التمثيل الرابع عشر – سورة الأنعام

﴿أوَ مَنْ كَانَ مَيْتاً فَأحْيَيْناهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِى بِهِ فِي النّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيّنَ لِلْكافِرِينَ مَا كانُوا يَعْمَلُون﴾.(1)

 

 تفسير الآية:

نزلت الآية في حمزة بن عبد المطلب وأبي جهل بن هشام، و ذلك انّ أبا جهل آذى رسول الله فأخبر بذلك حمزة، وهو على دين قومه، فغضب وجاء ومعه قوس فضرب بها رأس أبي جهل وآمن، وهو المروي عن ابن عباس.

 

 وقيل: إنّها نزلت في عمار بن ياسر حين آمن وأبي جهل، و هو المروي عن أبى جعفر، ولكن الظاهر انّها عامة في كلّ موَمن وكافر، ومع ذلك لا يمنع هذا نزولها في شخصين خاصين.

 

 ففي هذه الآية تمثيلات وتشبيهات جعلتها من قبيل التشبيه المركب نذكرها تباعاً:

1. يقول سبحانه: ﴿أوَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأحْيَيْناهُ﴾ وقد شبّه الكافر بـ"الميت" الذي هو مخفف الميّت والموَمن بالحي.

 

وليست الآية نسيجاً وحدها فقد شبّه الموَمن في غير واحد من الآيات بالحي، والكافر بالميت، قال سبحانه: ﴿فَإنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوتَى﴾(2) ﴿لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيّاًً﴾(3) و ﴿وَما يَسْتَوِي الأحْياءُ وَلأ الأمْواتُ﴾.(4)

 

2. يقول سبحانه: ﴿وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشي بِهِ فِي النّاسِ﴾ فقد شبّه القرآن بالنور، حيث إنّ الموَمن على ضوء القرآن يشق طريق السعادة، قال سبحانه: ﴿يا أيُّهَا النّاسُ قَد ْ جاءَكُم بُرهانٌ مِنْ رَبّكُمْ وَأنْزَلْنا إلَيْكُمْ نُوراً مُبيناً﴾.(5)

 

وقال سبحانه: ﴿مَا كُنْتَ تَدري مَا الكِتابُ ولا الإيمَانُ ولكِن جَعَلْناهُ نُوراً﴾(6) ، فالقرآن ينوّر الدرب للمؤمن.

 

3.يقول سبحانه ﴿كمَن مَثله فِي الظُلمات لَيْس بِخارجٍ مِنْها﴾، فالمراد من الظلمة إمّا الكفر أو الجهل، ويوَيد الأوّل قوله سبحانه: ﴿اللهُ وَلِيُّ الّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إلَى النُّور﴾.(7)

 

ثمّ إنّه سبحانه شبه الكافر بالذي يمكث في الظلمات لا يهتدى إلى شيء بقوله: ﴿كَمَنْ مَثَلهُ فِي الظُّلمات﴾ ولم يقل: كمن هو في الظلمات، بل توسط لفظ المثل فيه، ولعل الوجه هو تبيين انّه بلغ في الكفر والحيرة غاية يضرب به المثل.

 

هذا هو تفسير الآية على وجه التفصيل.

 

وحاصل الآية: انّ مثل من هداه الله بعد الضلالة ومنحه التوفيق لليقين الذي يميز به بين المحق والمبطل، والمهتدي والضال، ـ مثله ـ من كان ميتاً فأحياه الله و جعل له نوراً يمشي به في الناس مستضيئاً به، فيميز بعضه من بعض.

 

هذا هو مثل المؤمن، ولا يصح قياس المؤمن بالباقي على كفره غير الخارج عنه، الخابط في الظلمات المتحير الذي لا يهتدي سبيل الرشاد.

 

وفي الحقيقة الآية تشتمل على تشبيهين:

 

الأوّل: تشبيه المؤمن بالميّت المحيا الذي معه نور.

 

الثاني: تشبيه الكافر بالميّت الفاقد للنور الباقي في الظلمات، والغرض انّ الموَمن من قبيل التشبيه الأوّل، دون الثاني.

 

 

1- الاَنعام:122.

2- الروم:52.

3- يَس:70.

4- فاطر:22.

5- النساء:174.

6- الشورى:52.

7- البقرة:257.

 

تأليف: آية الله الشيخ جعفر السبحاني