سورة البقرة الآية 41-60

وَ آمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ من القرآن.مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ من التوراة والإنجيل وغيرهما.

وَ لا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ: أول فوج كفر به.

 [و في تفسير العياشي : عن جابر الجعفي قال: سألت أبا جعفر- عليه السلام- عن تفسير هذه الاية، في باطن القرآن وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ، يعني: فلانا وصاحبه ومن تبعهم ومن دان بدينهم. وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ، يعني: عليا- عليه السلام-] .

 

وَ لا تَشْتَرُوا: لا تستبدلوا.

بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا: من الرئاسة التي تخافون أن تفوت منكم ، باتباع محمد أو الشي‏ء  الذي تأخذونه من رعاياكم، على تحريف الكلم وتسهيل ما صعب عليهم، من الشرائع.

وَ إِيَّايَ فَاتَّقُونِ :

 [و في شرح الآيات الباهرة : قال الامام- عليه السلام-: ثم قال اللّه- عز وجل- لليهود: «و آمنوا» يا أيها اليهود بما أنزلت على محمد من ذكر نبوته وأنباء امامة أخيه علي وعترته الطيبين، مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ. فان مثل هذا الذكر في كتابكم، أن محمدا النبي، سيد الأولين والآخرين، المؤيد بسيد الوصيين وخليفة رب العالمين، فاروق الأمّة، وباب مدينة الحكمة، ووصي رسول الرحمة. ولا تشتروا بآياتي المنزلة لنبوة محمد وإمامة علي والطاهرين من‏عترته ثَمَناً قَلِيلًا بأن  تجحدوا نبوة النبي وامامة الامام- عليهما السلام- وتعتاضوا عنها عرض  الدنيا. فان ذلك وان كثر، فالى نفاد وخسار وبوار. ثم قال- عز وجل-: وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ في كتمان أمر محمد وأمر وصيه. فان لم تتقوا  لم تقدحوا في نبوة النبي ولا في وصية الوصي. بل حجج اللّه عليكم، قائمة.

و براهينه بذلك واضحة. قد قطعت معاذيركم. وأبطلت تمويهكم. وهؤلاء، يهود المدينة ، جحدوا نبوة محمد. وخانوه. وقالوا: نحن نعلم، أن محمدا، نبي. وأن عليا، وصيه. ولكن لست أنت ذلك  ولا هذا. (يشيرون الى علي- عليه السلام.) فأنطق اللّه تعالى، ثيابهم التي عليهم وخفافهم التي في أرجلهم، يقول كل واحد منها للابسه: كذبت، يا عدو اللّه! بل النبي، محمد هذا. والوصي علي هذا. ولو أذن اللّه لنا، أضغطناكم وعقرناكم وقتلناكم.

فقال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وآله-: ان اللّه- عز وجل- يمهلهم، لعلمه بأنه سيخرج من أصلابهم، ذريات طيبات مؤمنات . ولو تزيلوا، لعذب هؤلاء عذابا أليما.  وانما يعجل من يخاف الفوت.

و في مجمع البيان ، روي عن النبي- صلى اللّه عليه وآله-: من سن سنّة حسنةفله أجرها وأجر من عمل بها، الى يوم القيامة. ومن سن سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها، الى يوم القيامة.

و روى عن أبي جعفر- عليه السلام-  في هذه الاية قال: كان حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف وآخرون من اليهود، لهم مأكلة على اليهود، في كل سنة. فكرهوا بطلانها، بأمر النبي- صلى اللّه عليه وآله-: فحرفوا لذلك، آيات من التوراة، فيها صفته وذكره. فذلك الثمن الذي أريد  في الاية] .

وَ لا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ. وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ. وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ

 [في شرح الآيات الباهرة : قال الامام- عليه السلام-: ثم خاطب اللّه- عز وجل- قوما من اليهود قال: وَلا تَلْبِسُوا  الْحَقَّ بِالْباطِلِ بأن زعموا أن محمدا، نبي وأن عليا، وصي. ولكنهما يأتيان بعد وقتنا هذا، بخمس مائة سنة.

فقال لهم رسول اللّه- صلى اللّه عليه وآله-: أ ترضون التوراة بيني وبينكم حكما؟

قالوا: بلى.

فجاءوا بها. وجعلوا يقرءون منها، خلاف ما فيها. فقلب اللّه- عز وجل- الطومار الذي كانوا منه يقرءون. وهو في يد قارئين  منهم، مع أحدهما أوله ومع الاخر، آخره، ثعبانا له رأسان. وتناول كل رأس منهما، يمين  الذي هوفي يده. وجعلت ترضضه وتهشمه. ويصيح الرجلان. ويصرخان. وكانت هناك طوامير أخر. فنطقت. وقالت: لا تزالان في هذا العذاب، حتى تقرءا بما فيها، من صفة محمد ونبوته وصفة علي وإمامته، على ما انزل اللّه تعالى. فقرءاه  صحيحا وآمنا برسول اللّه- صلى اللّه عليه وآله- وامامة علي، ولي اللّه .

فقال اللّه تعالى: وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ بأن تقروا، بمحمد وعلي، من وجه. وتجحدوهما، من وجه وَتَكْتُمُوا  الْحَقَّ من نبوة هذا وامامة هذا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏] .

وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ، أي: صلاة المسلمين.

وَ آتُوا الزَّكاةَ: زكاتهم.

وَ ارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ : منهم. لان اليهود، لا ركوع في صلاتهم.

 [و في شرح الآيات الباهرة : قال الامام- عليه السلام-: ثم قال اللّه- عز وجل- لهؤلاء: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ قال:

أقيموا الصلوات المكتوبات التي جاء بها محمد. وأقيموا- أيضا- الصلوة على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الذين علي سيدهم وفاضلهم. وآتوا الزكاة من أموالكم، إذا وجبت ومن أبدانكم، إذا لزمت ومن معونتكم، إذا التمست.

و اركعوا مع الراكعين، أي: تواضعوا مع المتواضعين، لعظمة اللّه- عز وجل-في الانقياد لأولياء اللّه، لمحمد نبي اللّه ولعلي ولي اللّه وللأئمة بعدهما سادات أصفياء اللّه.

و نقل ابن مردويه وأبو نعيم الحافظ ، في قوله تعالى: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ انها نزلت في رسول اللّه وفي علي- صلوات اللّه عليهما- خاصة. لأنهما أول من صليا وركعا .

و في تفسيرات فرات بن ابراهيم الكوفي ، قال: حدثنا الحسن بن الحسين الأنصاري. قال: حدثنا حيان بن علي العنزي ، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس- رضي اللّه عنه-: ان قوله: ارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ نزلت في رسول اللّه وعلي بن أبي طالب- عليهما السلام- خاصة. وهما  أول من صليا وركعا.

و في كتاب علل الشرايع : بإسناده الى زرارة بن أعين، عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: قلت له: المرأة عليها أذان واقامة؟

فقال: ان كانت تسمع أذان القبيلة، فليس عليها شي‏ء. والا فليس عليها أكثر من الشهادتين. لأن اللّه- تبارك وتعالى- قال للرجال: أَقِيمُوا الصَّلاةَ. وقال للنساء: «و أقمن الصلاة. وآتين الزكاة. وأطعن اللّه ورسوله».

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في تهذيب الأحكام : الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن إسحاق بن المبارك. قال: سألت أبا ابراهيم- عليه السلام- عن صدقة الفطرة، أ هي مما قال اللّه: أَقِيمُوا الصَّلاةَ. وَآتُوا الزَّكاةَ؟

فقال: نعم.

و في عيون الأخبار : في العلل التي ذكرها الفضل بن شاذان، عن الرضا- عليه السلام- قال- عليه السلام-: فان قال [قائل‏] : فلم أمروا بالصلاة؟

قيل: لأن في الصلاة، الإقرار بالربوبية. وهو صلاح عام. لأن فيه خلع الأنداد والقيام بين يدي الجبار بالذل والاستكانة والخضوع [و الخشوع‏]  والاعتراف وطلب الاقالة من سالف الذنوب ووضع الجبهة على الأرض، كل يوم وليلة، ليكون العبد ذاكرا للّه تعالى، غير ناس له. ويكون خاشعا وجلا متذللا طالبا راغبا في الزيادة للدين والدنيا، مع ما فيه من الانزجار عن الفساد. وصار ذلك عليه في كل يوم وليلة، لئلا ينسى العبد، مدبره وخالقه. فيبطر. ويطغى.

و ليكون في ذكر  خالقه والقيام بين يدي ربه، زاجرا له عن المعاصي وحاجزا ومانعا عن أنواع الفساد.

و فيه : بإسناده الى أبي الحسن الرضا- عليه السلام- قال: ان اللّه- عز وجل- أمر بثلاثة مقرون بها ثلاثة [أخرى‏] : أمر بالصلاة والزكاة. فمن صلى‏و لم يزك، لم تقبل  صلاته- الحديث-.

و في من لا يحضره الفقيه : وكتب الرضا، علي بن موسى- عليه السلام- الى محمد بن سنان، فيما كتب اليه من جواب مسائله: ان علة الزكاة، من أجل قوت الفقراء وتحصين أموال الأغنياء. لأن اللّه- عز وجل- كلف أهل الصحة، القيام بشأن أهل الزمانة والبلوى. كما قال اللّه : لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ:

في أموالكم، إخراج الزكاة. وفي أنفسكم، توطين النفس  على الصبر، مع ما في ذلك من أداء شكر نعم اللّه- عز وجل- والطمع في الزيادة، مع ما فيه من الزيادة والرأفة والرحمة لأهل الضعف والعطف على أهل المسكنة والحث لهم على المواساة وتقوية الفقراء والمعونة لهم على أمر الدين. وهو عظة لأهل الغنى.

و عبرة لهم. ليستدلوا على فقراء الاخرة بهم. وما لهم من الحث في ذلك، على الشكر للّه- عز وجل- لما خولهم وأعطاهم والدعاء والتضرع والخوف، من أن يصيروا مثلهم، في أمور كثيرة، في أداء الزكاة والصدقات وصلة الأرحام واصطناع المعروف‏] .

أَ تَأْمُرُونَ النَّاسَ من أتاربكم  في الخفية.

بِالْبِرِّ: اتباع محمد.

وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ. وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ:

 [في شرح الآيات الباهرة:  من تفسير العسكري- عليه السلام-: ان رؤساءهؤلاء اليهود اقتطعوا أموال ضعفائهم، من الصدقات والمواريث، ليأكلوها.

و قالوا: نقتل محمدا- صلى اللّه عليه وآله-. فلما جاؤوا  دفعهم اللّه عنه.

فقال لرؤسائهم: أنتم فعلتم. وفعلتم. وأخذتم أموال هؤلاء. وهي موجودة عندكم.

فأنكروا ذلك. فأمر النبيّ- صلى اللّه عليه وآله- الملائكة، بإحضار الأموال.

فلما حضرت، اعترفوا بذنوبهم. فأسلم بعض. وأقام على دينه بعض.

قال الامام- عليه السلام- فقال الرؤساء الذين هموا بالإسلام: نشهد يا محمد! أنك النبي الأفضل. وأن أخاك هذا، هو الوصي الأجل الأكمل. فقد فضحنا اللّه تعالى، بذنوبنا . أ رأيت ان تبنا مما اقتطعنا، ما يكون حالنا؟

قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وآله-: إذا أنتم، في الجنان، رفقاؤنا وفي الدنيا، في دين اللّه، إخواننا. ويوسع اللّه، أرزاقكم. وتجدون في مواضع أموالكم التي أخذت منكم، أضعافها . وينسى هؤلاء الخلق، فضيحتكم. حتى لا يذكرها أحد منهم.

فقالوا: نشهد أن لا اله الا اللّه، وحده. لا شريك له. وأنك، يا محمد! عبده ورسوله وصفيه وخليله. وأن عليا، أخوك ووزيرك والقيم بدينك والنائب عنك والمناضل دونك. وهو منك بمنزلة هارون من موسى، الا أنه لا نبي بعدك.

فقال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وآله-: فإذا أنتم المفلحون.

و في مجمع البيان : روى أنس بن مالك. قال: قال رسول اللّه- صلى‏

 اللّه عليه وآله-: مررت ليلة أسري بي، على أناس تقرض شفاههم، بمقاريض من نار. فقلت: من هؤلاء؟ يا جبرئيل! فقال: هؤلاء خطباء من أهل الدنيا، ممن كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم.

و في مصباح الشريعة : قال الصادق- عليه السلام-: من لم ينسلخ عن هواجسه  حسبه ولم يتخلص من آفات نفسه وشهواتها ولم يهزم الشيطان ولم يدخل في كنف اللّه تعالى وتوحيده وأمان  عصمته، لا يصلح للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لأنه إذا لم يكن بهذه الصفة، فكلما أظهر، يكون حجة عليه. ولا ينتفع الناس به. قال اللّه تعالى: أَ تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ. ويقال له: يا خائن أ تطالب خلقي بما خنت به نفسك وأرخيت عنه عنانك؟

و في تفسير علي بن ابراهيم : و[أما]  قوله أَ تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ قال: نزلت في القصاص والخطاب. وهو قول أمير المؤمنين- عليه السلام- وعلى كل منبر منهم خطيب مصقع، يكذب على اللّه وعلى رسوله وعلى كتابه.

و في أصول الكافي : بإسناده الى أبى عبد اللّه- عليه السلام- قال في قول اللّه‏- عز وجل- فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ قال: يا أيا بصير! هم قوم وصفوا عدلا، بألسنتهم. ثم خالفوه الى غيره.

و بإسناده  الى خيثمة، قال: قال لي أبو جعفر- عليه السلام-: أبلغ شيعتنا:

أن أعظم الناس حسرة يوم القيامة، من وصف عدلا ثم خالفه الى غيره.

و بإسناده  الى ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: ان من أعظم الناس حسرة يوم القيامة، من وصف عدلا، ثم خالفه الى غيره.

و بإسناده  الى قتيبة الأعشى، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- أنه قال: [ان‏]  من أشد الناس عذابا يوم القيامة، من وصف عدلا، ثم  عمل بغيره.

و بإسناده  الى معلى بن خنيس، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- [أنه‏]  قال: ان [من‏]  أشد الناس حسرة يوم القيامة، من وصف عدلا، ثم عمل بغيره.

و في تفسير العياشي ، عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: قلت قوله: أَ تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ .

قال: فوضع يده على حلقه. قال: كالذابح نفسه .و قال الحجال ، عن ابن إسحاق، عمن ذكره: وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ، أي:

تتركون‏] .

أَ فَلا تَعْقِلُونَ؟

 [في كتاب علل الشرايع : بإسناده الى عيسى بن جعفر بن محمد بن عبد اللّه  ابن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن آبائه، عن عمر بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب: ان النبي- صلى اللّه عليه وآله- سئل: مما خلق اللّه- عز وجل- العقل؟

قال: خلقه ملك. له رؤوس، بعدد الخلائق من خلق ومن يخلق، الى يوم القيامة. ولكل رأس، وجه. ولكل آدمي، رأس من رؤوس العقل. واسم ذلك الإنسان، على وجه ذلك الرأس مكتوب. وعلى كل وجه، ستر ملقى لا يكشف  ذلك الستر، من ذلك الوجه، حتى يولد هذا المولود ويبلغ حد الرجال أو حد النساء. فإذا بلغ، كشف ذلك الستر [من ذلك‏] ، فيقع في قلب هذا الإنسان نور. فيفهم الفريضة والسنة والجيد والردي‏ء. ألا ومثل العقل في القلب، كمثل السراج، في وسط البيت.

و في تفسير علي بن ابراهيم : وقال الصادق- عليه السلام-: موضع العقل، الدماغ. ألا ترى الرجل إذا كان قليل العقل، قيل له ما أخف دماغك؟و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في أصول الكافي : أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن بعض أصحابنا، رفعه الى أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: قلت له: ما العقل؟

قال: ما عبد به الرحمن. واكتسب به الجنان.

قال: قلت: فالذي كان في معاوية؟

فقال: تلك النكراء. تلك الشيطنة. وهي شبيهة بالعقل. وليست بالعقل‏] .

وَ اسْتَعِينُوا في حوائجكم بِالصَّبْرِ، أي: الصوم.

وَ الصَّلاةِ وَإِنَّها، أي: الصلاة.

لَكَبِيرَةٌ، إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ

 [في شرح الآيات الباهرة : قال الامام- عليه السلام- قال اللّه- عز وجل- لسائر الكافرين واليهود والمشركين: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ، أي:

بالصبر عن  الحرام وعلى تأدية الأمانات. وبالصبر عن  الرياسات الباطلة وعلى الاعتراف لمحمد ، بنبوته ولعلي ، بوصيته. واستعينوا بالصبر، على خدمتهما وخدمة من يأمرانكم بخدمته، على استحقاق الرضوان والغفران ودائم نعيم الجنان، في جوار الرحمن وموافقة  خيار المؤمنين والتمتع بالنظر الى غرة محمد، سيد الأولين والآخرين وعلي، سيد الوصيين والسادة الأخيار المنتجبين.

فان ذلك أقر لعيونكم وأتم لسروركم وأكمل لهدايتكم، من سائر نعيم الجنان‏و استعينوا، أيضا، [بالصلوات الخمس و]  بالصلاة على محمد وآله الطيبين، على قرب الوصول الى جنات  النعيم. وأيضا، أن هذه الفعلة من الصلوات الخمس ومن الصلاة على محمد وآله الطيبين والانقياد لأوامرهم والايمان بسرهم وعلانيتهم وترك معارضتهم بلم وكيف، لكبيرة عظيمة، الا على الخاشعين الخائفين عقاب اللّه، في مخالفته، في فرائضه.

و في تفسير العياشي : عن عبد اللّه بن طلحة. قال أبو عبد اللّه- عليه السلام-: «الصبر» هو الصوم.

و فيه ، عن مسمع. قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السلام-: يا مسمع! ما يمنع أحدكم إذا دخل عليه غم من غموم الدنيا، يتوضأ ثم يدخل مسجده ويركع ركعتين، فيدعو اللّه فيها؟ أما سمعت اللّه يقول: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ».

و فيه ، عن سليمان الفراء، عن أبي الحسن- عليه السلام- في قول اللّه وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ قال: «الصبر»، الصوم. إذا نزلت بالرجل الشدة أو النازلة، فليصم. قال: اللّه يقول: اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ فالصبر، الصوم.

و في الكافي : علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن سليمان، عمن ذكره، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في قول اللّه- عز وجل-: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ» قال:يعنى بالصبر، الصيام .

و قال: إذا نزلت بالرجل النازلة والشدة ، فليصم. فان اللّه- عز وجل- يقول: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ، يعنى: الصيام.

و في من لا يحضره الفقيه، مرسلا، عن الصادق- عليه السلام- مثله .

 

و في تفسير فرات بن ابراهيم : قال: حدثنا الحسين بن الحكم. قال: حدثنا الحسن بن الحسين. قال: حدثنا حيان بن علي، عن الكلبي، عن أبي صالح .

عن ابن عباس- رضي اللّه عنه- في قوله تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ. وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ: الخاشع، الذليل في صلاته المقبل عليها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وعلي بن أبي طالب- عليه السلام-] .

الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ :

 [في كتاب التوحيد ، حديث طويل، عن علي- عليه السلام- يقول فيه وقد سأله رجل عما اشتبه عليه من الآيات: فأما قوله: بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ  يعنى: البعث. فسماه اللّه- عز وجل- لقاءه . وكذلك ذكر المؤمنين،الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ، يعني: انهم يوقنون أنهم يبعثون ويحشرون ويحاسبون ويجزون بالثواب والعقاب. والظن هاهنا، اليقين.

و في تفسير علي بن ابراهيم ، قال: الظن في كتاب اللّه ، على وجهين:

فمنه ظن يقين. ومنه ظن شك. ففي هذا الموضع، الظن يقين. وأما  الشك، فقوله:

إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا. وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ.  وقوله: وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ ] .

يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ: التكرير للتوكيد. وتذكير التفضيل الذي، هو أجل النعم، خصوصا. والربط بالوعيد الشديد، تخويفا لمن غفل عنها وأخل بحقوقها.

وَ أَنِّي فَضَّلْتُكُمْ، نصب عطف على نعمتي، أي: وتفضيلي.

عَلَى الْعالَمِينَ ، أي: عالمي زمانهم. المراد، تفضيل آبائهم الذين كانوا في عصر موسى- عليه السلام- وبعده، قبل أن يغيروا بما منحهم اللّه، من العلم والايمان والعمل الصالح وجعلهم أنبياء وملوكا مقسطين.

و يحتمل أن يكون المعنى، على الجم الغفير من الناس، كقوله: بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ، يقال:

رأيت عالما من الناس، يراد الكثرة. فعلى هذا، لا يستقيم ما قيل . ان في الاية، دلالة على تفضيل البشر، على الملك.

وَ اتَّقُوا يَوْماً: فيه مجاز عقلي، أي: ما فيه من الحساب  والعذاب، والتنكير للتفخيم.

لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً، أي: لا تقضي عنها شيئا من الحقوق، فيكون شيئا مفعولا به. أو لا تجزي عنها شيئا من الجزاء، اي: قليلا منه. فيكون نصبا على المصدر، كقوله: وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً .

و قرئ لا تجزئ من أجزأ عنه، إذا أغنى. وعلى هذا تعين أن يكون مصدرا، أي: شيئا من الإغناء.

و قرئ ولا تجزى، نسمة عن نسمة شيئا.

و تنكير الشي‏ء مع النفسين ، للاقناط الكلي والتعميم.

و الجملة في محل النصب، صفة «ليوما». والعائد، محذوف. والتقدير:

لا تجزي فيه. وان لم يجوز حذف العائد المجرور. يقال: اتسع فيه. فحذف عنه الجار أو لا وأجري مجرى المفعول به، ثم حذف، كما حذف من قوله:

         كتبت اليهم كتابا مرارا             فلم يرجع الي منهم جوابا

          فما أدرى أغيرهم تناء             وطول العهد أم مال أصابوا؟

 أي: أصابوه.

وَ لا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ: من الشفع. كأن المشفوع، كان فردا. فجعله‏الشفيع، زوجا، بضم نفسه اليه.

و قرأ ابن كثير وأبو عمرو: لا تقبل- بالتاء-.

 [و في تفسير علي بن ابراهيم : وقوله: وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً. وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وهو قوله- عليه السلام-: لو أن كل ملك مقرب وكل نبي  مرسل، شفعوا في ناصب، ما شفعوا.

و في كتاب الخصال : عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: ثلاث من كن فيه استكمل خصال الايمان: من صبر على الظلم وكظم غيظه واحتسب وعفا وغفر، كان ممن يدخله اللّه تعالى الجنة بغير حساب ويشفعه في مثل ربيعة ومضر.

عن الحسن بن علي بن أبي طالب- عليه السلام-  عن النبي- صلى اللّه عليه وآله- حديث طويل، يقول فيه- صلى اللّه عليه وآله-: وأما شفاعتي، ففي أهل الكبائر، ما خلا أهل الشرك والظلم‏] .

وَ لا يُؤْخَذُ مِنْها، أي: من النفس الثانية العاصية، أو الأولى.

عَدْلٌ: المراد به الفدية. وقيل : مطلق البدل. وأصله التسوية. سمي به الفدية. لأنها سويت بالمفدى.

و المقصود بالاية، نفي أن يدفع العذاب، أحد عن كل أحد، من كل وجه محتمل.

فانه اما أن يكون قهرا أو غيره. والأول، النصرة. والثاني اما أن يكون مجانا أو غيره‏و الأول، أن يشفع له. والثاني، اما بأداء ما كان عليه. وهو أن يجزي عنه أو بغيره. وهو أن يعطي عنه عدلا.

 [و في مجمع البيان : وأما ما جاء في الحديث: «لا يقبل اللّه منه صرفا ولا عدلا» فاختلف في معناه. قال الحسن: الصرف، العمل. والعدل، الفدية. وقال الاصمعي: الصرف، التطوع. والعدل، الفريضة. وقال أبو عبيدة: الصرف، الحلية. والعدل، الفدية. وقال الكلبي: الصرف، الفدية. والعدل، رجل مكانه.

و في تفسير العياشي . عن يعقوب الأحمر، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: العدل، الفريضة.

عن ابراهيم بن الفضيل ، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام-. قال: العدل في قول أبي جعفر- عليه السلام- الفداء.

و رواه أسباط الزطي  قال: قلت لابي عبد اللّه- عليه السلام-: قول اللّه: «لا يقبل اللّه منه صرفا ولا عدلا»، قال: الصرف، النافلة. والعدل، الفريضة] .

وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ : الضمير يرجع الى النفوس الكثيرة التي دلت عليها النفس الثانية المنكرة الواقعة في سياق النفي.

و النصرة، أخص من المعونة، لاختصاصه بدفع الضر.

و استدلت المعتزلة، بهذه الاية، على نفي الشفاعة، لأهل الكبائر.قال البيضاوي : وأجيب بأنها مخصوصة بالكفار، للآيات والأحاديث الواردة في الشفاعة.

قال: ويؤيده أن الخطاب معهم والاية نزلت ردا لما كانت اليهود، تزعم أن آباءهم تشفع لهم.

أقول: الاية يحتمل أن تكون مخصصة للآيات والأحاديث الواردة في الشفاعة الدالة على عمومها، كما أن كون الخطاب معهم، يحتمل أن يكون مؤيدا للتخصيص بالكفار، فلا يتم الاستدلال من الجانبين. فتأمل!

 [و في شرح الآيات  الباهرة، قال الامام- عليه السلام-: ثم قال اللّه- عز وجل-: وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً أي: لا تدفع عنها عذابا . قد استحقته عند النزع. ولا يقبل منها شفاعة، من يشفع لها، بتأخير الموت عنها.

و لا يؤخذ منها عدل، أي : لا يقبل منها فداء مكانه، يموت الفداء ويترك هو.

و قال الصادق- عليه السلام-: وهذا اليوم، يوم الموت. فان الشفاعة والفداء، لا يفنى فيه. فأما يوم القيامة، فانا وأهلنا  نجزي عن شيعتنا كل جزاء، لنكونن  على الأعراف بين الجنة والنار  ومحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبون‏من آلهم. فنرى  بعض شيعتنا في تلك  العرصات، مما كان منهم مقصرا في بعض شدائدها. فنبعث عليهم خيار شيعتنا، كسلمان والمقداد وأبي ذر وعمار ونظرائهم في العصر الذي يليهم، ثم في كل عصر الى يوم القيامة. فينقضون عليهم  كالبزاة والصقور، تتناولهم كما تتناول الصقور صيدها. ثم يزفون الى الجنة، زفا. وانا لنبعث على آخرين من محبّينا من خيار شيعتنا، كالحمام. فيلتقطونهم من العرصات، كما يلتقط الطير الحب. وينقلونهم الى الجنان، بحضرتنا. وسيؤتى بالواحد من مقصري شيعتنا في أعماله، بعد أن صان الولاية والتقية وحقوق إخوانه ويوقف  بإزائه ما بين مائة واكثر من ذلك، الى مائة الف من النصاب. فيقال له: هؤلاء فداؤك من النار. فيدخل هؤلاء المؤمنون الجنة. وأولئك النصاب النار. وذلك مما قال اللّه عز وجل: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا بالولاية لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ  في الدنيا، منقادين للامامة، ليجعل مخالفوهم، فداءهم من النار] .

وَ إِذْ نَجَّيْناكُمْ، عطف على «نعمتي»، كعطف جبرئيل وميكائيل على الملائكة. فصل بعد الإجمال، في قوله «نعمتي». لأنه أوقع وأمكن في النفس.

و قرئ نجيناكم وأنجيتكم.

مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ: اصل آل، أهل لأن تصغيره أهيل. أعل وخص استعماله بالاضافة الى أولى الخطر، كالأنبياء والملوك.قال الكسائي: سمعت أعرابيا يقول: آل وأؤيل وأهل وأهيل، فأصله أءل.

- بالهمزة-.

و «فرعون»: لقب لمن ملك العمالقة، ككسرى، لملك الفرس وقيصر، لملك الروم. ولعتو الفراعنة، اشتق منه تفرعن الرجل، إذا عتى وتجبر.

قال البيضاوي : وكان فرعون موسى، مصعب بن ريان. وقيل: اسمه ، وليد، من بقايا عاد. وفرعون يوسف- عليه السلام- ريان. وكان بينهما أكثر من أربعمائة سنة.

يَسُومُونَكُمْ: أي: يبغونكم. يقال: سامه خسفا، إذا أولاه ظلما، أي:

أصابه  إياه.

و أصل «السوم»، الذهاب في طلب الشي‏ء.

سُوءَ الْعَذابِ، أي: أفظعه. فانه قبيح بالاضافة الى سائره. يقال: أعوذ باللّه من سوء الخلق وسوء الفعل. يراد قبيحهما.

 «و السوء»، مصدر ساء يسوء. ونصبه على المفعول، ليسومونكم.

و الجملة حال  من الضمير، في «أنجيناكم» أو «من آل فرعون» أو منهما.

يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ:

بيان «ليسومونكم». ولذلك فصل.

و قرئ بالتخفيف.

و انما فعلوا بهم ذلك، لأن فرعون رأى في المنام، أو قال له الكهنة: سيولد منهم، من يذهب بملكه. فلم يرد اجتهادهم، من قدر اللّه شيئا. [في كتاب الخصال ، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام-. قال: قام رجل الى أمير المؤمنين- عليه السلام- في الجامع بالكوفة. فقال: يا أمير المؤمنين! أخبرني عن يوم الأربعاء والتطير منه وثقله. أي أربعاء هو؟.

فقال: أربعاء في آخر الشهر- الى قوله- يوم الأربعاء أمر فرعون بذبح الغلمان‏] .

وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ، أي: يبقونهن طلبا لحياتهن. ويتخذونهن إماء.

و زعم بعضهم، أنه من طلب الحياء، أي: الفرج، أي: ينظرون هل هن حبالى أم لا؟

 [و في كتاب كمال الدين وتمام النعمة ، بإسناده الى سعيد بن جبير، عن سيد العابدين، علي بن الحسين، عن أبيه سيد الشهداء، الحسين بن علي، عن أبيه سيد الوصيين، أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب- عليهم السلام- قال: قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وآله-: لما حضرت يوسف- عليه السلام- الوفاة، جمع شيعته وأهل بيته. فحمد اللّه. وأثنى عليه. ثم حدثهم بشدة تنالهم، تقتل فيها الرجال وتشق فيها بطون الحبالى وتذبح الأطفال، حتى يظهر اللّه الحق، في القائم من ولد لاوي بن يعقوب. وهو رجل أسمر طوال- ونعته لهم بنعته- فتمسكوا بذلك.

و وقعت الغيبة والشدة على بني إسرائيل. وهم ينتظرون  قيام القائم، أربعمائة سنة. حتى إذا بشروا بولادته ورأوا علامات ظهوره ودلالته ، اشتدت البلوى‏عليهم. وحمل عليهم بالحجارة والخشب. وطلب الفقيه الذي كان  يستريحون الى أحاديثه. فاستتر. وراسلهم . فقالوا: كنا مع الشدة، نستريح الى حديثك.

فخرج [بهم‏]  الى بعض الصحارى. وجلس يحدثهم حديث القائم ونعته وقرب الأمر. وكانت ليلة قمراء فبيناهم كذلك إذ طلع عليهم موسى- عليه السلام-.

و كان في ذلك الوقت، حديث السن. وقد خرج من دار فرعون، يظهر النزهة.

فعدل عن موكبه. وأقبل اليهم. وتحته بغلته . وعليه طيلسان خز. فلما رآه الفقيه، عرفه بالنعت. فقام اليه. وانكب على قدميه. فقبلهما. ثم قال: الحمد للّه الذي لم يمتني حتى رأيتك . فلما رأى الشيعة ذلك، علموا أنه صاحبهم. فانكبوا على الأرض، شكرا للّه- عز وجل- فلم يزدهم الا  أن قال: أرجو أن يعجل اللّه فرجكم.

ثم غاب بعد ذلك. وخرج الى مدينة مدين. فأقام عند شعيب النبي، ما أقام.

فكانت الغيبة الثانية، أشد عليهم من الاولى. وكانت نيفا وخمسين سنة. واشتدت البلوى عليهم. واستتر الفقيه. فبعثوا اليه أنه لا صبر لنا على استتارك عنا. فخرج الى بعض الصحارى. واستدعاهم. وطيب نفوسهم. وأعلمهم أن اللّه- عز وجل- أوحى اليه، أنه مفرج عنهم بعد أربعين سنة.

فقالوا، بأجمعهم: الحمد للّه.

فأوحى اللّه- عز وجل- اليه: قل لهم: قد جعلتها ثلاثين سنة لقولهم‏ «الحمد للّه».

فقالوا: كل نعمة فمن اللّه.

فأوحى اللّه اليه: قل لهم: قد جعلتها عشرين سنة.

فقالوا: لا يأتي بالخير الا اللّه.

فأوحى اللّه اليه: قل لهم: قد جعلتها عشرا.

فقالوا: لا يصرف السوء، الا اللّه.

فأوحى اللّه- عز وجل- اليه: قل لهم: لا تبرحوا. فقد أذنت لكم في فرجكم فبيناهم كذلك، إذ طلع موسى- عليه السلام- راكبا على حمار . فأراد الفقيه، أن يعرّف الشيعة ما يستبصرون به فيه. فجاء موسى- عليه السلام- حتى وقف عليهم. فسلم عليهم.

فقال له الفقيه: ما أسمك؟

قال: موسى.

قال: ابن من؟

قال: ابن عمران.

قال: ابن من؟

قال: ابن قاهث  بن لاوي بن يعقوب.

قال: بماذا جئت؟

قال: جئت بالرسالة من عند اللّه- عز وجل-.

فقام اليه. فقبل يده. ثم جلس بينهم. وطيب نفوسهم. وأمرهم أمره. ثم‏فارقهم . فكان بين ذلك الوقت وبين فرجهم بغرق فرعون، أربعين سنة.

و بإسناده  الى محمد الحلبي، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: ان يوسف بن يعقوب- صلوات اللّه عليهما- حين حضرته الوفاة، جمع آل يعقوب.

و هم ثمانون رجلا. فقال: ان هؤلاء القبط، سيظهرون عليكم. ويسومونكم سوء العذاب. وانما ينجيكم اللّه من أيديهم، برجل من ولد لاوي بن يعقوب، اسمه موسى بن عمران- عليه السلام- غلام طوال جعد آدم. فجعل الرجل من بني إسرائيل، يسمي ابنه عمران. ويسمي عمران، ابنه موسى.

فذكر أبان بن عثمان، عن أبي الحصين ، عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السلام- أنه قال: ما خرج موسى، حتى خرج قبله خمسون كذابا من بني إسرائيل، كلهم يدعي أنه موسى بن عمران. فبلغ فرعون، أنهم يرجفون به ويطلبون هذا الغلام. وقال له كهنته وسحرته: أن هلاك دينك وقومك على يدي هذا الغلام الذي يولد العام، من بني إسرائيل.

فوضع القوابل على النساء. وقال: لا يولد العام ولد الا ذبح. ووضع على أم موسى قابلة.

فلما رأى ذلك بنو إسرائيل، قالوا: إذا ذبح الغلمان واستحيى النساء، هلكنا. فلم نبق. فقالوا : لا نقرب النساء.

فقال عمران، أبو موسى- عليه السلام-: بل ائتوهن . فان أمر اللّه واقع ولو

كره المشركون. اللهم من حرّمه، فاني لا أحرّمه. ومن تركه فاني لا أتركه.

و وقع على أم موسى. فحملت. فوضع على أم موسى، قابلة، تحرسها.

فإذا قامت، قامت. وإذا قعدت، قعدت. فلما حملته أمه، وقعت عليه المحبة.

و كذلك حجج اللّه على خلقه.

فقالت لها القابلة: مالك يا بنية، تصفرين وتذوبين؟

قالت: لا تلوميني. فاني إذا ولدت، أخذ ولدي، فذبح.

قالت: لا تحزني. فاني سوف أكتم عليك. فلم تصدقها.

فلما أن ولدت التفتت اليها وهي مقبلة. فقالت: ما شاء اللّه.

فقالت لها: ألم أقل اني سوف أكتم عليك؟

ثم حملته. فأدخلته المخدع. وأصلحت أمره. ثم خرجت الى الحرس.

فقالت: انصرفوا- وكانوا على الباب- فإنما خرج دم مقطع . فانصرفوا- الحديث وهو بتمامه، مذكور في القصص-.

و في كتاب الغيبة : للشيخ الطوسي- رحمه اللّه- بإسناده الصادق- عليه السلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السلام-: أما مولد موسى- عليه السلام- فان فرعون لما وقف على أن زوال ملكه على يده، أمر بإحضار الكهنة. فدلوا على نسبه وأنه يكون من بني إسرائيل. فلم يزل يأمر أصحابه بشق بطون الحوامل من نساء بني إسرائيل، حتى قتل في طلبه نيف وعشرون ألف مولود. وتعذر عليه الوصول، الى قتل موسى- عليه السلام- بحفظ اللّه تعالى، إياه‏] .

وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ، محنة، ان أشير بذلك، الى صنعهم. ونعمة ان أشيربه الى الإنجاء.

و أصله، الاختبار. لكن لما كان اختبار اللّه، عبارة، تارة بالنعمة وتارة بالمحنة أطلق عليهما. ويجوز أن يشار بذلك الى الجملة. ويراد به الامتحان الشائع بينهما.

مِنْ رَبِّكُمْ: بتسليطهم عليكم، أو ببعث  موسى وتوفيقه لتخليصكم، أو بهما.

عَظِيمٌ : صفة «بلاء» وفي الاية اشعار بأنه قد يكون اصابة العبد  بالخير والشر، من اختبار اللّه سبحانه العبد. فيجب أن لا يغتر بما أنعم عليه، فيطغى . ولا ييأس من روح اللّه، بما ضيق عليه فيعيش ضنكا. وأن يكون دائما، راجيا خائفا مستشعرا لما أريد منه.

قال البيضاوي : وفي الاية، تنبيه على أن ما يصيب العبد من خير أو شر، اختبار من اللّه. فعليه أن يشكر على مساره ويصبر على مضاره، ليكون من خير المختبرين.

و لا يخفى عليك، أنه انما يصح بناء، على قاعدة كسب الاعمال. وقد أبطلناها في مقامها، مع أنه ينافي ما سبقها، من اسناد الذبح والاستحياء، الى آل فرعون.

و اللّه أعلم بحقائق الأمور.

وَ إِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ: فصلنا بين بعضه وبعض ، حتى جرت  فيه مسالك‏بسلوككم فيه، أو بسبب انجائكم، أو متلبسا بكم.

و «الفرق»، هو الفصل بين شيئين، بالفتح، مصدر وبالكسر، الطائفة من كل شي‏ء.

و «البحر»، يسمى بحرا لاستبحاره. وهو سعته وانبساطه.

و قرأ الزهري، في الشواذ، على بناء التكثير. لأن المسالك كانت اثني عشر بعدد الأسباط.

فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا:

 «الغرق»: الرسوب في الماء.

و «النجاة»: ضد الغرق، كما أنها ضد الهلاك.

آلِ فِرْعَوْنَ:

أراد به فرعون وقومه. واقتصر على ذكرهم، للعلم. بأنه كان أولى به.

و قيل : شخصه، كما يقال: اللهم صل على آل محمد، أي: شخصه. واستغنى بذكره، عن اتباعه. والأحسن فيه، أنه من باب راكب الناقة طليحان، اعتبارا للمضاف والمضاف اليه، أي: هو والناقة.

وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ  ذلك، أو غرقهم، أو انفلاق البحر، عن طرق يابسة ، أو جثثهم التي قذفها البحر، الى الساحل، أو ينظر بعضكم بعضا.

ذكر الشيخ الطبرسي، في تفسيره ، عن ابن عباس: ان اللّه تعالى أوحى الى موسى، أن يسري ببني إسرائيل، من مصر. فسرى موسى- عليه السلام- ،بهم  ليلا. فأتبعهم فرعون، في ألف ألف حصان، سوى الإناث. وكان موسى في ستمائة ألف وعشرين ألفا. فلما عاينهم فرعون، قال: ان هؤلاء لشرذمة قليلون.

 [و انهم لنا لغائظون وانا لجميع حاذرون‏] .

فسرى موسى بهم ، حتى هجموا على البحر. فالتفتوا. فإذا هم برهج دواب فرعون.

فقالوا: يا موسى! أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا؟ هذا البحر أمامنا.

و هذا فرعون قد رهقنا بمن معه.

فقال موسى- عليه السلام-: عسى ربكم أن يهلك عدوكم (الخ).

فقال له يوشع بن نون: بم أمرت؟

قال: أمرت أن أضرب بعصاي البحر.

قال: اضرب.

و كان اللّه تعالى، أوحى الى البحر أن أطع  موسى، إذا ضربك.

 [قال‏]  فبات البحر له أفكل، أي: رعدة. لا يدري في أي جوانبه يضربه.

فضرب بعصاه البحر. فانفلق. وظهر اثني عشر طريقا. فكان لكل سبط [منهم‏]  طريق يأخذون فيه.

فقالوا: [انا]  لا نسلك طريقا نديا.فأرسل اللّه ريح الصبا، حتى جففت  الطريق، كما قال: فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا. فجروا فيه، فلما أخذوا في الطريق، قال بعضهم لبعض: ما لنا لا نرى أصحابنا؟

فقالوا لموسى: أين أصحابنا؟

فقال: في طريق مثل طريقكم.

فقالوا: لا نرضى حتى نراهم. فقال موسى- عليه السلام-: اللهم أعنّي على أخلاقهم السيئة.

فأوحى اللّه اليه أن قل  بعصاك هكذا وهكذا، يمينا وشمالا.

فأشار بعصاه يمينا وشمالا. فظهر كالكواء  ينظر منها بعضهم الى بعض. فلما انتهى فرعون الى ساحل البحر وكان على فرس حصان، أدهم. فهاب دخول الماء، تمثل  له جبرئيل، على فرس أنثى. وديق وتقحم البحر. فلما رآها الحصان، تقحم خلفها. ثم تقحم قوم فرعون. ولما خرج آخر من كان مع موسى من البحر ودخل آخر من كان مع فرعون البحر، أطبق اللّه عليهم الماء. فغرقوا جميعا.

و نجى موسى ومن معه.

و اعلم أن هذه الواقعة، من أعظم ما أنعم اللّه به على بني إسرائيل. ومن آياته الملجئة الى العلم بوجود الصانع الحكيم وتصديق موسى- عليه السلام-.

ثم أنهم اتخذوا العجل. وقالوا: لن نؤمن لك حتى نرى اللّه جهرة ونحو ذلك.

فهم بمعزل في الفطنة والذكاء وسلامة النفس وحسن الاتباع عن أمة محمد- صلى‏اللّه عليه وآله- فإنهم اتبعوه ، مع أن ما تواتر من معجزاته، أمور نظرية دقيقة، يدركها الأذكياء. واخباره- عليه السلام- عنها، من جملة معجزاته- صلى اللّه عليه وآله-.

 [و في شرح الآيات الباهرة : قال الامام- عليه السلام-: ان موسى لما انتهى الى البحر، أوحى اللّه- عز وجل- اليه: قل لبني إسرائيل: جددوا توحيدي وأمرّوا بقلوبكم ذكر محمد سيد عبيدي وامائي وأعيدوا على أنفسكم الولاية لعلي أخ محمد، وآله الطيبين. وقولوا: اللهم بجاههم جوّزنا على متن هذا الماء.

فان الماء يتحول لكم أرضا.

فقال لهم موسى، ذلك. فأبوا. وقالوا: نحن لا نسير الا على الأرض.

فأوحى اللّه- عز وجل- الى موسى- عليه السلام- أن اضرب بعصاك البحر.

و قل: أللهم بجاه محمد وآله الطيبين لمّا فلقته لنا.

ففعل. فانفلق. وظهرت الأرض الى آخر الخليج.

فقال موسى: ادخلوها.

قالوا: الأرض وحلة. نخاف أن نرسب فيها.

فقال- عز وجل-: يا موسى! قل: اللهم بحق محمد وآله الطيبين، جففها.

فقالها. فأرسل اللّه عليها، ريح الصبا. فجففت . و قال موسى: ادخلوها.

قالوا: يا نبي اللّه! نحن اثنتا عشرة قبيلة، بنو اثني عشر أبا. وان دخلنا وأمّ

 كل فريق منا تقديم  صاحبه. فلا نأمن وقوع الشر بيننا. فلو كان لكل فريق منا طريق على حدته، لأمنا ما نخافه.

فأمر اللّه- عز وجل- موسى، أن يضرب  البحر، بعددهم، اثنتي عشرة ضربة في  اثني عشر موضعا ويقول: اللهم بجاه محمد وآله الطيبين [بيّن الأرض لنا وأمط الماء عنا.

فصار فيه تمام اثنى عشر طريقا.

فقال: ادخلوها! قالوا: ان كل فريق يدخل في سكة من هذه السكك، لا يدري ما يحدث على الآخرين.

فقال اللّه- عز وجل-: فاضرب كل طود من الماء بين هذه السكك وقل اللهم بجاه محمد وآله الطيبين‏]  لمّا جعلت في هذا الماء، طبقات واسعة، يرى بعضهم بعضا  منها.

فحدثت طبقات واسعة، يرى بعضهم بعضا منها. ثم دخلوها. فلما بلغوا آخرها، جاء فرعون وقومه. فلما دخل آخرهم وهمّ بالخروج أولهم، أمر اللّه البحر فانطبق عليهم. فغرقوا. وأصحاب موسى ينظرون اليهم. فقال اللّه- عز وجل- لبني إسرائيل الذين  في عهد محمد- صلى اللّه عليه وآله-: فإذا كان اللّه فعل هذا كله‏بأسلافكم، لكرامة محمد وآله- عليهم السلام- ودعاء موسى بهم، دعاء تقرّب  الى اللّه، أ فلا تعقلون أن عليكم الايمان بمحمد وآله، إذ شاهدتموه الآن؟] .

وَ إِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً:

بعد عودهم الى مصر وهلاك فرعون، وعد اللّه موسى أن يعطيه التوراة. وضرب له ميقاتا ذا القعدة وعشر ذي الحجة. وعبّر عنها بالليالي. لأنها غرر الشهور، أو لأن وعد موسى، وعد قيام الأربعين. والقيام بالليل، أهم. فذكر الليل، اشعارا بوعدة قيام الليل، أو لأن الظلمة سابقة على النور.

و القراءة المشهورة، «واعدنا» لأنه تعالى، وعده الوحي. ووعده موسى المجي‏ء للميقات، الى الطور.

 [و في تفسير علي بن ابراهيم  في قصة حنين: ثم رفع رسول اللّه- صلى اللّه عليه وآله- يده، فقال: اللهم لك الحمد واليك المشتكى. وأنت المستغاث.

فنزل عليه جبرئيل. فقال [له‏] : يا رسول اللّه! دعوت بما دعا به موسى، حين فلق اللّه له البحر ونجاه من فرعون.

و فيه  حديث طويل، مذكور في طه. وفيه قالوا: لن نبرح عليه عاكفين، حتى يرجع إلينا موسى.

فهمّوا بهارون. فهرب منهم . وبقوا في ذلك، حتى تم ميقات ربه  أربعين‏ليلة. فلما كان يوم عشرة من ذي الحجة، أنزل اللّه عليه الألواح، فيها التوراة وما يحتاجون اليه من أحكام السير والقصص.

و في أصول الكافي : الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسين  ابن علي الخزاز، عن عبد الكريم بن عمرو  الخثعمي عن الفضيل  بن يسار، عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: قلت: لهذا الأمر وقت؟

فقال: كذب الوقاتون. كذب الوقّاتون. كذب الوقّاتون. ان موسى- عليه السلام- لما خرج وافدا الى ربه، واعدهم ثلاثين يوما. فلما أن زاده اللّه على الثلاثين عشرا، قال قومه: قد أخلفنا موسى، فصنعوا ما صنعوا. فإذا حدثناكم الحديث، فجاءكم  على ما حدثناكم به ، فقولوا صدق اللّه. وإذا حدثناكم.

الحديث، فجاء على خلاف ما حدثناكم به، فقولوا صدق اللّه، تؤجروا مرتين‏] .

ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ معبودا .

قيل : لأن بنفس فعلهم، لصورة العجل، لا يكونون ظالمين. لأن فعل ذلك ليس بمحظور. بل مكروه. وأما الخبر الذي روي عنه- عليه السلام- أنه لعن المصورين، فالمراد به، من شبّه اللّه تعالى، أو اعتقد أنه صورة. [و في عيون الأخبار : بإسناده الى الحسين بن خالد، عن أبي الحسن- عليه السلام-. قال: قلت له: كم تجزي البدنة؟

قال: عن نفس واحدة.

قلت: فالبقرة؟

قال: تجزي عن خمسة، إذا كانوا يأكلون على مائدة واحدة.

قلت: كيف صارت البدنة، لا تجزي الا عن واحدة والبقرة تجزي عن خمسة؟

قال: لأن البدنة لم يكن فيها من العلة ما كان في البقرة. ان الذين أمروا قوم موسى بعبادة العجل، كانوا خمسة أنفس. وكانوا أهل بيت يأكلون على خوان واحد. وهم أدينونه . وأخوه ميندونه . وابن أخيه وابنته وامرأته، هم الذين أمروا بعبادة العجل. وهم الذين ذبحوا البقرة التي أمر اللّه- تبارك وتعالى- بذبحها.

عن الرضا- عليه السلام-  عن أمير المؤمنين- عليه السلام- حديث طويل.

 

و فيه: وسأله عن الثور، ما باله غاض طرفه لا يرفع  رأسه الى السماء؟

قال: حياء من اللّه لما عبد قوم موسى العجل، نكس رأسه.

و في كتاب الخصال : عن الصادق- عليه السلام- شبهه، بتغيير يسير] .

مِنْ بَعْدِهِ: من بعد غيبة موسى، أو من بعد وعد اللّه التوراة، أو من بعد غرق فرعون وما رأيتم من الآيات.

وَ أَنْتُمْ ظالِمُونَ : مضرون بأنفسكم، بما استحققتم من [العقاب على‏]  اتخاذكم العجل، معبودا.

روي عن ابن عباس ، أنه قال: كان السامري، رجلا من أهل باجرما  قيل كان اسمه مسيحا .

و قال ابن عباس : اسمه موسى بن ظفر، من قوم يعبدون البقر. وكان حب عبادة البقر في نفسه. وقد كان أظهر الإسلام في بني إسرائيل. فلما قصد موسى الى ربه وخلف هارون في بني إسرائيل، قال هارون لقومه: قد حملتم أوزارا من زينة  القوم، يعنى: آل فرعون. فتطهروا منها. فإنها نجس ، يعني: انهم استعاروا من القبط، حليا. واستبدوا بها. فقال هارون: طهروا أنفسكم منها. فإنها نجسة .

و أوقد لهم نارا، فقال: اقذفوا ما كان معكم فيها.

فجعلوا يأتون بما كان معهم، من تلك الامتعة والحلي. فيقذفون به فيها.

قال: وكان السامري رأى أثر فرس جبرئيل- عليه السلام- فأخذ ترابا من أثر حافره. ثم أقبل الى النار.فقال: يا هرون! يا نبي اللّه! ألقى ما في يدي؟

قال: نعم، وهو لا يدري ما في يده. ويظن أنه مما يجي‏ء به غيره، من الحلي والأمتعة.

فقذف فيها. وقال: كن عجلا جسدا له خوار. فكان البلاء والفتنة فقال: هذا إلهكم واله موسى. فعكفوا  عليه. وأحبوه، حبا لم يحبوا مثله شيئا، قط.

و قال ابن عباس: فكان البلاء والفتنة. ولم يزد على هذا.

و قال الحسن : صار العجل، لحما ودما.

و قال غيره : لا يجوز ذلك. لأنه من معجزات الأنبياء.

و من وافق الحسن، قال: ان القبضة من أثر الملك. كان اللّه أجرى العادة بأنها إذا طرحت على أي صورة، كانت حييت. فليس ذلك بمعجزة. إذ سبيل السامري، سبيل غيره فيه. ومن لم يجز انقلابه حيا يؤل  الخوار على أن السامري صاغ عجلا. وجعل فيه خروقا، يدخلها الريح، فيخرج منها صوت كالخوار.

و دعاهم الى عبادته. فأجابوه. وعبدوه.

ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ حين تبتم.

و «العفو»: محو الجريمة، من عفا، إذا درس.

مِنْ بَعْدِ ذلِكَ، أي: بعد الاتخاذ.

لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ : لكي تشكروا عفوه.

و في الاية دلالة على وجوب شكر النعمة. وعلى أن العفو عن الذنب بعدالتوبة، نعمة من اللّه تعالى على عباده، ليشكروه.

 [و في شرح الآيات الباهرة : ان اللّه- تبارك وتعالى- وعد موسى- عليه السلام- لميقاته، أربعين ليلة. فلما غاب عن قومه، اتخذوا العجل من بعده.

و قصته مشهورة. ولكن قال الامام، في تفسيره: ان اللّه- عز وجل- أوحى الى موسى:

يا موسى بن عمران! «ما خذل هؤلاء بعبادتي واتخاذي إلها الا تهاونهم»  بالصلاة على محمد وآله الطيبين وجحودهم لموالاتهم ونبوة النبي ووصية الوصي، حتى أداهم ذلك الى أن اتخذوا العجل، إلها. فإذا كان اللّه تعالى انما خذل عبدة العجل [الا]  لتهاونهم، بالصلاة على محمد ووصيه علي. فما تخافون أنتم من الخذلان الأكبر، في معاندتكم لمحمد وعلي. وقد شاهدتموهما. وتبينتم آياتهما ودلائلهما.

ثم قال- عز وجل-: ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ، لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، أي:

عفونا عن أوائلكم وعبادتكم العجل، لعلكم، أيها الكائنون في عصر محمد من بني إسرائيل، تشكرون تلك النعمة على أسلافكم. وعليكم بعدهم.

ثم قال- عليه السلام-: وانما عفا- عز وجل- عنهم، لأنهم دعوا اللّه- عز وجل- بمحمد وآله الطيبين. وجددوا على أنفسهم الولاية لمحمد وعلي وآلهما الطاهرين. فعند ذلك، رحمهم اللّه، وعفا عنهم‏] .

وَ إِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ، يعني: التوراة الجامع، بين كونه كتابا وحجة، تفرق بين الحق والباطل.

فالعطف لتغاير الوصفين، أو الفرقان معجزاته الفارقة بين الحق والباطل، أوبين الكفر والايمان، أو الشرع الفارق بين الحلال والحرام، أو النصر الذي فرق بينه وبين عدوه، كقوله تعالى: يَوْمَ الْفُرْقانِ ، يريد يوم بدر.

و قيل : الفرقان، القرآن.

و التقدير: «و آتينا موسى التوراة. آتينا محمد الفرقان». فحذف ما حذف لدلالة ما أبقاه عليه.

لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ : لكي تهتدوا بما في التوراة، من البشارة بمحمد- صلى اللّه عليه وآله- وبيان صفته.

 [و في شرح الآيات الباهرة : قال الامام- عليه السلام-: واذكروا إذ آتينا موسى الكتاب وهو التوراة الذي أخذ على بني إسرائيل الايمان بها والانقياد لما توجبه.

و الفرقان، آتيناه- أيضا- وهو فرق ما بين الحق والباطل وفرق ما بين المحقين والمبطلين. وذلك أنه لما أكرمهم  اللّه بالكتاب والايمان  والانقياد له، أوحى اللّه بعد ذلك الى موسى: يا موسى ! هذا الكتاب، قد أقروا به. وقد بقي الفرقان فرق ما بين المؤمنين والكافرين والمحقين والمبطلين. فجدد عليهم العهد به. فاني آليت على نفسي، قسما حقا، لا أقبل  من أحد، ايمانا ولا عملا، الا مع الايمان به فقال موسى- عليه السلام-: ما هو؟ يا رب! قال اللّه- عز وجل-: يا موسى! تأخذ على بني إسرائيل، أن محمدا خير البشرو سيد المرسلين وأن أخاه ووصيه خير الوصيين وأن أولياءه الذين يقيمهم سادة الخلق وأن شيعته المنقادين له المسلمين له أوامره ونواهيه ولخلفائه ، نجوم الفردوس الأعلى وملوك جنات عدن.

قال: فأخذ عليهم موسى- عليه السلام- ذلك. فمنهم من اعتقده حقا. ومنهم من أعطاه بلسانه، دون قلبه. فكان المعتقد منهم حقا، يلوح على جبينه نور مبين.

و من أعطاه بلسانه دون قلبه ، ليس له ذلك النور. فذلك الفرقان الذي أعطاه اللّه- عز وجل- موسى وهارون ، فرق ما بين المحقين والمبطلين.

ثم قال اللّه- عز وجل-: لعلكم تهتدون، أي: لعلكم تعلمون أن الذي يشرف به العبد، عند اللّه- عز وجل- هو اعتقاد الولاية، كما شرف  به اسلافكم‏] .

وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ: يا قَوْمِ! إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ. فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ، أي: فاعزموا على التوبة.

فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ، ان كان توبتهم هي قتل الأنفس. والا فالمراد، إتمام التوبة بالقتل.

و انما جعل القتل، توبتهم، أو من تمامها اشارة، الى أن من لم يقتل عدوه وهو النفس، يقتله  ليعتبر غيرهم، أو اشارة الى أنهم لما صاروا من حزب العجل وتابعيه، جعلوا في زمرته. لأن العجل خلق للذبح.و «الباري»: الخالق. بريا من التفاوت، مع التميز، بصور وهيئات مختلفة.

و أصل البرء: الخلوص للشي‏ء من غيره، اما على سبيل التّفصّي، كقولهم: بري‏ء المريض من مرضه والمديون من دينه، أو الإنشاء، كقولهم: برأ اللّه آدم من الطين.

و اختلف في القتل المأمور به، على أقوال:

أحدها: أن المراد به النجع. وهو أن يقتل كل رجل نفسه. ويهلكه.

و ثانيها: أن المراد به قطع الشهوات. والاستسلام للقتل، على سبيل التوسع.

و الثالث: أنهم أمروا بأن يقتل بعضهم بعضا.

و الرابع: أنه أمر من لم يعبد العجل، أن يقتل العبدة. روي أن الرجل يرى بعضه وقريبه. فلم يقدر المضي لأمر اللّه. فأرسل ضبابة  وسحابة سوداء، لا يتباصرون تحتها. فأخذوا يقتلون من الغداة الى العشي، حتى دعا موسى وهرون فكشف السحابة. ونزلت التوبة. وكانت القتلى سبعين ألفا.

و الخامس: أن السبعين الذي كانوا مع موسى في الطور، هم الذين قتلوا من عبدة العجل، سبعين ألفا.

و السادس: أن موسى- عليه السلام- أمرهم أن يقوموا صفين، فاغتسلوا ولبسوا أكفانهم. وجاء هارون باثني عشر ألفا ممن لم يعبد العجل. ومعهم الشفار المرهفة. وكانوا يقتلونهم. فلما قتلوا سبعين ألفا، تاب اللّه على الباقين. وجعل قتل الماضين، شهادة لهم.

ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ من حيث أنه طهرة من الشرك ووصلة الى الحياة الأبدية.فَتابَ عَلَيْكُمْ، جواب شرط محذوف، ان جعل من كلام موسى.

و التقدير: ان فعلتم ما أمرتم به، فتاب عليكم. ومعطوف على محذوف ان جعل، من خطابه تعالى لهم، على سبيل الالتفات. كأنه قال: ففعلتم ما أمرتم به، فتاب عليكم.

إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الذي يكثر توفيق التوبة، أو قبولها.

الرَّحِيمُ : المبالغ في الانعام، على التائبين.

 [و في شرح الآيات الباهرة : قال الامام- عليه السلام-: وفق اللّه لهم والقتل لم يقض بعد اليهم، إذ ، قالوا: أو ليس اللّه قد جعل التوسل بمحمد وآله الطيبين، أمرا لا تخيب معه طلبة ولا ترد به مسألة؟ وهكذا توسلت الأنبياء والرسل. فما لنا لا نتوسل بهم؟

قال: فاجتمعوا. وضجوا: يا ربنا! بجاه محمد الأكرم. وبجاه علي الأفضل  وبجاه فاطمة الفضلى. وبجاه الحسن والحسين، سبطي سيد النبيين وسيدي شباب أهل الجنان أجمعين. وبجاه الذرية الطيبة الطاهرة ، من آل طه ويس، لمّا غفرت لنا ذنوبنا وغفرت لنا هفواتنا وأزلت هذا القتل عنا.

فذلك حين نودي موسى- عليه السلام- من السماء، أن كف القتل. فقد سألني بعضهم مسألة. وأقسم علي قسما لو أقسم به هؤلاء العابدون للعجل .

و سألني بعضهم حتى لا يعبدوه، لأجبتهم. ولو أقسم [علي بها إبليس، لهديته.و لو أقسم‏]  بها ثمود وفرعون، لنجيته.

فرفع عنهم القتل. فجعلوا يقولون: يا حسرتنا! [أين‏]  كنا عن هذا الدعاء بمحمد وآله الطيبين، حتى كان اللّه يقينا شرّ الفتنة. ويعصمنا بأفضل العصمة] .

وَ إِذْ قُلْتُمْ: يا مُوسى! لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ، أي: لأجل قولك، او لن نقرّ لك.

حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً: عيانا.

و هي في الأصل، مصدر قولك جهرت بالقراءة، استعير  للمعاينة. والجامع بينهما، الإدراك، بلا ساتر.

و نصبها على المصدر. لأنه نوع من الرؤية، أو الحال من الفاعل، أو المفعول:

أما على مذهب غير المبرد، فمطلقا. وأما على مذهبه، فلما مر من التعليل في المصدر. لأنه ذهب الى أن الحال، لا يكون مصدرا، الا إذا كان نوعا من عامله.

و قرئ جهرة- بالفتح- على أنه مصدر، كالغلبة، أو جمع جاهر، كالكتبة.

فيكون حالا.

و قيل : ان قوله جهرة، صفة لخطابهم لموسى- عليه السلام- وتقديره:

و إذ قلتم جهرة، لن نؤمن لك حتى نرى اللّه.

و هو ضعيف.

و القائلون، هم السبعون الذين اختارهم موسى للميقات، وقيل عشرة الالف من قومه. والمؤمن به، جميع ما جاء به موسى. وقيل: ان اللّه الذي أعطاك التوراة وكلمك، أو انك نبى  وطلب المستحيل. فانّهم ظنّوا أنّه تعالى يشبه الأجسام وطلبوا رؤيته. وهي محال.

روى  أنّه جاءت نار من السّماء فأحرقتهم. وقيل: صيحة. وقيل: جنود، سمعوا لحسيسها. فخروا صعقين ميّتين، يوما وليلة.

وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ  الى ما أصابكم، أو الى أثره.

و استدل أبو القاسم البلخي  بهذه الاية، على أن الرؤية، لا يجوز على اللّه تعالى. قال: لانّها انكار، تضمّن أمرين: ردهم على نبيّهم، وتجويزهم الرؤية، على ربّهم. ويؤيّد ذلك قوله تعالى : فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ. فَقالُوا: أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً. فدل ذلك، على أن المراد، انكار كلا الامرين.

أقول: وفي الاية، مع قوله: فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى (الخ)، دلالة على أن الرد  على النبي واعتقاد جواز الرؤية، كل واحد منها، علة لاخذ الصاعقة والعذاب.

و من البيّن، عدم التّفاوت، بين عدم جواز الرؤية في الدنيا وعدم جوازها في الاخرة. والمنازع، مكابر مع قضيّة العقل. فمعتقد جوازها في الاخرة، مشارك  معتقد جوازها في الدنيا، في علة استحقاق العذاب، كالراد على النبي. وبذلك يثبت كفر أهل السّنة القائلين بجوازها في الاخرة للمؤمنين وللافراد من الأنبياء في الدّنيا.

قال البيضاوي : بعد عده، رؤيته تعالى، رؤية الأجسام من المستحيلات.

بل الممكن أن يرى رؤية منزهة عن الكيفية. وذلك للمؤمنين في الاخرة وللافراد من الأنبياء في الدنيا، في بعض الأحوال .

 [و في تفسير على بن ابراهيم ، قوله وَإِذْ قُلْتُمْ: يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً (الاية)، فهم السبّعون الذّين اختارهم موسى، ليسمعوا كلام اللّه.

فلمّا سمعوا الكلام، قالوا: لن نؤمن لك يا موسى! حتّى نرى اللّه جهرة. فبعث اللّه عليهم صاعقة. فاحترقوا. ثم أحياهم اللّه، بعد ذلك. وبعثهم أنبياء. فهذا دليل على الرّجعة، في أمّه محمّد- صلى اللّه عليه وآله. فانّه قال: لم يكن في بنى إسرائيل شي‏ء، الا وفي أمّتى مثله.

و في كتاب الخصال ، عن ابن عبّاس، عن النبي- صلى اللّه عليه وآله- أنّه قال: من الجبال التّى تطايرت يوم موسى- عليه السلام- والصاعقة  سبعة  أجبل.

فلحقت بالحجاز واليمن. منها: بالمدينة أحد وورقان. وبمكة ثور وثبير وحراء.

و باليمن صبر وحصون‏]  .و اعلم! أن هذه الاية تدل أيضا على أن قول موسى- عليه السلام- «رب أرنى أنظر اليك»، كان سؤالا لقومه. لانّه لا خلاف بين أهل التّوراة، أن موسى- عليه السلام- لم يسأل الرّؤية، الا دفعة واحدة وهي الّتى سألها لقومه.

ثُمَّ بَعَثْناكُمْ: أحييناكم.

مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ، بسبب الصاعقة.

و قيّد البعث، لانّه قد يكون من إغماء ونوم، لقوله تعالى: ثمّ بعثناهم.

و قيل : انّهم سألوا بعد الأحياء أن يبعثوا أنبياء. فبعثهم اللّه أنبياء.

و أجمع المفسّرون الا شرذمة يسيرة، أن اللّه تعالى لم يكن أمات موسى، كما أمات قومه. ولكن غشى عليه، بدلالة قوله تعالى: فلمّا أفاق. والافاقة انّما تكون من الغشيان.

لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ : نعمه الّتى منها رد حياتكم.

و في الاية، دلالة على جواز الرّجعة.

و قال أبو القاسم البلخي : لا تجوز الرّجعة مع الاعلام بها. لان فيها إغراء بالمعاصي، من جهة الاتّكال على التّوبة في الكّرة الثّانية.

و أجيب بأن من يقول بالرّجعة، لا يذهب الى أن النّاس كلهم يرجعون، فيصير إغراء بأن يقع الاتكال على التّوبة فيها. بل لا أحد من المكلّفين الا ويجوز أن لا يرجع. وذلك يكفى في باب الزّجر.

 [و في شرح الآيات الباهرة : قال الامام- عليه السلام-: وذلك أن موسى-عليه السلام- لمّا أراد أن يأخذ عليهم عهد الفرقان، فرّق ما بين المحقين والمبطلين لمحمد بنبوته وعلى بإمامته وللائمّة الطاهرين بإمامتهم. قالوا: لن نؤمن لك أن هذا أمر ربك، حتّى نرى اللّه جهرة عيانا، يخبرنا بذلك.

فأخذتهم الصاعقة معاينة وهم ينظرون الى الصّاعقة تنزل عليهم.

و قال اللّه- عزّ وجلّ: يا موسى! أنا المكرم أوليائى والمصدقين  بأصفيائى ولا أبالى. وكذلك أنا المعذب لاعدائى الرافعين  حقوق أصفيائى ولا أبالى.

فقال موسى- عليه السلام- للباقين الّذين لم يصعقوا: ما ذا تقولون؟ أ تقبلون وتعترفون؟ والا  فأنتم بهؤلاء لاحقون.

فقالوا: يا موسى! أ تدري ما حلّ بهم؟ لما ذا أصابتهم الصّاعقة؟ ما أصابتهم لأجلك الا أنّها  كانت نكبة من نكبات الدهر. تصيب  البر والفاجر. فان قلت  انّما أصابتهم لردهم  عليك في أمر محمّد وعلى وآلهما، فاسأل اللّه ربك بهم، أن يحيى هؤلاء المصعوقين لنسألنهم، لما ذا أصابهم  ما أصابهم.فدعا اللّه- عزّ وجلّ- [فأحياهم.]  وقال لقومه: سلوهم لما ذا أصابهم ؟

فسألوهم.

فقالوا: يا بنى إسرائيل! أصابنا ما أصابنا، لآبائنا اعتقاد امامة على بعد اعتقادنا نبّوه  محمد- صلى اللّه عليه وآله. لقد رأينا بعد موتنا هذا، ممالك  ربّنا، من سماواته وحجبه وكرسيه وعرشه وجنانه ونيرانه. فما رأينا أنفذ أمر في  جميع تلك الممالك  ولا أعظم سلطانا من محمّد وعلى وفاطمة والحسن والحسين.

و انّا لمّا (متنا)  بهذه الصّاعقة، ذهب بنا الى النّيران. فناداهم محمد وعلى:

كفوا عن هؤلاء عذابكم. هؤلاء يحيون بمسألة سائل يسأل ربّنا- عزّ وجل- بنا وبآلنا الطيّبين.

و ذلك حين لم يقذفونا في الهاوية. وأخّرونا الى أن بعثنا بدعائك، يا نبى اللّه، موسى بن عمران! بمحمد وآله الطيّبين.

فقال اللّه- عز وجل- لأهل عصر محمّد- صلى اللّه عليه وآله- فإذا كان بالدعاء بمحمّد وآله الطيّبين، نشر ظلمة أسلافكم المصعوقين بظلمهم، فما يجب عليكم‏أن لا تعترضوا لمثل ما هلكوا به الى أن أحياهم اللّه- عز وجل؟]

 

وَ ظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ:

سخّر اللّه لهم السّحاب، يظلّهم من الشمس، حين كانوا في التّيه.

و هي جمع غمامة. وهي السّحابة. وأصله التّغطية والسّتر. ومنه الغم.

وَ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ:

قيل : التّرنجبين.

و قيل : الخبز المرقق. وقيل: جميع النّعم التي أتتهم ممّا من اللّه عليهم، ممّا لا تعب فيه ولا نصب. وروى عن النبي- صلى اللّه عليه وآله- أنّه قال:

الكمأة من المن. وماؤها، شفاء للعين.

وَ السَّلْوى: السمانى.

و قيل : هو طائر أبيض يشبه السّمانى.

قيل : كان ينزل عليهم  المن، مثل الثلج، من الفجر الى الطلوع ، ويبعث الجنوب عليهم بالسمانى.

فيأخذ كلّ انسان منهم كفايته الى الغد، الا يوم الجمعة، يأخذ ليومين،لانّه لم يكن ينزل يوم السبت .

كُلُوا: نصب ارادة القول، أي: وقلنا لهم.

كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ، أي: الشّهى اللذيذ مما رزقناكم.

قيل : أو الحلال.

و هذا بناء على تناول الرزق الحرام، أيضا.

وَ ما ظَلَمُونا:

فيه اختصار. تقديره: فظلموا بأن كفروا هذه النعمة وما ظلمونا.

وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ  بالكفران. لانّه لا يتخطاهم ضرّه.

و كان سبب انزال المن والسّلوى عليهم، على ما ذكر الشّيخ الطّبرسى ، أنّه: لمّا ابتلاهم بالتّيه، إذ قالوا لموسى : فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ، فَقاتِلا. إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ. حين أمرهم بالسّير، الى بيت المقدس وحرب العمالقة، بقوله:  ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ (الخ) فوقعوا في التّيه. فصاروا كلما ساروا، تاهوا في قدر خمسة فراسخ، أو ستّة. وكلّما أصبحوا، ساروا غادين، فأمسوا. فإذا هم في مكانهم الّذى ارتحلوا عنه. كذلك حتّى تمّت المدّة، وبقوا فيها أربعين سنة. وفي التّيه توفّى موسى وهرون. ثم خرج يوشع بن نون. وكان  اللّه تعالى،يرد الجانب الّذى انتهوا اليه من الأرض، الى الجانب الذي ساروا  منه.

فكانوا يضلون عن الطّريق لانّهم كانوا خلقا عظيما. فلا يجوز أن يضلوا كلهم عن الطّريق، في هذه المدة المديدة، في هذا المقدار من الأرض. ولما حصلوا في التيه، ندموا على ما فعلوا. فألطف اللّه تعالى لهم بالغمام، لمّا شكوا حرّ الشمّس وأنزل عليهم المن والسّلوى. فكان يسقط  عليهم المن، من [وقت‏]  طلوع الفجر الى طلوع الشمس. فكانوا يأخذون منها ما يكفيهم، ليومهم.

و قال الصّادق- عليه السّلام: كان ينزل المن على بنى إسرائيل، من بعد طلوع  الفجر الى طلوع الشمس. فمن نام في ذلك الوقت، لم ينزل نصيبه.

فلذلك يكره النّوم في هذا الوقت، الى طلوع  الشّمس.

قال بن جريح: وكان الرّجل منهم، إذا  أخذ من المن والسّلوى زيادة على طعام يوم واحد، فسد، الا يوم الجمعة. فانّهم إذا أخذوا طعام يومين، لم يفسد. وكانوا يأخذون منها ما يكفيهم ليوم الجمعة والسّبت. لانّه كان لا يأتيهم يوم السبّت. وكانوا يخبزونه مثل القرصة. ويوجد له طعم كالشّهد المعجون بالسّمن وكان اللّه تعالى يبعث لهم السحاب بالنهار، فيدفع عنهم حر الشّمس.و كان ينزل عليهم باللّيل ، عمودا من نور، يضي‏ء لهم مكان السّراج. وإذا ولد فيهم مولود، يكون عليه ثوب [يطول‏]  بطوله كالجلد.

و في كتاب الاحتجاج، للطبرسي- رحمه اللّه - روى عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن علىّ- عليهم السلام- قال: ان يهوديّا من يهود الشام وأحبارهم قال لأمير المؤمنين- عليه السلام- وفي أثناء كلام طويل: فان موسى بن عمران قد أعطى المن والسّلوى، فهل فعل بمحمّد نظير هذا؟

فقال له على- عليه السلام-: لقد كان كذلك. ومحمّد- صلى اللّه عليه وآله- أعطى ما هو أفضل من هذا. أن اللّه- عزّ وجلّ- أحل له الغنائم ولامّته. ولم تحل لاحد غيره، قبل. فهذا أفضل من المن والسّلوى.

قال له اليهودي. فان موسى- عليه السلام- قد ظلّل عليه الغمام.

قال له على- عليه السلام-: لقد كان كذلك. وقد فعل ذلك لموسى في التّيه.

و أعطى محمّد- صلى اللّه عليه وآله- أفضل من هذا. ان الغمامة كانت لمحمّد- صلى اللّه عليه وآله- تظله من يوم ولد، الى يوم قبض، في حضره وأسفاره.

فهذا أفضل ممّا أعطى موسى- عليه السلام.

 [و في شرح الآيات الباهرة : قال الامام- عليه السلام: قال اللّه- عزّ وجلّ:

و اذكروا، يا بنى إسرائيل! إذ ظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ لمّا كنتم في التّيه، يقيكم حرّ الشّمس وبرد القمر. وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى. وهو التّرنجبين والسّلوى طير السّمانى  كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ واشكروا نعمتي وعظّموا من عظمته. ووقّروا من وقّرته. وأخذت عليكم العهود والمواثيق لهم، محمّدا وآله الطيّبين.

ثمّ قال- عليه السلام: قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وآله: عباد اللّه! عليكم باعتقاد ولايتنا أهل البيت. ولا تفرقوا بيننا. وانظروا كيف وسع اللّه عليكم، حيث أوضح لكم الحجة، يسهل  عليكم معرفة الحق. ثمّ وسع لكم في التّقيّة، لتسلموا من شرور الخلق. ثمّ ان بدلتم وغيّرتم، عرض عليكم التّوبة. وقبلها منكم. فكونوا لنعماء اللّه شاكرين [ .

سورة البقرة من الآية 59 الى آخر السورة

 

وَ إِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ أجمع  المفسرون على أنّ المراد بالقرية هاهنا، بيت المقدس. ويؤيّده قوله في موضع آخر: ادخلوا الأرض المقدّسة.

و قال ابن زيد: إنّها أريحا، قرية قريب بيت المقدس. وكان فيها بقايا من قوم عاد: وهم العمالقة. ورأسهم عوج بن عنق.

أمروا به بعد التّيه.

فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً واسعا بما شئتم، من أنواع طعام القرية.

و قيل : إنّ هذه إباحة لهم منه، لغنائمها وتملّك أموالها، إتماما للنّعمة عليهم.

و نصبه على المصدر، أو على الحال من الواو.

وَ ادْخُلُوا الْبابَ أي: باب القرية الّتي أمروا بدخولها.

و قيل : باب القبّة الّتي كانوا يصلّون إليها.

و قيل : باب حطّة، من بيت المقدس. وهو الباب الثّامن.

و رجّح البيضاويّ  الاحتمالين الأوّلين، بأنّهم لم يدخلوا بيت المقدس، في حياة موسى عليه السلام.

و فيه : إنّهم أمروا بدخول الباب، بعد خروجهم من التّيه.و قد توفّي موسى وهرون فيها، على ما مرّ سابقا.

سُجَّداً، اي: مخبتين. أو ساجدين للّه، شكرا على إخراجهم من التّيه.

وَ قُولُوا حِطَّةٌ، أي: مسألتنا. أو أمرت حطّة. وهي فعلة من الحطّ ، كالجلسة.

و قرئ بالنّصب، على الأصل، بمعنى: حطّ عنّا  ذنوبنا، حطّة.

قال البيضاويّ : أو على أنّه مفعول «قولوا»، أي: قولوا هذه الكلمة.

و فيه : أنّه لا يكون مفعول القول، إلّا جملة مفيدة، أو مفردا يفيد معناها . كقلت شعرا. فالصّواب أن يقال حينئذ: معناه «قولوا أمرا حاطّا لذنوبكم.»

و قيل : معناه: أمرنا حطّة، أي: أن نحطّ في هذه القرية. ونقيم بها.

و في عيون الأخبار ، بإسناده إلى الحسن بن خالد، عن الرّضا، عليّ بن موسى- عليهما السلام- عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين، عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.

قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لكلّ. أمّة صدّيق وفاروق. وصدّيق هذه الأمّة وفاروقها، عليّ بن أبي طالب. إنّ عليّا  سفينة نجاتها وباب حطّتها.

و في كتاب الخصال ، في مناقب أمير المؤمنين- عليه السّلام- وتعدادها، قال عليّ- عليه السلام: وأمّا العشرون: فإنّي سمعت رسول- صلى اللّه عليه وآله- يقول [لي‏] : مثلك في أمّتي، مثل باب حطّة في بني إسرائيل. فمن دخل [في‏]  ولايتك، فقد دخل الباب، كما أمره اللّه- عزّ وجلّ.

و فيه ، يقول أمير المؤمنين في حديث طويل ونحن باب حطّة.

و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- في خطبة: أنا باب حطّة.و في روضة الكافي ، خطبة لأمير المؤمنين- عليه السّلام- وهي خطبة الوسيلة، قال فيها- عليه السلام: ألا وإنّي فيكم، أيّها النّاس! كهارون في آل فرعون وكباب حطّة في بني إسرائيل.]

 

 [و في مجمع البيان‏] : وروي عن الباقر- عليه السّلام- أنّه قال: نحن باب حطّتكم.

نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ بسجودكم ودعائكم.

و قرئ بالياء . وابن عامر بالتّاء، على البناء للمفعول.

و «خطايا» أصله خطائي، كخطائع.

فعند سيبويه أبدلت الياء الزّائدة، همزة، لوقوعها بعد الألف. واجتمعت همزتان، فأبدلت الثّانية ياء. ثمّ قلبت ألفا وصارت الهمزة بين ألفين، فأبدلت ياء.

و عند الخليل، قدّمت الهمزة على الياء، ثمّ فعل بهما ما ذكر.

وَ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ  ثوابا.

جعل الامتثال توبة  للمسي‏ء وإحسانا. وأخرجه عن صورة الجواب، إشعارا بأنّ الزّيادة، تفضّل منه تعالى، كما قال تعالى : لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ.

 [و في شرح الآيات الباهرة : قال الإمام- عليه السّلام: قال اللّه تعالى: واذكروا، يا بني إسرائيل! إِذْ قُلْنَا لأسلافكم ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وهي أريحا، من بلاد الشّام.

و ذلك حين خرجوا من التّيه. فَكُلُوا مِنْها، أي: من القرية، حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً واسعا، بلا تعب. وَادْخُلُوا الْبابَ- باب القرية- سُجَّداً. مثّل اللّه تعالى على الباب، مثال محمّد وعليّ. وأمرهم أن يسجدوا للّه، تعظيما لذلك المثال. ويجدّدوا على أنفسهم، بيعتهما وذكر موالاتهما. ويذكروا العهد والميثاق المأخوذين عليهم، لهما. وَقُولُوا حِطَّةٌ، اي:

قولوا إنّ سجودنا للّه، تعظيما لشأن محمّد وعليّ. واعتقادنا بولايتهما، حطّة لذنوبنا ومحو لسيّئاتنا. قال اللّه- عزّ وجلّ: نَغْفِرْ لَكُمْ بهذا الفعل خَطاياكُمْ السّالفة ونزيل عنكم‏آثامكم الماضية. وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ من كان فيكم لم (يقارف ) الذّنوب الّتي قارفها  من خالف الولاية و(ثبت)  على ما أعطى اللّه من نفسه، من عهد الولاية. فإنّا نزيد  بهذا الفعل، زيادة  درجات ومثوبات. [و]  ذلك قوله تعالى وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ‏]

 

فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ، أي: فخالف الّذين عصوا. ففعلوا غير ما أمروا أن يفعلوه. وقالوا غير ما أمروا أن يقولوه. واختلف في ذلك الغير:

فقيل: إنّهم قالوا بالسّريانيّة: هطا سمقاثا . ومعناه حنطة حمراء فيها شعيرة وكان قصدهم في ذلك الاستهزاء ومخالفة الأمر  وقيل: إنّهم قالوا حنطة، تجاهلا واستهزاء. وكانوا قد أمروا أن يدخلوا الباب، سجّدا. وطؤطئ لهم الباب ليدخلوه كذلك. فدخلوه زاحفين على أستاههم. فخالفوا في الدّخول، أيضا.

فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا:

كرّره مبالغة في تقبيح أمرهم وإشعارا بأنّ الإنزال عليهم، لظلمهم بوضع غير المأمور به موضعه، أو على أنفسهم، بأن تركوا ما يوجب نجاتها إلى ما يوجب هلاكها.

رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ : عذابا مقدّرا من السّماء، بسبب فسقهم.

و «الرّجز» في الأصل، ما يعاف عنه. وكذلك الرّجس. وقرئ بالضّمّ وهو لغة فيه. والمراد به الطّاعون. روى أنّه مات به في ساعة أربعة وعشرون ألفا من كبرائهم وشيوخهم. وبقي الأبناء. فانتقل عنهم العلم والعبادة. كأنّه يشير إلى أنّهم عوقبوا بإخراج‏الأفاضل من بينهم .

قال النّبيّ- صلى اللّه عليه وآله- في الطّاعون : إنّه رجز. عذّب به بعض الأمم الّذين قبلكم.

 [و في أصول الكافي : أحمد بن مهران، عن عبد العظيم بن عبد اللّه، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام. قال: نزل جبرئيل- عليه السّلام- بهذه الآية على محمّد- صلى اللّه عليه وآله- هكذا: فبدّل الّذين ظلموا آل محمّد- عليهم السّلام- حقّهم، قولا غير الّذي قيل لهم، فأنزلنا على الّذين ظلموا آل محمّد حقّهم، رجزا من السماء بما كانوا يفسقون.

و في شرح الآيات الباهرة : قال الإمام- عليه السّلام: إنّهم لم يسجدوا كما أمروا.

و لا قالوا بما أمروا. ولكن دخلوها مستقبليها بأستاههم . وبدّلوا»

 حطّة. فقالوا: حنطة حمراء ينقّونها  أحبّ إلينا من هذا الفعل.

فأنزل اللّه على الّذين [ظلموا و]  بدّلوا ما قيل لهم ولم ينقادوا لولاية  محمّد وعليّ وآلهما الطّيبين الرّجز. قال اللّه تعالى: فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا، أو غيّروا وبدّلوا، رِجْزاً مِنَ السَّماءِ، بِما كانُوا يَفْسُقُونَ، أي: يخرجون عن أمر اللّه وطاعته.

قال: والرّجز الّذى أصابهم، أنّه مات منهم في بعض يوم مائة وعشرون ألفا. وهم من علم اللّه تعالى منهم أنّهم لا يؤمنون ولا يتوبون. ولم ينزل الرّجز على من علم اللّه أنّه يتوب أو يخرج من صلبه ذرّية طيّبة توحّد اللّه وتؤمن بمحمّد وتعرف موالاة عليّ وصيّه وأخيه.]

 

وَ إِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ لمّا عطشوا في التّيه.

فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ:

الّلام فيه، للعهد، على ما

روى أنّه كان حجرا طوريّا مربّعا حمله  معه.

و كان‏ينبع  من كلّ وجه ثلاث أعين. تسيل كلّ عين في جدول إلى سبط. وكانوا ستّمائة ألف وسعة العسكر اثنا عشر ميلا.

أو حجرا أهبطه آدم من الجنّة. فتوارثوه حتّى وقع إلى شعيب. فدفعه إليه مع العصا.

أو الحجر الّذي وضع عليه ثوبه حين اغتسل إذ رموه بالأدرة. ففرّ  به. فقال له جبرئيل: يقول اللّه تعالى: ارفع هذا  الحجر. فإن لي فيه قدرة ولك معجزة. فحمله في مخلاته.

و قيل: كانت حجرة فيها اثنتا عشرة حفرة وكان الحجرة من الكران وهي حجارة رخوة كأنّها مدرة. وكان يخرج من كل حفرة عين ماء عذب فرات، فيأخذونه. فإذا فرغوا وأراد موسى حمله، ضربه بعصاه، فيذهب الماء.

أو للجنس، أي: اضرب الشي‏ء الّذي يقال له الحجر.

قال الحسن: وهذا أظهر في الحجّة. وأبين في القدرة.

روى أنّهم قالوا: كيف بنا لو أفضينا إلى أرض ليست فيها حجارة. فحمل حجرا في مخلاته. فحيثما نزلوا، ألقاه. وكان يضربه بعصاه، فينفجر. ويضربه بها، فييبس.

فقالوا: إن فقد موسى عصاه متنا عطشا.

فأوحى اللّه إليه: لا تقرع الحجارة. وكلّمها تعطك. لعلّهم يعتبرون.

و

روي أنّه كان ذراعا في ذراع.

و

روى أنّه كان على شكل رأس الإنسان. والعصا كانت عشرة أذرع على طول موسى، من آس الجنّة. وله شعبتان تتّقدان في الظّلمة .

 [و في مجمع البيان:  وعن أبي جعفر الباقر- عليه السّلام- أنّه قال: ثلاثة أحجار من الجنّة: مقام إبراهيم وحجر بني إسرائيل والحجر الأسود.]

 

فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً: «الانفجار»: الانشقاق. والانبجاس أضيق منه. فيكون أوّلا انبجاس، ثمّ يصير انفجارا. أو الانبجاس عند الحاجة إليه. والانفجار عند الاحتياج إليه. أو الانبجاس عند الحمل. والانفجار عند الوضع. فلا منافاة بينه وبين ما ذكر في سورة الأعراف :

 «فانبجست».

و الجملة جواب شرط محذوف. تقديره: فإن ضربت، فقد انفجرت. أو معطوفة على محذوفة. تقديره: فضرب، فانفجرت، كما مرّ في قوله فَتابَ عَلَيْكُمْ وقرئ عشرة (بكسر الشّين وفتحها). وهما لغتان.

قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ: كلّ سبط، مَشْرَبَهُمْ: عينهم الّتي يشربون منها.

كُلُوا وَاشْرَبُوا، على تقدير القول، أي: وقلنا لهم.

مِنْ رِزْقِ اللَّهِ: يريد به ما رزقهم اللّه، من المنّ والسّلوى وماء العيون. وقيل: الماء وحده. لأنّه شرب. ويؤكل ما ينبت به .

 [و في كتاب الاحتجاج، للطّبرسيّ (ره):  روى موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ- عليهما السّلام. قال: إنّ يهوديّا من يهود الشّام وأحبارهم قال لأمير المؤمنين- عليه السّلام- في أثناء كلام طويل: فإنّ موسى- عليه السّلام- قد أعطي الحجر: فانبجست منه أثنتا عشرة عينا.

قال له عليّ- عليه السّلام-: لقد كان كذلك. ومحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- لمّا نزل الحديبية وحاصره أهل مكّة، قد أعطي ما هو أفضل من ذلك. وذلك أنّ أصحابه شكوا إليه الظّمأ وأصابهم ذلك حتّى التفّت خواصر الخيل. فذكروا ذلك له- عليه السّلام.

فدعا بركوة يمانيّة. ثمّ نصب يده المباركة فيها. فتفجّرت من بين أصابعه عيون الماء. فصدرنا وصدرت الخيل رواء. وملأنا كلّ مزادة وسقاء. ولقد كنّا معه بالحديبية. وإذا ثمّ قليب جافّة. فأخرج- صلّى اللّه عليه وآله- سهما من كنانته. فناوله البراء بن عازب. فقال له: اذهب بهذا السّهم إلى تلك القليب الجافّة. فاغرسه فيها. ففعل ذلك. فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، من تحت السّهم. ولقد كان يوم الميضاة عبرة وعلامة للمنكرين لنبوّته،كحجر موسى، حيث دعا بالميضاة. فنصب يده فيها. ففاضت بالماء. وارتفع حتّى توضّأ منه ثمانية آلاف رجل. وشربوا حاجتهم. وسقوا دوابّهم. وحملوا ما أرادوا.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى أبي الجارود، زياد بن المنذر. قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام- إذا خرج القائم من مكّة، ينادي مناديه: ألا لا يحمل أحد  طعاما ولا شرابا وحمل معه حجر موسى بن عمران. وهو وقر بعير. فلا ينزل  منزلا إلا انفجرت منه عيون. فمن كان جائعا، شبع، ومن كان ظمآنا، روي، ورويت دوابّهم، حتّى ينزلوا النّجف، من ظهر الكوفة.

و في الخرائج والجرائح ، عن أبي سعيد الخراسانيّ، عن جعفر بن محمد، عن أبيه- عليهما السّلام- مثله. وزاد في آخره: فإذا نزلوا ظاهره انبعث منه الماء واللّبن، دائما. فمن كان جائعا، شبع. ومن كان ظمآنا، روي.

و في أصول الكافي ، عن أبي سعيد الخراسانيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام- وذكر مثل ما في كمال الدّين وتمام النّعمة، إلّا قوله ورويت دوابّهم (الخ)]

 

 

وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ : لا تعتدوا حال إفسادكم.

و إنّما قيّده وإن كان العثيّ لا يكون إلّا فسادا. لأنّه يجوز أن يكون فعل ظاهره الفساد، وباطنه المصلحة، كقتل الخضر الغلام وخرقه السّفينة. فبيّن أنّ فعلهم، هو الفساد، ظاهرا وباطنا. ويقرب منه العبث. غير أنّه يغلب فيما يدرك حسّا.  وجعل بعضهم الحال، مؤكّدة.

فإن قيل كيف يجتمع ذلك الماء الكثير في ذلك الحجر الصّغير؟

أجيب بأنّ ذلك من آيات اللّه الباهرة والأعاجيب الظّاهرة الدّالّة على أنّه من فعل اللّه. فإنّه لمّا أمكن أن يكون من الأحجار ما يحلق الشّعر وينفر الخلّ ويجذب الحديد،

لم يمتنع أن يخلق في حجر، أو أحدث في كلّ حجر، قوّة بجذب الماء، من تحت الأرض، أو يجذب الهواء من الجوانب ويصير الماء بقوة التّبريد ونحو ذلك.

و لي هناك فائدة يجب أن ينبه عليها. فأقول: الممتنع إمّا ممتنع بأيّ اعتبار أخذ، أو باعتبار طبيعته، وحقيقته، مع قطع النّظر عن غيره، أو باعتبار العادات والرّسوم. فالأوّل، كشريك البارئ. والثّاني، ككون الكبير في الصّغير. والثّالث، ككون الحنطة خلّا.

و الممتنع بالقياس إليه تعالى، هو الأوّل دون الثّانيين. فتأمّل! فإنّه يحتاج إلى لطف تأمّل.

 [و في شرح الآيات الباهرة:  قال الإمام- عليه السّلام: واذكروا، يا بني إسرائيل! إِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ، طلب لهم السّقيا، لمّا لحقهم العطش في التّيه، وضجّوا بالنّداء إلى موسى، وقالوا هلكنا بالعطش، فقال موسى: «إلهي بحقّ محمّد سيّد الأنبياء وبحقّ عليّ سيّد الأوصياء وبحقّ فاطمة سيّدة النّساء وبحقّ الحسن سيّد الأولياء وبحقّ الحسين سيّد الشّهداء وبحقّ عترتهم وخلفائهم الأزكياء لمّا سقيت عبادك هؤلاء الماء. اعتبار فأوحى اللّه تعالى إليه: يا موسى: اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ.

فضربه بها. فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً، قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ، أي: كلّ قبيلة، من بني أب، من أولاد يعقوب مَشْرَبَهُمْ فلا يزاحم الآخرين في مشربهم.

 [قال اللّه تعالى:]  كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ الّذى اتاكموه! وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ، أي: ولا تعثوا  وأنتم مفسدون عاصون.

ثمّ قال- عليه السّلام: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله: من أقام على موالاتنا أهل البيت، سقاه اللّه من محبّته، كأسا لا يبغون به بدلا ولا يريدون سواه كافيا ولا كالئا ولا ناصرا. ومن وطّن نفسه على احتمال المكاره في موالاتنا، جعله اللّه يوم القيامة في عرصاتها بحيث يقصر كلّ من تضمّنته تلك العرصات أبصارهم عمّا يشاهدون من درجاته  وإن كلّ واحد منهم ليحيط بما له من درجاته كإحاطته في الدّنيا يتلقاه  بين يديه.

ثمّ يقول له: وطّنت نفسك على احتمال المكاره في موالاة محمّد وآله الطّيّبين، قد جعل اللّه إليك ومكّنك في تخليص كلّ من يجب تخليصه من أهل الشّدائد في هذه العرصات. فيمدّبصره فيحيط به. ثمّ ينتقد  من أحسن إليه أو برّه في الدّنيا، بقول أو فعل أو ردّ غيبة أو حسن محضر أو إرفاق ، فينتقده  من بينهم، كما ينتقد الدّرهم الصّحيح من المكسور. يقال له: اجعل هؤلاء في الجنّة، حيث شئت. فينزلهم جنان ربّنا.

ثمّ يقال له: وقد جعلنا لك ومكّنّاك في إلقاء من تريد في نار جهنم. فيراهم.

فيحيط بهم. فينتقده  من بينهم، كما ينتقد الدّينار من القراضة. ثمّ يصيّره في النّار. [ثمّ يقال له: صيّرهم من النّار، حيث تشاء. فيصيّرهم إلى حيث يشاء من مضايق النّار.]

 

فقال اللّه تعالى لبني إسرائيل الموجودين في عصر محمّد- صلّى اللّه عليه وآله: إذا كان أسلافكم إنّما دعوا إلى موالاة محمّد وآله الطّيّبين، فأنتم يا من شاهدتموه، فقد وصلتم إلى الغرض والمطلب الأفضل، إلى مولاة محمّد وآله. ألا فتقرّبوا إلى اللّه- عزّ وجلّ- بالتّقرّب إلينا. ولا تتقرّبوا من سخطه، تباعدوا» من رحمته بالازورار  عنّا]