سورة آل عمران الآية 161-180

وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ  فليخصّوه بالتّوكّل عليه، لمّا علموا أن لا ناصر سواه وآمنوا به.

وَ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ: وما صحّ لنبيّ أن يخون في الغنائم، فإنّ النّبوّة تنافي الخيانة.

يقال: غلّ شيئا من المغنم، يغلّ غلولا، وأغلّ إغلالا، إذا أخذه في خفية.

و المراد منه براءة الرّسول- صلّى اللّه عليه وآله- عمّا اتّهم به.

و قرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائيّ ويعقوب: «أن يغلّ» على البناء للمفعول، والمعنى: وما صحّ له أن يوجد غالّا، أو أن ينسب إلى الغلول .في تفسير عليّ بن إبراهيم : أنّ سبب نزولها، أنّه كان في الغنيمة الّتي أصابوها يوم بدر قطيفة حمراء، ففقدت، فقال رجل من أصحاب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-:

مالنا لا نرى القطيفة، لا أظنّ إلّا أنّ رسول اللّه أخذها. فأنزل اللّه في ذلك: وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ (الآية) فجاء رجل إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: إنّ فلانا غلّ قطيفة فأخبأها  هنالك. فأمر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بحفر ذلك الموضع، فأخرج القطيفة.

وَ مَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ، أي: يأتي بما غلّ من النّار يوم القيامة، أي: يجعل ما غلّ في النّار ويكلّف بأن يخرجه منها، كما

رواه عليّ بن إبراهيم في تفسيره :

 

عن أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ قال:

فصدق  اللّه لم يكن اللّه ليجعل نبيّا غالا، ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة، ومن غلّ شيئا رآه يوم القيامة في النّار، ثمّ يكلّف أن يدخل إليه فيخرجه من النّار.

و في أمالى الصّدوق- رحمه اللّه -: بإسناده إلى الصّادق- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه: إنّ رضا النّاس لا يملك وألسنتهم لا تضبط [...] ألم ينسبوه  يوم بدر إلى أنّه أخذ لنفسه من المغنم قطيفة حمراء، حتّى أظهره اللّه على القطيفة، وبرّأ نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- من الخيانة وأنزل بذلك في كتابه: وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ.

ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ: تعطي جزاء ما كسبت وافيا. وكان الظّاهر أن يقال: ثمّ توفّى ما كسبت، لكنّه عمّم الحكم ليكون كالبرهان على المقصود والمبالغة فيه، فإنّه إذا كان كاسب مجزئا بعمله، فالغالّ مع عظم جرمه أولى.

وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ : فلا ينقص ثواب مطيعهم، ولا يزاد عقاب عاصيهم.

أَ فَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ: بالطّاعة، إنكار للتّسوية، كَمَنْ باءَ: رجع،بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ: سبب المعاصي، وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ :

و الفرق بينه وبين المرجع، أنّ المصير يجب أن يخالف الحالة الأولى ولا كذلك المرجع.

هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ:

قيل : شبّهوا بالدّرجات لما بينهم من التّفاوت في الثّواب والعقاب، أو هم ذوو درجات.

و قيل: يحتمل أن يكون تشبّههم بالدّرجات في أنّهم وسائل الصّعود إلى اللّه، والهبوط من قربه إلى أسفل السّافلين.

و لا يخفى ما في هذه التّوجيهات من التّكلّف، والصّواب أنّ ضميرهم راجع إلى «من اتّبع» والمراد منهم الأئمّة، وهم درجات عند اللّه لمن اتّبعهم من المؤمنين، وأسباب لرفعتهم عند اللّه.

و في تفسير العيّاشيّ : عن عمّار بن مروان  قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قوله اللّه: أَ فَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ.

 

فقال: الذين اتبعوا رضوان اللّه ، هم الأئمّة، وهم  واللّه [- يا عمّار-]  درجات عند اللّه للمؤمنين، وبولايتهم  ومعرفتهم إيّانا يضاعف اللّه لهم أعمالهم  ويرفع اللّه [لهم‏]  الدّرجات العلى. وأمّا قوله:- يا عمّار- كمن باء بسخط من اللّه (إلى [قوله‏] ) المصير،فهم واللّه الّذين جحدوا حقّ عليّ بن أبي طالب وحقّ الأئمّة منّا أهل البيت، فباؤوا بذلك بسخط  من اللّه.

عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام - أنّه ذكر قول اللّه: هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ قال الدّرجات  ما بين السّماء والأرض.

و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن هشام [بن سالم،]  عن عمّار السّاباطيّ قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ- عن هذه الآية .

فقال: الّذين اتّبعوا رضوان اللّه، هم الائمّة، وهم واللّه- يا عمّار- درجات للمؤمنين، وبولايتهم ومعرفتهم إيّانا يضاعف اللّه لهم أعمالهم، ويرفع اللّه  لهم  الدّرجات العلى.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثنا أحمد بن محمّد، عن المعلى بن محمّد، عن عليّ بن محمّد، عن بكر بن صالح، عن جعفر بن يحيى، عن عليّ بن النّضر، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يذكر فيه لقمان ووعظه لابنه، وفيه: من اتّبع أمره استوجب جنّته ومرضاته، ومن لم يتّبع رضوان اللّه فقد هان عليه سخطه ، نعوذ باللّه من سخط اللّه.

وَ اللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ : عالم بأعمالهم، فيجازيهم على حسبها.

لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ: أنعم اللّه. واللّام، موطّئة للقسم.و قرئ بمن الجارّة، على أنّه خبر مبتدأ محذوف، أي: منه، أو بعثه .

عَلَى الْمُؤْمِنِينَ: على الّذين آمنوا مع الرّسول. وتخصيصهم- مع أنّ نعمة البعثة عامّة- لزيادة انتفاعهم بها.

إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ: من نسبهم، أو من صنفهم، عربيّا مثلهم، ليفهموا كلامه بسهولة، ويكونوا واقفين على حاله في الصّدق والأمانة، مفتخرين به.

و قرئ: من أنفسهم، أي: من أشرفهم، لأنّه- عليه السّلام- كان من أشرف قبائل العرب وبطونهم .

يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ، أي: القرآن، بعد ما كانوا جهّالا لم يسمعوا الوحي.

وَ يُزَكِّيهِمْ: ويطهّرهم من دنس الطّبائع، وسوء العقائد والأعمال، وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ: القرآن، والسّنّة.

وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ :

 «إن» هي المخفّفة. واللّام، هي الفارقة، والمعنى: وإنّ الشّأن كانوا من قبل بعثة الرّسول في ضلال ظاهر.

أَ وَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها:

الهمزة، للتّقرير والتّقريع. والواو، عاطفة للجملة على ما سبق من قصّة أحد، أو على محذوف، أي: فعلتم كذا وقلتم كذا. «لمّا» وهو ظرفه المضاف إلى أصابتكم، أي:

حين أصابتكم مصيبة، وهي قتل سبعين منكم يوم أحد، والحال أنّكم نلتم ضعفها يوم بدر من قتل سبعين وأسر سبعين.

قُلْتُمْ أَنَّى هذا، أي: من أين أصابنا هذا؟ وقد وعدنا اللّه النّصر.

و في تفسير العيّاشيّ : محمّد بن أبي حمزة، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-  قال: كان المسلمون قد أصابوا ببدر مائة وأربعين رجلا، قتلوا سبعين رجلا وأسروا سبعين، فلمّا كان يوم أحد أصيب من المسلمين سبعون رجلا، قال: فاغتمّوا لذلك فأنزل اللّه- تبارك وتعالى-: أ ولمّا (الآية)

 قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ:

باختياركم الفداء يوم بدر، كذا عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- رواه في مجمع البيان»

.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم

: أنّ يوم بدر قتل من قريش سبعون وأسر منهم سبعون، وكان الحكم في الأسارى يوم بدر  القتل، فقامت الأنصار [إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-]  فقالوا: يا رسول اللّه، هبهم لنا ولا تقتلهم حتّى نفاديهم.

فنزل جبرائيل- عليه السّلام- فقال: إنّ اللّه قد أباح لهم  الفداء أن يأخذوا من هؤلاء القوم ويطلقوهم على أن يستشهد منهم في عام قابل بقدر من يأخذون  منه الفداء .

فأخبرهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بهذا الشّرط.

فقالوا: قد رضينا به، نأخذ العام الفداء عن هؤلاء ونتقوى به، ويقتل منّا في عام قابل بعدد من  نأخذ منهم  الفداء، وندخل الجنّة. فأخذوا منهم الفداء وأطلقوهم.

فلمّا كان يوم أحد  قتل  من اصحاب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- سبعون، فقالوا: يا رسول اللّه، ما هذا الّذي أصابنا وقد كنت تعدنا النّصر ؟ فأنزل اللّه: أَ وَلَمَّا أَصابَتْكُمْ (الآية)  قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ بما اشترطتم يوم بدر.

قال البيضاويّ : أي، ممّا قد اقترفته أنفسكم من مخالفة الأمر بترك المركز، فإنّ الوعد كان مشروطا بالثّبات والمطاوعة، أو اختيار الخروج من المدينة.

و الأوّل مخالف للنّصّ، والثّاني لعدم الرّدّ على اختيار الرّسول- صلّى اللّه عليه وآله-.إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ : فيقدر على النّصر ومنعه، وعلى أن يصيب بكم ويصيب منكم.

وَ ما أَصابَكُمْ: من القتل.

يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ: يوم أحد. والجمعان، جمع المسلمين وجمع المشركين، فَبِإِذْنِ اللَّهِ: فهو كائن بتخلية الكفّار. وسمّاها إذنا، مجازا مرسلا، لأنّها من لوازمه، ليفي بما شرطتم يوم بدر حين اختياركم، وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ  وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا: وليتميّز المؤمنون والمنافقون، فيظهر إيمان هؤلاء بالصّبر، ونفاق هؤلاء بإظهار طلب وعد النّصر والإعراض عن الاشتراط. وفي إيراد أحد المفعولين ما يدلّ على الحدوث دون الآخر، مدح للمؤمنين بالثّبات على الإيمان والمنافقين بعدمه، وَقِيلَ لَهُمْ: عطف على «نافقوا» داخل في الصّلة، أو لكلام مبتدأ، تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا: تقسيم للأمر عليهم، وتخيير بين أن يقاتلوا للآخرة أو للدّفع عن الأنفس والأموال. أو معناه: قاتلوا الكفرة. أو ادفعوهم بتكثير سواد المجاهدين، فإنّ كثرة السّواد ممّا يروّع العدوّ ويكسر منه.

قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ، أي: لو نعلم ما يصحّ أن يسمّى قتالا لاتّبعناكم فيه، لكن ما أنتم عليه ليس بقتال بل إلقاء بالأنفس إلى التّهلكة. أو لو نحسن قتالا لاتّبعناكم، قالوا ذلك دغلا واستهزاء.

هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ، أي: يوم إذ قالوا ذلك. أو يوم إذ قام القتال، وأحسّوا به.

أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ:

قيل : لانخزالهم وكلامهم هذا، فإنّهما أوّل أمارات ظهرت منهم مؤذنة بكفرهم.

و قيل: هم لأهل الكفر أقرب نصرة منهم لأهل الإيمان، إذ كان انخزالهم ومقالهم تقوية للمشركين وتخذيلا  للمؤمنين.

و الأولى، الحمل على ما يشمل المعنيين، أي هم لتقوية الكفر، أي: كفرهم وكفر من شاركهم فيه أقرب منهم لتقوية الإيمان، لأنّ ما ظهر منهم يدلّ على كفرهم وتقوية للكافرين وتخذيل للمؤمنين.

يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ: يظهرون خلاف ما يضمرونه. وإضافة القول إلى «أفواههم» تأكيد.

وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ : من النّفاق، ما يخلوا به بعضهم إلى بعض، فإنّه يعلمه مفصّلا بعلم واجب، وأنتم تعلمونه مجملا بأمارات.

في مصباح الشّريعة : عن الصّادق- عليه السّلام- في كلام له: ومن ضعف يقينه تعلّق بالأسباب ورخّص لنفسه بذلك، واتّبع العادات وأقاويل النّاس بغير حقيقة، والسّعي في أمور الدّنيا وجمعها وإمساكها، يقرّبا للّسان، أنّه لا مانع ولا معطي إلّا اللّه وأنّ العبد لا يصيب إلّا ما رزق وقسم له والجهد لا يزيد في الرّزق، وينكسر ذلك بفعله وقلبه، قال اللّه تعالى: يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ.

 

الَّذِينَ قالُوا: مرفوع، بدل من واو «يكتمون.». أو منصوب على الذّمّ أو الوصف «للّذين نافقوا». أو مجرور، بدل من الضّمير في «بأفواههم» أو «قلوبهم»، لِإِخْوانِهِمْ: لأجلهم. يريد من قتل بأحد من أقاربهم، أو من جنسهم، وَقَعَدُوا: حال مقدّر بقد، أي: قالوا: قاعدين عن القتال، لَوْ أَطاعُونا: في القعود، ما قُتِلُوا: كما لم نقتل.

و قرأ هشام: ما قتّلوا، بالتّشديد .

قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ : في أنّكم تقدرون على دفع القتل وأسبابه ممّن كتب عليه، فادفعوا عن أنفسكم الموت وأسبابه، فإنّه أحرى بكم.

و المعنى: أنّ القعود غير مغن، فإنّ أسباب الموت كثيرة، كما أنّ القتال يكون سببا للهلاك والقعود سببا للنّجاة، قد يكون الأمر بالعكس، فإنّه قد يدفع بالقتال العدوّ فينجو، وبالقعود يصير العدوّ جريئا فيغلب عليه فيهلك.

وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً :في مجمع البيان : قيل: نزلت في شهداء بدر، كانوا أربعة عشر رجلا، ثمانية من الأنصار وستّة من المهاجرين.

و قيل: نزلت في شهداء أحد، وكانوا سبعين رجلا، أربعة من المهاجرين، حمزة بن عبد المطّلب ومصعب بن عمير وعثمان بن شماس وعبد اللّه بن جحش، وسائرهم من الأنصار.

قال الباقر- عليه السّلام- وكثير من المفسّرين: إنما تتناول قتلى بدر واحد معا- انتهى-

و الخطاب لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أو لكلّ أحد.

و قرأ هشام، بالتّاء، كالباقين. وبالياء، على إسناده إلى ضمير رسول اللّه، أو من يحسب. أو إلى الّذين قتلوا. والمفعول الأوّل محذوف، لأنّه في الأصل مبتدأ جائز الحذف عند القرينة .

و قرأ ابن عامر: «قتّلوا» بالتّشديد، لكثرة المقتولين .

بَلْ أَحْياءٌ، أي: بل هم أحياء.

و قرئ بالنّصب، أي: بل أحسبهم أحياء .

عِنْدَ رَبِّهِمْ: ذوو زلفى منه.

و في تفسير العيّاشيّ : عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: أتى رجل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: إنّي راغب نشيط في الجهاد.

قال: فجاهد في سبيل اللّه، فإنّك إن تقتل كنت حيّا عند اللّه ترزق، وإن متّ فقد وقع أجرك على اللّه، وإن رجعت خرجت من الذّنوب إلى اللّه، هذا تفسير وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً (الآية).

و في الكافي : عن الصّادق- عليه السّلام- أنّه قيل له: يروون أنّ أرواح المؤمنين‏في حواصل طيور  خضر حول العرش.

فقال: لا، المؤمن أكرم على اللّه من أن يجعل روحه في حوصلة  طير، ولكن في أبدان كأبدانهم.

يُرْزَقُونَ : من الجنّة. وهو تأكيد لكونهم أحياء.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن أبي حمزة، عن عقيل الخزاعيّ، أنّ أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه- إذا حضر الحرب يوصي المسلمين بكلمات فيقول: تعاهدوا الصّلاة إلى أن قال- عليه السّلام-: ثمّ أنّ الجهاد أشرف الأعمال بعد الإسلام، وهو قوام الدّين، والأجر فيه عظيم مع العزّة والمنعة، وهو الكرّة فيه الحسنات والبشرى بالجنّة بعد الشّهادة، بالرّزق غدا عند الرّب والكرامة، يقول اللّه- تعالى-: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. (الآية).

و في أصوله : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ومحمّد بن أبي عبد اللّه ومحمّد بن الحسن ، عن سهل بن زياد جميعا، عن الحسن بن العبّاس بن الجريش ، عن أبي جعفر الثّاني- عليه السّلام- أنّ أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال يوما لأبي بكر:

لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ وأشهد أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله - مات شهيدا، واللّه ليأتينّك، فأيقن إذا جاءك فإنّ الشّيطان غير متخيّل به، فأخذ عليّ- عليه السّلام- بيد أبي بكر فأراه النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-.

فقال له: يا أبا بكر، آمن بعليّ وبأحد عشر من ولده، إنّهم مثلي إلّا النّبوّة، وتب إلى اللّه ممّا في يدك فإنّه لا حقّ لك فيه. ثمّ ذهب فلم ير. [و في روضة الكافي : يحيى الحلبيّ، عن عبد اللّه بن مسكان، عن أبي بصير قال:

قلت: جعلت فداك [، أ رأيت‏]  الرّادّ عليّ هذا الأمر فهو كالرّادّ عليكم؟

فقال: يا أبا محمّد، من ردّ عليك هذا الأمر فهو كالرّادّ على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وعلى اللّه- تبارك وتعالى- يا أبا محمّد، إنّ الميّت على هذا الأمر شهيد.

قال: قلت: وإن مات على فراشه؟

قال: إي واللّه [و إن مات‏]  على فراشه، حيّ عند ربّه يرزق.]

 

فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ: وهو شرف الشّهادة، والفوز بالحياة الأبديّة، والقرب من اللّه تعالى والتّمتّع بنعيم الجنّة، وَيَسْتَبْشِرُونَ: يسرّون بالبشارة، بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ، أي: بإخوانهم المؤمنين الّذين لم يقتلوا فيلحقوا بهم، مِنْ خَلْفِهِمْ، أي: الّذين من خلفهم، زمانا أو رتبة، أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ : بدل من الّذين، والمعنى، أنّهم يستبشرون بما تبيّن  لهم من أمر الآخرة، وحال من تركوا خلفهم من المؤمنين، وهو أنّهم إذا ماتوا أو قتلوا كانوا أحياء حياة أبديّة، لا يكدّرها خوف وقوع محذور وحزن فوات محبوب.

في روضة الكافي : ابن محبوب، عن الحارث بن محمّد بن النّعمان ، عن برير العجليّ قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ ذكره-: وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ.

 

قال: هم واللّه شيعتنا، حين صارت أرواحهم في الجنّة واستقبلوا الكرامة من اللّه- عزّ وجلّ- علموا واستيقنوا أنّهم كانوا على الحقّ وعلى دين اللّه- عزّ ذكره- فاستبشروا بمن لم يلحق بهم من إخوانهم من خلفهم من المؤمنين، ألّا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال حدّثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن أبي‏

 عبيدة الحذّاء، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: هم واللّه شيعتنا، إذا دخلوا الجنّة واستقبلوا الكرامة من اللّه استبشروا بمن لم يلحق بهم من إخوانهم المؤمنين في الدّنيا، ألّا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

يَسْتَبْشِرُونَ: كرّره للتّوكيد، ولتعلّق به ما هو بيان لقوله: «ألّا خوف» ويجوز أن يكون الأوّل بحال إخوانهم، وهذا بحال أنفسهم، بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ: ثوابا لأعمالهم، وَفَضْلٍ: زيادة عليه، لقوله تعالى : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وتنكيرهما، للتّعظيم.

وَ أَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ : من جملة المستبشر به، عطف على فضل.

و قرأ الكسائي، بالكسر، على أنّه استئناف معترض، دالّ على أنّ ذلك أجر لهم على إيمانهم، مشعر بأنّ من لا إيمان له أعماله محبطة وأجوره مضيعة .

الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ: صفة للمؤمنين.

أو نصب على المدح. أو مبتدأ، خبره.

لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ  بجملته. و«من» للبيان.

و المقصود من ذكر الوصفين ، المدح والتّعليل لا التّقييد ، لأنّ المستجيبين كلّهم محسنون متّقون.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم

: أنّ النبي- صلّى اللّه عليه وآله- لمّا دخل المدينة من وقعة أحد ، نزل عليه جبرئيل فقال: يا محمّد، إنّ اللّه يأمرك أن تخرج في أثر القوم، ولا يخرج معك إلّا من به جراحة.

فأمر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- مناديا ينادي: يا معشر المهاجرين‏و الأنصار، من كانت به جراحة فليخرج، ومن لم يكن به جراحة فليقم. فأقبلوا يضمدون جراحاتهم ويداوونها، فخرجوا على ما بهم من الألم والجراح.

فلمّا بلغ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- حمراء  الأسد، وقريش قد نزلت الرّوحاء، قال عكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام وعمرو بن العاص وخالد بن الوليد:

نرجع فنغير على المدينة، فقد قتلنا سراتهم وكبشهم- يعنون، حمزة- فوافاهم رجل خرج من المدينة فسألوه الخبر.

فقال: تركت محمّدا وأصحابه بحمراء الأسد يطلبونكم جدّ الطّلب.

فقال أبو سفيان: هذا النّكد والبغي، فقد ظفرنا بالقوم وبغينا، واللّه ما أفلح قوم قطّ بغوا. فوافاهم  نعيم بن مسعود الأشجعيّ.

فقال أبو سفيان: أين تريد؟

قال: المدينة، لأمتار  لأهلي طعاما.

قال: هل لك أن تمرّ بحمراء الأسد وتلقى أصحاب محمّد وتعلمهم أنّ حلفاءنا وموالينا قد وافونا من الأحابيش، حتّى يرجعوا عنّا، ولك عندي عشرة قلائص أملؤها تمرا وزبيبا؟

قال: نعم. فوافى من غد  ذلك اليوم حمراء الأسد.

فقال لأصحاب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: أين تريدون؟

قالوا: قريشا.

قال: ارجعوا، فإنّ قريشا قد اجتمعت عليهم  حلفاؤهم ومن كان تخلّف عنهم، وما أظنّ إلّا وأوائل خيلهم يطلعون  عليكم السّاعة.

فقالوا: حسبنا اللّه ونعم الوكيل، ما نبالي.

فنزل  جبرئيل على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: ارجع يا محمّد، فإنّ اللّه قد أرعب  قريشا ومرّوا لا يلوون على شي‏ء. فرجع  رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-إلى المدينة، وأنزل اللّه: الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ (الآيات) .

 [و في تفسير فرات بن إبراهيم  الكوفيّ: قال: حدّثنا الحسين بن الحكم معنعنا، عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنه- في يوم أحد في قوله- تعالى-: الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ يعني الجراحة لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ [قال:]  نزلت في عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- وتسعة نفر  بعثهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في أثر أبي سفيان حين ارتحل، فاستجابوا للّه ولرسوله .]

 

الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ:

قيل : يعني، الرّكب الّذين استقبلوهم  من عبد قيس، أو نعيم بن مسعود الأشجعيّ.

و في مجمع البيان : عنهما- عليهما السّلام-: أنّ المراد نعيم‏

، وأطلق عليه النّاس لأنّه من جنسه، كما قال: فلان يركب الخيل، وماله إلّا فرس واحد. أو لأنّه انضمّ إليه ناس من المدينة وأذاعوا كلامه.

إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ، يعني أبا سفيان وأصحابه.

في مجمع البيان: في رواية أبي الجارود عن الباقر- عليه السّلام-: أنّها نزلت في غزوة بدر الصّغرى، وذلك أنّ أبا سفيان قال يوم أحد حين أراد أن ينصرف: يا محمّد، موعد ما بيننا وبينك موسم بدر الصّغرى لقابل إن شئت.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ذلك بيننا وبينك.

فلمّا كان العام المقبل، خرج أبو سفيان في أهل مكّة حتّى نزل مجنة من ناحيةالظهران، ثمّ ألقى اللّه عليه الرّعب فبدا له في الرّجوع ، فلقى نعيم بن مسعود الأشجعيّ وقد قدم معتمرا، فقال له أبو سفيان: إنّي وأعدت محمّدا وأصحابه أن نلتقي بموسم بدر الصغرى، وإنّ هذه عام جدب، ولا يصلحنا إلّا عام نرعى فيه الشّجر ونشرب فيه اللّبن، وقد بدا لي أن لا أخرج إليها، وأكره أن يخرج محمّد ولا أخرج أنا فيزيدهم ذلك جرأة، فالحق بالمدينة فثبّطهم، ولك عندي عشرة من الإبل أضعها على يد سهيل بن عمرو.

فأتى نعيم المدينة، فوجد النّاس يتجهّزون لميعاد أبي سفيان، فقال لهم: بئس الرّأي رأيكم ، أتوكم في دياركم وقراركم فلم يفلت منكم إلّا شريد، فتريدون أن تخرجوا وقد جمعوا لكم عند الموسم، فو اللّه لا يفلت منكم أحد. فكره أصحاب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- الخروج.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: والّذي نفسي بيده لأخرجنّ ولو وحدي، فأمّا الجبان فإنّه رجع، وأمّا الشّجاع فإنّه تأهّب للقتال، وقال: حسبنا اللّه ونعم الوكيل.

فخرج رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في أصحابه حتّى وافى  بدر الصّغرى- وهو ماء لبني كنانة، وكانت موضع سوق لهم في الجاهليّة يجتمعون إليها في كلّ عام ثمانية أيّام- فأقام ببدر ينتظر أبا سفيان، وقد انصرف أبو سفيان من مجنة إلى  مكّة، فسمّاهم أهل مكّة:

جيش السّويق، ويقولون: إنّما خرجتم تشربون السّويق. ولم يلق رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وأصحابه أحدا من المشركين ببدر، ووافو  السّوق، وكانت لهم تجارات، فباعوا وأصابوا للدرهم  درهمين، وانصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين.

فَزادَهُمْ إِيماناً:

الضّمير المستكنّ للمقول، أو لمصدر «قال» أو لفاعله.

و المعنى: أنّهم لم يلتفتوا إليه، ولم يضعفوا، بل ثبتت ثقتهم باللّه تعالى وازداد إيمانهم، وأظهروا حميّة الإسلام، وأخلصوا النّيّة عنده.

و فيه دلالة على أنّ الإيمان يزيد بكثرة التأمّل وتناصر الحج، وينقص بعروض الشّبه والمعارضات.وَ قالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ:

فحسبنا وكافينا، من أحسبه، إذا كفاه. ويدلّ على أنّه بمعنى: المحسب، أنّه لا يستفيد بالإضافة تعريفا في قولك: هذا رجل حسبك.

وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ : ونعم الموكول إليه هو.

في كتاب الخصال : عن الصّادق جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- قال: عجبت [لمن فزع‏]  من أربع كيف لا يفزع إلى أربع، عجبت لمن خاف كيف لا يفزع إلى قوله- تعالى-: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فإني سمعت اللّه- جلّ جلاله- يقول بعقبها :

فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ

 

 (الحديث).

و في تهذيب الأحكام : بإسناده الى الحسن بن عليّ بن عبد الملك الزّيّات، عن رجل، عن كرام، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: أربع لأربع، فواحدة للقتل والهزيمة، حسبنا اللّه ونعم الوكيل، يقول اللّه: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ.

 (الحديث).

فَانْقَلَبُوا: فرجعوا من بدر، بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ: عافية وثبات على الإيمان، وزيادة فيه.

وَ فَضْلٍ: وربح في التّجارة. فإنّهم لمّا أتوا بدرا وافوا بها سوقا، فاتّجروا وربحوا، لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ: من جراحة، وكيد عدوّ، وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ: بجرأتهم وخروجهم.

وَ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ : قد تفضّل عليهم بالتّثبيت، وزيادة الإيمان، والتّوفيق للمبادرة إلى الجهاد، والتّصلّب في الدّين، وإظهار الجرأة على العدوّ، وبالحفظ عن كلّ ما يسوؤهم، وإصابة النّفع مع ضمان الأجر، حتّى انقلبوا بنعمة منه وفضل.

و فيه تحسير وتخطئة للمتخلّف، حيث حرم نفسه ما فازوا به.و في تفسير العيّاشيّ : عن جابر، عن محمّد بن عليّ- عليهما السّلام- قال: لمّا وجّه النبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أمير المؤمنين وعمّار بن ياسر إلى أهل مكّة، قالوا: بعث هذا الصّبيّ ولو بعث غيره إلى أهل مكّة! وفي مكّة صناديد قريش ورجالها، واللّه الكفر أولى بنا  ممّا نحن فيه. فساروا وقالوا وخوّفوهما بأهل مكّة، وغلّظوا عليهما الأمر.

فقال عليّ- عليه السّلام-: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، ومضيا.

فلما دخلا مكّة أخبر  اللّه نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- بقولهم لعليّ وبقول عليّ لهم، فأنزل اللّه بأسمائهم في كتابه، وذلك قوله: «ألم تر إلى الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ وإنّما أنزلت «ألم تر» إلى فلان وفلان لقوا عليّا وعمّار فقالا: إنّ أبا سفيان وعبد اللّه بن عامر وأهل مكّة قد جمعوا لكم فاخشوهم، فزادهم  إيمانا وقالوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.

 [و في شرح الآيات الباهرة : ونقل ابن مردويه- من الجمهور- عن أبي رافع  أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وجّه عليّا- عليه السّلام- في نفر في طلب أبي سفيان فلقيه أعرابيّ من خزاعة، فقال له: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ، يعني، أبا سفيان وأصحابه.

فقالوا: يعني: عليّا وأصحابه: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فنزلت هذه الآية إلى قوله:

وَ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ.]

 

و أقول في الجمع بين الخبر الأوّل وهذان الخبران: الآية نزلت أوّلا على الوجه الأوّل كما في الخبر الأوّل، وجرت من اللّه في الوجه الثّاني، وفصّلت في الثّاني بالتصريح بالأسماء، فأثبت في القرآن على الوجه الأوّل.

إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ: يريد به المثبّط نعيما، أو أبا سفيان.

و «الشّيطان» خبر «ذلكم»  وما بعده بيان لشيطنته. أو صفة، وما بعده خبر.

و يجوز أن يكون الإشارة إلى قوله على تقدير مضاف، أي، إنّما ذلك قول الشّيطان، أي:

إبليس، يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ: القاعدين عن الخروج مع الرّسول، أو يخوّفكم أوليائه الّذين هم أبو سفيان وأصحابه.

فَلا تَخافُوهُمْ:

الضّمير «للنّاس» الثّانى، على الأوّل. وإلى «الأولياء» على الثّاني.

وَ خافُونِ: في مخالفة أمري، فجاهدوا مع رسولي.

إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ : فإنّ الإيمان، يقتضي إيثار خوف اللّه على خوف النّاس.

في أصول الكافي : بإسناده إلى الهيثم بن واقد قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: من خاف اللّه أخاف اللّه منه كلّ شي‏ء ومن لم يخف اللّه أخافه اللّه من كلّ شي‏ء.

و بإسناده إلى أبي حمزة  قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: من عرف اللّه خاف اللّه، ومن خاف اللّه سخت نفسه عن الدّنيا.

و في كتاب التّوحيد : بإسناده إلى عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- حديث طويل، وفيه قال- عليه السّلام-: خرجت حتّى انتهيت إلى هذا الحائط، فاتّكيت عليه، فإذا رجل عليه ثوبان أبيضان ينظر في وجهي، ثمّ قال [لي:]  يا عليّ بن الحسين ، مالي أراك كئيبا حزينا، أعلى الدّنيا حزنك فرزق اللّه حاضر للبر والفاجرّ؟ إلى أن قال: قلت:

أنا أتخوّف [من‏]  فتنة ابن الزّبير.فضحك، ثمّ قال لي: يا عليّ بن الحسين، هل رأيتك أحدا خاف اللّه فلم ينجه ؟

قلت: لا- إلى قوله- ثمّ نظرت فإذا ليس قدّامي أحد.

وَ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ: يقعون فيه سريعا، حرصا عليه، خوف أن يضرّوك ويعينوا عليك، وهم المنافقون من المتخلّفين. أو قوم ارتدّوا عن الإسلام.

إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً، أي: أولياءه. و«شيئا» يحتمل المفعول والمصدر.

و قرأ نافع: «يحزنك» بضمّ الياء وكسر الزّاء، حيث وقع، ما خلا قوله في الأنبياء : «لا يحزنهم الفزع الأكبر» فإنّه فتح الياء وضمّ الزّاء فيه. والباقون كذلك في الكلّ .

يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ: نصيبا من الثّواب فيها. وهو يدلّ على تمادي طغيانهم وموتهم على الكفر، وأنّ كفرهم بلغ الغاية، حتّى أراد- أرحم الرّاحمين- أن لا يكون لهم حظّ من رحمته.

وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ : مع الحرمان عن الثّواب.

إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ :

تكرير للتّأكيد. أو تعميم للكفرة بعد تخصيص ما نافق من المتخلّفين، أو ممّن ارتدّ من الأعراب.

وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ: خطاب للرّسول- صلّى اللّه عليه وآله- أو لكلّ من يحسب.

و «الّذين كفروا» مفعول، و«أنّ» مع اسمها وخبرها  بدل منه، وإنّما اقتصر على مفعول واحد، لأنّ التّعويل على البدل، وهو ممّا ينوب عن المفعولين. أو مفعول ثان على تقدير مضاف، أي ولا تحسبنّ الّذين كفروا أصحاب أنّ الإملاء خير لأنفسهم، أو ولا تحسبنّ حال الّذين كفروا أنّ الإملاء خير لأنفسهم.و «ما» مصدريّة، ويحتمل الموصولة بحذف العائد، وكان حقّها أن تنفصل في الخطّ لكنّها وقعت متّصلة في قرآن عثمان فاتّبع.

و قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم والكسائيّ ويعقوب، بالياء، على أنّ «الّذين» فاعل وأنّ مع ما في حيّزه مفعول. وفتح سينه- في جميع القرآن- ابن عامر وعاصم وحمزة .

و الإملاء، الإمهال، وإطالة العمر.

و قيل : تخليتهم وشأنهم، من أملى لفرسه، إذا أرخى له الطّول ليرعى كيف شاء.

إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً: استئناف بما هو العلّة للحكم قبلها. و«ما» كآفّة.

و اللّام، للعاقبة، أي، يكون عاقبة أمرهم ازدياد الإثم.

و قرئ: «أنّما» بالفتح، وبكسر الأولى. و«لا يحسبنّ» بالياء، على معنى:

و لا يحسبنّ الّذين كفروا أنّ إملاءنا لهم لازدياد الإثم، بل للتّوبة والدّخول في الإيمان. و«إنّما نملي لهم» اعتراض، معناه، أنّ إملاءنا لهم خير إن انتبهوا وتداركوا فيه ما فرط  منهم.

وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ : على هذا يجوز أن يكون حالا من الواو، أي:

ليزدادوا إثما، معدّا لهم عذاب مهين.

و في تفسير العيّاشيّ : عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال:

قلت له: أخبرني عن الكافر، الموت خير له أم الحياة؟

فقال: الموت خير للمؤمن والكافر.

قلت: ولم؟

قال: لأنّ اللّه يقول: وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ ويقول: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ.

و عن يونس  رفعه- قال: قلت له: زوّج رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ابنته فلانا.

قال: نعم.قلت: فكيف زوجّه الأخرى؟

قال: قد فعل، فأنزل اللّه: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ- إلى- عَذابٌ مُهِينٌ.

 

ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ قيل : الخطاب لعامّة المخلصين والمنافقين في عصره.

و المعنى: لا يترككم مختلطين لا يعرّف مخلصكم من منافقكم حتّى يميز المنافقين من المخلصين  بالوحي إلى نبيّه [- صلّى اللّه عليه وآله-] بأحوالكم، أو بالتّكاليف الشّاقّة الّتي لا يصبر عليها ولا يذعن لها إلّا الخلّص المخلصون منكم، كبذل الأنفس والأموال في سبيل اللّه، ليختبر [النبيّ به‏]  بواطنكم وليستدلّ به على عقائدكم.

و في تفسير العيّاشيّ : عن عجلان أبي  صالح قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: لا تمضي الأيّام واللّيالي حتّى ينادي مناد من السّماء يا أهل الحقّ اعتزلوا، يا أهل الباطل اعتزلوا، فيعزل هؤلاء عن هؤلاء [و يعزل هؤلاء من هؤلاء.

قال:]  قلت: أصلحك اللّه، يخالط هؤلاء هؤلاء بعد ذلك النّداء؟

قال: كلا [، إنّه‏]  يقول في الكتاب: ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ.

 

و في كتاب مقتل الحسين- عليه السّلام- لأبي مخنف : قال الضّحّاك بن‏

 عبد اللّه

: مرّت بنا خيل ابن سعد- لعنه اللّه- تحرسنا، وكان  الحسين- عليه السّلام- يقرأ: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ.

 

و قرأ حمزة والكسائيّ: «حتّى يميّز» من التفعيل هنا وفي الأنفال .

وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ: ما كان اللّه ليؤتي أحدكم علم الغيب، فيطّلع على ما في القلوب من كفر أو إيمان، ولكنّه يجتبي لرسالته من يشاء فيوحي ويخبره ببعض المغيبات، أو بنصب ما يدلّ عليها.

فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ: بصفة الإخلاص. أو بأن تعلموه وحده مطّلعا على الغيب، وتعلموهم عبادا مجتبين، لا يعلمون إلّا ما علّمهم اللّه، ولا يقولون إلّا ما أوحي إليهم.

نقل : أنّ الكفرة قالوا: إن كان محمّد صادقا فليخبرنا من يؤمن منّا ومن يكفر، فنزلت.

و عن السّديّ أنّه- عليه السّلام- قال: عرضت عليّ أمّتي وأعلمت من يؤمن ومن يكفر.

فقال المنافقون: إنّه يزعم أنّه يعرف من يؤمن به ومن يكفر ونحن معه ولا يعرفنا، فنزلت.

وَ إِنْ تُؤْمِنُوا حقّ الإيمان، وَتَتَّقُوا النّفاق.

فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ : لا يقادر قدره.

وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ:

من قرأ، بالتّاء، قدّر مضافا، أي: لا تحسبنّ الّذين يبخلون هو خيرا لهم. وكذا من قرأ، بالياء، إن جعل الفاعل ضمير الرّسول أو من «يحسب»، وإن جعله الموصول كان‏المفعول الأوّل محذوفا، أي: لا يحسبنّ البخلاء بخلهم هو خيرا لهم .

بَلْ هُوَ، أي: البخل، شَرٌّ لَهُمْ: لاستجلاب العقاب عليهم.

سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ: بيان لذلك، أي: سيلزمون وبال ما بخلوا به إلزام الطّوق. أو يطوّقون بما بخلوا به يوم القيامة.

في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد اللّه بن مسكان، عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ- سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ.

 

فقال: يا محمّد، ما من أحد يمنع من زكاة ماله شيئا إلّا جعل اللّه- عزّ وجلّ- ذلك يوم القيامة ثعبانا من نار مطوّقا في عنقه ينهش من لحمه حتّى يفرغ من الحساب.

ثمّ قال: [و هو قول‏]  اللّه- عزّ وجلّ-: سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ، يعني: ما بخلوا به من الزّكاة.

يونس، عن عبد اللّه بن سنان ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ما من ذي زكاة مال أو نخل أو زرع أو كرم يمنع زكاة ماله إلّا قلّده اللّه تربة أرضه، يطوّق بها من سبع أرضين إلى يوم القيامة.

عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: ما من عبد يمنع درهما في حقّه إلّا أنفق اثنين في غير حقّه، وما من رجل يمنع حقّا من ماله إلّا طوّقه اللّه- عزّ وجلّ- به حيّة من نار يوم القيامة.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن مهران، عن ابن مسكان، عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-:

سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ.

 

قال: ما من عبد يمنع  من زكاة ماله شيئا إلّا جعل اللّه له ذلك يوم القيامة ثعبانامن نار، يطوّق في عنقه ينهش من لحمه حتّى يفرغ من الحساب، وهو قول اللّه- عزّ وجلّ-:

سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ قال: ما بخلوا به من الزّكاة.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن أيّوب بن راشد قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: مانع الزكاة يطوّق بحيّة قرعاء تأكل  من دماغه، وذلك قوله- عزّ وجلّ-: سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ.

 

عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، عن محمّد بن خالد، عن خلف بن  حمّاد، عن حريز قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: ما من ذي مال ذهب أو فضّة يمنع زكاة ماله إلّا حبسه اللّه يوم القيامة بقاع قرقر، وسلّط عليه شجاعا أقرع يريده وهو يحيد عنه، فإذا رأى أنّه لا مخلص  له [منه‏]  أمكنه من يده فقضمها كما يقضم الفجل، ثمّ يصير طوقا في عنقه، وذلك قول اللّه- عزّ وجلّ-: سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وما من ذي مال إبل أو غنم أو بقر يمنع زكاة ماله إلّا حبسه اللّه يوم القيامة بقاع قرقر، يطأه كلّ ذات ظلف بظلفها وينهشه كلّ ذات ناب بنابها، وما من ذي مال نخل أو كرم أو زرع يمنع زكاتها إلّا طوّقه اللّه ريعة أرضه إلى سبع أرضين إلى يوم القيامة.

وَ لِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: وله ما فيهما ممّا يتوارث، فما لهؤلاء يبخلون بماله ولا ينفقونه في سبيله؟ أو أنّه يرث منهم ما يمسكونه ولا ينفقونه في سبيله بهلاكهم، ويبقى عليهم الحسرة والعقوبة.

وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ من المنع، والإعطاء، خَبِيرٌ : فيجازيكم.

و قرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائيّ، بالتّاء، على الالتفات، وهو أبلغ في الوعيد .