باب 43- التفكر و الاعتبار و الاتعاظ بالعبر

 الآيات البقرة كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ و قال تعالى وَ ما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ آل عمران إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ و قال تعالى قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ و قال تعالى وَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا الأنعام قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ و قال تعالى إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَ الْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ و قال قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَ الْبَصِيرُ أَ فَلا تَتَفَكَّرُونَ   و قال ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ الأعراف قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ و قال فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ و قال تعالى أَ وَ لَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْ‏ءٍ وَ أَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ و قال تعالى إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ وَ إِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ يونس كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ و قال تعالى فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ و قال سبحانه قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما تُغْنِي الْآياتُ وَ النُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ يوسف أَ فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ و قال تعالى لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ الرعد إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ الحجر إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وَ إِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ إِنَّ فِي   ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ النحل إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ و قال تعالى فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ المؤمنون قُلْ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ الفرقان وَ لَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً و قال تعالى وَ الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَ عُمْياناً النمل قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ و قال تعالى قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ العنكبوت قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ و قال تعالى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ و قال تعالى وَ لَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ و قال تعالى وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَ ما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ الروم أَ وَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما   إِلَّا بِالْحَقِّ وَ أَجَلٍ مُسَمًّى وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ أَ وَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَ أَثارُوا الْأَرْضَ وَ عَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ و قال تعالى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ المؤمن وَ ما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ و قال تعالى قَلِيلًا ما تَتَذَكَّرُونَ و قال تعالى أَ فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَ أَشَدَّ قُوَّةً وَ آثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ السجدة سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَ وَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ شَهِيدٌ أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ مُحِيطٌ الجاثية إِنَّ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ فِي خَلْقِكُمْ وَ ما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ تَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ و قال تعالى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ   محمد أَ فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ لِلْكافِرِينَ أَمْثالُها الذاريات وَ فِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَ فِي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلا تُبْصِرُونَ القمر وَ لَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ إلى قوله تعالى وَ لَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَ نُذُرِ وَ لَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ الحشر فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ و قال وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ الحاقة لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ المزمل و الدهر إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا

1-  كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله ع قال كان أمير المؤمنين ع يقول نبه بالتفكر قلبك و جاف عن الليل جنبك و اتق الله ربك

 بيان التنبيه الإيقاظ عن النوم و عن الغفلة و في القاموس النبه بالضم الفطنة و القيام من النوم و أنبهته و نبهته فتنبه و انتبه و هذا منبهة على كذا مشعر به و لفلان مشعر بقدره و معل له و ما نبه له كفرح ما فطن و الاسم   النبه بالضم و نبه باسمه تنبيها نوه انتهى و التفكر إعمال الفكر فيما يفيد العلم به قوة الإيمان و اليقين و الزهد في الدنيا و الرغبة في الآخرة. قال الغزالي حقيقة التفكر طلب علم غير بديهي من مقدمات موصلة إليه كما إذا تفكر أن الآخرة باقية و الدنيا فانية فإنه يحصل له العلم بأن الآخرة خير من الدنيا و هو يبعثه على العمل للآخرة فالتفكر سبب لهذا العلم و هذا العمل حالة نفسانية و هو التوجه إلى الآخرة و هذه الحالة تقتضي العمل لها و قس على هذا فالتفكر موجب لتنور القلب و خروجه من الغفلة و أصل لجميع الخيرات. و قال المحقق الطوسي قدس سره التفكر سير الباطن من المبادي إلى المقاصد و هو قريب من النظر و لا يرتقي أحد من النقص إلى الكمال إلا بهذا السير و مباديه الآفاق و الأنفس بأن يتفكر في أجزاء العالم و ذراته و في الأجرام العلوية من الأفلاك و الكواكب و حركاتها و أوضاعها و مقاديرها و اختلافاتها و مقارناتها و مفارقاتها و تأثيراتها و تغييراتها و في الأجرام السفلية و ترتيبها و تفاعلها و كيفياتها و مركباتها و معدنياتها و حيواناتها و في أجزاء الإنسان و أعضائه من العظام و العضلات و العصبات و العروق و غيرها مما لا يحصى كثرة و يستدل بها و بما فيها من المصالح و المنافع و الحكم و التغيير على كمال الصانع و عظمته و علمه و قدرته و عدم ثبات ما سواه. و بالجملة التفكر فيما ذكر و نحوه من حيث الخلق و الحكمة و المصالح أثره العلم بوجود الصانع و قدرته و حكمته و من حيث تغيره و انقلابه و فنائه بعد وجوده أثره الانقطاع منه و التوجه بالكلية إلى الخالق الحق. و من هذا القبيل التفكر في أحوال الماضين و انقطاع أيديهم عن الدنيا و ما فيها و رجوعهم إلى دار الآخرة فإنه يوجب قطع المحبة عن غير الله و الانقطاع إليه بالتقوى و الطاعة و لذا أمر بهما بعد الأمر بالتفكر و يمكن تعميم التفكر بحيث يشمل التفكر في معاني الآيات القرآنية و الأخبار النبوية و الآثار المروية   عن الأئمة الأطهار و المسائل الدينية و الأحكام الشرعية و بالجملة كل ما أمر الشارع الصادع بالخوض فيه و العلم به. قوله ع و جاف عن الليل جنبك الجفا البعد و جاف عنه كذا أي باعده عنه في الصحاح جفا السرج عن ظهر الفرس و أجفيته أنا إذا رفعته عنه و جافاه عنه فتجافا جنبه عن الفراش أي نبا انتهى و قال سبحانه تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ و إسناد المجافاة إلى الليل مجاز في الإسناد أي جاف عن الفراش بالليل أو فيه تقدير مضاف أي جاف عن فراش الليل جنبك و على التقادير كناية عن القيام بالليل للعبادة و قد مر معنى التقوى و التوصيف بالرب للتعليل

2-  كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن بعض أصحابه عن أبان عن الحسن الصيقل قال سألت أبا عبد الله ع عما يروي الناس إن تفكر ساعة خير من قيام ليلة قلت كيف يتفكر قال يمر بالخربة أو بالدار فيقول أين ساكنوك و أين بانوك ما لك لا تتكلمين

 بيان خير من قيام ليلة أي للعبادة لأن التفكر من أعمال القلب و هو أفضل من أعمال الجوارح و أيضا أثره أعظم و أدوم إذ ربما صار تفكر ساعة سببا للتوبة عن المعاصي و لزوم الطاعة تمام العمر يمر بخربة كأنه ع ذكر ذلك على سبيل المثال لتفهيم السائل أو قال ذلك على قدر فهم السائل و رتبته فإنه كان قابلا لهذا النوع من التفكر و المراد بالدار ما لم تخرب لكن مات من بناها و سكنها غيره و بالخربة ما خرب و لم يسكنه أحد و كون الترديد من الراوي كما زعم بعيد و يحتمل أن يكون أين ساكنوك للخربة و أين بانوك للدار على اللف و النشر المرتب لكن كونهما لكل منهما أظهر. و الظاهر أن القول بلسان الحال و يحتمل المقال و قوله ما لك لا تتكلمين بيان لغاية ظهور الحال أي العبرة فيك بينة بحيث كان ينبغي أن تتكلم بذلك   و قيل هو من قبيل ذكر اللازم و إرادة الملزوم فنفي التكلم كناية عن نفي الاستماع أي لم لا يستمع الغافلون ما تتكلمين به بلسان الحال جهرا و قيل استفهام إنكاري أي أنت تتكلمين لكن الغافلون لا يستمعون و هو بعيد. و يمكن أن يكون كلامها كناية عن تنبيه الغافلين أي لم لا تنبه المغرورين بالدنيا مع هذه الحالة الواضحة و يئول إلى تعيير الجاهلون بعدم الاتعاظ به كما أنه يقول رجل لوالد رجل فاسق بحضرته لم لا تعظ ابنك مع أنه يعظه و إنما يقول ذلك تعييرا للابن

3-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي عن البزنطي عن بعض رجاله عن أبي عبد الله ع قال أفضل العبادة إدمان التفكر في الله و في قدرته

 بيان الإدمان الإدامة و قوله ع و في قدرته كأنه عطف تفسير لقوله في الله فإن التفكر في ذات الله و كنه صفاته ممنوع كما مر في الأخبار في كتاب التوحيد لأنه يورث الحيرة و الدهش و اضطراب العقل فالمراد بالتفكر في الله النظر إلى أفعاله و عجائب صنعه و بدائع أمره في خلقه فإنها تدل على جلاله و كبريائه و تقدسه و تعاليه و تدل على كمال علمه و حكمته و على نفاذ مشيته و قدرته و إحاطته بالأشياء و أنه سبحانه لكمال علمه و حكمته لم يخلق هذا الخلق عبثا من غير تكليف و معرفة و ثواب و عقاب فإنه لو لم تكن نشأة أخرى باقية غير هذه النشأة الفانية المحفوفة بأنواع المكاره و الآلام لكان خلقها عبثا كما قال تعالى أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ. و هذا تفكر أولي الألباب كما قال تعالى إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ وَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا   باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ و قال سبحانه وَ مِنْ آياتِهِ و من آياته في مواضع كثيرة فتلك الآيات هي مجاري التفكر في الله و في قدرته لأولي النهى لا ذاته تعالى.

 فقد روي عن النبي ص أنه قال تفكروا في آلاء الله فإنكم لن تقدروا قدره

4-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن ابن عيسى عن معمر بن خلاد قال سألت أبا الحسن الرضا ع يقول ليس العبادة كثرة الصلاة و الصوم إنما العبادة التفكر في أمر الله عز و جل

 توضيح ليس العبادة كثرة الصلاة أي ليست منحصرة فيها إنما العبادة أي الكاملة التفكر في أمر الله بالمعاني المتقدمة و قد يقال المراد بالتفكر في أمر الله طلب العلم بكيفية العمل و آدابه و شرائطه و العبادة بدونه باطلة فالحاصل أن كثرة الصلاة و الصوم بدون العمل بشرائطهما و كيفياتهما و أحكامهما ليست عبادة. و أقول يحتمل أن يكون المعنى أن كثرة الصلاة و الصوم بدون التفكر في معرفة الله و معرفة رسوله و معرفة أئمة الهدى كما يصنعه المخالفون غير مقبولة و موجبة للبعد عن الحق

5-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد عن إسماعيل بن سهل عن حماد عن ربعي قال قال أبو عبد الله ع قال أمير المؤمنين ع التفكر يدعو إلى البر و العمل به

 بيان التفكر يدعو إلى البر كأن التفكر الوارد في هذا الخبر شامل لجميع التفكرات الصحيحة التي أشرنا إليها كالتفكر في عظمة الله فإنه يدعو إلى خشيته و طاعته و التفكر في فناء الدنيا و لذاتها فإنه يدعو إلى تركها و التفكر في عواقب من مضى من الصالحين فيدعو إلى اقتفاء آثارهم و في ما آل   إليه أمر المجرمين فيدعو إلى اجتناب أطوارهم و في عيوب النفس و آفاتها فيدعو إلى الإقبال على إصلاحها و في أسرار العبادة و غاياتها فيدعو إلى السعي في تكميلها و رفع النقص عنها و في رفعة درجات الآخرة فيدعو إلى تحصيلها و في مسائل الشريعة فيدعو إلى العمل بها في مواضعها و في حسن الأخلاق الحسنة فيدعو إلى تحصيلها و في قبح الأخلاق السيئة و سوء آثارها فيدعو إلى تجنبها و في نقص أعماله و معايبها فيدعو إلى السعي في إصلاحها و في سيئاته و ما يترتب عليها من العقوبات و البعد عن الله و الحرمان عن السعادات فيدعوه إلى الانتهاء عنها و تدارك ما أتى به بالتوبة و الندم و في صفات الله و أفعاله من لطفه بعباده و إحسانه إليه بسوابغ النعماء و بسط الآلاء و التكليف دون الطاقة و الوعد لعمل قليل بثواب جزيل و تسخيره له ما في السماوات و الأرض و ما بينهما إلى غير ذلك فيدعوه إلى البر و العمل به و الرغبة في الطاعات و الانتهاء عن السيئات و بالمقايسة إلى ما ذكرنا يظهر آثار سائر التفكرات و الله الموفق للخيرات. أقول قد مضى بعض الأخبار في باب السكوت و الكلام

6-  ل، ]الخصال[ ابن الوليد عن الصفار عن ابن هاشم عن يحيى بن أبي عمران عن يونس عمن رواه عن أبي عبد الله ع قال كان أكثر عبادة أبي ذر رحمة الله عليه التفكر و الاعتبار

7-  مع، ]معاني الأخبار[ ل، ]الخصال[ في خبر أبي ذر قال قال رسول الله ص على العاقل أن يكون له ثلاث ساعات ساعة يناجي فيها ربه عز و جل و ساعة يحاسب فيها نفسه و ساعة يتفكر فيما صنع الله عز و جل إليه و ساعة يخلو فيها يحظ نفسه من الحلال

10-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ المفيد عن الجعابي عن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن ياسين   عن أبي الحسن الثالث عن آبائه ع قال العلم وراثة كريمة و الآداب حلل حسان و الفكرة مرآة صافية الخبر

11-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ قال أمير المؤمنين ع فيما أوصى به الحسن ع لا عبادة كالتفكر في صنعة الله عز و جل

12-  مع، ]معاني الأخبار[ عن الصادق ع قال قال رسول الله ص أغفل الناس من لم يتعظ بتغير الدنيا من حال إلى حال

13-  لي، ]الأمالي للصدوق[ عن الصادق ع قال قال رسول الله ص السعيد من وعظ بغيره

14-  لي، ]الأمالي للصدوق[ أبي عن محمد العطار عن جعفر بن محمد بن مالك عن سعيد بن عمرو عن إسماعيل بن بشر بن عمار قال كتب هارون إلى موسى بن جعفر ع عظني و أوجز قال فكتب إليه ما من شي‏ء تراه عينك إلا و فيه موعظة

15-  سن، ]المحاسن[ أبي عمن ذكره قال قال أبو عبد الله ع الخير كله في ثلاث خصال في النظر و السكوت و الكلام فكل نظر ليس فيه اعتبار فهو سهو و كل سكوت ليس فيه فكرة فهو غفلة و كل كلام ليس فيه ذكر فهو لغو فطوبى لمن كان نظره اعتبارا و سكوته فكرة و كلامه ذكرا و بكى على خطيئته و أمن الناس شره

16-  سن، ]المحاسن[ أبي عن بنان بن العباس عن حسين الكرخي عن جعفر بن أبان عن الحسن الصيقل قال قلت لأبي عبد الله ع تفكر ساعة خير من   قيام ليلة قال نعم قال رسول الله ص تفكر ساعة خير من قيام ليلة قلت كيف يتفكر قال يمر بالدور الخربة فيقول أين بانوك أين ساكنوك ما لك لا تتكلمين

 ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ القاسم و فضالة عن أبان عن الصيقل مثله

17-  ف، ]تحف العقول[ عن أبي محمد العسكري ع قال ليست العبادة كثرة الصيام و الصلاة و إنما العبادة كثرة التفكر في أمر الله

18-  سن، ]المحاسن[ بعض أصحابنا عن صالح بن عقبة عن عبد الله بن محمد الجعفي قال سمعت أبا جعفر ع يقول إن الله يحب المداعب في الجماعة بلا رفث المتوحد بالفكرة المتخلي بالصبر المساهر بالصلاة

19-  ضا، ]فقه الرضا عليه السلام[ أروي عن العالم ع أنه قال طوبى لمن كان صمته فكرا و نظره عبرا و كلامه ذكرا و وسعه بيته و بكى على خطيئته و سلم الناس من لسانه و يده

 و أروي فكر ساعة خير من عبادة سنة فسألت العالم ع عن ذلك فقال تمر بالخربة و بالديار القفار فتقول أين بانيك أين سكانك ما لك لا تكلمين و ليس العبادة كثرة الصلاة و الصيام و العبادة التفكر في أمر الله جل و علا

 و أروي التفكر مرآتك تريك سيئاتك و حسناتك

20-  مص، ]مصباح الشريعة[ قال الصادق ع اعتبروا بما مضى من الدنيا هل بقي على أحد أو هل فيها باق من الشريف و الوضيع و الغني و الفقير و الولي و العدو فكذلك ما لم يأت منها بما مضى أشبه من الماء بالماء قال رسول الله ص كفى بالموت واعظا و بالعقل دليلا و بالتقوى زادا و بالعبادة شغلا و بالله مونسا و بالقرآن بيانا   و قال النبي ص لم يبق من الدنيا إلا بلاء و فتنة و ما نجا من نجا إلا بصدق الالتجاء و قال نوح ع وجدت الدنيا كبيت له بابان دخلت من أحدهما و خرجت من الآخر هذا حال صفي الله كيف حال من اطمأن فيها و ركن إليها و أضاع عمره في عمارتها و مزق دينه في طلبها و الفكرة مرآة الحسنات و كفارة السيئات و ضياء القلوب و فسحة الخلق و إصابة في صلاح المعاد و اطلاع على العواقب و استزادة في العلم و هي خصلة لا يعبد الله بمثلها قال رسول الله ص فكرة ساعة خير من عبادة سنة و لا ينال منزلة التفكر إلا من قد خصه الله بنور المعرفة و التوحيد

21-  مص، ]مصباح الشريعة[ قال الصادق ع قال رسول الله ص المعتبر في الدنيا عيشه فيها كعيش النائم يراها و لا يمسها و هو يزيل عن قلبه و نفسه باستقباحه معاملات المغرورين بها ما يورثه الحساب و العقاب و يتبدل بها ما يقربه من رضا الله و عفوه و يغسل بماء زوالها مواضع دعوتها إليه و تزيين نفسها إليه فالعبرة يورث صاحبها ثلاثة أشياء العلم بما يعمل و العمل بما يعلم و علم ما لم يعلم و العبرة أصلها أول يخشى آخره و آخر يحقق الزهد في أوله و لا يصح الاعتبار إلا لأهل الصفا و البصيرة قال الله عز و جل فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ و قال جل اسمه فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ فمن فتح الله عين قلبه و بصيرة عينه بالاعتبار فقد أعطاه   منزلة رفيعة و زلفة عظيمة

22-  شي، ]تفسير العياشي[ عن أبي العباس عن أبي عبد الله ع قال تفكر ساعة خير من عبادة سنة إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ

23-  جا، ]المجالس للمفيد[ أحمد بن الوليد عن أبيه عن الصفار عن ابن معروف عن ابن مهزيار عن فضالة عن إسماعيل عن أبي عبد الله ع قال كان أمير المؤمنين ع يقول نبه بالتفكر قلبك و جاف عن النوم جنبك و اتق الله ربك

24-  كتاب صفين، قال لما توجه علي ع إلى صفين انتهى إلى ساباط ثم إلى مدينة بهرسير و إذا رجل من أصحابه يقال له حريز بن سهم من بني ربيعة ينظر إلى آثار كسرى و هو يتمثل بقول ابن يعفر التميمي

جرت الرياح على مكان ديارهم فكأنما كانوا على ميعاد

فقال علي ع أ فلا قلت كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ وَ زُرُوعٍ وَ مَقامٍ كَرِيمٍ وَ نَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ كَذلِكَ وَ أَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ إن هؤلاء كانوا وارثين فأصبحوا موروثين إن هؤلاء لم يشكروا النعمة فسلبوا دنياهم بالمعصية إياك و كفر النعم لا تحل بكم النقم

25-  نهج، ]نهج البلاغة[ إن الأمور إذا اشتبهت اعتبر آخرها بأولها

 و قال ع من اعتبر أبصر و من أبصر فهم و من فهم علم

    و قال ع ما أكثر العبر و أقل الاعتبار

 و قال ع الفكر مرآة صافية و الاعتبار منذر ناصح و كفى أدبا لنفسك تجنبك ما كرهته لغيرك

 و قال ع القلب مصحف البصر

 و قال ع في وصيته للحسن ع استدل على ما لم يكن بما قد كان فإن الأمور أشباه و لا تكونن ممن لا تنفعه العظة إلا إذا بالغت في إيلامه فإن العاقل يتعظ بالأدب و البهائم لا تتعظ إلا بالضرب

26-  كنز الكراجكي، عن المفيد عن ابن قولويه عن أبيه و أخيه معا عن سعد بن عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن محمد بن زياد عن حفص بن قرط عن أبي عبد الله ع قال من وعظه الله بخير فقبل فالبشرى و من لم يقبل فالنار له أحرى

27-  مشكاة الأنوار، عن الحسن الصيقل قال سألت أبا عبد الله ع عما يروي الناس تفكر ساعة خير من قيام ليلة قلت يتفكر ساعة خير من قيام ليلة قال نعم قال رسول الله ص تفكر ساعة خير من قيام ليلة قلت كيف يتفكر قال يمر بالخربة و بالدار فيفكر و يقول أين ساكنوك أين بانوك ما لك لا تكلمين

 و عن أبي عبد الله ع قال قال أمير المؤمنين ع في كلام له يا ابن آدم إن التفكر يدعو إلى البر و العمل به و إن الندم على الشر يدعو إلى تركه و ليس ما يفنى و إن كان كثيرا بأهل أن يؤثر على ما يبقى و إن كان طلبه عزيزا