ولادة مريم عليها السلام

ان الله تعالى اوحى الى نبيه عمران عليه السلام ، ( وعمران هذا ابو مريم عليها السلام لا ابو موسى : لان عمران ابو موسى لم يكن نبيا ، وعمران ابو مريم كان نبيا ) (1) ، وكلما ورد في القرآن اسم عمران وفي الآيات التي تخص شرح حال مريم يراد به عمران ابو مريم عليهما السلام ، وان بين عمران ابو مريم وعمران ابو موسى 1800 سنة.

وزوجة عمران « حنة » ام مريم ومريم ام عيسى عليه السلام ، وقد روي : ان ام مريم اسمها « مرتنا » وفي بعض النسخ « مرثا » وهي وهيبة بالعربية ، بمعنى موهوبة ، وفي الخبر عن ابي عبد الله عليه السلام : ان اسمها « حنة » كما في القاموس ، ويحتمل ان يكون احدهما اسمها والآخر لقبها (2).

كما روي عن ابي بصير قال : سألت ابا جعفر عليه السلام : عن عمران اكان نبيا ؟ فقال : نعم كان نبيا مرسلا الى قومه ، وكانت حنة امرأة عمران وحنانة (3) امرأة زكريا اختين ، فولد لعمران من حنة مريم ، وولد لزكريا من حنانه يحيى عليه السلام ، وولدت مريم عيسى عليه السلام وكان عيسى عليه السلام ابن بنت خالته ، وكان يحيى عليه السلام ابن خالة مريم ، وخالة الام بمنزلة الخالة ، ولذا كان يقال : ان يحيى ابن خالة عيسى (4).

مضت سنوات على زواج « حنة » من عمران ولم ترزق مولودا منه ، وفي احد الايام بينما هي جالسة تحت شجرة ، رات طائرا يطعم فراخه ، فاشتعل في قلب حنة حنان الام وحب الامومة ، فتوجهت الى الله بمجامع قلبها طالبة منه ان يرزقها مولودا ، فاستجاب الله دعاءها الخاص ، ولم تمض مدة حتى حملت.

وروي في الاحاديث ان الله تعالى قد اوحى الى عمران انه سيهبه ولدا مباركا يشفى المرضى ويحيي الموتى باذن الله ، وسوف يرسله نبيا الى بني اسرائيل ، فبشر عمران زوجته بذلك ، فلما حملت ظنت ان ما تحمله في بطنها ولدا فنذرت ما في بطنها للخدمة في بيت الله فقالت : « رب اني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني انك انت السميع العليم » (5) فلما وضعتها قالت : « رب اني وضعتها انثى وليس الذكر كالانثى واني سميتها مريم واني اعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ».

يظهر من هذا ان ام مريم هي التي سمتها بهذا الاسم عند ولادتها ، ومعنى « مريم » بلغتها تعني « العابدة » وعلى هذا وقفتها على خدمة الله وطلبت من الله تعالى ان يحفظها ونسلها من وسوسة الشياطين ، وان يرعاهم بحمايته ولطفه.

عندما ولدت مريم كانت يتيمة لان اباها توفي قبل ولادتها ، فجاءت بها امها الى بيت المقدس وقدمتها لعلماء اليهودية وقالت : هذه البنت هدية لبيت المقدس ، فليتعهدها احدكم ، فكثر الكلام بين علماء اليهود ، وكان كل منهم يريد ان يحظى بهذا الفخر ، وبعد ذلك لجأوا الى القرعة فخرجت القرعة لزكريا ، وهو زوج اخت حنة ، وكفلها وادخلها المسجد.

كبرت مريم تحت رعاية زكريا ، وكانت غارقة في العبادة والتعبد ، وكانت تصوم النهار وتقوم الليل بالعبادة ، وكانت على درجة كبيرة من التقوى ، وعندما كان زكريا يزورها في المحراب يجد عندها طعاما خاصا ، فيأخذه العجب من ذلك ، وعندما سالها يوما ، من اين لك هذا ، فقالت له : هو من عند الله ان الله يرزق ما يشاء بغير حساب ، حيث كان يأتيها رزقها من الجنة.

اصبحت مريم عليها السلام اعظم نساء زمانها وسيدة نسائهم حيث كانت الملائكة تكلمها لعلو مقامها عند الله ... « واذ قالت الملائكة يا مريم ... » (6).

يبشرها الملائكة ان الله قد اختارها وطهرها واصبحت من المصطفين اثر تقواها وايمانها وعبادتها.

________________________________________

1 ـ تفيد بعض الاحاديث ان عمران كان نبيا يوحى اليه.

2 ـ البحار ج 14 ص 313.

3 ـ حنانة كان اسمها « اشياع » ايضا.

4 ـ بحار الانوار ج 14 ص 202.

5 ـ آل عمران : 35.

6 ـ آل عمران : 42.