باب 35- ذم الغضب و مدح التنمر في ذات الله

الآيات طه قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَ لا بِرَأْسِي الشعراء وَ إِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ

1-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ لي، ]الأمالي للصدوق[ ابن المتوكل عن السعدآبادي عن البرقي عن عبد العظيم الحسني عن أبي جعفر الثاني عن أبيه ع قال دخل موسى بن جعفر ع على هارون الرشيد و قد استخفه الغضب على رجل فقال له إنما تغضب لله عز و جل فلا تغضب له بأكثر مما غضب لنفسه

2-  لي، ]الأمالي للصدوق[ عن أمير المؤمنين ع لا نسب أوضع من الغضب

    أقول قد مضى الأخبار في باب الحلم و كظم الغيظ

3-  لي، ]الأمالي للصدوق[ سئل أمير المؤمنين ع من أحلم الناس قال الذي لا يغضب

4-  ل، ]الخصال[ عن ابن المتوكل عن السعدآبادي عن البرقي عن أبيه عن يونس عن داود بن فرقد عن أبي عبد الله ع قال الغضب مفتاح كل شر

5-  ل، ]الخصال[ أبي عن محمد بن أحمد بن علي بن الصلت عن البرقي عن أبيه عن يونس عن ابن سنان عن أبي عبد الله ع قال الحواريون لعيسى ابن مريم يا معلم الخير أعلمنا أي الأشياء أشد فقال أشد الأشياء غضب الله عز و جل قالوا فبم يتقى غضب الله قال بأن لا تغضبوا قالوا و ما بدء الغضب قال الكبر و التجبر و محقرة الناس

 كتاب الغايات، عن أبي عبد الله ع و ذكر نحوه

6-  ل، ]الخصال[ عن أبيه عن أحمد بن إدريس عن الأشعري عن موسى بن جعفر عن ابن معبد عن إبراهيم بن إسحاق عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع قال كان رسول الله ص يتعوذ في كل يوم من ست من الشك و الشرك و الحمية و الغضب و البغي و الحسد

7-  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ عن محمد بن أحمد بن الحسين البغدادي عن علي بن محمد بن عنبسة عن بكر بن أحمد بن محمد بن إبراهيم عن فاطمة بنت الرضا عن أبيها عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه و عمه زيد عن أبيهما علي بن الحسين عن أبيه و عمه عن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين قال قال رسول الله ص من كف غضبه كف الله عنه عذابه و من حسن خلقه بلغه الله درجة الصائم القائم

    -8  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ جماعة عن أبي المفضل عن محمد بن جعفر الرزاز عن محمد بن عيسى القيسي عن محمد بن الفضيل عن الرضا عن آبائه ع قال قال رجل للنبي ص يا رسول الله علمني عملا لا يحال بينه و بين الجنة قال لا تغضب و لا تسأل الناس شيئا و ارض للناس ما ترضى لنفسك الخبر

9-  لي، ]الأمالي للصدوق[ عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى عن ابن فضال عن علي بن عقبة عن أبيه عن أبي بصير عن الصادق عن أبيه ع أنه ذكر عنده الغضب فقال إن الرجل ليغضب حتى ما يرضى أبدا و يدخل بذلك النار فأيما رجل غضب و هو قائم فليجلس فإنه سيذهب عنه رجز الشيطان و إن كان جالسا فليقم و أيما رجل غضب على ذي رحمه فليقم إليه و ليدن منه و ليمسه فإن الرحم إذا مست الرحم سكنت

10-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ عن الفحام عن المنصوري عن عم أبيه عن أبي الحسن الثالث عن آبائه عن الكاظم ع قال من لم يغضب في الجفوة لم يشكر في النعمة

11-  ثو، ]ثواب الأعمال[ عن أبيه عن محمد بن أحمد بن علي بن الصلت عن البرقي عن ابن مهران عن ابن عميرة عمن سمع أبا عبد الله ع يقول من كف غضبه ستر الله عورته

12-  ثو، ]ثواب الأعمال[ عن أبيه عن سعد عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سيف عن أخيه عن أبيه عن عاصم عن الثمالي عن أبي عبد الله ع قال سمعته يقول من كف نفسه عن أعراض الناس كف الله عنه عذاب يوم القيامة و من كف غضبه عن الناس أقاله الله نفسه يوم القيامة

    ختص، ]الإختصاص[ عن الباقر ع مثله

13-  ضا، ]فقه الرضا عليه السلام[ أروي أن رجلا سأل العالم أن يعلمه ما ينال به خير الدنيا و الآخرة و لا يطول عليه فقال لا تغضب

14-  شي، ]تفسير العياشي[ عن الأصبغ بن نباتة قال سمعت أمير المؤمنين ع يقول إن أحدكم ليغضب فما يرضى حتى يدخل به النار فأيما رجل منكم غضب على ذي رحمه فليدن منه فإن الرحم إذا مستها الرحم استقرت و إنها متعلقة بالعرش ينتقضه انتقاض الحديد فينادي اللهم صل من وصلني و اقطع من قطعني و ذلك قول الله في كتابه وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً و أيما رجل غضب و هو قائم فليلزم الأرض من فوره فإنه يذهب رجز الشيطان

15-  جع، ]جامع الأخبار[ قال النبي ص الغضب جمرة من الشيطان

 و قال ص الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل و كما يفسد الخل العسل

 و قال إبليس عليه اللعنة الغضب وهقي و مصيادي و به أصد خيار الخلق عن الجنة و طريقها

 و عن جعفر بن محمد ع قال من لم يغتب فله الجنة و من لم يغضب فله الجنة و من لم يحسد فله الجنة

16-  ختص، ]الإختصاص[ قال الصادق ع كان أبي محمد ع يقول أي شي‏ء أشر من الغضب إن الرجل إذا غضب يقتل النفس و يقذف المحصنة

17-  ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ فضالة عن ابن فرقد عن أبي عبد الله ع قال جاء أعرابي   إلى رسول الله ص فقال يا رسول الله علمني شيئا واحدا فإني رجل أسافر فأكون في البادية فقال له رسول الله لا تغضب فاستيسرها الأعرابي فرجع إلى النبي ص فقال يا رسول الله علمني شيئا واحدا فإني أسافر فأكون في البادية فقال له النبي ص لا تغضب فاستيسرها الأعرابي فرجع فأعاد السؤال فأجابه رسول الله فرجع الرجل إلى نفسه و قال لا أسأل عن شي‏ء بعد هذا إني وجدته قد نصحني و حذرني لئلا أفتري حين أغضب و لئلا أقتل حين أغضب

 و قال أبو عبد الله ع الغضب مفتاح كل شر

 و قال إن إبليس كان مع الملائكة و كانت الملائكة تحسب أنه منهم و كان في علم الله أنه ليس منهم فلما أمر بالسجود لآدم حمي و غضب فأخرج الله ما كان في نفسه بالحمية و الغضب

18-  ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ عن النضر عن القاسم بن سليمان عن الصباح عن زيد بن علي قال أوحى الله عز و جل إلى نبيه داود ع إذا ذكرني عبدي حين يغضب ذكرته يوم القيامة في جميع خلقي و لا أمحقه فيمن أمحق

19-  نوادر الراوندي، بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه ع قال قال رسول الله ص الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الخل العسل أو كما يفسد الصبر العسل

 كتاب الإمامة و التبصرة، عن أحمد بن علي عن محمد بن الحسن الصفار عن إبراهيم بن هاشم عن النوفلي عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه مثله

20-  نهج، ]نهج البلاغة[ قال ع الحدة ضرب من الجنون لأن صاحبها يندم فإن لم يندم فجنونه مستحكم

21-  منية المريد، سئل النبي ص ما يبعد من غضب الله تعالى قال لا تغضب

 و عنه ص من كف غضبه ستر الله عورته

    و قال أبو الدرداء قلت يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة قال لا تغضب

 و قال ص الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل

 و قال ص ما غضب أحد إلا أشفى على جهنم

 و ذكر الغضب عند أبي جعفر الباقر ع فقال إن الرجل ليغضب فما يرضى أبدا حتى يدخل النار

 و عنه ع قال مكتوب في التوراة فيما ناجى الله عز و جل به موسى ع يا موسى أمسك غضبك عمن ملكتك عليه أكف عنك غضبي

 و عن أبي حمزة الثمالي قال قال أبو جعفر ع إن هذا الغضب جمرة من الشيطان تتوقد في قلب ابن آدم و إن أحدكم إذا غضب احمرت عيناه و انتفخت أوداجه و دخل الشيطان فيه

22-  كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الخل العسل

 بيان كما يفسد الخل العسل أي إذا أدخل الخل العسل ذهبت حلاوته و خاصيته و صار المجموع شيئا آخر فكذا الإيمان إذا دخله الغضب فسد و لم يبق على صرافته و تغيرت آثاره فلا يسمى إيمانا حقيقة أو المعنى أنه إذا كان طعم العسل في الذائقة فشرب الخل ذهبت تلك الحلاوة بالكلية فلا يجد طعم العسل فكذا الغضب إذا ورد على صاحب الإيمان لم يجد حلاوته و ذهبت فوائده. قال بعض المحققين الغضب شعلة نار اقتبست من نار الله الموقدة إلا أنها لا تطلع على الأفئدة و إنها لمستكنة في طي الفؤاد استكنان الجمر تحت الرماد و يستخرجها الكبر الدفين من قلب كل جبار عنيد كما يستخرج الحجر النار من الحديد و قد انكشف للناظرين بنور اليقين أن الإنسان ينزع منه عرق إلى   الشيطان اللعين فمن أسعرته نار الغضب فقد قويت فيه قرابة الشيطان حيث قال خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ فمن شأن الطين السكون و الوقار و شأن النار التلظي و الاستعار و الحركة و الاضطراب و الاصطهار و منه قوله تعالى يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَ الْجُلُودُ و من نتائج الغضب الحقد و الحسد و بهما هلك من هلك و فسد من فسد. ثم قال اعلم أن الله تعالى لما خلق الإنسان معرضا للفساد و الموتان بأسباب في داخل بدنه و أسباب خارجة منه أنعم عليه بما يحميه الفساد و يدفع عنه الهلاك إلى أجل معلوم سماه في كتابه. أما السبب الداخل فإنه ركبه من الرطوبة و الحرارة و جعل بين الرطوبة و الحرارة عداوة و مضادة فلا تزال الحرارة تحلل الرطوبة و تجففها و تبخرها حتى يتفشى أجزاؤها بخارا يتصاعد منها فلو لم يتصل بالرطوبة مدد من الغذاء يجبر ما انحل و تبخر من أجزائها لفسد الحيوان فخلق الله الغذاء الموافق لبدن الحيوان و خلق للحيوان شهوة تبعثه على تناول الغذاء كالموكل به في جبر ما انكسر و سد ما انثلم ليكون حافظا له من الهلاك بهذه الأسباب. و أما الأسباب الخارجة التي يتعرض لها الإنسان فكالسيف و السنان و سائر المهلكات التي يقصد بها فافتقر إلى قوة و حمية تثور من باطنه فيدفع المهلكات عنه فخلق الله الغضب من النار و غرزه في الإنسان و عجنه بطينته فمهما قصد في غرض من أغراضه و مقصود من مقاصده اشتعلت نار الغضب و ثارت ثورانا يغلي به دم القلب و ينتشر في العروق و يرتفع إلى أعالي البدن كما ترتفع النار و كما يرتفع الماء الذي يغلى في القدر. و لذلك ينصب إلى الوجه فيحمر الوجه و العين و البشرة بصفائها تحكي لون ما وراءها من حمرة الدم كما تحكي الزجاجة لون ما فيها و إنما ينبسط الدم إذا غضب على من دونه و استشعر القدرة عليه فإن صدر الغضب على من هو فوقه

    و كان معه يأس من الانتقام تولد منه انقباض الدم من ظاهر الجلد إلى جوف القلب و صار حزنا و لذلك يصفر اللون و إن كان الغضب على نظير يشك فيه تولد منه تردد بين انقباض و انبساط فيحمر و يصفر و يضطرب. و بالجملة فقوة الغضب محلها القلب و معناها غليان دم القلب لطلب الانتقام و إنما يتوجه هذه القوة عند ثورانها إلى دفع الموذيات قبل وقوعها و إلى التشفي و الانتقام بعد وقوعها و الانتقام قوت هذه القوة و شهوتها و فيه لذتها و لا تسكن إلا به. ثم الناس في هذه القوة على درجات ثلاث في أول الفطرة و بحسب ما يطرأ عليها من الأمور الخارجة من التفريط و الإفراط و الاعتدال أما التفريط فبفقد هذه القوة أو ضعفها بأن لا يستعملها فيما هو محمود عقلا و شرعا مثل دفع الضرر عن نفسه على وجه سائغ و الجهاد مع أعدائه و البطش عليهم و إقامة الحدود على الوجه المعتبر و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فتحصل فيه ملكة الجبن بل ينتهي إلى عدم الغيرة على حرمه و أشباه ذلك و هذا مذموم معدود من الرذائل النفسانية و قد وصف الله تعالى الصحابة بالشدة و الحمية فقال أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ و قال تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَ الْمُنافِقِينَ وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ و إنما الغلظة و الشدة من آثار قوة الحمية و هو الغضب و أما الإفراط فهو الإقدام على ما ليس بالجميل و استعمالها فيما هو مذموم عقلا و شرعا مثل الضرب و البطش و الشتم و النهب و القتل و القذف و أمثال ذلك مما لا يجوزه العقل و الشرع. و أما الاعتدال فهو غضب ينتظر إشارة العقل و الدين فينبعث حيث تجب الحمية و ينطفئ حيث يحسن الحلم و حفظه على حد الاعتدال هو الاستقامة التي كلف الله تعالى به عباده و هو الوسط الذي وصفه رسول الله ص حيث قال   خير الأمور أوساطها فمن مال غضبه إلى الفتور حتى أحس من نفسه ضعف الغيرة و خسة النفس و احتمال الذل و الضيم في غير محله فينبغي أن يعالج نفسه حتى يقوى غضبه و من مال غضبه إلى الإفراط حتى جره إلى التهور و اقتحام الفواحش فينبغي أن يعالج نفسه ليسكن من سورة الغضب و يقف على الوسط الحق بين الطرفين فهو الصراط المستقيم و هو أدق من الشعر و أحد من السيف فينبغي أن يسعى في ذلك بحسب جهده و يتوسل إلى الله تعالى في أن يوفقه لذلك

23-  كا، ]الكافي[ أبو علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن ابن فضال عن علي بن عقبة عن أبيه عن ميسر قال ذكر الغضب عند أبي جعفر ع فقال إن الرجل ليغضب فما يرضى أبدا حتى يدخل النار فأيما رجل غضب على قوم و هو قائم فليجلس من فوره ذلك فإنه سيذهب عنه رجز الشيطان و أيما رجل غضب على ذي رحم فليدن منه فليمسه فإن الرحم إذا مست سكنت

 بيان فما يرضى أبدا فيه تنبيه على أنه ينبغي أن لا يغضب و إن غضب لا يستمر عليه بل يعالجه قريبا بالسعي في الرضا عنه إذ لو استمر عليه اشتد غضبه آنا فآنا و شيئا فشيئا إلى أن يصدر عنه ما يوجب دخوله النار كالقتل و الجرح و أمثالهما أو يصير الغضب له عادة و خلقا فلا يمكنه تركه حتى يدخل بسببه النار. و اعلم أن علاج الغضب أمران علمي و فعلي أما العلمي فبأن يتفكر في الآيات و الروايات التي وردت في ذم الغضب و مدح كظم الغيظ و العفو و الحلم و يتفكر في توقعه عفو الله عن ذنبه و كف غضبه عنه و أما الفعلي فذكر ع هنا أمران. الأول قوله فأيما رجل ما زائدة من فوره كان من بمعنى في و قال الراغب الفور شدة الغليان و يقال ذلك في النار نفسها إذا هاجت و في القدر في الغضب و يقال فعلت كذا من فوري أي في غليان   الحال و قبل سكون الأمر. و قال البيضاوي في قوله تعالى وَ يَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا أي من ساعتهم هذه و هو في الأصل مصدر فارت القدر إذا غلت فاستعير للسرعة ثم أطلق للحال التي لا ريث فيها و لا تراخي و المعنى أن يأتوكم في الحال و قال في المصباح فار الماء يفور فورا نبع و جرى و فارت القدر فورا و فورانا و قولهم الشفعة على الفور من هذا أي على الوقت الحاضر الذي لا تأخير فيه ثم استعمل في الحالة التي لا بطء فيها يقال جاء فلان في حاجته ثم رجع من فوره أي من حركته التي وصل فيها و لم يسكن بعدها و حقيقته أن يصل ما بعد المجي‏ء بما قبله من غير لبث انتهى. و ضمير فوره للرجل و قيل للغضب و الأول أنسب بالآية و ذلك صفة فوره فإنه سيذهب كيمنع و الرجز فاعله أو على بناء الإفعال و الضمير المستتر فاعله و راجع إلى مصدر فليجلس و الرجز مفعوله و في النهاية الرجز بكسر الراء العذاب و الإثم و الذنب و رجز الشيطان وساوسه انتهى. و ذهاب ذلك بالجلوس مجرب كما أن من جلس عند حملة الكلب وجده ساكنا لا يحوم حوله و فيه سر لا يعلمه إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ و ربما يقال السر فيه هو الإشعار بأنه من التراب و عبد ذليل لا يليق به الغضب أو التوسل بسكون الأرض و ثبوتها. و أقول كأنه لقلة دواعيه إلى المشي للقتل و الضرب و أشباههما أو للانتقال من حال إلى حال أخرى و الاشتغال بأمر آخر فإنهما مما يذهل عن الغضب في الجملة و لذا ألحق بعض العلماء الاضطجاع و القيام إذا كان جالسا و الوضوء بالماء البارد و شربه بالجلوس في ذهاب الرجز.   و أقول

 يؤيده ما رواه الصدوق في مجالسه عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن فضال عن علي بن عقبة عن أبيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله عن أبيه ع أنه ذكر عنده الغضب فقال إن الرجل ليغضب حتى ما يرضى أبدا و يدخل بذلك النار و أيما رجل غضب و هو قائم فليجلس فإنه سيذهب عنه رجز الشيطان و إن كان جالسا فليقم و أيما رجل غضب على ذي رحمه فليقم إليه و ليدن منه و ليمسه فإن الرحم إذا مست الرحم سكنت

 و ما رواه العامة عن أبي هريرة قال كان رسول الله ص إذا غضب و هو قائم جلس و إذا غضب و هو جالس اضطجع فيذهب غيظه

و قال بعضهم علاج الغضب أن تقول بلسانك أعوذ بالله من الشيطان الرجيم هكذا أمر رسول الله ص أن يقال عند الغيظ

 و كان ص إذا غضبت عائشة أخذ بأنفها و قال يا عويش قولي اللهم رب النبي محمد اغفر لي ذنبي و أذهب غيظ قلبي و أجرني من مضلات الفتن

و يستحب أن تقول ذلك و إن لم يزل بذلك فاجلس إن كنت قائما و اضطجع إن كنت جالسا و أقرب من الأرض التي منها خلقت لتعرف بذلك ذل نفسك و اطلب بالجلوس و الاضطجاع السكون فإن سبب الغضب الحرارة و سبب الحرارة الحركة إذ قال ص إن الغضب جمرة تتوقد أ لم تر إلى انتفاخ أوداجه و حمرة عينيه. فإن وجد أحدكم من ذلك شيئا فإن كان قائما فليجلس و إن كان جالسا فلينم فإن لم يزل ذلك فليتوضأ بالماء البارد و ليغتسل فإن النار لا يطفئها إلا الماء

 و قد قال ص إذا غضب أحدكم فليتوضأ و ليغتسل فإن الغضب من النار

 و في رواية أن الغضب من الشيطان و أن الشيطان خلق من النار و إنما يطفئ النار الماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ

 و قال ابن عباس قال رسول الله ص إذا غضبت فاسكت

 و قال أبو سعيد الخدري قال النبي ص إن الغضب جمرة في قلب ابن آدم أ لا ترون إلى حمرة   عينيه و انتفاخ أوداجه فمن وجد من ذلك شيئا فليلصق خده بالأرض

و كان هذا إشارة إلى السجود و هو تمكين أعز الأعضاء من أذل المواضع و هو التراب لتستشعر به النفس الذل و تزايل به العزة و الزهو الذي هو سبب الغضب. و أما العلاج الثاني فهو خاص بذي الرحم حيث قال و أيما رجل غضب على ذي رحم فليدن منه أي الغاضب من ذي رحمه إذا مست على بناء المجهول أي بمثلها و يحتمل المعلوم أي مثلها و ما في رواية المجالس المتقدم ذكره أظهر و يظهر منها أنه سقط من رواية الكتاب بعض الفقرات متنا و سندا فتفطن إذ هي عين هذه الرواية و الظاهر أن سكنت على بناء المعلوم المجرد و يحتمل المجهول من بناء التفعيل. و قيل ضمير فليدن راجع إلى ذي الرحم و ضمير منه إلى الرجل و هو بعيد هنا و إن كان له شواهد من بعض الأخبار

 منها ما رواه الصدوق رحمه الله في عيون أخبار الرضا بإسناده عن موسى بن جعفر ع قال لما دخلت على الرشيد سلمت عليه فرد علي السلام ثم قال يا موسى بن جعفر خليفتين يجبى إليهما الخراج فقلت يا أمير المؤمنين أعيذك بالله أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَ إِثْمِكَ و تقبل الباطل من أعدائنا علينا فقد علمت أنه قد كذب علينا منذ قبض رسول الله ص بما علم ذلك عندك فإن رأيت بقرابتك من رسول الله ص أن تأذن لي أحدثك بحديث أخبرني به أبي عن آبائه عن جدي رسول الله ص أنه قال إن الرحم إذا مست الرحم تحركت و اضطربت فناولني يدك جعلني الله فداك فقال ادن فدنوت منه فأخذ بيدي ثم جذبني إلى نفسه و عانقني طويلا ثم تركني و قال اجلس يا موسى فليس عليك بأس فنظرت إليه فإذا أنه قد دمعت عيناه فرجعت إلى نفسي فقال صدقت و صدق جدك لقد تحرك دمي و اضطربت عروقي حتى غلبت علي الرقة و فاضت عيناي إلى آخر الخبر

و أقول هذا لا يعين حمل خبر المتن على دنو الغاضب فإنه يدنو كل من   يريد تسكين الغضب فإنه إذا أراد الغاضب تسكين غضبه يدنو من المغضوب عليه و إذا أراد المغضوب عليه تسكين غضب الغاضب يدنو منه

24-  كا، ]الكافي[ علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن داود بن فرقد قال قال أبو عبد الله ع الغضب مفتاح كل شر

 بيان مفتاح كل شر إذ يتولد منه الحقد و الحسد و الشماتة و التحقير و الأقوال الفاحشة و هتك الأستار و السخرية و الطرد و الضرب و القتل و النهب و منع الحقوق إلى غير ذلك مما لا يحصى

25-  كا، ]الكافي[ عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن النضر بن سويد عن القاسم بن سليمان عن أبي عبد الله ع قال سمعت أبي ع يقول أتى رسول الله ص رجل بدوي فقال إني أسكن البادية فعلمني جوامع الكلام فقال آمرك أن لا تغضب فأعاد عليه الأعرابي المسألة ثلاث مرات حتى رجع الرجل إلى نفسه فقال لا أسأل عن شي‏ء بعد هذا ما أمرني رسول الله ص إلا بالخير قال و كان أبي يقول أي شي‏ء أشد من الغضب إن الرجل يغضب فيقتل النفس التي حرم الله و يقذف المحصنة

 بيان قال في النهاية فيه أوتيت جوامع الكلم يعني القرآن جمع الله بلطفه في الألفاظ اليسيرة منه معاني كثيرة واحدها جامعة أي كلمة جامعة و منه حديث في صفته أنه كان يتكلم بجوامع الكلم أي أنه كان كثير المعاني قليل الألفاظ. فأعاد عليه الأعرابي المسألة ثلاث مرات كان أصل السؤال كان ثلاث مرات فالإعادة مرتان أطلقت على الثلاث تغليبا و المعنى أنه ص في كل ذلك يجيبه بمثل الجواب الأول حتى رجع الرجل أي تفكر في أن تكرار السؤال بعد اكتفائه ص بجواب واحد غير مستحسن فأمسك و علم أنه ص لم يجبه بما أجابه إلا لعلمه بفوائد هذه النصيحة و أنها تكفيه أو تفكر في مفاسد الغضب فعلم أن تخصيصه ص الغضب بالذكر لتلك الأمور.   فيقتل النفس أي إحدى ثمرات الغضب قتل النفس مثلا و هو يوجب القصاص في الدنيا و العذاب الشديد في الآخرة و الأخرى قذف المحصنة و هي العفيفة و هو يوجب الحد في الدنيا و العقاب العظيم في الآخرة

26-  كا، ]الكافي[ عنه عن ابن فضال عن إبراهيم بن محمد الأشعري عن عبد الأعلى قال قلت لأبي عبد الله ع علمني عظة أتعظ بها فقال إن رسول الله ص أتاه رجل فقال له يا رسول الله علمني عظة أتعظ بها فقال له انطلق فلا تغضب ثم عاد إليه فقال له انطلق فلا تغضب ثلاث مرات

 بيان قال في المصباح وعظه يعظه عظة أمره بالطاعة و وصاه بها فاتعظ أي ائتمر و كف نفسه و قال بعض المتقدمين الوعظ تذكير مشتمل على زجر و تخويف و حمل على طاعة الله بلفظ يرق له القلب و الاسم الموعظة

27-  كا، ]الكافي[ عنه عن إسماعيل بن مهران عن سيف بن عميرة عمن سمع أبا عبد الله ع يقول من كف غضبه ستر الله عورته

 بيان ستر الله عورته أي عيوبه و ذنوبه في الدنيا فلا يفضحه بها أو في الآخرة فيكون كفارة عنها أو الأعم منهما و قيل لأنه إذا لم يغضب لا يقوم فيه الناس ما يفضحه و اختلفوا في أن من كان شديد الغضب و كف غضبه و من لا يغضب أصلا لكونه حليما بحسب الخلقة أيهما أفضل فقيل الأول لأن الأجر على قدر المشقة و فيه جهاد النفس و هو أفضل من جهاد العدو. و غضب النبي ص مشهور إلا أن غضبه لم يكن من مس الشيطان و رجزه و إنما كان من بواعث الدين و قيل الثاني لأن الأخلاق الحسنة من الفضائل النفسانية و صاحب الخلق الحسن بمنزلة الصائم القائم

28-  كا، ]الكافي[ عنه عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن حبيب السجستاني عن أبي جعفر ع قال مكتوب في التوراة فيما ناجى الله عز و جل به موسى يا موسى أمسك غضبك عمن ملكتك عليه أكف عنك غضبي

    بيان يقال ناجيته أي ساررته عمن ملكتك عليه أي من العبيد و الإماء أو الرعية أو الأعم و هو أولى و غضب الخلق ثوران النفس و حركتها بسبب تصور المؤذي و الضار إلى الانتقام و المدافعة و غضب الخالق عقابه التابع لعلمه بمخالفة أوامره و نواهيه و غيرهما و فيه إشارة إلى نوع من معالجة الغضب و هو أن يذكر الإنسان عند غضبه على الغير غضبه تعالى عليه فإن ذلك يبعثه على الرضا و العفو طلبا لرضاه سبحانه و عفوه لنفسه

29-  كا، ]الكافي[ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن عبد الحميد عن يحيى بن عمرو عن عبد الله بن سنان قال قال أبو عبد الله ع أوحى الله عز و جل إلى بعض أنبيائه يا ابن آدم اذكرني في غضبك أذكرك في غضبي لا أمحقك فيمن أمحق و ارض بي منتصرا فإن انتصاري لك خير من انتصارك لنفسك

 بيان المراد بذكره له تعالى ذكر قدرته سبحانه عليه و عقابه و بذكر الله له ذكر عفوه عن أخيه فيعفو عن زلاته و معاصيه جزاء بما صنع و قوله لا أمحقك بالجزم بدل من أذكرك و المحق هنا إبطال عمله و تعذيبه و محو ذكره أو إحراقه في القاموس محقه كمنعه أبطله و محاه كمحقه فتمحق و امتحق و امحق كافتعل و الله الشي‏ء ذهب ببركته و الحر الشي‏ء أحرقه و في النهاية المحق النقص و المحو و الإبطال و الانتصار الانتقام و لما كان الغرض من إمضاء الغضب غالبا هو الانتقام من الظالم رغب سبحانه في تركه بأني منتقم من الظالم لك و انتقامي خير من انتقامك و الخيرية من وجوه شتى. الأول أن انتقامه على قدر قدرته و انتقامه سبحانه أشد و أبقى الثاني أن انتقامه يفوت ثوابه و انتقامه تعالى لا يفوته الثالث أن انتقامه يمكن أن يتعدى إلى ما لا يستحقه فيعاقب عليه الرابع أن انتقامه يؤدي غالبا إلى المفاسد الكلية و الجزئية بانتهاض الخصم للمعادات بخلاف انتقامه تعالى

30-  كا، ]الكافي[ أبو علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن ابن فضال عن   علي بن عقبة عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع مثله و زاد فيه و إذا ظلمت بمظلمة فارض بانتصاري لك فإن انتصاري لك خير من انتصارك لنفسك

 بيان في هذا الخبر وقع قوله و إذا ظلمت بمظلمة فارض بانتصاري لك مكان قوله في الخبر السابق و ارض بي منتصرا و مفادهما واحد و لما كان هذا في اللفظ أطول أطلق عليه لفظ الزيادة و إنما ذكر ما بعدها مع كونه مشتركا بينهما للعلم بموضع الزيادة و في المصباح الظلم اسم من ظلمه ظلما من باب ضرب و مظلمة بفتح الميم و كسر اللام و يجعل المظلمة اسما لما يطلبه عند الظالم كالظلامة بالضم

31-  كا، ]الكافي[ عن الحسين بن محمد عن معلى بن محمد و علي بن محمد عن صالح بن أبي حماد جميعا عن الوشاء عن أحمد بن عائذ عن أبي خديجة عن معلى بن خنيس عن أبي عبد الله ع قال قال رجل للنبي ص يا رسول الله علمني قال اذهب و لا تغضب فقال الرجل قد اكتفيت بذلك فمضى إلى أهله فإذا بين قومه حرب قد قاموا صفوفا و لبسوا السلاح فلما رأى ذلك لبس سلاحه ثم قام معهم ثم ذكر قول رسول الله ص لا تغضب فرمى السلاح ثم جاء يمشي إلى القوم الذين هم عدو قومه فقال يا هؤلاء ما كانت لكم من جراحة أو قتل أو ضرب ليس فيه أثر فعلي في مالي أنا أوفيكموه فقال القوم فما كان فهو لكم نحن أولى بذلك منكم قال فاصطلح القوم و ذهب الغضب

 بيان ليس فيه أثر أي علامة جراحة لتصح مقابلته للجراحة و الأثر بالتحريك بقية الشي‏ء و علامته و بالضم و بضمتين أثر الجراح يبقى بعد البرء فعلي في مالي أي لا أبسطه على القبيلة ليكون فيه مضايقة أو تأخير و أنا إما تأكيد للضمير المجرور لأنهم جوزوا تأكيده بالمرفوع المنفصل أو مبتدأ خبره أوفيكموه على بناء الإفعال أو التفعل و الضمير راجع إلى الموصول أي على دية ما ذكر و الإيفاء و التوفية إعطاء الحق تماما

    -32  كا، ]الكافي[ عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد و علي بن إبراهيم عن أبيه جميعا عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر ع قال إن هذا الغضب جمرة من الشيطان توقد في قلب ابن آدم و إن أحدكم إذا غضب احمرت عيناه و انتفخت أوداجه و دخل الشيطان فيه فإذا خاف أحدكم ذلك من نفسه فليلزم الأرض فإن رجز الشيطان ليذهب عنه عند ذلك

 بيان الجمرة القطعة الملتهبة من النار شبه بها الغضب في الإحراق و الإهلاك و نسبها إلى الشيطان لأن بنفخ نزغاته و وساوسه تحدث و تشتد و توقد في قلب ابن آدم و تلتهب التهابا عظيما و يغلي بها دم القلب غليانا شديدا كغلي الحميم فيحدث منه دخان بتحليل الرطوبات و ينتشر في العروق و يرتفع إلى أعالي البدن و الدماغ و الوجه كما يرتفع الماء و الدخان في القدر فلذلك تحمر العين و الوجه و البشرة و تنتفخ الأوداج و العروق و حينئذ يتسلط عليه الشيطان كمال التسلط و يدخل فيه و يحمله على ما يريد فيصدر منه أفعال شبيهة بأفعال المجانين و لزوم الأرض يشمل الجلوس و الاضطجاع و السجود كما عرفت

33-  كا، ]الكافي[ عدة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد الله عن بعض أصحابه رفعه قال قال أبو عبد الله ع الغضب ممحقة لقلب الحكيم

 و قال من لم يملك غضبه لم يملك عقله

 بيان الممحقة مفعلة من المحق و هو النقص و المحو و الإبطال أي مظنة له و إنما خص قلب الحكيم بالذكر لأن المحق الذي هو إزالة النور أنما يتعلق بقلب له نور و قلب غير الحكيم يعلم بالأولوية و إذا عرفت أن الغضب يمحق قلب الحكيم يعني عقله ظهر لك حقيقة قوله من لم يملك غضبه لم يملك عقله. قال بعض المحققين مهما اشتدت نار الغضب و قوي اضطرامها أعمى صاحبه و أصمه عن كل موعظة فإذا وعظ لم يسمع بل تزيده الموعظة غيظا و إن   أراد أن يستضئ بنور عقله و راجع نفسه لم يقدر على ذلك إذ ينطفئ نور العقل و ينمحي في الحال بدخان الغضب فإن معدن الفكر الدماغ و يتصاعد عند شدة الغضب من غليان دم القلب دخان إلى الدماغ مظلم مستول على معادن الفكر. و ربما يتعدى إلى معادن الحس فيظلم عينه حتى لا يرى بعينه و يسود عليه الدنيا بأسرها و يكون دماغه على مثال كهف أضرمت فيه نار فاسود جوه و حمي مستقره و امتلأ بالدخان جوانبه و كان فيه سراج ضعيف فانطفأ و انمحى نوره فلا يثبت فيه قدم و لا يسمع فيه كلام و لا ترى فيه صورة و لا يقدر على إطفائه لا من داخل و لا من خارج بل ينبغي أن يصبر إلى أن يحترق جميع ما يقبل الاحتراق فكذلك يفعل الغضب بالقلب و الدماغ و ربما تقوى نار الغضب فتفني الرطوبة التي بها حياة القلب فيموت صاحبه غيظا كما تقوى النار في الكهف فيتشقق و تنهد أعاليه على أسافله و ذلك لإبطال النار ما في جوانبه من القوة الممسكة الجامعة لأجزائه فهكذا حال القلب مع الغضب. و من آثار هذا الغضب في الظاهر تغير اللون و شدة الرعدة في الأطراف و خروج الأفعال عن الترتيب و النظام و اضطراب الحركة و الكلام حتى يظهر الزبد على الأشداق و تحمر الأحداق و تنقلب المناخر و تستحيل الخلقة و لو رأى الغضبان في حال غضبه قبح صورته لسكن غضبه حياء من قبح صورته و استحالة خلقته و قبح باطنه أعظم من قبح ظاهره فإن الظاهر عنوان الباطن و إنما قبحت صورة الباطن أولا ثم انتشر قبحها إلى الظاهر ثانيا. فهذا أثره في الجسد و أما أثره في اللسان فانطلاقه بالشتم و الفحش و قبيح الكلام الذي يستحيي منه ذوو العقول و يستحيي منه قائله عند فتور الغضب و ذلك مع تخبط النظم و اضطراب اللفظ و أما أثره على الأعضاء فالضرب و التهجم و التمزيق و القتل و الجرح عند التمكن من غير مبالاة فإن هرب منه المغضوب عليه أو فاته بسبب و عجز عن التشفي رجع الغضب على صاحبه فيمزق ثوب نفسه و يلطم وجهه و قد يضرب يده على الأرض و يعدو عدو الواله السكران و المدهوش   المتحير و ربما سقط صريعا لا يطيق العدو و النهوض لشدة الغضب و يعتريه مثل الغشية و ربما يضرب الجمادات و الحيوانات فيضرب القصعة على الأرض و قد تكسر و تراق المائدة إذا غضب عليها و قد يتعاطى أفعال المجانين فيشتم البهيمة و الجماد و يخاطبه و يقول إلى متى منك كذا و يا كيت و كيت كأنه يخاطب عاقلا حتى ربما رفسته دابة فيرفسها و يقابلها به. و أما أثره في القلب مع المغضوب عليه فالحقد و الحسد و إظهار السوء و الشماتة بالمساءة و الحزن بالسرور و العزم على إفشاء السر و هتك الأستار و الاستهزاء و غير ذلك من القبائح فهذه ثمرة الغضب المفرط و قد أشير إليها في تلك الأخبار

34-  كا، ]الكافي[ عن الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن الحسن بن علي عن عاصم بن حميد عن أبي حمزة عن أبي جعفر ع قال قال رسول الله ص من كف نفسه عن أعراض الناس أقال الله نفسه يوم القيامة و من كف غضبه عن الناس كف الله تبارك و تعالى عنه عذاب يوم القيامة

 بيان الأعراض جمع العرض بالكسر و في القاموس العرض بالكسر الجسد و كل موضع يعرق منه و رائحته رائحة طيبة كانت أو خبيثة و النفس و جانب الرجل الذي يصونه من نفسه و حسبه أن يتنقص و يثلب أو سواء كان في نفسه أو في سلفه أو من يلزمه أمره أو موضع المدح و الذم منه أو ما يفتخر به من حسب و شرف و قال النفس الروح و الدم و الجسد و العظمة و العزة و الهمة و الأنفة و العيب و العقوبة. و قوله ع من كف نفسه عن أعراض الناس أي عن هتك عرضهم بالغيبة و البهتان و الشتم و كشف عيوبهم و أمثال ذلك أقال الله نفسه قيل المراد بالنفس هنا العيب.   و أقول يمكن أن يكون المراد بالنفس هنا أيضا المعنى الشائع لأن الإقالة و إن كان الغالب نسبتها إلى العثرات و الذنوب لكن يمكن نسبتها إلى النفس أيضا فإن الإقالة في الأصل هو أن يشتري الرجل متاعا فيندم فيأتي البائع فيقول له أقلني أي اترك ما جرى بيني و بينك و رد علي ثمني و خذ متاعك و استعمل في غفران الذنوب لأنه بمنزلة معاوضة بينه و بين الرب تعالى فكأنه أعطى الذنب و أخذ العقوبة و النفس مرهونة في تلك المعاملة يقتص منها فكما يمكن نسبة الإقالة إلى الذنب يمكن نسبتها إلى النفس أيضا بل هو أنسب لأنه يريد أن يفك نفسه عن العقوبة كما قال تعالى كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ و قال سبحانه كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ

 و قال رسول الله ص ألا إن أنفسكم مرهونة بأعمالكم ففكوها باستغفاركم

مع أنه يمكن تقدير مضاف أي عثرة نفسه