سورة آل عمران الآية 81-100

وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ:

قيل : إنّه على ظاهره، وإذا كان هذا حكم الأنبياء، كان الأمم به أولى.

و في مجمع البيان : وروي عن أمير المؤمنين - عليه السّلام-: أنّ اللّه- تعالى-أخذ الميثاق على الأنبياء [قبل نبيّنا- صلّى اللّه عليه وآله-]  أن يخبروا أمهم بمبعثه ونعته ، ويبشّروهم به، ويأمروهم بتصديقه.

و قيل : معناه: أنّه تعالى أخذ الميثاق من النّبيّين وأممهم، واستغنى بذكرهم عن ذكر الأمم.

و قيل: إضافة الميثاق إلى النبيّين، إضافته  إلى الفاعل، والمعنى. وإذ أخذ اللّه الميثاق الّذي واثقه  الأنبياء على أممهم.

و قيل : المراد أولاد النّبيين، على حذف المضاف، وهم بنو إسرائيل . وسمّاهم نبيّين تهكّما، لأنّهم كانوا يقولون: نحن أولى بالنّبوّة من محمّد، لأنّا أهل الكتاب، والنّبيّون كانوا منّا.

و في تفسير العيّاشيّ : عن الباقر- عليه السّلام-: أنّه طرح عنها لفظ الأمم.

و قال الصّادق- عليه السّلام - تقديره، وإذا أخذ اللّه ميثاق أمم النّبيّين بتصديق نبيّها، والعمل بما جاءهم به، وأنّهم خالفوهم فيما بعد.

لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ:

  «الّلام» موطّئة للقسم، لأنّ أخذ الميثاق، بمعنى: الاستحلاف. و«ما» تحتمل الشّرطيّة أو الخبريّة.

و قرأ حمزة «لما» بالكسر على أنّ «ما» مصدريّة، أي: لأجل إيتائي إيّاكم بعض الكتاب والحكمة، ثمّ لمجي‏ء رسول مصدّق له أخذ اللّه الميثاق .

و قرئ «لما» بمعنى: حين آتيتكم، أو لمن أجل ما آتيتكم، على أنّ أصله «لمن ما» بالإدغام، فحذفت إحدى الميمات الثّلاث استثقالا .

و قرأ نافع «آتيناكم» بالنون، بصيغة المتكلّم مع الغير . فإن كان أخذ الميثاق‏

على النّبيّين، فإيتاء الكتاب والحكمة إليهم أنفسهم. وإن كان على الأمم، فإيتائهما إلى أنبيائهم، وهو الإيتاء إليهم.

ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ: وهو محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- المصدّق لما معهم من الكتب السّابقة، لكونه موصوفا بصفات ذكرت فيها لخاتم النّبيّين.

لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ: جواب القسم، وسادّ مسدّ الشّرط على تقدير، وأحدهما على تقدير آخر، أي: أخذ الميثاق على النّبيّين، أو على أممهم، أو عليهم وعلى أممهم لتؤمننّ بذلك الرّسول ولتنصرنّه. ونصرته- صلّى اللّه عليه وآله- من الأنبياء السّابقة، أن يخبروا أممهم بأن يؤمنوا به وبأوصيائه.

 [و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن النّضر بن سويد، عن يحيى الحلبيّ، عن ابن سنان قال: قال: ابو عبد اللّه- عليه السّلام-: أوّل من سبق رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله- إلى أن قال: ثمّ أخذ بعد ذلك ميثاق رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- على الأنبياء له بالأمان ، وعلى أن  ينصروا أمير المؤمنين، فقال: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ- يعني، رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ- يعني، أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه- تخبروا  أممكم بخبره وخبر وليّه من الأئمّة.

و في مجمع البيان :]  وقد روى عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه قال:

لم يبعث اللّه نبيّا، آدم ومن بعده، إلّا أخذ عليه العهد لئن بعث اللّه محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- وهو حيّ ليؤمننّ به ولينصرنّه، وأمره أن يأخذ العهد بذلك على قومه.

و من جملة نصرته، أن ينصر أمير المؤمنين- عليه السّلام- في الرّجعة.

 [و في تفسير العيّاشيّ : عن حبيب السّجستانيّ قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- تعالى-: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ  مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ‏

 فكيف يؤمن موسى بعيسى وينصره ولم يدركه، وكيف يؤمن عيسى بمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- وينصره ولم يدركه؟

فقال: يا حبيب، إنّ القرآن قد طرح منه آي كثيرة، ولم يزد فيه إلّا حروف أخطأت بها الكتبة وتوهّمتها  الرّجال، وهذا وهم، فاقرأها: وإذ أخذ الله ميثاق [أمم‏]  النبيين لما آتيتكم  من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه، هكذا أنزلها اللّه يا حبيب، فو اللّه ما وفت أمّة من الأمم، الّتي كانت قبل موسى، بما أخذ اللّه عليها من الميثاق لكلّ نبيّ بعثه اللّه بعد نبيّها- عليهم السّلام-.

و ذكر- عليه السّلام- كلاما طويلا في تكذيب الأمم أنبيائها، تركناه خوف الإطالة.

عن بكير  قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: إنّ اللّه أخذ  ميثاق شيعتنا بالولاية لنا وهم ذرّ، يوم أخذ الميثاق على الذّرّ بالإقرار له بالرّبوبيّة، ولمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- بالنّبوة، وعرض اللّه على محمّد آله  الطّيّبين وهم أظلّة.

قال: وخلقهم من الطّين الّذي  خلق منها آدم.

قال: وخلق أرواح شيعتنا قبل أبدانهم بألفي عام، وعرض عليهم وعرّفهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- [و]  عليّا- عليه السّلام- ونحن نعرفهم في لحن القول.

عن زرارة  قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام- أ رأيت حين أخذ اللّه الميثاق على الذّرّ في صلب آدم، فعرضهم على نفسه، كانت معاينة منهم له؟

قال: نعم يا زرارة، وهم ذرّ بين يديه وأخذ عليهم بذلك الميثاق بالرّبوبيّة [له‏]  ولمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- بالنّبوّة، ثمّ كفل لهم بالأرزاق وأنساهم رؤيته  وأثبت في‏قلوبهم معرفته، فلا بدّ من أن يخرج [اللّه‏]  إلى الدّنيا كلّ من أخذ عليه الميثاق، فمن جحد ممّا  أخذ عليه الميثاق لمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- لم ينفعه إقراره لربّه بالميثاق، ومن لم يجحد ميثاق محمّد نفعه الميثاق لربّه.]

 

عن فيض بن أبي شيبة  قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول:- وتلا هذه الآية-: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ  (الآية) قال: لتؤمننّ برسول اللّه ولتنصرنّ أمير المؤمنين.

قلت: ولتنصرنّ أمير المؤمنين ؟

قال: نعم، من آدم فهلمّ جرّا، ولا يبعث اللّه نبيّا ولا رسولا إلّا ردّ إلى الدّنيا، حتّى يقاتل بين يدي أمير المؤمنين.

عن سلام بن المستنير ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لقد تسمّوا باسم ما سمّى اللّه به أحدا إلّا عليّ بن أبي طالب، وما جاء تأويله.

قلت: جعلت فداك متى يجي‏ء تأويله؟

قال: إذا [جاء]  جمع اللّه إمامة النّبيّين والمؤمنين حتّى ينصروه، وهو قول اللّه تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ (الآية)  فيومئذ يدفع راية رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- اللواء إلى عليّ بن أبي طالب، فيكون أمير الخلائق كلّهم أجمعين، يكون الخلائق كلّهم تحت لوائه ويكون هو أميرهم. [فهذا تأويله.]

 

 [و في شرح الآيات الباهرة : روي عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه قال: إنّ‏اللّه أخذ الميثاق على الأنبياء أن يخبروا أممهم  بمبعث رسول اللّه، وهو محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- ونعته وصفته، ويبشّروهم به ويأمروهم بتصديقه ويقولوا: هو  مصدّق لما معكم من كتاب وحكمة، وإنّما اللّه أخذ ميثاق الأنبياء ليؤمننّ به ويصدّقوا بكتابه- وحكمته، كما صدّق بكتابهم وحكمتهم.

و قوله: ولتنصرنّه، يعني، ولتنصروا وصيّه. ]

 

و روى الحسن بن أبي الحسن الدّيلميّ- رحمه اللّه - في كتابه: بإسناده عن فرج ابن أبي شيبة قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول:- وقد تلا هذه الآية-: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ- يعني: رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وَلَتَنْصُرُنَّهُ، يعني: وصيّه أمير المؤمنين- عليه السّلام- ولم يبعث اللّه نبيّا ولا رسولا، إلّا وأخذ عليه الميثاق لمحمّد بالنّبوّة، ولعليّ بالإمامة.

و ذكر صاحب  «كتاب الواحدة»  قال: روى أبو محمّد الحسن بن عبد اللّه الأطروش الكوفيّ قال: حدثنا أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد البجليّ قال: حدّثني أحمد بن محمّد بن خالد البرقيّ قال: حدّثني عبد الرّحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر الباقر- عليه السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه-: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- أحد واحد تفرد في وحدانيّته، ثمّ تكلّم بكلمة فصارت نورا، ثمّ خلق من ذلك النّور محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- وخلقني وذرّيّتي، ثمّ تكلّم بكلمة فصارت روحا، فأسكنه اللّه في ذلك النّور وأسكنه في أبداننا.

فنحن روح اللّه وكلماته فبنا احتجب عن  خلقه، فما زلنا في ظلّة خضراء حيث لا شمس ولا قمر ولا ليل ولا نهار ولا عين تطرف، نعبده ونقدّسه ونسبّحه، وذلك قبل أن يخلق خلقه، وأخذ ميثاق الأنبياء بالإيمان والنّصرة لنا، وذلك قوله- عزّ وجلّ-: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ‏

 - يعني: لتؤمنن بمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- ولتنصرنّ وصيّه- وسينصرونه  جميعا.

و إنّ اللّه أخذ ميثاقي مع ميثاق محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- بنصرة  بعضنا لبعض، لقد نصرت محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- وجاهدت بين يديه، وقتلت عدوّه ووفيت اللّه  بما أخذ عليّ من الميثاق والعهد والنّصرة لمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- ولم ينصرني أحد من أنبياء اللّه  ورسله وذلك لمّا قبضهم اللّه إليه، وسوف ينصرونني ، ويكون لي ما بين مشرقها إلى مغربها، وليبعثهم اللّه أحياء من آدم إلى محمّد- صلّى اللّه عليه وآله وسلّم- وكلّ نبيّ مرسل، يضربون بين يديّ بالسّيف هام الأموات والأحياء والثّقلين جميعا.

فيا عجباه! وكيف لا أعجب من أموات يبعثهم اللّه أحياء، يلبّون زمرة زمرة بالتّلبية: لبّيك لبّيك يا داعي اللّه، قد أضلّوا بسكك الكوفة، قد شهروا سيوفهم على عواتقهم، يضربون بها هام الكفرة وجبابرتهم وأتباعهم من جبابرة الأوّلين والآخرين، حتى ينجز اللّه ما وعدهم في قوله- عزّ وجلّ : وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً، أي: يعبدونني آمنين لا يخافون أحدا في عبادتي، ليس عندهم تقيّة. وإنّ لي الكرّة بعد الكرّة، والرّجعة بعد الرّجعة، وأنا صاحب الرّجعات والكرّات وصاحب الصّولات  والنّقمات والدّولات العجيبات، وأنا قرن من حديد الحديد .قالَ أَ أَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي: أي: عهدي. سمي به، لأنّه يوصر، أي: يشدّ.

و قرئ، بالضّمّ. وهو إمّا لغة فيه، كعبر وعبر. أو جمع إصار، وهو ما يشدّ به .

قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا، أي فليشهد بعضكم لبعض.

و قيل : الخطاب [فيه‏]  للملائكة.

وَ أَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ : وأنا أيضا على إقراركم وتشاهدكم شاهد، وهو تحذير عظيم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن مسكان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: ما بعث اللّه نبيّا من لدن آدم فهلمّ جرّا إلّا ويرجع إلى الدّنيا وينصر أمير المؤمنين، وهو قوله: لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ، يعني: رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وَلَتَنْصُرُنَّهُ، يعني: أمير المؤمنين- عليه السّلام- ثمّ قال لهم في الذّرّ : أَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي؟ أي عهدي.

قالُوا: أَقْرَرْنا.

 

قال اللّه للملائكة: فَاشْهَدُوا  وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ.

 

و عن الصّادق - عليه السّلام-: ثمّ قال لهم في الذّرّ: أَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي، أي: عهدي؟ قال اللّه للملائكة: فَاشْهَدُوا.

 

و في مجمع البيان : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: أقررتم  وأخذتم العهد بذلك على أممكم؟

قالوا، أي: قال الأنبياء وأممهم: أقررنا بما أمرتنا بالإقرار به.قال اللّه: فاشهدوا بذلك على أممكم، وأنا معكم من الشاهدين عليكم وعلى أممكم .

فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ: بعد الميثاق والتوّكيد بالإقرار والشّهادة.

فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ : المتمرّدون من الكفرة أَ فَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ: عطف على الجملة المتقدّمة، والهمزة متوسّطة بينهما للإنكار. أو محذوف تقديره: أ يتولّون، أ فغير دين اللّه يبغون؟ وتقديم المفعول لأنّه المقصود بالإنكار.

و الفعل بلفظ الغيبة، عند أبي عمرو وعاصم، في رواية حفص ويعقوب.

و بالتّاء، عند الباقين، على تقدير: وقل لهم .

 [و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ثمّ قال- عزّ وجلّ-: أَ فَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ. قال:

ا فغير هذا الدّين  قلت لكم أن تقرّوا بمحمّد ووصيّه- صلّى اللّه عليه وآله-.]

وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً، أي: طائعين بالنّظر واتّباع الحجّة، وكارهين بالسّيف ومعاينة ما يلجئ إلى الإسلام، كشقّ الجبل وإدراك الغرق والإشراف على الموت. أو مختارين كالملائكة والمؤمنين، ومسخّرين كالكفرة، فإنّهم لا يقدرون أن يمتنعوا عمّا قضي عليهم.

و في مجمع البيان : طَوْعاً وَكَرْهاً [قيل:]  فيه أقوال- إلى قوله-:

و خامسها، أنّ معناه: أكره أقوام على الإسلام وجاء أقوام طائعين.

و هو المرويّ عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: كرها، أي: فرقا من السّيف.

وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ :

و قرئ بالياء، على أنّ الضّمير «لمن» .

و في تفسير العيّاشيّ : عن عمّار بن [أبي‏]  الأحوص، عن أبي عبد اللّه‏

 - عليه السّلام-: أنّ اللّه- تبارك وتعالى- خلق في مبتدأ  الخلق بحرين: أحدهما عذب فرات والآخر ملح أجاج، ثمّ خلق تربة آدم من البحر العذب الفرات، ثمّ أجراه على البحر الأجاج، فجعله حمأ مسنونا وهو خلق آدم، ثمّ قبض قبضة من كتف آدم الأيمن فذرأها في صلب آدم، فقال: هؤلاء في الجنّة ولا أبالي- إلى قوله- فاحتجّ يومئذ أصحاب الشّمال- وهم ذرّ- على خالقهم، فقالوا: يا ربّنا بم  أوجبت لنا النّار، وأنت الحكم العدل، من قبل أن تحتجّ علينا وتبلونا بالرّسل وتعلم طاعتنا لك ومعصيتنا؟

فقال اللّه- تبارك وتعالى: [فأنا أخبركم بالحجة عليكم الآن، في الطاعة والمعصية والإعذار بعد الإخبار.

قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: فأوحى اللّه‏]  لمالك  خازن النّار: مر النّار تشهق ثمّ تخرج عنقا منها، فخرجت لهم، ثمّ قال اللّه لهم: ادخلوها طائعين.

فقالوا: لا ندخلها  طائعين [ثم‏]  قال: ادخلوها طائعين، أو لأعذّبنّكم بها كارهين.

قالوا: إنّما هربنا إليك منها وحاججناك فيها حيث أوجبتها علينا وصيّرتنا من أصحاب الشّمال، فكيف ندخلها طائعين؟ ولكن ابدأ بأصحاب  اليمين في دخولها، كي تكون قد عدلت فينا وفيهم.

قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: فأمر أصحاب اليمين، وهم ذرّ بين يديه بقوله - تعالى-: ادخلوا هذه النّار طائعين.

قال: فطفقوا يتبادرون في دخولها، فولجوا فيها جميعا، فصيّرها اللّه عليهم بردا وسلاما، ثمّ أخرجهم منها، ثمّ أنّ اللّه- تبارك وتعالى- نادى في أصحاب اليمين وأصحاب الشّمال: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟

فقال  أصحاب اليمين: بلى يا ربّنا نحن بريّتك وخلقك مقرّين  طائعين. وقال‏أصحاب الشّمال: بلى يا ربّنا، نحن بريّتك وخلقك كارهين. وذلك قول اللّه- تعالى-: وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ.

 

قال: توحيدهم للّه.

عن عباية الأسديّ

 أنّه سمع أمير المؤمنين- عليه السّلام- يقول: وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ، أ كان ذلك بعد ؟

قلت: نعم، يا أمير المؤمنين.

قال: كلا والّذي نفسي بيده، حتّى تدخل المرأة بمن عذب آمنة ، لا تخاف  حيّة ولا عقربا فما سوى ذلك.

عن صالح بن ميثم  قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه: وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً.

 

قال: ذلك حين يقول عليّ- عليه السّلام-: أنا أولى النّاس بهذه الآية :

وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا [وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ‏] - الى قوله- كاذِبِينَ.

 

عن رفاعة بن موسى  قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً، قال: إذا قام القائم- عليه السّلام- لا تبقى أرض إلّا نودي فيها بشهادة  أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمّدا رسول اللّه.

عن ابن بكير  قال: سألت أبا الحسن- عليه السّلام- عن قوله: وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ .

 

قال: أنزلت في القائم- عليه السّلام- إذا خرج باليهود والنّصارى والصّابئين والزّنادقة وأهل الرّدّة والكفّار في شرق الأرض وغربها فعرض عليهم الإسلام، فمن أسلم طوعا أمره بالصّلاة والزّكاة وما يؤمر به المسلم ويحبّ اللّه  عليه، ومن لم يسلم ضرب عنقه، حتّى لا يبقى في المشارق والمغارب أحد إلّا وحّد اللّه.

قلت له: جعلت فداك، إنّ الخلق أكثر من ذلك.

فقال: إنّ اللّه إذا أراد أمرا قلّل الكثير وكثّر القليل.

و في كتاب التّوحيد ، أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن إبراهيم ابن هاشم ويعقوب بن يزيد جميعا عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن زرارة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سمعته وهو  يقول في قوله- عزّ وجلّ-: وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً.

 

قال: قال: توحيدهم [للّه‏] - عزّ وجلّ-.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن عبد اللّه بن جعفر، عن السّياريّ، عن محمّد بن بكر، عن أبي الجارود، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه قام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ دابّتي استصعبت عليّ وأنا منها على وجل.

فقال: اقرأ في أذنها اليمنى: وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ. فقرأها، فذلّت له دابّته.

و الحديث طويل، أخذنا معه موضع الحاجة.

و في الكافي : أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب ، عن أبي عبيدة، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: أيّما دابّة استصعبت على صاحبها من لجام ونفار، فليقرأ في أذنها أو عليها: أَ فَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ.

 

و في أمالي شيخ الطّائفة- قدّس سرّه -: بإسناده إلى الصّادق- عليه السّلام-

 أنّه قال له أشجع السّلميّ: إنّي  كثير الأسفار، وأحصل في المواضع المفزعة، فعلّمني ما آمن به على نفسي.

فقال : إذا  خفت أمرا فاترك يمينك  على أمّ رأسك، واقرأ برفيع صوتك:

أَ فَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ.

 

قال: أشجع : فحصلت في واد  تعبث فيه الجنّ فسمعت قائلا يقول: خذوه، فقرأتها، فقال قائل: كيف نأخذه وقد احتجب  بآية طيّبة؟

و في من لا يحضره الفقيه  في وصيّة النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- لعليّ- عليه السّلام-: يا عليّ، من استصعب عليه دابّته، فليقرأ في أذنها اليمنى : وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ.

 

قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ: أمر للرسول- صلّى اللّه عليه وآله وسلّم- بأن يخبر عن نفسه ومتابعيه بالإيمان والقرآن، كما هو منزل عليه منزل عليهم، بتوسّط تبليغه إليهم، وأيضا المنسوب إلى واحد من الجمع قد ينسب إليهم، أو بأن يتكلّم عن نفسه على طريقة الملوك إجلالا له.

و النّزول كما يعدّى «بإلى» لأنّه ينتهي إلى الرّسل يعدّى «بعلى» لأنّه من فوق.

و إنّما قدّم المنزل عليه على المنزل على سائر الرّسل، لأنّه المعرّف له والمعيار عليه.

لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ: بالتّصديق والتّكذيب.

وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ : منقادون. أو مخلصون في عبادته.

وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً: أي: غير التّوحيد، والانقياد لحكم اللّه.

 [و في نهج البلاغة

: أرسله بحجّة كافية، وموعظة شافية، ودعوة متلاقية ، أظهر به‏الشّرائع المجهولة، وقمع به البدع المدخولة، وبيّن الأحكام المفصولة، مَنْ  يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً متحقّق  شقوته وتنفصم عروته وتعظم كبوته، ويكون ما به إلى الحزن  الطّويل والعذاب الوبيل.]

 

فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ : الواقعين في الخسران، والمعنى: أنّ المعرض عن الإسلام والطّالب لغيره، فاقد للنّفع، واقع في الخسران، بإبطال الفطرة السّليمة الّتي فطر النّاس عليها.

قال البيضاويّ : واستدلّ به على أنّ الإيمان هو الإسلام، إذ لو كان غيره لم يقبل.

و الجواب: إنّه ينفي قبول كلّ دين يغايره، لا قبول كلّ ما يغايره، ولعلّ الدّين أيضا الأعمال .

و فيه: أنّ من قال: بأنّ الإيمان غير الإسلام، يقول: بأنّه دين غيره. والاستدلال إنّما هو عليه، والمقصود، أنّ الإسلام والإيمان واحد يسمّى إسلاما وإن كان قبل رسوخه ودخوله في القلب، ولا يسمّى إيمانا إلّا بعد دخوله ورسوخه فيه، والآية تدلّ على اتّحادهما، والفرق يعلم من موضع آخر.

كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ: استبعاد لأن يهديهم اللّه، فإنّ الحائد عن الحقّ- بعد ما وضح له- منهمك في الضّلال، بعيد عن الرّشاد.

و قيل : نفي وإنكار له. وذلك يقتضي أن لا تقبل توبة المرتدّ، وهذا حقّ في حقّ الرّجل المولود على الإسلام، دون المولود على الكفر والمرأة.

و يمكن أن يقال: المتبادر من بعد إيمانهم كونهم مؤمنين بحسب الفطرة، ومن جاءهم البيّنات الرّجال، وكذا سياق الآية، ولفظ «قوما» والضّمائر الرّاجعة إليه قرينة التّخصيص بالرّجال، وحينئذ يكون استثناء إِلَّا الَّذِينَ تابُوا منقطعا.و يجوز أن يكون قَوْماً كَفَرُوا على عمومه لقسمي الرّجال، فيكون الاستثناء منقطعا  متّصلا. و«شهدوا» عطف على ما في إيمانهم من معنى الفعل، أي: آمنوا وشهدوا. أو حال بإضمار «قد» من فاعل «كفروا».

قال البيضاويّ : وهو على الوجهين، دليل على أنّ الإقرار باللّسان خارج عن حقيقة الإيمان.

و فيه: أنّه يحتمل أن يكون في العطف أو جعله قيدا، لكونه أهمّ أجزاء الإيمان، وأنفع في ترتّب الآثار عليه.

وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ : الّذين وضعوا الكفر موضع الإيمان، بعد أن جاءهم البيّنات. ووضع المظهر موضع المضمر للإشعار بالعلّيّة.

و قيل : الّذين ظلموا أنفسهم، بالإخلال بالنّظر ووضع الكفر موضع الإيمان، فكيف من جاءه  الحقّ وعرفه ثمّ أعرض عنه؟

أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ : فيه تصريح بوجوب لعن من كفر بعد الإيمان، والعلم بحقيّة  الرّسول ومجي‏ء البيّنات، لأنّه تعالى قال: جزاؤهم هو لعن اللّه والملائكة والنّاس. وإذا كان جزاؤهم ذلك، وأخبر اللّه بأنّ جزاءهم من الملائكة والنّاس ذلك، لم يجز للملائكة والنّاس ترك ما جعله اللّه جزاء شي‏ء، بل يجب عليهم الإتيان به. فهذا وإن لم يكن في صورة الأمر، لكن يفيد بمادّته الوجوب.

خالِدِينَ فِيها، أي: في اللّعنة.

لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ  إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ، أي:

بعد الارتداد، وَأَصْلَحُوا: ما أفسدوا، أو دخلوا في الصّلاح، فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ: يقبل توبته، رَحِيمٌ : يتفضّل عليه.

و في مجمع البيان  قيل: نزلت الآيات في رجل من الأنصار، يقال له: الحارث بن‏سويد بن الصّامت، وكان قتل المحذر بن زياد البلويّ غدرا، وهرب  وارتدّ عن الإسلام ولحق بمكّة، ثمّ ندم، فأرسل إلى قومه أن يسألوا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- هل لي من توبة؟ فسألوا فنزلت [الآية]  إلى قوله: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا، فحملها رجل من قومه اليه، فقال: إنّي لأعلم أنّك لصدوق ورسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أصدق منك، وإنّ اللّه تعالى أصدق الثلاثة، ورجع إلى المدينة وتاب وحسن إسلامه. وهو المرويّ عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-.

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً، كاليهود، كفروا بعيسى والإنجيل بعد الإيمان بموسى والتوراة، ثمّ ازدادوا كفرا بمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- والقرآن. أو كفروا بمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- بعد ما آمنوا به قبل مبعثه، ثمّ ازدادوا كفرا بالإصرار والعناد  والطّعن فيه والصّدّ عن الإيمان به ونقض الميثاق. أو كقوم ارتدّوا ولحقوا بمكّة، ثمّ ازدادوا كفرا لقولهم: نتربّص بمحمّد ريب المنون أو نرجع إليه وننافقه بإظهاره. أو كقوم كفروا بما نصّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- في وصيّه عند شياطينهم، بعد ما آمنوا به عنده، ثمّ ازدادوا كفرا بادّعاء الخلافة والوصاية لأنفسهم.

لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ: لأنّهم لا يتوبون. أو لا يتوبون، إلّا عند اليأس ومعاينة الموت.

أو لأنّ توبتهم لا تكون إلّا نفاقا. فعدم قبول توبتهم لعدم كونها توبة حقيقة لا لكفر نعم وازدياد كفرهم. ولذلك لم يدخل الفاء فيه بخلاف الموت على الكفر، فإنّه سبب لعدم قبول الفدية، فدخل الفاء فيه.

وَ أُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ : الثّابتون على الضّلال.

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْ‏ءُ الْأَرْضِ ذَهَباً:

مل الشي‏ء، ما يملأه. وذهبا تمييز.

و قرئ بالرّفع على البدل، من «مل الأرض»، أو الخبر المحذوف .

وَ لَوِ افْتَدى بِهِ: معطوف على مضمر، أي: فلن يقبل من أحدهم مل الأرض ذهبا لو تقرّب به في الدّنيا، ولو افتدى به من العذاب في الآخرة. أو محمول على المعنى‏كأنّه قيل: فلن يقبل من أحدهم فديه ولو افتدى بمل‏ء الأرض ذهبا.

قيل : ويحتمل أن يكون المراد: فلن يقبل من أحدهم [إنفاقه في سبيل اللّه‏]  بمل‏ء الأرض ذهبا [و لو كان على وجه الافتداء من عذاب الآخرة من دون توقّع ثواب آخر.

و الأوجه أن يقال في تقديره: فلن يقبل من أحدهم مل الأرض ذهبا]  ملكه ولو افتدى به.

أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ: مبالغة في التّحذير وإقناط، لأنّ من لا يقبل منه الفداء. ربما يعني عنه تكرّما.

وَ ما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ : في دفع العذاب. و«من» مزيدة للاستغراق، وإيراد الجمع إمّا للتّوزيع أو للمبالغة.

لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ، أي: لن تبلغوا حقيقة البرّ، وهو كمال الخير. أو البرّ المعهود، وهو برّ اللّه.

حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ: من المال أو ما يعمّه وغيره، كبذل الجاه في معاونة النّاس، والبدن في طاعة اللّه، والمهجة في سبيل اللّه.

و قرئ «بعض ما تحبّون» وهو يدلّ على أنّ «من» للتّبعيض، ويحتمل التّبيين .

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عمر بن عبد العزيز، عن يونس ابن ظبيان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: لن تنالوا البر حتى تنفقوا ما تحبون قال :

هكذا فاقرأها.

و في مجمع البيان : وقد روي عن أبي الطّفيل قال: اشترى عليّ- عليه السّلام- ثوبا فأعجبه فتصدّق به، وقال: سمعت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقول: من آثر على نفسه آثره اللّه يوم القيامة بالجنّة، ومن أحبّ شيئا فجعله للّه قال اللّه يوم القيامة: قد كان العباد يكافئون فيما بينهم بالمعروف وأنا أكافئك اليوم بالجنّة.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن محمّد بن شعيب،

 عن الحسين بن الحسن، عن عاصم، عن يونس، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: أنّه كان يتصدّق بالسّكر، فقيل له: أ تتصدّق بالسّكر ؟

فقال: نعم، إنه ليس شي‏ء أحبّ إليّ منه، فأنا أحبّ أن أتصدّق بأحبّ الأشياء إليّ.

و في عوالي اللّئالي : ونقل عن الحسين - عليه السّلام- أنّه كان يتصدّق بالسّكر، فقيل له في ذلك.

فقال: إنّي أحبّه، وقد قال اللّه  تعالى: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ.

 

و إنفاق أحبّ الأموال على اقرب الأقارب وعلى صلة الإمام أفضل.

في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى وعليّ بن إبراهيم [، عن أبيه‏]  جميعا، عن الحسن بن محبوب، عن أبي ولّاد الحنّاط قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً، ما هذا الإحسان؟

فقال: الإحسان، أن تحسن صحبتهما، وأن لا تكلّفهما أن يسألاك شيئا ممّا يحتاجان إليه وإن كانا مستغنيين. أليس اللّه- عزّ وجلّ- يقول: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ‏

 

و في تفسير العيّاشيّ : عن مفضّل بن عمر قال: دخلت على أبي عبد اللّه- عليه السّلام- [يوما]  ومعي شي‏ء، فوضعته بين يديه.

فقال: ما هذا؟

فقلت: هذه صلة مواليك وعبيدك.

قال: فقال لي: يا مفضّل، إنّي لا أقبل ذلك، وما أقبله عن حاجة بي  إليه، وما أقبله إلّا ليزكّوا  به.ثمّ [قال:]  سمعت أبي يقول: من مضت له سنة لم يصلنا من ماله قلّ أو كثر، لم ينظر اللّه إليه يوم القيامة إلّا أن يعفو اللّه عنه.

ثمّ قال: يا مفضّل، إنّها فريضة فرضها اللّه على شيعتنا في كتابه، إذ يقول: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ. فنحن البرّ والتّقوى، وسبيل الهدى، وباب التّقوى.

لا يحجب  دعاؤنا عن اللّه. اقتصروا على حلالكم وحرامكم، فاسألوا عنه. وإيّاكم أن تسألوا أحدا من الفقهاء عمّا لا يعنيكم وعما ستر اللّه عنكم.

وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْ‏ءٍ: محبوب، أو غيره. و«من» للبيان.

فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ : فيجازيكم بحسبه.

كُلُّ الطَّعامِ، أي: المطعومات، والمراد: أكلها. ويشعر به الطّعام لقبا.

كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ: حلالا لهم. مصدر نعت به، ولذلك يستوي فيه الواحد والجمع والمذكّر والمؤنّت، كقوله: لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ.

إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ: يعقوب- عليه السّلام- عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ: كلحوم الإبل، كان إذا أكل لحم الإبل هيج عليه وجع الخاصرة، فحرّم على نفسه لحم الإبل قبل إنزال التّوراة، وبعده لم يأكله لأجل إضراره بمرضه، ولم يحكم بتحريمه على نفسه.

في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد أو غيره، عن ابن محبوب، عن عبد العزيز العبديّ، عن عبد اللّه بن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول [...]  إنّ إسرائيل كان إذا أكل من لحم الإبل هيج عليه وجع الخاصرة، فحرّم على نفسه لحم الإبل، وذلك قبل أن تنزل التّوراة. فلمّا نزلت التّوراة لم يحرّمه ولم يأكله.

و هذا ردّ على اليهود، حيث أرادوا براءة ساحتهم ممّا نطق به القرآن من تحريم الطّيّبات عليهم، لبغيهم وظلمهم، في قوله: ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وقوله:

فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ فقالوا: لسنا بأوّل من حرّمت عليه، وقد كانت محرّمة على نوح وإبراهيم ومن بعده من بني إسرائيل إلى أن انتهى التّحريم إلينا. فكذّبهم اللّه.

قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ : أمر بمحاجّتهم بكتابهم، وتبكيتهم بما فيه، حتّى يتبيّن أنّه تحريم حادث بسبب ظلمهم وبغيهم، لا تحريم قديم كما زعموا، فلم يجسروا على إخراج التوراة وبهتوا، وفيه دليل على نبوّته- عليه السّلام-.

 

 [و في تفسير العيّاشيّ : عن عمر بن يزيد قال: كتبت إلى أبي الحسن- عليه السّلام- أسأله عن رجل دبرّ مملوكه، هل له أن يبيع عنقه  قال: كتب: كلّ الطّعام كان حلا لنبي إسرائيل إلّا ما حرّم إسرائيل على نفسه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وأمّا قوله: كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ.

قال: إنّ يعقوب كان  يصيبه عرق النّساء، فحرّم على نفسه لحم الجمل.

فقالت  اليهود: إنّ [لحم‏]  الجمل محرّم في التّوراة.

فقال اللّه - عزّ وجلّ- لهم فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، إنّما حرّم هذا إسرائيل على نفسه ولم يحرّمه على النّاس.]

فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ‏

 بزعمه أنّ ذلك كان محرّما على الأنبياء، وعلى بني إسرائيل قبل إنزال التّوراة، مِنْ بَعْدِ ذلِكَ‏

، أي: لزوم الحجّة، فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ‏

  لأنفسهم، ومكابرتهم الحقّ بعد وضوحه.

قُلْ صَدَقَ اللَّهُ: تعريض بكذبهم، أي: ثبت أنّ اللّه صادق فيما أنزله، وأنتم‏الكاذبون.

فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً، أي: ملّة الإسلام الّتي عليها محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- ومن آمن معه، الّتي هي في الأصل ملّة إبراهيم. أو مثل ملّته، حتّى تتخلّصوا من اليهوديّة الّتي اضطرّتكم إلى التّحريف والمكابرة للأغراض الدّنيويّة، وألزمتكم تحريم طيّبات أحلّها لإبراهيم ومن تبعه.

و في تفسير العيّاشيّ : عن حبابة الوالبيّة قالت : سمعت الحسين بن عليّ- عليه السّلام- يقول: ما أعلم أحدا على ملّة إبراهيم إلّا نحن وشيعتنا.

قال صالح: ما أحد على ملّة إبراهيم.

قال جابر: ما أعلم أحدا على ملّة إبراهيم.

وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ : تبرئة ممّا كان ينسبه اليهود والنّصارى من كونه على دينهم.

إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ، أي: جعل متعبّدا لهم، والواضع هو اللّه.

و قرئ، بالبناء للفاعل  لَلَّذِي بِبَكَّةَ: وهي لغة في مكّة، كالنّبيط والنّميط، وأمر «راتب وراتم»، و«لازب ولازم».

و في كتاب الخصال : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: اسماء مكّة خمسة: أمّ القرى، ومكّة، وبكّة، والبساسة، كانوا إذا ظلموا بسّتهم، أي: أخرجتهم وأهلكتهم. وأمّ رحم، كانوا إذا لزموها رحموا

و قيل»

: هي موضع المسجد، ومكّة البلد.

روي عن جابر ، عن أبي جعفر- عليه السّلام -: أنّ بكّة موضع البيت، وأنّ مكّة الحرم، وذلك قوله: [وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ‏]  آمِناً.

 من بكّه، إذا رحمه. أو من بكّه إذا دقّه، لأنّها تبكّ أعناق الجبابرة.

و في كتاب علل الشّرائع : بإسناده إلى عبيد اللّه بن عليّ الحلبيّ قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام-: لم سمّيت مكّة بكّة؟

قال: لأنّ النّاس يبكّ بعضهم بعضا [فيها]  بالأيدي.

و أمّا ما رواه: بإسناده إلى «عبد اللّه بن سنان  قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام-: لم سمّيت الكعبة بكّة؟

فقال: لبكاء النّاس حولها [و فيها»]  فمحمول على أنّ النّاس يجتمعون حوله للبكاء والعبادة، فيبكّ بعضهم بعضا.

 [حدّثنا محمّد بن الحسن  قال:]  حدّثنا محمّد بن الحسن الصّفّار، عن العبّاس بن معروف، عن عليّ بن مهزيار، عن فضالة، عن أبان، عن الفضيل، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّما سمّيت مكّة بكّة، لأنّه يبكّ بها الرّجال والنّساء، والمرأة تصلّي بين يديك وعن يمينك وعن شمالك ومعك، ولا بأس بذلك، إنّما يكره في سائر البلدان.

 [و بإسناده إلى عبيد اللّه بن عليّ الحلبيّ  قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام-: لم سمّيت مكّة بكّة؟

قال: لأنّ النّاس يبكّ بعضهم بعضا فيها بالأيدي.]

 

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن الأوّل- عليه السّلام- قال: [...]  في خمسة وعشرين من ذى القعدة  وضع البيت، وهو أوّل رحمة وضعت على وجه الأرض، فجعله [اللّه- عزّ وجلّ-]  مثابةللنّاس وأمنا.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي زرارة التّميميّ، عن أبي حسّان، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: لمّا أراد اللّه أن يخلق الأرض أمر الرّياح فضربن  وجه الماء  حتّى صار موجا، ثمّ أزبد فصار زبدا واحدا فجمعه في موضع البيت، ثمّ جعله جبلا من زبد، ثمّ دحا الأرض من تحته، وهو قول اللّه تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً.

 

و روى أيضا: عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرميّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- مثله.

 

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرميّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال للأبرش: يا أبرش، هو كما وصف نفسه، وكان عرشه على الماء، والماء على الهواء، والهواء لا يحدّ ، ولم يكن يومئذ خلق غيرهما، والماء يومئذ عذب فرات، فلمّا أراد اللّه  أن يخلق الأرض، (و ذكر إلى آخر ما نقلناه عن الكافي.)

 [و في تفسير العيّاشيّ : عن عبد الصّمد بن سعد قال: طلب أبو جعفر أن يشتري من أهل مكّة بيوتهم أن يزيد  في المسجد، فأبوا عليه، فأرغبهم فامتنعوا، فضاق بذلك، فأتى أبا عبد اللّه- عليه السّلام- فقال له: إنّي سألت هؤلاء شيئا من منازلهم وأفنيتهم لنزيد  في المسجد، وقد منعوني ذلك، فقد غمّني غمّا شديدا.

فقال: أبو عبد اللّه- عليه السّلام- لم يغمّك  ذلك، وحجّتك عليهم فيه ظاهرة؟قال : وبما أحتجّ عليهم؟

فقال: بكتاب اللّه.

فقال لي: في أيّ موضع؟

فقال: قول اللّه إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ قد أخبرك اللّه أنّ أوّل بيت وضع [للنّاس‏]  هو الّذي ببكّة، فإن كانوا هم نزلوا  قبل البيت فلهم أفنيتهم، وإن كان البيت قديما قبلهم فله فناؤه.

فدعاهم أبو جعفر فاحتجّ عليهم بهذا، فقالوا [له:]  اصنع ما أحببت.

عن عبد اللّه بن سنان ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: مكّة جملة القرية، وبكّة جملة موضع الحجر الّذي يبكّ  النّاس بعضهم بعضا.

عن جابر ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ بكّة موضع البيت، وإنّ مكّة الحرم، وذلك قوله: [وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ‏]  آمِناً.]

 

و في كتاب عيون الأخبار ، في باب ما كتبه الرّضا إلى محمّد بن سنان في جواب مسائله في العلل: وعلّة وضع البيت وسط الأرض أنّه الموضع الّذي من تحته دحيت الأرض. وكلّ ريح تهبّ  في الدّنيا فإنّها تخرج من تحت الرّكن الشّاميّ. وهي أوّل بقعة وضعت في الأرض، لأنّها الوسط ليكون الغرض  لأهل المشرق والمغرب  في ذلك سواء.

فالمراد بأوّل بيت، أوّل موضع جعل مستقرّا للعباد على وجه الماء، لا البيت المصنوع من اللّبن والمدر والخشب، حتّى يحتاج في تصحيحه إلى ارتكاب أمور متكلّفه.

مُبارَكاً: حال من المستكنّ في الظّرف، أي: كثير الخير والنّفع لمن حجّه‏و اعتمره واعتكف عنده وطاف حوله وقصد نحوه، من مضاعفة الثّواب وتكفير الذّنوب ونفي الفقر وكثرة الرّزق.

و في من لا يحضره الفقيه : عنه- عليه السّلام- قال: وجد في حجر: إنّي أنا اللّه دو بكّة، صنعتها يوم خلقت السّموات والأرض، يوم خلقت الشّمس والقمر، وحففتها بسبعة أملاك حفا، مبارك  لأهلها في الماء واللّبن يأتيها رزقها من ثلاثة سبل: من أعلاها وأسفلها والثّنية بعده.

وَ هُدىً لِلْعالَمِينَ : لأنّه قبلتهم ومتعبدهم، ولأنّ فيه آيات عجيبة، كما قال اللّه تعالى‏

فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ: كانحراف الطّيور عن مؤازاة البيت على مدى الأعصار، وأنّ ضواري  السّبع تخالط الطّيور في الحرم ولا تتعرّض لها، وأنّ كلّ جبّار قصده بسوء قهره كأصحاب الفيل.

و الجملة مفسّرة «للهدى » أو حال أخرى.

مَقامُ إِبْراهِيمَ: مبتدأ محذوف الخبر، أي: منها. أو بدل من «آيات» بدل البعض من الكلّ.

و قيل : عطف بيان. على أنّ المراد بالآيات أثر القدم في الصّخرة الصّمّاء، وغوصها فيها إلى الكعبين، وتخصيصها بهذه الإلانة من بين الصّخار، وإبقاؤه دون سائر آثار الأنبياء، وحفظه مع كثرة أعدائه ألوف سنة . ويؤيّده أنّه قرئ آية بيّنة، على التّوحيد

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن ابن سنان‏

 قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ- إلى قوله - آياتٌ بَيِّناتٌ، ما هذه الآيات البيّنات؟

قال: مقام إبراهيم حيث قام على الحجر فأثّرت فيه قدماه، والحجر الأسود. ومنزل إسماعيل- عليه السّلام-.

أقول: أمّا كون المقام آية، فلما ذكروا لارتفاعه بإبراهيم- عليه السّلام- حين كان أطول من الجبال، كما يأتي ذكره.

و أمّا كون الحجر الأسود آية، فلما ظهر منه للأولياء والأوصياء- عليهم السّلام- من العجائب، إذ كان جوهرة جعلها اللّه مع آدم في الجنّة، وإذ كان ملكا من عظماء الملائكة ألقمه اللّه الميثاق وأودعه عنده، ويأتي يوم القيامة وله لسان ناطق وعينان يعرفه الخلق، يشهد لمن وافاه بالموافاة ولمن أدّى إليه الميثاق بالأداء وعلى من جحده بالإنكار، إلى غير ذلك كما ورد في الأخبار عن الأئمّة- عليهم السّلام- ولما ظهر لطائفه من تنطّقه لبعض المعصومين- عليهم السّلام- كالسّجّاد- عليه السّلام- حيث نازعه عمّه محمّد بن الحنفيّة في أمر الإمامة كما ورد في الرّوايات ، ومن عدم طاعته لغير المعصوم في نصبه في موضعه كما جرّب غير مرّة.

و أمّا كون منزل إسماعيل آية، فلأنّه أنزل من غير ماء فنبع له الماء، وإنّما خصّ المقام بالذّكر في القرآن وطوى ذكر غيره لأنّه أظهر آياته اليوم للنّاس.

قيل : سبب هذا الأثر، أنّه لمّا ارتفع بنيان الكعبة قام على هذا الحجر ليتمكّن من رفع الحجارة، فغاصت فيه قدماه.

و قيل : إنّه لمّا جاء زائرا من الشّام، فقالت له امرأة إسماعيل: انزل حتّى تغسل  رأسك، فلم ينزل، فجاءته بهذا الحجر فوضعته على شقّه الأيمن، فوضع قدمه عليه حتّى غسلت شقّ رأسه، ثمّ حولته إلى شقّه الأيسر حتّى غسلت الشّقّ الأيسر، فبقي أثر قدمه عليه.

و في الكافي: محمّد  بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن فضّال، عن ابن بكير،

 عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: [قد]  أدركت الحسين- صلوات اللّه عليه-؟

قال: نعم، أذكر وأنا معه في المسجد الحرام، وقد دخل فيه السّيل والنّاس يقومون على المقام، يخرج الخارج يقول: قد ذهب به السّيل، ويخرج منه الخارج فيقول:

هو مكانه.

قال: فقال لي: يا فلان ما صنع هؤلاء؟

فقلت: أصلحك اللّه، يخافون أن يكون السّيل قد ذهب بالمقام.

فقال: ناد، إنّ اللّه قد جعله  علما لم يكن ليذهب به، فاستقرّوا، وكان موضع المقام الّذي وضعه إبراهيم- عليه السّلام- عند جدار البيت، فلم يزل هناك حتّى حوّله أهل الجاهليّة إلى المكان الّذي هو فيه اليوم، فلمّا فتح النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- مكّة ردّه إلى الموضع الّذي وضعه إبراهيم- عليه السّلام- فلم يزل هناك إلى أن وليّ عمر بن الخطّاب، فسأل النّاس: من منكم يعرف المكان الّذي كان فيه المقام؟

فقال رجل. أنا قد كنت أخذت مقداره بنسع ، فهو عندي.

فقال: ائتني  به، فأتاه به، فقاسه ثمّ ردّه إلى ذلك المكان.

وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً: جملة ابتدائية أو شرطيّة، معطوفة من حيث المعنى على «مقام» لأنّه في معنى «و أمن من دخله»، أي: منها أمن من دخله، أو فيه آيات بيّنات مقام إبراهيم وأمن من دخله. واقتصر بذكرهما من الآيات الكثيرة، لأنّ فيهما غنية عن غيرهما في الدّارين، بقاء الأثر مدى الدّهر، والأمن من العذاب يوم القيامة.

في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى أبي زهرة شبيب بن أنس ، عن بعض‏

 

أصحاب أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام- لأبي حنيفة:

يا أبا حنيفة، تعرف كتاب اللّه حقّ معرفته وتعرف النّاسخ والمنسوخ؟

قال: نعم.

قال: يا أبا حنيفة، لقد ادّعيت علما ويلك ما جعل اللّه ذلك إلّا عند أهل الكتاب الّذين أنزل عليهم، ويلك ولا هو إلّا عند الخاصّ من ذرّيّة نبيّنا محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- وما أدريك  اللّه من كتابه حرفا، فإن كنت كما تقول ولست كما تقول، فأخبرني عن قول اللّه- عزّ وجلّ -: سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ أين ذلك من الأرض؟

قال: أحسبه ما بين مكّة والمدينة.

فالتفت أبو عبد اللّه- عليه السّلام- إلى أصحابه فقال: تعلمون أنّ النّاس يقطع عليهم بين المدينة ومكّة، فتؤخذ أموالهم، ولا يؤمنون على أنفسهم، ويقتلون.

قالوا: نعم.

قال: فسكت أبو حنيفة.

فقال: يا أبا حنيفة، أخبرني عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً أين ذلك من الأرض؟

قال: الكعبة.

فقال: أ فتعلم أنّ الحجّاج بن يوسف حين وضع المنجنيق على ابن الزّبير في الكعبة فقتله، كان آمنا فيها؟

قال: فسكت.

فقال: أبو بكر الحضرميّ: جعلت فداك، ما الجواب في المسألتين الأوّلتين ؟

فقال: يا أبا بكر، سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ، فقال: مع قائمنا أهل البيت.

و أما قوله: وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً، فمن بايعه ودخل معه ومسح على يده ودخل في عقدة أصحابه، كان آمنا.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.و في تفسير العيّاشيّ»: عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال:

سألته عن قوله: وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً؟

قال: يأمن فيه كلّ خائف، ما لم يكن عليه حدّ من حدود اللّه ينبغي أن يؤخذ به.

قال: وسألته عن طائر يدخل الحرم.

قال: لا يؤخذ ولا يمسّ، لأنّ اللّه يقول: وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً.

 

و قال عبد اللّه بن سنان : سمعته يقول- فيما أدخل الحرم ممّا صيد في الحلّ، قال:

إذا دخل الحرم فلا يذبح، إنّ اللّه يقول: وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً.

و عن عليّ به عبد العزيز  قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: جعلت فداك، قول اللّه: فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وقد يدخله المرجئ والقدريّ والحرورىّ والزّنديق الّذي لا يؤمن باللّه.

قال: لا، ولا كرامة.

قلت: فمه  جعلت فداك؟

قال: ومن دخله وهو عارف بحقّنا كما هو عارف به ، خرج من ذنوبه وكفي همّ الدّنيا والآخرة.

و في أمالي الصّدوق- رحمه اللّه -: بإسناده إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-، عن جبرئيل، عن ميكائيل، عن إسرافيل، عن اللّه- جلّ جلاله- في حديث طويل، وفيه يقول- جلّ جلاله- في حقّ عليّ- عليه السّلام-: وجعلته العلم الهادي من الضّلالة، وبابي الّذي أوتى به منه، وبيتي الّذي من دخله كان آمنا من ناري.

و في الكافي: محمّد  بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال والحجّال، عن ثعلبة، عن أبي خالد القمّاط عن عبد الخالق الصّيقل قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً.

 

فقال: لقد سألتني عن شي‏ء ما سألني أحد إلّا من شاء اللّه، قال: من أمّ هذاالبيت، وهو يعلم أنّه البيت الّذي أمره اللّه- عزّ وجلّ- به، وعرفنا أهل البيت حقّ معرفتنا، كان آمنا في الدّنيا والآخرة.

و في مجمع البيان : عن الباقر- عليه السّلام-: أنّ من دخله  عارفا بجميع ما أوجبه اللّه عليه، كان آمنا في الآخرة من العذاب الدّائم.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير ومحمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان وابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إذا أردت دخول الكعبة فاغتسل قبل أن تدخلها، ولا تدخلها  بحذاء، وتقول إذا دخلت: اللّهمّ، إنّك قلت: وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً، فآمنّي من عذاب النّار.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً البيت عنى أم الحرم؟

قال: من دخل الحرم من النّاس مستجيرا به فهو آمن به من سخط اللّه، ومن دخله من الوحش والطّير كان آمنا من أن يهاج أو يؤذى حتّى يخرج من الحرم.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً قال: إذ أحدث العبد في غير الحرم جناية ثمّ فرّ إلى الحرم لم يسع  لأحد أن يأخذه في الحرم، ولكن يمنع من السّوق ولا يبايع ولا يطعم ولا يسقى ولا يكلّم، فإنّه إذا فعل ذلك [به‏]  يوشك أن يخرج فيؤخذ [و إذا جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحدّ في الحرم،لأنّه لم ير  للحرم حرمة.

و بإسناده إلى عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً.

 

قال: إن سرق سارق بغير مكّة أو جنى جناية.]  على نفسه ففرّ إلى مكّة لم يؤخذ ما دام في الحرم حتّى يخرج منه، ولكن يمنع من السّوق فلا يبايع  ولا يجالس حتّى يخرج منه فيؤخذ، وإن أحدث في الحرم ذلك الحدث أخذ فيه.

و في كتاب علل الشّرائع : حدّثنا أبي- رضي اللّه عنه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن أيّوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى، عن معاويه بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: أنّه سئل عن طير أهليّ أقبل فدخل الحرم.

قال: لا يمسّ، لأنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً.

 

و في من لا يحضره الفقيه : وسأل محمّد بن مسلم أحدهما- عليهما السّلام- عن الظّبي يدخل الحرم.

فقال: لا يؤخذ ولا يمسّ، لأنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً.

 

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد من محمّد، عن شاذان بن الخليل أبي الفضل، عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن رجل لي عليه مال، فغاب عنّي زمانا، فرأيته يطوف حول الكعبة، أ فأتقاضاه مالي؟

قال: لا، لا تسلّم عليه ولا تروّعه حتّى يخرج من الحرم.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل، عن أبي إسماعيل السّرّاج ، البرّاج عن هارون بن خارجة قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام-

 يقول: من دفن في الحرم، أمن من الفزع الأكبر.

فقلت [له:]  من برّ النّاس وفاجرهم؟

قال: من برّ النّاس وفاجرهم.

و في من لا يحضره الفقيه

: من مات في أحد الحرمين بعثه اللّه من الآمنين. ومن مات بين الحرمين لم ينشر له ديوان. ومن دفن في الحرم أمن من الفزع الأكبر.

وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ: قصده للزّيارة، على الوجه المخصوص.

و الحجّ في الأصل، القصد.

و قرأ حمزة والكسائيّ وعاصم، في رواية حفص، حجّ، بالكسر، وهي لغة [نجد]

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة قال: كتبت إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- بمسائل، بعضها مع ابن بكير وبعضها مع أبي العبّاس، فجاء الجواب بإملائه: سألت عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، يعني به الحجّ والعمرة جميعا، لأنّهما مفروضان.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

و في عيون الأخبار

: في باب ذكر ما كتب به الرّضا- عليه السّلام- إلى محمّد بن سنان في جواب مسائله في العلل: وعلّة الحجّ، الوفادة إلى اللّه- عزّ وجلّ- وطلب الزّيادة والخروج من كلّ ما اقترف، وليكون تائبا ممّا  مضى مستأنفا لما يستقبل، وما فيه من استخراج الأموال، وتعب الأبدان وحظرها عن الشّهوات واللّذّات، والتقرّب  بالعبادة إلى اللّه- عزّ وجلّ- والخضوع والاستكانة والذّلّ، شاخصا [إليه‏]»

 في لحرّ والبرد والأمن والخوف، دائبا  في ذلك دائما ، وما في ذلك لجميع الخلق من المنافع والرّغبةو الرّهبة إلى اللّه- تعالى-.

و منه، ترك قساوة القلب، وجسارة الأنفس، ونسيان الذّكر، وانقطاع الرّجاء والأمل، وتجديد الحقوق، وحظر النّفس عن الفساد، ومنفعة من في شرق الأرض وغربها ومن في البرّ والبحر، ممّن يحجّ وممّن لا يحجّ، من تاجر وجالب وبائع ومشتر وكاسب ومسكين، وقضاء حوائج أهل الاطراف  والمواضع الممكن لهم الاجتماع فيها، كذلك ليشهدوا منافع لهم.

مَنِ اسْتَطاعَ: بدل من النّاس، بدل البعض من الكّل.

إِلَيْهِ سَبِيلًا: تمييز، من نسبة الفعل إلى المفعول بالواسطة.

و في عيون الأخبار : فيما كتبه الرّضا- عليه السّلام- للمأمون من محض الإسلام وشرائع الدّين: وحجّ البيت فريضة على من استطاع إليه سبيلا، والسّبيل الزّاد والرّاحلة مع الصّحّة.

و في كتاب الخصال : عن الأعمش عن جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- قال:

هذه شرائع الدّين- إلى أن قال-: وحجّ البيت واجب على من  استطاع إليه سبيلا، وهو الزّاد والرّاحلة مع صحّة البدن، وأن يكون للإنسان ما يخلّفه على عياله وما يرجع إليه بعد حجّه

 

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن خالد بن جرير، عن أبي الرّبيع الشّاميّ قال: سئل أبو عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- تعالى-: مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا.

 

فقال: ما يقول النّاس؟

قال: فقيل له: الزّاد والرّاحلة.

قال: فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: قد سئل أبو جعفر- عليه السّلام- عن هذا؟

فقال: هلك النّاس إذا، لإن  من كان له زاد وراحلة قدر ما يقوت عياله ويستغنى به عن النّاس ينطلق إليه فيسلبهم إيّاه، لقد هلكوا.

فقيل له: فما السّبيل؟

قال: فقال: السّعة في المال إذا كان يحجّ ببعض ويبقي بعضا يقوت به عياله، أليس قد فرض اللّه الزّكاة فلم يجعلها الّا على من يملك مائتي درهم؟

محمّد بن أبي عبد اللّه ، عن موسى بن عمران، عن الحسين بن يزيد النّوفليّ، عن السّكونيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سأل رجل من أهل القدر، فقال: يا بن رسول اللّه، أخبرني عن قول اللّه تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا أليس قد جعل اللّه الاستطاعة؟

فقال: ويحك، إنّما يعني بالاستطاعة الزّاد والرّاحلة، ليس استطاعة البدن.

فقال الرّجل: أ فليس إذا كان الزّاد والرّاحلة، فهو مستطيع للحجّ؟

فقال: ويحك، ليس كما تظنّ، قد ترى الرّجل عنده المال الكثير أكثر من الزّاد والرّاحلة، فهو لا يحجّ حتّى يأدن اللّه- تعالى- في ذلك.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- تعالى-: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قال: ما السّبيل؟

قال: أن يكون له ما يحجّ به.

قال: قلت: من عرض عليه ما يحجّ به فاستحيا من ذلك، أهو ممّن يستطيع إليه سبيلا؟

قال: نعم، ما شأنه [أن‏]  يستحيي ولو يحجّ على حمار أجدع أبتر، فإن كان يطيق أن يمشي بعضا ويركب بعضا فليحجّ.

و في رواية

: أنّه يخرج ويمشي إن لم يكن عنده.

قيل: لا يقدر على المشي.

قال: يمشي ويركب.

قيل: لا يقدر على ذلك.

قال: يخدم القوم ويخرج معهم.

و اعلم، أنّه ينبغي أن يحمل اختلاف الرّوايات على اختلاف النّاس في جهات الاستطاعة، فإنّ بعضهم يجب لهم الزّاد والرّاحلة ولا يجب لهم الرّجوع إلى مال لقدرتهم على تحصيل ما يموّنون به بتجارة وكسب، وبعضهم يجب لهم الرّجوع إلى ما يموّنون به لعدم قدرتهم على التّحصيل، وبعضهم عادتهم الخدمة والتّعيّش بأي وجه اتّفق لهم مع قدرتهم على ذلك، فإذا حصل لهم تلك الاستطاعة وجب الحجّ.

 [و في كتاب التّوحيد : حدّثنا أبي ومحمّد بن موسى بن المتوكّل- رضي اللّه عنهما- قالا: حدّثنا سعد بن عبد اللّه وعبد اللّه بن جعفر الحميريّ جميعا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا.

 

قال: يكون له ما يحجّ به.

قلت: فمن عرض عليه الحجّ فاستحيا؟

قال: [هو]  ممّن يستطيع.

حدّثنا أبي- رضي اللّه عنه - قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ما يعني بذلك؟

قال: من كان صحيحا في بدنه، مخلّى سربه، له زاد وراحلة.

و في كتاب علل الشرائع : أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه قال:

 

حدّثنا أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، يعني به: الحج دون العمرة؟فقال: لا، ولكّنه يعني: الحجّ والعمرة جميعا، لأنّهما مفروضان.

و في مصباح الشّريعة : قال الصّادق- عليه السّلام-: واعلم، بأنّ اللّه تعالى لم يفرض  الحجّ ولم يخصّه من جميع الطّاعات [، إلّا]  بالإضافة إلى نفسه بقوله- تعالى-:

وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا. ولا شرع  نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- سنّته في خلال المناسك على ترتيب ما شرعه ، إلا للاستعداد والاشارة إلى الموت والقبر والبعث والقيامة، وفضل  بيان السّابقة من الدّخول في الجنّة أهلها ودخول النّار أهلها بمشاهدة مناسك الحجّ من أوّلها إلى آخرها لأولي الألباب وأولي النّهى.]

 

وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ :

وضع «كفر» موضع لم يحجّ، تأكيدا لوجوبه، وتغليظا على تاركه. وقد أكّد أمر الحجّ في هذه الآية من وجوه الدّلالة على وجوبه بصيغة الخبر، وإبرازه في الصّورة الاسميّة، وإيراده على وجه يفيد أنّه حقّ واجب للّه في رقاب النّاس. وتعميم الحكم أوّلا وتخصيصه ثانيا، فإنّه كإيضاح بعد إبهام وتنبيه وتكرير للمراد. وتسمية ترك الحجّ كفرا من حيث أنّه فعل الكفرة. وذكر الاستغناء، فإنّه في هذا الموضع ممّا يدلّ على المقت والخذلان، وإيراد «عن العالمين» بدل عنه، لما فيه من التّعميم، والدّلالة على الاستغناء عنه بالبرهان، والإشعار بعظم السّخط، وذلك لأنّه تكليف شاقّ جامع بين كسر النّفس وإتعاب البدن وصرف المال والتّجرّد عن الشّهوات والإقبال على اللّه.

و في من لا يحضره الفقيه : في وصيّة النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- لعليّ- عليه السّلام-: يا علي، تارك الحجّ وهو مستطيع كافر، قال اللّه- تبارك وتعالى-:وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ. يا عليّ، من سوّف الحّج حتّى يموت بعثه اللّه يوم القيامة يهوديّا أو نصرانيّا.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن موسى بن القاسم البجليّ ومحمّد بن يحيى، عن العمركيّ بن عليّ جميعا، عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه- تعالى- فرض الحجّ على أهل الجدّة  في كلّ عام، وذلك قوله- تعالى-: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ.

 

قال: قلت: فمن لم يحجّ فقد كفر؟

قال: لا، ولكن من قال: ليس هذا هكذا، فقد كفر.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي أسامة زيد الشّحّام ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- [...] قال: قلت: أ رأيت قول اللّه: وَمَنْ كَفَرَ أهو في الحجّ؟

قال: نعم ، قال: هو كفر النّعم. وقال: من ترك‏

في خبر آخر

قيل : وروي أنّه نزل صدر الآية، جمع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أرباب الملل فخطبهم، وقال: إنّ اللّه كتب عليكم الحجّ فحجّوا، فآمنت به ملّة واحدة وكفرت به خمس ملل، فنزل: وَمَنْ كَفَرَ.

 

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه  وعبد اللّه بن الصّلت جميعا، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز بن عبد اللّه، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصّلاة، والزّكاة، والحجّ، والصّوم، والولاية.

قال زرارة: فقلت: وأيّ [شي‏ء]  من ذلك أفضل؟فقال: الولاية أفضل، لأنّها مفتاحهنّ، والوالي هو الدّليل عليهنّ.

قلت: ثمّ الّذي يلي ذلك في الفضل؟

فقال: الصّلاة، إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: الصلاة عمود دينكم.

قال: قلت: ثمّ الّذي يليها في الفضل؟

قال: الزّكاة، لأنّه  قرنها [بها]  وبدأ بالصّلاة قبلها، وقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: الزّكاة تذهب الذّنوب.

قال: قلت: والّذي يليها في الفضل؟

قال: الحجّ، قال اللّه- عزّ وجلّ-: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ.  وقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لحجّة مقبولة خير من عشرين صلاة نافلة، ومن طاف بهذا البيت طوافا أحصى فيه أسبوعه وأحسن ركعته غفر [اللّه‏]  له، وقال: في يوم عرفة ويوم المزدلفة ما قال.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

و في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام-: جعله- سبحانه وتعالى- للإسلام علما، وللعائذين  حرما، فرض حجّه، وأوجب حقّه ، وكتب عليكم وفادته، فقال- سبحانه-: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ‏]

 

قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ: السّمعيّة والعقليّة، الدّالّة على صدق محمّد فيما جاء به، من وجوب الحجّ وغيره.

و تخصيص أهل الكتاب بالخطاب يدلّ على أنّ كفرهم أقبح، وأنّهم وإن زعموا أنّهم مؤمنون بالتّوراة والإنجيل فهم كافرون بهما، وإن الكفر ببعض كتاب كفر بكلّه، فالكفر بولاية عليّ- عليه السّلام- كفر بجميع آيات اللّه. فافهم.وَ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ : والحال أنّه شهيد مطّلع على أعمالكم واعتقاداتكم، فيجازيكم عليها، لا ينفعكم التّحريف والاستسرار.

قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ: تكرير الخطاب والاستفهام لزيادة التّقريع ونفي العذر لهم، وللإشعار بأنّ كلّ واحد من الأمرين مستقبح في نفسه، مستقلّ باستجلاب العذاب.

و سبيله، دينه الحقّ. المأمور بسلوكه، وهو الإسلام المرادف للإيمان.

قيل : كانوا يفتنون المؤمنين ويحرشون بينهم، حتّى أتوا الأوس والخزرج، فذكّروهم ما بينهم في الجاهليّة من التّعادي والتّحارب، ليعودوا لمثله، ويحتالون لصدّهم عنه.

تَبْغُونَها عِوَجاً: حال من الواو، واللّام في المفعول الأوّل محذوف، أي: طالبين لسبيل اللّه اعوجاجا.

أو «عوجا» تمييز من النّسبّة إلى المفعول، أي: طالبين عوجها، بأن تلبسوا على النّاس، وتوهّموا أنّ فيه عوجا عن الحقّ، بمنع النّسخ وتغيير صفة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ونحوهما. أو بأن تحرشوا بين المؤمنين لتختلف كلمتهم، ويختلّ أمر دينهم.

وَ أَنْتُمْ شُهَداءُ: أنّها سبيل اللّه، والصّدّ عنها ضلال وإضلال، وأنتم عدول عند أهل ملّتكم، يثقون بأقوالكم ويستشهدونكم في القضايا.

وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ : وعيد لهم. ولمّا كان المنكر في الآية الأولى كفرهم وهم يجهرون به، ختمها بقوله: وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ. وفي هذه الآية صدّهم المؤمنين عن الإسلام، وكانوا يخفونه ويحتالون فيه، قال: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ

قيل

: نزلت في نفر من الأوس والخزرج كانوا جلوسا يتحدّثون، فمرّ بهم شاس بن قيس اليهوديّ، فغاظه تآلفهم واجتماعهم، فأمر شابّا من اليهود أن يجلس إليهم، ويذكّرهم يوم بغاث ، وينشدهم بعض ما قيل فيه، وكان الظّفر في ذلك اليوم للأوس، ففعل،فتنازع القوم وتفاخروا وتغاضبوا وقالوا: السّلاح السّلاح، واجتمع من القبيلتين خلق عظيم، فتوجّه إليهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وأصحابه. فقال: أ تدعون الجاهليّة وأنا بين أظهركم، بعد إذ أكرمكم  اللّه بالإسلام، وقطع به عنكم أمر الجاهليّة، وألّف بين قلوبكم. فعلموا أنّها نزعة من الشّيطان وكيد من عدوّهم، فألقوا السّلاح واستغفروا وعانق بعضهم بعضا، وانصرفوا مع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.

و إنّما خاطبهم اللّه تعالى بنفسه بعد ما أمر الرّسول- صلّى اللّه عليه وآله- بأن يخاطب أهل الكتاب، إظهارا لجلالة قدرهم، وإشعارا بأنّهم هم الأحقّاء بأن يخاطبهم تعالى ويكلّمهم.