ينصرف للعجمة و التعريف و قيل هو من قولهم سقرته الشمس أذابته فلا ينصرف للتأنيث و التعريف. و أقول يظهر من الآيات أن المراد بالمتكبرين في الخبر من تكبر على الله و لم يؤمن به و بأنبيائه و حججه ع و الشكاية و السؤال إما بلسان الحال أو المقال منه بإيجاد الله الروح فيه أو من الملائكة الموكلين به و الإسناد على المجاز و كأن المراد بتنفسه خروج لهب منه و بإحراق جهنم تسخينها أشد مما كان لها أو إعدامها أو جعلها رمادا فأعادها الله تعالى كما كانت

11-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن ابن عيسى عن ابن سنان عن داود بن فرقد عن أخيه قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن المتكبرين يجعلون في صور الذر يتوطؤهم الناس حتى يفرغ الله من الحساب

 بيان يدل على أنه يمكن أن يخلق الإنسان يوم القيامة أصغر مما كان مع بقاء الأجزاء الأصيلة أو بعضها فيه ثم يضاف إليه سائر الأجزاء فيكبر إذ يبعد التكاثف إلى هذا الحد و يمكن أن يكون المراد أنهم يخلقون كبارا   بهذه الصور فإنها أحقر الصور في الدنيا معاملة معهم بنقيض مقصودهم أو يكون المراد بالصورة الصفة أي يطؤهم الناس كما يطئون الذر في الدنيا. و في بعض أخبار العامة يحشر المتكبرون أمثال الذر في صورة الرجال و قال بعض شراحهم أي يحشرهم أذلاء يطؤهم الناس بأرجلهم بدليل أن الأجساد تعاد على ما كانت عليه من الأجزاء غرلا يعاد منهم ما انفصل عنهم من الغلفة و قرينة المجاز قوله في صورة الرجال. و قال بعضهم يعني أن صورهم صور الإنسان و جثثهم كجثث الذر في الصغر و هذا أنسب بالسياق لأنهم شبهوا بالذر و وجه الشبه إما صغر الجثة أو الحقارة و قوله في صورة الرجال بيان للوجه و حديث الأجساد تعاد على ما كانت عليه لا ينافيه لأنه قادر على إعادة تلك الأجزاء الأصلية في مثل الذر

12-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن أحمد بن محمد بن خالد عن غير واحد عن علي بن أسباط عن عمه يعقوب بن سالم عن عبد الأعلى عن أبي عبد الله ع قال قلت له ما الكبر فقال أعظم الكبر أن تسفه الحق و تغمص الناس قلت و ما تسفه الحق قال تجهل الحق و تطعن على أهله

 بيان فقال ما تسفه الحق أي ما معنى هذه الجملة و يمكن أن يقرأ بصيغة المصدر من باب التفعل و كأنه سئل عن الجملتين معا و اكتفى بذكر إحداهما أي إلى آخر الكلام بقرينة الجواب أو كان غرضه السؤال عن الأولى فذكر ع الثانية أيضا لتلازمهما أو لعلمه بعدم فهم الثانية أيضا

13-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن يعقوب بن يزيد عن محمد بن عمر بن يزيد عن أبيه قال قلت لأبي عبد الله ع إنني آكل الطعام الطيب و أشم الريح الطيبة   و أركب الدابة الفارهة و يتبعني الغلام فترى في هذا شيئا من التجبر فلا أفعله فأطرق أبو عبد الله ع ثم قال إنما الجبار الملعون من غمص الناس و جهل الحق قال عمر قلت أما الحق فلا أجهله و الغمص لا أدري ما هو قال من حقر الناس و تجبر عليهم فذلك الجبار

 بيان في النهاية دابة فارهة أي نشيطة حادة قوية انتهى و كان السائل إنما سأل عن هذه الأشياء لأنها سيرة المتكبرين لتفرعها على الكبر و كون الكبر سبب ارتكابها غالبا فأجاب ع ببيان معنى التكبر ليعلم أنها إن كانت مستلزمة للتكبر فلا بد من تركها و إلا فلا كيف و سيأتي أن الله جميل يحب الجمال و إطراقه و سكوته ع للإشعار بأنها في محل الخطر و مستلزمة للتكبر ببعض معانيه و التجبر التكبر و الجبار العاتي

14-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن جعفر عن محمد بن عبد الحميد عن عاصم بن حميد عن أبي حمزة عن أبي جعفر ع قال قال رسول الله ص ثلاثة لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ شيخ زان و ملك جبار و مقل مختال

 بيان لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ إشارة إلى قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ و المعنى لا يكلمهم كلام رضا بل كلام سخط مثل اخْسَؤُا فِيها وَ لا تُكَلِّمُونِ. و قيل لا يكلمهم بلا واسطة بل الملائكة يتعرضون لحسابهم و عتابهم و قيل هو كناية عن الإعراض و الغضب فإن من غضب على أحد قطع كلامه و قيل أي لا ينتفعون بكلام الله و آياته و معنى لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ أنه لا ينظر إليهم   نظر الكرامة و العطف و البر و الرحمة و الإحسان لضعفهم و حقارتهم عنده أو كناية عن شدة الغضب لأن من اشتد غضبه على أحد استهان به و أعرض عنه و عن التكلم معه و الالتفات نحوه كما أن من اعتد بغيره يقاوله و يكثر النظر إليه. و قيل في قوله يَوْمَ الْقِيامَةِ إشعار بأن المعاصي المذكورة بل غيرها أيضا لا تمنع من إيصال الخير و النعمة إليهم في الدنيا لأن إفضاله فيها يعم الأبرار و الفجار تأكيدا للحجة عليهم. وَ لا يُزَكِّيهِمْ أي لا يطهرهم من ذنوبهم أو لا يقبل عملهم أو لا يثني عليهم و تخصيص الثلاثة بالذكر ليس لأجل أن غيرهم معذور بل لأن عقوبتهم أعظم و أشد لأن المعصية مع وجود الصارف عنها و عدم الداعي القوي عليها أقبح و أشنع. و ذلك في الشيخ لانكسار قوته و انطفاء شهوته و طول أعذاره و مدته و قرب الانتقال إلى الله فهو حري بأن يتدارك ما فات و يستعد لما هو آت فإذا ارتكب الزنا أشعر ذلك بأنه غير مقر بالدين و مستخف بنهي رب العالمين فلذا استحق العذاب المهين و فيه إشعار بأن الشيخ في أكثر المعاصي بل جميعها أشد عقوبة من الشاب و على أن الشاب بالعفة أمدح من الشيخ و الصارف للملك عن كونه جبارا مشاهدة كمال نعمه تعالى عليه حيث سلطه على عباده و بلاده و جعلهم تحت يده و قدرته فاقتضى ذلك أن يشكر منعمه و يعدل بين خلق الله و يرتدع عن الظلم و الفساد و يشاهد ضعفه بين يدي الملك المنان فإذا قابل كل ذلك بالكفران استحق عذاب النيران. و الصارف للمقل الفقير عن الاختيال و الاستكبار فقره لأن الاختيال أنما هو بالدنيا و ليست عنده فاختياله عناد و من عاند ربه العظيم صار محروما

    من رحمته و له عذاب أليم. و أقول يحتمل أن لا يكون تخصيص الملك لكون الصارف فيه أكثر بل لكونه أقوى على الظلم و أقدر. و في الصحاح أقل افتقر و قال الراغب الخيلاء التكبر عن تخيل فضيلة تراءت للإنسان من نفسه و منها يتأول لفظ الخيل لما قيل إنه لا يركب أحد فرسا إلا وجد في نفسه نخوة و في النهاية فيه من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه الخيلاء بالضم و الكسر الكبر و العجب يقال اختال فهو مختال و فيه خيلاء و مخيلة أي كبر

15-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن أحمد بن محمد عن مروك بن عبيد عمن حدثه عن أبي عبد الله ع قال إن يوسف ع لما قدم عليه الشيخ يعقوب ع دخله عز الملك فلم ينزل إليه فهبط عليه جبرئيل فقال يا يوسف ابسط راحتك فخرج منها نور ساطع فصار في جو السماء فقال يوسف ع ما هذا النور الذي خرج من راحتي فقال نزعت النبوة عن عقبك عقوبة لما لم تنزل إلى الشيخ يعقوب فلا يكون من عقبك نبي

 بيان الملك بضم الميم و سكون اللام السلطنة و بفتح الميم و كسر اللام السلطان و بكسر الميم و سكون اللام ما يملك و إضافة العز إليه لامية و النزول إما عن الدابة أو عن السرير و كلاهما مرويان و ينبغي حمله على أن ما دخله لم يكن تكبرا أو تحقيرا لوالده لكون الأنبياء منزهين عن أمثال ذلك بل راعى فيه المصلحة لحفظ عزته عند عامة الناس لتمكنه من سياسة الخلق و ترويج الدين إذ كان نزول الملك عندهم لغيره موجبا لذلة و كان رعاية الأدب للأب مع نبوته و مقاساة الشدائد لحبه أهم و أولى من رعاية تلك المصلحة فكان هذا منه ع تركا للأولى فلذا عوتب عليه و خرج نور النبوة من صلبه لأنهم لرفعة شأنهم و علو درجتهم يعاتبون بأدنى شي‏ء فهذا كان شبيها بالتكبر و لم   يكن تكبرا فصار في جو السماء أي استقر هناك أو ارتفع إلى السماء

16-  كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله ع قال ما من عبد إلا و في رأسه حكمة و ملك يمسكها فإذا تكبر قال له اتضع وضعك الله فلا يزال أعظم الناس في نفسه و أصغر الناس في أعين الناس و إذا تواضع رفعها الله عز و جل ثم قال له انتعش نعشك الله فلا يزال أصغر الناس في نفسه و أرفع الناس في أعين الناس

 بيان قال الجوهري حكمة اللجام ما أحاط بالحنك و قال في النهاية يقال أحكمت فلانا أي منعته و منه سمي الحاكم لأنه يمنع الظالم و قيل هو من حكمت الفرس و أحكمته إذا قدعته و كففته و منه الحديث ما من آدمي إلا و في رأسه حكمة و في رواية في رأس كل عبد حكمة إذا هم بسيئة فإن شاء الله أن يقدعه بها قدعه الحكمة حديدة في اللجام تكون على أنف الفرس و حنكه تمنعه عن مخالفة راكبه و لما كانت الحكمة تأخذ بفم الدابة و كان الحنك متصلا بالرأس جعلها تمنع من هي في رأسه كما تمنع الحكمة الدابة و منه الحديث أن العبد إذا تواضع رفع الله حكمته أي قدره و منزلته يقال له عندنا حكمة أي قدر و فلان عالي الحكمة و قيل الحكمة من الإنسان أسفل وجهه مستعار من موضع حكمة اللجام و رفعها كناية عن الإعزاز لأن في صفة الذليل تنكيل رأسه انتهى. و قيل المراد بالحكمة هنا الحالة المقتضية لسلوك سبيل الهداية على سبيل الاستعارة و بإمساك الملك إياها إرشاده إلى ذلك السبيل و نهيه عن العدول عنه. اتضع أمر تكويني أو شرعي وضعك الله دعاء عليه و دعاء الملك مستجاب أو إخبار بأن الله أمر بوضعك و قدر مذلتك رفعها الله أي الحكمة و إنما غير الأسلوب و لم ينسبها إلى الملك لأن نسبة الخير و اللطف إلى الله   تعالى أنسب و إن كان الكل بأمره تعالى و قيل هو التنبيه على أن الرفع مترتب على التواضع من غير حاجة إلى دعاء الملك بخلاف الوضع فإنه غير مترتب على التكبر ما لم يدعو الملك عليه بالوضع و ما ذكرنا أنسب. ثم قال له أي الرب تعالى أو الملك انتعش يحتمل الوجهين المتقدمين يقال نعشه الله كمنعه و أنعشه أي أقامه و رفعه و نعشه فانتعش أي رفعه فارتفع نعشك الله أيضا إما إخبار بما وقع من الرفع أو دعاء له بالثبات و الاستمرار. و أقول هذا الخبر في طرق العامة هكذا

 قال النبي ص ما من أحد إلا و له ملكان و عليه حكمة يمسكانه بها فإن هو رفع نفسه جبذاها ثم قالا اللهم ضعه فإن وضع نفسه قالا اللهم ارفعه

17-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن بعض أصحابه عن النهدي عن يزيد بن إسحاق شعر عن عبد الله بن المنذر عن عبد الله بن بكير قال قال أبو عبد الله ع ما من أحد يتيه إلا من ذلة يجدها في نفسه

 و في حديث آخر عن أبي عبد الله ع قال ما من رجل تكبر أو تجبر إلا لذلة وجدها في نفسه

 بيان في النهاية فيه إنك امرؤ تائه أي متكبر أو ضال متحير و قد تاه يتيه تيها إذا تحير و ضل و إذا تكبر انتهى. أو تجبر يمكن أن يكون الترديد من الراوي و إن كان منه ع فيدل على فرق بينهما في المعنى كما يومئ إليه قوله تعالى الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ و في الخبر إيماء على أن التكبر أقوى من التجبر و يمكن أن يقال في الفرق بينهما إن التجبر يدل على جبر الغير و قهره على ما أراد بخلاف التكبر فإنه جعل نفسه أكبر و أعظم من غيره و إن كانا متلازمين غالبا. ثم اعلم أن الخبرين يحتملان وجوها الأول أن يكون المراد أن التكبر ينشأ من دناءة النفس و خستها و رداءتها الثاني أن يكون المعنى أن التكبر أنما   يكون فيمن كان ذليلا فعز و أما من نشأ في العزة لا يتكبر غالبا بل شأنه التواضع الثالث أن التكبر أنما يكون فيمن لم يكن له كمال واقعي فيتكبر لإظهار الكمال الرابع أن يكون المراد المذلة عند الله أي من كان عزيزا ذا قدر و منزلة عند الله لا يتكبر الخامس ما قيل إن اللام لام العاقبة أي يصير ذليلا بسبب التكبر

18-  كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود عن حفص بن غياث عن أبي عبد الله ع قال قال ع و من ذهب أن له على الآخرة فضلا فهو من المستكبرين فقلت إنما يرى أن له عليه فضلا بالعافية إذا رآه مرتكبا للمعاصي فقال هيهات هيهات فلعله أن يكون غفر له ما أتى و أنت موقوف محاسب أ ما تلوت قصة سحرة موسى ع الحديث

19-  كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله ع قال أتى رسول الله ص رجل فقال يا رسول الله ص أنا فلان بن فلان حتى عد تسعة فقال رسول الله ص أما إنك عاشرهم في النار

 بيان أما إنك عاشرهم في النار أي إن آباءك كانوا كفارا و هم في النار فما معنى افتخارك بهم و أنت أيضا مثلهم في الكفر باطنا إن كان منافقا أو ظاهرا أيضا إن كان كافرا فلا وجه لافتخارك أصلا و الحاصل أن عمدة أسباب الفخر بل أشيعها و أكثرها الفخر بالآباء و هو باطل لأن الآباء إن كانوا ظلمة أو كفرة فهم من أهل النار فينبغي أن يتبرأ منهم لا أن يفتخر بهم و إن كانوا باعتبار أن لهم مالا فليعلم أن المال ليس بكمال يقع به الافتخار بل ورد في ذمه كثير من الأخبار و لو كان كمالا كان لهم لا له و العاقل لا يفتخر بكمال غيره و إن كان باعتبار أنه كان خيرا أو فاضلا أو عالما فهذا جهل من حيث إنه تعزز بكمال غيره و لذلك قيل لئن فخرت بآباء ذوي شرف. لقد صدقت و لكن بئس ما ولدوا. فالمتكبر بالنسب إن كان خسيسا في صفات ذاته فمن أين يجبر خسته كمال غيره و أيضا ينبغي أن يعرف نسبه الحقيقي فيعرف أباه و جده فإن أباه نطفة   قذرة و جده البعيد تراب ذليل و قد عرفه الله نسبه فقال الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلَقَهُ وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ فمن أصله من التراب المهين الذي يداس بالأقدام ثم خمر طينه حتى صار حمأ مسنونا كيف يتكبر و أخس الأشياء ما إليه نسبه فإن قال افتخرت بالأب فالنطفة و المضغة أقرب إليه من الأب فليحتقر نفسه بهما. و السبب الثاني الحسن و الجمال فإن افتخر به فليعلم أنه قد يزول بأدنى الأمراض و الأسقام و ما هو في عرضة الزوال ليس بكمال يفتخر به و لينظر أيضا إلى أصله و ما خلق منه كما مر و إلى ما يصير إليه في القبر من جيفة منتنة و إلى ما في بطنه من الخبائث مثل الأقذار التي في جميع أعضائه و الرجيع الذي في أمعائه و البول الذي في مثانته و المخاط الذي في أنفه و الوسخ الذي في أذنيه و الدم الذي في عروقه و الصديد الذي تحت بشرته إلى غير ذلك من المقابح و الفضائح فإذا عرف ذلك لم يفتخر بجماله الذي هو كخضراء الدمن. الثالث القوة و الشجاعة فمن افتخر بهما فليعلم أن الذي خلقه هو أشد منه قوة و أن الأسد و الفيل أقوى منه و أن أدنى العلل و الأمراض يجعله أعجز من كل عاجز و أذل من كل ذليل و أن البعوضة لو دخلت في أنفه أهلكته و لم يقدر على دفعها. الرابع الغنى و الثروة و الخامس كثرة الأنصار و الأتباع و العشيرة و قرب السلاطين و الاقتدار من جهتهم و الكبر و الفخر لهذين السببين أقبح لأنه أمر خارج عن ذات الإنسان و صفاته فلو تلف ماله أو غصب أو نهب أو تغير عليه السلطان و عزله لبقي ذليلا عاجزا و إن من فرق الكفار من هو أكثر منه مالا و جاها فالمتكبر بهما في غاية الجهل. السادس العلم و هو أعظم الأسباب و أقواها فإنه كمال نفساني عظيم عند الله تعالى و عند الخلائق و صاحبه معظم عند جميع المخلوقات فإذا تكبر

    العالم و افتخر فليعلم أن خطر أهل العلم أكثر من خطر أهل الجهل و أن الله تعالى يحتمل من الجاهل ما لا يحتمل من العالم و أن العصيان مع العلم أفحش من العصيان مع الجهل و أن عذاب العالم أشد من عذاب الجاهل و أنه تعالى شبه العالم الغير العامل تارة بالحمار و تارة بالكلب و أن الجاهل أقرب إلى السلامة من العالم لكثرة آفاته و أن الشياطين أكثرهم على العالم و أن سوء العاقبة و حسنها أمر لا يعلمه إلا الله سبحانه فلعل الجاهل يكون أحسن عاقبة من العالم. السابع العبادة و الورع و الزهادة و الفخر فيها أيضا فتنة عظيمة و التخلص منها صعب فإذا غلب عليه فليتفكر أن العالم أفضل منه فلا ينبغي أن يفتخر عليه و لا ينبغي أيضا أن يفتخر على من تأخر عنه في العمل أيضا إذ لعل قليل عمله يكون مقبولا و كثير عمله مردودا و لا على الجاهل و الفاسق إذ قد يكون لهما خصلة خفية و صفة قلبية موجبة لقرب الرب سبحانه و رحمته و لو فرض خلوهما عن جميع ذلك بالفعل فلعل الأحوال في العاقبة تنعكس و قد وقع مثل ذلك كثيرا و لو فرض عدم ذلك فليتصور أن تكبره في نفسه شرك فيحبط عمله فيصير هو في الآخرة مثلهم بل أقبح منهم وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ

20-  كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص آفة الحسب الافتخار و العجب

 بيان الحسب الشرف و المجد الحاصل من جهة الآباء و قد يطلق على الشرافة الحاصلة من الأفعال الحسنة و الأخلاق الكريمة و إن لم تكن من جهة الآباء في القاموس الحسب ما تعده من مفاخر آبائك أو المال أو الدين أو الكرم أو الشرف في الفعل أو الفعال الصالح أو الشرف الثابت في الآباء أو البال أو الحسب و الكرم قد يكونان لمن لا آباء له شرفاء و الشرف و المجد لا يكونان   إلا بهم. و أقول الخبر يحتمل وجوها الأول أن لكل شي‏ء آفة تضيعه و آفة الشرافة من جهة الآباء الافتخار و العجب الحاصلان منها فإنه يبطل بهما هذا الشرف الحاصل له بتوسط الغير عند الله و عند الناس الثاني أن المراد بالحسب الأخلاق الحسنة و الأفعال الصالحة و تضييعها الافتخار بهما و ذكرهما و الإعجاب بهما كما مر الثالث أن يكون المراد به أن الحسب يستتبع آفة الافتخار و يوجبها لأن آفة الافتخار بالحسب تضييعه كما قيل و الأول أظهر الوجوه

21-  كا، ]الكافي[ عن الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن محمد بن إسماعيل عن حنان عن عقبة بن بشير الأسدي قال قلت لأبي جعفر ع أنا عقبة بن بشير الأسدي و أنا في الحسب الضخم من قومي قال فقال ما تمن علينا بحسبك إن الله تعالى رفع بالإيمان من كان الناس يسمونه وضيعا إذا كان مؤمنا و وضع بالكفر من كان الناس يسمونه شريفا إذا كان كافرا فليس لأحد فضل على أحد إلا بالتقوى

 بيان في القاموس الضخم بالفتح و التحريك العظيم من كل شي‏ء ما تمن ما للاستفهام الإنكاري أو نافية فليس لأحد إشارة إلى قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ و كفى بهذه الآية واعظا و زاجرا عن الكبر و الفخر

22-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي عن ابن عيسى عن ابن الضحاك قال قال أبو جعفر ع عجبا للمختال الفخور و إنما خلق من نطفة ثم يعود جيفة و هو فيما بين ذلك لا يدري ما يصنع به

 بيان عجبا بالتحريك مصدر باب علم و هو إما بتقدير حرف النداء   أو مفعول مطلق لفعل محذوف أي أعجب عجبا فعلى الأول للمتكبر صفة لقوله عجبا و على الثاني خبر مبتدأ محذوف بتقدير هو للمتكبر و الضمير المحذوف راجع إلى عجبا. و قال النحويون لا يمكن أن يكون صفة لعجبا لأن الفعل كما لا يكون موصوفا فكذلك النائب الوجوبي له لا يكون موصوفا و حذف الفعل و إقامة المصدر مقامه في تلك المواضع واجب. و أقول هذا الخبر و أمثاله نسخ أدوية من الحكماء الربانية لمعالجة أعظم الأدواء الروحانية و هو الفخر المترتب على الكبر و حاصلها أن في الإنسان كثير من صفات النقصان و إن كان فيه كمال فمن رب الإنس و الجان فلا يليق به أن يفتخر على غيره من الإخوان و فيها إشعار بأن دفع هذا المرض باختياره و علاجه مركب من أجزاء علمية و عملية. فأما العلمية فبأن يعرف الله سبحانه بجلاله و يوحده في ذاته و صفاته و أفعاله و أن يعلم أن كل موجود سواه مقهور مغلوب عاجز لا وجود له إلا بفيض جوده و رحمته و أن الإنسان مخلوق عن أكثف الأشياء و أخسها و هو التراب ثم النطفة النجسة القذرة ثم العلقة ثم المضغة ثم العظام ثم الجنين الذي غذاؤه دم الحيض ثم يصير في القبر جيفة منتنة يهرب منه أقرب الناس إليه. و هو فيما بين ذلك ينقلب من طور إلى طور و من حال إلى حال من مرض إلى صحة و من صحة إلى مرض إلى غير ذلك من الأحوال المتبادلة و هو لا يملك لنفسه نفعا و لا ضرا و لا حياة و لا نشورا و إلى هذا أشار ع بقوله و هو فيما بين ذلك ما يدري ما يصنع به ثم لا يعلم ما يأتي عليه في البرزخ و القيامة كما ذكرنا سابقا في باب الكبر. و أنه يعلم أن استكمال كل شي‏ء سواء كان طبيعيا أو إراديا لا يتحقق إلا بالانكسار و الضعف فإن العناصر ما لم ينكسر صورة كيفياتها الصرفة لم تقبل صورة كمالية معدنية أو نباتية أو حيوانية أو إنسانية و البذر ما لم يقع في   التراب و لم يقرب من التعفن و الفساد لم يقبل صورة نباتية و لم تخرج منه سنبلة و لا ثمرة و ماء الظهر ما لم يصر منيا منتنا لم تفض عليها صورة إنسانية قابلة للخلافة الربانية فمن تفكر في أمثال هذه الحكم و المعارف أمكنه التحرز من الكبر و الفخر بفضله تعالى. و أما العملية فهي المداومة على التواضع لكل عالم و جاهل و صغير و كبير و الاقتداء بسنن النبي ص و الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم و تتبع سيرهم و أخلاقهم و حسن معاشرتهم لجميع الخلق

23-  لي، ]الأمالي للصدوق[ عن الصادق ع قال قال رسول الله ص أمقت الناس المتكبر

 و عنه ع قال قال رسول الله ص من يستكبر يضعه الله

24-  لي، ]الأمالي للصدوق[ عن حمزة العلوي عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري عن الصادق عن أبيه عن جده ع قال وقع بين سلمان الفارسي رحمه الله و بين رجل كلام و خصومة فقال له الرجل من أنت يا سلمان فقال سلمان أما أولاي و أولاك فنطفة قذرة و أما أخراي و أخراك فجيفة منتنة فإذا كان يوم القيامة و وضعت الموازين فمن ثقل ميزانه فهو الكريم و من خفت ميزانه فهو اللئيم

 ع، ]علل الشرائع[ عن ماجيلويه عن عمه عن الكوفي عن محمد بن سنان عن المفضل عن أبي عبد الله ع مثله و قد مر في باب أحوال سلمان

25-  ب، ]قرب الإسناد[ عن هارون عن ابن صدقة عن جعفر عن آبائه ع قال قال رسول الله ص إن أحبكم إلي و أقربكم مني يوم القيامة مجلسا أحسنكم خلقا   و أشدكم تواضعا و إن أبعدكم يوم القيامة مني الثرثارون و هم المستكبرون

26-  مع، ]معاني الأخبار[ عن أبيه عن علي عن أبيه عن ابن معبد عن ابن خالد عن الرضا عن أبيه عن جده ع قال إن الله تبارك و تعالى ليبغض البيت اللحم و اللحم السمين قال له بعض أصحابه يا ابن رسول الله ص إنا لنحب اللحم و ما تخلو بيوتنا منه فكيف ذاك فقال ليس حيث تذهب إنما البيت اللحم الذي يؤكل فيه لحوم الناس بالغيبة و أما اللحم السمين فهو المتكبر المتبختر المختال في مشيه

 ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ عن الهمداني عن علي عن أبيه مثله

27-  فس، ]تفسير القمي[ في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله تعالى وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً يقول بالعظمة

28-  فس، ]تفسير القمي[ أبي عن ابن أبي عمير عن ابن بكير عن أبي عبد الله قال إن في جهنم لواديا للمتكبرين يقال له سقر شكا إلى الله شدة حره و سأله أن يتنفس فأذن له فتنفس فأحرق جهنم

 ثو، ]ثواب الأعمال[ عن ابن الوليد عن الصفار عن ابن يزيد عن ابن أبي عمير مثله

 سن، ]المحاسن[ بإسناده إلى ابن بكير مثله

29-  فس، ]تفسير القمي[ في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع قال إن الفرح   و المرح و الخيلاء كل ذلك في الشرك و العمل في الأرض بالمعصية

30-  ل، ]الخصال[ عن أبيه عن سعد عن ابن يزيد عن ابن أبي نجران رفعه إلى أبي عبد الله ع قال من رقع جيبه و خصف نعله و حمل سلعته فقد أمن من الكبر

 ثو، ]ثواب الأعمال[ عن أبيه عن أحمد بن إدريس عن الأشعري عن ابن يزيد مثله

31-  ل، ]الخصال[ في وصية النبي ص إلى علي ع يا علي أنهاك عن ثلاث خصال عظام الحسد و الحرص و الكبر

32-  ل، ]الخصال[ عن أبيه عن سعد عن ابن هاشم عن الفارسي عن الجعفري عن محمد بن الحسين بن زيد عن أبيه عن جعفر بن محمد عن آبائه ع قال مر رسول الله ص على جماعة فقال على ما اجتمعتم فقالوا يا رسول الله هذا مجنون يصرع فاجتمعنا عليه فقال ليس هذا بمجنون و لكنه المبتلى ثم قال أ لا أخبركم بالمجنون حق المجنون قالوا بلى يا رسول الله قال المتبختر في مشيه الناظر في عطفيه المحرك جنبيه بمنكبيه يتمنى على الله جنته و هو يعصيه الذي لا يؤمن شره و لا يرجى خيره فذلك المجنون و هذا المبتلى

 أقول قد مضى بعض الأخبار في باب الحسد و أن الله يعذب الدهاقنة بالكبر و في باب جوامع مساوي الأخلاق عن أبي عبد الله ع لا يطمعن ذو الكبر   في الثناء الحسن

33-  ع، ]علل الشرائع[ عن أبيه عن سعد عن أيوب بن نوح عن ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله عن آبائه ع قال قال أمير المؤمنين ع عجبت لابن آدم أوله نطفة و آخره جيفة و هو قائم بينهما وعاء للغائط ثم يتكبر

34-  مع، ]معاني الأخبار[ عن أبيه عن سعد عن أحمد بن محمد عن ابن فضال رفعه إلى أبي جعفر ع قال قال رسول الله ص إن لإبليس كحلا و لعوقا و سعوطا فكحله النعاس و لعوقه الكذب و سعوطه الفخر

35-  مع، ]معاني الأخبار[ عن الهمداني عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمرو بن جميع عن الصادق عن آبائه ع قال قال رسول الله ص إذا مشت أمتي المطيطا و خدمتهم فارس و الروم كان بأسهم بينهم

 و المطيطا التبختر و مد اليدين في المشي

36-  مع، ]معاني الأخبار[ الطالقاني عن الجلودي عن الجوهري عن ابن عمارة عن أبيه عن جابر الجعفي عن أبي جعفر عن جابر الأنصاري قال مر رسول الله ص برجل مصروع و قد اجتمع عليه الناس ينظرون إليه فقال ص على ما اجتمع هؤلاء فقيل له على مجنون يصرع فنظر إليه فقال ما هذا بمجنون أ لا أخبركم بالمجنون حق المجنون قالوا بلى يا رسول الله قال إن المجنون حق المجنون المتبختر في مشيه الناظر في عطفيه المحرك جنبيه بمنكبيه فذاك المجنون و هذا المبتلى

37-  مع، ]معاني الأخبار[ عن أبيه عن سعد عن البرقي عن محمد بن علي الكوفي عن   علي بن النعمان عن عبد الله بن طلحة عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص لن يدخل الجنة عبد في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر و لا يدخل النار عبد في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان قلت جعلت فداك إن الرجل ليلبس الثوب أو يركب الدابة فيكاد يعرف منه الكبر قال ليس بذاك إنما الكبر إنكار الحق و الإيمان الإقرار بالحق

 مع، ]معاني الأخبار[ عن ابن المتوكل عن السعدآبادي عن البرقي مثله

38-  مع، ]معاني الأخبار[ عن ابن الوليد عن الصفار عن ابن هاشم عن ابن مرار عن يونس عن أبي أيوب عن محمد بن مسلم عن أحدهما ع قال لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر قال قلت إنا نلبس الثوب الحسن فيدخلنا العجب فقال إنما ذاك فيما بينه و بين الله عز و جل

39-  مع، ]معاني الأخبار[ عن ابن المتوكل عن السعدآبادي عن البرقي عن ابن فضال عن ابن مسكان عن يزيد بن فرقد عمن سمع أبا عبد الله ع يقول لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال حبة من خردل من الكبر و لا يدخل النار من في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان قال فاسترجعت فقال ما لك تسترجع فقلت لما أسمع منك فقال ليس حيث تذهب إنما أعني الجحود إنما هو الجحود

40-  مع، ]معاني الأخبار[ بهذا الإسناد عن ابن فضال عن علي بن عقبة عن أيوب بن الحر عن عبد الأعلى عن أبي عبد الله ع قال الكبر أن يغمص الناس و يسفه الحق

41-  مع، ]معاني الأخبار[ عن أبيه عن سعد عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن سيف عن عبد الأعلى عن أبي عبد الله عن آبائه ع قال قال رسول الله ص إن أعظم الكبر غمص الخلق و سفه الحق قلت و ما غمص الخلق و سفه الحق قال يجهل الحق و يطعن على أهله و من فعل ذلك فقد نازع الله عز و جل في   ردائه

42-  مع، ]معاني الأخبار[ عن ماجيلويه عن عمه عن الكوفي عن ابن بقاح عن ابن عميرة عن عبد الأعلى عن أبي عبد الله ع قال من دخل مكة مبرأ من الكبر غفر ذنبه قلت و ما الكبر قال غمص الخلق و سفه الحق قلت و كيف ذاك قال يجهل الحق و يطعن على أهله

 قال الصدوق رضي الله عنه في كتاب الخليل بن أحمد تقول فلان غمص الناس و غمص النعمة إذا تهاون بها و بحقوقهم و يقال إنه لمغموص عليه في دينه أي مطعون عليه و قد غمص النعمة و العافية إذا لم يشكرها و قال أبو عبيدة في قوله ع سفه الحق هو أن يرى الحق سفها و جهلا و قال الله تبارك و تعالى وَ مَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ و قال بعض المفسرين إلا من سفه نفسه يقول سفهها و أما قوله غمص الناس فإنه الاحتقار لهم و الازدراء بهم و ما أشبه ذلك قال و فيه لغة أخرى في غير هذا الحديث و غمص بالصاد غير معجمة و هو بمعنى غمط و الغمص في عبر العين و القطعة منه غمصة و الغميصاء كوكب و المغمص في المعا غلظة و تقطيع و وجع

43-  سن، ]المحاسن[ عن أبيه عن ابن فضال عن ابن بكير عن أبي عبد الله ع قال كانت لرسول الله ص ناقة لا تسبق فسابق أعرابي بناقته فسبقتها فاكتأب لذلك المسلمون فقال رسول الله ص إنها ترفعت فحق على الله أن لا يرتفع شي‏ء إلا وضعه الله

44-  سن، ]المحاسن[ عن أبيه بإسناده رفعه إلى أبي عبد الله ع قال إن المتكبرين   يجعلون في صور الذر فيطؤهم الناس حتى يفرغوا من الحساب

 سن، ]المحاسن[ في رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص إن في السماء ملكين موكلين بالعباد فمن تجبر وضعاه

45-  مع، ]معاني الأخبار[ أبي عن سعد عن البرقي عن أبيه عن أحمد بن النضر عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر ع أنه قال قال رسول الله ص أخبرني جبرئيل ع أن ريح الجنة يوجد من مسيرة ألف عام ما يجدها عاق و لا قاطع رحم و لا شيخ زان و لا جار إزاره خيلاء و لا فتان و لا منان و لا جعظري قال قلت فما الجعظري قال الذي لا يشبع من الدنيا