سورة الإسراء الآية 21-40

انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ: في الرّزق.

و انتصاب «كيف» «بفضّلنا» على الحال.

وَ لَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ، أي: التّفاوت في الآخرة أكبر، لأنّ التّفاوت فيها بالجنّة ودرجاتها، والنّار ودركاتها.

و في مجمع البيان : وروي أنّ ما بين أعلى درجات الجنّة وأسفلها ما بين السّماء والأرض.

و روى العيّاشيّ ، بالإسناد: عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: لا تقولنّ الجنّة واحدة، إنّ اللّه يقول : وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ. ولا تقولنّ درجة واحدة، إنّ اللّه يقول: درجات بعضها فوق بعض. إنّما تفاضل القوم بالأعمال.

قال وقلت له: إنّ المؤمنين يدخلان الجنّة فيكون أحدهما أرفع مكانا من الآخر، فيشتهي أن يلقى صاحبه.

قال: من كان فوقه فله أن يهبط، ومن كان تحته لم يكن له أن يصعد لأنّه لم يبلغ ذلك المكان، ولكنّهم إذا أحبّوا ذلك واشتهوه التقوا على الأسرّة.

عن أنس ، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: وإنّما يرتفع العباد غدا في الدّرجات وينالون الزّلفى من ربّهم على قدر عقولهم.

و في كتاب جعفر بن محمّد الدّوريستيّ ، بإسناده إلى عمرو بن ميمون: أنّ ابن مسعود حدّثهم، عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: يكون في النّار قوم ما شاء اللّه أن يكونوا، ثمّ يرحمهم اللّه فيكونون في أدنى الجنّة، فيغتسلون في نهر الحياة، يسمّيهم أهل الجنّة: الجهنّميّون. لو أضاف أحدهم أهل الدّنيا لأطعمهم وسقاهم وفرشهم ولحفهم وروّحهم، لا ينقص ذلك.

و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد بن عبد اللّه، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر،

 عن محمّد بن سليمان الدّيلميّ، عن أبيه قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: فلان من عبادته ودينه و فضله كذا.

فقال: كيف عقله؟

قلت: لا أدري، فقال: إنّ الثّواب على قدر العقل، إنّ رجلا من بني إسرائيل كان يعبد اللّه في جزيرة من جزائر البحر خضراء نضرة كثيرة الشّجر ظاهرة الماء، وأنّ ملكا من الملائكة مرّ به، فقال: يا ربّ، أرني ثواب عبدك هذا.

فأراه اللّه ذلك، فاستقلّه الملك.

فأوحى اللّه إليه: أن اصحبه.

فأتاه الملك في صورة إنسيّ، فقال له: من أنت؟

فقال: أنا رجل عابد بلغني مكانك وعبادتك في هذا المكان، فأتيتك لأعبد اللّه معك.

فكان معه يومه ذلك، فلمّا أصبحا  قال له الملك: إنّ مكانك لنزه، وما يصلح إلّا للعبادة.

فقال له العابد: إنّ لمكاننا هذا عيبا.

فقال: وما هو؟

قال: ليس لرّبنا بهيمة، فلو كان له حمار رعيناه في هذا الموضع فإنّ هذا الحشيش يضيع.

فقال له الملك: وما لربّك حمار؟

فقال: لو كان له حمار ما كان يضيع مثل هذا الحشيش.

فأوحى اللّه إلى الملك: إنّما أثيبه على قدر عقله.

لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ: الخطاب للرّسول والمراد به أمّته، أو لكلّ أحد.

فَتَقْعُدَ: فتصير، من قولهم: شحذ الشّفرة حتّى قعدت كأنّها حربة. أو فتعجز، من قولهم: قعد عن الشّي‏ء: إذا عجز عنه.

مَذْمُوماً مَخْذُولًا : جامعا على نفسك الذّم من الملائكة والمؤمنين،و الخذلان من اللّه. ومفهومه: أنّ الموحّد يكون ممدوحا منصورا.

وَ قَضى رَبُّكَ، أي: أمر أمرا مقطوعا به.

أَلَّا تَعْبُدُوا: بأن لا تعبدوا.

إِلَّا إِيَّاهُ: لأنّ غاية التّعظيم لا تحقّ إلّا لمن له غاية العظمة ونهاية الإنعام، وهو كالتّفصيل لسعي الآخرة.

و يجوز أن تكون «أن» مفسّرة و«لا» ناهية.

وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً: وبأن تحسنوا. أو وأحسنوا بالوالدين إحسانا، لأنّهما السّبب الظّاهر للوجود والتّعيّش.

و لا يجوز أن تتعلّق الباء «بالإحسان»، لأنّ صلته لا تتقدّم عليه .

إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما.

 «إمّا» «إن» الشّرطيّة زيدت عليها «ما» تأكيدا، ولذلك صحّ لحوق النّون المؤكّدة للفعل .

و «أحدهما» فاعل «يبلغنّ»، أو بدل على قراءة حمزة والكسائي من ألف «يبلغان» الراجع إلى «الوالدين».

و «كلاهما» عطف على «أحدهما» فاعلا، أو بدلا، ولذلك لم يجز أن يكون تأكيدا للألف  ومعنى «عندك»: أن يكونا في كنفك أو كفالتك.

فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ: فلا تتضجّر ممّا يستقذر منهما وتستثقل من مؤنتهما، وهو صوت يدلّ على التّضجّر.و قيل : اسم الفعل الّذي هو «أتضجّر» وهو مبنيّ على الكسر لالتقاء السّاكنين، وتنوينه في قراءة نافع وحفص للتّنكير.

و قرأ  ابن كثير وابن عامر ويعقوب، بالفتح، على التّخفيف .

و قرئ  به منوّنا وبالضّمّ للإتباع، كمنذ منوّنا وغير منوّن.

و النّهي عن ذلك يدلّ على المنع من سائر أنواع الإيذاء، قياسا بطريق الأولى.

و قيل : عرفا، كقولك: فلان لا يملك النّقير والقطمير. ولذلك منع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- حذيفة من قتل أبيه وهو في صفّ المشركين، نهى عمّا يؤذيهما بعد الأمر بالإحسان بهما .

وَ لا تَنْهَرْهُما: ولا تزجرهما عمّا لا يعجبك بإغلاظ.

و قيل : النّهي والنّهر والنّهم أخوات.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ قال: لو علم أنّ شيئا أقلّ من أُفٍّ لقاله. وَلا تَنْهَرْهُما، أي: لا تخاصمهما.

وَ قُلْ لَهُما: بدل التّأفيف والنّهر قَوْلًا كَرِيماً : جميلا لا شراسة فيه.

وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ: تذلّل لهما وتواضع فيهما. جعل للذّلّ جناحا، كما جعل لبيد في قوله:

         وغداة ريح قد كشفت وقرة              إذ أصبحت بيد الشّمال زمامها

 للشّمال يدا، وللقرة زماما. وأمره بخفضه  مبالغة. أو أراد جناحه، كقوله : واخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ. وإضافته إلى «الذّلّ» للبيان والمبالغة، كما أضيف حاتم إلى‏الجود. والمعنى: واخفض لهما جناحك الذّليل.

و قرئ : «الذّل» بالكسر، وهو الانقياد، والنّعت منه ذلول.

مِنَ الرَّحْمَةِ: من فرط رحمتك عليهما، لافتقارهما إلى من كان أفقر خلق اللّه إليهما بالأمس.

وَ قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما: وادع اللّه أن يرحمهما برحمته الباقية ولا تكتف برحمتك الفانية، وإن كانا كافرين، لأنّ من الرّحمة أن يهديهما.

كَما رَبَّيانِي صَغِيراً : رحمة مثل رحمتهما عليّ، وتربيتهما إليّ، وإرشادهما لي في صغري، وفاء بوعدك للرّاحمين.

نقل : أنّ رجلا قال لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ أبويّ بلغا من الكبر اني ألِي منهما ما وليا منّي في الصّغر، فهل قضيتهما حقّهما؟

قال: لا، فإنّهما كانا يفعلان ذلك وهما يحبّان بقاءك، وأنت تفعل ذلك وأنت تريد موتهما.

و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى ابن عبّاس: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه: فقال الشّيخ: يا أمير المؤمنين، فما القضاء والقدر اللّذان ساقانا وما هبطنا واديا ولا علونا تلعة  إلّا بهما؟

فقال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: الأمر من اللّه والحكم. ثمّ تلا هذه الآية:

وَ قَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى. وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا، عن الحسن بن محبوب، عن أبي ولّاد الحنّاط  قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ما هذا الإحسان؟

فقال: الإحسان أن تحسن صحبتهما، وأن لا تكلّفهما أن يسألاك شيئا [ممّا يحتاجان إليه‏]  وإن كانا مستغنيين، أليس يقول اللّه - عزّ وجلّ-:

لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ.

قال: ثمّ قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: وأمّا قول اللّه- عزّ وجلّ-: إِمَّا يَبْلُغَنَّ- إلى قوله- وَلا تَنْهَرْهُما قال: إن أضجراك فلا تقل لهما أفّ، ولا تنهرهما إن ضرباك.

قال: وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً قال: إن ضرباك، فقل لهما: غفر اللّه لكما.

فذلك [منك‏]  قول كريم.

قال: وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ قال: لا تملأ  عينيك من النّظر إليهما إلّا برحمة  ورقّة، ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما  ولا يدك فوق أيديهما، ولا تقم قدّامهما.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن حديد بن حكيم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: أدنى العقوق أف. ولو علم اللّه شيئا أهون منه، لنهى عنه.

 [عنه ،]  عن يحيى بن إبراهيم بن أبي البلاد، عن أبيه، عن جدّه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لو علم اللّه شيئا أدنى من أف لنهى عنه، وهي أدنى العقوق. ومن العقوق أن ينظر الرّجل إلى والديه فيحدّ النّظر إليهما.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن أبي المأمون الحارثيّ قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: ما حقّ المؤمن على المؤمن؟

قال: إنّ من حقّ المؤمن [على المؤمن‏]  مودّته  له في صدره.

... إلى أن قال: [و إذا قال‏]  له: أفّ، فليس بينهما ولاية.

عليّ بن إبراهيم‏1»، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرّحمن،

 عن [درست بن أبي‏]  منصور، عن أبي الحسن، موسى- عليه السّلام- قال: سأل رجل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ما حقّ الوالد على الولد؟ قال: لا يسمّيه باسمه، ولا يمشي بين يديه، ولا يجلس قبله، ولا يستسبّ له .

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي حديث آخر أنّ «أفّا» بالألف، أي : فلا تقل لهما أفّا  وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً، أي: حسنا. وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ قال: تذلّل لهما ولا تتبختر  عليهما.

و في روضة الواعظين  للمفيد- رضي اللّه عنه-: قال الصّادق- عليه السّلام-: قوله- تعالى-: وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً قال: الوالدين  محمّد وعليّ.

و في عيون الأخبار ، في باب ذكر ما كتب به الرّضا- عليه السّلام- إلى محمّد بن سنان في جواب مسائله في العلل: وحرّم اللّه- تعالى- عقوق الوالدين لما فيه من الخروج عن التّوقير لطاعة اللّه، والتّوقير للوالدين، وتجنّب كفر النّعمة وإبطال الشّكر، وما يدعو في ذلك إلى قلّة النّسل وانقطاعه، لما في العقوق من قلّة توقير الوالدين والعرفان بحقّهما، وقطع الأرحام والزّهد من الوالدين في الولد، وترك التّربية لعلّة ترك الولد برّهما.

و في كتاب الخصال : فيما علّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أصحابه: إذا قال المؤمن لأخيه: أفّ، انقطع ما بينهما. فإن  قال له: أنت كافر، كفر أحدهما. وإذا اتّهمه انماث  الإسلام في قلبه، كانمياث  الملح في الماء.

عن موسى بن بكر الواسطيّ  قال: قلت لأبي الحسن، موسى بن جعفر- عليه السّلام-: الرّجل يقول لابنه أو لابنته: بأبي أنت وأمّي، أو بأبويّ، أ ترى بذلك بأسا؟فقال: إن كان أبواه حيّين فأرى [ذلك‏]  عقوقا، وإن كانا قد ماتا فلا بأس.

عن عبد اللّه  بن الفضل الهاشميّ  قال : قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: ثلاثة من عازّهم  ذلّ: الوالد والسّلطان والغريم.

عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه، عن آبائه، [عن عليّ‏] - عليهم السّلام- قال:

 

قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: يلزم الوالدين من العقوق لولدهما إذا كان الولد صالحا ما يلزم [الولد]  لهما.

عن عنبسة  بن مصعب  قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: ثلاث لم يجعل اللّه- تعالى- لأحد من النّاس فيهنّ رخصة: برّ الوالدين برّين كانا أو فاجرين، والوفاء  بالعهد للبرّ والفاجر، وأداء الأمانة للبرّ  والفاجر.

و في من لا يحضره الفقيه ، في باب الحقوق المرويّة بإسناده: عن سيّد العابدين- عليه السّلام-: وأمّا حقّ أمّك أن تعلم أنّها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحدا، وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحد أحدا، ووقتك بجميع جوارحها، ولم تبال أن تجوع وتطعمك، وتعطش وتسقيك، وتعرى وتكسوك، وتضحّي وتظلّلك، وتهجر النّوم لأجلك، ووقتك الحرّ والبرد لتكون لها، فإنّك لا تطيق شكرها  إلّا بعون اللّه وتوفيقه.

و أمّا حقّ أبيك فأن تعلم أنّه أصلك، فإنّك لولاه لم تكن، فمهما رأيت من نفسك ما يعجبك فاعلم أنّ أباك أصل النّعمة عليك فيه، فاحمد اللّه واشكره على قدر ذلك، ولا قوة إلّا باللّه.

و في مجمع البيان : روي عن عليّ بن موسى الرّضا، عن أبيه، عن جدّه، أبي‏

 عبد اللّه- عليهم السّلام- قال: لو علم اللّه لفظة أوجز في ترك عقوق الوالدين من «أفّ» لأتى به.

و في رواية أخرى ، عنه- عليه السّلام- قال: أدنى العقوق أف، ولو علم اللّه شيئا أيسر منه أو أهون منه لنهى عنه.

و في خبر آخر : فليعمل العاقّ ما شاء  أن يعمل، فلن يدخل الجنّة.

و روى أبو أسيد  الأنصاريّ  قال: بينا نحن عند رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إذ جاءه رجل من بني سلمة، فقال: يا رسول اللّه، هل بقي من برّ أبويّ شي‏ء أبرّهما به  بعد موتهما؟

قال: نعم، الصّلاة عليهما والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرّحم الّتي لا توصل إلّا بهما.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن معمّر بن خلّاد قال: قلت لأبي الحسن الرّضا- عليه السّلام-: أدعو لوالديّ إذا  كانا لا يعرفان الحقّ؟

قال: ادع لهما وتصدّق عنهما، وإن كانا حيّين لا يعرفان الحقّ فدارهما، فإنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: إنّ اللّه بعثني بالرّحمة لا بالعقوق.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: جاء رجل إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: يا رسول اللّه، من أبرّ؟

قال: أمّك.

قال: ثمّ من؟

 [قال: أمّك.

قال: ثمّ من؟قال: أمّك.

قال: ثمّ من؟]  قال: أباك.

عليّ بن محمّد ، عن بعض أصحابه، عن آدم بن إسحاق، عن عبد الرّزّاق بن مهران، عن الحسين بن ميمون، عن محمّد بن سالم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: ثمّ بعث اللّه محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- وهو بمكّة عشر سنين، فلم يمت بمكّة في تلك العشر سنين أحد يشهد: أن لا إله إلّا اللّه وأن محمّدا رسول اللّه، إلّا أدخله [اللّه‏]  الجنّة بإقراره، وهو إيمان التّصديق، ولم يعذّب اللّه أحدا ممّن مات وهو متّبع لمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- على ذلك إلّا من أشرك بالرّحمن، وتصديق ذلك أنّ اللّه- عزّ وجلّ- أنزل عليه في سورة بني إسرائيل بمكّة: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً- إلى قوله- إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً. أدب وعظة وتعليم ونهي خفيف، ولم يعد عليه ولم يتواعد على اجتراح شي‏ء ممّا نهى عنه، وأنزل نهيا عن أشياء حذّر عليها ولم يغلّظ فيها ولم يتواعد عليها، وقال: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ وتلا الآيات إلى قوله: مَلُوماً مَدْحُوراً.

رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ: من قصد البرّ إليهما واعتقاد ما يجب لهما من التّوقير، فكأنّه تهديد على أن يضمر لهما كراهة واستثقالا.

إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ: قاصدين الصّلاح.

فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ: للتّوّابين.

غَفُوراً : ما فرط منهم عند حرج الصّدر من أذيّة أو تقصير. وفيه تشديد عظيم.

و يجوز أن يكون عامّا لكلّ تائب، ويندرج فيه الجاني على أبويه التّائب من جنايته اندراجا أوّليا لوروده على أثره.

و في تفسير العيّاشيّ : عن عبد اللّه بن عطاء [المكّي‏]  قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: يا ابن عطاء، ترى زاغت الشّمس؟فقلت: جعلت فداك، وما علمي بذلك وأنا معك؟

فقال: لا، لم تفعل وأوشك.

قال: فسرنا، فقال: قد فعلت.

قلت: هذا المكان الأحمر؟

قال: ليس يصلّى هاهنا، هذه أودية النّمال وليس يصلّى.

قال: فمضينا إلى أرض بيضاء، قال: هذه سبخة وليس يصلّى بالسّباخ.

قال: فمضينا إلى أرض حصباء، فقال: هاهنا.

فنزل ونزلت، فقال: يا ابن عطاء، أتيت بالعراق فرأيت القوم يصلّون بين تلك السواري في مسجد الكوفة؟

قال: قلت: نعم.

قال: أولئك  شيعة أبي، عليّ، هذه صلاة الأوّابين، إنّ اللّه يقول: فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً.

عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- يقول في قوله: فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً قال: هم التّوّابون المتعبّدون.

عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: يا أبا محمّد، عليكم بالورع والاجتهاد وأداء الأمانة وصدق الحديث وحسن الصحبة لمن صحبكم وطول السّجود، وكان ذلك من سنن الأوّابين. قال أبو بصير: «الأوّابون» التّوّابون.

عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من صلّى أربع ركعات [فقرأ]  في كلّ ركعة خمسين مرة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ كانت صلاة فاطمة- صلوات اللّه عليها- وهي صلاة الأوّابين.

عن محمّد بن حفص  [بن عمر] ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: كانت صلاة الأوّابين خمسين صلاة، كلّها بقل هو اللّه أحد.و في مجمع البيان : فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً الأوّاب التّوّاب.

... إلى قوله: وقيل: إنّهم الّذين يصلّون بين المغرب والعشاء. روي ذلك مرفوعا.

وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ: من صلة الرّحم وحسن المعاشرة والبرّ عليهم.

و قيل : المراد بذي القربى: أقارب الرّسول- صلّى اللّه عليه وآله-.

و قيل : في تفسير العامّة: وصّى- سبحانه- بغير الوالدين من القرابات والمساكين وأبناء السّبيل بأن تؤتى حقوقهم بعد أن وصّى بهما.

و في عيون الأخبار ، في باب ذكر مجلس الرّضا- عليه السّلام- مع المأمون في الفرق بين العترة والأمّة حديث طويل، وفيه: قالت العلماء: فأخبرنا هل فسّر اللّه- تعالى- الاصطفاء في الكتاب؟

فقال الرّضا- عليه السّلام-: فسّر الاصطفاء في الظّاهر سوى الباطن في اثني عشر موطنا وموضعا، فأوّل ذلك قوله- عزّ وجلّ-.

... إلى أن قال- عليه السّلام-: والآية الخامسة قول اللّه- تعالى-: وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ خصوصية خصّصهم  اللّه العزيز الجبّار بها، واصطفاهم على الأمّة. فلمّا نزلت هذه الآية على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: ادعوا لي فاطمة.

فدعيت له، فقال: يا فاطمة.

قالت: لبّيك، يا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.

فقال- صلّى اللّه عليه وآله-: هذه فدك هي ممّا لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، وهي لي  خاصّة دون المسلمين، فقد جعلتها  لك لما أمرني اللّه به، فخذيها لك ولولدك.

فهذه الخامسة.

و في أصول الكافي : محمّد بن الحسين وغيره، عن سهل، عن محمّد بن عيسى، ومحمّد بن يحيى ومحمّد بن الحسين، جميعا، عن محمّد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر

 و عبد الكريم عن عمرو، عن عبد الحميد بن أبي الدّيلم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه: ثمّ قال- جلّ ذكره-: وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ. وكان عليّ- عليه السّلام- وكان حقّه الوصيّة الّتي جعلت له، والاسم الأكبر، وميراث العلم وآثار علم  النّبوّة.

عليّ بن محمّد بن عبد اللّه ، عن بعض أصحابنا أظنّه السّياريّ، عن عليّ بن أسباط قال: لمّا ورد أبو الحسن، موسى- عليه السّلام- على المهديّ رآه يردّ المظالم.

فقال: يا أمير المؤمنين، ما بال مظلمتنا لا تردّ؟

فقال له: وما ذاك، يا أبا الحسن؟

قال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- لمّا فتح على نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- فدك وما والاها، ممّا  لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، فانزل اللّه على نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله-: وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ. ولم يدر رسول اللّه من هم، [فراجع في ذلك جبرئيل- عليه السّلام-]  وراجع جبرئيل ربّه.

فأوحى اللّه إليه: أن ادفع فدك إلى فاطمة- عليها السّلام-.

فدعاها رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال لها: يا فاطمة، [إنّ اللّه‏]  أمرني أن أدفع إليك فدك.

فقالت: قد قبلت، يا رسول اللّه، من اللّه ومنك.

فلم يزل وكلاؤها فيها حياة رسول اللّه، فلمّا ولي أبو بكر أخرج عنها وكلاءها، فأتته فسألته أن يردّها عليها.

فقال لها: ائتيني بأسود وأحمر يشهد لك بذلك.

فجاءت بأمير المؤمنين - عليه السّلام- وأمّ أيمن فشهدا لها، فكتب لها بترك التّعرّض، فخرجت والكتاب معها فلقيها  عمر.فقال: ما هذا معك، يا بنت محمّد؟

قالت: كتاب كتبه لي ابن أبي قحافة.

قال: أرينيه. فأبت، فانتزعه من يدها ونظر فيه، ثمّ تفل فيه ومحاه وخرقه، وقال لها: هذا لم يوجف عليه أبوك بخيل ولا ركاب، فضعي الجبال  في رقابنا.

فقال له المهدي: [يا أبا الحسن،]  حدّها لي.

فقال: حدّ منها جبل أحد، وحدّ منها عريش  مصر، وحدّ منها سيف البحر، وحدّ منها دومة الجندل .

فقال له: كلّ هذا؟

قال: نعم، يا أمير المؤمنين، هذا كلّه. [إنّ هذا]  ممّا لم يوجف على أهله  رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بخيل ولا ركاب.

فقال: كثير، أنظر  فيه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ، يعني: قرابة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ونزلت  في فاطمة- عليها السّلام- فجعل لها فدك، والمسكين من ولد فاطمة- عليها السّلام-، وابن السّبيل من آل محمّد وولدفاطمة.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسي- رضي اللّه عنه-: عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- حديث طويل، يقول فيه لبعض الشّاميّين: أما قرأت هذه الآية: وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ [وَ الْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ]؟

قال: نعم.

قال- عليه السّلام-: فنحن أولئك الّذين أمر اللّه- عزّ وجلّ- نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- أن يؤتيهم حقّهم.

و في مجمع البيان : وأخبرنا السّيّد أبو الحمد.

... إلى قوله: عن أبي سعيد الخدريّ قال: لمّا نزل قوله: وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ أعطى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فاطمة فدك .

قال عبد الرّحمن بن صالح: كتب المأمون إلى عبيد اللّه  بن موسى يسأله عن قصّة فدك، فكتب إليه عبيد اللّه  بهذا الحديث، رواه عن الفضيل  بن مرزوق عن عطيّة، فردّ المأمون فدك على  ولد فاطمة- عليها السّلام-.

و في تفسير العيّاشيّ : عن عبد الرّحمن، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لمّا أنزل اللّه وَآتِ  ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: يا جبرئيل، قد عرفت المسكين، فمن ذو القربى؟

قال: هم أقاربك.

فدعا حسنا وحسينا وفاطمة، فقال: إنّ ربّي أمرني أن أعطيكم ممّا أفاء اللّه  عليّ قال: أعطيتكم  فدكا.

عن أبان بن تغلب  قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: أ كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أعطى فاطمة فدكا؟

قال: كان وقفها، فانزل اللّه وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ فأعطاها رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- حقّها.

قلت: رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أعطاها؟

قال: بل اللّه أعطاها .

عن جميل بن درّاج ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: أتت فاطمة أبا بكر تريد فدكا.

قال: هاتي أسود أو أحمر يشهد بذلك.

قال: فأتت بأمّ  أيمن.

فقال لها: تشهدين؟

قالت: أشهد أنّ جبرئيل أتى محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: إنّ اللّه يقول:

وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ. فلم يدر محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- من هم، فقال: يا جبرئيل، سل ربّك من هم؟ فقال: فاطمة ذو القربى، فأعطاها فدكا.

فزعموا أنّ عمر محا الصّحيفة، وقد كان كتبها أبو بكر.

عن أبي الطّفيل ، عن عليّ- عليه السّلام- قال يوم  الشّورى: أ فيكم أحد تمّ نوره من السّماء حين قال: وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ؟

قالوا: لا.

وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً : بصرف المال فيما لا ينبغي، وإنفاقه على وجه الإسراف.

و أصل التّبذير، التّفريق.

و في محاسن البرقيّ : عنه، عن أبيه، عن عليّ بن حديد، عن منصور بن يونس، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- تعالى-: لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً قال: لا تبذّر  ولاية عليّ- عليه السّلام-.و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطيّة، عن عامر بن جذاعة قال: جاء رجل إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- فقال له- عليه السّلام-: اتّق اللّه ولا تسرف ولا تقتّر ولكن بين ذلك قواما، إنّ التّبذير من الإسراف، قال اللّه- عزّ وجلّ-: وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً.

و في تفسير العيّاشيّ : عن عبد الرّحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قوله: وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً.

قال: من أنفق شيئا في غير طاعة اللّه، فهو مبذّر، ومن أنفق في سبيل اللّه، فهو مقتصد.

عن أبي بصير  قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً.

قال: لا تبذّر في ولاية عليّ- عليه السّلام-.

عن بشر بن مروان  قال: دخلنا على أبي عبد اللّه- عليه السّلام- فدعا برطب، فأقبل بعضهم يرمي النّوى.

قال: فأمسك أبو عبد اللّه- عليه السّلام- يده، فقال: لا تفعل، إنّ هذا من التّبذير، وإنّ اللّه لا يحبّ الفساد.

و في مجمع البيان : وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً

و روي عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّ أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال لعناية : كن زاملة  للمؤمنين فإنّ خير المطايا أمثلها وأسلمها ظهرا، ولا تكن من المبذّرين.

إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ: أمثالهم في الشّرارة، فإنّ التّضييع والإتلاف شرّ. أو أصدقاءهم وأتباعهم، لأنّهم يطيعونهم في الإسراف والصّرف في‏المعاصي.

نقل : أنّهم كانوا ينحرون الإبل ويتياسرون عليها ويبذّرون أموالهم في السّمعة، فنهاهم اللّه- تعالى- عن ذلك وأمرهم بالإنفاق في القربات.

وَ كانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً : مبالغا في الكفر به، فينبغي أن لا يطاع.

وَ إِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ: وإن أعرضت عن ذي القربى والمسكين وابن السّبيل حياء من الرّدّ.

و يجوز أن يراد بالإعراض عنهم: أن لا ينفعهم، على سبيل الكناية.

ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها: لانتظار رزق من اللّه ترجوه أن يأتيك فتعطيه، أو منتظرين له .

و قيل : معناه: لفقد رزق من ربّك ترجوه أن يفتح لك. فوضع الابتغاء موضعه، لأنّه مسبّب عنه.

و يجوز أن يتعلّق بالجواب الّذي هو قوله: فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً : قولا ليّنا ابتغاء رحمة اللّه برحمتك عليهم بإجمال القول لهم.

و «الميسور» من يسر الأمر، مثل: سعد الرّجل ونحس.

و قيل: «القول [الميسور] » الدّعاء لهم بالميسور، وهو اليسر، مثل: أغناكم اللّه، ورزقنا اللّه وإيّاكم.

و في مجمع البيان : وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ (الآية)

و روي أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- كان لمّا نزلت هذه الآية، إذا سئل ولم يكن عنده ما يعطي قال: يرزقنا اللّه وإيّاكم من فضله.

و في كتاب المناقب  لابن شهر آشوب، بعد ذكر فاطمة- عليها السّلام- وما تلقى‏من الطّحن: من كتاب الشّيرازيّ، أنّها لمّا ذكرت حالها وسألت جارية بكى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: يا فاطمة، والّذي بعثني بالحقّ، إنّ في المسجد أربعمائة رجل مالهم طعام ولا ثياب، ولو لا خشيتي خصلة لأعطيتك يا فاطمة ما سألت، إنّي لا أريد أن ينفكّ عنك  أجرك إلى الجارية، وإنّي أخاف أن يخصمك عليّ بن أبي طالب يوم القيامة بين يدي اللّه- عزّ وجلّ- إذا طلب حقّه منك.

ثمّ علّمها صلاة التّسبيح، فقال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: مضيت تريدين من رسول اللّه الدّنيا فأعطانا اللّه ثواب الآخرة.

قال أبو هريرة : فلمّا خرج رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- من عند فاطمة، أنزل اللّه على رسوله وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً، يعني: عن قرابتك وابنتك فاطمة. ابْتِغاءَ، يعني: طلب رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ، يعني  رزق من ربّك. تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً، يعني: قولا حسنا. فلمّا نزلت هذه الآية أنفذ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إليها جارية للخدمة، وسمّاها فضّة.

وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ: تمثيلان لمنع الشحيح وإسراف المبذّر ، نهى عنهما آمرا بالاقتصاد بينهما الّذي هو الكرم.

فَتَقْعُدَ مَلُوماً: فتصير ملوما عند اللّه وعند النّاس بالإسراف وسوء التّدبير.

مَحْسُوراً : نادما. أو منقطعا بك  لا شي‏ء عندك، من حسره السّفر:

إذا بلغ منه .

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ (الآية)قال: «الإحسار» الفاقة.

عليّ بن محمّد ، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن النّضر بن سويد، عن موسى بن بكر، عن عجلان قال: كنت عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام- فجاء سائل فقام إلى مكتل  فيه تمر فملأ يده فناوله، ثمّ جاء آخر فسأله فقام فأخذ بيده فناوله، ثمّ جاء آخر فسأله فقام فأخذ بيده فناوله، [ثمّ جاء آخر فسأله، فقام فأخذ بيده فناوله‏] ، ثمّ جاء آخر فقال: اللّه رازقنا وإيّاكم .

ثم قال: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- كان لا يسأله أحد من الدّنيا شيئا إلّا أعطاه، فأرسلت إليه امرأة ابنا لها فقال: انطلق إليه فاسأله، فإن قال لك: ليس عندنا شي‏ء. فقل: أعطني قميصك.

قال: فأخذ قميصه فرمى به إليه. وفي نسخة أخرى: فأعطاه. فأدّبه اللّه- تبارك وتعالى- على القصد [فقال:]  وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً.

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد وأحمد بن محمّد، عن الحسن [بن محبوب‏] ، عن عبد اللّه بن سنان [عن عبد اللّه- عليه السّلام-]

 في قوله- تبارك وتعالى-:

الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً. فبسط كفّه وفرّق أصابعه وحناها شيئا.

و عن قوله- تعالى-: وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فبسط راحته وقال: هكذا.

و قال: «القوام» ما يخرج من بين الأصابع ويبقى في الرّاحة منه شي‏ء.

عليّ بن إبراهيم ، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه: ثمّ علّم اللّه- جلّ اسمه- نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- كيف ينفق، وذلك أنّه كانت عنده أوقيّة من الذهب [فكره أن تبيت عنده،فتصدّق بها، فأصبح وليس عنده شي‏ء، فجاءه من يسأله‏] ، فلم يكن عنده ما يعطيه، فلامه السّائل واغتمّ هو حيث لم يكن عنده ما يعطيه، وكان رحيما رقيقا - صلّى اللّه عليه وآله-، فأدّب اللّه- عزّ وجلّ- نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- بأمره فقال: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً يقول: إنّ النّاس قد يسألونك ولا يعذرونك، فإذا أعطيت جميع ما عندك من المال كنت قد حسرت  من المال.

و في تفسير العيّاشيّ : عن الحلبيّ، عن بعض أصحابه، عنه قال: قال أبو جعفر لأبي عبد اللّه- عليهما السّلام-: يا بنيّ، عليك بالحسنة بين الشّيئين تمحوهما.

قال: وكيف ذلك، يا أبة؟

قال: مثل [قوله: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

عن ابن سنان ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في‏]  قوله: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ قال: فضمّ يده وقال: هكذا.

عن محمّد بن يزيد ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-  في قوله: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً. قال: «الإحسار» الإقتار.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ-: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً. فإنّه كان سبب نزولها: أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- كان لا يردّ أحدا يسأله شيئا عنده، فجاءه رجل فسأله فلم يحضره شي‏ء.

فقال: يكون- إن شاء اللّه تعالى-.فقال: يا رسول اللّه، أعطني  قميصك. وكان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لا يردّ أحدا عمّا عنده فأعطاه قميصه، فأنزل اللّه- عزّ وجلّ-: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فهنأه [اللّه- عزّ وجلّ-]  أن يبخل أو يسرف ويقعد محسورا من الثّياب.

فقال الصّادق- عليه السّلام-: «المحسور» العريان.

و في تهذيب الأحكام : الحسن بن محمّد بن سماعة، عن محمّد بن زياد، عن عبد اللّه بن سنان في قوله- عزّ وجلّ-: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ. قال: ضمّ يده وقال: هكذا.

وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ قال: بسط راحته وقال: هكذا.

إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ: يوسّعه ويضيّقه بمشيئته التّابعة للحكمة، فليس ما يرهقك من الإضافة إلّا لمصلحتك .

إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً : يعلم سرّهم وعلنهم، فيعلم  من مصالحهم ما يخفى عليهم.

و يجوز أن يراد: أنّ البسط والقبض من أمر اللّه- تعالى- العالم بالسّرائر والظّواهر، فأمّا العباد فعليهم أن يقتصدوا. أو أنّه- تعالى- يبسط تارة ويقبض أخرى، فاستنّوا بسنّته ولا تقبضوا كلّ القبض ولا تبسطوا كلّ البسط.

و في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام-: وقدّر الأرزاق فكثّرها وقلّلها وقسّمها على الضّيق والسّعة، فعدل فيها ليبتلي من أراد بميسورها ومعسورها، وليختبر بذلك الشّكر والصّبر من غنيّها وفقيرها.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن داود الرّقيّ، عن أبي عبيدة الحذّاء، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال‏

 رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: قال اللّه- عزّ وجلّ-: إنّ من عبادي المؤمنين عبادا  لا يصلح لهم أمر دينهم إلّا بالغنى والسّعة والصّحّة في البدن، فأبلوهم بالغنى والسّعة وصحّة البدن [فيصلح عليهم أمر دينهم‏] . وإنّ من عبادي المؤمنين لعبادا لا يصلح لهم أمر دينهم إلّا بالفاقة [و المسكنة]  والسّقم في أبدانهم، فأبلوهم بالفاقة والمسكنة والسّقم فيصلح عليهم أمر دينهم، وأنا أعلم بما يصلح عليه أمر دين عبادي المؤمنين.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ: مخافة الفاقة. وقتلهم أولادهم هو وأدهم بناتهم مخافة الفقر، فنهاهم اللّه عنه وضمن لهم أرزاقهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : مخافة الفقر والجوع، فإنّ العرب كانوا يقتلون أولادهم لذلك.

و في تفسير العيّاشي : عن إسحاق بن عمّار، عن أبي إبراهيم قال: لا يملق حاجّ أبدا.

قلت: وما الإملاق؟

قال: قول اللّه: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ.

عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: الحاج لا يملق أبدا.

قال: قلت: ما الإملاق؟

قال: الإفلاس وتلا هذه الآية.

نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً : ذنبا كبيرا، لما فيه من قطع التّناسل وانقطاع النّوع.

و «الخطأ» الإثم، يقال: خطئ خطأ، كأثم إثما.و قرأ  ابن عامر: «خطأ» وهو اسم من «أخطأ» يضادّ الصّواب.

و قيل : لغة فيه، كمثل ومثل، وحذر وحذر.

و قرأ  ابن كثير: «خطاء» بالمدّ والكسر، وهو إمّا لغة فيه، أو مصدر «خاطأ»، وهو وإن لم يسمع ولكنّه جاء تخاطأ في قوله:

         تخاطأه القنّاص حتّى وجدته             وخرطومه في منقع الماء راسب‏

 وهو مبنيّ عليه .

و قرئ : «خطاء» بالفتح والمدّ. و«خطا» بحذف الهمزة مفتوحا ومكسورا.

وَ لا تَقْرَبُوا الزِّنى: بالعزم والإتيان بالمقدّمات، فضلا عن أن تباشروه.

إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً: فعلة ظاهرة القبح زائدته .

وَ ساءَ سَبِيلًا : وبئس طريقا طريقه، وهو الغصب على الأبضاع المؤدّي إلى قطع الأنساب وهيج الفتن.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً يقول: معصية ومقتا، فإنّ اللَّه يمقته ويبغضه.

قال : وَساءَ سَبِيلًا وهو أشدّ النّاس عذابا. والزّنا من أكبر الكبائر.

و في عيون الأخبار ، في باب ذكر ما كتب به الرّضا إلى محمّد بن سنان في جواب مسائله في العلل: وحرّم الزّنا لما فيه من الفساد من قتل الأنفس، وذهاب الأنساب، وترك التّربية للأطفال، وفساد المواريث، وما أشبه ذلك من وجوه الفساد.

و في كتاب الخصال : عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال في وصيّة له: يا عليّ،في الزّنا ستّ خصال: ثلاث منها في الدّنيا، وثلاث في الآخرة، فأمّا الّتي في الدّنيا فيذهب بالبهاء ويعجّل الفناء ويقطع الرّزق، وأمّا الّتي في الآخرة فسوء الحساب وسخط الرّحمن والخلود في النّار.

و عن أبي عبد اللّه - عليه السّلام- قال: للزّاني [ستّ خصال،]  ثلاث في الدّنيا، وثلاث في الآخرة. وذكر نحوه.

عن حذيفة اليمانيّ  قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: يا معشر المسلمين، إيّاكم والزّنا فإنّ فيه ستّ خصال. وذكر نحوه- أيضا-.

عن أبي عبد اللّه - عليه السّلام-: إذا فشت أربعة ظهرت أربعة، إذا فشا الزّنا، ظهرت الزّلازل. (الحديث)

و عن عليّ - عليه السّلام-: أربعة لا تدخل  واحدة منهنّ بيتا إلّا خرب ولم يعمر: الخيانة، والسّرقة، وشرب الخمر، والزّنا.

عن الحلبّي  قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: المؤمن لا تكون سجيّته الكذب ولا البخل ولا الفجور، ولكن ربّما ألمّ من هذا بشي‏ء فلا يدوم عليه.

قيل له: أ فيزني؟

 [قال: نعم،]  هو مفتن  توّاب ولكن لا يولد له من تلك النّطفة.

عن جعفر بن محمّد - عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ما عجّت الأرض إلى ربّها كعجيجها من ثلاثة: من دم حرام يسفك عليها، واغتسال من زنا ، والنّوم عليها قبل طلوع الشّمس.

وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ قيل : إلّا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، وقتل مؤمن‏معصوم عمدا.

و في من لا يحضره الفقيه : روي عن عليّ بن حسّان الواسطيّ، عن عمّه، عبد الرّحمن بن كثير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: الكبائر سبع فينا أنزلت ومنّا استحلّت.

... إلى قوله: وأمّا قتل النّفس الّتي حرّم اللّه، فقد قتلوا الحسين بن عليّ- عليه السّلام- وأصحابه.

و في تفسير العيّاشيّ : عن معلّى بن خنيس، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال:

 

سمعته يقول: [من‏]  قتل النّفس الّتي حرّم اللّه، فقد قتل  الحسين- عليه السّلام- في أهل بيته.

وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً: غير مستوجب للقتل.

فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ: الّذي يلي أمره بعد وفاته، وهو الوارث.

سُلْطاناً: تسلّطا بالمؤاخذة بمقتضى القتل على من عليه. أو بالقصاص على القاتل، فإنّ قوله: «مظلوما» يدلّ على أنّ القتل عمدا عدوان، فإنّ الخطأ لا يسمّى ظلما.

فَلا يُسْرِفْ [، أي: القاتل‏]  فِي الْقَتْلِ: بأن يقتل من لا يحقّ قتله، فإنّ العاقل لا يفعل ما يعود عليه بالهلاك. أو الوليّ بالمثلة. أو قتل غير القاتل.

و يؤيد الأوّل قراءة أبيّ: «فلا تسرفوا» . وقراءة حمزة والكسائيّ: «فلا تسرف» على خطاب أحدهما .

إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً : علّة النّهى على الاستئناف.

و الضّمير إمّا للمقتول فإنّه منصور في الدّنيا بثبوت القصاص بقتلة وفي الآخرة بالثّواب، وإمّا لوليّه فإن اللّه نصره حيث أوجب القصاص له وأمر الولاة بمعونته، وإمّا للّذي يقتله الوليّ إسرافا بإيجاب القصاص أو التّعزير والوزر على المسرف.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن القاسم بن عروة، عن أبي العبّاس وغيره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إذا اجتمعت العدّة على قتل رجل واحد، حكم الوالي  أن يقتل أيّهم شاءوا وليس لهم أن يقتلوا أكثر من واحد، إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ.

عليّ بن محمّد ، عن بعض أصحابه، عن محمّد بن سليمان، عن سيف بن عميرة، عن إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي الحسن- عليه السّلام-: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول في كتابه: وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً فما هذا الإسراف الّذي نهى اللّه عنه؟

قال: نهى أن يقتل غير قاتله، أو يمثّل بالقاتل.

قلت: فما معنى قوله: إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً؟

قال: وأيّ نصرة أعظم من أن يدفع القاتل إلى ولي المقتول فيقتله، لا تبعة تلزمه من قتله في دين ولا دنيا.

و في روضة الكافي : عليّ بن محمّد، عن صالح عن الحجّال، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ .

قال: نزلت في الحسين- عليه السّلام-، لو قتل أهل الأرض به ما كان سرفا.

و في تفسير العيّاشيّ : عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: نزلت هذه الآية في الحسين- عليه السّلام- وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ‏

   قاتل  الحسين- عليه السّلام-.

إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً قال: الحسين- عليه السّلام-.

عن سلام بن المستنير ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً قال: هو الحسين بن عليّ- عليهما السّلام- قتل مظلوما ونحن أولياؤه، والقائم منّا إذا قام  طلب بثأر الحسين فيقتل حتّى يقال: قد أسرفت  في القتل. وقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: المقتول الحسين ووليّه القائم، والإسراف في القتل أن يقتل غير قاتله إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً فإنّه لا يذهب من الدّنيا حتّى ينتصر برجل من آل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما .

عن أبي العبّاس  قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن رجلين قتلا رجلا.

قال: يخيّر وليّه أن يقتل أيّهما شاء ويغرم الباقي نصف الدّية، أعني: دية المقتول فيردّ على ذرّيّته : وكذلك إن قتل رجل امرأة إن قبلوا دية المرأة فذاك، وإن أبي أولياؤها إلّا قتل قاتلها غرموا نصف دية الرّجل وقتلوه، وهو قول اللّه- عزّ وجلّ-: فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ.

عن حمران ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّه قال: وقد قال اللّه: وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً نحن أولياء الحسين بن علي- عليه السّلام-  [و القائم منّا] .

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ: فضلا أن تتصرّفوا فيه.

إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ: إلّا بالطّريقة الّتي هي أحسن.

حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ: غاية لجواز التّصرّف الّذي دلّ عليه الاستثناء.و في من لا يحضره الفقيه : روى منصور بن حازم، عن هشام، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: [انقطاع اليتيم الاحتلام وهو أشدّه.

و روى الحسن بن عليّ الوشّاء ، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال:]

 إذا بلغ الغلام أشدّه ثلاث عشرة سنة ودخل في الأربع عشرة سنة وجب عليه ما وجب على المحتلمين، احتلم أو لم يحتلم، فكتبت  عليه السيئات وكتبت له الحسنات، وجاز له كلّ شي‏ء إلّا أن يكون ضعيفا أو سفيها.

و في تفسير العيّاشي : عنه- عليه السّلام- ما يقرب منه.

 

وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ: بما عاهدكم اللّه من تكاليفه. أو بما عاهدتموه وغيره.

إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا : مطلوبا، يطلب من المعاهد أن لا يضيّعه ويفي به. أو مسؤولا عنه، يسأل النّاكث [و يعاتب عليه‏] . أو يسأل العهد: لم نكثت؟

تبكيتا للنّاكث، كما يقال للموءودة: «بأيّ ذنب قتلت»  فيكون تخييلا . ويجوز أن يراد، أنّ صاحب العهد كان مسؤولا.

و في كتاب الخصال : عن عنبسة  بن مصعب قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: ثلاثة لم يجعل اللّه لأحد من النّاس فيهنّ رخصة.

... إلى قوله- عليه السّلام-: والوفاء  بالعهد للبرّ والفاجر.

وَ أَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ: ولا تبخسوا فيه.

وَ زِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ: بالميزان السّويّ. وهو روميّ معرّب، ولا يقدح ذلك في عربيّة القرآن، لأنّ العجميّ إذا استعملته العرب وأجرته مجرى كلامهم في‏الإعراب والتّعريف والتّنكير ونحوها، صار عربيّا.

و قرأ  حمزة والكسائي وحفص، بكسر القاف، هنا وفي الشّعراء.

ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا : وأحسن عاقبة . تفعيل، من آل: إذا رجع.

وَ لا تَقْفُ: ولا تتّبع.

و قرئ : «و لا تقف» من قاف أثره: إذا قفاه. ومنه القافة.

ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ: ما لم يتعلّق به علمك تقليدا، أو رجما بالغيب.

و احتجّ به من منع اتّباع الظّنّ، وأجيب: بأنّ المراد بالعلم هو الاعتقاد الرّاجح المستفاد من سند، سواء كان قطعا أو ظنّا، واستعماله بهذا المعنى شائع.

و قيل : إنّه مخصوص بالعقائد.

و قيل : بالرّمي وشهادة الزّور. ويؤيّده قوله- صلّى اللّه عليه وآله-: من قفا مؤمنا بما ليس فيه حبسه اللّه في ردغة الخبال ، حتّى يأتي بالمخرج.

و قول الكميت:

         ولا أرمي البري‏ء بغير ذنب             ولا أقفو الحواصن إن قفينا

 

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: القسطاس المستقيم هو الميزان الّذي له لسان.

و فيه : قوله: وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ قال: لا ترم [أحدا]  بما ليس لك به علم، وقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من بهت  مؤمنا أو مؤمنة أقيم في طينة خبال، أو يخرج ممّا قال.

إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ، أي: كلّ هذه الأعضاء. فأجراها مجرى العقلاء لمّا كانت مسؤولة عن أحوالها، شاهدة على صاحبها، هذا وإنّ «أولاء»و إن غلب في العقلاء لكنّه من حيث أنّه اسم  جمع، لذا وهو يعمّ القبيلين، جاء لغيرهم، كقوله:

         والعيش بعد أولئك الأيام‏

 

 كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا .

في ثلاثتها ضمير «كلّ» ، أي: كان كلّ واحد منها مسؤولا عن نفسه، يعني:

عمّا فعل به صاحبه.

و يجوز أن يكون الضّمير في «عنه» لمصدر «لا تقف»، أو لصاحب السّمع والبصر.

و قيل : «مسؤولا» مسند إلى «عنه»، كقوله: «غير المغضوب عليهم» والمعنى:

يسأل صاحبه عنه. وهو خطأ، لأنّ الفاعل وما يقوم مقامه لا يتقدّم.

قيل : وفيه دليل على أن العبد مؤاخذ بعزمه على المعصية.

و قرئ : «و الفواد» بقلب الهمزة واوا بعد الضّمّة، ثمّ إبدالها بالفتح.

و في من لا يحضره الفقيه : وقال رجل للصّادق- عليه السّلام-: إنّ لي جيرانا ولهم جوار يتغنّين ويضر بن بالعود، فربّما دخلت المخرج فأطيل الجلوس استماعا منّي لهنّ.

فقال له الصّادق- عليه السّلام-: [لا تفعل.

فقال: واللّه ما هو شي‏ء آتيه برجلي، إنّما هو سماع أسمعه بأذني.

فقال له- عليه السّلام-:]  يا للّه أنت . أما سمعت اللّه يقول: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا.

فقال الرّجل: كأنّي لم أسمع بهذه الآية من كتاب اللّه- عزّ وجلّ- من عربيّ ولا عجميّ، ولا جرم أنّي قد تركتها، وأنا استغفر اللّه- تعالى-.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.و في عيون الأخبار ، بإسناده إلى عبد العظيم بن عبد اللّه الحسنيّ قال: حدّثني سيّدي، عليّ بن محمّد بن عليّ الرّضا، عن [أبيه، محمّد بن عليّ، عن أبيه، الرّضا، عن‏]  آبائه، عن الحسين بن عليّ- عليهم السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ أبا بكر منّي بمنزلة السّمع، وإنّ عمر منّي بمنزل البصر، وإنّ عثمان منّي بمنزل الفؤاد.

فلمّا كان من الغد دخلت عليه، وعنده أمير المؤمنين وأبو بكر وعمر وعثمان، فقلت له: يا أبة، سمعتك تقول في أصحابك هؤلاء قولا، فما هو؟

فقال- صلّى اللّه عليه وآله-: نعم. ثمّ أشار إليهم، فقال: هم السّمع والبصر والفؤاد، سيسألون  عن وصيّي هذا. وأشار إلى عليّ بن أبي طالب.

ثمّ قال: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا.

ثمّ قال- صلّى اللّه عليه وآله-: وعزّة ربّي، إنّ جميع أمّتي موقوفون يوم القيامة ومسؤولون عن ولايته، وذلك قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ.

و في كتاب علل الشّرائع : محمّد بن موسى بن المتوكّل- رضي اللّه عنه- قال:

 

حدّثنا عليّ بن الحسين  السّعدآباديّ، عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقيّ ، عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسنيّ قال: حدّثني عليّ بن جعفر، عن أخيه، موسى بن جعفر، عن أبيه- عليهما السّلام- قال: قال عليّ بن الحسين- عليه السّلام-: ليس لك أن تتكلّم بما شئت، لأنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ولأن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: رحم اللّه عبدا قال خيرا فغنم، أو صمت فسلم. وليس لك أن تسمع ما شئت، لأنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول:]  إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد  قال: حدّثنا أبو عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- وذكر حديثا طويلا، يقول فيه- عليه السّلام- بعد أن قال: إن اللّه- تبارك وتعالى- فرض الإيمان على جوارح ابن آدم وقسّمه عليها وفرّقه فيها-: ثمّ نظّم ما فرض على القلب واللّسان والبصر في آية أخرى فقال: وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ، يعني بالجلود: الفروج والأفخاذ. وقال: وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا. فهذا ما فرض على العينين من غضّ البصر عمّا حرم اللّه، وهو عملهما، وهو من الإيمان.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه. ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، جميعا عن البرقيّ، عن النّضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبيّ، عن عبد اللّه، عن الحسن بن  هارون قال: قال لي أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا.

قال: يسأل السّمع عمّا سمع، والبصر عمّا نظر إليه، والفؤاد عمّا عقد عليه.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن زياد قال: كنت عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام- فقال له رجل: بأبي أنت وأمّي، إنّي أدخل كنيفا  لي ولي جيران وعندهم جوار يتغنّين. وذكر إلى آخر ما نقلنا عن من لا يحضره الفقيه.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي جعفر قال: كنت عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام- فقال له رجل: بأبي أنت وأمّي، إنّي أدخل كنيفا لي ولي جيران وعندهم جوار يتغنّين.

ذكر إلى آخر ما نقلت عنه- أيضا-. [عن الحسن ]  قال: كنت أطيل الجلوس  في المخرج لأسمع غناء بعض الجيران.

قال: فدخلت على أبي عبد اللّه- عليه السّلام- فقال لي: يا حسن إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا.

قال: السّمع وما وعى، والبصر وما رأى، والفؤاد وما عقد عليه.

عن الحسن بن هارون ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا. قال: [يسأل‏]  السّمع عمّا يسمع، والبصر عمّا يطرف، والفؤاد عمّا عقد  عليه.

و في مصباح الشّريعة : قال الصّادق- عليه السّلام-: ومن نام بعد فراغه من أداء الفرائض والسّنن والواجبات من الحقوق، فذلك نوم محمود، وإنّي لا أعلم لأهل زماننا هذا [شيئا]  إذا أتوا بهذه الخصال أسلم من النّوم، لأنّ الخلق تركوا مراعاة دينهم ومراقبة أحوالهم وأخذوا شمال الطّريق، والعبد إن اجتهد أن لا يتكلّم كيف يمكنه أن لا يسمع إلّا ما هو مانع له من ذلك، وإنّ النّوم من إحدى تلك الآلات ، قال اللّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لا تزول  قدم عبد يوم القيامة من بين يدي اللّه حتّى يسأله عن أربع خصال: عمرك فيما أفنيته، وجسدك فيما أبليته، ومالك من أين اكتسبته  وأين وضعته، وعن حبّنا أهل البيت.وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً، أي: ذا مرح، وهو الاختيال.

و قرئ : «مرحا»، وهو باعتبار الحكم أبلغ وإن كان المصدر آكد من صريح النّعت .

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : أي: بطرا و فرحا.

إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ: لن تجعل فيها خرقا بشدّة وطأتك.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : أي: لم تبلغها كلّها.

وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا : بتطاولك. وهو تهكّم بالمختال، وتعليل للنّهي بأنّ الاختيال حماقة مجرّدة لا تعود بجدوى ليس في التّذلّل.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : أي: لا تقدر أن تبلغ قلل الجبال.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد  قال: حدّثنا أبو عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- وذكر حديثا طويلا، يقول فيه- عليه السّلام- بعد أن قال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- فرض الإيمان على جوارح ابن آدم وقسّمه عليها وفرّقه فيها-: وفرض على الرّجلين أن لا يمشى بهما إلى شي‏ء من معاصي اللّه، وفرض عليهما المشي إلى ما يرضي اللّه- عزّ وجلّ- فقال: وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا.

و في من لا يحضره الفقيه : قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- لابنه محمّد بن الحنفيّة: وفرض على الرّجلين أن تنقلهما في طاعته وأن لا تمشي بهما مشية عاص، فقال‏- عزّ وجلّ-: وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ (الآية).

كُلُّ ذلِكَ: إشارة إلى الخصال الخمس والعشرين المذكورة من قوله: وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ.

و عن ابن عبّاس : أنّها مكتوبة في ألواح عيسى وموسى .

كانَ سَيِّئُهُ، يعني: المنهيّ عنه، فإنّ المذكورات مأمورات ومناه.

و قرأ  الحجازيّان والبصريّان: «سيّئة» على أنّه خبر «كان» والاسم ضمير «كلّ» و«ذلك» إشارة إلى ما نهى عن ذلك خاصّة، وعلى هذا قوله: عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً : بدل من «سيّئة»، أو صفة لها محمولة على المعنى ، فإنّه بمعنى: «سيأ» وقد قرئ به.

و يجوز أن ينتصب «مكروها» على الحال من المستكنّ في «كان»، أو في الظّرف على أنّه صفة «سيّئة» والمراد به: المبغوض المقابل للمرضيّ لا ما يقابل المراد لقيام القاطع، على أنّ الحوادث كلّها واقعه بإرادته- تعالى- .

ذلِكَ: إشارة إلى الأحكام المقدّمة.

مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ: الّتي هي معرفة الحقّ لذاته والخير للعمل به.

وَ لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ:

كرّره للتّنبيه على أنّ التّوحيد مبدأ الأمر ومنتهاه، فإنّ من لا قصد له بطل عمله، ومن قصد بفعله أو تركه غيره ضاع سعيه، وأنّه رأس الحكمة وملاكها.

و رتّب عليه أوّلا ما هو عائدة الشّرك في الدّنيا ، وثانيا ما هو نتيجته في العقبى،

فقال: فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً: تلوم نفسك. مَدْحُوراً : مبعدا من رحمة اللّه- تعالى-.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : فالمخاطبة للنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- والمعنى للنّاس.

أَ فَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ: خطاب لمن قالوا: الملائكة بنات اللّه.

و «الهمزة» للإنكار، والمعنى: أ فخصّكم ربّكم بأفضل الأولاد، وهم البنون.

وَ اتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً: لنفسه، وهذا خلاف ما عليه عقولكم وعادتكم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : هو ردّ على قريش فيما قالوا: إنّ الملائكة هي بنات اللّه.

إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً : بإضافة الأولاد إليه وهو خاصّة بعض الأجسام لسرعة زوالها، ثمّ بتفضيل أنفسكم عليه  حيث تجعلون له ما تكرهون، ثمّ بجعل الملائكة الّذين هم من أشرف خلق اللّه أدونهم.

و في عيون الأخبار ، في باب مجلس الرّضا- عليه السّلام- عند المأمون في عصمة الأنبياء- عليهم السّلام- حديث طويل، فيه: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قصد دار زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبيّ في أمر أراده، فرأى امرأته تغتسل، فقال لها: سبحان الّذي خلقك. وإنّما أراد بذلك تنزيه اللّه - تعالى- عن قول من زعم، أن الملائكة بنات اللّه، فقال اللّه- عزّ وجلّ-: أَ فَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً. فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- لمّا رآها تغتسل: سبحان الّذي خلقك أن يتّخذ ولدا يحتاج إلى هذا التّطهير والاغتسال.