سورة الانعام الآية 81-100

عن مسعدة ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه:

كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً (الآية). حديث طويل وفي آخره: قلت: أ فضلالا  كانوا قبل النبيين  أم على هدى؟

قال: لم يكونوا على الهدى، كانوا على فطرة الله التي فطرهم عليها لا تبديل لخلق الله. ولم يكونوا ليهتدوا حتّى يهديهم بهم اللّه. أما تسمع لقول  إبراهيم: لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ، أي: ناسيا للميثاق.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي، فَلَمَّا أَفَلَ، [أي: غاب‏]  «قال لا أحبّ الآفلين». فإنّه‏

حدّثني أبي، عن صفوان، عن ابن مسكان قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّ آزر أبا إبراهيم كان منجّما لنمرود بن كنعان.

فقال له: إنّي أرى في حساب النّجوم أنّ هذا الزّمان يحدث رجلا، فينسخ هذا الدّين ويدعو إلى دين آخر.

فقال له نمرود: في أيّ بلاد يكون؟

قال: في هذه البلاد. وكان منزل نمرود بكوثى‏ريا.

فقال له نمرود: قد خرج إلى الدّنيا؟

قال آزر: لا.

قال: فينبغي أن يفرّق بين الرّجال والنّساء.

ففرّق بين الرّجال والنّساء. فحملت أمّ إبراهيم بإبراهيم- عليه السّلام- ولم يتبيّن حملها. فلمّا حان ولادتها قالت: يا آزر، انّي قد اعتللت وأريد أن أعتزل عنك.

و كان في ذلك الزّمان، المرأة إذا اعتلّت اعتزلت عن زوجها. فخرجت  واعتزلت في غار، ووضعت إبراهيم- عليه السّلام-. فهيّئته وقمّطته ورجعت إلى منزلها،و سدّت باب الغار بالحجارة. فأجرى اللّه لإبراهيم- عليه السّلام- لبنا من إبهامه. وكانت أمّه تأتيه.

و وكّل نمرود بكلّ امرأة حامل، وكان يذبح كلّ ولد ذكر. فهربت أمّ إبراهيم بإبراهيم من الذّبح. وكان يشبّ إبراهيم- عليه السّلام- في الغار يوما، كما يشبّ غيره في الشّهر، حتّى أتى له في الغار ثلاثة عشر سنة.

فلمّا كان بعد ذلك، زارته أمّه. فلمّا أرادت أن تفارقه، تشبّث بها فقال:

يا أمّي، أخرجيني.

فقالت له: يا بنيّ، إنّ الملك إن علم أنّك ولدت في هذا الزّمان، قتلك.

فلمّا خرجت أمّه من الغار وقد غابت الشّمس، نظر إلى الزّهرة في السّماء.

فقال: «هذا ربّي». فلمّا غابت الزّهرة  قال: لو كان هذا ربّي ما تحرّك ولا برح. ثمّ قال: «لا أحبّ الآفلين». والآفل: الغائب. فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً  قالَ هذا رَبِّي هذا أكبر وأحسن. فلمّا تحرّك وزال قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ.

فلمّا أصبح وطلع الشّمس ورأى ضوءها وقد أضاءت الدّنيا لطلوعها قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ وأحسن. فلمّا تحرّكت وزالت، كشط  اللّه له عن السّموات حتّى رأى العرش ومن عليه، وأراه ملكوت السّموات والأرض. فعند ذلك قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ، إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. فجاء إلى أمّه وأدخلته دارها وجعلته بين أولادها.

قال : وسئل أبو عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول إبراهيم: «هذا ربّي» أشرك في قوله: هذا ربّي؟

فقال: لا، بل من قال هذا اليوم، فهو مشرك. ولم يكن من إبراهيم شرك، وإنّما كان في طلب ربّه وهو من غيره شرك.فلمّا أدخلت أمّ إبراهيم إبراهيم دارها، نظر إليه آزر فقال: من هذا الّذي قد بقي في سلطان الملك، والملك يقتل أولاد النّاس؟

فقالت: هذا ابنك ولدته في وقت كذا وكذا حين اعتزلت عنك.

قال: ويحك، إن علم الملك بهذا زالت  منزلتنا عنده.

و كان آزر صاحب أمر نمرود ووزيره. وكان يتّخذ الأصنام له وللنّاس، ويدفعها إلى ولده فيبيعونها. [و كان على دار الأصنام‏] .

فقالت أمّ إبراهيم لآذر: لا عليك إن لم يشعر الملك به يبقى لنا ولدنا، وإن شعر به كفيتك  الاحتجاج عنه.

و كان آزر كلّما نظر إلى إبراهيم، أحبّه حبّا [شديدا]  وكان  يدفع إليه الأصنام ليبيعها، كما يبيع إخوته. فكان يعلّق في أعناقها الخيوط ويجرّها على الأرض ويقول: من يشتري ما لا يضرّه وما لا ينفعه. ويغرقها في الماء والحمأة ويقول لها: [كلي و]  اشربي وتكلّمي. فذكر ذلك إخوته لأبيه، فنهاه فلم ينته، فحبسه في منزله ولم يدعه يخرج. «و حاجّه قومه».

فقال إبراهيم: أَ تُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدانِ، أي: بيّن لي. وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْ‏ءٍ عِلْماً أَ فَلا تَتَذَكَّرُونَ.

ثمّ قال لهم: وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، أي: أنا أحقّ بالأمن من حيث أعبد اللّه، أو أنتم الّذين تعبدون الأصنام.

و في تفسير العيّاشيّ : عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما- عليهما السّلام-. قال في إبراهيم- عليه السّلام- إذا رأى كوكبا.قال: إنّما كان طالبا لربّه، ولم يبلغ كفرا. وإنّه من فكّر  من النّاس في مثل ذلك، فإنّه بمنزلته.

عن حجر  قال: أرسل العلاء بن سيابة يسأل أبا عبد اللّه- عليه السّلام- في قول إبراهيم- عليه السّلام-: «هذا ربّي». قال  إنّه من قال هذا اليوم، فهو عندنا مشرك.

قال: لم يكن من إبراهيم شرك، إنّما كان في طلب ربّه [و هو من غيره شرك‏] .

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل. يقول فيه- عليه السّلام- يجيب لبعض الزّنادقة وقد قال: وأجده قد شهر هفوات أنبيائه بوصف إبراهيم- عليه السّلام- أنّه عبد كوكبا مرّة ومرّة قمرا ومرّة شمسا-:

و أما هفوات الأنبياء- عليهم السّلام- وما يثبته  اللّه في كتابه، فإنّ ذلك من أدلّ الدلائل  على حكمة اللّه- عزّ وجلّ- الباهرة وقدرته القاهرة وعزّته الظّاهرة. لأنّه علم أنّ براهين الأنبياء- عليهم السّلام- تكبر في صدور أممهم، وأنّ منهم من اتخذ بعضهم إلها، كالّذي كان من النّصارى في ابن مريم. فذكرها دلالة على تخلّفهم عن الكمال الّذي انفرد به- عزّ وجلّ-.

و في من لا يحضره الفقيه : روى بكر بن محمّد، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه سأل سائل عن وقت المغرب.

فقال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- يقول في كتابه لإبراهيم- عليه السّلام-: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فهذا أوّل الوقت، وآخره ذلك غيبوبة الشّفق.

و في روضة الكافيّ : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن‏

 أذينة، أنّ رجلا دخل على أبي عبد اللّه- عليه السّلام- فقال: رأيت كأنّ الشّمس طالعة على رأسي دون جسدي؟

فقال: تنال أمرا جسيما، ونورا ساطعا، ودينا شاملا. فلو غطتك، فانغمست  فيه ولكنّها غطّت رأسك. أما قرأت فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي «فلمّا أفلت» تبرّأ منها إبراهيم- عليه السّلام-.

قلت: جعلت فداك، إنّهم يقولون: إنّ الشّمس خليفة، أو ملك.

فقال: ما أراك تنال الخلافة، ولم يكن في آبائك وأجدادك ملك. وأيّ خلافة وملكوت أكثر  من الدّين والنّور ترجو به دخول الجنّة؟ إنّهم يغلطون.

قلت: صدقت، جعلت فداك.

وَ حاجَّهُ قَوْمُهُ: وخاصموه في التّوحيد.

قالَ أَ تُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ: في وحدانيّته.

و قرأ  نافع وابن عامر، بتخفيف النّون.

وَ قَدْ هَدانِ: إلى التّوحيد.

وَ لا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ، أي: لا أخاف معبوداتكم في وقت. لأنّها لا تضرّ بأنفسهم ولا تنفع.

إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً: أن يصيبني بمكروه من جهتها. ولعلّه جواب لتخويفهم إيّاه من آلهتهم وتهديد لهم بعذاب اللّه.

وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْ‏ءٍ عِلْماً: كأنّه علّة الاستثناء، أي: أحاط به علما. فلا يبعد أن يكون في علمه أن يحق بي مكروه من جهتهم.

أَ فَلا تَتَذَكَّرُونَ : فتميّزوا بين الصّحيح والفاسد، والقادر والعاجز.

وَ كَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ: ولا يتعلّق به ضرّ.

وَ لا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ: وهو حقيق بأن يخاف منه كلّ الخوف.لأنّه إشراك للمصنوع بالصّانع، وتسوية بين المقدور العاجز بالقادر الضّارّ النّافع.

ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً: ما لم ينزّل بإشراكه كتابا. أو لم ينصب عليه دليلا.

فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ، أي: الموّحدون أو المشركون. وإنّما لم يقل:

أيّنا، أنا أم أنتم. احترازا عن تزكية نفسه.

إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ : ما يحقّ أن يخاف منه.

الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ .

قيل : استئناف منه، أو من اللّه بالجواب عمّا استفهم عنه. والمراد بالظّلم هنا، الشّرك. لما روي أنّ الآية لمّا نزلت، شقّ ذلك على الصّحابة.

و قالوا: أيّنا لم يظلم نفسه؟

فقال- عليه السّلام-: ليس ما تظنّون، إنّما هو ما قال لقمان لابنه: يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ. وليس الإيمان به أن تصدّق بوجود الصّانع الحكيم، ويخلط بهذا التّصديق الإشراك به. وقيل : المعصية.

في تفسير العيّاشيّ : عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت له: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ الزّنا منه؟

قال: أعوذ باللّه من أولئك، لا ولكنّه ذنب إذا تاب تاب اللّه عليه.

و قال: مدمن الزّنا والسّرقة وشارب الخمر، كعابد الوثن.

يعقوب بن شعيب ، عنه في قوله: وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ.

قال: الظّلال فما فوقه.

و في مجمع البيان : الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ (الآية).

و روي عن‏عبد اللّه بن مسعود قال: لمّا نزلت هذه الآية، شقّ على النّاس.

و قالوا: يا رسول اللّه، وأيّنا لم يظلم نفسه؟

فقال- عليه السّلام-: إنّه ليس الّذي تعنون. ألم تسمعوا إلى ما قال العبد الصّالح: يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ.

و اختلف في هذه الآية فقيل: إنّه من تمام قول إبراهيم- عليه السّلام-. وروي ذلك عن عليّ- عليه السّلام-.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن أبي زهراء، عن الحسن بن موسى الخشّاب، عن عليّ بن حسّان، عن عبد الرّحمن بن كثير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-. في قول اللّه- عزّ وجلّ-: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ.

قال: آمنوا بما جاء به محمّد من الولاية، ولم يخلطوها بولاية فلان وفلان [فهو الملبّس بالظّلم‏] .

و بإسناده  إلى أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ.

قال: بشكّ.

و في شرح الآيات الباهرة ، مثله.

 

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه-، بإسناده إلى الإمام محمّد بن عليّ الباقر- عليهما السّلام-: عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل. وفي خطبة الغدير وفيها قال- صلّى اللّه عليه وآله- بعد أن ذكر عليّا- عليه السّلام- وأولاده: ألا إنّ أولياءهم الذين وصفهم اللّه- عزّ وجلّ- فقال: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ.

و عن أمير المؤمنين - عليه السّلام- حديث طويل. وفيه: وأمّا قوله:فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وقوله: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى. فإنّ ذلك كلّه لا يغني إلّا مع الاهتداء. وليس كلّ من وقع عليه اسم الإيمان، كان حقيقا بالنّجاة ممّا هلك به الغواة. ولو كان ذلك كذلك، لنجت اليهود مع اعترافها بالتّوحيد وإقرارها باللّه، ونجى سائر المقرّين بالوحدانيّة من إبليس فمن دونه في الكفر. وقد بيّن اللّه ذلك بقوله: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ. وبقوله: الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ.

و في الخرائج والجرائح : وفي روايات الخاصّة  روي أنّ أبا عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- كان يسير في بعض مسيره.

فقال لأصحابه: يطلع عليكم من بعض هذه الفجاج شخص ليس له عهد بأنيس منذ ثلاثة أيّام.

فما لبثوا أن  أقبل أعرابيّ قد يبس جلده على عظمه، وغارت عيناه برأسه، واخضرّت شفتاه من أكل البقل. فسأل عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- في الزّقاق، حتّى لقيه.

فقال له أعرض عليّ الإسلام.

فقال: قل: أشهد أن لا إله إلّا اللّه، وأنّ محمّدا رسول اللّه.

قال: أقررت.

قال: تصلّي الخمس، وتصوم شهر رمضان.

قال: أقررت.

قال: تحجّ البيت، وتؤدّي الزّكاة، وتغتسل من الجنابة.

قال: أقررت.

فتخلّف بعير الأعرابيّ، ووقف النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فسأل عنه. فرجع النّاس في طلبه، فوجدوه في آخر العسكر قد سقط حتّى  بعيره في حفرة من حفر الجرذان،فسقط فانقذفت عنق الأعرابيّ وعنق البعير وهما ميّتان.

فأمر النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فضربت خيمة، فغسّل فيها. ثمّ دخل النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فكفّنه. فسمعوا للنّبيّ حركة. فخرج وجبينه يرشح عرقا وقال: إنّ هذا الأعرابيّ مات وهو جائع، وهو ممّن آمن ولم يلبس إيمانه بظلم، فابتدره الحور العين بثمار من الجنّة يحشون بها شدقه، وهذه تقول: يا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- اجعلني من أزواجه.

و في تفسير فرات بن إبراهيم  الكوفيّ معنعنا: عن أبان بن تغلب قال: قلت لأبي جعفر محمّد بن عليّ- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ.

قال أبو جعفر- عليه السّلام-: يا أبان، أنتم تقولون: هو الشّرك باللّه، ونحن نقول: هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين- عليه السّلام- وأهل بيته- عليهم السّلام- لأنّهم لم يشركوا  باللّه طرفة عين ولم يعبد  الّلات والعزّى. وهو أوّل من صلّى مع النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- إلى القبلة. وهو أوّل من صدّقه فهذه الآية نزلت فيه.

و أيضا:

حدّثني الحسين بن سعيد معنعنا، عن أبي مريم قال: سألت جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- عن قول اللّه: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ.

قال: يا أبا مريم، هذه واللّه نزلت في عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- خاصّة.

ما ألبس إيمانه بشرك، ولا ظلم، ولا كذب، ولا سرقة، ولا خيانة.

وَ تِلْكَ: إشارة إلى ما احتجّ به إبراهيم على قومه من قوله: «فلمّا جنّ» إلى قوله: «و هم مهتدون». أو من قوله: «أو تحاجّونّي في اللّه».

حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ: أرشدناه إليها، وعلّمناه إيّاها.

عَلى قَوْمِهِ: متعلّق «بحجّتنا» إن جعل خبر «تلك». وبمحذوف إن جعل‏بدله، أي: آتيناها إبراهيم حجّة على قومه.

نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ: في العلم والحكمة.

و قرأ  الكوفيّون ويعقوب، بالتّنوين.

إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ: في رفعه وخفضه.

عَلِيمٌ : بحال من يرفعه واستعداده له.

وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا، أي: كلّ منهما.

وَ نُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ: إبراهيم- عليه السّلام- هداه نعمة على إبراهيم. من حيث أنّه كان أباه، وشرف الوالد يتعدّى إلى الولد.

في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى محمّد بن الفضل: عن أبي حمزة الثّماليّ، عن الباقر- عليه السّلام- حديث طويل ذكره في باب اتّصال الوصية  من لدن آدم- عليه السّلام-. يقول فيه- عليه السّلام-: يعني هديناهم لنجعل الوصيّة في أهل بيتهم.

و في الكافي  وفي تفسير العيّاشيّ ، مثله.

 

وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ:

الضّمير لإبراهيم- عليه السّلام-. لأنّ الكلام فيه.

و قيل : لنوح. لأنّه أقرب، ولأنّ يونس ولوطا ليسا من ذريّة إبراهيم. فلو كان لإبراهيم، اختصّ البيان بالمعدودين في تلك الآية والّتي بعدها. والمذكورون في الآية الثّالثة عطف على «نوحا».

داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ: بن أموص من أسباط  عيسى  بن إسحاق.

وَ يُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ، أي: نجزي المحسنين جزاء، مثل ما جزينا إبراهيم برفع درجاته وكثرة أولاده والنّبوّة فيهم.

وَ زَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى‏

في تفسير العيّاشيّ : عن بشير الدهان ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: واللّه، لقد نسب اللّه عيسى بن مريم في القرآن إلى إبراهيم من قبل النّساء. ثمّ تلا هذه الآية.

و في عيون الأخبار ، في باب جمل من أخبار موسى بن جعفر- عليه السّلام- مع هارون الرّشيد ومع موسى بن المهديّ، حديث طويل بينه وبين هارون. وفيه ثمّ قال:

كيف قلتم: إنّا ذرّيّة النّبيّ- عليه السّلام- والنّبيّ- عليه السّلام- لم يعقب، وإنّما العقب للذّكر لا للأنثى، وأنتم ولد لابنته  ولا يكون لها عقب؟

فقلت: أسألك بحقّ القرابة والقبر ومن فيه، إلّا ما أعفيتني من هذه المسألة.

فقال: لا، أو تخبرني بحجّتكم فيه، يا ولد عليّ، وأنت يا موسى يعسوبهم وإمام زمانهم، كذا أنهي إليّ. ولست أعفيك في كلّ ما أسألك عنه حتّى تأتيني فيه بحجّة من كتاب اللّه. وأنتم تدّعون، معشر ولد عليّ، أنّه لا يسقط عنكم منه شي‏ء لا ألف ولا واو إلّا وتأويله عندكم، واحتججتم بقوله- عزّ وجلّ-: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ‏ءٍ.

و قد استغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم.

فقلت: تأذن لي في الجواب؟

قال: هات.

قلت: أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم بسم اللّه الرّحمن الرّحيم وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ. من أبو عيسى النّبيّ، يا أمير المؤمنين؟

قال: ليس لعيسى أب.فقلت: إنّما ألحقناه  بذراريّ الأنبياء- عليهم السّلام- من طريق مريم- عليها السّلام- وكذلك ألحقنا بذراريّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- من قبل أمّنا فاطمة- عليها السّلام-.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: وكان بين موسى وبين داود خمسمائة سنة، وبين داود وعيسى ألف سنة.

و حدّثني  أبي، عن ظريف بن ناصح، عن عبد الصّمد بن بشير، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال لي أبو جعفر- عليه السّلام-: يا أبا الجارود، ما يقولون في الحسن والحسين؟

قلت: ينكرون علينا أنّهما ابنا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.

قال: فبأيّ شي‏ء احتججتم عليهم؟ قال: قلت: احتججنا عليهم بقول اللّه- عزّ وجلّ- في عيسى بن مريم: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ- إلى قوله-: وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. فجعل عيسى بن مريم من ذرّيّة إبراهيم.

قال: فأيّ شي‏ء قالوا لكم؟

قال: قلت: قالوا: قد يكون ولد الابنة من الولد ولا يكون من الصّلب.

قال: فبأيّ شي‏ء احتججتم عليهم؟

قال: قلت: احتججنا عليهم بقول اللّه- عزّ وجلّ-: فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ (الآية). قال: فأيّ شي‏ء قالوا لكم؟

قلت: قالوا: قد يكون في كلام العرب أبناء رجل والآخر يقول أبناؤنا . [و إنّما هو ابن واحد] .قال: فقال أبو جعفر- عليه السّلام-: واللّه يا أبا الجارود، لأعطينّكها  من كتاب اللّه أنهما من صلب  رسول اللّه ولا يردّها إلّا كافر.

قال: قلت: جعلت فداك، وأين؟

قال: حيث قال اللّه: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ- إلى قوله-: وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ. فسلهم يا أبا الجارود، هل يحلّ لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- نكاح حليلتهما ؟ فإن قالوا: نعم، فكذبوا واللّه وفجروا. وإن قالوا: لا، فهما واللّه ابناه لصلبه وما حرمت  عليه إلّا للصّلب.

و في روضة الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن الحسن بن ظريف، عن عبد الصّمد بن بشير، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال لي أبو جعفر- عليه السّلام-: يا أبا الجارود، ما يقولون لكم في الحسن والحسين- عليهما السّلام-؟

قلت: ينكرون علينا أنّهما ابنا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.

قال: فأيّ شي‏ء احتججتم عليهم؟

قلت: احتججنا عليهم بقول اللّه- عزّ وجلّ- في عيسى بن مريم- عليه السّلام-:

وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى فجعل عيسى بن مريم من ذرّيّة نوح. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة. [إنّما ألحق عيسى بذراريّ الأنبياء من طريق مريم، وكذلك ألحقنا بذراريّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- من قبل أمّنا فاطمة- عليها السّلام-] .

وَ إِلْياسَ.قيل : هو إدريس جدّ نوح. فيكون البيان مخصوصا بمن في الآية الأولى.

و قيل : هو من أسباط هارون أخي موسى.

كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ : الكاملين في الصّلاح. وهو الإتيان بما ينبغي، والتّحرّز عمّا لا ينبغي.

وَ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ قيل : هو اليسع بن أخطوب.

و قرأ  حمزة والكسائيّ: «و الليسع». [بفتح الّلام وسكون الياء وفتح السين‏]  وعلى القراءتين علم أعجمي أدخل عليه الّلام، كما أدخل على يزيد في قوله:

         رأيت الوليد بن اليزيد مباركا             شديدا بأعباء الخلافة كاهله‏

 وَيُونُسَ: بن متّي.

وَ لُوطاً.

قيل : ابن هاران ، أي: أخي إبراهيم.

وَ كلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ : بالنّبوّة.

وَ مِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ: عطف على «كلّا» أو «نوحا»، أي:

فضّلنا كّلا منهم، أو هدينا هؤلاء وبعض آبائهم وذرّيّاتهم وإخوانهم. فإنّ منهم من لم يكن نبيّا ولا مهديّا.

وَ اجْتَبَيْناهُمْ: عطف على «فضّلنا» أو «هدينا».

وَ هَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ : تكرير لبيان ما هدوا إليه.

ذلِكَ هُدَى اللَّهِ: إشارة إلى الهدى إلى صراط مستقيم.

يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ: يدلّ على أنّه متفضّل بالهداية، بمعنى‏الإيصال.

وَ لَوْ أَشْرَكُوا، أي: هؤلاء الأنبياء مع فضلهم وعلوّ شأنهم.

لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ : كانوا كغيرهم في حبوط أعمالهم، بسقوط ثوابها.

أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ: يريد به الجنس.

وَ الْحُكْمَ: الحكمة، أو فصل الأمر على ما يقتضيه الحقّ.

وَ النُّبُوَّةَ: والرّسالة.

فَإِنْ يَكْفُرْ بِها، أي: بهذه الثّلاثة.

هؤُلاءِ، يعني: قريشا.

فَقَدْ وَكَّلْنا بِها، أي: بمراعاتها.

قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ .

قيل : هم الأنبياء المذكورون ومتابعوهم.

و قيل : هم الأنصار، أو أصحاب النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-، أو كلّ من آمن به، أو الفرس .

و قيل : الملائكة.

و في محاسن البرقيّ : عنه، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن ابن عيينة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ قوما وسّع اللّه عليهم في أرزاقهم حتّى طغوا، فاستخشنوا الحجارة، فغدوا  إلى النّقيّ  فصنعوا منه كهيئة الأفهار ، فجعلوه في مذاهبهم ، فأخذهم اللّه بالسّنين. فغدوا  إلى أطعمتهم ، فجعلوها في الخزائن، فبعث‏اللّه على ما في الخزائن  ما أفسده حتّى احتاجوا إلى ما كانوا يستطيبون به في مذاهبهم ، فجعلوا يغسلونه ويأكلونه.

ثمّ قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: ولقد دخلت على أبي العبّاس وقد أخذ القوم المجلس، فمدّ يده إليّ  والسّفرة بين يديه موضوعة، فأخذ بيدي، فذهبت لأخطو إليه فوقعت رجلي على طرف  السّفرة، فدخلني من ذلك ما شاء اللّه أن يدخلني. إنّ اللّه- تعالى- يقول: فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ. قال  قوما يقيمون الصّلاة ويؤتون الزّكاة ويذكرون اللّه كثيرا.

و في تفسير العيّاشيّ : عن محمّد بن حمران قال: كنت عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام-. فجاءه رجل وقال: يا أبا عبد اللّه، أما تتعجّب من عيسى بن زي بن عليّ يزعم أنّه ما يتولّى عليّا- عليه السّلام- الّا على الظّاهر؟ وما تدري لعلّه كان يعبد سبعين إلها من دون اللّه.

قال: فقال: وما أصنع. قال اللّه: فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ. وأومأ بيده إلينا.

فقلت: نعقلها ، واللّه.

أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ: يريد به الأنبياء المتقدّم ذكرهم.

فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ: فاختصّ طريقهم بالاقتداء. والمراد «بهداهم»: ما توافقوا عليه من التّوحيد وأصول الدّين، دون الفروع المختلف فيها. فإنّها [ليست‏]  هدى مضافا إلى الكلّ، ولا يمكن التّأسّي بهم جميعا.

و في مصباح الشّريعة : قال الصّادق- عليه السّلام-: لا طريق للأكياس من‏المؤمنين أسلم من الاقتداء. لأنّه المنهج الأوضح والمقصد الأصحّ. قال اللّه- تعالى- لأعزّ خلقه محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ. فلو كان لدين اللّه مسلك أقوم من الاقتداء، لندب أولياءه وأنبياءه إليه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، خطبة له- عليه السّلام-. وفيها: وأحسن الهدى هدى الأنبياء.

و في تفسير العيّاشيّ : عن العبّاس بن هلال، عن الرّضا- عليه السّلام-: أنّ رجلا أتى عبد اللّه بن الحسن، فسأله عن الحجّ.

فقال له: هذاك جعفر بن محمّد قد نصب نفسه لهذا، فاسأله.

فأقبل الرّجل إلى جعفر- عليه السّلام- فسأله.

فقال له: قد رأيتك واقفا على عبد اللّه بن الحسن، فما قال لك؟

قال: سألته فأمرني أن آتيك، وقال: هذا جعفر بن محمّد قد نصب نفسه لهذا.

فقال جعفر- عليه السّلام-: نعم، أنا من الّذين قال اللّه في كتابه: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ. سل عمّا شئت.

فسأله الرّجل، فأنبأه عن جميع مسائله.

و في نهج البلاغة : فاقتدوا بهدى نبيّكم، فإنّه أفضل الهدى.

و «الهاء» في «اقتده» للوقف.

و من أثبتها في الدّرج ساكنة، كابن كثير ونافع وأبي عمرو وعاصم، أجرى الوصل مجرى الوقت.

و يحذف الهاء في الوصل خاصّة، حمزة والكسائيّ.

و أشبعها ابن عامر، لرواية ابن ذكوان، على أنّها كناية المصدر. ويكسر «الهاء» بغير إشباع، لرواية هشام.

قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ، أي: على التّبليغ.و قيل : أو على القرآن.

أَجْراً: جعلا من جهتكم، كما لم يسأل من قبلي من النّبيّين. وهذا من جملة ما أمر بالاقتداء بهم فيه.

إِنْ هُوَ، أي: التّبليغ.

 [و قيل : أو على القرآن، أو الغرض‏] .

إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ : إلّا تذكير وعظة لهم.

وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ: وما عرفوه حقّ معرفته في الرّحمة والإنعام على العباد.

في أصول الكافي : محمّد بن إسماعيل، عن فضل بن شاذان، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعي بن عبد اللّه، عن الفضيل بن يسار، قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: إنّ اللّه لا يوصف. وكيف يوصف، وقد قال في كتابه: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ. فلا يوصف [بقدر] ، إلّا كان أعظم من ذلك.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن حمّاد، عن ربعي، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام-، مثل الحديث السّابق سواء.

الحسين بن محمّد ، عن أحمد بن إسحاق بن بكر، بن محمّد عن إسحاق بن محمد قال : قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- لا يقدر أحد قدره.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْ‏ءٍ: حين أنكروا الوحي وبعثة الرّسل.و ذلك من عظائم  رحمته، وجلائل نعمته، وفي السّخط على الكفّار وشدّة البطش بهم حين جروا على هذه المقالة. والقائلون، هم اليهود وقريش. على ما في تفسير عليّ بن إبراهيم .

قالوا ذلك، مبالغة في إنكار إنزال القرآن. بدليل نقض كلامهم وإلزامهم بقوله : قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ.

و قرأ  الجمهور في قوله: تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً: بالتّاء.

و إنّما قرأ، بالياء، ابن كثير وأبو عمرو حملا على «قالوا»، «و ما قدروا». وتضمين ذلك، توبيخهم على سوء حملهم التّوراة ، وذمّهم على تجزئتها، بابداء بعض انتخبوه وكتبوه في ورقات متفرّقة، وإخفاء بعض لا يشتهونه.

نقل : أنّ مالك بن الصّيف قال  لمّا أغضبه الرّسول- عليه السّلام- بقوله:

أنشدك بالّذي أنزل التّوراة على موسى، هل تجد فيها أنّ اللّه يبغض الحبر السّمين.

 [قال: نعم. قال:]  فأنت الحبر السّمين.

و قيل : هم المشركون. وإلزامهم بإنزال التّوراة، لأنّه كان من المشهورات  الذائعة عندهم. ولذلك كانوا يقولون: لو أنّا أنزلنا عليك الكتاب، لكنّا أهدى منهم.

و في تفسير العيّاشي : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه سئل عن هذه الآية.

قال: كانوا يكتمون ما شاءوا، ويبدون ما شاءوا.

و في رواية [اخرى  عنه- عليه السّلام- قال‏] : كانوا يكتبونه في القراطيس، ثم‏يبدون ما شاءوا ويخفون ما شاءوا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم  [و تخفون كثيرا] . يعني: من أخبار رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.

وَ عُلِّمْتُمْ: على لسان محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.

ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ: زيادة على ما في التّوراة، وبيانا لما التبس عليكم وعلى آبائكم الّذين كانوا أعلم منكم. ونظيره: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ.

و قيل : إنّ  الخطاب لمن آمن من قريش.

قُلِ اللَّهُ، أي: أنزله اللّه، أو اللّه أنزله أمره. بأن يجيب عنهم، إشعارا بأنّ الجواب متعيّن لا يمكن غيره، وتنبيها على أنّهم بهتوا بحيث لا يقدرون على الجواب.

ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ: في أباطيلهم. فلا عليك بعد التّبليغ وإلزامهم الحجّة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، يعني: فيما  خاضوا فيه من التّكذيب.

يَلْعَبُونَ : حال من «هم» الأوّل. والظّرف صلة «ذرهم»، أو «يلعبون». أو حال من مفعوله. أو فاعل «يلعبون»، أو من «هم» الثّاني. والظّرف متّصل بالأوّل.

وَ هذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ: كثير الفائدة والنّفع.

مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ، يعني: التّوراة والكتب الّتي قبله.

وَ لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى: عطف على ما دلّ عليه «مبارك»، أي: للمبرّكات ولتنذر. أو علّة محذوف، أي: ولتنذر أهل أمّ القرى أنزلناه.

و إنّما سمّيت: مكّة بذلك. لأنّها قبلة أهل القرى ومحجّهم ومجتمعهم، وأعظم القرى شأنا.

و قيل : لأنّ الأرض دحيت من تحتها. [أو]  لأنها مكان أوّل بيت وضع للنّاس.

و قرأ  أبو بكر عن عاصم، بالياء، أي: ولينذر الكتاب.

وَ مَنْ حَوْلَها: أهل الشّرق والغرب.

وَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ، وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ :

فإنّ من صدّق بالآخرة، خاف العاقبة. ولا يزال الخوف يحمله على النّظر والتدبّر، حتّى يؤمن بالنّبيّ والكتاب. والضّمير يحتملهما. ويحافظ على الطّاعة. وتخصيص الصّلاة، لأنّها عماد الدّين وعلم الإيمان.

وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً: فزعم أنّه بعثه نبيّا، كمسيلمة والأسود العنسيّ. أو اختلف عليه أحكاما ، كعمرو بن لحي ومتابعيه.

أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْ‏ءٌ، كعبد اللّه بن أبي سرح، كان يكتب لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. فلمّا نزلت وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ فلمّا بلغ قوله: ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ قال عبد اللّه: فتبارك اللّه أحسن الخالقين. تعجّبا من تفصيل خلق الإنسان.

فقال- عليه السّلام-: اكتبها، فكذلك نزلت.

فشكّ عبد اللّه وقال: لئن كان محمّد صادقا، لقد أوحي إليَّ، كما أوحي إليه.

و لئن كان كاذبا، لقد قلت، كما قال.

و في روضة الكافي : أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْ‏ءٌ

 . قال: نزلت في ابن أبي سرح، الّذي كان عثمان استعمله على مصر. وهو ممّن كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يوم فتح مكّة هدر دمه. وكان يكتب لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. فإذا أنزل اللّه- عزّ وجلّ-: أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [كتب: إنّ اللّه عليم حكيم‏]  فيقول له رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: دعها فإنّ اللّه عليم حكيم.

و كان ابن أبي سرح يقول للمنافقين: إنّي لأقول من نفسي، مثل ما يجي‏ء [به‏] ، فما يغيّر  عليّ. فأنزل اللّه- تبارك وتعالى- فيه الّذي أنزل فيه  وفي تفسير العيّاشي ، مثله.

 

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح- أخو عثمان [بن عفان‏]  من الرّضاعة- وقدم المدينة وأسلم . وكان له خطّ حسن. وكان إذا نزل الوحي على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- دعاه [ليكتب، فيكتب‏]  ما يمليه عليه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- [من الوحي‏]  فكان  إذا قال له رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: «سميع بصير». يكتب «سميع عليم». وإذا قال: «و اللّه بما تعملون خبير».

يكتب: «بصير». ويفرّق بين التّاء والياء.

و كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقول: هو واحد.

فارتدّ كافرا ورجع إلى مكّة، وقال لقريش: واللّه، ما يدري محمّد ما يقول. أناأقول، مثل ما يقول فلا ينكر عليّ ذلك. فأنا  أنزل، مثل ما ينزل .

فأنزل اللّه على نبيّه في ذلك وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْ‏ءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ.

فلمّا فتح رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- مكّة، أمر  بقتله. فجاء به عثمان قد أخذ بيده ورسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في المسجد.

فقال: يا رسول اللّه اعف عنه. فسكت [رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-]  ثمّ أعاد، [فسكت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ثم أعاد] .

فقال: هو لك.

فلمّا مرّ قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ألم أقل: من رآه فليقتله؟

فقال رجل كانت عيني إليك، يا رسول اللّه أن تشير إليّ فأقتله.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ الأنبياء لا يقتلون بالإشارة.

فكان من الطّلقاء.

و في تفسير العيّاشي : عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في تأويله، قال: من ادّعى الإمامة دون الإمام.

وَ مَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ، كالّذين قالوا: لو نشاء، لقلنا مثل هذا.

وَ لَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ: حذف مفعوله لدلالة الظّرف عليه، أي: ولو ترى الظّالمين.

فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ: شدائده من غمره  الماء: إذا غشيه.

وَ الْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ: لقبض أرواحهم، كالمتقاضي المتسلّط. أوبالعذاب.

أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ، أي: يقولون لهم: أخرجوها من العذاب، وخلّصوها من أيدينا.

الْيَوْمَ: يريد به وقت الإماتة، أو الوقت الممتدّ من الإماتة إلى ما لا نهاية له.

تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ، أي: الهوان. يريد العذاب المتضمّن لشدّة وإهانة.

و إضافته إلى الهون، لعراقته وتمكّنه فيه.

و في تفسير العيّاشي : عن الفضيل قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: العطش يوم القيامة .

بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ، كادعاء الولد، والشّريك له، ودعوى النّبوّة والوحي كاذبا.

وَ كُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ : فلا تتأمّلون فيها، ولا تؤمنون.

وَ لَقَدْ جِئْتُمُونا: للحساب والجزاء.

فُرادى: منفردين عن الأموال والأولاد وسائر ما آثرتموه من الدّنيا. أو عن الأعوان والأوثان، الّتي زعمتم أنّها شفعاؤكم. وهو جمع فرد. والألف  للتّأنيث، ككسالى.

و قرئ : فرادا، كرخال. وفردا، كثلاث. وفردي، كسكرى.

كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ: بدل منه، أي: على الهيئة الّتي ولدتم عليها في الانفراد. أو حال ثانية، إن جوّز التّعدّد فيها. أو حال من الضّمير في «فرادى»، أي:

مشبهين ابتداء خلقكم عراة حفاة غرلا  بهما. أو صفة مصدر «جئتمونا»، أي: مجيئا، كخلقنا إيّاكم.في الخرائج والجرائح : عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قرأ على فاطمة بنت أسد هذه الآية.

فقالت: وما فرادى؟

فقال: عراة.

فقالت: وا سوأتاه.

فسأل اللّه، أن لا يبدي عورتها وأن يحشرها بأكفانها.

و في معناه حديث في الكافي : عن الصّادق- عليه السّلام-.

و عنه - عليه السّلام-: تنوّقوا  في الأكفان، فإنّكم تبعثون بها.

و في كتاب الاحتجاج : عنه- عليه السّلام- أنّه سئل عن النّاس: [أ يحشرون‏]  عراة؟

قال: بل يحشرون في أكفانهم. قيل : أنى لهم بالأكفان وقد بليت! قال: إنّ الّذي أحيى أبدانهم جدّد أكفانهم.

قال: فمن مات بلا كفن؟

قال: ستر اللّه عورته بما يشاء من عنده.

قال: أ فيعرضون صفوفا؟

قال: نعم، هم يومئذ عشرون ومائة ألف صفّ في عرض الأرض.

وَ تَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ: ما تفضّلنا به عليكم في الدّنيا، فشغلتم به عن الآخرة.وَراءَ ظُهُورِكُمْ: ما قدّمتم منه شيئا ولم تحتملوا نقيرا .

وَ ما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ، أي: شركاء اللّه في ربوبيّتهم واستحقاق عبادتكم.

لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ، أي: تقطّع وصلكم وتشتتّ جمعكم. والبين من الأضداد، يستعمل للوصل والفصل.

و قيل : هو الظّرف أسند إليه الفعل [على الاتّساع‏]  والمعنى: وقع التّقطّع بينكم. ويشهد له قراءة نافع والكسائيّ وحفص عن عاصم، بالنّصب، على إضمار الفاعل لدلالة ما قبله عليه. أو أقيم مقام موصوفه. وأصله: لقد تقطّع ما بينكم. وقد قرئ به.

وَ ضَلَّ عَنْكُمْ: ضاع وبطل.

ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ : أنّها شفعاؤكم، وأنّ لا بعث ولا جزاء.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: [أنّه قال‏]  نزلت هذه الآية في معاوية وبني أميّة، و«شركاؤهم» وأئمّتهم.

 «لقد  تقطّع بينكم»، يعني: المودّة.

إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى: بالنّبات والشّجر.

و قيل : المراد به، الشّقاق الّذي في الحنطة والنّواة.

يُخْرِجُ الْحَيَّ: يريد به ما ينمو من الحيوان والنّبات، [ليطابق ما قبله.

مِنَ الْمَيِّتِ: ممّا لا ينمو، كالنّطف والحبّ.

وَ مُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ: ومخرج ذلك من الحيوان والنّبات‏] . ذكره بلفظالاسم، حملا على «فالق الحبّ والنّوى». فإنّ قوله: «يخرج الحيّ» واقع موقع البيان له.

و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد، عن الحسين بن زيد ، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن [إبراهيم عن‏]  أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال في حديث الطينة: فالحبّ طينة المؤمنين  [الّتي‏]  ألقى اللّه عليها محبّته. والنّوى طينة الكافرين الّذين نأوا عن كلّ خير. وإنّما سمّي «النّوى» من أجل أنّه نأى عن كلّ خير وتباعد عنه. وقال اللّه- عزّ وجلّ-: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ.

فالحيّ، المؤمن الّذي تخرج طينته من طينة الكافر. والميّت الّذي يخرج [من الحيّ هو الكافر الذي يخرج‏]  من طينة المؤمن.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: الحبّ [ما أحبّه‏]  والنّوى، ما نأى  عن الحقّ.

و قال- أيضا-: [الحبّ‏]  [في قوله: إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ قال‏] : أن يفلق العلم من الأئمّة. والنّوى ما بعد عنه.

و في تفسير العيّاشي : عن المفضّل قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قوله: فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى.

قال: الحبّ، المؤمن. وذلك قوله: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي . والنّوى هو  الكافر الّذي نأى عن الحقّ فلم يقبله.

ذلِكُمُ اللَّهُ، أي: ذلكم المحيي المميت هو الّذي يحقّ له العبادة.فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ : تصرفون عنه إلى غيره.

فالِقُ الْإِصْباحِ: شاقّ عمود الصّبح عن ظلمة اللّيل، أو عن بياض النّهار. أو شاقّ ظلمة الإصباح، وهو الغبش الّذي يليه.

و الإصباح في الأصل مصدر، أصبح: إذا دخل في الصّبح. سمّي به الصّبح.

و قرئ، بفتح الهمزة، على الجمع. وقرئ: «فالق» بالنّصب، على المدح.

وَ جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً: يسكن إليه التّعب في النّهار، لاستراحته فيه. من سكن إليه: إذا اطمأنّ إليه، استئناسا به. أو يسكن فيه الخلق من قوله: لِتَسْكُنُوا فِيهِ .

و في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام-: و لا تسر أوّل اللّيل. فإنّ اللّه جعله سكنا، وقدّره مقاما لا ضعنا. فأرح فيه بدنك، وروّح  ظهرك.

و في الكافي : عن أبي جعفر- عليه السّلام-: [يا ميسر]  تزوّج  في اللّيل. فإنّ اللّه جعله سكنا.

و في تفسير العيّاشي : عن عبد اللّه بن الفضل، عن  النّوفليّ [عمن‏]  رفعه إلى أبي جعفر- عليه السّلام-: فإن  طلبتم الحوائج، فاطلبوها  بالنّهار. فإنّ اللّه جعل الحياء في العينين. فإذا  تزوّجتم، فتزوّجوا باللّيل فإنّ  اللّه جعل اللّيل سكنا.

عن عليّ بن عقبة ، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: تزوّجوا باللّيل، فإنّ اللّه جعل اللّيل  سكنا. ولا تطلبوا الحوائج باللّيل، فإنّه مظلم.و في كتاب الإهليلجة : قال الصّادق- عليه السّلام- بعد أن ذكر اللّيل والنّهار:

و لو جعل أحدهما سرمدا، ما قام لهم معاش أبدا . فجعل مدّبر هذه الأشياء وخالقها، النّهار مبصرا واللّيل سكنا.

و في تهذيب الأحكام ، بإسناده إلى أبان بن تغلب: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- [قال‏] : كان عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- يأمر غلمانه  أن لا يذبحوا حتّى يطلع الفجر. ويقول: إنّ اللّه جعل اللّيل سكنا لكلّ شي‏ء.

قال: قلت: جعلت فداك، فإن خفنا؟

فقال : إن كنت تخاف الموت، فاذبح.

و في الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: في التزويج  [قال‏]  من السّنّة التّزويج باللّيل. لأنّ اللّه جعل اللّيل سكنا.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن أبيه، عن ميسر بن  عبد العزيز، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال:

يا ميسر ، تزوّج باللّيل فإنّ اللّه جعله سكنا.

و نصبه بفعل دلّ عليه «جاعل» في معنى الماضي. ويدلّ عليه قراءة الكوفيّين:

 «و جعل اللّيل» حملا على معنى المعطوف عليه. فإنّ «فالق» بمعنى: فلق. ولذلك قرئ‏به. على أنّ المراد منه جعل مستمرّ في الأزمنة المختلفة. وعلى هذا يجوز أن يكون وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ: عطفا على محلّ «اللّيل». ويشهد له قراءتهما، بالجرّ. والأحسن نصبهما «بجعل» مقدّرا.

و قرئ ، بالرّفع، على الابتداء. والخبر محذوف، أي: مجعولان.

حُسْباناً، أي: على أدوار مختلفة يحسب بهما الأوقات، ويكونان على الحسبان. وهو مصدر «حسب» بالكسر.

و قيل : جمع، حساب، كشهاب وشهبان.

ذلِكَ، أي: جعلهما حسبانا. أو ذلك التّسيير بالحساب المعلوم.

تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ: الّذي قهرهما وسيّرهما على الوجه المخصوص.

الْعَلِيمِ : بتدبيرهما، والأنفع من الأوضاع الممكنة لهما.

وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ: خلقها لكم.

لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ: في ظلمات اللّيل في البرّ والبحر.

و اضافتها إليهما، للملابسة. أو في مشتبهات الطّرق والأمور. وسمّاها «ظلمات» على الاستعارة. وهو إفراد لبعض منافعها بالذّكر بعد ما أجملها بقوله: «لكم».

قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ: بيّناها فصلا فصلا.

لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ : فإنّهم المنتفعون  به.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: «النّجوم» آل محمّد.

و في شرح الآيات الباهرة : قال عليّ بن إبراهيم في تفسيره: إنّ «النّجوم» هم آل محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-. لأنّ الاهتداء لا يحصل إلّا بهم، و

لقول أمير المؤمنين- عليه السّلام-: مثل آل محمّد، كمثل النّجوم إذا هوى  نجم طلع نجم. وإنّ  هدى النّجوم من‏

هداهم ، وهو الهدى الّذي يوصل إلى جنّات النّعيم. وهدى النّجوم لمن لا يهتدي بهداهم  يوصل إلى دركات الجحيم. فعلى محمّد وآله من ربّنا الكريم أكمل  الصّلاة وأفضل التّسليم.

وَ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ: وهو آدم- عليه السّلام-.

فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ.

قيل : أي: فلكم استقرار في الأصلاب، أو فوق الأرض. واستيداع في الأرحام، أو تحت الأرض. أو موضع استقرار واستيداع.

و قرأ ابن  كثير والبصريّان، بكسر القاف، على أنّه اسم فاعل. والمستودع [اسم‏]  مفعول، أي: فمنكم قارّ ومنكم مستودع. لأنّ الاستقرار منّا دون الاستيداع.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: «المستقرّ» الإيمان الّذي يثبت في قلب الرّجل إلى أن يموت. و«المستودع» هو المسلوب منه الإيمان.

و

في تهذيب الأحكام ، في الدّعاء بعد صلاة الغدير المسند إلى الصّادق- عليه السّلام-: اللّهم، إنّي أسألك بالحقّ الّذي جعلته عندهم وبالّذي فضلّتهم على العالمين جميعا، أن تبارك لنا في يومنا هذا الّذي أكرمتنا فيه، وأن  تتمّ علينا نعمتك، وتجعله عندنا مستقرّا، ولا تسلبناه  أبدا، ولا تجعله مستودعا. فإنّك مستقرّ ومستودع. فاجعله مستقرّا ولا تجعله مستودعا.

و في تفسير العيّاشي : عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قلت:

هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ.قال: ما يقول أهل بلدك الّذي أنت فيه؟

قال: قلت: يقولون: مستقرّ في الرّحم ومستودع في الصلب.

فقال: كذبوا، المستقرّ ما استقرّ الإيمان في قلبه، فلا ينزع منه أبدا. والمستودع الّذي يستودع الإيمان زمانا ثمّ يسلبه وقد كان الزّبير منهم.

و عن سعيد بن أبي الأصبغ  قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- وهو سئل  عن «مستقرّ ومستودع».

قال: «مستقرّ» في الرّحم. و«مستودع» في الصّلب. وقد يكون مستودع الإيمان ثمّ ينزع منه. ولقد مشى الزّبير في ضوء الإيمان ونوره حين قبض رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- حتّى مشى بالسّيف وهو يقول: لا نبايع إلّا  عليّا.

محمّد بن الفضل ، عن أبي الحسن- عليه السّلام- [في قوله‏]  هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ.

قال: ما كان من الإيمان المستقرّ، فمستقرّ إلى يوم القيامة [أو]  أبدا. وما كان مستودعا، سلبه اللّه قبل الممات.

عن صفوان  قال: سألني أبو الحسن- عليه السّلام- ومحمّد بن خلف جالس، فقال لي: مات يحيى بن القاسم الحذّاء؟

فقلت [له‏] : نعم، ومات زرعة.

فقال: كان جعفر- عليه السّلام- يقول: «فمستقرّ ومستودع». فالمستقرّ، قوم‏يعطون الإيمان ويستقر في قلوبهم. والمستودع، قوم يعطون الإيمان ثمّ يسلبونه».

و عن أبي الحسن الأوّل - عليه السّلام- قال: المستقرّ، الإيمان الثّابت.

و المستودع، المعار.

و عن أبي عبد اللّه - عليه السّلام- مثله.

 

و في الكافيّ : عنه - عليه السّلام-: إنّ اللّه خلق النّبيّين على النّبوّة، فلا يكونون إلّا أنبياء. وخلق المؤمنين على الإيمان، فلا يكونون إلّا مؤمنين. وأعار قوما إيمانا، فإن شاء تمّمه لهم وإن شاء سلبهم  إيّاه.

قال: وفيهم جرت «فمستقرّ ومستودع».

و قال [لي‏] : إنّ فلانا كان مستودعا إيمانه، فلمّا كذب علينا سلب إيمانه ذلك.

و كنّى بفلان. عن أبي الخطّاب محمّد بن قلاص ، كما يستفاد من حديث آخر .

قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ :

ذكر مع ذكر «النّجوم» «يعلمون» لأنّ أمرها ظاهر، ومع ذكر تخليق بني آدم «يفقهون» لأنّ إنشاءهم من نفس واحدة وتصريفهم بين أحوال مختلفة، دقيق غامض يحتاج إلى استعمال فطنة وتدقيق نظر.

وَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً: من السّحاب، أو من جانب السّماء.

فَأَخْرَجْنا: على تلوين الخطاب.

بِهِ: بالماء.نَباتَ كُلِّ شَيْ‏ءٍ: نبت كلّ صنف من النّبات. والمعنى: إظهار القدرة في إنبات الأنواع المتفننة بماء واحد، وتفضّل بعضها على بعض في الأكل.

فَأَخْرَجْنا مِنْهُ: من النّبات، أو الماء.

خَضِراً: شيئا أخضر .

يقال: أخضر وخضراء، كأعور وعوراء. وهو الخارج من الحبّة المتشعّب.

نُخْرِجُ مِنْهُ: من الخضر.

حَبًّا مُتَراكِباً: قد ركب بعضه بعضا. وهو السّنبل.

وَ مِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ، أي: وأخرجنا من النّخل نخلا من طلعها قنوان. أو من النّخل شيئا من طلعها قنوان.

و يجوز أن يكون «من النّخل» خبر «قنوان». و«من طلعها» بدلا منه.

و المعنى: وحاصله من طلع النّخل قنوان. وهو الأعذاق، جمع قنو، كصنوان، جمع صنو.

و قرئ : بضمّ القاف كذئب وذئاب. وبفتحها، على أنّه اسم جمع. إذ ليس «فعلان» من أبنية الجمع.

دانِيَةٌ: قريبة من المتناول ، أو ملتفّة قريب بعضها من بعض. وإنّما اقتصر على ذكرها عن مقابلها، لدلالتها عليه وزيادة النّعمة فيها.

وَ جَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ: عطف على «نبات كلّ شي‏ء».

و قرئ ، بالرّفع وفي مجمع البيان : أنّه قراءة أمير المؤمنين،- عليه السّلام- على الابتداء، أي: ولكم، أو ثمّ جنّات، أو من الكرام جنّات.

و لا يجوز عطفه على «قنوان» إذ العنب لا يخرج من النّخل.

وَ الزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ: أيضا عطف على «نبات». أو نصب على الاختصاص،لعزّة هذين الصّنفين عندهم.

مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ: حال من «الرّمّان». أو من الجميع، أي: بعض ذلك متشابه وبعضه غير متشابه في الهيئة والقدر والطّعم.

انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ: إلى ثمر كلّ واحد من ذلك.

و قرأ  حمزة والكسائيّ، بضمّ الثّاء. وهو جمع، ثمرة، كخشبة وخشب. أو ثمار، ككتاب وكتب.

إِذا أَثْمَرَ: إذا أخرج ثمره كيف يثمر ضئيلا لا يكاد ينتفع به.

وَ يَنْعِهِ: وإلى حال نضجه، أو إلى نضجه كيف يعود ضخيما ذا نفع ولذّة.

و هو في الأصل مصدر، ينعت الثّمرة: إذا أدركت.

و قيل : جمع، يانع، كتاجر وتجر.

و قرئ ، بالضّمّ، وهو لغة فيه. ويانعة.

إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ، أي: لآيات على وجود القادر الحكيم وتوحيده. فإنّ حدوث الأجناس المختلفة والأنواع المفنّنة من أصل واحد ونقلها من حال إلى حال، لا يكون إلّا بإحداث قادر يعلم تفاصيلها ويرجّح ما تقتضيه حكمته ممّا يمكن من أحوالها، ولا يعوقه من فعله ندّ يعارضه أو ضدّ يعانده.

و لذلك عقّبه بتوبيخ من أشرك به والرّد عليه، فقال: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ، أي: الملائكة. بأن عبدوهم وقالوا: الملائكة بنات اللّه. سمّاهم: جنّا، لاجتنانهم تحقيرا لشأنهم.

أو الشّياطين، لأنّهم أطاعوهم، كما يطاع اللّه. أو عبدوا الأوثان بتسويلهم وتحريضهم.

أو قالوا: اللّه خالق الخير وكلّ نافع، والشّيطان خالق الشّر وكلّ ضارّ، كما رأى الثّنويّة.و مفعولا «جعلوا للّه» «شركاء»، و«الجنّ» بدل من «شركاء». أو «شركاء الجنّ» و«للّه» متعلّق «بشركاء»، أو حال منه.

و قرئ : «الجنّ» بالرّفع، كأنّه قيل: من هم؟

فقيل: «الجنّ». وبالجرّ، على الإضافة، للتّبيين. وَخَلَقَهُمْ: حال بتقدير «قد». والمعنى: وقد علموا أنّ اللّه خالقهم دون الجنّ، وليس من يخلق كمن لا يخلق.

و قرئ : «و خلقهم» عطفا على «الجنّ»، أي: وما يخلقونه من الأصنام. أو على «شركاء»، أي: وجعلوا له اختلاقهم للإفك حيث نسبوه إليه.

وَ خَرَقُوا لَهُ: افتعلوا وافتروا له .

و قرأ  نافع، بتشديد الرّاء، للتّكثير.

و قرئ : «و حرّفوا»، أي: وزوّروا.

بَنِينَ وَبَناتٍ.

فقالت اليهود: عزير بن اللّه. وقالت النّصارى: المسيح بن اللّه وقالت العرب:

الملائكة بنات اللّه.

بِغَيْرِ عِلْمٍ: من غير أن يعلموا حقيقة ما قالوا، ويروا عليه دليلا، بل جهلا منهم بعظمة اللّه. وهو في موضع الحال من «الواو». أو المصدر، أي: خرقا بغير علم.

سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ : وهو أنّ له شريكا وولدا.