باب 14- علامات المؤمن و صفاته

قِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ يُطِيعُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ يوسف وَ ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ المؤمنون قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَ الَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ وَ الَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ راعُونَ وَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ القصص الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ وَ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ وَ إِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَ قالُوا لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ التنزيل إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَ سَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ هُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلًا بِما كانُوا يَعْمَلُونَ حمعسق وَ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَ أَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ وَ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ وَ إِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ وَ الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ أَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ وَ الَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَ أَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ الفتح مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَ رِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ مَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً البينة وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَ يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَ يُؤْتُوا الزَّكاةَ وَ ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ إلى قوله إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ. تفسير إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ قيل أي الكاملون في الإيمان وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ أي فزعت لذكره استعظاما له و هيبة من جلاله زادَتْهُمْ إِيماناً ازدادوا بها يقينا و طمأنينة نفس وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ أي و إليه يفوضون أمورهم فيما يخافون و يرجون أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لأنهم حققوا إيمانهم بضم مكارم الأخلاق و محاسن أفعال الجوارح إليه لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ أي كرامة و علو منزلة وَ مَغْفِرَةٌ لما فرط منهم وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ أعد لهم في الجنة. قال علي بن إبراهيم نزلت في أمير المؤمنين ع و أبي ذر و سلمان و المقداد. أَوْلِياءُ بَعْضٍ أي أحباؤهم و أنصارهم أو أولى بتولي أمورهم سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ السين مؤكدة للوقوع. إِلَّا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ قيل بعبادة غيره أو باتخاذ الأحبار أربابا أو نسبة التبني إليه أو القول بالنور و الظلمة أو النظر إلى الأسباب و نحو ذلك و سيأتي تفسيرها في الأخبار أنها شرك طاعة أطاعوا فيها الشيطان أو الاستعانة أو التوسل بغيره تعالى و نحو ذلك. قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ.

 عن الباقر ع أنهم المؤمنون المسلمون أن المسلمين هم النجباء

 خاشِعُونَ قال علي بن إبراهيم غضك بصرك في صلاتك و إقبالك عليها و روي رمي البصر إلى الأرض و سيأتي تفسيرها في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى. و فسر اللغو في بعض الأخبار بالغناء و الملاهي و في بعضها بكل قول ليس فيه ذكر و في بعضها بالاستماع إلى القصاص و في بعضها أن يتقول الرجل عليك بالباطل أو يأتيك بما ليس فيك فتعرض عنه فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ أي الكاملون في العدوان. لِأَماناتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ أي لما يؤتمنون و يعاهدون من جهة الحق أو الخلق راعُونَ قائمون بحفظها و إصلاحها يُحافِظُونَ أي على أوقاتها و حدودها أُولئِكَ الجامعون لهذه هُمُ الْوارِثُونَ و عن أمير المؤمنين ع أن هذه الآية في نزلت.  الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ قيل نزلت في مؤمني أهل الكتاب آمَنَّا بِهِ أي بأنه كلام الله إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ لما رأوا ذكره في الكتب المتقدمة بِما صَبَرُوا عن الصادق ع بما صبروا على التقية و قال الحسنة التقية و السيئة الإذاعة و قال علي بن إبراهيم هم الأئمة ع قال و قوله وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أي يدفعون سيئة من أساء إليهم بحسناتهم. يُنْفِقُونَ أي في سبيل الخير وَ إِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ تكرما و قال علي بن إبراهيم قال اللغو الكذب و اللهو و الغناء قال و هم الأئمة ع يعرضون عن ذلك كله وَ قالُوا أي للاغين سَلامٌ عَلَيْكُمْ قالوا ذلك متاركة لهم و توديعا لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ لا نطلب صحبتهم و لا نريدها. إِذا ذُكِّرُوا بِها أي وعظوا بها خَرُّوا سُجَّداً. خوفا من عذاب الله وَ سَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ أي نزهوه عما لا يليق به كالعجز عن البعث حامدين له شكرا على ما وفقهم للإسلام و آتاهم الهدى وَ هُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ عن الإيمان و الطاعة تَتَجافى جُنُوبُهُمْ أي ترفع و تتنحى عَنِ الْمَضاجِعِ أي عن الفرش و مواضع النوم.

 في المجمع، عن الباقر و الصادق ع هم المتهجدون بالليل الذين يقومون عن فرشهم للصلاة

و يَدْعُونَ رَبَّهُمْ داعين إياه خَوْفاً من سخطه وَ طَمَعاً في رحمته مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ أي مما تقر به عيونهم.

 و عن الصادق ع ما من عمل حسن يعمله العبد إلا و له ثواب في القرآن إلا صلاة الليل فإن الله عز و جل لم يبين ثوابها لعظم خطره

فقال تَتَجافى جُنُوبُهُمْ إلى قوله يَعْمَلُونَ. كَمَنْ كانَ فاسِقاً أي خارجا عن الإيمان لا يَسْتَوُونَ في الشرف و المثوبة  نُزُلًا النزل ما يعد للنازل من طعام و شراب و صلة. وَ ما عِنْدَ اللَّهِ أي ثواب الآخرة خَيْرٌ وَ أَبْقى لخلوص نفعه و دوامه وَ الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ أي قبلوا ما أمروا به وَ أَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ أي تشاور بينهم لا ينفردون برأي حتى يتشاوروا و يجتمعوا عليه و ذلك من فرط يقظتهم في الأمور قال علي بن إبراهيم يشاورون الإمام فيما يحتاجون إليه من أمر دينهم. هُمْ يَنْتَصِرُونَ أي ينتقمون ممن بغى عليهم من غير أن يعتدوا و قيل أي يتناصرون ينصر بعضهم بعضا و قيل جعل الله المؤمنين صنفين صنف يعفون و صنف ينتصرون و قيل وصفهم بالشجاعة بعد وصفهم بسائر أمهات الفضائل و هو لا ينافي وصفهم بالغفران فإن الغفران ينبئ عن عجز المغفور و الانتصار يشعر بمقاومة الخصم و الحلم عن العاجز محمود و عن المتغلب مذموم لأنه إجراء و إغراء على البغي. سَيِّئَةٌ مِثْلُها سمي الثانية سيئة للازدواج و لأنها تسوء من تنزل به و هذا منع عن التعدي في الانتصار فَمَنْ عَفا وَ أَصْلَحَ بينه و بين عدوه فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ عدة مبهمة تدل على عظم الموعود.

 و روي في المجمع، عن النبي ص إذا كان يوم القيامة نادى مناد من كان أجره على الله فليدخل الجنة فيقال من ذا الذي أجره على الله فيقال العافون عن الناس يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ... بِغَيْرِ حِسابٍ

 إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ أي المبتدءين بالسيئة و المتجاوزين في الانتقام.  مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ جملة مبينة للمشهود به في قوله وَ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً أو استئناف مع معطوفه و ما بعدهما خبر وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ أي يغلظون على من خالف دينهم و يتراحمون فيما بينهم تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً لأنهم مشتغلون بالصلاة في أكثر أوقاتهم يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَ رِضْواناً أي يطلبون الثواب و الرضا سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ قيل يريد السمة التي تحدث في جباههم من كثرة الصلاة و عن الصادق ع هو السهر في الصلاة أي أثره. ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ أي صفتهم العجيبة الشأن المذكورة فيها أي أخبر الله تعالى في التوراة و الإنجيل بأن هذه صفتهم أَخْرَجَ شَطْأَهُ أي فراخه فَآزَرَهُ أي فقواه فَاسْتَغْلَظَ أي فصار من الدقة إلى الغلظ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ هو جمع ساق أي فاستوى على قصبه يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ بكثافته و قوته و غلظه و حسن منظره. قيل هو مثل ضربه الله للصحابة قلوا في بدو الإسلام ثم كثروا و استحكموا فترقى أمرهم بحيث أعجب الناس لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ علة لتشبيههم بالزرع في ذكائه و استحكامه. و في مجالس الصدوق أنها نزلت في أمير المؤمنين ع و الذين تحت لوائه في القيامة ينادون أن ربكم يقول لكم عندي مغفرة و أجر عظيم يعني الجنة. مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ أي لا يشركون به حُنَفاءَ أي مائلين عن العقائد الزائغة ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ أي دين الملة القيمة أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ أي الخليقة و في الأخبار أنهم علي و شيعته وَ رَضُوا عَنْهُ لأنه بلغهم أقصى أمانيهم ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ فإن الخشية ملاك الأمر و الباعث على كل خير

 8-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن جميل بن صالح عن عبد الملك بن غالب عن أبي عبد الله ع قال ينبغي للمؤمن أن تكون فيه ثمان خصال وقورا عند الهزاهز صبورا عند البلاء شكورا عند الرخاء قانعا بما رزقه الله لا يظلم الأعداء و لا يتحامل للأصدقاء بدنه منه في تعب و الناس منه في راحة إن العلم خليل المؤمن و الحلم وزيره و العقل أمير جنوده و الرفق أخوه و البر والده

 كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن ابن محبوب عن جميل بن صالح عن عبد الله بن غالب عنه ع مثله ل، ]الخصال[ عن ابن المتوكل عن الحميري عن ابن عيسى عن ابن محبوب عن جميل عن عبد الله مثله ل، ]الخصال[ عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى مثله محص، ]التمحيص[ عنه ع مثله بيان أقول ما في تلك الأسانيد من عبد الله أظهر من عبد الملك لأن عبد الملك غير مذكور في كتب الرجال و عبد الله بن غالب الأسدي الشاعر مذكور فيها ثقة و هو الذي قال له أبو عبد الله ع إن ملكا يلقي عليه الشعر و أنا أعرف ذلك الملك. في سائر الكتب و السند الثاني للكافي وقور و صبور و شكور و قانع بالرفع و الوقور فعول من الوقار بالفتح و هو الحلم و الرزانة و الهز التحريك و الهزاهز الفتن التي يفتتن الناس بها أي لا يعرض له شك عند الفتن التي تصير سببا لشك الناس و كفرهم. صبورا عند البلاء البلاء اسم لما يمتحن به من خير أو شر و كثر استعماله في الشر و هو المراد هنا و الصبر حبس النفس على الأمور الشاقة عليها و ترك الاعتراض على المقدر لها و عدم الشكاية و الجزع و هو من أعظم خصال الإيمان. شكورا عند الرخاء الرخاء النعمة و الخصب و سعة العيش و الشكر الاعتراف بالنعمة ظاهرا و باطنا و معرفة المنعم و صرفها فيما أمر به و الشكور مبالغة فيه قانعا بما رزقه الله أي لا يبعثه الحرص على طلب الحرام و الشبهة و تضييع العمر في جمع ما لا يحتاج إليه. لا يظلم الأعداء الغرض نفي الظلم مطلقا و إنما خص الأعداء بالذكر لأنهم مورد الظلم غالبا و لأنه يستلزم ترك ظلم غيرهم بالطريق الأولى. و لا يتحامل للأصدقاء في القاموس تحامل في الأمر و به تكلفه على مشقة و عليه كلفه ما لا يطيق فالكلام يحتمل وجوها الأول أنه لا يظلم الناس لأجل الأصدقاء. الثاني أنه لا يتحمل الوزر لأجلهم كان يشهد لهم بالزور أو يكتم الشهادة لرعايتهم أو يسعى لهم في حرام. الثالث أن يراد به أنه لا يحمل على نفسه للأصدقاء ما لا يمكنه الخروج عنه. بدنه منه في تعب لاشتغاله بالعبادات و إعراضه عن الرسوم و العادات و سعيه في إعانة المؤمنين و الناس منه في راحة لعدم تعرضه لهم و إعانته إياهم. إن العلم استئناف و ليس من جملة العدد خليل المؤمن الخلة الصداقة و المحبة التي تخللت القلب فصارت خلاله أي في باطنه و الخليل الصديق فعيل بمعنى فاعل و إنما كان العلم خليل المؤمن لأنه لا ينتفع بخليل انتفاعه بالعلم في الدنيا و الآخرة فكما لا يفارق الخليل و لا يتجاوز عن مصلحته ينبغي أن لا يفارق العلم و لا يتجاوز عن مقتضاه. و الحلم وزيره فإنه يعاونه في أمور دنياه و آخرته كمعاونة الوزير الناصح الملك و العقل أمير جنوده إذ جنوده في رفع وساوس الشيطان و صولاتهم الأعمال الصالحة و الأخلاق الحسنة و كلها تابعة للعقل كما مر بيانه في باب جنود العقل. و في ثاني سندي الكافي و سائر الكتب و الصبر أمير جنوده و هو أيضا كذلك و الرفق أخوه أي اللين و اللطف و المداراة مع الصديق و العدو و تمشية الأمور بتدبير و تأمل بمنزلة الأخ له في أنه يصاحبه و لا يفارقه أو في إعانته و إيصال النفع إليه و البر أي الإحسان إلى الوالدين أو إلى جميع من يستحق البر والده أي بمنزلة والده في رعايته و اختياره على جميع الأمور أو في الانتفاع منه و كونه سببا لحياته المعنوية. و في ثانية روايتي الكافي و اللين والده و الفرق بينه و بين الرفق إما بحمل الرفق على اللطف و الإحسان و هو أحد معانيه و اللين على ترك الخشونة أو بحمل الرفق على ترك العنف و اللين على شدة الرفق و كثرته أو الرفق على المعاملات و اللين على المعاشرات و سيأتي بعض القول فيهما

2-  كا، ]الكافي[ عن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن ابن فضال عن منصور بن يونس عن أبي حمزة عن علي بن الحسين ع قال المؤمن يصمت ليسلم و ينطق ليغنم لا يحدث أمانته الأصدقاء و لا يكتم شهادته من البعداء و لا يعمل شيئا من الخير رئاء و لا يتركه حياء إن زكي خاف مما يقولون و يستغفر الله لما لا يعلمون لا يغره قول من جهله و يخاف إحصاء ما عمله

 بيان ليغنم أي الفوائد الأخروية أو ليزيد علمه لا لإظهار الكمال و لا يكتم شهادته من البعداء أي من الأباعد عنه نسبا أو محبة فكيف الأقارب و في بعض النسخ من الأعداء خاف مما يقولون إن يصير سببا لغروره و عجبه لما لا يعلمون أي من ذنوبه. لا يغره قول من جهله أي لا يخدعه ثناء من جهل ذنوبه و عيوبه فيعجب بنفسه و يخاف إحصاء ما عمله أي إحصاء الله و الحفظة أو إحصاء نفسه و على الأخير يحتمل أن يكون منصوبا بنزع الخافض أي يخاف الله لإحصائه ما قد عمله و في المجالس كما سيأتي إحصاء من قد علمه

3-  كا، ]الكافي[ عن عدة من أصحابه عن أحمد بن محمد بن خالد عن بعض من رواه رفعه إلى أبي عبد الله ع قال المؤمن له قوة في دين و حزم في لين و إيمان في يقين و حرص في فقه و نشاط في هدى و بر في استقامة و علم في حلم و كيس في رفق و سخاء في حق و قصد في غنى و تجمل في فاقة و عفو في قدرة و طاعة لله في نصيحة و انتهاء في شهوة و ورع في رغبة و حرص في جهاد و صلاة في شغل و صبر في شدة و في الهزاهز وقور و في المكاره صبور و في الرخاء شكور و لا يغتاب و لا يتكبر و لا يقطع الرحم و ليس بواهن و لا فظ و لا غليظ لا يسبقه بصره و لا يفضحه بطنه و لا يغلبه فرجه و لا يحسد الناس يعير و لا يعير و لا يسرف ينصر المظلوم و يرحم المسكين نفسه منه في عناء و الناس منه في راحة لا يرغب في عز الدنيا و لا يجزع من ذلها للناس هم قد أقبلوا عليه و له هم قد شغله لا يرى في حكمه نقص و لا في رأيه وهن و لا في دينه ضياع يرشد من استشاره و يساعد من ساعده و يكيع عن الخناء و الجهل

 بيان المؤمن له قوة في دين قد عرفت أنه في بعض تلك الفقرات الظرف لغو و في بعضها مستقر و هو تفنن حسن و إن أمكن أن يكون في الجميع لغوا بتكلفات بعيدة لا حاجة إليها ففي هذه الفقرة الظاهر أن الظرف لغو و في للظرفية أي قوي في أمر الدين متصلب و حزم في لين أي مع لين فالظرف مستقر بأن يكون صفة أو حالا و يحتمل أن يكون لغوا أي هو في اللين صاحب حزم لكنه بعيد. و قال بعض الأفاضل أي له ضبط و تيقظ في أموره الدينية و الدنيوية ممزوجا بلين الطبع و عدم الفظاظة و الخشونة مع معامليه و هو فضيلة العدل في المعاملة مع الخلق و قد تكون عن تواضع و قد تكون عن مهانة و ضعف نفس و الأول هو المطلوب و هو المقارن للحزم في الأمور و مصالح النفس و الثاني رذيلة لا يمكن معه الحزم لانفعال المهين عن كل حادث. و بيان الظرفية على ثلاثة أوجه الأول أن الظرفية مجازية بتشبيه ملابسة الحزم للين الطبع في الاجتماع معه بملابسة المظروف للظرف فتكون لفظة في استعارة تبعية. الثاني أن يعتبر تشبيه الهيئة المنتزعة من الحزم و اللين و مصاحبة أحدهما الآخر بالهيئة المنتزعة من المظروف و الظرف و مصاحبتهما فيكون الكلام استعارة تمثيلية لكنه لم يصرح من الألفاظ التي هي بإزاء المشبه به إلا بكلمة في فإن مدلولها هو العمدة في تلك الهيئة و ما عداه تبع له يلاحظ معه في ضمن ألفاظ منوية فلا تكون لفظة في استعارة بل هي على معناها الحقيقي. الثالث أن تشبه اللين بما يكون محلا و ظرفا للشي‏ء على طريقة الاستعارة بالكناية و تكون كلمة في قرينة و تخييلا. و إيمان في يقين أي مع يقين أي بلغ إيمانه حد اليقين في جميع العقائد أو في الثواب و العقاب أو في القضاء و القدر كما عرفت في باب اليقين و حرص في فقه أي هو حريص في معرفة مسائل الدين أو حريص في العبادة مع معرفته لمسائل الدين و نشاط في هدى أي ناشط راغب في العبادة مع اهتدائه إلى الحق و معرفته بأصول الدين كما مر في تفسير قوله تعالى لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى و راغب في الاهتداء و ما يصير سببا لهدايته أو في هداية غيره. و بر في استقامة أي مع الاستقامة في الدين كما قال تعالى الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا أو المراد به الاستقامة في البر أي يضع البر في محله و موضعه و علم في حلم أي مع أناة و عفو أو مع عقل و كيس في رفق أي كياسة مع رفق بالخلق لا كالأكياس في أمور الدنيا يريدون التسلط على الخلق و إيذاءهم أو يستعمل الكياسة في الرفق فيرفق في محله و يخشن في موضعه. و سخاء في حق أي سخاوته في الحقوق اللازمة لا في الأمور الباطلة كما ورد أسخى الناس من أدى زكاة ماله أو مع رعاية الحق فيه بحيث لا ينتهي إلى الإسراف و التبذير و يؤكده قوله و قصد في غنى أي يقتصد بين الإسراف و التقتير في حال الغنى و الثروة أو مع استغنائه عن الخلق. و تجمل في فاقة التجمل التزين و الفاقة الفقر و الحاجة أي يتزين في حال الفقر لتضمنه الشكاية من الله أو يظهر الغنى لذلك كما قال الجوهري التجمل تكلف الجميل و قد يقرأ بالحاء المهملة أي تحمل و صبر في الفقر. في قدرة أي على الانتقام في نصيحة أي مع نصيحة لله أو لأئمة المسلمين أو للمؤمنين أو الأعم من الجميع و نصيحة الله إخلاص العمل له. و في النهاية فيه إن الدين النصيحة لله و لرسوله و لكتابه و لأئمة

  المسلمين و عامتهم النصيحة كلمة يعبر بها عن جملة هي إرادة الخير للمنصوح له و أصل النصح في اللغة الخلوص و معنى نصيحة الله صحة الاعتقاد في وحدانيته و إخلاص النية في عبادته و النصيحة لكتاب الله هو التصديق به و العمل بما فيه و نصيحة رسوله ص التصديق بنبوته و رسالته و الانقياد لما أمر به و نهى عنه و نصيحة الأئمة أن يطيعهم في الحق و نصيحة عامة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم انتهى. و انتهاء في شهوة أي يقبل نهي الله في حال شهوة المحرمات في الصحاح نهيته عن كذا فانتهى عنه و تناهى أي كف و ورع في رغبة أي يتورع عن الشبهات في حال الرغبة فيها فإن الورع يطلق غالبا في ترك الشبهات و قيل في الرغبة عنها و عدم الميل إليها و هو بعيد. و حرص في جهاد الجهاد بالكسر و المجاهدة القتال مع العدو و يطلق على مجاهدة النفس أيضا و هو الجهاد الأكبر أي حرص في القتال أو في العبادة مع مجاهدة النفس و على الأول في بمعنى على و في بعض النسخ في اجتهاد و صلاة في شغل أي مع شغل القلب بها أو في حال اشتغاله بالأمور الدنيوية كما قال سبحانه رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَ إِقامِ الصَّلاةِ. و روي عن الصادق ع في تفسير هذه الآية أنه قال كانوا أصحاب تجارة فإذا حضرت الصلاة تركوا التجارة و انطلقوا إلى الصلاة و هم أعظم أجرا ممن لا يتجر. و قيل المراد ذكر الله في أشغاله و هو بعيد و في الهزاهز وقور عطف على قوله له قوة في دين و ليس بواهن أي في أمور الدين و لا فظ و لا غليظ الفظ الخشن الخلق في القول و الفعل و الغلظة غلظة القلب كما قال تعالى وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ في القاموس الفظ الغليظ الجانب السيئ الخلق القاسي الخشن الكلام انتهى و المعنى أن قوته الغضبية قائمة على حد الاعتدال خرجت عن الوهن المتضمن للتفريط و الفضاضة الموجبة للإفراط. و لا يسبقه بصره أي يملك بصره و لا ينظر إلى شي‏ء إلا بعد علمه بأنه يحل له النظر إليه و لا يضره في الدنيا و الآخرة و لا يفضحه بطنه بأن يرتكب بسبب شهوات البطن ما يفضحه في الدنيا و الآخرة كالسرقة و الظلم و قيل بأن يحضر طعاما بغير طلب و لا يغلبه أي لا يغلب عقله فرجه أي شهوة فرجه فيوقعه في الزنا و اللواطة و أشباههما من المحرمات و الشبهات. يعير بفتح الياء المشددة و لا يعير بكسر الياء أي يعيره الناس بسبب عدم التعارف و أمثاله و هو لا يعير أحدا. و في بعض النسخ لا يحسد الناس بعز أي بسبب عزه و لا يقتر و لا يسرف و لعله أصوب و ما سيأتي برواية الخصال أظهر و العناء بالفتح و المد النصب و المشقة. للناس هم أي فكر و مقصد من الدنيا و عزها و فخرها و مالها و له هم أي فكر و قصد من أمر الآخرة قد شغله عما أقبل الناس عليه لا يرى على بناء المفعول في حكمه أي بين الناس أو في حكمته و في الخصال في حله و لا في رأيه وهن أي هو صاحب عزم قوي و ليس رأيه ضعيفا واهنا و لا في دينه ضياع أي دينه قوي متين لا يضيع بالشكوك و الشبهات و لا بارتكاب السيئات. و يساعد من ساعده أي يعاون من عاونه و حمله على طلب الإعانة بعيد من اللفظ و قيل المراد بمن ساعده جميع المؤمنين فإن كل مؤمن يساعد سائر المؤمنين بتصديق دينهم و موافقته لهم في الإيمان و يكيع كيبيع بالياء المثناة التحتانية و في بعض نسخ الخصال بالتاء المثناة الفوقانية و في بعضها بالنون و الكل متقاربة في المعنى قال في القاموس كعت عنه أكيع و أكاع كيعا إذا هبته و جبنت عنه و قال كنع عن الأمر كمنع هرب و جبن و قال كتع كمنع هرب و في النهاية الخناء الفحش في القول و الجهل مقابل العلم أو السفاهة و السب

4-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي عن بعض أصحابنا رفعه عن أحدهما ع قال مر أمير المؤمنين ع بمجلس من قريش فإذا هو بقوم بيض ثيابهم صافية ألوانهم كثير ضحكهم يشيرون بأصابعهم إلى من يمر بهم ثم مر بمجلس للأوس و الخزرج فإذا أقوام بليت منهم الأبدان و دقت منهم الرقاب و اصفرت منهم الألوان و قد تواضعوا بالكلام فتعجب علي ع من ذلك و دخل على رسول الله ص فقال بأبي أنت و أمي إني مررت بمجلس لآل فلان ثم وصفهم و مررت بمجلس للأوس و الخزرج فوصفهم ثم قال و جميع مؤمنون فأخبرني يا رسول الله بصفة المؤمن فنكس رسول الله ص ثم رفع رأسه فقال عشرون خصلة في المؤمن فإن لم يكن فيه لم يكمل إيمانه إن من أخلاق المؤمنين يا علي الحاضرون الصلاة و المسارعون إلى الزكاة و المطعمون المساكين الماسحون رأس اليتيم المطهرون أطمارهم المتزرون على أوساطهم الذين إن حدثوا لم يكذبوا و إذا وعدوا لم يخلفوا و إذا ائتمنوا لم يخونوا و إذا تكلموا صدقوا رهبان بالليل أسد بالنهار صائمون النهار قائمون الليل لا يؤذون جارا و لا يتأذى بهم جار الذين مشيهم على الأرض هون و خطاهم إلى بيوت الأرامل و على إثر الجنائز جعلنا الله و إياكم من المتقين

 لي، ]الأمالي للصدوق[ عن علي بن عيسى عن علي بن محمد ماجيلويه عن البرقي عن أبيه عن محمد بن سنان عن أبي الجارود عن ابن طريف عن ابن نباتة قال سمعت أمير المؤمنين ع يقول سألت رسول الله ص عن صفة المؤمن فنكس ص رأسه ثم رفعه فقال في المؤمنين عشرون خصلة فمن لم يكن فيه لم يكمل إيمانه يا علي إن المؤمنين هم الحاضرون إلى آخر الخبر و سنشير إلى بعض الاختلاف

 بيان بيض بالكسر جمع أبيض و يحتمل فيه و في نظائره الجر و الرفع يشيرون بأصابعهم استهزاء و إشارة إلى عيوبهم و الأوس و الخزرج قبيلتان من الأنصار بليت منهم الأبدان أي خلقت و نحفت لكثرة العبادة و الرياضة و دقت منهم الرقاب لنحافتهم و اصفرت منهم الألوان لكثرة سهرهم و صومهم و قد تواضعوا بالكلام الباء بمعنى في أي كانوا يتكلمون بالتواضع بعضهم لبعض أو تكلموا معه بالتواضع. و في بعض النسخ تواصفوا بالصاد المهملة و الفاء أي كان يصف بعضهم لبعض بالكلام لا بالإشارة كما مر في الفرقة الأخرى أو لم يكن كلامهم لغوا بل كانوا يصفون ما سمعوا من الرسول ص و جميع مؤمنون أي ظاهرا و يحتمل الاستفهام بصفة المؤمن أي الواقعي و في القاموس الناكس المتطأطئ رأسه و نكس الرأس لعسر العمل بتلك الصفات و الاتصاف بها و تركها بعد السماع أسوأ لهم كما مر في حقوق الإخوان. و قيل النكس كان للتأسف على أحوال قريش و التفكر فيما علم أنهم يفعلونه بأوصيائه و أهل بيته بعده الحاضرون الصلاة أي للإتيان بها جماعة إلى الزكاة أي إلى أدائها عند أول وقت وجوبها. و في المجالس بعد ذلك و الحاجون لبيت الله الحرام و الصائمون في شهر رمضان و هو أظهر لأن بهما يتم العدد و على ما في الكافي قد يتكلف بجعل خطاهم إلى الجنائز خصلتين و الدعاء آخر الخبر خصلة إشارة إلى التقوى. الماسحون رأس اليتيم شفقة عليهم المطهرون أطمارهم أي ثيابهم البالية بالغسل أو بالتشمير و هما مرويان في قوله سبحانه وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ قال الطبرسي قدس سره أي و ثيابك الملبوسة فطهرها من النجاسة للصلاة و قيل و ثيابك فقصر روي ذلك عن أبي عبد الله ع قال الزجاج لأن تقصير الثوب أبعد من النجاسة فإنه إذا انجر على الأرض لم يؤمن أن يصيبه ما ينجسه و قيل لا يكن لباسك من حرام

 و روى أبو بصير عن أبي عبد الله ع قال قال أمير المؤمنين ع غسل الثياب يذهب الهم و الحزن و هو طهور للصلاة و تشمير الثياب طهور لها و قد قال الله سبحانه وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ أي فشمر

و في القاموس الطمر بالكسر الثوب الخلق أو الكساء البالي من غير الصوف و الجمع أطمار. أقول و يمكن جعل هذا إشارة إلى خصلتين هما التطهير و الاكتفاء بلبس أخلاق الثياب فينفع في إتمام العدد على بعض الوجوه. و في المجالس المطهرون أظفارهم و له وجه المتزرون على أوساطهم أي يشدون المئزر على وسطهم احتياطا لستر العورة فإنهم كانوا لا يلبسون السراويل أو المراد شد الوسط بالإزار كالمنطقة ليجمع الثياب و ما توهمه بعض الأصحاب من كراهة ذلك لم أر له مستندا و قيل هو كناية عن الاهتمام في العبادة في القاموس الإزار الملحفة و يؤنث كالمئزر و ائتزر به و تأزر و لا تقل اتزر و قد جاء في بعض الأحاديث و لعله من تحريف الرواة. و في النهاية في حديث الاعتكاف كان إذا دخل العشر الأواخر أيقظ أهله و شد المئزر و المئزر الإزار و كني بشده عن اعتزال النساء و قيل أراد تشميره للعبادة يقال شددت لهذا الأمر مئزري أي تشمرت له و في الحديث كان يباشر بعض نسائه و هي مؤتزرة في حالة الحيض أي مشدودة الإزار و قد جاء في بعض الروايات و هي متزرة و هو خطأ لأن الهمزة لا تدغم في التاء. و إن حدثوا لم يكذبوا فيه شائبة تكرار مع قوله و إن تكلموا صدقوا و يمكن حمل الأول على الحديث عن النبي و الأئمة ع و الثاني على سائر الكلام أو يقرأ حدثوا على بناء المجهول من التفعيل و لم يكذبوا على بناء المعلوم من التفعيل و يمكن عدهما خصلة واحدة للتأكيد على بعض الوجوه. و إذا وعدوا لم يخلفوا على بناء الإفعال و المشهور بين الأصحاب استحباب الوفاء بالوعد و يظهر من الآية و بعض الأخبار الوجوب و لا يمكن الاستدلال بهذا الخبر على الوجوب لاشتماله على كثير من المستحبات و إذا ائتمنوا على مال أو عرض أو كلام لم يخونوا رهبان بالليل أي يمضون إلى الخلوات و يتضرعون رهبة من الله أو يتحملون مشقة السهر و العبادة كالرهبان و فسر الرهبانية في قوله تعالى وَ رَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها بصلاة الليل. قال الراغب الترهب التعبد و هو استعمال الرهبة و الرهبانية غلو في تحمل التعبد من فرط الرهبة قال تعالى وَ رَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها و الرهبان يكون واحدا و جمعا. أسد بالنهار أي شجعان في الجهاد كالأسد في الصحاح الأسد جمعه أسود و أسد مقصور مثقل منه و أسد مخفف قائمون بالليل الفرق بينه و بين رهبان بالليل أن الرهبان إشارة إلى التضرع و الرهبة أو التخلي

  و الترهب و قيام الليل للصلاة لا يستلزم شيئا من ذلك و لا يتأذى بهم جار الفرق بينه و بين ما سبق أن المراد بالجار في الأول من آمنه و في الثاني جار الدار أو في الأول جار الدار و في الثاني من يجاوره في المجلس أو في الأول الإيذاء بلا واسطة و في الثاني تأذيه بسبب خدمه و أعوانه فالجار في الموضعين جار الدار. مشيهم على الأرض هون إشارة إلى قوله سبحانه وَ عِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً قال البيضاوي أي هينين أو مشيا هينا مصدر وصف به و المعنى أنهم يمشون بسكينة و تواضع إلى بيوت الأرامل للصدقة عليهن و إعانتهن و على إثر الجنائز كأن فيه إشعارا باستحباب المشي خلف الجنازة

5-  لي، ]الأمالي للصدوق[ عن ابن موسى عن الأسدي عن سهل عن مبارك مولى الرضا عن الرضا ع قال لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون فيه ثلاث خصال سنة من ربه و سنة من نبيه و سنة من وليه فأما السنة من ربه فكتمان سره قال الله جل جلاله عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ و أما السنة من نبيه فمداراة الناس فإن الله عز و جل أمر نبيه ص بمداراة الناس فقال خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ و أما السنة من وليه فالصبر في البأساء و الضراء يقول الله جل جلاله وَ الصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَ الضَّرَّاءِ وَ حِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ

  ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ عن أبيه عن أحمد بن إدريس عن الأشعري عن سهل عن الحارث بن الدلهاث مولى الرضا عنه ع مثله

 كا، ]الكافي[ عن علي بن محمد بن بندار عن إبراهيم بن إسحاق عن سهل بن الحرث عن الدلهاث مولى الرضا ع قال سمعت الرضا ع يقول و ذكر مثله إلى قوله فالصبر في البأساء و الضراء و ليس فيه ذكر الآية و ليس فيه وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ أيضا و كأنهما سقطا من بعض الرواة

بيان عالِمُ الْغَيْبِ قال الطبرسي رحمه الله أي هو عالم الغيب يعلم متى تكون القيامة فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً أي لا يطلع على الغيب أحدا من عباده ثم استثنى فقال إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ يعني الرسل فإنه يستدل على نبوتهم بأن يخبروا بالغيب ليكون آية معجزة لهم و معناه إلا من ارتضاه و اختاره للنبوة و الرسالة فإنه يطلعه على ما شاء من غيبه على حسب ما يراه من المصلحة انتهى. و قد مر عن أبي جعفر ع قال كان و الله محمد ممن ارتضاه.

 و في الخرائج، عن الرضا ع في قوله تعالى إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ قال فرسول الله عند الله مرتضى و نحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه الله على ما يشاء من غيبه فعلمنا ما كان و ما يكون إلى يوم القيامة

و في تفسير علي بن إبراهيم إلا من ارتضى من رسول يعني عليا المرتضى من الرسول و هو منه. ثم اعلم أن الاستشهاد بالآية الكريمة يدل على أن المراد بكتمان السر الكتمان عن غير أهله و عمن لا يكتمه. خُذِ الْعَفْوَ قال في المجمع أي خذ يا محمد ما عفي من أموال الناس أي ما فضل من النفقة فكان رسول الله ص يأخذ الفضل من أموالهم ليس فيها شي‏ء موقت ثم نزلت آية الزكاة فصار منسوخا بها و قيل معناه خذ العفو من أخلاق الناس و اقبل الميسور منها و معناه أنه أمره بالتساهل و ترك الاستقصاء في القضاء و الاقتضاء و هذا يكون في الحقوق الواجبة لله و للناس و في غيرها و قيل هو العفو في قبول العذر عن المعتذر و ترك المؤاخذة بالإساءة. وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ يعني بالمعروف و هو كل ما حسن في العقل فعله أو في الشرع و لم يكن منكرا و لا قبيحا عند العقلاء و قيل بكل خصلة حميدة وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ معناه و أعرض عنهم عند قيام الحجة عليهم و الإياس من قبولهم و لا تقابلهم بالسفه صيانة لقدرك فإن مجاوبة السفيه تضع عن القدر. و لا يقال هذه الآية منسوخة بآية القتال لأنها عامة خص عنها الكافر الذي يجب قتله بدليل وَ الصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ. أقول الآية هكذا لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ الْكِتابِ وَ النَّبِيِّينَ وَ آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ وَ السَّائِلِينَ وَ فِي الرِّقابِ وَ أَقامَ الصَّلاةَ وَ آتَى الزَّكاةَ وَ الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَ الصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَ الضَّرَّاءِ وَ حِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ. و الأكثر على أن نصب الصابرين على المدح و قال البيضاوي عن الأزهري البأساء في الأموال كالفقر و الضراء في الأنفس كالمرض وَ حِينَ الْبَأْسِ وقت مجاهدة العدو و يدل الخبر على أن هذه الآية نزلت في الأئمة ع فهم الصادقون الذين أمر الله بالكون معهم حيث قال وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ

6-  الشهاب، قال رسول الله ص المؤمن غر كريم و الفاجر خب لئيم

 الضوء، ]ضوء الشهاب[ رجل غر و غرير أي غير مجرب و جارية غرة و غريرة و غر أيضا بينة الغرارة و جمع الغر أغرار و الغرير أغراء و قد غر يغر بالكسر غرارة و الاسم الغرة يقال كان ذلك في غرارتي و حداثتي أي في غرتي و الغرة الغفلة و الغار الغافل و اغتره أتاه على غرة منه و اغتر بالشي‏ء خدع به. و الكرم الجود و إذا وصف الله بالكرم فهو عبارة عن الإحسان و الإنعام المترادف و إذا كان وصفا للآدمي فهو للأخلاق و الأفعال المحمودة فيه و الكرم كالحرية إلا أنه أكبر منها درجة و نقيض الكرم اللؤم و قد كرم الرجل فهو كريم و قوم كرام و كرماء و نسوة كرائم و يقال رجل كرم و امرأة كرم و نسوة كرم و قال فتنبو العين عن كرم عجاف و الكرام كالكريم و الكرام فوق ذلك. و الفجور الفسق و أصل ف ج ر الشق و منه الفجر الطالع و فجر الماء فكأن الفجور شق لباس الدين و أكثر ما يذكر في القرآن و الحديث يراد به الكافر. و الخب الخداع الجربز و قد خببت يا رجل تخب خبا بالكسر و قد خبب فلان فلانا أي خدعه و اللؤم الدناءة و الشح و أصله الهمز و قد لؤم لؤما و ملأمة و لآمة كقولك لئامة و يا ملأمان خلاف يا مكرمان. فوصف ص المؤمن بالغفلة عما لا يعنيه و الإهمال لما ليس من شأنه و بالجود الذي هو تاج المفاخر و واسطة المآثر و عكس ذلك كله للكافر فوصفه بالجربزة و الخبث و الشيطنة و قرن بذلك اللؤم و الشح و جعله لا يبض حجره و لا يورق شجره و هو وصف معناه الترغيب في خصال الخير و تجنب خصال الشر و فائدة الحديث الأمر بالتغافل عن بعض الأمور و ترك الاستقصاء فيها و المساهلة في المعاملة و النهي عن الخب و سوء المعاملة و الخداع و الاستهزاء و البخل بما في اليد و راوي الحديث أبو هريرة. مزيد إيضاح قال في النهاية فيه المؤمن غر كريم و الفاجر خب لئيم غر أي ليس بذي نكر فهو ينخدع لانقياده و لينه و هو ضد الخب يقال فتى غر و فتاة غر و قد غررت تغر غرارة يريد أن المؤمن المعهود من طبعه الغرارة و قلة الفطنة للشر و ترك البحث عنه و ليس ذلك منه جهلا و لكنه كرم و حسن خلق. و منه حديث الجنة يدخلني غرة الناس أي البله الذين لم يجربوا الأمور فهم قليلو الشر منقادون فإن من آثر الخمول و إصلاح نفسه و التزود لمعاده و نبذ أمور الدنيا فليس غرا فيما قصد له و لا مذموما بنوع من الذم و الخب بالفتح الخداع و هو الجربز الذي يسعى بين الناس بالفساد رجل خب و امرأة خبة و قد تكسر خاؤه و أما المصدر فبالكسر لا غير

7-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي عن أبيه عن سليمان الجعفري عن أبي الحسن الرضا عن أبيه ع قال رفع إلى رسول الله ص قوم في بعض غزواته فقال ص من القوم فقالوا مؤمنون يا رسول الله قال و ما بلغ من إيمانكم قالوا الصبر عند البلاء و الشكر عند الرخاء و الرضا بالقضاء فقال رسول الله ص حلماء علماء كادوا من الفقه أن يكونوا أنبياء إن كنتم كما تصفون فلا تبنوا ما لا تسكنون و لا تجمعوا ما لا تأكلون و اتقوا الله الذي إليه ترجعون

 بيان رفع إلى رسول الله ص كمنع على بناء المعلوم أي أسرعوا إليه أو على بناء المجهول أي ظهروا فإن الرفع ملزوم للظهور قال في المصباح رفعته أذعته و منه رفعت على العامل رفيعة و رفع البعير في سيره أسرع و رفعته أسرعت به يتعدى و لا يتعدى انتهى. و قال الكرماني في شرح البخاري فيه فرفعت لنا صخرة أي ظهرت لأبصارنا و فيه فرفع لي البيت المعمور أي قرب و كشف انتهى و يمكن أن يقرأ بالدال و لكن قد عرفت أنه لا حاجة إليه قال في المصباح رفعت إلى كذا بالبناء للمفعول انتهيت إليه. من القوم أي من أي صنف من الناس أنتم فقالوا مؤمنون أي نحن مؤمنون و ما بلغ من إيمانكم من تبعيضية أي بأي حد بلغ بعض إيمانكم أي اذكروا بعض شرائط الإيمان منكم بأي حد بلغ أو زائدة أو سببية أي ما بلغكم و وصل إليكم بسبب إيمانكم أو البلوغ بمعنى الكمال و من للتبعيض أي ما كمل من صفات إيمانكم. حلماء أي هم حلماء من الحلم بالكسر بمعنى العقل أو عدم المبادرة عند الغضب ما لا تسكنون أي ما يزيد على ما اضطررتم إليه من المسكن و كذا لا تجمعوا ما لم تدعكم الضرورة للأكل إليه و يمكن تعميم الأكل بحيث يشمل سائر ما يحتاجون إليه كقوله تعالى وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ أو خصهما بالذكر لأنهما عمدة مطالب الراغبين في الدنيا و اتقوا الله إلخ لما كانت تلك الصفات تقتضي الزهد في الدنيا و التقوى حثهم في تلك الفقرات عليهما

8-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي عن ابن بزيع عن محمد بن عذافر عن أبيه عن أبي جعفر ع قال بينا رسول الله ص في بعض أسفاره إذ لقيه ركب فقالوا السلام عليك يا رسول الله فقال ما أنتم فقالوا نحن مؤمنون يا رسول الله فقال فما حقيقة إيمانكم قالوا الرضا بقضاء الله و التفويض إلى الله و التسليم لأمر الله فقال رسول الله علماء حكماء كادوا أن يكونوا من الحكمة أنبياء فإن كنتم صادقين فلا تبنوا ما لا تسكنون و لا تجمعوا ما لا تأكلون و اتقوا الله الذي إليه ترجعون

 يد، ]التوحيد[ مع، ]معاني الأخبار[ عن ابن الوليد عن الصفار عن ابن أبي الخطاب عن ابن بزيع مثله إلا في تقديم التسليم على التفويض

 ل، ]الخصال[ عن أبيه عن سعد عن ابن أبي الخطاب مثله مشكاة الأنوار، نقلا من كتاب المحاسن مثله توضيح بينا رسول الله بينا هي بين الظرفية أشبعت فتحتها فصارت ألفا و يقع بعدها حينئذ إذ الفجائية غالبا و عاملها محذوف يفسره الفعل الواقع بعد إذ عند بعض و بعضهم يجعلها خبرا عن مصدر مسبوك من الفعل أي بين أوقات سفره لقاء الركب و قد يقع بعدها إذا الفجائية أيضا و الركب جمع راكب كصحب و صاحب. فقال ما أنتم أي أي صنف أنتم من الناس قيل كما أن ما تكون سؤالا عن حقيقة الشي‏ء تكون سؤالا عن خواصه و آثاره المترتبة عليه و هو المراد هنا فلذلك أجابوا بها فقالوا نحن مؤمنون انتهى. و قال الراغب في معاني ما الثالث الاستفهام و يسأل به عن جنس ذات الشي‏ء و نوعه و عن جنس صفات الشي‏ء و نوعها و قد يسأل به عن الأشخاص و الأعيان في غير الناطقين انتهى. فما حقيقة إيمانكم لما كانت للإيمان حقائق مختلفة و درجات متفاوتة سألهم ص عن حقيقة الإيمان الذي يدعونه فأجابوا بلوازمه و آثاره ليظهر حقيقة ما ادعوه أو المراد بالحقيقة ما يحقه و يثبته أي الإيمان أمر قلبي إنما يثبت بآثاره فما ظهر من آثار إيمانكم ليدل على ثبوته في قلوبكم و المعنى الأول أنسب بما مر من مضمون هذا الخبر حيث قال و ما بلغ من إيمانكم فإن الظاهر اتحاد الواقعة و التفويض إلى الله هنا التوكل عليه في جميع الأمور

9-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن عبد الله بن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال استقبل رسول الله ص حارثة بن مالك بن النعمان الأنصاري فقال له كيف أنت يا حارثة بن مالك النعماني فقال يا رسول الله مؤمن حقا فقال له رسول الله ص لكل شي‏ء حقيقة فما حقيقة قولك فقال يا رسول الله عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي و أظمأت هواجري و كأني أنظر إلى عرش ربي و قد وضع للحساب و كأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون في الجنة و كأني أسمع عواء أهل النار في النار فقال رسول الله ص عبد نور الله قلبه أبصرت فاثبت فقال يا رسول الله ادع الله لي أن يرزقني الشهادة معك فقال اللهم ارزق حارثة الشهادة فلم يلبث إلا أياما حتى بعث رسول الله ص بسرية فبعثه فيها فقاتل فقتل تسعة أو ثمانية ثم قتل

 و في رواية القاسم بن بريد عن أبي بصير قال استشهد مع جعفر بن أبي طالب ع بعد تسعة نفر و كان هو العاشر

 تبيين مؤمن حقا قوله حقا مصدر مؤكد كقولهم هذا عبد الله حقا و الحاصل أني مؤمن حق الإيمان و كما ينبغي أن يكون المؤمن فأسهرت ليلي على صيغة الغيبة بإرجاع الضمير إلى النفس أو على صيغة التكلم و كذا الفقرة التالية تحتمل الوجهين. و يقال تزاوروا أي زار بعضهم بعضا و قال في النهاية في حديث حارثة كأني أسمع عواء أهل النار أي صياحهم و العواء صوت السباع و كأنه بالذئب و الكلب أخص و في القاموس عوى يعوي عيا و عواء بالضم لوى خطمه ثم صوت أو مد صوته و لم يفصح و قال السرية من خمسة أنفس إلى ثلاث مائة أو أربعمائة و في الصحاح السرية قطعة من الجيش و قوله و في رواية القاسم بن بريد يحتمل الإرسال أو يكون الراوي عنه ابن سنان. ثم اعلم أن هاتين الروايتين تدلان على أن حارثة استشهد في زمن الرسول ص و قال بعضهم و ينافيه ما ذكر الشيخ في رجاله حيث قال حارثة بن النعمان الأنصاري كنيته أبو عبد الله شهد بدرا و أحدا و ما بعدهما من المشاهد و ذكر هو أنه رأى جبرئيل دفعتين على صورة دحية الكلبي أولهما حين خرج رسول الله ص إلى بني قريظة و الثاني حين رجع من حنين و شهد مع أمير المؤمنين القتال و توفي في زمن معاوية انتهى. و هو خطأ لأن المذكور في الخبر حارثة بن مالك و جده النعمان و ما ذكره الشيخ حارثة بن النعمان و هو غيره نعم ما سيأتي من ذهاب بصره ينافي ذلك في الجملة و يمكن توجيهه بتكلف و العجب أن هذا الحديث مذكور في كتب العامة أيضا كما يظهر من النهاية و هذا الرجل غير مذكور في رجالهم و كأنه لعدم الرواية عنه كما أن أصحابنا أيضا لم يذكروه لذلك

10-  ل، ]الخصال[ عن ابن الوليد عن الصفار عن البرقي عن أبيه عن صفوان بن يحيى عن عبد الله بن سنان قال ذكر رجل المؤمن عند أبي عبد الله ع فقال إنما المؤمن الذي إذا سخط لم يخرجه سخطه من الحق و المؤمن الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل و المؤمن الذي إذا قدر لم يتعاط ما ليس له

 ل، ]الخصال[ عن الطالقاني عن محمد بن جرير الطبري عن صالح الكناني عن يحيى بن عبد الحميد الحماني عن شريك عن هشام بن معاذ عن الباقر ع في حديث طويل مثله إلا أن فيه لم يتناول ما ليس له

11-  لي، ]الأمالي للصدوق[ ابن إدريس عن أبيه عن ابن عيسى عن أبيه عن عبد الله بن القاسم عن أبيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله عن آبائه ع قال قال أمير المؤمنين ع إن لأهل الدين علامات يعرفون بها صدق الحديث و أداء الأمانة و الوفاء بالعهد و صلة الرحم و رحمة الضعفاء و قلة المؤاتاة للنساء و بذل المعروف و حسن الخلق و سعة الخلق و اتباع العلم و ما يقرب إلى الله عز و جل طُوبى لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ و طوبى شجرة في الجنة أصلها في دار النبي و ليس من مؤمن إلا و في داره غصن منها لا تخطر على قلبه شهوة شي‏ء إلا أتاه به ذلك الغصن و لو أن راكبا مجدا صار في ظلها مائة عام ما خرج منها و لو طار من أسفلها غراب ما بلغ أعلاها حتى يسقط هرما ألا في هذا فارغبوا إن المؤمن نفسه منه في شغل و الناس منه في راحة إذا جن عليه الليل افترش وجهه و سجد لله عز و جل بمكارم بدنه يناجي الذي خلقه في فكاك رقبته ألا هكذا فكونوا

12-  ل، ]الخصال[ المظفر العلوي عن ابن العياشي عن أبيه عن إبراهيم بن علي عن إبراهيم بن إسحاق عن يونس عن ابن سنان عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عن أبيه ع قال كان أمير المؤمنين ع يقول إن لأهل التقوى علامات و ساق الحديث كما مر إلا أن فيه و الوفاء بالعهد و قلة الفخر و البخل و صلة الأرحام و فيه لا ينوي في قلبه شيئا إلا أتاه و فيه و لو أن غرابا طار من أصلها ما بلغ أعلاها حتى يبياض هرما

 مشكاة الأنوار، نقلا من كتاب المحاسن إلى قوله طُوبى لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ

بيان في النهاية فيه خير النساء المؤاتية لزوجها المؤاتاة حسن المطاوعة و الموافقة و أصله الهمز فخفف و كثر حتى صار يقال بالواو الخالصة و ليس بالوجه و بذل المعروف أي الإحسان بالمال أو غيره في ظلها أي تحت أغصانها فإنه ليس في الجنة ظل بل كلها ظل ممدود كما قيل و لذا قال في النهاية إن في الجنة شجرة يصير الراكب في ظلها مائة عام أي في ذراها و ناحيتها قوله غراب إنما خص به لأنه أطول الطيور أعمارا و في القاموس ابيض و ابياض ضد اسود و اسواد و ابيضاض الغراب عند غاية كبره و سيأتي شرحه مبسوطا في باب جوامع المكارم إن شاء الله

13-  لي، ]الأمالي للصدوق[ الطالقاني عن أحمد بن دبيس المفسر عن أحمد بن محمد بن أبي البهلول عن الفضل بن هرمز ديار الطبري عن الحسن بن شجاع البلخي عن سليمان بن الربيع عن كادح بن أحمد عن مقاتل بن سليمان عن الضحاك قال سأل رجل ابن عباس ما الذي أخفى الله تبارك و تعالى من الجنة و قد أخبر عن أزواجها و عن خدمها و طيبها و شرابها و ثمرها و ما ذكر الله تبارك و تعالى من أمرها و أنزله في كتابه فقال ابن عباس هي جنة عدن خلقها الله يوم الجمعة ثم أطبق عليها فلم يرها مخلوق من أهل السماوات و الأرض حتى يدخلها أهلها قال لها عز و جل ثلاث مرات تكلمي فقالت طوبى للمؤمنين قال جل جلاله طوبى للمؤمنين و طوبى لك

 قال مقاتل قال الضحاك قال ابن عباس فقال النبي ص ألا من كان فيه ست خصال فإنه منهم من صدق حديثه و أنجز موعوده و أدى أمانته و بر والديه و وصل رحمه و استغفر من ذنبه فهو مؤمن

 بيان كأن سؤاله عن قوله سبحانه فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ قوله ص من صدق على بناء التفعيل أي جعل حديثه صادقا أو على بناء المجرد فحديثه مرفوع أمانته أي الأمانة التي عنده من الناس

14-  لي، ]الأمالي للصدوق[ عن ابن مسرور عن ابن عامر عن عمه عن ابن محبوب عن مالك بن عطية عن الثمالي عن علي بن الحسين صلوات الله عليه قال المؤمن خلط علمه بالحلم يجلس ليعلم و ينصت ليسلم و ينطق ليفهم لا يحدث أمانته الأصدقاء و لا يكتم شهادته الأعداء و لا يفعل شيئا من الحق رياء و لا يتركه حياء إن زكي خاف ما يقولون و يستغفر الله مما لا يعلمون لا يغره قول من جهله و يخشى إحصاء من قد علمه و المنافق ينهى و لا ينتهي و يأمر بما لا يأتي إذا قام في الصلاة اعترض و إذا ركع ربض و إذا سجد نقر و إذا جلس شغر يمسي و همه الطعام و هو مفطر و يصبح و همه النوم و لم يسهر إن حدثك كذبك و إن وعدك أخلفك و إن ائتمنته خانك و إن خالفته اغتابك

 كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن النعمان عن ابن مسكان عن الثمالي مثله إلى قوله و يخشى إحصاء ما قد عمله

بيان خلط علمه في الكافي عمله بتقديم الميم و ما هنا أوفق بسائر الأخبار و أظهر إذ العلم بلا عمل يصير غالبا سببا للتكبر و الترفع و السفاهة و ترك الحلم يجلس ليعلم أي يختار مجلسا يحصل فيه التعلم و إنما يجلس له لا للأغراض الفاسدة ليسلم أي من مفاسد الكلام و ينطق ليفهم أي إنما ينطق في تلك المجالس ليفهم ما أفاده العالم إن لم يفهمه لا للمجادلة و إظهار الفضل لا يحدث أمانته أي السر أو المال الذي ائتمن عليه أو أسرار أموره التي يخشى عليه الضرر فإطلاق الأمانة باعتبار أنه يجعله أمانة عند من يحدثه الأصدقاء فكيف الأعداء. و لا يكتم أي لو كان عنده شهادة لعدو لا تحمله عداوته على أن لا يقول له أنا شاهد لك أو لا يكتمه إذا استشهده فالمراد للأعداء شيئا من الحق أي العبادات الحقة ليراه الناس و فيه إشعار بأنه لا يفعل غير الحق و لا يأتي ببدعة و لا يتركه أي الحق حياء لأنه لا حياء في الحق كما قال الله تعالى وَ اللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ إن زكي أي أثني عليه و مدح بما يفعله خاف ما يقولون و في الكافي مما يقولون أي خاف أن يكون قولهم سببا لإعجابه بنفسه و عمله فيضيع عمله أو يكونوا كاذبين و رضي بكذبهم فيعاقب على ذلك مع أنه لا ينفع تزكيتهم كما قال تعالى فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ. مما لا يعلمون أي عيوبه و معاصيه التي صار عدم علمهم بها سببا لتزكيتهم لا يغره تأكيد لما سبق أو استئناف بياني و كذا الفقرة الآتية على اللف و النشر المرتب أي لا يغتر بتزكية من لا يطلع على عيوبه الخفية فيعجب بقولهم. إحصاء من قد علمه أي الرب أو الأعم منه و من النبي و الأئمة ع و الملائكة الكاتبين و في الكافي ما قد علمه فيكون إضافة إلى المفعول أي إحصاء ما تقدم ذكر أعماله و سيأتي شرح تتمة الخبر في باب صفات المنافق إن شاء الله

15-  ل، ]الخصال[ عن عبد الله بن النضر عن جعفر بن محمد المكي عن عبد الله بن محمد بن عمر عن صالح بن زياد عن أبي عثمان عبد بن ميمون السكوني عن عبد الله بن معن الأزدي عن عمران بن سليمان عن الطاوس بن اليمان قال سمعت علي بن الحسين ع يقول علامات المؤمن خمس قلت و ما هن يا ابن رسول الله قال الورع في الخلوة و الصدقة في القلة و الصبر عند المصيبة و الحلم عند الغضب و الصدق عند الخوف

 الدرة الباهرة، عنه ع مثله بيان عند الخوف كأنه محمول على خوف لم يصل إلى حد وجوب التقية

16-  ل، ]الخصال[ عن ابن الوليد عن محمد العطار عن الأشعري عن أحمد بن محمد و غيره بإسناده رفعاه إلى أمير المؤمنين ع أنه قال المؤمن من طاب مكسبه و حسنت خليقته و صحت سريرته و أنفق الفضل من ماله و أمسك الفضل من كلامه و كفى الناس من شره و أنصف الناس من نفسه

 كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي عن إسماعيل بن مهران عن منذر بن جيفر عن آدم أبي الحسن اللؤلؤي عن أبي عبد الله ع مثله إلا أن فيه و كفى الناس شره

 بيان في رجال الشيخ آدم أبو الحسين من طاب مكسبه أي يكون ما يكتسبه من المال حلالا و في القاموس فلان طيب المكسب و المكسب أي طيب الكسب خليقته أي طبيعته بالتخلي عن الرذائل أو التحلي بالفضائل سريرته أي نيته أو بواطن أمره بأن لا يكون باطنه خلاف ظاهره أو قلبه بصحة عقائده و نياته و في القاموس السريرة ما يكتم. و أنفق الفضل من ماله أي أنفق ما يفضل عن نفقة نفسه و عياله في سبيل الله و الفضل من كلامه ما لا نفع فيه لآخرته و كفى الناس شره بأن يكف عنهم ضره و أنصف الناس من نفسه بأن يحكم لهم عليها و يحب لهم ما يحب لها و يكره لهم ما يكره لها

17-  ل، ]الخصال[ في وصية النبي ص إلى علي ع يا علي ينبغي أن يكون للمؤمن ثمان خصال وقار عند الهزاهز و صبر عند البلاء و شكر عند الرخاء و قنوع بما رزقه الله لا يظلم الأعداء و لا يتحامل للأصدقاء بدنه منه في تعب و الناس منه في راحة

18-  ل، ]الخصال[ عن أبيه عن محمد العطار و أحمد بن إدريس معا عن الأشعري عن الحسن بن علي عن أبي سليمان الحلواني أو عن رجل عنه عن أبي عبد الله ع قال صفة المؤمن قوة في دين و حزم في لين و إيمان في يقين و حرص في فقه و نشاط في هدى و بر في استقامة و إغماض عند شهوة و علم في حلم و شكر في رفق و سخاء في حق و قصد في غنى و تجمل في فاقة و عفو في قدرة و طاعة في نصيحة و ورع في رغبة و حرص في جهاد و صلاة في شغل و صبر في شدة و في الهزاهز وقور و في المكاره صبور و في الرخاء شكور لا يغتاب و لا يتكبر و لا يبغى و إن بغي عليه صبر و لا يقع الرحم و ليس بواهن و لا فظ غليظ و لا يسبقه بصره و لا يفضحه بطنه و لا يغلبه فرجه و لا يحسد الناس و لا يقتر و لا يبذر و لا يسرف بل يقتصد ينصر المظلوم و يرحم المساكين نفسه منه في عناء و الناس منه في راحة لا يرغب في عز الدنيا و لا يجزع من المهانة للناس هم قد أقبلوا عليه و له هم قد شغله لا يرى في حلمه نقص و لا في رأيه وهن و لا في دينه ضياع يرشد من استشاره و يساعد من ساعده و يكيع عن الباطل و الخناء و الجهل فهذه صفة المؤمن

 بيان قد مر شرحه برواية الكليني و إنما أعدناه للاختلاف الكثير بينهما و شكر أي لله بالطاعة مع رفق فيها و عدم المبالغة فيها بحيث يتضجر و يضعف عنها أو مع رفق بالخلق و يحتمل أن يكون المراد شكر الخلق و فيما مر و كيس

19-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ عن المفيد عن ابن قولويه عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى عن ابن محبوب عن أبي ولاد الحناط عن أبي عبد الله ع قال أربع من كن فيه كمل إيمانه و إن كان من قرنه إلى قدمه ذنوب لم ينقصه ذلك و هي الصدق و أداء الأمانة و الحياء و حسن الخلق

 محص، ]التمحيص[ عن أمير المؤمنين ع عن النبي ص مثله كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن ابن عيسى مثله بيان أربع مبتدأ أي خصال أربع و الموصول بصلته خبره و إن كان من قرنه مبالغة في الكثرة أو كناية عن صدورها من كل جارحة من جوارحه و يمكن حملها على الصغائر فإن صدور الكبائر الكثيرة من صاحب تلك الخصال بعيد و يحتمل أن يكون المراد أنه يوفق للتوبة و هذه الخصال تدعوه إليها فإن كلا منها يمنع كثيرا من الذنوب كما لا يخفى

 96-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ عن المفيد عن أحمد بن الوليد عن أبيه عن الصفار عن ابن عيسى عن محمد بن عبد الجبار عن الحسن بن محبوب عن أبي أيوب الخزاز عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر محمد بن علي ع قال كان أبي علي بن الحسين ع يقول أربع من كن فيه كمل إيمانه و محصت عنه ذنوبه و لقي ربه و هو عنه راض من وفى لله بما جعل على نفسه للناس و صدق لسانه مع الناس و استحيا من كل قبيح عند الله و عند الناس و حسن خلقه مع أهله

 سن، ]المحاسن[ عن أبيه عن ابن محبوب مثله بيان في النهاية أصل المحص التخليص و منه تمحيص الذنوب أي إزالتها بما جعل على نفسه للناس أي بالنذر أو العهد أو اليمين كما يومئ إليه قوله وفى لله و يحتمل التعميم لأن الوفاء بالعهد إن لم يكن واجبا فلا ريب في رجحانه و عند الناس أي إذا لم يكن مستحسنا عند الله أو المراد بالناس كملهم مع أهله التخصيص لأنه أفضل و أهم

21-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ المفيد عن الجعابي عن ابن عقدة عن الحسن بن جعفر عن طاهر بن مدرار عن رزين بن أنس قال سمعت جعفر بن محمد ع يقول لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون كامل العقل و لا يكون كامل العقل حتى يكون فيه عشر خصال الخير منه مأمول و الشر منه مأمون يستقل كثير الخير من نفسه و يستكثر قليل الخير من غيره و يستكثر قليل الشر من نفسه و يستقل كثير الشر من غيره لا يتبرم بطلب الحوائج قبله و لا يسأم من طلب العلم عمره الذل أحب إليه من العز و الفقر أحب إليه من الغنى حسبه من الدنيا قوت و العاشرة و ما العاشرة لا يلقى أحدا إلا قال هو خير مني و أتقى إنما الناس رجلان رجل خير منه و أتقى و آخر شر منه و أدنى فإذا لقي الذي هو خير منه و أتقى تواضع له ليلحق به و إذا لقي الذي هو شر منه و أدنى قال لعل شر هذا ظاهر و خيره باطن فإذا فعل ذلك علا و ساد أهل زمانه

 بيان في القاموس البرم محركة السأمة و الضجر و أبرمه فبرم كفرح و تبرم أمله فمل قبله بكسر القاف و فتح الباء أي عنده الذل أحب إليه من العز لعل المعنى أن ذله عند نفسه أحب إليه من العز و التكبر أو يحب الذل إذا علم أن العز يصير سببا لفساده و بغيه أو إذا أذله الله يرضى بذلك و يكون أحب إليه لقلة مفاسده كما هو الظاهر من الفقرة التي بعدها لئلا ينافي ما ورد من أنه تعالى لا يرضى بذل المؤمن و لم يدع إليه أن يذل نفسه حسبه من الدنيا قوت أي يكتفي بالقوت و لا يطلب أكثر منه. و اعلم أن الخصال المذكورة اثنتا عشرة فلا يوافق العدد المذكور أولا و يمكن توجيهه بوجوه الأول عد استقلال الخير من نفسه و استكثاره من غيره واحدا لتلازمهما غالبا و كذا عد القرينتين بعدهما واحدا لذلك. الثاني عد تقليل الخير من نفسه و تكثير الشر منها واحدا لقربهما و تلازمهما و كذا تقليل الشر و تكثير الخير من الغير. الثالث عد كون الخير مأمولا منه و الشر مأمونا واحدا للتلازم غالبا و جعل الاكتفاء بالقوت من تتمة الفقرة السابقة لا خصلة أخرى. الرابع عد قوله الذل إلى قوله قوت خصلة واحدة لتقارب الجميع و لكل وجه و إن كان لا يخلو شي‏ء منها من تكلف و ساد أهل زمانه أي صار سيدهم و أشرفهم حسبا و كرامة

22-  جا، ]المجالس للمفيد[ ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ عن المفيد عن ابن قولويه عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى عن علي بن الحكم عن أبي سعيد القماط عن المفضل قال سمعت أبا عبد الله ع يقول لا يكمل إيمان العبد حتى يكون فيه أربع خصال يحسن خلقه و يستخف نفسه و يمسك الفضل من قوله و يخرج الفضل من ماله

 سن، ]المحاسن[ عن أبيه عن أبي سعيد القماط مثله

23-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ عن جماعة عن أبي المفضل عن جعفر بن محمد العلوي عن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين عن الحسين بن زيد بن علي عن جعفر بن محمد عن آبائه عن أمير المؤمنين صلوات الله عليهم قال سمعت رسول الله ص يقول المؤمن غر كريم و الفاجر خب لئيم و خير المؤمنين من كان مألفة للمؤمنين و لا خير فيمن لا يألف و لا يؤلف

 قال و سمعت رسول الله ص يقول شرار الناس من يبغض المؤمنين و تبغضه قلوبهم المشاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون للبراء العيب أولئك لا يَنْظُرُ الله إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لا يُزَكِّيهِمْ ثم تلا ص هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَ بِالْمُؤْمِنِينَ أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ

 بيان مألفة أي محلا لألفتهم يألفون به أو يألفهم أيضا قال في المصباح المألف الموضع الذي يألفه الإنسان و ألفته من باب علمت أنست به و أحببته و الاسم الألفة بالضم و الألفة أيضا اسم من الائتلاف و هو الالتيام و الاجتماع و النميمة نقل الحديث من قوم إلى قوم على جهة الإفساد و الشر. الباغون أي الطالبون للبراء من العيوب العيب لا يَنْظُرُ الله إِلَيْهِمْ كناية من عدم اللطف أو المعنى لا ينظر الله إليهم نظر رحمة وَ لا يُزَكِّيهِمْ أي لا يثني عليهم و لا يقبل أعمالهم أو لا ينمي أعمالهم و الاستشهاد بالآية لدلالتها على حسن التأليف بين قلوب المؤمنين و التزاما على قبح التفريق بينهم

24-  ع، ]علل الشرائع[ عن الحميري عن هارون عن ابن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه ع قال قيل له ما بال المؤمن أحد شي‏ء قال لأن عز القرآن في قلبه و محض الإيمان في صدره و هو بعد مطيع لله و لرسوله مصدق قيل فما بال المؤمن قد يكون أشح شي‏ء قال لأنه يكسب الرزق من حله و مطلب الحلال عزيز فلا يحب أن يفارقه لشدة ما يعلم من عسر مطلبه و إن هو سخت نفسه لم يضعه إلا في موضعه قيل له فما بال المؤمن قد يكون أنكح شي‏ء قال لحفظه فرجه من فروج ما لا يحل له و لكن لا تميل به شهوته هكذا و لا هكذا فإذا ظفر بالحلال اكتفى به و استغنى به عن غيره قال ص إن قوة المؤمن في قلبه أ لا ترون أنه قد تجدونه ضعيف البدن نحيف الجسم و هو يقوم الليل و يصوم النهار و قال المؤمن أشد في دينه من الجبال الراسية و ذلك أن الجبل قد ينحت منه و المؤمن لا يقدر أحد على أن ينحت من دينه شيئا و ذلك لضنه بدينه و شحه عليه

 بيان لأن عز القرآن في قلبه أي حدته إنما هي في الدين لتنمره في ذات الله و عدم المداهنة في دين الله

25-  مع، ]معاني الأخبار[ عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى عن موسى بن القاسم العجلي عن صفوان بن يحيى عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله ع قال لقي رسول الله ص يوما حارثة بن النعمان الأنصاري قال له كيف أصبحت يا حارثة قال أصبحت يا رسول الله مؤمنا حقا قال إن لكل إيمان حقيقة فما حقيقة إيمانك قال عزفت نفسي عن الدنيا و أسهرت ليلي و أظمأت نهاري فكأني بعرش ربي و قد قرب للحساب و كأني بأهل الجنة فيها يتزاورون و أهل النار فيها يعذبون فقال رسول الله ص أنت مؤمن نور الله الإيمان في قلبك فاثبت ثبتك الله فقال له يا رسول الله ما أنا على نفسي من شي‏ء أخوف مني عليها من بصري فدعا له رسول الله ص فذهب بصره

26-  مع، ]معاني الأخبار[ عن أبيه عن سعد عن البرقي عن محمد بن علي عن حرب بن الحسن الطحان عن إبراهيم بن عبد الله عن فضيل بن يسار عن أبي جعفر ع قال لا يبلغ أحدكم حقيقة الإيمان حتى يكون فيه ثلاث خصال الموت أحب إليه من الحياة و الفقر أحب إليه من الغنى و المرض أحب إليه من الصحة قلنا و من يكون كذلك قال كلكم ثم قال أيما أحب إلى أحدكم يموت في حبنا أو يعيش في بغضنا فقلت نموت و الله في حبكم أحب إلينا قال و كذلك الفقر و الغنى و المرض و الصحة قلت إي و الله

27-  سن، ]المحاسن[ عن أبيه عن الحسن بن سيف عن أخيه علي عن سليمان بن عمر عن أبي عبد الله عن أبيه ع قال لا يستكمل عبد حقيقة الإيمان حتى يكون فيه خصال ثلاث التفقه في الدين و حسن التقدير في المعيشة و الصبر على الرزايا

28-  سن، ]المحاسن[ عن أبيه عن ابن فضال عن عاصم عن أبي حمزة عن عبد الله بن الحسن عن أمه فاطمة بنت الحسين قالت قال رسول الله ص ثلاث خصال من كن فيه يستكمل خصال الإيمان الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل و إذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق و إذا قدر لم يتعاط ما ليس له

 كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي مثله  ل، ]الخصال[ عن أبيه عن محمد بن علي بن الصلت عن البرقي عن ابن فضال عن عاصم عن الثمالي عن عبد الله بن الحسن عن أمه فاطمة بنت الحسين بن علي عن أبيها مثله بيان الظاهر أن فيه إرسالا لأن فاطمة بنت الحسين ع لم تعهد روايتها عن النبي ص بل لم تلقه و كأنه كان عن فاطمة بنت الحسين عن الحسين كما في الخصال. يستكمل أي لا تحصل هذه الأخلاق في مؤمن إلا و قد حصلت فيه سائر الخصال لأنها أشقها و أشدها و أيضا أنها مستلزمة للعدل و هو التوسط بين الإفراط و التفريط و هو معيار جميع الكمالات و في القاموس التعاطي التناول و تناول ما لا يحق و التنازع في الأخذ و ركوب الأمر انتهى أي بعد القدرة لا يأخذ أو لا يرتكب ما ليس له

29-  سن، ]المحاسن[ روي عن أبي عبد الله ع قال ستة لا تكون في مؤمن قيل و ما هي قال العسر و النكد و اللجاجة و الكذب و الحسد و البغي و قال لا يكون المؤمن محاربا

 بيان العسر الشدة في المعاملات و عدم السهولة و النكد العسر و الخشونة في المعاشرات و قلة العطاء و البخل و هو أظهر في القاموس نكد عيشهم كفرح اشتد و عسر و البئر قل ماؤها و نكد فلانا كنصر منعه ما سأله أو لم يعطه إلا أقله و النكد بالضم قلة العطاء و يفتح و اللجاجة الخصومة. قوله محاربا أي بغير حق و في بعض النسخ مجازفا و الجزاف معرب گزاف و هو بيع الشي‏ء لا يعلم كيله و لا وزنه و المجازفة في البيع المساهلة فيه قال في المصباح يقال لمن يرسل كلامه إرسالا من غير قانون جازف في كلامه فأقيم نهج الصواب مقام الكيل و الوزن انتهى. و أقول كأنه المراد هنا و في بعض النسخ بالحاء و الراء المهملتين و المجارف بفتح الراء المحروم المحدود الذي سد عليه أبواب الرزق و في كونه منافيا للإيمان الكامل إشكال إلا أن يكون مبنيا على الغالب

30-  سن، ]المحاسن[ عن عبد الرحمن بن حماد الكوفي عن ميسر بن سعيد القصير الجوهري عن رجل عن أبي عبد الله ع قال يعرف من يصف الحق بثلاث خصال ينظر إلى أصحابه من هم و إلى صلاته كيف هي و في أي وقت يصليها فإن كان ذا مال نظر أين يضع ماله

31-  سن، ]المحاسن[ عن فضالة عن أبان الأحمر عن ابن سيابة عن أبي النعمان عن أبي جعفر ع قال قال رسول الله ص أ لا أنبئكم بالمؤمن المؤمن من ائتمنه المؤمنون على أموالهم و أمورهم و المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده و المهاجر من هجر السيئات فترك ما حرم الله

32-  شا، ]الإرشاد[ روي عن صعصعة بن صوحان العبدي قال صلى بنا أمير المؤمنين ع ذات يوم صلاة الصبح فلما سلم أقبل على القبلة بوجهه يذكر الله لا يلتفت يمينا و لا شمالا حتى صارت الشمس على حائط مسجدكم هذا يعني جامع الكوفة قيس رمح ثم أقبل علينا بوجهه ع فقال لقد عهدت أقواما على عهد خليلي رسول الله ص و إنهم ليراوحون في هذا الليل بين جباههم و ركبهم فإذا أصبحوا أصبحوا شعثا غبرا بين أعينهم شبه ركب المعزى فإذا ذكروا الموت مادوا كما يميد الشجرة في الريح ثم انهملت عيونهم حتى تبل ثيابهم ثم نهض ع و هو يقول كأنما القوم باتوا غافلين

  بيان في القاموس قيس رمح بالكسر و قاسه قدره

33-  قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ قال الباقر ع إن الله تعالى أعطى المؤمن البدن الصحيح و اللسان الفصيح و القلب الصريح و كلف كل عضو منها طاعة لذاته و لنبيه و لخلفائه فمن البدن الخدمة له و لهم و من اللسان الشهادة به و بهم و من القلب الطمأنينة بذكره و بذكرهم فمن شهد باللسان و اطمأن بالجنان و خدم بالأركان أنزله الله الجنان

 بيان البدن الصحيح كأن المعنى الصحة من الذنوب و العيوب المعنوية أو الصحة من الآفات التي تورث الشين فيكون مختصا بالأنبياء و الأئمة ع و الصريح الخالص من كل شي‏ء و المراد به هنا الخالص من الغل و الحسد و الشك و الشبهة

34-  كتاب صفات الشيعة، للصدوق رحمه الله عن ابن مسرور عن ابن عامر عن عمه عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن الصادق جعفر بن محمد ع أنه قال لا دين لمن لا تقية له و لا إيمان لمن لا ورع له

 و بإسناده عن صفوان قال قال أبو عبد الله ع إنما المؤمن الذي إذا غضب لم يخرجه غضبه من حق و الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل و الذي إذا قدر لم يأخذ أكثر من ماله

 و بإسناده عن الصادق ع قال قال رسول الله ص من ساءته سيئته و سرته حسنته فهو مؤمن

 و بإسناده عن حبيب الواسطي عن أبي عبد الله ع قال ما أقبح بالمؤمن أن تكون له رقبة تذله

 و بإسناده عن حسين بن عمرو عن أبي عبد الله ع قال إن المؤمن أشد من زبر الحديد إن زبر الحديد إذا دخل النار تغير و إن المؤمن لو قتل ثم نشر ثم قتل لم يتغير قلبه

 بيان في القاموس الزبرة بالضم القطعة من الحديد و الجمع زبر و زبر لم يتغير قلبه أي عقائده التي في قلبه

35-  صفات الشيعة، بإسناده عن المفضل قال قال أبو عبد الله ع إن الله تبارك و تعالى خلق المؤمنين من أصل واحد لا يدخل فيهم داخل و لا يخرج منهم خارج مثلهم و الله مثل الرأس في الجسد و مثل الأصابع في الكف فمن رأيتم يخالف ذلك فاشهدوا عليه بتاتا أنه منافق

 بيان مثلهم أي ينبغي أن يكون منزلة كل مؤمن من سائر المؤمنين منزلة الرأس من الجسد في التواصل و التعاون و اهتمام المؤمنين بهم بعضهم بتاتا أي بتا و قطعا

36-  صفات الشيعة، بإسناده عن محمد بن سليمان الديلمي عن أبي عبد الله ع أنه قال الشتاء ربيع المؤمن يطول فيه ليله فيستعين به على قيامه

 و بإسناده عن سعيد بن غزوان قال قال أبو عبد الله ع المؤمن لا يكون محارفا

 و بإسناده عن صالح بن هيثم عن أبي عبد الله ع قال ثلاث من كن فيه استكمل خصال الإيمان من صبر على الظلم و كظم غيظه و احتسب و عفا كان ممن يدخله الله الجنة و شفع في مثل ربيعة و مضر

 و بإسناده عن زيد عن أبي عبد الله ع قال لم تكونوا مؤمنين حتى تكونوا مؤتمنين و حتى تعدوا نعمة الرخاء مصيبة و ذلك أن الصبر على البلاء أفضل من العافية عند الرخاء

  و بإسناده عن أبي عبد الله ع قال إن المؤمن من يخافه كل شي‏ء و ذلك أنه عزيز في دين الله و لا يخاف من شي‏ء و هو علامة كل مؤمن

 و بإسناده عن صفوان الجمال عن أبي عبد الله ع قال سمعته يقول إن المؤمن يخشع له كل شي‏ء ثم قال إذا كان مخلصا لله قلبه أخاف الله منه كل شي‏ء حتى هوام الأرض و سباعها و طير السماء

37-  نهج، ]نهج البلاغة[ قال ع المؤمن بشره في وجهه و حزنه في قلبه أوسع شي‏ء صدرا و أذل شي‏ء نفسا يكره الرفعة و يشنأ السمعة طويل غمه بعيد همه كثير صمته مشغول وقته شكور صبور مغمور بفكرته ضنين بخلته سهل الخليقة لين العريكة نفسه أصلب من الصلد و هو أذل من العبد

 توضيح البشر بالكسر الطلاقة و كتمان الحزن من الشكر و لا يختص بحزن الآخرة كما قيل و سعة صدره كناية عن قوة حلمه و شدة تحمله للمشاق و ذلة نفسه للتواضع و النظر إلى عظمة الله و استحقار العمل. يكره الرفعة أي الشرف و العلو في الدنيا و يشنأ كيمنع و يسمع يبغض السمعة أي إسماع العمل الناس أو فعله لذلك و طول الغم لذكر الموت و الآخرة و عدم العلم بالعاقبة بعيد همه أي حزنه تأكيدا أو الهم بمعنى القصد و العزم أي همته عالية مصروفة إلى الأمور الباقية مشغول وقته أي مستغرق في العبادة و الذكر و التفكر في آيات الله و تحصيل العلم و بذله و نحو ذلك و الحاصل أنه لا يضيع العمر. مغمور بفكرته يقال عمره الماء كنصر أي غطاه و الفكر و الفكرة إعمال النظر و المراد به التفكر في آلاء الله و عبره و علوم الله و حكمه. ضنين بخلته الضنة البخل و الخلة بالضم الصداقة و المحبة التي تخللت القلب فصارت خلاله أي في باطنه كما في النهاية و في المصباح الخلة بالفتح الصداقة و الضم لغة و بالفتح الفقر و الحاجة. فالفقرة تحتمل وجوها الأول أنه ضنين بخلته لترصده مواقع الخلة و أهلها الذين هم إخوان الصدق في الله و هم قليلون. الثاني أن يكون المراد أنه إذا خال أحدا أي صادقه ضن أن يضيع خلته أو يهمل خليله فالمراد استحكام مودته. الثالث أن يكون بفتح الخاء كما روي أي إذا عرضت له حاجة ضن بها أن يسأل أحدا فيها و يظهرها. و الخليقة الطبيعة و سهولتها خلوها عن الفظاظة و الخشونة و العريكة النفس و الطبيعة يقال فلان لين العريكة إذا كان مطاوعا منقادا قليل الخلاف و النفور منكسر النخوة و حجر صلد بالفتح أي صلب أملس و صلابته لثباته في طاعة الله و إمضاء أموره و شجاعته و حميته أو شدة إيمانه و يقينه و عدم تزلزله في الفتن و ذلته تواضعه

38-  المجازات النبوية، قوله ع من جملة كلام العلم خليل المؤمن و الحلم وزيره و العقل دليله و العمل قيمه و اللين أخوه و الرفق والده و الصبر أمير جنوده

 الشهاب، عنه ص مثله إلا أن فيه و العمل قائده و البر أخوه

قال السيد رضي الله عنه هذه الألفاظ كلها مستعارة منها فالمراد بقوله ع العلم خليل المؤمن أنه يأنس به من الوحشة كما يسكن الحميم إلى حميمه و المراد بقوله ع و الحلم وزيره أنه يقوى به على الأمور و يوازره على كظم المكروه و المراد بقوله ع و العقل دليله أنه بالعقل يهتدي في ظلم المشكلات و ينجو من مضايق الغمرات فهو كالدليل الذي يرشد في المضال و يجنب عن المزال. و المراد بقوله ع و العمل قيمه أن العمل يثقف ميله و يقوم زلله و يسد خلله فهو كالقيم الذي يأتي بمصالح ما يقوم عليه و مراشد ما يوكل إليه و المراد بقوله ع و اللين أخوه أن اللين يفيده مواخاة الإخوان و مخالصتهم و يحفظ عليه صفاءهم و مودتهم فجعله ع أخاه من حيث كان سببا لاجتلاب الإخوان إليه و حفظ المودات عليه. و المراد بقوله ع و الرفق والده كالمراد بقوله و اللين أخوه لأن الرفق يقبل إليه بالقلوب و يظأر عليه كوامن الصدور فيصير كل أحد في الحنو عليه و الميل إليه كالوالد الرءوف و الحدب العطوف. و المراد بقوله ع و الصبر أمير جنوده أن الصبر ملاك أمره و شداد أزره و به يبلغ الآداب و يدرك المحاب فهو كأمير جنده الذي يقوى به على أعدائه و يصل به إلى أغراضه و طلباته و قد يجوز أن يكون المراد أن الصبر رأس خلاله و رئيس خصاله فهو متقدم عليها و كالأمير لسائرها كما أن الأمير متقدم على رعيته و سائس على من في طبقته

39-  الشهاب، قال ص المؤمن يسير المئونة

 الضوء، ]ضوء الشهاب[ هذا إخبار معناه الأمر أمر رسول الله ص المؤمن أن يكون يسير المئونة قانعا بالموجود صابرا عن المفقود شاكرا ذاكرا لا طامح البصر إلى زبرج الدنيا و لا جشعا تواقا إلى العليا منكسر القلب ذليل النفس للرب تكفيه الكسرة و ترويه الشربة و يواريه الجرد و يلفحه الحر و ينفحه البرد كما وصفه أمير المؤمنين ع هو من نفسه في تعب و الناس منه في راحة و فائدة الحديث الحث على التخفف من الدنيا و الابتذال فيها و راويه أبو هريرة. أقول الجرد بالفتح الخلق البالي و لفح النار بحرها أحرقت و نفحت الريح هبت

40-  الشهاب، قال ص المؤمن كيس فطن حذر

  الضوء، ]ضوء الشهاب[ الكياسة ضد الحمق و الكيس الظريف يقال هو كيس مكيس و ينسب إلى أمير المؤمنين ع أنه قال

أ ما تراني كيسا مكيسا. بنيت بعد نافع مخيسا.

 و مخيس اسم سجن بناه أمير المؤمنين ع بالعراق و كان بنى قبله نافعا و حرقه لصوص حبسوا فيه و كان مبنيا من القصب فبنى مخيسا بالجص و الآجر و يقال مخيس أي ذليل و مخيس أي موضع التذليل و قد كاس الغلام يكيس كيسا و كياسة و تكيس تظرف و كايسته فكسته أي غلبته. و الفطنة كالفهم و رجل فطن و قد فطن فطنة و فطانة و فطانية و الحذر احتراز عن مخيف يقال حذر حذرا و حذرته و حذار أي احذر و الحذر التحرز مثل الحذر و رجل حذر و حذر أي متيقظ متحرز و الجمع حذرين و حذاري. و هذا الحديث أيضا ظاهره إخبار و معناه أمر يأمر رسول الله ص الرجل المؤمن أن يكون كيسا ظريفا ضابطا أمر دينه و دنياه فطنا غير غافل عما سيدهمه متحرزا غاية التحرز. و قال الحسن المؤمن فطن هدم دنياه و بنى بها آخرته و لم يهدم آخرته و يبني بها دنياه. و قال علي بن بكار ذهب الأخيار فلم يبق إلا من يؤثر الدرهمين على دينه. و قال يحيى بن معاذ الدرهم عقرب فإن لم تحسن رقيتها فلا تأخذه فإنها إن لذعتك قتلتك بسمها قيل و ما رقيتها قال أخذها من حلها و وضعها في حلها. و إنما شرط ص هذه الخلال للمؤمن لأن فيها جوامع الخير يكون كيسا نظارا في الدلائل الموصلة إلى العلم فطنا فهما عالما بما يأتي و يذر حذرا متحرزا مع ذلك كله لأن المؤمن منزله بين الخوف و الرجاء. و فائدة الحديث الحث على التنبه و التقيظ و قلة الركون إلى الدنيا الخداعة المكاره و راوي الحديث أنس بن مالك

41-  الشهاب، قال ص المؤمن إلف مألوف

 الضوء، ]ضوء الشهاب[ الإلف اجتماع مع التيام يقال ألفت بين القوم و ألفت الموضع آلفه ألفا و آلفنيه زيد فأنا آلف و آلفت الموضع أولفه إيلافا و آلفته أؤالفه مؤالفة و إلافا على أفعل و فاعل و التأليف جمع أجزاء متفرقة على ترتيب يقدم فيه المقدم و يؤخر المؤخر و أوالف الطير التي ألفت الدور. فيقول ع إن المؤمن ينبغي أن يكون آلفا مستأنسا بالخلق مستأنسا به غير نافر منفر و لا منفور منه يخف إلى حاجات أخيه المؤمن غير رافع نفسه عنه يغفر زلته و يقبل عثرته و لا يحسد و لا يحقد عليه موافقا غير منافق محالفا غير مخالف مناصحا غير مفاضح. و فائدة الحديث الحث على الإلف و حسن المصادقة و راوي الحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه

42-  الشهاب، قال ص المؤمن من آمنه الناس على أنفسهم و أموالهم

 الضوء، ]ضوء الشهاب[ الأمن طمأنينة النفس و زوال الخوف و الأمن و الأمانة و الإيمان و الأمنة قريب من قريب و الله تعالى مؤمن لأنه آمن عباده من ظلمه إياهم و رجل أمنة و أمنة يثق بكل أحد. و هذا الحديث أيضا ظاهره إخبار و هو في معنى الأمر أي ينبغي أن يكون المؤمن موثوقا به مأمون الجانب نقيا من المعايب غير خائن في نفس أو مال و لا مخفر ذمة و لا ناقض عهد و لا ناكث عقد. و فائدة الحديث الحث على الديانة و الأمانة و الصيانة و اتباع الأحسن في المعاملة و إيثار الصدق و المجاملة و راويا الحديث أنس بن مالك و فضالة بن عبيد

43-  ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان و الحسين بن المختار عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال إياكم و ما يعتذر منه فإن المؤمن لا يسي‏ء و لا يعتذر و المنافق يسي‏ء كل يوم و يعتذر منه

44-  محص، ]التمحيص[ عن أبي عبد الله ع قال المؤمن لا يغلبه فرجه و لا يفضحه بطنه

45-  محص، ]التمحيص[ روي أن رسول الله ص قال لا يكمل المؤمن إيمانه حتى يحتوي على مائة و ثلاث خصال فعل و عمل و نية و باطن و ظاهر فقال أمير المؤمنين ع يا رسول الله ص ما المائة و ثلاث خصال فقال يا علي من صفات المؤمن أن يكون جوال الفكر جوهري الذكر كثيرا علمه عظيما حلمه جميل المنازعة كريم المراجعة أوسع الناس صدرا و أذلهم نفسا ضحكه تبسما و اجتماعه تعلما مذكر الغافل معلم الجاهل لا يؤذي من يؤذيه و لا يخوض فيما لا يعنيه و لا يشمت بمصيبة و لا يذكر أحدا بغيبة بريئا من المحرمات واقفا عند الشبهات كثير العطاء قليل الأذى عونا للغريب و أبا لليتيم بشره في وجهه و حزنه في قلبه متبشرا بفقره أحلى من الشهد و أصلد من الصلد لا يكشف سرا و لا يهتك سترا لطيف الحركات حلو المشاهدة كثير العبادة حسن الوقار لين الجانب طويل الصمت حليما إذا جهل عليه صبورا على من أساء إليه يبجل الكبير و يرحم الصغير أمينا على الأمانات بعيدا من الخيانات إلفه التقى و حلفه الحياء كثير الحذر قليل الزلل حركاته أدب و كلامه عجب مقيل العثرة و لا يتتبع العورة وقورا صبورا رضيا شكورا قليل الكلام صدوق اللسان برا مصونا حليما رفيقا عفيفا شريفا لا لعان و لا كذاب و لا مغتاب و لا سباب و لا حسود و لا بخيل هشاشا بشاشا لا حساس و لا جساس يطلب من الأمور أعلاها و من الأخلاق أسناها مشمولا بحفظ الله مؤيدا بتوفيق الله ذا قوة في لين و عزمة في يقين لا يحيف على من يبغض و لا يأثم فيمن يحب صبورا في الشدائد لا يجور و لا يعتدي و لا يأتي بما يشتهي الفقر شعاره و الصبر دثاره قليل المئونة كثير المعونة كثير الصيام طويل القيام قليل المنام قلبه تقي و عمله زكي إذا قدر عفا و إذا وعد وفى يصوم رغبا و يصلي رهبا و يحسن في عمله كأنه ناظر إليه غض الطرف سخي الكف لا يرد سائلا و لا يبخل بنائل متواصلا إلى الإخوان مترادفا للإحسان يزن كلامه و يخرس لسانه لا يغرق في بغضه و لا يهلك في حبه و لا يقبل الباطل من صديقه و لا يرد الحق على عدوه و لا يتعلم إلا ليعلم و لا يعلم إلا ليعمل قليلا حقده كثيرا شكره يطلب النهار معيشته و يبكي الليل على خطيئته إن سلك مع أهل الدنيا كان أكيسهم و إن سلك مع أهل الآخرة كان أورعهم لا يرضى في كسبه بشبهة و لا يعمل في دينه برخصة يعطف على أخيه بزلته و يرعى ما مضى من قديم صحبته

  بيان جوال الفكر أي فكره في الحركة دائما جهوري الذكر في القاموس كلام جهوري أي عال أي يعلن ذكر الله أو ذكره عال في الناس و في بعض النسخ جوهري و كأنه كناية عن خلوص ذكره و نفاسته و الظاهر أنه تصحيف. و في القاموس الصلد و يكسر الصلب الأملس و صلدت الأرض صلبت و التبجيل التعظيم و الإلف بالكسر من تألفه و يألفك و الحلف بالكسر الصديق يحلف لصاحبه أن لا يغدر به مصونا أي عرضه أو عن الخطاء. و في القاموس الحس الحيلة و القتل و الاستئصال و بالكسر الصوت و الحاسوس الجاسوس و حسست به بالكسر أيقنت و أحسست ظننت و وجدت و أبصرت و التحسس الاستماع لحديث القوم و طلب خبرهم في الخير. و قال الجس تفحص الأخبار كالتجسس و منه الجاسوس و لا تجسسوا أي خذوا ما ظهر و دعوا ما ستر الله عز و جل أو لا تفحصوا عن بواطن الأمور أو لا تبحثوا عن العورات انتهى. و الحاصل أن الحساس و الجساس متقاربان في المعنى و كأن الأول إعمال الظنون في الناس و الثاني تجسس أحوالهم و يحتمل الأول بعض المعاني المتقدمة كما لا يخفى. مشمولا بحفظ الله من شر الشياطين رغبا في الثواب رهبا من العقاب كأنه ناظر إليه أي يشاهده بعين اليقين و يحتمل إرجاع الضمير إلى الله بقرينة المقام كقوله ص الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه أو المعنى كأنه جعل ناظرا على نفسه. يزن كلامه أي يتفكر فيه هل له قدر في ميزان الأجر و القبول فيتكلم به و إلا فيتركه لا يغرق في بغضه من الإغراق و هو المبالغة أو كيفرح كناية عن الهلاك فكلمة في سببية و العدد المذكور في التفصيل أكثر مما ذكر أولا لتكرار بعضها معنى

46-  نوادر الراوندي، بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه ع قال قال رسول الله ص لحارث بن مالك كيف أصبحت فقال أصبحت و الله يا رسول الله من المؤمنين فقال رسول الله ص لكل مؤمن حقيقة فما حقيقة إيمانك قال أسهرت ليلي و أنفقت مالي و عزفت عن الدنيا و كأني أنظر إلى عرش ربي جل جلاله و قد أبرز للحساب و كأني أنظر إلى أهل الجنة في الجنة يتزاورون و كأني أنظر إلى أهل النار في النار يتعاوون فقال رسول الله ص هذا عبد قد نور الله قلبه قد أبصرت فالزم فقال يا رسول الله ادع لي بالشهادة فدعا له فاستشهد يوم الثامن

47-  ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ جماعة عن أبي المفضل عن عبد الله بن محمد بن عبيد عن أبي الحسن الثالث ع قال قال أمير المؤمنين ع المؤمن لا يحيف على من يبغض و لا يأثم فيمن يحب و إن بغي عليه صبر حتى يكون الله عز و جل هو المنتصر له

 14-  دعوات الراوندي، قال أبو عبد الله ع المؤمن صبور في الشدائد وقور في الزلازل قنوع بما أوتي لا يعظم عليه المصائب و لا يحيف على مبغض و لا يأثم في محب الناس منه في راحة و النفس منه في شدة

49-  نهج، ]نهج البلاغة[ قال أمير المؤمنين ع كان لي فيما مضى أخ في الله و كان يعظمه في عيني صغر الدنيا في عينه و كان خارجا من سلطان بطنه فلا يشتهي ما لا يجد و لا يكثر إذا وجد و كان أكثر دهره صامتا فإن قال بذ القائلين و نقع غليل السائلين و كان ضعيفا مستضعفا فإذا جاء الجد فهو ليث غاد و صل واد لا يدلي بحجة حتى يأتي قاضيا و كان لا يلوم أحدا على ما لا يجد العذر في مثله حتى يسمع اعتذاره و كان لا يشكو وجعا إلا عند برئه و كان يقول ما يفعل و لا يقول ما لا يفعل و كان إن غلب على الكلام لم يغلب على السكوت و كان على ما يسمع أحرص منه على أن يتكلم و كان إذا بدهه أمران نظر أيهما أقرب إلى الهوى فخالفه فعليكم بهذه الخلائق فالزموها و تنافسوا فيها فإن لم تستطيعوها فاعلموا أن أخذ القليل خير من ترك الكثير

 و قال ع لا يصدق إيمان عبد حتى يكون بما في يد الله سبحانه أوثق منه بما في يده

 و قال ع علامة الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك و أن لا يكون في حديثك فضل عن علمك و أن تتقي الله في حديث غيرك

 15-  نهج، ]نهج البلاغة[ روي أن صاحبا لأمير المؤمنين ع يقال له همام كان رجلا عابدا فقال له يا أمير المؤمنين صف لي المتقين حتى كأني أنظر إليهم فتثاقل عن جوابه ثم قال ع يا همام اتق الله و أحسن ف إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ فلم يقنع همام بذلك القول حتى عزم عليه قال فحمد الله و أثنى عليه و صلى على النبي ص ثم قال أما بعد فإن الله سبحانه خلق الخلق حين خلقهم غنيا عن طاعتهم آمنا من معصيتهم لأنه لا تضره معصية من عصاه و لا تنفعه طاعة من أطاعه فقسم بينهم معايشهم و وضعهم من الدنيا مواضعهم فالمتقون فيها هم أهل الفضائل منطقهم الصواب و ملبسهم الاقتصاد و مشيهم التواضع غضوا أبصارهم عما حرم الله عليهم و وقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالذي نزلت في الرخاء لو لا الأجل الذي كتب الله عليهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقا إلى الثواب و خوفا من العقاب عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم فهم و الجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون و هم و النار كمن قد رآها فهم فيها معذبون قلوبهم محزونة و شرورهم مأمونة أجسادهم نحيفة و حاجاتهم خفيفة و أنفسهم عفيفة صبروا أياما قصيرة أعقبتهم راحة طويلة تجارة مربحة يسرها لهم ربهم أرادتهم الدنيا فلم يريدوها و أسرتهم ففدوا أنفسهم منها أما الليل فصافون أقدامهم تالين لأجزاء القرآن يرتلونه ترتيلا يحزنون به أنفسهم و يستثيرون به دواء دائهم فإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا و تطلعت نفوسهم إليها شوقا و ظنوا أنها نصب أعينهم و إذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم و ظنوا أن زفير جهنم و شهيقها في أصول آذانهم فهم حانون على أوساطهم مفترشون لجباههم و أكفهم و ركبهم و أطراف أقدامهم يطلبون إلى الله تعالى فكاك رقابهم و أما النهار فحلماء علماء أبرار أتقياء قد براهم الخوف بري القداح ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى و ما بالقوم من مرض و يقول قد خولطوا و لقد خالطهم أمر عظيم لا يرضون من أعمالهم القليل و لا يستكثرون الكثير فهم لأنفسهم متهمون و من أعمالهم مشفقون و إذا زكي أحد منهم خاف مما يقال له فيقول أنا أعلم بنفسي من غيري و ربي أعلم مني بنفسي اللهم لا تؤاخذني بما يقولون و اجعلني أفضل مما يظنون و اغفر لي ما لا يعلمون فمن علامة أحدهم أنك ترى له قوة في دين و حزما في لين و إيمانا في يقين و حرصا في علم و علما في حلم و قصدا في غنى و خشوعا في عبادة و تجملا في فاقة و صبرا في شدة و طلبا في حلال و نشاطا في هدى و تحرجا عن طمع يعمل الأعمال الصالحة و هو على وجل يمسي و همه الشكر و يصبح و همه الذكر يبيت حذرا و يصبح فرحا حذرا لما حذر من الغفلة و فرحا بما أصاب من الفضل و الرحمة إن استصعبت عليه نفسه فيما تكره لم يعطها سؤلها فيما تحب قرة عينه فيما لا يزول و زهادته فيما لا يبقى يمزج الحلم بالعلم و القول بالعمل تراه قريبا أمله قليلا زلله خاشعا قلبه قانعة نفسه منزورا أكله سهلا أمره حريزا دينه ميتة شهوته مكظوما غيظه الخير منه مأمول و الشر منه مأمون إن كان في الغافلين كتب في الذاكرين و إن كان في الذاكرين لم يكتب من الغافلين يعفو عمن ظلمه و يعطي من حرمه و يصل من قطعه بعيدا فحشه لينا قوله غائبا منكره حاضرا معروفه مقبلا خيره مدبرا شره في الزلازل وقور و في المكاره صبور و في الرخاء شكور لا يحيف على من يبغض و لا يأثم فيمن يحب يعترف بالحق قبل أن يشهد عليه لا يضيع ما

 استحفظ و لا ينسى ما ذكر و لا ينابز بالألقاب و لا يضار بالجار و لا يشمت بالمصائب و لا يدخل في الباطل و لا يخرج من الحق إن صمت لم يغمه صمته و إن ضحك لم يعل صوته و إن بغي عليه صبر حتى يكون الله هو الذي ينتقم له نفسه منه في عناء و الناس منه في راحة أتعب نفسه لآخرته و أراح الناس من نفسه بعده عمن تباعد عنه زهد و نزاهة و دنوه ممن دنا منه لين و رحمة ليس تباعده بكبر و عظمة و لا دنوه بمكر و خديعة قال فصعق همام صعقة كانت نفسه فيها فقال أمير المؤمنين ع أما و الله لقد كنت أخافها عليه ثم قال هكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها فقال له قائل فما بالك أنت يا أمير المؤمنين فقال ع ويحك إن لكل أجل وقتا لا يعدوه و سببا لا يتجاوزه فمهلا لا تعد لمثلها فإنما نفث الشيطان على لسانك

 تبيين قال الكيدري الهمام البعيد الهمة و كان السائل كاسمه و قال ابن أبي الحديد همام هو همام بن شريح بن يزيد بن مرة و كان من شيعة أمير المؤمنين ع و أوليائه و كان ناسكا عابدا و تثاقله عن جوابه لأنه علم أن المصلحة في تأخير الجواب و كأنه حضر المجلس من لا يحب ع أن يجيب و هو حاضر و لعله بتثاقله ع يشتد شوق همام إلى سماع الموعظة و لعله من باب تأخير البيان إلى وقت الحاجة لا عن وقت الحاجة. و قال ابن ميثم تثاقله ع لخوفه على همام كما يدل عليه قوله ع أما و الله لقد كنت أخافها عليه و أقول هذا أظهر. اتق الله و أحسن أي ليس عليك أن تعرف صفات المتقين على التفصيل و لعل الأصلح لك القناعة بما تعرفه مجملا من صفاتهم و مراعاة التقوى و الإحسان و كأن المراد بالتقوى الاجتناب عما نهى الله عنه و بالإحسان فعل ما أمر الله به فالكلمة جامعة لصفات المتقين و فضائلهم. حتى عزم عليه عزمت على فلان أقسمت عليه و عزمت على الأمر أي قطعت عليه و أردت فعله حتما فالضمير في عليه يحتمل عوده إليه ع و إلى ما سأله من الوصف على التفصيل و الأول أظهر و رواية الصدوق تعينه. و التعرض للغناء و الأمن لدفع توهم أن مدح المتقين و الترغيب في الطاعة و التخويف من المعصية لانتفاعه سبحانه و دفع المضرة عنه و ليس المعنى أن أفعال الله سبحانه ليست معللة بالأغراض كما زعمه الحكماء بل إشارة إلى ما ذكره المتكلمون من أن الغرض لا يعود إليه سبحانه بل إلى العباد لأنه أراد أن يثيبهم في الآخرة و الثواب هو النفع المقارن للتعظيم و الإجلال و فعله لمن لا يستحق أصلا قبيح عقلا فلذا كلفهم و بعث إليهم الرسل و وعدهم و أوعدهم و عرضهم للمثوبات الدائمة الجليلة و تفصيل ذلك في كتب الكلام. و المعايش بالياء جمع معيشة و هي ما يعاش به أو فيه و ما يكون به الحياة قال الله تعالى نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا و مواضع الخلق مراتبهم قال الله تعالى وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ و هي إشارة إلى الدرجات الدنيوية كالغناء و الفقر و الصحة و المرض أو الدينية لاختلاف استعداداتهم و قابلياتهم في العلم و العمل أو الأعم منهما و هو أظهر و التفريع يؤيد الأخيرين. منطقهم الصواب المنطق النطق أي لا يقولون إلا حقا و يحترزون عن الكذب و الفحش و الغيبة و سائر الأقاويل الباطلة و قيل أي لا يتكلمون إلا في مقام التكلم كذكر الله تعالى و إظهار حق و إبطال باطل و كأن الابتداء

  بالمنطق لكون النفع و الضرر في القول أكثر في الأغلب من أعمال سائر الجوارح. و الملبس بفتح الباء ما يلبس و الاقتصاد التوسط بين طرفي الإفراط و التفريط و المعنى أنهم لا يلبسون ما يلحقهم بدرجة المترفين و لا ما يلحقهم بأهل الخسة و الدناءة أو يصير سببا لشهرتهم بالزهد كما هو دأب المتصوفين أو المعنى أن الاقتصاد في الأقوال و الأفعال صار شعارا لهم محيطا بهم كاللباس للإنسان كما مر. و مشيهم التواضع أي لا يمشون مشي المختالين و المتكبرين كما قال عز و جل وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً الآية أو المراد أن سيرتهم و سلوكهم بين الخلق أو في سبيل الله بالتواضع و التذلل غضوا أبصارهم غض فلان طرفه كمد أي خفضه و كذلك غض من صوته و كل شي‏ء كففته فقد غضضته. و وقفت كضربت أي دمت قائما و وقفته أنا وقفا أي فعلت به ما وقف و وقفت الرجل عن الشي‏ء وقفا أي منعته عنه و وقفت الدار وقفا أي حبستها في سبيل الله و المراد الاقتصار على استماع العلم النافع و فيه إيماء إلى ذم الإصغاء إلى القصص الكاذبة بل و كثير من الصادقة كما سيأتي إن شاء الله. و الرخاء بالفتح سعة العيش قال القطب الراوندي رحمه الله يعني أن المتقين يتعبون أبدانهم في الطاعات فيطيبون نفسا بتلك المشقة التي يحتملونها مثل طيب قلب الذي نزلت نفسه في الرخاء و لا بد من تقدير مضاف لأن تشبيه الجمع بالواحد لا يصح أي كل واحد منهم إذا نزل في البلاء يكون كالرجل الذي نزلت نفسه في الرخاء و نحوه قوله تعالى مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ قال و يجوز أن يكون الذي بمعنى ما المصدرية كقوله تعالى وَ خُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أي نزوله في البلاء كنزوله في الرخاء و قال ابن ميثم يحتمل أن يكون المراد بالذي الذين فحذف النون كما في قوله تعالى و خُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا. و قال ابن أبي الحديد موضع كالذي نصب لأنه صفة مصدر محذوف و المراد كالنزول الذي و قد حذف العائد إليه و هو الهاء في نزلته كقولك ضربت الذي ضربت أي ضربت الذي ضربته و تقدير الكلام نزلت أنفسهم منهم في حال البلاء نزولا كالنزول الذي نزلته منهم في حال الرخاء. و قال الكيدري قدس سره نزلت أنفسهم إلخ لأنهم كسروا سورة الشهوة البهيمية و طيبوا عن أنفسهم نفسا و وقفوا أشباحهم و أرواحهم على مرضاة الله و حبسوها في سبيله فلا مطمح لهم إلى ما فيه نصيب أنفسهم بل جل عنايتهم مصروفة إلى تحصيل ما خلقوا لأجله من إعداد زاد المعاد و الإقبال بكل الوجوه على عبادة رب العباد و التفاتهم إلى الأبدان يكون على طريق الطبع كالتفات سالك البادية للحج الحقيقي إلى رعي الجمل و علموا يقينا أن ما أصابهم من الكد في الطريق و إن كان عظيما فإنه كلا شي‏ء في جنب ما يصلون به إليه من لقاء المحبوب و نيل المطلوب فالمحن عندهم كالملح و البلية كالنعم. و قوله كالذي نظير قوله تعالى وَ خُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا و بيت الحماسة عسى الأيام أن يرجعن يوما كالذي كانوا أي نزلت في البلاء كالنزول الذي نزلت في الرخاء انتهى. و المراد بالبلاء المرض و الضيق و نحوهما أو الأعم من احتمال المشقة أيضا و ليس مخصوصا به و طيب قلوبهم للرضا بقضاء الله كما في المجالس فصغر ما دونه في أعينهم في اختلاف التعبير دلالة على أن الخالق تمكن في قلوبهم بخلاف ما دونه فلم يتجاوز أعينهم.

  فهم و الجنة قال الراوندي رحمه الله الواو بمعنى مع و قال ابن أبي الحديد بنصب الجنة و قد روي بالرفع على أنه معطوف على هم و الأول أحسن و قوله كمن قد رآها و قوله فهم فيها منعمون إما كلاهما لقوة الإيمان و اليقين أو لشدة الخوف و الرجاء أو الرؤية إشارة إلى قوة اليقين و التنعم و العذاب أي شدة الرجاء و الخوف و هما أيضا من فروع اليقين و اختار الوالد قدس سره الأخير و قال الكيدري أي حصل لهم من العلوم اليقينية ما يجري مجرى الضرورية كما قال ع لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا و روي و الجنة بالنصب فيكون الواو بمعنى مع و يكون خبر المبتدإ الكاف في كمن رآها. قلوبهم محزونة حزن قلوبهم للخوف من العقاب لاحتمال التقصير و عدم شرائط القبول كما قال عز و جل وَ الَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَ قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ و الأمن من شرورهم لأنهم لا يهمون بظلم أحد كما ورد في الخبر المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده و قيل لأن أفعالهم حسنة في الواقع و إن كانت سيئة في الظاهر و هو بعيد. نحيفة أي مهزولة لكثرة الصيام و السهر و الرياضات أو للخوف أو لهما و خفة حاجاتهم لقلة الرغبة في الدنيا و ترك اتباع الهوى و قصر الأمل و قناعتهم بما رزقهم الله. و العفة كف النفس عن المحرمات بل عن الشبهات و المكروهات أيضا و جملة أعقبتهم صفة للأيام و تجارة عطف بيان للراحة أو بدل منه أو منصوب على المدح أو على الحال أو على تقدير فعل أي اتجروا تجارة. قال الراوندي رحمه الله نصب المصدر مع حذف فعله كثير في الكلام و ربح الرجل في تجارته كعلم و يسند إلى التجارة مجازا قال تعالى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ و قال الأزهري ربح الرجل في تجارته أي صادف سوقا ذات ربح و أربحت الرجل أرباحا أعطيته ربحا فالتجارة المربحة كأنها تعطي ربحا أو هي الرابحة من أفعل بمعنى فعل. و قال الكيدري تجارة انتصابه على المصدر من معنى الكلام السابق لأن مضمون قوله صبروا أياما إلخ يدل على أنهم اتجروا بذلك أو يكون منصوبا بفعل مضمر يفسره ما بعده أي يسر لهم ربهم تجارة أو على المدح أو التخصيص أي أعني تجارة أو أخص تجارة و جعلها بدلا من راحة على ما زعم صاحب المنهاج ليس بالقوي لأن التجارة المربحة ليست بنفس الراحة و إنما صبرهم المستعقب لتلك الراحة هي التجارة انتهى. أرادتهم الدنيا أي أقبلت إليهم من الوجوه المذمومة أو مطلقا و تمكنوا من تحصيلها بكسب المال و الجاه فلم يقبلوها و لم يسعوا في تحصيلها و قيل و يحتمل أن يراد أهل الدنيا و أسره كضربه أي شده و حبسه و الفدية زخارف الدنيا و ملاذها التي سلموها إلى الدنيا بالترك و الإعراض عنها. أقول و نقل الكيدري قدس سره رواية تمثل الدنيا لأمير المؤمنين ع و إعراضه عنها كما سننقلها عنه في باب ذم الدنيا ثم قال فهذا معنى قوله ع أرادتهم الدنيا و لم يريدوها و إذا تدبرت الخلال المذكورة في هذه الخطبة وجدت أمير المؤمنين ع هو الموصوف بها كلها و قد أوردت هذه الأبيات و أمثالها في أنوار العقول من أشعار وصي الرسول. فأما أسرها إياهم فلأن أرواح الأولياء قدسية و مقامها في العالم الجسد أي على خلاف مقتضى طبيعتها فهي غريبة في هذا العالم و صغوها بالكلية إلى عالمها فهي أسيرة هنا من حيث الغربة و عدم الملاءمة فدائما يستعد و يتهيأ للسفر الحقيقي و يزيل المثبطات و يرفعها من البين و ذلك فداؤها. أما الليل في بعض النسخ بالنصب على حذف حرف الجر أي أما حالهم في الليل فالمقصود تفصيل حالهم في الليل و النهار و في بعض النسخ بالرفع فالغرض تفصيل حال ليلهم و نهارهم و الصف ترتيب الجمع على صف و صف القدمين

  وضعهما في الصلاة بحيث يتحاذى الإبهامان و يتساوى البعد بين الصدر و العقب. و في بعض النسخ تالون مكان تالين يرتلونه أي القرآن و روي يرتلونها فالضمير لأجزاء القرآن وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا أي أحسن تأليفه و عن أمير المؤمنين ع أنه حفظ الوقوف و أداء الحروف و هو جامع لما يعتبره القراء. و الحزن الهم و حزنه الأمر كنصر أي جعله حزينا و حزن كعلم أي صار حزينا و حزنه تحزينا جعل فيه حزنا و في أكثر النسخ على التفعيل و في بعضها كينصرون و تحزين النفوس بآيات الوعيد ظاهر و أما آيات الوعد فللخوف من الحرمان و عدم الاستعداد. و ثار الغبار إذا سطع و هاج و ثار القطا إذا نهضت من موضعها و أثار الغبار و استثاره هيجه و لعل المراد بالدواء العلم و بالداء الجهل و استثارة العلم بالتدبر و التذكر قال في النهاية في الحديث أثيروا القرآن فإن فيه علم الأولين و الآخرين و يحتمل أن يراد استثارة العلم الكامنة في النفس على حسب الاستعداد و الكمال بالتدبر و التفكر و التذكر. و قال الوالد قدس سره المراد أنهم يداوون بآيات الخوف داء الرجاء الغالب الذي كاد أن يبلغ حد الاغترار و الأمن لمكر الله و بآيات الرجاء داء الخوف إذا قرب من القنوط و بما يستكمل اليقين داء الشبهة و بالعبر داء القسوة و بما ينفر عن الدنيا و الميل إليها داء الرغبة فيها و نحو ذلك. و ركن إلى الشي‏ء كنصر كما في النسخ و كعلم أيضا أي مال و سكن و التطلع إلى الشي‏ء الاستشراف له و الانتظار لوروده و نصب الشي‏ء رفعه و أن يستقبل به شي‏ء و الكلمة منصوبة على الظرفية أي ظنوا أنها فيما نصب بين أيديهم و في بعض النسخ مرفوعة على أنها خبر أن. و قال الكيدري و تطلعت نفوسهم إليها أي كادت تطلع شموس نفوسهم من أفق عوالم أبدانهم فتصعد إلى العالم العلوي شوقا إلى ما وعدوا به في تلك الآيات من أخائر الذخائر و عظائم الكرائم و انتصاب نصب أعينهم على الظرف أي في موضع يقابل أعينهم و يجوز فيه الرفع. و قال الراوندي رحمه الله الظن هنا بمعنى اليقين قال تعالى أَ لا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ أي أيقنوا أن الجنة معدة لهم بين أيديهم و قال ابن أبي الحديد و يمكن أن يكون على حقيقته. و صغي إليه كرضي أي مال و أصغى سمعه إليه أي أماله و زفير النار صوت توقدها و الزفير أيضا إخراج النفس بعد مدة فالمراد زفير أهل جهنم و الشهيق تردد البكاء في الصدر مع سماع الصوت من الحلق و شهيق الحمار صوته و كونهما في أصول الآذان كناية عن تمكنها في الآذان. حانون أوساطهم حنى ظهره يحنيه و يحنوه أي عطفه فانحنى و حنوهم على أوساطهم وصف لحال ركوعهم و الافتراش البسط على الأرض و هو وصف لحال سجودهم. قال الكيدري فهم حانون أي منعطفون للركوع و حنى قد جاء متعديا و لازما و تعديته أكثر فيكون تقديره حانون ظهورهم على أوساطهم. يطلبون إلى الله أي يسألونه راغبين و متوجهين إليه و فك الرقبة كمد أي أعتقها و الأسير خلصه و أما النهار بالنصب و الرفع كما تقدم قال الكيدري أما النهار انتصابه على الظرفية و تعلقه بما بعده من الصفات كحلماء و غيره و حلماء خبر مبتدإ محذوف أي فهم حلماء في النهار و يجوز فيه الرفع على تقدير أما النهار فهم حلماء فيه فيكون مبتدأ و الجملة بعده خبره و فيها ضمير مقدر يعود إليه و الحلماء ذوو الأناة أو العقلاء و بري السهم يبريه أي نحته و القداح جمع قدح بالكسر فيهما و هو السهم قبل أن يراش و ينصل و هو كناية عن نحافة البدن و ضعف الجسد أو زوال الآمال و المطالب الدنيوية. و خولط فلان في عقله إذا اختل عقله و صار مجنونا و خالطه أي مازجه

  و قال الراوندي و غيره المعنى يظن الناظر بهم الجنون و ما بهم من جنة بل مازج قلوبهم أمر عظيم و هو الخوف فتولهوا لأجله و قيل و لقد خالطهم أي صار سببا لجنونهم الذي يظنه الناظر أمر عظيم هو الخوف. و قال الكيدري قد براهم الخوف أي أنضاهم و أنحفهم خولطوا أي خالط عقولهم جنون. و الاستكثار عد الشي‏ء كثيرا و اتهمت فلانا أي ظننت فيه ما نسب إليه و اتهمته في قوله أي شككت في صدقه و الاسم التهمة كرطبة و السكون لغة و أصل التاء واو و المراد أنهم يظنون بأنفسهم التقصير أو الميل إلى الدنيا أو عدم الإخلاص في النية أو الأعم أو يشكون في شأنها و نياتها و يخافون أن يكون مقصودها في العبادات الرئاء و السمعة و أن تجرها العبادة إلى العجب فلا يعتمدون عليها. و الإشفاق الخوف و إشفاقهم من السيئات و إن تابوا منها لاحتمال عدم قبول توبتهم و من الحسنات لاحتمال عدم القبول لاختلال بعض الشرائط و شوب النية أو للأعمال السيئة و قد قال الله عز و جل إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ. إذا زكي أحدهم التزكية المدح و خوفهم من الوقوع في العجب و الاتكال على العمل و سؤال عدم المؤاخذة لذلك و يحتمل أن يكون كناية عن عدم الرضا بما يقولون و التبري من التزكية و ظن البراءة بالنفس فإن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم الله. و اجعلني أفضل مما يظنون أي وفقني لدرجة فوق ما يظنون بي من حسن العمل و القبول. و قال ابن أبي الحديد قد قاله لقوم مر عليهم و هم مختلفون في أمره فمنهم الحامد له و منهم الذام فقال ع اللهم إن كان ما يقوله الذامون حقا فلا تؤاخذني به و إن كان ما يقوله الحامدون حقا فاجعلني أفضل مما يظنون فمن علامة أحدهم أنك ترى له في بعض النسخ لهم فالضمير راجع إلى معنى أحدهم و القوة في الدين أن لا يتطرق إلى الإيمان الشك و الشبهات و إلى الأعمال الوساوس و الخطرات أو أن لا يدرك العزم في الأمور الدينية ونى و لا فتور للوم و غيره قال تعالى يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ. و الحزم بالفتح ضبط الأمر و الأخذ فيه بالثقة و الحذر من فواته و كأن المعنى أنه لا يصير حزمه سببا لخشونته بل مع الحزم يداري الخلق و يلاينهم. و القصد التوسط بين طرفي الإفراط و التفريط و ترك الإسراف و التقتير أي يقتصد في حال الغنى أو في تحصيل الغنى أو في الإنفاق مع غنى النفس و التجمل التزين و تكلف الجميل و إظهاره و التجمل في الفاقة سلوك مسلك الأغنياء و المتجملين في حال الفقر و ذلك بترك الشكوى إلى الخلق و الابتهاج بما أعطى الله و إظهار الغنى عن الخلق أو التجمل و التزين في الفاقة بما أمكن و عدم إظهار الفاقة للناس إلا ما لا يمكن ستره أو زائدا على ما هو الواقع كالفقراء الطامعين فيما في أيدي الناس. و الصبر في الشدة الصبر على شدة الفقر أو العبادة أو المصائب أو الأعم و الطلب في الحلال الكسب من غير الطرق التي نهي عنها و النشاط بالفتح طيب النفس للعمل و غيره و الهدى الرشاد و الدلالة أي ينشط لهداية الناس أو لاهتدائه في نفسه و التحرج التأثم و المعنى جعل الطمع حرجا و عده إثما و عيبا. و قال ابن أبي الحديد حرف الجر في بعض هذه المواضع يتعلق بالظاهر

  فيكون موضعه نصبا بالمفعولية و في بعضها يتعلق بمحذوف فيكون موضعه أيضا نصبا على الصفة ففي قوله في دين يتعلق بالظاهر أي قوة يقال فلان قوي في كذا و على كذا و في لين يتعلق بمحذوف أي حزما كائنا في لين و في يقين و في علم يتعلق بالظاهر و في بمعنى على كقوله تعالى وَ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ و في غنى يتعلق بمحذوف و في عبادة يحتمل الأمرين و في فاقة بمحذوف و في شدة يحتمل الأمرين و في حلال يتعلق بالظاهر و في بمعنى اللام و في هدى يحتملهما و عن طمع بالظاهر. و الوجل الخوف و خوفهم من التقصير في العمل كما أو كيفا أو من عذاب الله إشارة إلى قوله سبحانه يُؤْتُونَ ما آتَوْا الآية و الهم أول العزم و ما قصده الإنسان و أضمره في نفسه و كأن تخصيص الشكر بالمساء لأن الرزق و إفاضة النعم و الفوز بالمكاسب يكون في اليوم غالبا و تخصيص الذكر بالصباح لأن الشواغل عن الذكر في اليوم أكثر و كل يوم كأنه وقت استئناف العمل. و الحذر و الفرح ككتف صفتان من الحذر و الفرح بالتحريك و المراد بالفضل و الرحمة التوفيق و الهداية أو ما يشمل النعم الدنيوية و هذا الفرح يعود إلى الشكر و قال بعض الشارحين ليس المقصود تخصيص البيات بالحذر و الصباح بالفرح بل كما يقول أحدنا يمسي و يصبح حذرا فرحا و كذلك تخصيص الشكر بالمساء و الذكر بالصباح و يحتمل أن لا يكون مقصودا. و الصعب نقيض الذلول و استصعبت على فلان دابته أي صعبت و استصعبت عليه نفسه أي لم تطعه في العبادات المكروهة للنفس و ترك المعاصي لأن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم الله. و لم يعطها سؤلها فيما تحب أي لم يطاوع النفس فيما تريده من هذا الأمر الذي استصعبت عليه أو في غيره من اللذات لتنقاد و تترك الاستصعاب إذ إطاعة النفس في لذاتها توجب طغيانها و قوتها في الباطل و بعدها عن الله و لذا ترى القوة على العبادة في المرتاضين و من أنحلتهم العبادة أكثر منها في الأقوياء و المترفين بالنعم. و قرت عين فلان و أقر الله عينه كفر و عض أي سر و فرح و معناه أبرد الله دمعة عينه لأن دمعة الفرح و السرور باردة و دمعة الحزن حارة و قيل معنى أقر الله عينك بلغك أمنيتك حتى ترضى نفسك و تسكن عينك فلا تستشرف إلى غيره و قيل معناه أبرد الله عينك بأن ينقطع بكاؤها و قرة عين كل أحد مأموله و منتهى رضاه. و ما لا يزول ما عند الله و الدار الآخرة و ما لا يبقى الدنيا و زخارفها يمزج الحلم بالعلم أي يحلم للعلم بفضله لا لضعف النفس و عدم المبالاة بما قيل له أو فعل به أو لا يطيش في المحاورات و المباحثات مع أنه يقول عن علم و قيل المراد بالحلم العقل أي يتعلم عن تفكر و تدبر و لا يعتمد على الظنون و الآراء الواهية أو يتفكر فيما علم و يحفظه حتى يتمكن في قلبه و القول بالعمل أي إذا أمر الناس بمعروف أو نهاهم عن منكر عمل به أو يفي بالوعد أو يقرن الإيمان بالأعمال الصالحة أو يجمع بين القول الجميل و الفعل الحسن. و النزر و المنزور القليل و الأكل كعنق الحظ من الدنيا و في بعض النسخ أكله بالفتح أي لا يمتلئ من الطعام لأنه من أسباب الكسل عن العبادة و كثرة النوم و الحرز الموضع الحصين و حرز حريز كحصن حصين و حرزه كنصره حفظه و المراد عدم إهماله في أمر دينه و عدم تطرق الخلل إليه و المأمول المرجو. إن كان في الغافلين لعل الغرض من القرينتين أنه لا يزال ذاكرا لله سواء كان مع الغافلين أو مع الذاكرين أما إذا كان في الغافلين فيذكر الله

  بقلبه أو بلسانه أيضا فيصير سببا لذكرهم أيضا فيكتب أنه في الذاكرين. و قوله ع لم يكتب من الغافلين كأنه تفنن في العبارة أو المعنى أنه ليس ذكره بمحض اللسان ليكتب من الغافلين بل قلبه أيضا مشغول بذكره تعالى. و الغالب في الصلة و القطع الاستعمال في الرحم و قد يستعملان في الأعم أيضا. و بعيدا عود إلى السياق السابق و الجمل معترضة أو حال عن فاعل يصل و قد يعبر بالبعد عن العدم و كذلك الغيبة و الحضور و الإقبال و الإدبار و يحتمل القلة فإن التقوى غير العصمة و يمكن أن يراد بالإقبال الازدياد و بالإدبار الانتقاص أي لا يزال يسعى فيزداد خيره و ينتقص شره. و قال الوالد رحمه الله يمكن أن يراد بالمعروف و المنكر الإحسان و الإساءة إلى الخلق. و الزلازل الشدائد و الوقور فعول من الوقار بالفتح و هو الحلم و الرزانة و الرخاء سعة العيش و الحيف الجور و الظلم و المراد بالإثم الميل عن الحق و الغرض أنه لا يترك الحق للعداوة و المحبة إذا كان حاكما أو لا يجوز على العدو و لا يساعد المحب بما يخرج عن الحق. لا يضيع ما استحفظ أي ما أودع عنده من الأموال و الأسرار و التضييع في الأول بالخيانة و التفريط و في الثانية بالإذاعة و الإفشاء و يحتمل شموله لما استحفظه الله من دينه و كتابه و لا ينسى ما ذكر أي ما أمر بتذكره من آيات الله و عبره و أمثاله أو الأعم منها و من أحكام الله و الموت و المصير إلى الله و أهوال الآخرة. و النبز بالتحريك اللقب قيل و كثر فيما كان ذما و المنابزة و التنابز التعاير و التداعي بالألقاب و المضارة الإضرار و الجار المجاور في السكنى و من آجرته من أن يظلم و شمت كفرح شماتة بالفتح أي فرح ببلية العدو لا يدخل في الباطل أي في مجالس الفسق و اللهو و الفساد أو المراد عدم ارتكاب الباطل و كذا الخروج من الحق أي من مجالسه أو عدم ترك الحق. لم يغمه صمته لعلمه بمفاسد الكلام و عدم التذاذه بالباطل من القول أو لاشتغال قلبه حين الصمت بذكر الله لم يعل صوته أي لا يشتد صوته أو يكتفي بالتبسم إذ الخروج عنه يكون غالبا بالضحك بالصوت العالي و الواسطة نادرة و أراح الناس لاشتغاله بنفسه و الزهد خلاف الرغبة و كثيرا ما يستعمل في عدم الرغبة في الدنيا و النزاهة بالفتح التباعد عن كل قدر و مكروه و إنما كان تباعده زهدا و نزاهة لأنه إنما يرغب عن أهل الدنيا و أهل الباطل و قيل نزاهة عن تدنس العرض. و الخديعة ككريهة الاسم من خدعه أي ختله و أراد به المكروه من حيث لا يعلم و صعق كسمع أي غشي عليه من صوت شديد سمعه أو من غيره و ربما مات منه كانت نفسه فيها أي مات بها و يحتمل أن يراد بالصعقة الصيحة كما هو الغالب في هذا المقام و يراد بكون نفسه فيها خروج روحه بخروجها و ويح كلمة رحمة و يستعمل في التعجب كما مر مرارا و التلطف في مثل هذا المقام من قبيل الإحسان إلى من أساء و قد مر الكلام في هذا المقام و في بعض ما تقدم في شرح رواية الكافي فلا نعيده. و أقول روي في تحف العقول أيضا مثله. و أقول لما سلك قدوة المحققين ابن ميثم البحراني في شرح هذا الحديث مسلكا آخر أردت إيراده ليطلع الناظر في كتابنا على أكثر ما قيل في ذلك فأوردته. قال قدس سره وصف ع المتقين بالوصف المجمل فقال فالمتقون فيها هم أهل الفضائل أي الذين استجمعوا الفضائل المتعلقة بإصلاح قوتي العلم و العمل ثم شرع في تفصيل تلك الفضائل و نسقها. فالأولى الصواب في القول و هو فضيلة العدل المتعلقة باللسان و حاصله

  أن لا يسكت عما ينبغي أن يقال فيكون مفرطا و لا يقول ما ينبغي أن يسكت عنه فيكون مفرطا بل يضع كلا من الكلام في موضعه اللائق به و هو أخص من الصدق لجواز أن يصدق الإنسان فيما لا ينبغي من القول. الثانية و ملبسهم الاقتصاد و هو فضيلة العدل في الملبوس فلا يلبس ما يلحقه بدرجة المترفين و لا يلحقه بأهل الخسة و الدناءة مما يخرج به عن عرف الزاهدين في الدنيا. الثالثة مشي التواضع و التواضع ملكة تحت العفة يعود إلى العدل بين رذيلتي المهانة و الكبر و مشي التواضع مستلزم للسكون و الوقار. الرابعة غض الأبصار عما حرم الله و هو ثمرة العفة. الخامسة وقوفهم أسماعهم على سماع العلم النافع و هو فضيلة العدل في قوة السمع و العلوم النافعة ما هو كمال القوة النظرية من العلم الإلهي و ما يناسبه و ما هو كمال للقوة العملية و هي الحكمة العملية. السادسة نزول أنفسهم منهم في البلاء كنزولها في الرخاء أي لا تقنط من بلاء ينزل بها و لا تبطر برخاء يصيبها بل مقامها في الحالين مقام الشكر و الذي صفة مصدر محذوف و الضمير العائد إليه محذوف أيضا و التقدير نزلت كالنزول الذي نزلته في الرخاء و يحتمل أن يكون المراد بالذي الذين فحذف النون كما في قوله تعالى كَالَّذِي خاضُوا و يكون المقصود تشبيههم حال نزول أنفسهم منهم في البلاء بالذي نزلت أنفسهم منهم في الرخاء و المعنى واحد. السابعة غلبة الشوق إلى ثواب الله و الخوف من عقابه على نفوسهم إلى غاية أن أرواحهم لا تستقر في أجسادهم من ذلك لو لا الآجال التي كتبت لهم و هذا الشوق و الخوف إذا بلغ إلى حد الملكة فإنه يستلزم دوام الجد في العمل و الإعراض عن الدنيا و مبدؤهما تصور عظمة الخالق و بقدر ذلك يكون تصور عظمة وعده و وعيده و بحسب قوة ذلك التصور يكون قوة الخوف و الرجاء و هما بابان عظيمان للجنة. الثامنة عظم الخالق في أنفسهم و ذلك بحسب الجواذب الإلهية إلى الاستغراق في محبته و معرفته و بحسب تفاوت تصور عظمته تعالى يكون تصورهم لأصغرية ما دونه و نسبته إليه في أعين بصائرهم. و قوله فهم و الجنة كمن قد رآها إلى قوله معذبون إشارة إلى أن العارف و إن كان في الدنيا بجسده فهو في مشاهدته بعين بصيرته لأحوال الجنة و سعادتها و أحوال النار و شقاوتها كالذين شاهدوا الجنة بعين حسهم و تنعموا فيها و كالذين شاهدوا النار و عذبوا فيها و هي مرتبة عين اليقين فبحسب هذه المرتبة كانت شدة شوقهم إلى الجنة و شدة خوفهم من النار التاسعة حزن قلوبهم و ذلك ثمرة الخوف الغالب. العاشرة كونهم مأموني الشرور و ذلك أن مبدأ الشرور محبة الدنيا و أباطيلها و العارفون بمعزل عن ذلك. الحادية عشر نحافة أجسادهم و مبدأ ذلك كثرة الصيام و السهر و جشوبة المطعم و خشونة الملبس و هجر الملاذ الدنيوية. الثانية عشر خفة حاجاتهم و ذلك لاقتصارهم من حوائج الدنيا على القدر الضروري من ملبس و مأكل و لا أخف من هذه الحاجة. الثالثة عشر عفة أنفسهم و ملكة العفة فضيلة القوة الشهوية و هي الوسط بين رذيلتي خمود الشهوة و الفجور. الرابعة عشر الصبر على المكاره أيام حياتهم من ترك الملاذ الدنيوية و احتمال أذى الخلق و قد عرفت أن الصبر مقاومة النفس الأمارة بالسوء لئلا ينقاد إلى قبائح اللذات و إنما ذكر قصر مدة الصبر و استعقابه للراحة الطويلة ترغيبا فيه و تلك الراحة بالسعادة في الجنة كما قال تعالى وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَرِيراً الآية و قوله تجارة مربحة استعار لفظ التجارة لأعمالهم الصالحة

  و امتثال أوامر الله و وجه المشابهة كونهم متعوضين بمتاع الدنيا و بحركاتهم في العبادة متاع الآخرة و رشح بلفظ الربح لأفضلية متاع الآخرة و زيادته في النفاسة على ما تركوه و ظاهر أن ذلك بتيسير الله لأسبابه و إعدادهم له بالجواذب الإلهية. الخامسة عشر عدم إرادتهم للدنيا مع إرادتها لهم و هو إشارة إلى الزهد الحقيقي و هو ملكة تحت العفة و كنى بإرادتها لهم عن كونهم أهلا لأن يكونوا فيها رءوسا و أشرافا كقضاة و وزراء و نحو ذلك و كونها بمعرض أن تصل إليهم لو أرادوها و يحتمل أن يريد أرادهم أهل الدنيا فحذف المضاف. السادسة عشر افتداء من أسرته لنفسه منها و هو إشارة إلى من تركها و زهد فيها بعد الانهماك فيها و الاستمتاع بها ففك بذلك الترك و الإعراض و التمرن على طاعة الله أغلال الهيئات الردية المتلبسة منها عن عنقه و لفظ الأسر استعارة في تمكن تلك الهيئات من نفوسهم و لفظ الفدية استعارة لتبديل ذلك الاستمتاع بها بالإعراض عنها و المواظبة على طاعة الله و إنما عطف بالواو في قوله و لم يريدوها و بالفاء في قوله ففدوا لأن زهد الإنسان في الدنيا كما يكون متأخرا عن إقبالها عليه كذلك قد يكون متقدما عليه لقوله ص و من جعل الآخرة أكبر همه جمع الله عليه همه و أتته الدنيا و هي راغمة فلم يحسن العطف هنا بالفاء و أما الفدية فلما لم يكن إلا بعد الأسر لا جرم عطفها بالفاء. السابعة عشر كونهم صافين أقدامهم بالليل يتلون القرآن و يرتلونه إلى قوله آذانهم و ذلك إشارة إلى تطويع نفوسهم الأمارة بالسوء بالعبادات و شرح لكيفية استيثارهم للقرآن العزيز في تلاوته و غاية ترتيلهم له بفهم مقاصده و تحزينهم لأنفسهم به عند ذكر الوعيدات من جملة استيثارهم لدواء دائهم و لما كان داؤهم هو الجهل و سائر الرذائل العملية كان دواء الجهل بالعلم و دواء كل رذيلة الحصول على الفضيلة المضادة لها فهم بتلاوة القرآن يستثيرون بالتحزين الخوف عن وعيد الله المضاد للانهماك في الدنيا و داؤه العلم الذي هو دواء الجهل و كذلك كل فضيلة حث القرآن عليها فهي دواء لما يضادها من الرذائل و باقي الكلام شرح لكيفية التحزين و التشويق. و قوله فهم حانون على أوساطهم ذكر لكيفية ركوعهم و قوله مفترشون لجباههم إلى قوله أقدامهم إشارة إلى كيفية سجودهم و ذكر الأعظم السبعة و قوله يطلبون إلى قوله رقابهم إشارة إلى غايتهم من عبادتهم تلك. الثامنة عشر من صفاتهم بالنهار كونهم حكماء و أراد الحكمة الشرعية و ما فيها من كمال القوة العلمية و العملية لكونها المتعارفة بين الصحابة و التابعين و روي حلماء و الحلم فضيلة تحت ملكة الشجاعة هي الوسط بين رذيلتي المهانة و الإفراط في الغضب و إنما خص الليل بالصلاة لكونها أولى بها من النهار. التاسعة عشر كونهم علماء و أراد كمال القوة النظرية بالعلم النظري و هو معرفة الصانع و صفاته. العشرون كونهم أبرارا و البر يعود إلى العفيف لمقابلته الفاجر. الحادية و العشرون كونهم أتقياء و المراد بالتقوى هاهنا الخوف من الله و قد مر ذكر العفة و الخوف و إنما كررهما هنا في عداد صفاتهم بالنهار و ذكرها هناك في صفاتهم المطلقة و قوله و قد براهم الخوف إلى قوله عظيم شرح لفعل الخوف الغالب بهم و إنما يفعل الخوف ذلك لاشتغال النفس المدبرة للبدن به عن النظر في صلاح البدن و وقوف القوة الشهوية و الغاذية عن أداء بدل ما يتحلل و شبه بري الخوف لهم ببري القداح و وجه التشبيه شدة النحافة و يتبع ذلك تغير السحنات و الضعف عن الانفعالات النفسانية من الخوف و الحزن حتى يحسبهم الناظر مرضى و إن لم يكن بهم مرض. و يقول قد خولطوا و ذلك إشارة إلى ما يعرض لبعض العارفين عند اتصال نفسه بالملإ الأعلى و اشتغالها عن تدبير البدن و ضبط حركاته أن يتكلم بكلام خارج عن المتعارف يستبشع بين أهل الشريعة الظاهرة فينسب ذلك منه إلى الاختلاط

  و الجنون و تارة إلى الكفر و الخروج عن الدين و قوله و لقد خالطهم أمر عظيم هو اشتغال أسرارهم بملاحظة جلال الله و مطالعة أنوار الملإ الأعلى. الثانية و العشرون كونهم لا يرضون من أعمالهم القليل إلى قوله الكبير و ذلك لتصورهم شرف غايتهم المقصودة بأعمالهم و قوله فهم لأنفسهم متهمون إلى قوله ما لا يعلمون فتهمتهم لأنفسهم و خوفهم من أعمالهم يعود إلى شكهم فيما يحكم به أوهامهم من حسن عبادتهم و كونها مقبولة أو واقعة على الوجه المطلوب الموصل إلى الله تعالى فإن هذا الوهم يكون مبدأ للعجب بالعبادة و التقاصر عن الازدياد عن العمل و التشكك في ذلك و تهمة النفس بانقيادها في ذلك الحكم للنفس الأمارة يستلزم خوفها أن يكون تلك الأعمال قاصرة عن الوجه المطلوب و غير واقعة عليه و ذلك باعث على العمل و كاسر للعجب به و قد عرفت أن العجب من المهلكات

 كما قال ع ثلاث مهلكات شح مطاع و هوى متبع و إعجاب المرء بنفسه

و كذلك خوفهم من تزكية الناس لهم هو الدواء لما ينشأ من تلك التزكية من الكبر و العجب بما يزكون به فيكون جواب أحدهم عند تزكيته أني أعلم بنفسي من غيري إلى آخره. ثم شرع ع بعد ذلك في علاماتهم التي بجملتها يعرف أحدهم و الصفات السابقة و إن كان كثير منها مما يخص أحدهم و يعرف به إلا أن بعضها قد يدخله الرياء فلا يدل على التقوى الحقة فجمعها هاهنا و نسقها. فالأولى القوة في الدين و ذلك أن يقاوم في دينه الوسواس الخناس و لا يدخل فيه خداع الناس و هذا إنما يكون في الدين العالم. الثانية الحزم في الأمور الدنيوية و الدينية و التثبت فيها ممزوجا باللين للخلق و عدم الفضاضة عليهم كما في المثل لا تكن حلوا فتسترط و لا مرا فتلفظ و هي فضيلة العدل في المعاملة مع الخلق و قد علمت أن اللين قد يكون للتواضع المطلوب بقوله وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ و قد يكون من مهانة و ضعف يقين و الأول هو المطلوب و هو المقارن للحزم في الدين و مصالح النفس و الثاني رذيلة و لا يمكن معه الحزم لانفعال المهين عن كل جاذب. الثالثة الإيمان في اليقين و لما كان الإيمان عبارة عن التصديق بالصانع و بما وردت به الشريعة و كان ذلك التصديق قابلا للشدة و الضعف فتارة يكون عن التقليد و هو الاعتقاد المطابق لا لموجب و تارة يكون عن العلم و هو الاعتقاد المطابق لموجب هو الدليل و تارة عن العلم به مع العلم بأنه لا يكون إلا كذلك و هو علم اليقين و محققو السالكين لا يقفون عند هذه المرتبة بل يطلبون بعين اليقين بالمشاهدة بعد طرح حجب الدنيا و الإعراض عنها أراد أن علمهم علم اليقين لا يتطرق إليه احتمال. الرابعة الحرص في العلم و الازدياد منه. الخامسة مزج العلم و هو فضيلة القوة الملكية بالحلم و هو من فضائل القوة السبعية. السادسة القصد في الغنى و هو فضيلة العدل في استعمال متاع الدنيا و حذف الفضول عن قدر الضرورة. السابعة الخشوع في العبادة و هو من ثمرة الفكر في جلال المعبود و ملاحظة عظمته الذي هو روح العبادة. الثامنة التجمل في الفاقة و ذلك بترك الشكوى إلى الخلق و الطلب منهم و إظهار الغنى عنهم و ينشأ عن القناعة و الرضا و علو الهمة و يعين على ذلك ملاحظة الوعد العاجل و ما أعد للمتقين. التاسعة و كذلك الصبر في الشدة. العاشرة الطلب في الحلال و ينشأ عن العفة. الحادية عشر النشاط في الهدى و سلوك سبيل الله و ينشأ عن قوة الاعتقاد فيما وعد المتقون و تصور شرف الغاية. الثانية عشر عمل الصالحات على وجل أي من أن يكون على غير الوجه اللائق فلا يقبل كما روي عن زين العابدين ع أنه كان في التلبية و هو على راحلته و خر مغشيا عليه فلما أفاق قيل له في ذلك فقال خشية أن يقول لي لا لبيك و لا سعديك. الثالثة عشر أن يكون همهم عند المساء الشكر على ما رزقوا بالنهار و ما لم يرزقوا و يصبحوا و همهم الذكر لله ليذكرهم الله فيرزقهم من الكمالات النفسانية و البدنية كما قال تعالى فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَ اشْكُرُوا لِي وَ لا تَكْفُرُونِ. الرابعة عشر أن يبيت حذرا و يصبح فرحا و قوله حذرا إلى قوله الرحمة تفسير للمحذور و ما به الفرح و ليس مقصوده تخصيص البيات بالحذر و الصباح بالفرح بل كما يقول أحدنا يمسي فلان و يصبح حذرا فرحا و كذلك تخصيصه الشكر بالمساء و الذكر بالصباح يحتمل أن لا يكون مقصودا. الخامسة عشر أن استصعبت إلى قوله تحب إشارة إلى مقاومته لنفسه الأمارة بالسوء عند استصعابها عليه و قهره لها على ما تكره و عدم متابعته لها في ميولها الطبيعية و محابها. السادسة عشر أن يرى قرة عينه فيما لا يزول أي من الكمالات النفسانية الباقية كالعلم و الحكمة و مكارم الأخلاق المستلزمة للذات الباقية و السعادة

  الدائمية و قرة عينه كناية عن لذته و ابتهاجه لاستلزامهما لقرار العين و بردها برؤية المطلوب و زهادته فيما لا يبقى من متاع الدنيا السابعة عشر أن يمزج العلم بالحلم فلا يجهل و يطيش و القول بالعمل فلا يقول ما لا يفعل فلا يأمر بمعروف فيقف دونه و لا ينهى عن منكر ثم يفعله و لا يعد فيخلف فيدخل في مقت الله كما قال تعالى كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ. الثامنة عشر قصر أمله و قربه و ذلك لكثرة ذكر الموت و الوصول إلى الله. التاسعة عشر قلة زلله و قد عرفت أن زلل العارفين يكون من باب ترك الأولى لأن صدور الخيرات عنهم صار ملكة و الجواذب فيهم إلى الزلل و الخطيئات نادرة تكون لضرورة منهم أو سهو و لا شك في قلته. العشرون خشوع قلبه عن تصور عظمة المعبود. الحادية و العشرون قناعة نفسه و ينشأ عن ملاحظة حكمة الله في قدرته و قسمته الأرزاق و يعين عليها تصور فوائدها الحاضرة و غايتها في الآخرة. الثانية و العشرون قلة أكله و ذلك لما يتصور في البطنة من ذهاب الفطنة و زوال الرقة و حدوث القسوة و الكسل عن العمل. الثالثة و العشرون سهولة أمره أي لا يتكلف لأحد و لا يكلف أحدا. الرابعة و العشرون حرز دينه فلا يهمل منه شيئا و لا يطرق إليه خللا. الخامسة و العشرون موت شهوته و لفظ الموت مستعار لخمود شهوته عما حرم عليه و يعود إلى العفة. السادسة و العشرون كظم غيظه و هو من فضائل القوة الغضبية. السابعة و العشرون كونه مأمول الخير و ذلك لأكثرية خيريته مأمون الشرور و ذلك لعلم الخلق بعدم قصده للشرور. الثامنة و العشرون قوله إن كان من الغافلين إلى قوله الغافلين أي إن رآه الناس في أعداد الغافلين عن ذكر الله لتركه الذكر باللسان كتب عند الله من الذاكرين لاشتغال قلبه بالذكر و إن تركه بلسانه و إن كان من الذاكرين بلسانه بينهم فظاهر أنه لا يكتب من الغافلين و لذكر الله ممادح كثيرة و هو باب عظيم من أبواب الجنة و الاتصال بجناب الله و قد أشرنا إلى فضيلته و أسراره. التاسعة و العشرون عفوه عمن ظلمه و العفو فضيلة تحت الشجاعة و خص من ظلمه ليتحقق عفوه مع قوة الداعي إلى الانتقام. الثلاثون و يعطي من حرمه و هي فضيلة تحت السخاء. الحادية و الثلاثون و يصل من قطعه و المواصلة فضيلة تحت العفة. الثانية و الثلاثون بعد فحشه و أراد ببعد الفحش عنه أنه قلما يخرج في أقواله إلى ما لا ينبغي. الثالثة و الثلاثون لينه في القول عند محاورات الناس و وعظهم و معاملتهم و هو من أجزاء التواضع. الرابعة و الثلاثون غيبة منكره و حضور معروفه و ذلك للزومه حدود الله. الخامسة و الثلاثون إقبال خيره و إدبار شره و هو كقوله الخير منه مأمول و الشر منه مأمون و يحتمل بإقبال خيره أخذه في الازدياد من الطاعة و تشميره فيها و بقدر ذلك يكون إدباره عن الشر لأن من استقبل أمرا و سعى فيه بعد عما يضاده و أدبر عنه. السادسة و الثلاثون وقاره في الزلازل و كنى بها عن الأمور العظام و الفتن الكبار المستلزمة لاضطراب القلوب و أحوال الناس و الوقار ملكة تحت الشجاعة. السابعة و الثلاثون كثرة صبره في المكاره و ذلك عن ثباته و علو همته عن أحوال الدنيا. الثامنة و الثلاثون كثرة شكره في الرخاء و ذلك لمحبته المنعم الأول جلت قدرته فيزداد شكره في رخائه و إن قل. التاسعة و الثلاثون كونه لا يحيف على من يبغض و هو سلب للحيف و الظلم

  مع قيام الداعي إليهما و هو البغض لمن يتمكن من حيفه و ظلمه. الأربعون كونه لا يأثم فيمن يحب و هو سلب لرذيلة الفجور عنه باتباع الهوى فيمن يحب إما بإعطائه ما لا يستحق أو دفع ما يستحق عليه عنه كما يفعله قضاة السوء و أمراء الجور فالمتقي لا يأثم بشي‏ء من ذلك مع قيام الداعي إليه و هو المحبة لمن يحبه بل يكون على فضيلة العدل في الكل على السواء. الحادية و الأربعون اعترافه بالحق قبل أن يشهد عليه و ذلك لتحرزه في دينه من الكذب إذ الشهادة إنما يحتاج إليها مع إنكار الحق و ذلك كذب. الثانية و الأربعون كونه لا يضيع أماناته و لا يفرط فيما استحفظه الله من دينه و كتابه و ذلك لورعه و لزوم حدود الله. الثالثة و الأربعون و لا ينسى ما ذكر من آيات الله و عبره و أمثاله و لا يترك العمل بها و ذلك لمداومة ملاحظتها و كثرة إخطارها بباله و العمل بها لعنايته المطلوبة منه. الرابعة و الأربعون و لا ينابز بالألقاب و ذلك لملاحظته النهي في الذكر الحكيم وَ لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ و لسر ذلك النهي و هو كون ذلك مستلزما لإثارة الفتن و التباغض بين الناس و الفرقة المضادة لمطلوب الشارع. الخامسة و الأربعون و لا يضار بالجار لملاحظة وصية الله تعالى به وَ الْجارِ ذِي الْقُرْبى وَ الْجارِ الْجُنُبِ و وصية رسول الله ص في المرفوع إليه أوصاني ربي بالجار حتى ظننت أنه يورثه و لغاية ذلك و هي الألفة و الاتحاد في الدين. السادسة و الأربعون و لا يشمت بالمصائب و ذلك لعلمه بأسرار القدر و ملاحظته لأسباب المصائب و أنه في معرض أن تصيبه فيتصور أمثالها في نفسه فلا يفرح بنزولها على غيره. السابعة و الأربعون أنه لا يدخل في الباطل و لا يخرج عن الحق أي لا يدخل فيما يبعد عن الله تعالى من باطل الدنيا و لا يخرج عما يقرب إليه من مطالبه الحقة و ذلك لتصور شرف غايته. الثامنة و الأربعون كونه لا يغمه صمته لوضعه كلا من الصمت و الكلام في موضعه و إنما يستلزم الغم الصمت عما ينبغي من القول و هو صمت في غير موضعه. التاسعة و الأربعون كونه لا يعلو ضحكه و ذلك لغلبة ذكر الموت و ما بعده على قلبه و مما نقل من صفات الرسول ص كان أكثر ضحكه التبسم و قد يفتر أحيانا و لم يكن من أهل القهقهة و الكركرة و هما كيفيتان للضحك. الخمسون صبره في البغي عليه إلى غاية انتقام الله له و ذلك منه نظرا إلى ثمرة الصبر إلى الوعد الكريم ذلِكَ وَ مَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ الآية و قوله وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ. الحادية و الخمسون كون نفسه منه في عناء أي نفسه الأمارة بالسوء لمقاومته لها و قهرها و مراقبته إياها و الناس من أذاه في راحة لذلك. الثانية و الخمسون كون بعده عمن تباعد عنه لزهده فيما في أيدي الناس و نزاهته عنه لا عن كبر و تعظم عليهم و كذلك دنوه ممن دنا منه عن لين و رحمة منه لهم لا لمكر بهم و خديعة لهم عن بعض المطالب كما هو عادة الخبيث المكار و هذه الصفات و العلامات قد يتداخل بعضها و لكن تورد بعبارة أخرى أو تذكر مفردة ثم تذكر ثانيا مركبة مع غيرها

51-  لي، ]الأمالي للصدوق[ ابن الوليد عن الصفار عن علي بن حسان عن عمه عبد الرحمن بن كثير الهاشمي عن جعفر بن محمد عن أبيه ع قال قام رجل من أصحاب أمير المؤمنين ع يقال له همام و كان عابدا فقال له يا أمير المؤمنين صف لي المتقين حتى كأني أنظر إليهم فتثاقل أمير المؤمنين صلوات الله عليه عن جوابه ثم قال له ويحك يا همام اتق الله و أحسن ف إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ فقال همام يا أمير المؤمنين أسألك بالذي أكرمك بما خصك به و حباك و فضلك بما آتاك و أعطاك لما وصفتهم لي فقام أمير المؤمنين صلوات الله عليه قائما على قدميه فحمد الله و أثنى عليه و صلى على النبي و آله ثم قال أما بعد فإن الله عز و جل خلق الخلق حيث خلقهم غنيا عن طاعتهم آمنا لمعصيتهم لأنه لا تضره معصية من عصاه منهم و لا تنفعه طاعة من أطاعه منهم و قسم بينهم معايشهم و وضعهم في الدنيا مواضعهم و إنما أهبط الله آدم و حواء ع من الجنة عقوبة لما صنعا حيث نهاهما فخالفاه و أمرهما فعصياه فالمتقون فيها هم أهل الفضائل منطقهم الصواب و ملبسهم الاقتصاد و مشيهم التواضع خشعوا لله عز و جل بالطاعة فتهبوا فهم غاضون أبصارهم عما حرم الله عليهم واقفين أسماعهم على العلم نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالتي نزلت منهم في الرخاء رضا منهم عن الله بالقضاء و لو لا الآجال التي كتبت عليهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقا إلى الثواب و خوفا من العقاب عظم الخالق في أنفسهم و وضع ما دونه في أعينهم فهم و الجنة كمن رآها فهم فيها متكئون و هم و الدار كمن رآها فهم فيها معذبون قلوبهم محزونة و شرورهم مأمونة و أجسادهم نحيفة و حوائجهم خفيفة و أنفسهم عفيفة و مئونتهم من الدنيا عظيمة صبروا أياما قصارا أعقبتهم راحة طويلة تجارة مربحة يسرها لهم رب كريم أرادتهم الدنيا فلم يريدوها و طلبتهم فأعجزوها أما الليل فصافون أقدامهم تالين لأجزاء القرآن يرتلونه ترتيلا يحزنون به أنفسهم و يستترون به و يهيج أحزانهم بكاء على ذنوبهم و وجع كلوم جراحهم و إذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم و أبصارهم فاقشعرت منها

 جلودهم و وجلت منها قلوبهم فظنوا أن صهيل جهنم و زفيرها و شهيقها في أصول آذانهم و إذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا و تطلعت أنفسهم إليها شوقا و ظنوا أنها نصب أعينهم جاثين على أوساطهم يمجدون جبارا عظيما مفترشين جباههم و أكفهم و ركبهم و أطراف أقدامهم تجري دموعهم على خدودهم يجأرون إلى الله في فكاك رقابهم أما النهار فحلماء علماء بررة أتقياء قد براهم الخوف فهم أمثال القداح ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى و ما بالقوم من مرض أو يقول قد خولطوا فقد خالط القوم أمر عظيم إذا فكروا في عظمة الله و شدة سلطانه مع ما يخالطهم من ذكر الموت و أهوال القيامة فزع ذلك قلوبهم فطاشت حلومهم و ذهلت عقولهم فإذا استقاموا بادروا إلى الله عز و جل بالأعمال الزكية لا يرضون لله بالقليل و لا يستكثرون له الجزيل فهم لأنفسهم متهمون و من أعمالهم مشفقون إن زكي أحدهم خاف ما يقولون و يستغفر الله مما لا يعلمون و قال أنا أعلم بنفسي من غيري و ربي أعلم مني بنفسي اللهم لا تؤاخذني بما يقولون و اجعلني خيرا مما يظنون و اغفر لي ما لا يعلمون فإنك علام الغيوب و ساتر العيوب و من علامة أحدهم أنك ترى له قوة في دين و حزما في لين و إيمانا في يقين و حرصا على العلم و فهما في فقه و علما في حلم و كسبا في رفق و شفقة في نفقة و قصدا في غنى و خشوعا في عبادة و تجملا في فاقة و صبرا في شدة و رحمة للمجهود و إعطاء في حق و رفقا في كسب و طلبا للحلال و نشاطا في الهدى و تحرجا عن الطمع و برا في استقامة و إغماضا عند شهوة لا يغره ثناء من جهله و لا يدع إحصاء ما علمه مستبطئا لنفسه في العمل يعمل الأعمال الصالحة و هو على وجل يمسي و همه الشكر و يصبح و شغله الذكر يبيت حذرا و يصبح فرحا حذرا لما حذر من الغفلة فرحا لما أصاب من الفضل و الرحمة إن استصعبت عليه نفسه لم يعطها سؤلها فيما فيه مضرته ففرحه فيما يخلد و يدوم و قرة عينه فيما لا يزول و رغبته فيما يبقى و زهادته فيما يفنى يمزج العلم بالحلم و يمزج الحلم بالعقل تراه بعيدا كسله دائما نشاطه قريبا أمله قليلا زلله متوقعا أجله خاشعا قلبه ذاكرا ربه خائفا ذنبه قانعة نفسه متغيبا جهله سهلا أمره حريزا لدينه ميتة شهوته كاظما غيظه صافيا خلقه آمنا منه جاره ضعيفا كبره متينا صبره كثيرا ذكره محكما أمره لا يحدث بما يؤتمن عليه الأصدقاء و لا يكتم شهادته الأعداء و لا يعمل شيئا من الحق رئاء و لا يتركه حياء الخير منه مأمول و الشر منه مأمون إن كان من الغافلين كتب من الذاكرين و إن كان من الذاكرين لم يكتب من الغافلين يعفو عمن ظلمه و يعطي من حرمه و يصل من قطعه و لا يعزب حلمه و لا يعجل فيما يريبه و يصفح عما قد تبين له بعيدا جهله لينا قوله غائبا مكره قريبا معروفه صادقا قوله حسنا فعله مقبلا خيره مدبرا شره فهو في الزلازل وقور و في المكاره صبور و في الرخاء شكور و لا يحيف على من يبغض و لا يأثم فيمن يحب و لا يدعي ما ليس له و لا يجحد حقا عليه يعترف بالحق قبل أن يشهد عليه لا يضيع ما استحفظ و لا يتنابز بالألقاب لا يبغي على أحد و لا يهم بالحسد و لا يضر بالجار و لا يشمت بالمصائب سريع للصواب مؤد للأمانات بطي‏ء عن المنكرات يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر لا يدخل في الأمور بجهل و لا يخرج عن الحق بعجز إن صمت لم يغمه الصمت و إن نطق لم يقل خطأ و إن ضحك لم يعد صوته سمعه قانعا بالذي قدر له لا يجمح به الغيظ و لا يغلبه الهوى و لا يقهره الشح

 و لا يطمع فيما ليس له يخالط الناس ليعلم و يصمت ليسلم و يسأل ليفهم و يبحث ليعلم لا ينصت للخير ليفخر به و لا يتكلم به ليتجبر على من سواه إن بغي عليه صبر حتى يكون الله هو الذي ينتقم له نفسه منه في عناء و الناس منه في راحة أتعب نفسه لآخرته و أراح الناس من نفسه بعد من تباعد عنه بغض و نزاهة و دنو من دنا منه لين و رحمة فليس تباعده بكبر و لا عظمة و لا دنوه لخديعة و لا خلابة بل يقتدي بمن كان قبله من أهل الخير فهو إمام لمن خلفه من أهل البر قال فصعق همام صعقة كانت نفسه فيها فقال أمير المؤمنين ع أما و الله لقد كنت أخافها عليه و أمر به فجهز و صلى عليه و قال هكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها فقال قائل فما بالك أنت يا أمير المؤمنين فقال ويلك إن لكل أجلا لن يعدوه و سببا لا يجاوزه فمهلا لا تعد فإنه إنما نفث هذا القول على لسانك الشيطان

 كتاب سليم بن قيس، مثله توضيح إنما كررنا ذكر هذه الخطبة الشريفة لئلا يفوت عن الناظر في الكتاب الفوائد التي اختصت كل رواية بها مع أنها المسك كلما كررته يتضوع. بما خصك به من قرابة الرسول ص و الاختصاص به و حباك أي أعطاك من الوصاية و الخلافة بما آتاك من السوابق و المناقب و أعطاك من العلم و القرب و مكارم الأخلاق و يحتمل التعميم و التأكيد. و لما إيجابية أي أسألك في جميع الأحوال إلا حال الوصف و هو حصول المطلوب و قد مر الكلام في تأويل معصية آدم و حواء ع و ذكرها لبيان فضيلة التقوى و ذم خلافها و بيان سبب حصول بني آدم في الدنيا و احتياجهم إلى المعايش و اختلافهم في المنازل الدينية و المراتب الدنيوية و حصول الشهوات فيهم و ترقيهم في الكمالات لذلك. فتهبوا أي نفضوا أيديهم عن الدنيا و تفرغوا للآخرة في النهاية يقال جاء يتهبى إذا جاء فارغا ينفض يديه. و يحتمل أن يكون من هب فقلب الثاني أي انتبهوا من نوم الغفلة و أسرعوا في الطاعة أو بليت أبدانهم لكثرة العبادة في القاموس الهب الانتباه من النوم و نشاط كل سائر و سرعته و تهبب الثوب بلي و في بعض النسخ فبهتوا أي تحيروا في ملاحظة عظمة الله سبحانه أو يحسبهم الناس كذلك كما سيأتي. و وضع ما دونه على بناء المفعول أي ذل و حط قدره أو على بناء المعلوم ككرم يقال في حسبه ضعة أي انحطاط و لؤم و خسة و قد وضع ككرم و وضعه غيره كذا في القاموس و في بعض النسخ و صغر و مئونتهم من الدنيا عظيمة المئونة الثقل و القوت و التعب و الشدة. قال الجوهري المئونة يهمز و لا يهمز و هي فعولة و قال الفراء هي مفعلة من الأين و هو التعب و الشدة و يقال هو مفعلة من الأون و هو الخرج و العدل لأنه ثقل على الإنسان قال الخليل و لو كان مفعلة لكان مئينة مثل معيشة و عند الأخفش يجوز أن تكون مفعلة انتهى. و أقول تحتمل هذه الفقرة وجوها الأول أن يكون المعنى أن تعبهم و مشقتهم بسبب ترك الدنيا و مجاهدة النفس في الإعراض عنها عظيمة. الثاني أن يكون المعنى أن الرزق مضيق عليهم لإعراضهم عن الحرام و الشبهة و مكسب الحلال قليل مع أن أولياء الله غالبا مبتلون بالفقر فالعظيمة بمعنى الشدة أو المئونة بمعنى التعب. الثالث أن يراد أن ما يحصل لهم من القوت في الدنيا يعدونه عظيما و يشكرونه و إن كان قليلا. الرابع أنهم لكثرة توسعهم على العيال و ذوي الأرحام و الفقراء مئونتهم كثيرة. الخامس أن يكون المعنى أن بليتهم بسبب معاشرة الخلق و كثرة الأعادي و قلة من يؤنسهم و يوافقهم في الطريقة عظيمة. السادس ما ذكره الوالد قدس سره أن المراد بمؤنتهم ما يكسبونه لزاد الآخرة من الطاعات و القربات و الصدقات أي يأخذون حظا عظيما من الدنيا للآخرة. و يحتمل وجوها أخر و كأنه لخفاء معناها أسقطها في النهج و فيما سيأتي في باب صفات الشيعة و معونتهم في الإسلام عظيمة و هو أظهر. و طلبتهم فأعجزوها أي عن أن تصل إليهم و تدركهم و يستترون به أي يخفونه عن الناس خوفا من الرئاء و في بعض النسخ و يستبشرون به أي يفرحون بالحزن أو بالتلاوة شكرا لما وفقهم الله لذلك و يهيج أحزانهم كأنه على بناء التفعيل و بكاء فاعله و أحزانهم مفعوله و وجع عطف على بكاء أو على بناء المجرد و أحزانهم فاعله و بكاء منصوب على العلة و وجع عطف على ذنوبهم و الكلوم كعلوم جمع الكلام بالفتح و هو الجرح و الجراح جمع جراحة بالكسر فيهما و الإضافة للتأكيد أو الجراح مصدر أي الجراحات التي حدثت من جراحاتهم لأنفسهم بالذنوب و المعاصي. و في النهاية فيه ملأ الله مسامعه هي جمع مسمع و هو آلة السمع أو جمع سمع على غير قياس كمشابه و ملامح و المسمع بالفتح خرقها انتهى و أبصارهم بالنصب عطف على مسامع أي أبصار قلوبهم أو بالجر عطفا على قلوبهم فالأبصار بمعنى البصائر و الصهيل صوت الفرس شبه به صوت توقد النار لرفعته و شدته.

  جاثين على أوساطهم الغالب في الجثو أن يطلق على الجلوس على الركبتين و قد يطلق على القيام على أطراف الأصابع و المراد هنا إما الجلوس على وجه الخضوع و النسبة إلى الأوساط على المجاز أو القيام كذلك أو الركوع بتضمين معنى الانحناء في القاموس جثا كدعا و رمى جثوا و جثيا بضمهما جلس على ركبتيه أو قام على أطراف أصابعه و أجثاه غيره و هو جاث و في بعض نسخ حانين كما في سائر الروايات و هو أظهر. و في القاموس مجده عظمه و أثنى عليه و قال جأر كمنع جأرا و جؤارا رفع صوته بالدعاء و تضرع و استغاث فزع على بناء التفعيل و الإشارة إلى التفكر طاشت أي اضطربت و تحيرت في القاموس الطيش النزق و الخفة طاش يطيش طيشا و ذهاب العقل و جواز السهم الهدف و قال الحلم بالكسر الأناة و العقل و الجمع أحلام و حلوم. فإذا استقاموا أي استقامت أحوالهم و ذهبت عنهم تلك الدهشة و في بعض النسخ استفاقوا و هو أنسب في القاموس أفاق من مرضه رجعت الصحة إليه أو رجع إلى الصحة كاستفاق. بالأعمال الزكية أي الطاهرة من الرياء و ما يفسد العمل أو النامية و الجزيل الكثير و العظيم و فهما في فقه الفقه بالكسر العلم بالشي‏ء و الفهم له و الفطنة و غلب على علم الدين لشرفه ذكره الفيروزآبادي فالمعنى أن له فهما في علوم الدين أو يفهم ما يتفقه و لا يكتفي بظاهر التعلم و كسبا في رفق أي يكسب المال و لا يبالغ فيه و هو الإجمال في الطلب و يحتمل كسب العلم أيضا فالرفق عدم المجادلة و السفاهة و شفقة في نفقة الشفقة المبالغة في النصح و الخوف فالمعنى أن له شفقة على المؤمنين مع الإنفاق عليهم أو أنه يخاف في النفقة أن تكون إسرافا أو يكون مكسبها حراما. و في النهاية يقال جهد الرجل فهو مجهود إذا وجد مشقة و جهد الناس فهم مجهودون إذا أجدبوا و رفقا في كسب كأنه تأكيد مع تفنن في العبارة أو في الأول المقصود بالذات الكسب و في الثاني الرفق أو في الأول المراد كسب العلم و في الثاني كسب المال أو الرفق في أحدهما اللطف مع المعاملين و في الآخر عدم المبالغة في الطلب و لا يبعد أن يكون كسبا في الأول تصحيف كيسا كما سيأتي. و برا في استقامة أي مع استقامة في الدين أو من غير تقتير و تبذير أو مداوما عليه أو يضعه في مواضعه و البر إما بر الوالدين أو الأعم و الأخير أظهر و إغماضا عند شهوة أي يغمض عينه عن الحرام مع شهوته للنظر و يحتمل أن يكون الإغماض كناية عن الترك لما سيأتي في بعض انتهاء مكانه. ما علمه أي من سيئاته بل يحصيها و يعدها على نفسه و في بعض النسخ إحصاء علمه مستبطئا لنفسه أي يعدها بطيئة عن الأعمال الصالحة مقصرة فيها و يمزج الحلم بالعقل أي يحلم فيما يحكم العقل بحسنه فيه الأصدقاء فكيف الأعداء الأعداء فكيف الأصدقاء و لا يتركه حياء لأنه لا حياء في الحق و في القاموس العزوب الغيبة يعزب و يعزب و الذهاب و لا يعجل فيما يريبه أي لا يعجل في أمر له شك في أنه يجوز له الدخول فيه أم لا حتى يستيقن ذلك أو إذا شك في صدور خيانة أو ضرر عن غيره لا يعجل في انتقامه حتى يتيقن ذلك و هذا أنسب بما بعده. قال في النهاية الريب الشك و قيل هو الشك مع التهمة يقال رابني الشي‏ء و أرابني بمعنى شككني و قيل أرابني في كذا أي شككني و أوهمني الريبة فيه فإذا استيقنته قلت رابني بغير ألف و منه الحديث دع ما يريبك إلى ما لا يريبك يروى بفتح الياء و ضمها. و يصفح عما قد تبين له أي من إساءة الناس و ضررهم و في القاموس

  بغى عليه يبغي بغيا علا و ظلم و عدل عن الحق و استطال بعجزه أي بضعف النية و فتور العزم. و في القاموس جمح الفرس كمنع اعتز فارسه و غلبه ليسلم أي من شرور اللسان أو شرور الناس و البحث التفتيش و المراد أن إعادته السؤال لحسن الفهم و مزيد العلم لا للمراء و إظهار الفضل. بعد من تباعد إضافة إلى المفعول و كذا دنو من دنا منه

52-  نهج، ]نهج البلاغة[ قال أمير المؤمنين ع في بعض خطبه يا أيها الناس طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس و طوبى لمن لزم بيته و أكل قوته و اشتغل بطاعة ربه و بكى على خطيئته فكان من نفسه في شغل و الناس منه في راحة

 بيان لمن لزم بيته أي لم يخرج منه لتهييج شر و ليس المراد ترك الخروج لطلب الرزق أو للعبادة كالجهاد و عيادة المرضى و تشييع الجنائز و قضاء حوائج المؤمنين و نحوها أو هو مختص ببعض أزمنة الفتن و أكل قوته أي اكتفى بما قدر الله له من قوته و لم يطلب أكثر من ذلك و لم يشترك في قوت غيره

53-  كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن القاسم بن عروة عن أبي العباس قال قال أبو عبد الله ع من سرته حسنة و ساءته سيئة فهو مؤمن

 بيان حسنة أي حسنة نفسه أو أعم من أن يكون من نفسه أو من غيره و يؤيد الأول أن في بعض النسخ حسنته و سيئته كما سيأتي و السرور بالحسنة لا يستلزم العجب فإنه يمكن أن يكون عند نفسه مقصرا في الطاعة لكن يسر بأن لم يتركها رأسا و كان هذا أولى منازل الإيمان مع أن السرور الواقعي بالحسنة يستلزم السعي في الإتيان بكل حسنة و المساءة الواقعية بالسيئة تستلزم التنفر من كل سيئة و الاهتمام بتركها و هذان من كمال الإيمان

54-  كتاب زيد الزراد، قال قلت لأبي عبد الله ع نخشى أن لا نكون مؤمنين قال و لم ذاك فقلت و ذلك أنا لا نجد فينا من يكون أخوه عنده آثر من درهمه و ديناره و نجد الدينار و الدرهم آثر عندنا من أخ قد جمع بيننا و بينه موالاة أمير المؤمنين ع قال كلا إنكم مؤمنون و لكن لا تكملون إيمانكم حتى يخرج قائمنا فعندها يجمع الله أحلامكم فتكونون مؤمنين كاملين و لو لم يكن في الأرض مؤمنون كاملون إذا لرفعنا الله إليه و أنكرتم الأرض و أنكرتم السماء بل و الذي نفسي بيده إن في الأرض في أطرافها مؤمنين ما قدر الدنيا كلها عندهم تعدل جناح بعوضة و لو أن الدنيا بجميع ما فيها و عليها ذهبة حمراء على عنق أحدهم ثم سقط عن عنقه ما شعر بها أي شي‏ء كان على عنقه و لا أي شي‏ء سقط منها لهوانها عليهم فهم الخفي عيشهم المنتقلة ديارهم من أرض إلى أرض الخميصة بطونهم من الصيام الذبلة شفاههم من التسبيح العمش العيون من البكاء الصفر الوجوه من السهر فذلك سيماهم مثلا ضربه الله في الإنجيل لهم و في التوراة و الفرقان و الزبور و الصحف الأولى وصفهم فقال سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ مَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ عنى بذلك صفرة وجوههم من سهر الليل هم البررة بالإخوان في حال العسر و اليسر المؤثرون على أنفسهم في حال العسر كذلك وصفهم الله فقال وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ فازوا و الله و أفلحوا إن رأوا مؤمنا أكرموه و إن رأوا منافقا هجروه إذا جنهم الليل اتخذوا أرض الله فراشا و التراب وسادا و استقبلوا بجباههم الأرض يتضرعون إلى ربهم في فكاك رقابهم من النار فإذا أصبحوا اختلطوا بالناس لا يشار إليهم بالأصابع تنكبوا الطرق و اتخذوا الماء طيبا و طهورا أنفسهم متعوبة و أبدانهم مكدودة و الناس منهم في راحة فهم عند الناس شرار الخلق و عند الله خيار الخلق إن حدثوا لم يصدقوا و إن خطبوا لم يزوجوا و إن شهدوا لم يعرفوا و إن غابوا لم يفقدوا قلوبهم خائفة وجلة من الله ألسنتهم مسجونة و صدورهم وعاء لسر الله إن وجدوا له أهلا نبذوه إليه نبذا و إن لم يجدوا له أهلا ألقوا على ألسنتهم أقفالا غيبوا مفاتيحها و جعلوا على أفواههم أوكية صلب صلاب أصلب من الجبال لا ينحت منهم شي‏ء خزان العلم و معدن الحكمة و تباع النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ أكياس يحسبهم المنافق خرسا عميا بلها و ما بالقوم من خرس و لا عمى و لا بله إنهم لأكياس فصحاء علماء حلماء حكماء أتقياء بررة صفوة الله أسكتهم الخشية لله و أعيتهم ألسنتهم خوفا من الله و كتمانا لسره وا شوقاه إلى مجالستهم و محادثتهم يا كرباه لفقدهم و يا كشف كرباه لمجالستهم اطلبوهم فإن وجدتموهم و اقتبستم من نورهم اهتديتم و فزتم بهم في الدنيا و الآخرة هم أعز في الناس من الكبريت الأحمر حليتهم طول السكوت و كتمان السر و الصلاة و الزكاة و الحج و الصوم و المواساة للإخوان في حال اليسر و العسر فذلك حليتهم و محبتهم يا طُوبى لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ هم وارثو الفردوس خالدين فيها و مثلهم في أهل الجنان مثل الفردوس في الجنان و هم المطلوبون في النار المحبورون في الجنان فذلك قول أهل النار ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ فهم أشرار الخلق عندهم فيرفع الله منازلهم حتى يرونهم فيكون ذلك حسرة لهم في النار فيقولون يا لَيْتَنا نُرَدُّ فنكون مثلهم فلقد كانوا هم الأخيار و كنا نحن الأشرار فذلك حسرة لأهل النار

 بيان إنكار الأرض و السماء أن يشاهدوا فيهما آثارا غريبة لم يروا فيهما قبل ذلك فهم الخفي عيشهم أي يعيشون مختفين من الناس للخوف منهم أو لعدم موافقة طريقتهم لهم و كذا الانتقال من أرض إلى أخرى لذلك تنكبوا الطرق أي عدلوا عن الطرق العامرة لئلا يعرفهم الناس أو عن طرقهم و مسالكهم و أطوارهم و اتخذوا الماء أي اكتفوا بالماء لتطييب أبدانهم بالغسل و الغسل من غير استعمال للطيب متعوبة أي يتعبونها في الطاعات و ترك الشهوات مكدودة أي يحملون أبدانهم على الكد و المبالغة في الطاعات و تحمل الشدائد في القاموس الكد الشدة و الإلحاح في الطلب و كده و اكتده طلب منه الكد لم يصدقوا على بناء المفعول من التفعيل أي لا يصدقهم الناس لسوء ظنهم بهم و حقارتهم في أعينهم لم يفتقدوا أي لا يطلبهم الناس عند غيبتهم لعدم معرفتهم أو لعدم الاعتناء بشأنهم و في بعض النسخ لم يفقدوا و الأول أظهر. في القاموس تفقده طلبه عند غيبته و مات غير فقيد و لا حميد و غير مفقود غير مكترث لفقدانه. مسجونة أي محبوسة كناية عن قلة الكلام غيبوا مفاتيحها كناية عن امتناعهم عن إفشاء الأسرار جدا كأن عليها أقفالا كثيرة لم تحضر مفاتيحها فيكلفوا فتحها ثم أكد ع ذلك بقوله و جعلوا على أفواههم أوكية و الأوكية جمع الوكاء بالكسر و هو الخيط الذي يشد به رأس الكيس و نحوه شبه أفواههم بكيس أو قربة شد رأسها فلا يخرج منها شي‏ء قال في النهاية الوكاء الخيط الذي يشد به الصرة و الكيس و غيرهما فيه أنه كان يوكي بين الصفا و المروة سعيا أي لا يتكلم كأنه أوكى فاه فلم ينطق. صلب بضمتين أو كسكر جمع الصلب و كذا الصلاب بالكسر تأكيدا أي هم في غاية الصلابة في الدين لا ينحت أي لا يبري و لا ينقص من دينهم شي‏ء قال تعالى وَ تَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً. يحسبهم المنافق خرسا بالضم جمع أخرس لقلة كلامهم في الباطل و حفظهم للأسرار عميا لقلة نظرهم إلى المحرمات و إلى الدنيا و زينتها و تغافلهم عما يرون من أهلها و البله بالضم جمع الأبله و هو الذي لا عقل له و أعيتهم ألسنتهم كأن المعنى أن ألسنتهم لا تطاوعهم في الكلام للخوف فكأنها أعيتهم

55-  كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن صفوان الجمال قال قال أبو عبد الله ع إنما المؤمن الذي إذا غضب لم يخرجه غضبه من حق و إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل و إذا قدر لم يأخذ أكثر مما له

 بيان لم يخرجه غضبه من حق بأن يحكم على من غضب عليه بغير حق أو يظلمه أو يكتم شهادة له عنده و إذا رضي أي عن أحد لم يدخله رضاه عنه في باطل بأن يشهد زورا أو يحكم له باطلا أو يحميه في أن لا يعطي الحق اللازم عليه و أشباه ذلك و قوله مما له في بعض النسخ بوصل من بما فاللام مفتوحة و في بعضها بالفصل فاللام مكسورة

56-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن النعمان عن ابن مسكان عن سليمان بن خالد عن أبي جعفر قال قال أبو جعفر ع يا سليمان أ تدري من المسلم قلت جعلت فداك أنت أعلم قال المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده ثم قال و تدري من المؤمن قال قلت أنت أعلم قال إن المؤمن من ائتمنه المسلمون على أموالهم و أنفسهم و المسلم حرام على المسلم أن يظلمه أو يخذله أو يدفعه دفعة تعنته

 توضيح المسلم أي المسلم الكامل الذي يحق أن يسمى مسلما و كذا المؤمن و قيل الغرض بيان المناسبة بين المعنى اللغوي و الاصطلاحي و يكفي لذلك اتصاف كمل أفراد كل منهما بما ذكر و لا يخذله أي لا يترك نصرته مع القدرة عليها أو يدفعه دفعة تعنته أي إذا لم يقدر على نصرته يجب عليه أن يعتذر منه و يرده برد جميل و لا يدفعه دفعة تلقيه تلك في العنت و المشقة و يحتمل أن يكون كناية عن مطلق الضرر الفاحش و قيل يدفعه عن خير و يرده إلى شر يوجب عنته. و في المصباح دفعته دفعا نحيته و دافعته عن حقه ماطلته و الدفعة بالفتح المرة و بالضم اسم لما يدفع بمرة و في القاموس العنت محركة الفساد و الإثم و الهلاك و دخول المشقة على الإنسان و أعنته غيره و لقاء الشدة و الزنا و الوهي و الانكسار و اكتساب المأثم و عنته تعنيتا شدد عليه و ألزمه ما يصعب عليه أداؤه

57-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن أبي أيوب عن أبي عبيدة عن أبي جعفر ع قال إنما المؤمن الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم و لا باطل و إذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحق و الذي إذا قدر لم يخرجه قدرته إلى التعدي إلى ما ليس له بحق

 ل، ]الخصال[ عن ابن المتوكل عن الحميري عن ابن عيسى عن ابن محبوب مثله بيان المراد بالباطل ما لا فائدة فيه إلى ما ليس له بحق أي يأخذ زائدا عن حقه

58-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن أبي البختري رفعه قال سمعته يقول المؤمنون هينون لينون كالجمل الأنف إن قيد انقاد و إن أنيخ على صخرة استناخ

 تبيين أبو البختري وهب بن وهب القرشي عامي ضعيف و هو راوي الصادق ع و تزوج بأمه فالظاهر كون ضمير سمعته راجعا إلى الصادق ع فالمراد بالرفع نسبة الحديث إليه ع و يحتمل أن يكون الرفع إلى أمير المؤمنين ع و ضمير سمعته للرسول ص فإن دأب هذا الراوي لكونه عاميا رفع الحديث يقول عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي ع و يؤيده أن الحديث نبوي روته العامة أيضا عنه ص. قال في النهاية فيه المسلمون هينون لينون هما تخفيف الهين و اللين قال ابن الأعرابي العرب تمدح بالهين و اللين مخففين و تذم بهما مثقلين و هين فيعل من الهون و هي السكينة و الوقار و السهولة فعينه واو و شي‏ء هين و هين أي سهل. و قال في أنف فيه المؤمنون هينون لينون كالجمل الأنف أي المأنوف و هو الذي عقر الخشاش أنفه فهو لا يمتنع على قائده للوجع الذي به و قيل الأنف الذلول يقال أنف البعير يأنف أنفا فهو أنف إذا اشتكى أنفه من الخشاش و كان الأصل أن يقال مأنوف لأنه مفعول به كما يقال مصدور و مبطون للذي يشتكي صدره و بطنه و إنما جاء هذا شاذا و يروى كالجمل الآنف بالمد و هو بمعناه انتهى. إن قيد صفة للمشبه به أو المشبه و إن أنيخ على صخرة كناية عن نهاية انقياده في الأمور المشروعة و عدم استصعابه فيها قال الجوهري أنخت الجمل فاستناخ أبركته فبرك انتهى. و قيل إنما شبه بالجمل لا بالناقة إشارة إلى أن المؤمن قادر على الامتناع و لكن له مانع عظيم من الإيمان و أحكامه تمنعه عن ذلك. أقول و في بعض النسخ الألف باللام من الألفة و الأول أظهر

59-  و أقول روي في شهاب الأخبار عن النبي ص المؤمنون هينون لينون

 و قال في الضوء الهون السكينة و الوقار قال تعالى يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً و الهون مصدر هان عليه الشي‏ء و شي‏ء هين على فيعل أي سهل و هين مخفف منه و الجمع أهوناء و قوم هينون لينون و الهون بالضم الهوان و يقال خذ أمرك بالهون و الهوينا أي بالرفق و اللين و الهوينا تصغير الهونى و الهونى تأنيث الأهون كالكبرى تأنيث الأكبر. و قال ابن الأعرابي تمدح بالهين و اللين مخففا و تذم بالهين و اللين مثقلا و قال غيره هما جميعا واحد و الأصل التثقيل و تركيب ه و ن في كلام العرب على وجهين أحدهما تذلل الإنسان في نفسه بما لا غضاضة فيه و هو مما يمدح فيه كما قال يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً و الآخر أن يكون من التسخير و الإذلال و الإهانة كقوله تعالى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ و لا يبعد أن يكون الهاوون من هذا لأنه يهون به الصلاب الشداد و هو عربي صحيح و لا يجوز هاون. فوصف ع المؤمنين بأنهم هينون لينون و المعنى أمر يأمرهم بالهون و لين الجانب و دماثة الأخلاق و سكون الريح و الهدوء و خفض الجناح و تمام الحديث مثل الجمل الأنف إن قدته انقاد و إن أنخته استناخ و الأنف البعير الذي يشتكي أنفه يقال أنف البعير فهو أنف مثل تعب فهو تعب و قيل الأنف المأنوف الذي عقر الخشاش أنفه فهو لا يمتنع على قائده لما يجده من الوجع و قيل الأنف الذلول و أنخت الجمل فاستناخ أي أبركته فبرك.

 و قال ع حرمت النار على الهين اللين السهل القريب

و قال سعيد بن عبد الرحمن الزبيدي يعجبني من القراء كل سهل طلق مضحاك فأما من تلقاه ببشر و يلقاك بعبوس يمن عليك بعمله فلا كثر الله في المسلمين مثله.

 و قال ع إن من الصدقة أن تسلم على الناس بوجه طليق

و فائدة الحديث الحث على الأخلاق الحسنة و الأخذ بالجميل و راوي الحديث ابن عمر

60-  كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله ع قال ثلاثة من علامات المؤمن العلم بالله و من يحب و من يكره

  بيان العلم بالله أي بالربوبية و صفاته الكمالية فيؤمن به و من يحب أي يحبه الله من النبي و الأئمة ع و أتباعهم فيواليهم و يتابعهم أو من يحبه المؤمن و يلزمه محبته و من يكره أي يكرهه الله فيبغضه و لا يواليه أو من يجب أن يكرهه. و ربما يقرأ الفعلان على بناء المجهول و هذه الثلاثة أصل الإيمان و عمدته

61-  كا، ]الكافي[ عن العدة عن سهل بن زياد عن محمد بن أورمة عن أبي إبراهيم الأعجمي عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله ع قال المؤمن حليم لا يجهل و إن جهل عليه يحلم و لا يظلم و إن ظلم غفر و لا يبخل و إن بخل عليه صبر

 بيان لا يبخل في بعض النسخ بالنون و الجيم و هو الطعن و الشق و نجل الناس شارهم و تناجلوا تنازعوا أي إن طعنه أحد و سفه عليه صبر و لم يقابله بمثله

62-  كا، ]الكافي[ عن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن الحسن بن علي عن أبي كهمش عن سليمان بن خالد عن أبي جعفر ع قال قال رسول الله ص أ لا أنبئكم بالمؤمن من ائتمنه المؤمنون على أنفسهم و أموالهم أ لا أنبئكم بالمسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده و المهاجر من هجر السيئات و ترك ما حرم الله و المؤمن حرام على المؤمن أن يظلمه أو يخذله أو يغتابه أو يدفعه دفعة

 بيان المهاجر من هجر السيئات أي ليس المهاجر الذي مدحه الله مقصورا على من هاجر من مكة إلى المدينة قبل الفتح أو هاجر من البدو إلى المدينة أو هاجر من بلاد الكفر عند خوف الجور و الفساد و عدم التمكن من إظهار شعائر الإسلام كما قيل في قوله تعالى يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ و هذه هي المعاني المشهورة له بل يشمل من هجر السيئات لأن فضل الهجرة بالمعاني المذكورة إنما هو للبعد عن الكفر و المعاصي و لذا لا فضل لمن هجر منافقا أو كافرا كالمنافقين الغاصبين لحقوق أئمة الدين فإنه لا فضل لهم و لا يعدون من المهاجرين فمن هجر الكفر و السيئات و الجهل و الضلال مشاركون معهم في الفضل و الكمال. و يحتمل أن يكون المراد أن المهاجرين بالمعاني المذكورة إنما يستحقون هذا الاسم إذا هجروا السيئات على سياق سائر الفقرات. قال في النهاية الهجرة في الأصل اسم من الهجر ضد الوصل و قد هجره هجرا و هجرانا ثم غلب على الخروج من أرض إلى أرض و ترك الأولى للثانية يقال منه هاجر مهاجرة و الهجرة هجرتان إحداهما التي وعد الله عليها الجنة في قوله إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ فكان الرجل يأتي النبي ص و يدع أهله و ماله لا يرجع في شي‏ء منه و ينقطع بنفسه إلى مهاجره فلما فتحت مكة صارت دار إسلام كالمدينة و انقطعت الهجرة و الهجرة الثانية من هاجر من الأعراب و غزا مع المسلمين و لم يفعل كما فعل أصحاب الهجرة الأولى فهو مهاجر و ليس بداخل في فضل من هاجر تلك الهجرة و هو المراد بقوله لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة فهذا وجه الجمع بين الحديثين و فيه هاجروا و لا تهجروا أي أخلصوا الهجرة لله و لا تتشبهوا بالمهاجرين على غير صحة منكم انتهى. و قال الراغب المهاجرة في الأصل مصارمة الغير و متاركته من قوله وَ الَّذِينَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا و أمثاله فالظاهر منه الخروج من دار الكفر إلى دار الإيمان كما هاجر من مكة إلى المدينة و قيل يقتضي ذلك ترك الشهوات و الأخلاق الذميمة و الخطايا و قوله إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي أي تارك لقومي و ذاهب إليه و كذا المجاهدة تقتضي مع مجاهدة العدى مجاهدة النفس

 كما روي في الخبر رجعتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر و هو مجاهدة النفس

63-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن ابن عيسى عن السندي بن محمد عن محمد بن الصلت عن أبي حمزة عن علي بن الحسين ع قال صلى أمير المؤمنين ع الفجر ثم لم يزل في موضعه حتى صارت الشمس على قيد رمح و أقبل على الناس بوجهه فقال و الله لقد أدركت أقواما يبيتون لربهم سجدا و قياما يخالفون بين جباههم و ركبهم كان زفير النار في آذانهم إذا ذكر الله عندهم مادوا كما يميد الشجر كأنما القوم باتوا غافلين قال ثم قام فما رئي ضاحكا حتى قبض ع

 بيان القيد بالكسر القدر في النهاية يقال بيني و بينه قيد رمح و قاد رمح أي قدر رمح يخالفون بين جباههم و ركبهم أي يضعون جباههم على التراب خلف ركبهم يأتون بأحدهما عقيب الآخر و هو قريب من المراوحة التي وردت في غيره و قيل أي يجعلون التفاوت بين جلوسهم و سجودهم فكان سجودهم أطول من جلوسهم. ثم اعلم أن الركب يحتمل أن يكون المراد به الجلوس كما فهمه الأكثر أو الركوع لوضع اليد عليه أو القيام لكون الاعتماد عليه و الأخير أوفق بما مر كأن زفير النار في آذانهم إشارة إلى سبب تمرنهم بالطاعات و إحياء الليالي بالعبادات و هو كون علمهم بأحوال الجنة و النار في مرتبة عين اليقين و الزفير صوت توقد النار. مادوا أي اضطربوا و تحركوا و اقشعروا من الخوف و هو تلميح إلى قوله سبحانه إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ في القاموس ماد يميد ميدا و ميدانا تحرك و السراب اضطرب كأنما القوم كأن المراد بالقوم الجماعة الحاضرون أو أهل زمانه في هذا الوقت أي لعدم اهتمامهم في أمور الآخرة و اشتغالهم بالدنيا كأنهم باتوا غافلين و في بعض النسخ ماتوا أي كأنهم بسبب غفلتهم أموات غير أحياء و يحتمل أن يكون المراد بالقوم الذين ذكر أوصافهم أي كانوا إذا ذكر الله عندهم مادوا من الخوف كأنهم باتوا غافلين و لم يعبدوا الله في الليل و يؤيد الأول ما سيأتي في رواية المفيد

64-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن أبي ولاد الحناط عن أبي عبد الله ع قال كان علي بن الحسين ع يقول إن المعرفة بكمال دين المسلم تركه الكلام فيما لا يعنيه و قلة مرائه و حلمه و صبره و حسن خلقه

 توضيح أن المعرفة أي سبب المعرفة و ما يوجبها أو الحمل على المبالغة في السببية فيما لا يعنيه أي فيما لا يهمه و لا ينفعه و قلة مرائه أي مجادلته في المسائل الدينية و غيرها و قيل هو المجادلة و الاعتراض على كلام الغير من غير غرض ديني و حلمه أي تحمله و صبره على ما يصيبه من الغير أو عقله و صبره عند البلاء

65-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن مالك بن عطية عن أبي حمزة عن علي بن الحسين ع قال من أخلاق المؤمن الإنفاق على قدر الإقتار و التوسع على قدر التوسع و إنصاف الناس و ابتداؤه إياهم بالسلام عليهم

 بيان الإنفاق على قدر الإقتار أي الإنفاق بالتقتير على قدر الإقتار من الله و الحاصل أنه يقتر على أهله و عياله بقدر ما قتر الله عليه و يوسع عليهم بقدر ما وسع الله عليه و قيل الإنفاق هنا الافتقار كما في القاموس قال أنفق افتقر أي يعامل معاملة الفقراء

66-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن ابن عيسى عن ابن فضال عن ابن بكير عن زرارة عن أبي جعفر ع قال المؤمن أصلب من الجبل تستقل منه و المؤمن لا يستقل من دينه شي‏ء

 بيان الجبل يستقل منه من القلة أي ينقص و يؤخذ منه بعضه بالفأس و المعول و نحوهما و المؤمن لا ينقص من دينه شي‏ء بالشكوك و الشبهات

67-  كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم عن صالح بن السندي عن جعفر بن بشير عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله ع قال المؤمن حسن المعونة خفيف المئونة جيد التدبير لمعيشته لا يلسع من جحر مرتين

 بيان في المصباح العون الظهير على الأمر و استعان به فأعانه و قد يتعدى بنفسه فيقال استعانه و الاسم المعونة و المعانة أيضا بالفتح و وزن المعونة مفعلة بضم العين و بعضهم يجعل الميم أصلية و يقول هي مأخوذة من الماعون و يقول هي فعولة و المئونة الثقل و في القاموس القوت و الحاصل أنه يعين الناس كثيرا و يكتفي لنفسه بقليل من القوت و اللباس و أشباههما. و في القاموس المعيشة التي تعيش بها من المطعم و المشرب و ما يكون به الحياة و ما يعاش به أو فيه و الجمع معايش. و في النهاية فيه لا يلسع المؤمن من جحر مرتين و في رواية لا يلدغ اللسع و اللدغ سواء و الجحر ثقب الحية و هو استعارة هاهنا أي لا يدهى المؤمن من جهة واحدة مرتين فإنه بالأولى يعتبر و قال الخطابي يروى بضم العين و كسرها فالضم على وجه الخبر و معناه أن المؤمن هو الكيس الحازم الذي لا يؤتى من جهة الغفلة فيخدع مرة بعد مرة و هو لا يفطن لذلك و لا يشعر به و المراد به الخداع في أمر الدين لا أمر الدنيا و أما الكسر فعلى وجه النهي أي لا يخدعن المؤمن و لا يؤتين من ناحية الغفلة فيقع في مكروه أو شر و هو لا يشعر به و ليكن فطنا حذرا و هذا التأويل يصلح أن يكون لأمر الدين و الدنيا معا انتهى. و أقول روى مسلم في صحيحه مثل هذا الخبر و ذكر في إكمال الإكمال هذين الوجهين اللذين ذكرهما في النهاية ثم قال و ذكر عياض هذين الوجهين و رجح الخبر بأن سبب قوله ص هذا أن أبا عزة الشاعر أخا مصعب بن عمير كان أسر يوم بدر فسأل النبي ص أن يمن عليه ففعل و عاهده أن لا يحرض عليه و لا يهجوه فلما لحق بأهله عاد إلى ما كان عليه فأسر يوم أحد فسأله أيضا أن يمن عليه فقال النبي ص هذا الكلام البليغ الجامع الذي لم يسبق إليه و فيه تنبيه عظيم على أنه إذا رأى الأذى من جهة لا يعود إليها ثانية. و قال الآبي رجح الخطابي النهي بعد ذكر الوجهين و كأنه لم يبلغه أي الخطابي سبب قوله ص هذا الكلام و لو بلغه لم يحمله على النهي. و أجاب الطيبي بأنه و إن بلغه السبب فلا يبعد النهي بل هو أولى من الخبر و ذلك أنه ص لما دعته نفسه الزكية الكريمة إلى الحلم و الصفح جرد من نفسه مؤمنا حازما فطنا و نهاه أن ينخدع لهذا المتمرد الخائن و كان مقام الغضب لله تعالى فأبى إلا الانتقام من أعداء الله لأن الانتقام منهم مطلوب و التجريد أحد ألقاب البديع و محسناته. و بيان أنه أولى أنه إذا حمل على الخبر تفوت دلالة الحديث على طلبه الانتقام

68-  ل، ]الخصال[ عن ابن الوليد عن الصفار عن ابن أبي الخطاب عن النضر بن شعيب عن الجازي عن أبي عبد الله عن أبيه ع قال لا يؤمن رجل فيه الشح و الحسد و الجبن و لا يكون المؤمن جبانا و لا حريصا و لا شحيحا

 صفات الشيعة، للصدوق بإسناده عنه ع مثله

69-  ل، ]الخصال[ عن أبيه عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد عن محمد بن حسان عن إبراهيم بن عاصم بن حميد عن صالح بن مسلم عن أبي عبد الله ع قال ثلاث خصال من كن فيه استكمل خصال الإيمان من صبر على الظلم و كظم غيظه و احتسب و عفا و غفر كان ممن يدخله الله عز و جل الجنة بغير حساب و يشفعه في مثل ربيعة و مضر

 بيان كان قوله و احتسب تتمة للخصلة الثانية أو تمهيد للثالثة و الاحتساب طلب الأجر و كون فعله مقرونا بالقربة و يحتمل أن يكون هو الخصلة الثانية و قوله و كظم غيظه تتمة للأولى فالمراد بالاحتساب المبادرة إلى الأعمال الصالحة. قال في النهاية فيه من صام رمضان إيمانا و احتسابا أي طلبا لوجه الله و ثوابه و الاحتساب من الحسب كالاعتداد من العد و إنما قيل لمن ينوي وجه الله احتسبه لأن له حينئذ أن يعتد عمله فجعل في حال مباشرة الفعل كأنه معتد به و الاحتساب في الأعمال الصالحات و عند المكروهات هو البدار إلى طلب الأجر و تحصيله بالتسليم و الصبر أو باستعمال أنواع البر و القيام بها على الوجه المرسوم فيها طلبا للثواب المرجو منها انتهى. و ربيعة و مضر قبيلتان عظيمتان

70-  كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن محمد بن إسماعيل عن عبد الله بن داهر عن الحسن بن يحيى عن قثم أبي قتادة الحراني عن عبد الله بن يونس عن أبي عبد الله ع قال قام رجل يقال له همام و كان عابدا ناسكا مجتهدا إلى أمير المؤمنين ع و هو يخطب فقال يا أمير المؤمنين صف لنا صفة المؤمن كأننا ننظر إليه فقال يا همام المؤمن هو الكيس الفطن بشره في وجهه و حزنه في قلبه أوسع شي‏ء صدرا و أذل شي‏ء نفسا زاجر عن كل فان حاض على كل حسن لا حقود و لا حسود و لا وثاب و لا سباب و لا عياب و لا مغتاب يكره الرفعة و يشنأ السمعة طويل الغم بعيد الهم كثير الصمت وقور ذكور صبور شكور مغموم بفكره مسرور بفقره سهل الخليقة لين العريكة رصين الوفا قليل الأذى لا متأفك و لا متهتك إن ضحك لم يخرق و إن غضب لم ينزق ضحكه تبسم و استفهامه تعلم و مراجعته تفهم كثير علمه عظيم حلمه كثير الرحمة لا ينجل و لا يعجل و لا يضجر و لا يبطر و لا يحيف في حكمه و لا يجور في علمه نفسه أصلب من الصلد و مكادحته أحلى من الشهد لا جشع و لا هلع و لا عنف و لا صلف و لا متكلف و لا متعمق جميل المنازعة كريم المراجعة عدل إن غضب رفيق إن طلب لا يتهور و لا يتهتك و لا يتجبر خالص الود وثيق العهد وفي العقد شفيق وصول حليم حمول قليل الفضول راض عن الله عز و جل مخالف لهواه لا يغلظ على من دونه و لا يخوض فيما لا يعنيه ناصر للدين محام عن المؤمنين كهف للمسلمين لا يخرق الثناء سمعه و لا ينكي الطمع قلبه و لا يصرف اللعب حكمه و لا يطلع الجاهل علمه قوال عمال عالم حازم لا بفحاش و لا بطياش وصول في غير عنف بذول في غير سرف و لا بختال و لا بغدار و لا يقتفي أثرا و لا يخيف بشرا رفيق بالخلق ساع في الأرض عون للضعيف غوث للملهوف لا يهتك سترا و لا يكشف سرا كثير البلوى قليل الشكوى إن رأى خيرا ذكره و إن عاين شرا ستره يستر العيب و يحفظ الغيب و يقبل العثرة و يغفر الزلة لا يطلع على نصح فيذره و لا يدع جنح حيف فيصلحه أمين رصين تقي نقي زكي رضي يقبل العذر و يجمل الذكر و يحسن بالناس الظن و يتهم على الغيب نفسه يحب في الله بفقه و علم و يقطع في الله بحزم و عزم لا يخرق به فرح و لا يطيش به مرح مذكر للعالم معلم للجاهل لا يتوقع له بائقة و لا يخاف له غائلة كل سعي أخلص عنده من سعيه و كل نفس أصلح عنده من نفسه عالم بعيبه شاغل بغمه لا يثق بغير ربه قريب وحيد حزين يحب في الله و يجاهد في الله ليتبع رضاه و لا ينتقم لنفسه بنفسه و لا يوالي في سخط ربه مجالس لأهل الفقر مصادق لأهل الصدق مؤازر لأهل الحق عون للغريب أب لليتيم بعل للأرملة حفي بأهل المسكنة مرجو لكل كريهة مأمول لكل شدة هشاش بشاش لا بعباس و لا بجساس صليب كظام بسام دقيق النظر عظيم الحذر لا يبخل و إن بخل عليه صبر عقل فاستحيا و قنع فاستغنى حياؤه يعلو شهوته و وده يعلو حسده و عفوه يعلو حقده لا ينطق بغير صواب و لا يلبس إلا الاقتصاد مشيه التواضع خاضع لربه بطاعته راض عنه في كل حالاته نيته خالصة أعماله ليس فيها غش و لا خديعة نظره عبرة و سكوته فكرة و كلامه حكمة مناصحا متباذلا متواخيا ناصح في

 السر و العلانية لا يهجر أخاه و لا يغتابه و لا يمكر به و لا يأسف على ما فاته و لا يحزن على ما أصابه و لا يرجو ما لا يجوز له الرجاء و لا يفشل في الشدة و لا يبطر في الرخاء يمزج الحلم بالعلم و العقل بالصبر تراه بعيدا كسله دائما نشاطه قريبا أمله قليلا زلله متوقعا لأجله خاشعا قلبه ذاكرا ربه قانعة نفسه منفيا جهله سهلا أمره حزينا لذنبه ميتة شهوته كظوما غيظه صافيا خلقه آمنا منه جاره ضعيفا كبره قانعا بالذي قدر له متينا صبره محكما أمره كثيرا ذكره يخالط الناس ليعلم و يصمت ليسلم و يسأل ليفهم و يتجر ليغنم لا ينصت للخير ليفخر به و لا يتكلم ليتجبر به على من سواه نفسه منه في عناء و الناس منه في راحة أتعب نفسه لآخرته فأراح الناس من نفسه إن بغي عليه صبر حتى يكون الله الذي ينتصر له بعده ممن تباعد منه بغض و نزاهة و دنوه ممن دنا منه لين و رحمة ليس تباعده تكبرا و لا عظمة و لا دنوه خديعة و لا خلابة بل يقتدي بمن كان قبله من أهل الخير فهو إمام لمن بعده من أهل البر قال فصاح همام صيحة ثم وقع مغشيا عليه فقال أمير المؤمنين ع أما و الله لقد كنت أخافها عليه و قال هكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها فقال له قائل فما بالك يا أمير المؤمنين فقال إن لكل أجلا لن يعدوه و سببا لا يجاوزه فمهلا لا تعد فإنما نفث على لسانك شيطان

 بيان سيأتي رواية همام نقلا عن نهج البلاغة و مجالس الصدوق باختلاف كثير و فيه أنه قال صف لي المتقين و يمكن أن يكون سأل عن صفات المؤمنين و المتقين معا فاكتفي في بعض الروايات بذكر الأولى و في بعضها بذكر الثانية. و همام بفتح الهاء و تشديد الميم و في القاموس الهمام كغراب الملك العظيم الهمة و السيد الشجاع السخي و كشداد بن الحارث و ابن زيد و ابن مالك صحابيون. و ما ذكر في الروايتين من تثاقله ع في الجواب أنسب بقوله ع في آخر الخبر لقد كنت أخافها عليه و في القاموس النسك مثلثة و بضمتين العبادة و كل حق لله عز و جل و قيل المراد هنا المواظب على العبادة و المجتهد المبالغ في العبادة في القاموس جهد كمنع جد كاجتهد و قال الكيس خلاف الحمق و قال الفطنة بالكسر الحذق. و أقول الكيس كسيد و الفطن بفتح الفاء و كسر الطاء و تعريف الخبر باللام و توسيط الضمير للحصر و التأكيد كأن الفرق بينهما أن الكياسة ما كان خلقة و الفطنة ما يحصل بالتجارب أو الأول ما كان في الكليات و الثاني ما كان في الجزئيات و يحتمل التأكيد. و في القاموس البشر بالكسر الطلاقة أوسع شي‏ء صدرا كناية عن كثرة العلم أو وفور الحلم و أذل شي‏ء نفسا أي لا يترفع و لا يطلب الرفعة و يتواضع للناس و يرى نفسه أخس من كل أحد و قيل أي صارت نفسه الأمارة ذليلة لروحه المقدسة و صارت مخالفته للنفس شعاره فعلى الثاني من الذل بالكسر و هو السهولة و الانقياد و على الأول من الذل بالضم بمعنى المضلة و الهوان. زاجرا أي نفسه أو غيره أو الأعم منهما عن كل فان أي عن جميع الأمور الدنيوية فإنها في معرض الفناء و الحض الترغيب و التحريص و هذا أيضا يحتمل النفس و الغير و الأعم و الحقد إمساك العداوة و البغض في القلب و الحقود الكثير الحقد و قيل لا للمبالغة في النفي لا لنفي المبالغة كما قيل في قوله

  تعالى وَ ما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ فلا يلزم ثبوت أصل الفعل و كذا في البواقي و يحتمل أن يكون إشارة إلى أن النادر منها لا ينافي الإيمان. و لا وثاب أي لا يثب في وجوه الناس بالمنازعة و المعارضة و في القاموس رفع ككرم رفعة بالكسر شرف و علا قدره و قال شنأه كمنعه و سمعه شنأ و يثلث و شنأة و شنآنا أبغضه و قال الجوهري تقول فعله رئاء و سمعة أي ليراه الناس و يسمعوا به طويل الغم أي لما يستقبله من سكرات الموت و أحوال القبر و أهوال الآخرة بعيد الهم إما تأكيد للفقرة السابقة فإن الغم و الهم متقاربان أي يهتم للأمور البعيدة عنه من أمور الآخرة أو المراد بالهم القصد أي هو عالي الهمة لا يرضى بالدون من الدنيا الفانية أو لا يرضى من السعادات الباقية و الكمالات النفسانية بأدانيها بل يطلب معاليها و قيل أي يتفكر في العواقب في القاموس الهم الحزن و الجمع هموم و ما هم به في نفسه و الهمة بالكسر و يفتح ما هم به من أمر ليفعل. كثير الصمت أي عما لا يعنيه وقور أي ذو وقار و رزانة لا يستعجل في الأمور و لا يبادر في الغضب و لا تجره الشهوات إلى ما لا ينبغي فعله في القاموس الوقار كسحاب الرزانة و رجل وقار و وقور و وقر كندس ذكور كثير الذكر لله و لما ينفعه في الآخرة صبور عند البلاء شكور عند الرخاء. مغموم بفكره أي بسبب فكره في أمور الآخرة مسرور بفقره لعلمه بقلة خطره و يسر الحساب في الآخرة و قلة تكاليف الله فيه سهل الخليقة أي ليس في طبعه خشونة و غلظة و قيل أي سريع الانقياد للحق و في القاموس الخليقة الطبيعة قال الله تعالى وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ. لين العريكة هي قريبة من الفقرة السابقة مؤكدة لها في القاموس العريكة كسفينة النفس و رجل لين العريكة سلس الخلق منكسر النخوة و في النهاية في صفته ص أصدق الناس لهجة و ألينهم عريكة العريكة الطبيعة يقال فلان لين العريكة إذا كان سلسا مطاوعا منقادا قليل الخلاف و النفور. رصين الوقار بالراء و الصاد المهملتين و ما في بعض نسخ الكافي بالضاد المعجمة تصحيف أي محكم الوفاء بعهود الله و عهود الخلق في القاموس رصنه أكمله و أرصنه أحكمه و قد رصن ككرم و كأمير المحكم الثابت و الحفي بحاجة صاحبه قليل الأذى إنما ذكر القلة و لم ينف الأذى رأسا لأن الإيذاء قد يكون حسنا بل واجبا كما في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و جهاد الكفار و قيل إنما قال ذلك لأنه يؤذي نفسه و لا يخفى بعده لا متأفك كأنه مبالغة في الإفك بمعنى الكذب أي لا يكذب كثيرا أو المعنى لا يكذب على الناس و في بعض النسخ لا مستأفك أي لا يكذب على الناس فيكذبوا عليه فكأنه طلب منهم الإفك و قيل المتأفك من لا يبالي أن ينسب إليه الإفك و لا متهتك أي ليس قليل الحياء لا يبالي أن يهتك ستره أو لا يهتك ستر الناس في القاموس هتك الستر و غيره يهتكه فانهتك و تهتك جذبه فقطعه من موضعه أو شق منه جزءا فبدا ما وراءه و رجل منهتك و متهتك و مستهتك لا يبالي أن يهتك ستره. إن ضحك لم يخرق أي لا يبالغ فيه حتى ينتهي إلى الخرق و السفه بل يقتصر على التبسم كما سيأتي في القاموس الخرق بالضم و بالتحريك ضد الرفق و أن لا يحسن الرجل العمل و التصرف في الأمور و الحمق و قيل هو من الخرق بمعنى الشق أي لم يشق فاه و لم يفتحه كثيرا. و إن غضب لم ينزق في القاموس نزق الفرس كسمع و نصر و ضرب نزقا و نزوقا نزا أو تقدم خفة و وثب و أنزقه و نزقه غيره و كفرح و ضرب طاش و خف عند الغضب ضحكه تبسم في القاموس بسم يبسم بسما و ابتسم و تبسم و هو أقل الضحك و أحسنه و في المصباح بسم بسما من باب ضرب ضحك قليلا من غير صوت و ابتسم و تبسم كذلك. و استفهامه تعلم أي للتعلم لا لإظهار العلم و مراجعته أي معاودته في السؤال

  تفهم أي لطلب الفهم لا للمجادلة كثير الرحمة أي ترحمه على العباد كثير لا يبخل بالباء الموحدة ثم الخاء المعجمة كيعلم و يكرم و ربما يقرأ بالنون ثم الجيم من النجل و هو الرمي بالشي‏ء أي لا يرمي بالكلام من غير روية و هو تصحيف. و لا يعجل أي في الكلام و العمل و لا يضجر في القاموس ضجر منه و به كفرح و تضجر تبرم و في الصحاح الضجر القلق من الغم و قال البطر الأشر و هو شدة المرح و قد بطر بالكسر يبطر و البطر أيضا الحيرة و الدهش و في القاموس البطر محركة النشاط و الأشر و قلة احتمال النعمة و الدهش و الحيرة و الطغيان بالنعمة و كراهة الشي‏ء من غير أن يستحق الكراهة فعل الكل كفرح و قال الحيف الجور و الظلم. و لا يجور في علمه أي لا يظلم أحدا بسبب علمه أو لا يظهر خلاف ما يعلم و ربما يقرأ يجوز بالزاي أي لا يتجاوز عن العلم الضروري إلى غيره نفسه أصلب من الصلد أي من الحجر الصلب كناية عن شدة تحمله للمشاق أو عن عدم عدوله عن الحق و تزلزله فيه بالشبهات و عدم ميله إلى الدنيا بالشهوات و في القاموس الصلد و يكسر الصلب الأملس. و مكادحته أحلى من الشهد في القاموس كدح في العمل كمنع سعى و عمل لنفسه خيرا أو شرا و كد و وجهه خدش أو عمل به ما يشينه ككدحه أو أفسده و لعياله كسب كاكتدح و في الصحاح الكدح العمل و السعي و الخدش و الكسب يقال هو يكدح في كذا أي يكد و قوله تعالى إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً أي تسعى انتهى و الشهد العسل و قيل المكادحة هنا المنازعة أي منازعته لرفعة فيها أحلى من العسل و كأنه أخذه من الكدح بمعنى الخدش و العض استعير هنا لمطلق المنازعة في النهاية كل أثر من خدش أو عض فهو كدح. و أقول يحتمل أن يكون المعنى أن سعيه في تحصيل المعيشة و الأمور الدنيوية لمساهلته فيها حسن لطيف و قيل الكدح الكد و السعي و حلاوة مكادحته لحلاوة ثمرتها فإن التعب في سبيل المحبوب راحة. لا جشع في القاموس الجشع محركة أشد الحرص و أسوؤه و أن تأخذ نصيبك و تطمع في نصيب غيرك و قد جشع كفرح فهو جشع و قال الهلع محركة أفحش الجزع و كصرد الحريص و الهلوع من يجزع و يفزع من الشر و يحرص و يشح على المال أو الضجور لا يصبر على المصائب و قال العنف مثلثة العين ضد الرفق و قال الصلف بالتحريك قلة نماء الطعام و بركته و أن لا تحظى المرأة عند زوجها و التكلم بما يكرهه صاحبك و التمدح بما ليس عندك أو مجاوزة قدر الظرف و الادعاء فوق ذلك تكبرا و هو صلف ككتف و أقول أكثر المعاني مناسبة. و قال المتكلف العريض لما لا يعنيه و نحوه قال الجوهري و قال تكلفت الشي‏ء تجشمته أي ارتكبته على مشقة و لا متعمق أي لا يتعمق و لا يبالغ في الأمور الدنيوية و قيل لا يطول الكلام و لا يسعى في تحسينه لإظهار الكمال قال في القاموس عمق النظر في الأمور بالغ و تعمق في كلامه تنطع و قال تنطع في الكلام تعمق و غالى و تأنق و يحتمل أن يكون المراد عدم التعمق في المعارف الإلهية فإنه أيضا ممنوع لقصور العقول عن الوصول إليها لما مر في كتاب التوحيد بسند صحيح قال سئل علي بن الحسين عن التوحيد فقال إن الله عز و جل علم أنه يكون في آخر الزمان أقوام متعمقون فأنزل الله تعالى قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ و الآيات من سورة الحديد إلى قوله عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ فمن رام وراء ذلك فقد هلك. جميل المنازعة أي إن احتاج إلى منازعة يأتي بها على أحسن الوجوه كريم المراجعة قد مر أن مراجعته في السؤال تفهم و هنا يصفها بالكرم أي يأتي بها في غاية الملاينة و حسن الأدب و قيل المراد بالمراجعة هنا الرجوع عن الذنب أو السهو أو الخطاء عدل إن غضب أي لا يصير غضبه سببا لجوره على من غضب عليه رفيق إن طلب أي إن طلب شيئا من أحد يطلبه برفق سواء كان له عنده حق أم لا و يمكن أن يقرأ على بناء المجهول أي إن طلب أحد رفاقته يصاحبه

  برفق أو إن طلب أحد منه حقه يجيبه برفق. لا يتهور التهور الإفراط في الشجاعة و هو مذموم قال في القاموس تهور الرجل وقع في الأمر بقلة مبالاة و لا يتهتك قد مر ذلك فهو تأكيد أو المراد هنا هتك ستر الغير فيكون تأسيسا لكن لا يساعده اللغة كما عرفت و لا يتجبر أي لا يتكبر على الغير أو لا يعد نفسه كبيرا خالص الود أي محبته خالصة لله أو مخصوصة بالله أو محبته خالصة لكل من يوده غير مخلوطة بالخديعة و النفاق و كأن هذا أظهر وثيق العهد أي عهده مع الله و مع الخلق محكم. وفي العقد أي يفي بما يصدر عنه من العقود الشرعية كما قال سبحانه أَوْفُوا بِالْعُقُودِ على بعض الوجوه قال في مجمع البيان اختلف في هذه العقود على أقوال أحدها أن المراد بها العهود التي كان أهل الجاهلية عاهد بعضهم بعضا فيها على النصرة و المؤازرة و المظاهرة على من حاول ظلمهم أو بغاهم سوءا و ذلك هو معنى الحلف. و ثانيها أنها العهود التي أخذ الله سبحانه على عباده بالإيمان به و الطاعة فيما أحل لهم أو حرم عليهم. و ثالثها أن المراد بها العقود التي يتعاقدها الناس بينهم و يعقدها المرء على نفسه كعقد الأيمان و عقد النكاح و عقد العهد و عقد البيع و عقد الحلف. و رابعها أن ذلك أمر من الله سبحانه لأهل الكتاب بالوفاء بما أخذ به ميثاقهم من العمل بما في كتبهم من تصديق نبينا ص و ما جاء به من عند الله و أقوى هذه الأقوال عن ابن عباس أن المراد بها عقود الله التي أوجبها على العباد في الحلال و الحرام و الفرائض و الحدود و يدخل في ذلك جميع الأقوال الأخر فيجب الوفاء بجميع ذلك إلا ما كان عقدا في المعاونة على أمر قبيح انتهى. و العلماء مدارهم في الاستدلال على لزوم العقود بهذه الآية و قد يحمل العقد في هذا الخبر على الاعتقاد. و في القاموس الشفق حرص الناصح على صلاح المنصوح و هو مشفق و شفيق و حاصله أنه ناصح و مشفق على المؤمنين و قيل خائف من الله و الأول أظهر وصول للرحم أو الأعم منهم و من سائر المؤمنين و الحلم الأناة و العقل كما في القاموس و قال الراغب الحلم ضبط النفس و الطبع عن هيجان الغضب و جمعه أحلام قال الله تعالى أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا قيل معناه عقولهم و ليس الحلم في الحقيقة هو العقل لكن فسروه بذلك لكونه من مسببات العقل. خمول في أكثر النسخ بالخاء المعجمة و في بعضها بالحاء المهملة فعلى الأول المعنى أنه خامل الذكر غير مشهور بين الناس و كأنه محمول على أنه لا يحب الشهرة و لا يسعى فيها لا أن الشهرة مطلقا مذمومة في القاموس خمل ذكره و صوته خمولا خفي و أخمله الله فهو خامل ساقط لا نباهة له و على الثاني إما المراد به الحلم تأكيدا أو المراد بالحليم العاقل أو أنه يتحمل المشاق للمؤمنين و الأول أظهر في القاموس حمل عنه حلم فهو حمول ذو حلم. قليل الفضول الفضول جمع الفضل و هي الزوائد من القول و الفعل في القاموس الفضل ضد النقص و الجمع فضول و الفضولي بالضم المشتغل بما لا يعنيه مخالف لهواه أي لما تشتهيه نفسه مخالفا للحق قال الراغب الهوى ميل النفس إلى الشهوة و يقال ذلك للنفس المائلة إلى الشهوة و قيل سمي بذلك لأنه يهوي بصاحبه في الدنيا إلى كل داهية و في الآخرة إلى الهاوية و قد عظم الله ذم اتباع الهوى فقال أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ و قال وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ

 وَ اتَّبَعَ هَواهُ وَ كانَ أَمْرُهُ فُرُطاً وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ و قال وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ وَ لا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ انتهى. لا يغلظ على بناء الإفعال يقال أغلظ له في القول أي خشن أو على بناء التفعيل أو على بناء المجرد ككرم قال في المصباح غلظ الرجل اشتد فهو غليظ و فيه غلظة أي غير لين و لا سلس و أغلظ له في القول إغلاظا و غلظت عليه في اليمين تغليظا شددت عليه و أكدت. على من دونه دينا أو دنيا أو الأعم و لا يخوض أي لا يدخل فيما لا يعنيه أي لا يهمه في القاموس عناه الأمر يعنيه و يعنوه عناية و عناية أهمه و اعتنى به اهتم ناصر للدين أصوله و فروعه قولا و فعلا محام عن المؤمنين أي يدفع الضرر عنهم في القاموس حاميت عنه محاماة و حماء منعت عنه كهف للمسلمين في القاموس الكهف الوزر و الملجأ لا يخرق الثناء سمعته كأن المراد بالخرق الشق و عدمه كناية عن عدم التأثير فيه كأنه لم يسمعه و ما قيل من أنه على بناء الإفعال أي لا يصير سمعه ذا خرق و حمق فلا يخفى بعده. و لا ينكي الطمع قلبه أي لا يؤثر في قلبه و لا يستقر فيه و فيه إشعار بأن الطمع يورث جراحة القلب جراحة لا تبرأ في القاموس نكأ القرحة كمنع قشرها قبل أن تبرأ فنديت و قال في المعتل نكى العدو و فيه نكاية قتل و جرح و القرحة نكأها أقول فهنا يمكن أن يقرأ مهموزا و غير مهموز. و لا يصرف اللعب حكمه أي حكمته و المعنى لا يلتفت إلى اللعب لحكمته كما قال تعالى وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً أو المعنى أن الأمور الدنيوية لا تصير سببا لتغيير حكمه كما قال تعالى وَ ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَ لَعِبٌ. و لا يطلع الجاهل علمه لا يطلع على بناء الإفعال و المراد بالجاهل المخالفون أي يتقي منهم أو ضعفاء العقول فالمراد بالعلم ما لا يستطيعون فهمه كما مر قوال أي كثر القول لما يحسن قوله عمال كثير الفعل و العمل بما يقوله عالم قيل هو ناظر إلى قوله قوال و حازم ناظر إلى قوله عمال و الحزم رعاية العواقب و في القاموس الحزم ضبط الأمر و الأخذ فيه بالثقة لا بفحاش في القاموس الفحش عدوان الجواب و قال الراغب الفحش و الفحشاء و الفاحشة ما عظم قبحه من الأفعال و الأقوال. و في القاموس الطيش النزق و الخفة طاش يطيش فهو طائش و طياش و ذهاب العقل و الطياش من لا يقصد وجها واحدا. وصول في غير عنف كأن في بمعنى مع أي يعاشر الأرحام و المؤمنين و يحسن إليهم بحيث لا يصير سببا للثقل عليهم أو وصله دائم غير مشوب بعنف أو يصلهم بالمال و لا يعنف عليهم عند العطاء و لا يؤذيهم بالقول و الفعل. بذول في غير سرف أي يبذل المال مع غير إسراف و لا بختار و في بعض النسخ و لا بختال في القاموس الختر الغدر و الخديعة أو أقبح الغدر و هو خاتر و ختار و قال ختله يختله و يختله ختلا و ختلانا خدعه و الذئب الصيد تخفى له فهو خاتل و ختول و خاتله خادعه و تخاتلوا تخادعوا لا يقتفي أثرا أي لا يتبع عيوب الناس أو لا يتبع أثر من لا يعلم حقيقة.

  و لا يحيف بشرا بالحاء المهملة و في بعض النسخ بالمعجمة فعلى الأول هو من الحيف الجور و الظلم و على الثاني من الإخافة ساع في الأرض أي لقضاء حوائج المؤمنين و عيادة مرضاهم و شهود جنائزهم و هدايتهم و إرشادهم. و الغوث اسم من الإغاثة و هي النصرة و أغاثهم الله برحمته كشف الله شدتهم و في القاموس لهف كفرح حزن و تحسر كتلهف عليه و الملهوف و اللهيف و اللهفان و اللاهف المظلوم المضطر يستغيث و يتحسر انتهى. و هتك الستر إفشاء العيوب و لا يكشف سرا أي سر نفسه أو سر غيره أو الأعم و الشكوى الشكاية إن رأى خيرا بالنسبة إليه أو مطلقا ذكره عند الناس و إن عاين شرا بالنسبة إليه أو مطلقا ستره عن الناس و حفظ الغيب أن يكون في غيبة أخيه مراعيا لحرمته كرعايته عند حضوره. و يقيل العثرة أصل الإقالة هو أن يبيع الإنسان من آخر شيئا فيندم المشتري فيستقيل البائع أي يطلب عنه فسخ البيع فيقيله أي يقبل ذلك منه فيتركه ثم يستعمل ذلك في أن يفعل أحد بغيره ما يستحق تأديبا أو ضررا فيعتذر منه و يطلب العفو فيعفو عنه كأنه وقع بينهما معاوضة فتتاركا و منه قولهم أقال الله عثرته. و غفر الزلة أيضا قريب من ذلك يقال أرض مزلة تزل فيه الأقدام و زل في منطقه أو فعله يزل من باب ضرب زلة أخطأ و يمكن أن تكون الثانية تأكيدا أو تكون إحداهما محمولة على ما يفعل به و الأخرى على الخطاء الذي صدر منه من غير أن يصل ضرره إليه أو تكون إحداهما محمولة على العمد و الأخرى على الخطإ أو إحداهما على القول و الأخرى على الفعل أو إحداهما على نقض العهد و الوعد و الأخرى على غيره. لا يطلع على نصح فيذره لا يطلع بالتشديد على بناء الافتعال أي إذا اطلع على نصح لأخيه لا يتركه بل يذكره له و لا يدع جنح حيف فيصلحه في القاموس الجنح بالكسر الجانب و الكنف و الناحية و من الليل الطائفة منه و يضم و قال الحيف الجور و الظلم و الحاصل أنه لا يدع شيئا من الظلم يقع منه أو من غيره على أحد بل يصلحه أو لا يصدر منه شي‏ء من الظلم فيحتاج إلى أن يصلحه و في بعض النسخ جنف بالجيم و النون و هو محركة الميل و الجور. أمين يأتمنه الناس على مالهم و عرضهم رصين بالصاد المهملة و تقدم و في بعض النسخ بالضاد المعجمة و في القاموس المرضون شبه المنضود من حجارة و نحوها يضم بعضها إلى بعض في بناء و غيره تقي عن المعاصي نقي عن ذمائم الأخلاق أو مختار يقال انتقاه أي اختاره زكي أي طاهر من العيوب أو تام في الكمالات أو صالح في القاموس زكا يزكو زكاء نما كأزكى و زكاه الله و أزكاه و الرجل صلح و تنعم فهو زكي من أزكياء و في بعض النسخ بالذال أي يدرك المطالب العلية من المبادي الخفية بسهولة رضي أي راض عن الله و عن الخلق أو مرضي عندهما كما قال تعالى وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا أي مرضيا عندك قولا و فعلا. و يجمل الذكر على بناء الإفعال أي يذكرهم بالجميل و يتهم على العيب نفسه بالعين المهملة و في بعض النسخ بالمعجمة أي يتهم نفسه غائبا عن الناس لا كالمرائي الذي يظهر ذلك عند الناس و ليس كذلك أو يتهم نفسه على ما يغيب عن الناس من عيوبه الباطنة الخفية. يحب في الله بفقه و علم أي يحب في الله و لله من يعلم أنه محبوب لله و يلزم محبته لا كالجهال الذين يحبون أعداء الله لزعمهم أنهم أولياء الله كالمخالفين و يقطع في الله بحزم و عزم أي يقطع من أعداء الله بحزم و رعاية للعاقبة فإنه قد تلزم مواصلتهم ظاهرا للتقية و هو عازم على قطعهم لا كمن يصل يوما و يقطع يوما. لا يخرق به فرح يخرق كيحسن و الباء للتعدية أي لا يصير الفرح سببا لخرقه و سفهه قال في المصباح الفرح يستعمل في معان أحدها الأشر و البطر و عليه قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ و الثاني الرضا و عليه قوله تعالى

  كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ و الثالث السرور و عليه قوله تعالى فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ و يقال فرح بشجاعته و بنعمة الله عليه و بمصيبة عدوه فهذا الفرح لذة القلب بنيل ما يشتهي. و لا يطيش به مرح أي لا يصير شدة فرحه سببا لنزقه و خفته و ذهاب عقله أو عدوله عن الحق و ميله إلى الباطل في القاموس الطيش جواز السهم الهدف و أطاشه أماله عن الهدف و قال مرح كفرح أشر و بطر و اختال و نشط و تبختر و قال الجوهري المرح شدة الفرح و النشاط. مذكر العالم الآخرة أو مسائل الدين لا يتوقع له بائقة أي لا يخاف أن يصدر منه داهية و شر في القاموس توقع الأمر انتظر كونه و قال البائقة الداهية و باق جاء بالشر و الخصومات و قال الجوهري فلان قليل الغائلة و المغالة أي الشر الكسائي الغوائل الدواهي. كل سعي أخلص عنده من سعيه أي لحسن ظنه بالناس و اتهامه لنفسه سعي كل أحد في الطاعات أخلص عنده من سعيه و قريب منه الفقرة التالية و قوله عالم بعيبه كالدليل عليها شاغل بغمه أي غمه لآخرته شغله عن أن يلتفت إلى عيوب الناس أو إلى الدنيا و لذاتها. قريب في أكثر النسخ بالقاف أي قريب من الله أو قريب عن الناس لا يتكبر عليهم أو من فهم المسائل و الاطلاع على الأسرار قال في النهاية فيه اتقوا قراب المؤمن فإنه ينظر بنور الله و روي قرابة المؤمن يعني فراسته و ظنه الذي هو قريب من العلم و التحقق لصدق حدسه و إصابته انتهى. و أقول كونه مأخوذا منه ليس بقريب و الأظهر غريب بالغين كما في بعض النسخ أي لا يجد مثله فهو بين الناس غريب و لذا يعيش فردا لا يأنس بأحد قال في النهاية فيه إن الإسلام بدا غريبا و سيعود كما بدا فطوبى للغرباء أي أنه كان في أول أمره كالغريب الوحيد الذي لا أهل له عنده لقلة المسلمين يومئذ و سيعود غريبا كما كان أي يقل المسلمون في آخر الزمان فيصيرون كالغرباء فطوبى للغرباء أي الجنة لأولئك المسلمين الذين كانوا في أول الإسلام و يكونون في آخره و إنما خصهم بها لصبرهم على أذى الكفار أولا و آخرا و لزومهم دين الإسلام انتهى. وحيد أي يصبر على الوحدة أو فريد لا مثل له حزين لضلالة الناس و قلة أهل الحق لا ينتقم لنفسه بنفسه بل يصبر حتى ينتقم الله له في الدنيا أو في الآخرة و لا يوالي في سخط ربه أي ليس موالاته لمعاصي الله و في القاموس الصداقة المحبة و المصادقة و الصداق المخالة كالتصادق و الموازرة و المعاونة. عون أي معاون للغريب النائي عن بلده أو للقرباء من أهل الحق كما ورد أن المؤمن غريب أب لليتيم أي كالأب له و كذا البعل و في الصحاح الأرملة المرأة التي لا زوج لها و في القاموس امرأة رملة محتاجة أو مسكينة و الجمع أرامل و أراملة و الأرمل العزب و هي بهاء أو لا يقال للعزبة الموسرة أرملة. حفي بأهل المسكنة قال الراغب الحفي البر اللطيف في قوله عز ذكره إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا و يقال حفيت بفلان و تحفيت به إذا عنيت بإكرامه و الحفي العالم بالشي‏ء. مرجو لكل كريهة أي يرجى لرفع كل كريهة و يأمله الناس لدفع كل شدة و لو بالدعاء إن لم تمكنه الإعانة الظاهرة و في القاموس الكريهة الحرب أو الشدة في الحرب و النازلة و قيل المرجو أقرب إلى الوقوع من المأمول. هشاش بشاش قال الجوهري الهشاشة الارتياح و الخفة للمعروف و قد هششت بفلان بالكسر أهش هشاشة إذا خففت إليه و ارتحت له و رجل هش بش و قال البشاشة طلاقة الوجه و رجل هش بش أي طلق الوجه لا بعباس أي كثير العبوس و لا بجساس أي لا كثير التجسس لعيوب الناس

  صليب أي متصلب شديد في أمور الدين كظام يكظم الغيظ كثيرا يقال كظم غيظه أي رده و حبسه بسام أي كثير التبسم دقيق النظر أي نافذ الفكر في دقائق الأمور عظيم الحذر عن الدنيا و مهالكها و فتنها لا يبخل بمنع حقوق الناس واجباتها و مندوباتها و إن بخل عليه بمنع حقوقه صبر. عقل أي فهم قبح المعاصي فاستحيا من ارتكابها أو عقل أن الله مطلع عليه في جميع أحواله فاستحيا من أن يعصيه و قنع بما أعطاه الله فاستغنى عن الطلب من المخلوقين حياؤه من الله و من الخلق يعلو شهوته فيمنعه عن اتباع الشهوات النفسانية و وده للمؤمنين يعلو حسده أي يمنعه عن أن يحسدهم على ما أعطاهم الله و عفوه عن زلات إخوانه و ما أصابه منهم من الأذى يعلو حقده عليهم. و لا يلبس إلا الاقتصاد أي يقتصد و يتوسط في لباسه فلا يلبس ما يلحقه بدرجة المسرفين و المترفين و لا ما يلحقه بأهل الخسة و الدناءة فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على خلقه أو يصير سببا لشهرتهم بالزهد كما هو دأب المتصوفة و يحتمل أن يكون المراد جعله الاقتصاد في جميع أموره شعارا و دثارا على الاستعارة. و مشيه التواضع أي لا يختال في مشيه و قيل هو العدل بين رذيلتي المهانة و الكبر. و أقول يحتمل أن يكون المراد مسلكه و طريقته التواضع. بطاعته أي بأن يطيعه أو بسبب طاعته في كل حالاته أي من الشدة و الرخاء و النعمة و البلاء خالصة أي لله سبحانه ليس فيها غش لله أو للخلق أو الأعم في القاموس غشه لم يمحضه النصح أو أظهر له خلاف ما أضمر و الغش بالكسر الاسم منه. نظره إلى المخلوقات عبرة و استدلال على وجود الخالق و علمه و قدرته و لطفه و حكمته و إلى الدنيا عبرة بفنائها و انقضائها و سكوته فكرة أي تفكر في عظمة الله و قدرته و فناء الدنيا و عواقب أموره و الحمل في تلك الفقرات للمبالغة في السببية فإن النظر سبب للعبرة و السكوت سبب للفكرة مناصحا نصبه و أختيه على الحال مما أضيف إليه المبتدأ على القول بجوازه و قيل نصبها على الاختصاص أي ينصح أخاه و يقبل منه النصح متباذلا أي يبذل أخاه من المال و العلم و يقبل منه متواخيا أي يواخي مع خلص المؤمنين لله و في الله. ناصحا في السر و العلانية أي ينصح في السر إن اقتضته المصلحة و في العلانية إن اقتضته الحكمة أو المراد بالسر القلب و بالعلانية اللسان إشارة إلى أن نصحه غير مشوب بالخدعة. لا يهجر أخاه الهجر ضد الوصل أي لا يترك صحبته و لا يأسف على ما فاته أي من النعم في القاموس الأسف محركة أشد الحزن أسف كفرح و عليه غضب و لا يحزن على ما أصابه أي من البلاء و لا يرجو ما لا يجوز له الرجاء كان يرجو البقاء في الدنيا أو درجة الأنبياء و الأوصياء أو الأمور الدنيوية كالمناصب الباطلة. و لا يفشل في الشدة أي لا يكسل في العبادة في حال الشدة أو لا يضطرب و لا يجبن فيها بل يصبر أو يقدم على دفعها بالجهاد و نحوه في القاموس فشل كفرح فهو فشل كسل و ضعف و تراخى و جبن يمزج العلم بالحلم أي بالعفو و كظم الغيظ أو العقل و الأول أظهر لأن العلم يصير غالبا سببا للتكبر و الترفع و ترك الحلم و المزج الخلط و الفعل كنصر و العقل بالصبر أي مع وفور عقله يصبر على جهل الجهال أو يصبر على المصائب لقوة عقله و قيل أي مع عقله و فهمه أحوال الخلائق يصبر عليها. تراه بعيدا كسله أي في العبادات دائما نشاطه أي رغبته في الطاعات في القاموس نشط كسمع نشاطا طابت نفسه للعمل و غيره قريبا أمله أي لا يأمل ما يبعد حصوله من أمور الدنيا أو لا يأمل ما يتوقف حصوله على عمر طويل بل يعد موته قريبا و الحاصل أنه ليس له طول الأمل أو لا يؤخر ما يريده من الطاعة و لا يسوف فيها قليلا زلله لتيقظه و أخذه بالحائطة لدينه متوقعا لأجله أي

  منتظرا له يعده قريبا منه خاشعا قلبه أي خاضعا منقادا لأمر الله متذكرا له خائفا منه سبحانه قانعة نفسه بما أعطاه ربه منفيا جهله لوفور علمه سهلا أمره أي هو خفيف المئونة أو يصفح عن السفهاء و لا يصر على الانتقام منهم و قيل أي لا يتكلف لأحد و لا يكلف أحدا. ميتة شهوته أي هو عفيف النفس صافيا خلقه عن الغلظ و الخشونة محكما أمره أي أمر دينه أو الأعم ليسلم أي من آفات اللسان و يتجر ليغنم أي ليحصل الغنيمة و الربح لا للفخر و الحرص على جمع الأموال و الذخيرة أو المراد بالغنيمة الفوائد الأخروية أي يتجر لينفق ما يحصل له في سبيل الله فتحصل له الغنائم الأخروية كذا أفاده الوالد رحمه الله أو المراد بالتجارة أيضا التجارة الأخروية كما قال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. لا ينصت للخير ليفخر به أي لا يسكت مستمعا لقول الخير لينقله في مجلس آخر فيفخر به في القاموس نصت ينصت و أنصت و انتصت سكت و أنصته و له سكت له و استمع لحديثه و أنصته أسكته و في بعض النسخ لا ينصب للخير ليفجر به أي لا يقبل المنصب الشرعي ليفجر به و يحكم بالفجور و يرتشي و يقضي بالباطل و لا يتكلم أي بالخير. نفسه منه في عناء لرياضتها في الطاعات و الناس منه في راحة و فسر هذا بقوله أتعب نفسه لآخرته فأراح الناس من نفسه لأن شغله بأمر نفسه يشغله عن التعرض لغيره و ربما يفرق بين الفقرات بأن المراد بالفقرتين الأوليين أن نفسه الأمارة منه في عناء و تعب لمنعها عن هواها و زجرها عن مشتهاها فصار الناس منه في راحة لأن المداومة على الطاعات و الرياضات تصير النفس سليمة حليمة غير مائلة إلى المعارضات الذي ينتصر له أي ينتقم له. بعده ممن تباعد منه بغض و نزاهة أي إنما يبعد عن الكفار و الفساق للبغض في الله و النزاهة و البعد عن أعمالهم و أفعالهم و النزاهة بالفتح التباعد عن كل قذر و مكروه و دنوه ممن دنا منه من المؤمنين لين و رحمة أي ملاينة و ملاطفة و ترحم و لا عظمة أي تجبرا و عد النفس عظيما و قيل المراد بها العظمة الواقعية و في القاموس خلبه كنصره خلبا و خلابا و خلابة بكسرهما خدعه بل يقتدي أي في هذا البعد و الدنو. أقول هذه الصفات قد يتداخل بعضها في بعض و لكن تورد بعبارة أخرى أو تذكر مفردة ثم تذكر ثانية مركبة مع غيرها و هذا النوع من التكرار في الخطب و المواعظ مطلوب لمزيد التذكار. ثم وقع مغشيا عليه كأن المراد به أنه مات من غشيته كما سيأتي في رواية النهج هكذا تصنع المواعظ البالغة هكذا في محل النصب نائب للمفعول المطلق لقوله تصنع و التقديم للحصر و المشار إليه نوع من التأثير صار في همام سبب موته بأهلها أي بمن تؤثر فيه و يتدبرها و يفهمها كما ينبغي. فما بالك يا أمير المؤمنين أي ما حالك حيث لم يفعل العلم بتلك الصفات أو ذكرها أو سماعك من الرسول ص ما فعل بهمام أو لم أتيت بتلك الموعظة مع خوفك عليه فعلى الأول الجواب يحتمل وجوها الأول أن المشار إليه بهكذا التأثير الكامل و صيرورته في همام سبب موته لضعف نفسه و قلة حوصلته و عدم اتصافه ببعض تلك الصفات لا يستلزم صيرورته سببا للموت في كل أحد لا سيما فيه صلوات الله عليه. الثاني ما ذكره بعض المحققين و هو أنه أجابه ع بالإشارة إلى السبب البعيد و هو الأجل المحتوم به القضاء الإلهي و هو جواب مقنع للسامع مع أنه حق و صدق و أما السبب القريب الفرق بينه و بين همام و نحوه لقوة نفسه القدسية على قبول الواردات الإلهية و تعوده بها و بلوغ رياضته حد السكينة عند ورود أكثرها و ضعف

  نفس همام عما ورد عليه من خوف الله و رجائه و أيضا فإنه ع كان متصفا بهذه الصفات لم يفقدها حتى يتحسر على فقدها. قيل و لم يجب ع بمثل هذا الجواب لاستلزامه تفضيل نفسه أو لقصور فهم السائل و هذا قريب من الأول لكن الأول أظهر لأنه ع أشار إلى الفرق إجمالا بأن الآجال منوطة بالأسباب و الأسباب في المواد مختلفة فيمكن أن يؤثر في بعض المواد و لا يؤثر في بعضها. الثالث أن يكون المعنى أن قولنا هكذا تصنع المواعظ على تقدير كون هكذا إشارة إلى الموت ليس كليا بل المراد أنه قد تصنع ذلك إذا صادف قلة ظرف سامعه أو غير ذلك و ليس سببا مستقلا للموت بالنسبة إلى أهلها فإن لكل أحد أجلا منوطا بأسباب و دواعي و مصالح و الوجوه الثلاثة متقاربة. و قيل يمكن أن يكون كلام السائل مبنيا على أن هكذا إشارة إلى الإماتة و حاصل الجواب حينئذ التنبيه على بطلان هذا التوهم و أن المشار إليه التأثير الكامل كما مر. و على الثاني حاصل الجواب أني لم أكن أعلم أنه يفعل به ما فعل و الخوف يحصل بمحض الاحتمال و محض الاحتمال لا يكفي لترك بيان ما أمر الله ببيانه كما قال ابن ميثم. إن قيل كيف جاز منه ع أن يجيبه مع غلبة ظنه بهلاكه و هو كالطبيب يعطي كلا من المرضى بحسب احتمال طبيعته من الدواء قلت إنه لم يكن يغلب على ظنه إلا الصعقة عن الوجد الشديد فأما أن تلك الصعقة فيها موته فلم يكن مظنونا له انتهى. أقول و يحتمل أن يكون المراد أن هذا كان أجلا مقدرا له و لا يمكن الفرار من الأجل المقدر بترك ما أمر الله به كما قال تعالى قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ على بعض التفاسير و يمكن أن يجوز له ع ذلك مع العلم بموته لعهد من الرسول ص فيشبه قصة الغلام و صاحب موسى ع. و سببا لا يجاوزه الضمير راجع إلى السبب و قال الجوهري المهل بالتحريك التؤدة و أمهله أنظره و تمهل في أمره أي اتأد و قولهم مهلا يا رجل و كذلك للاثنين و الجمع و المؤنث و هي موحدة بمعنى أمهل و قال النفث شبيه بالنفخ و هو أقل من التفل. أقول و ربما يتوهم التنافي بين ما تضمن هذا الخبر من صيحة همام عند سماع الموعظة و بين ما سيأتي في كتاب القرآن من ذم أبي جعفر ع قوما إذا ذكروا شيئا من القرآن أو حدثوا به صعق أحدهم و يمكن أن يجاب بأن عروض ذلك نادرا لا ينافي ذمه ع قوما كان دأبهم ذلك و كانوا متعمدين لفعله رئاء و سمعة كالصوفية