سورة الإسراء الآية 61-80

وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَ أَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ‏طِيناً : لمن خلقته من طين، فنصب بنزع الخافض.

و يجوز أن يكون حالا من الرّاجع إلى الموصول، أي: خلقته وهو طين.

أو منه ، أي: أ أسجد له وأصله من طين.

و فيه على الوجوه الثّلاثة إيماء بعلّة الإنكار.

قالَ أَ رَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ «الكاف» لتأكيد الخطاب لا محلّ له من الإعراب، و«هذا» مفعول أوّل، و«الّذي» صفته، والمفعول الثّاني محذوف لدلالة صلته عليه، والمعنى: أخبرني عن هذا الّذي كرّمته عليّ بأمري بالسّجود له، لم كرّمته عليّ؟

لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ: كلام مبتدأ، واللّام موطّئة للقسم، وجوابه لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا ، أي: لاستأصلنّهم بالإغواء إلّا قليلا لا أقدر أن أقاوم شكيمتهم. من احتنك الجراد الأرض: إذا جرد ما عليها أكلا. مأخوذ من الحنك.

و إنّما علم أنّ ذلك يتسهّل له، إمّا استنباطا من قول الملائكة: أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها مع التّقرير، أو تفرّسا من خلقه ذا شهوة ووهم وغضب.

قالَ اذْهَبْ: امض لما قصدته، وهو طرد وتخلية بينه وبين ما سوّلت له نفسه.

فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ: جزاؤك وجزاؤهم، فغلّب المخاطب على الغائب.

و يجوز أن يكون الخطاب للتّابعين، على الالتفات.

جَزاءً مَوْفُوراً : متكمّلا. من قولهم: فر لصاحبك عرضه  فرة.

و انتصاب «جزاء» على المصدر بإضمار فعله، أو بما في «جزاؤكم» من معنى:

تجازون، أو حال موطّئة لقوله: «موفورا» .

وَ اسْتَفْزِزْ: واستخفف.

مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ: أن تستفزّه. «و الفزّ» الخفيف.

بِصَوْتِكَ: بدعائك إلى الفساد.

وَ أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ: وصح عليهم. من الجلبة، وهي الصّياح.

بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ: بأعوانك من راكب وراجل.

و «الخيل» الخيّالة .

و منه قوله- عليه السّلام-: يا خيل اللّه اركبي.

 «و الرّجل» اسم جمع للرّاجل، كالصّحب والرّكب.

و يجوز أن يكون تمثيلا لتسلّطه على من يغويهم بمغوار صوت على قوم فاستفزّهم من أماكنهم، وأجلب عليهم بجنده حتّى استأصلهم.

و قرأ  حفص: «رجلك» بالكسر، وغيره بالضّمّ، وهما لغتان، كندس وندس، ومعناه: وجمعك الرّجل.

و قرئ : «و رجالك» [و «رجالك»] .

وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ: بحملهم على كسبها وجمعها من الحرام، والتّصرّف فيها على ما لا ينبغي.

وَ الْأَوْلادِ: بالحثّ على التّوصّل إلى الولد بالسّبب المحرّم، والإشراك فيه بتسميته : عبد العزّى، والتّضليل وبالحمل على الأديان الزّائفة  والحرف الذّميمة والأفعال القبيحة.

و في نهج البلاغة : فاحذروا [عباد اللّه‏]  عدوّ اللّه أن يعديكم بدائه  وأن يستفزّكم [بندائه وأن يجلب عليكم‏]  بخيله ورجله.

و فيه  أيضا: فلعمر اللّه، لقد فخر على أصلكم، ووقع  في حسبكم، ودفع  في‏نسبكم، وأجلب بخيله عليكم، وقصد  برجله سبيلكم، يقتنصوكم  بكل مكان، ويضربون منكم كلّ بنان. لا تمتنعون بحيلة، ولا تدفعون  بعزيمة، في حومة ذلّ، وحلقة ضيق، وعرصة  موت، وجولة  بلاء.

و في كتاب المناقب  لابن شهر آشوب الشّيرازيّ: روى سفيان الثّوريّ، عن واصل، عن الحسن، عن ابن العبّاس

 في قوله: وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ أنّه جلس الحسن بن عليّ- عليهما السّلام- ويزيد بن معاوية ابن أبي سفيان يأكلان الرّطب.

فقال يزيد: يا حسن، إنّي منذ كنت أبغضك.

قال الحسن- عليه السّلام-: يا يزيد، اعلم أنّ إبليس شارك أباك في جماعه، فاختلط الماءان فأورثك ذلك عداوتي، لأن اللّه- تعالى- يقول: وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ. وشارك الشّيطان حربا عند جماعه فولد له صخر، فلذلك كان يبغض جدّي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.

و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى عن عمر بن أذينة، عن أبان ابن أبي عياش، عن سليم بن قيس، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إن اللّه حرّم الجنّة على كلّ فحّاش بذي‏ء قليل الحياء لا يبالي ما قال ولا ما قيل له، فإنّك إن  فتّشته لم تجده الّا لغيّة أو شرك شيطان.

قيل : يا رسول اللّه، وفي النّاس شرك شيطان؟

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: أما تقرأ قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ؟

و في الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد. وعدّة من أصحابنا، عن‏

 

أحمد بن محمّد، جميعا، عن الوشّاء، عن موسى بن بكر، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: يا أبا محمّد، أيّ شي‏ء يقول الرّجل منكم إذا دخلت عليه امرأته؟

قلت: جعلت فداك، أ يستطيع الرّجل أن يقول شيئا؟

فقال: ألا أعلمك ما تقول؟

قلت: بلى.

قال: تقول: بكلمات اللّه استحللت فرجها، وفي أمانة اللّه أخذتها، الّلهمّ إن قضيت في رحمها» شيئا فاجعله بارا تقيّا واجعله مسلما سويّا، ولا تجعل فيه شركا للشّيطان.

قلت: وبأيّ شي‏ء يعرف ذلك؟

قال: أما تقرأ كتاب اللّه- عزّ وجلّ-؟

ثم ابتدأ هو: وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ.

ثمّ قال: إنّ الشّيطان ليجي‏ء حتّى يقعد من المرأة، كما يقعد الرّجل منها، ويحدث، كما يحدث، وينكح، كما ينكح.

قلت: بأي شي‏ء يعرف ذلك؟

قال: بحبّنا وبغضنا، فمن أحبّنا كان نطفة العبد، ومن أبغضنا كان نطفة الشّيطان.

و عنه ، عن أبيه، عن حمزة بن عبد اللّه، عن جميل بن درّاج، عن أبي الوليد، عن أبي بصير قال: قال لي أبو عبد اللّه- عليه السّلام- وذكر نحوه.

 

و في من لا يحضره الفقيه : وقال الصّادق- عليه السّلام-: من لم يبال ما قال ولا ما قيل فيه فهو شرك الشّيطان، ومن لم يبال أن تراه النّاس مسيئا [فهو شرك شيطان‏] ، ومن اغتاب أخاه المؤمن من غير ترة  بينهما فهو شرك شيطان، ومن شغف  بمحبّة الحرام وشهوة الزّنا فهو شرك شيطان.و في تفسير العيّاشي : عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن شرك الشّيطان.

قال: قوله: وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ فإن كان من مال حرام فهو شريك الشّيطان.

قال: ويكون مع الرجل حين يجامع، فيكون من نطفته ونطفة الرّجل إذا كان حراما.

عن زرارة  قال: كان يوسف، أبو الحجّاج صديقا لعليّ بن الحسين- صلوات اللّه عليه-، وأنّه دخل على امرأته فأراد أن يضمّها، أعني: أبو الحجّاج.

قال: فقالت له: أليس إنّما عهدك بذاك السّاعة؟

قال: فأتى عليّ بن الحسين- عليه السّلام- فأخبره، فأمره أن يمسك عنها، [فأمسك عنها]  فولدت بالحجّاج، وهو ابن الشّيطان ذي الرّدهة .

عن عبد الملك بن أعين  قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: إذا زنى الرّجل أدخل الشّيطان ذكره، ثمّ عملا جميعا، ثمّ تختلط النّطفتان فيخلق اللّه منهما فيكون شرك الشّيطان.

عن سليمان بن خالد  قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: ما قول اللّه:

شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ؟

قال: فقال في ذلك قوله: أعوذ باللّه السّميع العليم من الشّيطان الرّجيم.

عن العلا بن رزين ، عن محمّد، عن أحدهما قال: شرك الشّيطان ما كان من مال حرام فهو من شركه، ويكون مع الرّجل حين  يجامع فتكون نطفته مع نطفته إذا كان حراما. قال: كلتيهما جميعا تختلطان. وقال: ربّما خلق من واحدة، وربّما خلق منهما جميعا. [صفوان الجمّال‏]  قال: كنت عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام- فاستأذن عيسى بن منصور عليه.

فقال: مالك ولفلان، يا عيسى، أما إنّه ما يحبّك! فقال: بأبي وأمّي، يقول قولنا ويتولى من نتولى .

فقال: إنّ فيه نخوة  إبليس.

فقال: بأبي وأمّي، أليس يقول إبليس: خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ؟

فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: ويقول اللّه: وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ. فالشّيطان يباضع ابن آدم هكذا. وقرن بين إصبعيه.

عن زرارة ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: كان الحجاج ابن شيطان يباضع ذي الرّدهة.

ثمّ قال: إنّ يوسف دخل على أمّ الحجّاج فأراد أن يضمّها، فقالت: أليس إنّما عهدك بذلك السّاعة؟ فأمسك عنها، فولدت الحجّاج.

عن يونس  بن أبي الرّبيع الشّاميّ  قال: كنت عنده  ليلة، فذكر شرك الشّيطان فعظّمه حتّى أفزعني.

فقلت: جعلت فداك، فما المخرج منها وما نصنع؟

قال: إذا أردت المجامعة فقل: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، الّذي لا إله إلّا هو بديع السّماوات والأرض، الّلهمّ إن قضيت منّي في هذه اللّيلة خليفة فلا تجعل للشّيطان فيه نصيبا ولا شركا ولا حظّا، واجعله عبدا صالحا خالصا مخلصا  مصغيا وذرّيته- جلّ ثناؤك-.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ ما كان من مال حرام فهو شرك الشّيطان، فإذا اشترى به الإماء ونكحهنّ وولد له فهو شرك [الشيطان‏] ، كما تلد [يلزمه‏]  منه، ويكون مع الرّجل إذا جامع فيكون  الولد من نطفته ونطفة الرّجل إذا كان حراما.

و

في حديث آخر : إذا  جامع الرّجل أهله ولم يسمّ شاركه الشّيطان.

وَ عِدْهُمْ: المواعيد الباطلة، كشفاعة الآلهة، والاتكال على كرامة الآباء، وتأخير التّوبة لطول الأمل.

وَ ما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً : اعتراض  لبيان مواعيده [الباطلة] . و«الغرور» تزيين الخطأ بما يوهم أنّه صواب.

إِنَّ عِبادِي، يعني: المخلصين. وتعظيم الإضافة والتّقييد في قوله: إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ يخصّصهم.

لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ، أي: على إغوائهم قدرة.

وَ كَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا : يتوكّلون عليه في الاستعاذة منك على الحقيقة.

و في تفسير العيّاشي : عن جعفر بن محمّد الخزاعيّ، عن أبيه قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يذكر في حديث غدير خمّ، أنّه لمّا قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- لعليّ- عليه السّلام- ما قال وأقامه للنّاس صرخ إبليس صرخة فاجتمعت [له العفاريت.

فقالوا: سيّدنا، ما هذه الصّرخة؟

فقال: ويلكم، يومكم كيوم عيسى، واللّه، لأضلّنّ فيه الخلق.

قال: فنزل القرآن: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . قال: فصرخ إبليس صرخة فرجعت‏]  إليه العفاريت.فقالوا: يا سيّدنا، ما هذه الصّرخة الأخرى؟

فقال: ويحكم، حكى اللّه، واللّه، كلامي قرآنا وأنزل عليه وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.

ثمّ رفع رأسه إلى السّماء، ثمّ قال: وعزّتك وجلالك، لألحقنّ  الفريق بالجميع.

قال: فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ.

قال: فصرخ إبليس صرخة فرجعت إليه العفاريت.

فقالوا: يا سيّدنا، ما هذه الصّرخة الثّالثة؟

قال: واللّه، من أصحاب عليّ، ولكن وعزتك وجلالك، لأزيننّ لهم المعاصي حتّى أبغضهم إليك.

قال: فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: والّذي بعث محمّدا بالحقّ، للعفاريت والأبالسة على المؤمن أكثر من الزّنابير على اللّحم، والمؤمن أشدّ من الجبل، والجبل تدنو إليه  بالفأس فتنحت منه والمؤمن لا يستقلّ على دينه.

عن عبد الرّحمن بن سالم  في قول اللّه: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا قال: نزلت في عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-. ونحن نرجو أن تجري لمن أحبّ اللّه من عباده.

رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي، أي: هو الّذي يجري.

لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ: الرّبح وهو  أنواع الأمتعة الّتي لا تكون عندكم.

إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً : حيث هيّأ لكم ما تحتاجون إليه، وسهل عليكم ما تعسّر من أسبابه.

وَ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ: خوف الغرق.

ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ: ذهب عن خواطر كم كلّ من تدعونه في حوادثكم.

إِلَّا إِيَّاهُ: وحده، فإنّكم حينئذ لا يخطر ببالكم سواه فلا تدعون لكشفه إلّاإيّاه. أو ضلّ كلّ من تعبدونه عن إغاثتكم إلّا اللّه.

و في كتاب التّوحيد : حدّثنا محمّد بن القاسم الجرجانيّ، المفسّر- رحمه اللّه- قال:

 

حدّثنا أبو يعقوب، يوسف بن محمّد بن زياد وأبو الحسن، عليّ بن محمّد بن سيّار، وكانا من الشّيعة الإماميّة، عن أبويهما، عن الحسن بن علي بن محمّد- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فقال: الله هو الّذي يتألّه إليه عند الحوائج والشّدائد كلّ مخلوق عند انقطاع الرّجاء من كلّ من هو دونه، وتقطع  الأسباب عن جميع من سواه، يقول: بسم الله، أي: استعين على أمور كلّها باللّه الّذي، لا تحقّ العبادة إلّا له، المغيث إذا استغيث، والجيب إذا دعي.

و هو ما قال رجل للصّادق- عليه السّلام-: يا ابن رسول اللّه، دلّني على اللّه ما هو، فقد كثر عليّ المجادلون وحيّروني؟

فقال له: يا عبد اللّه، هل ركبت سفينة قطّ؟

قال: نعم.

قال: فهل كسر بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك؟

قال: نعم.

قال: فهل تعلّق قلبك هنا لك أنّ شيئا من الأشياء قادر على أن يخلّصك من ورطتك؟

قال: نعم.

قال الصّادق- عليه السّلام-: فذلك الشّي‏ء هو اللّه، القادر على الإنجاء حيث لا منجي، وعلى الإغاثة حيث لا مغيث.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ: عن التّوحيد.

و قيل : اتّسعتم في كفران النّعمة، كقول ذي الرّمّة:

         عطاء فتى تمكن في المعالي             فأعرض في المكارم واستطالا

 وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً ، كالتّعليل للإعراض.أَ فَأَمِنْتُمْ «الهمزة» فيه للإنكار، و«الفاء» للعطف على محذوف، تقديره: أ نجوتم فأمنتم فحملكم ذلك على الإعراض، فإنّ من قدر أن يهلككم في [البحر بالغرق قادر  أن يهلككم في‏]  البرّ بالخسف وغيره.

أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ: أن يقلبه اللّه وأنتم عليه. أو يقلبه بسببكم، «فبكم» حال ، أو صلة «ليخسف».

و قرأ  ابن كثير وأبو عمرو، بالنّون، فيه وفي الأربعة الّتي بعده.

و في ذكر الجانب تنبيه على أنّهم كلّما وصلوا السّاحل كفروا وأعرضوا، وأنّ الجوانب والجهات في قدرته سواء، لا معقل  يؤمن فيه من أسباب الهلاك.

أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً: ريحا تحصب: أي: ترمي بالحصباء.

ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا : يحفظكم من ذلك، فإنّه لا رادّ لفعله.

أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ: في البحر.

تارَةً أُخْرى: بخلق دواع تلجئكم إلى أن ترجعوا فتركبوه.

فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ، أي: لا تمرّ بشي‏ء إلّا قصفته، أي:

كسرته.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ قال: هي العاصف.

فَيُغْرِقَكُمْ.

و عن يعقوب ، بالتّاء، على إسناده إلى ضمير الرّيح.

بِما كَفَرْتُمْ: بسبب إشراككم، أو كفرانكم نعمة الإنجاء.

ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً : مطالبا يتبعنا بانتصار أو صرف.

وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ: بحسن الصّورة، والمزاج الأعدل، واعتدال القامة،و التّمييز بالعقل، والإفهام بالنّطق، والإشارة والخطّ، والتّهدّي إلى أسباب المعاش والمعاد، والتّسلّط على ما في الأرض، والتّمكّن من الصّناعات، وانسياق الأسباب والمسبّبات العلويّة والسّفليّة إلى ما يعود عليهم  بالمنافع، إلى غير ذلك ممّا يقف الحصر دون إحصائه، ومن ذلك ما ذكره ابن عباس عنه : وهو أنّ كلّ  حيوان يتناول طعامه بفيه إلّا الإنسان، فإنّه يرفعه إليه بيده.

وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ: على الدّوابّ والسّفن، من حملته حملا: إذا جعلت له ما يركبه. أو حملناهم فيهما حتّى لم تخسف  بهم الأرض، ولم يغرقهم الماء.

وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ: المستلذّات، ممّا يحصل بفعلهم وبغير فعلهم.

وَ فَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا : بالغلبة والاستيلاء، أو بالشّرف والكرامة.

 [، والمستثنى جنس الملائكة- عليهم الصلاة والسلام- أو الخواص منهم، ولا يلزم من عدم تفضيل الجنس عدم تفضيل بعض أفراده.] .

و يجوز تفضيل الجنس باعتبار تفضيل بعض أفراده.

و في أمالي شيخ الطّائفة - قدّس سرّه- بإسناده إلى زيد بن عليّ- عليه السّلام-:

 

عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ يقول: فضّلنا بني آدم على سائر الخلق.

وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ يقول: على الرّطب واليابس.

وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ يقول: من طيّبات الثّمار كلّها.

وَ فَضَّلْناهُمْ يقول: ليس من دابّة ولا طائر إلّا وهي تأكل وتشرب بفيها، ولا ترفع بيدها إلى فيها طعاما ولا شرابا غير ابن آدم، فإنّه يرفع إلى فيه بيده طعامه، فهذا من التّفضيل.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثنا جعفر بن أحمد قال: حدّثنا عبد الكريم بن‏

 عبد الرّحيم قال: حدّثنا محمّد بن عليّ، عن محمّد بن فضيل، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه لا يكرّم روح الكافر، ولكن كرّم أرواح المؤمنين.

و إنّما كرامة النّفس والدّم بالرّوح، والرّزق الطّيّب هو العلم.

حدّثني أبي : عن إسحاق بن الهيثم، عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباته أنّ عليّا- عليه السّلام- سئل عن قول اللّه- تبارك وتعالى-: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ.

 [قال: السماوات والأرض‏]  وما فيهما  من مخلوق في جوف الكرسيّ، وله أربعة أملاك يحملونه بإذن اللّه، فأمّا ملك منهم  ففي صورة الآدميّين، وهي أكرم الصّور على اللّه.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في محاسن البرقي : عنه، بعض أصحابنا، عن عليّ بن أسباط، عن عمّه، يعقوب، أو غيره رفعه، قال: كان أمير المؤمنين- عليه السّلام- يقول: الّلهمّ، إنّ هذا من عطائك، فبارك لنا فيه وسوّغناه، وأخلف لنا خلفا لما أكلناه أو شربناه لا من حول منّا ولا قوّة، ورزقت فأحسنت فلك الحمد، ربّ، اجعلنا من الشّاكرين.

فإذا فرغ قال:

الحمد للّه الّذي كفانا وأكرمنا وحملنا في البرّ والبحر ورزقنا من الطّيّبات وفضّلنا على كثير ممّن خلق تفضيلا، الحمد للّه الّذي كفانا المؤنة وأسبغ علينا.

عنه ، عن محمّد بن [عبد اللّه‏] ، عن عمرو المتطبّب ، عن أبي يحيى الصّنعانيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: كان عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- إذا وضع الطّعام بين يديه قال:

الّلهمّ، هذا من منّك وفضلك وعطائك، فبارك لنا فيه وسوّغناه وارزقنا خلفا لماأكلناه وربّ محتاج إليه رزقت وأحسنت، الّلهمّ، اجعلنا من الشّاكرين.

و إذا رفع الخوان قال:

الحمد للّه الّذي حملنا في البرّ والبحر، ورزقنا من الطّيّبات، وفضّلنا على كثير [من خلقه أو]  ممّن خلق تفضيلا.

و في كتاب الخصّال ، فيما علّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أصحابه: إذا نظر أحدكم في المرآة فليقل: الحمد للّه الّذي خلقني فأحسن خلقي، وصوّرني فأحسن صورتي، وزان منّي ما شان من غيري، وأكرمني بالإسلام.

عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-  قال: المؤمن أعظم حرمة من الكعبة.

و في عيون الأخبار ، بإسناده إلى الرّضا- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ المؤمن يعرف بالسّماء، كم يعرف الرّجل [أهله و]  ولده، وأنّه لأكرم على اللّه- تعالى- من ملك مقرّب.

و بإسناده ، قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: يا عليّ. من كرامة المؤمن على اللّه أنّه لم يجعل لأجله وقتا حتّى يهمّ ببائقة ، فإذا همّ ببائقة  قبضه اللّه  إليه.

عن جابر ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- [في قوله- تعالى-] : وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا قال: خلق كلّ شي‏ء منكبّا، غير الإنسان خلق منتصبا.

و في كتاب علل الشّرائع : أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- فقلت: الملائكة أفضل أم بنو آدم؟

فقال: قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-: إن اللّه- عزّ وجلّ- ركّب في الملائكة عقلا بلا شهوة، وركّب في البهائم شهوة بلا عقل، وركّب في بني آدم‏كليهما، فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة، ومن غلب شهوته عقله فهو شرّ من البهائم.

و بإسناده  إلى عبد السّلام بن صالح الهرويّ: عن عليّ بن موسى الرّضا- عليه السّلام- عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ بن أبي طالب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل، يقول فيه- صلّى اللّه عليه وآله-: فإنّ الملائكة لخدّامنا وخدّام محبّينا.

يا عليّ، الّذين يحملون العرش ومن حوله يسبّحون بحمد ربّهم ويستغفرون للّذين آمنوا بولايتنا.

يا عليّ، لولا نحن ما خلق اللّه آدم ولا حوّاء ولا الجنّة ولا النّار ولا السّماء ولا الأرض، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى معرفة  ربّنا وتسبيحه [و تهليله‏]  وتقديسه ؟ وأنّ اللّه- تبارك وتعالى- خلق آدم فأودعنا صلبه وأمر الملائكة بالسّجود له تعظيما لنا وإكراما، وكان سجودهم للّه- عزّ وجلّ- عبوديّة ولآدم إكراما وطاعة لكوننا في صلبه، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سجدوا  لآدم كلّهم أجمعون؟

و قد روينا ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: إنّ في الملائكة من باقة  بقل  خير منه، والأنبيّاء والحجج يعلمون ذلك لهم، وفيهم ما جهلناه.

و بإسناده  إلى ابن عبّاس: عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل، يقول فيه- صلّى اللّه عليه وآله-: لمّا عرج بي إلى السّماء الرّابعة أذّن جبرئيل- عليه السّلام- وأقام ميكائيل، ثمّ قيل لي: أدن، يا محمّد.

فقلت: أتقدّم وأنت بحضرتي [يا جبرئيل‏] ؟

قال: نعم، إنّ اللّه- عزّ وجلّ- فضّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقرّبين، وفضّلك أنت خاصّة.

فدنوت فصلّيت بأهل السّماء [الرابعة] .

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الصّباح الكنانيّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: ما خلق اللّه- عزّ وجلّ- خلقا أكرم على اللّه- عزّ وجلّ- من مؤمن، لأنّ الملائكة خدّام المؤمنين، وأنّ جوار اللّه للمؤمنين، وأنّ الجنّة للمؤمنين، وأنّ الحور العين للمؤمنين.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسي- رحمه اللّه-: عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل، وفيه: يا رسول اللّه، أخبرنا عن عليّ هو أفضل أم ملائكة اللّه المقرّبون؟

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: وهل شرّفت الملائكة إلّا بحبّها لمحمّد وعليّ وقبولها ولايتهما، إنّه لا أحد من محبّي [عليّ‏] - عليه السّلام- قد نظّف قلبه من الغش  والدّغل [و العلل‏]  ونجاسة الذّنوب إلّا كان أطهر وأفضل من الملائكة.

و فيه : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه السّائل:

فالرّسول أفضل أم الملك المرسل إليه؟ قال: بل الرّسول أفضل.

و في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده إلى أبي هريرة وعبد اللّه بن عبّاس قالا:

 

قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في أثناء كلام طويل: أنتم أفضل من الملائكة.

و في اعتقادات الإمامية  للصّدوق- عليه الرّحمة-: وقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: أنا أفضل من جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وجميع الملائكة المقرّبين، وأنا خير البريّة وسيّد ولد آدم.

يَوْمَ نَدْعُوا: نصب بإضمار «اذكر»، أو ظرف لما دلّ عليه «و لا يظلمون».

و قرئ : «يدعو»، و«يدعي»، و«يدعو» على [قلب‏]  الألف واوا في لغة من يقول: افعو، [في أفعى‏] . أو على أنّ الواو علامة الجمع، كما في قوله: وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا. أو ضميره، و«كلّ» بدل منه، والنّون محذوفة لقلّة المبالاة بها فإنّها ليست إلّا علامة الرّفع، وهو قد يقدّر، كما في «يدعى».كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ: بمن ائتّموا به من نبيّ، أو مقدّم في الدّين، أو كتاب، أو دين.

و قيل : بكتاب أعمالهم الّتي قدّموها، فيقال، يا صاحب كتاب كذا، أي:

تنقطع علقة الأنساب وتبقى نسبة الأعمال.

و قيل : بالقوى الحاملة لهم على عقائدهم وأفعالهم.

و قيل : بأمّهاتهم، جمع أمّ، كخفّ وخفاف، والحكمة في ذلك: إجلال عيسى- عليه السّلام-، وإظهار شرف الحسن والحسين- رضي اللّه عنهما-، وأن لا تفتضح أولاد الزّنا .

و في محاسن البرقي»: عن أبيه، عن النّضر بن سويد، عن ابن مسكان، عن يعقوب بن شعيب قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام- يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ [أُناسٍ بِإِمامِهِمْ.

فقال: ندعو]  كلّ قرن من هذه الأمّة بإمامهم.

قلت: فيجي‏ء رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في قرنه، وعليّ- عليه السّلام- في قرنه، والحسن- عليه السّلام- في قرنه، والحسين- عليه السّلام- في قرنه، [و كلّ إمام في قرنه‏]  الّذي هلك بين أظهرهم ؟

قال: نعم.

و في عيون الأخبار : عن الرّضا- عليه السّلام- وبإسناده قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في قوله- تعالى-: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ قال: يدعى كلّ قوم بإمام زمانهم، وكتاب اللّه ، وسنّة نبيّهم.

و في كتاب الخصال ، بإسناده إلى الأصبغ بن نباتة قال: أمرنا أمير المؤمنين‏- عليه السّلام- بالمسير إلى المدائن من الكوفة، فسرنا يوم الأحد وتخلّف عمرو بن حريث  في سبعة نفر، فخرجوا إلى مكان بالحيرة يسمّى: الخورنق، فقالوا نتنزّه  فإذا كان الأربعاء خرجنا فلحقنا عليّا- عليه السّلام- قبل أن يجمع. فبينما هم يتغدّون ، إذ خرج عليهم ضبّ فصادوه، فأخذه عمرو بن حريث، فنصب كفّه وقال: بايعوا، هذا أمير المؤمنين. فبايعه السّبعة وعمرو ثامنهم، وارتحلوا ليلة الأربعاء فقدموا المدائن يوم الجمعة، وأمير المؤمنين- عليه السّلام- يخطب، [و لم يفارق بعضهم بعضا وكانوا جميعا حتّى نزلوا]  [على باب المسجد. فلمّا دخلوا، نظر إليهم أمير المؤمنين- عليه السّلام-]  فقال: يا أيّها النّاس، إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أسرّ إليّ ألف ألف  حديث، في كلّ حديث ألف باب، لكلّ باب ألف مفتاح، وإنّي سمعت اللّه- جلّ جلاله- يقول: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ. وإنّي أقسم لكم باللّه، ليبعثنّ يوم القيامة ثمانية نفر يدعون بإمامهم، وهو ضبّ، ولو شئت أن أسمّيهم لفعلت.

قال: فلقد رأيت عمرو بن حريث سقط، كما تسقط السّعفة، حياء ولوما.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرّحمن، عن حمّاد، عن عبد الأعلى قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: السّمع والطّاعة أبواب الخير، السّامع المطيع لا حجّة عليه، والسّامع العاصي لا حجّة له، وإمام المسلمين تمّت حجّته واحتجاجه يوم يلقي اللّه- عزّ وجلّ-.

ثمّ قال: يقول اللّه- تبارك وتعالى-: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّه بن غالب، عن جابر عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: لمّا نزلت هذه الآية يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ قال المسلمون: يا رسول اللّه، أ لست إمام النّاس كلّهم أجمعين؟

قال: فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: أنا رسول اللّه إلى النّاس أجمعين،و لكن سيكون من بعدي أئمّة على النّاس من اللّه من أهل بيتي يقومون في النّاس، فيكذبون وتظلمهم أئمّة الكفر والضّلال وأشياعهم. فمن والاهم واتّبعهم وصدّقهم، فهو منّي ومعي وسيلقاني. ألا ومن ظلمهم وكذّبهم، فليس منّي ولا معي وأنا منه بري‏ء.

عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسن بن شمّون ، عن عبد اللّه [بن عبد الرّحمن، عن عبد اللّه‏]  بن القاسم البطل ، عن عبد اللّه بن سنان قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ.

قال: إمامهم الّذي بين أظهرهم، وهو قائم أهل زمانه.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن الحسن بن شمّون، عن عبد اللّه بن عمرو بن الأشعث ، عن عبد اللّه بن حمّاد الأنصاريّ، عن يحيى بن عبد اللّه بن الحسن، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: يجي‏ء كلّ غادر بإمام يوم القيامة مائلا شدقه حتّى يدخل النّار.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : أخبرنا أحمد بن إدريس قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ربعي بن عبد اللّه، عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- تبارك وتعالى-: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ قال: يجي‏ء رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في قومه ، وعليّ في قومه ، والحسن في قومه ، والحسن في قومه ، وكلّ من مات بين ظهرانيّ قوم جاؤوا معه.

و قال عليّ بن إبراهيم  في قوله: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ قال: ذلك يوم القيامة، ينادي مناد: ليقم أبو بكر  وشيعته، وعمر  وشيعته، وعثمان  وشيعته، [و عليّ‏و شيعته‏] .

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، فيه يقول- عليه السّلام- وقد ذكر المنافقين: وكذلك قوله : سلام على آل ياسين لأنّ اللّه سمّى النّبيّ بهذا الاسم  حيث قال : يس، وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ، إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. لعلمه بأنّهم يسقطون قول : سلام على آل محمد، كما أسقطوا غيره.

و كذلك قال: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ ولم يسمّ بأسمائهم وأسماء آبائهم وامّهاتهم.

و في أمالي الصّدوق»، وبإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سأل رجل يقال له: بشر بن غالب، أبا عبد اللّه - عليه السّلام- فقال: يا ابن رسول اللّه، أخبرني عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ.

قال إمام دعا إلى هدى فأجابوه إليه، وإمام دعا إلى ضلالة فأجابوه إليها، هؤلاء في الجنّة وهؤلاء في النّار، وهو قوله - عزّ وجلّ-: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في الصّحيفة السّجادية . الّلهمّ، إنّك أيّدت دينك في كلّ أوان بإمام أقمته علما لعبادك ومنارا في بلادك، بعد أن وصلت حبله بحبلك، وجعلته الذّريعة إلى رضوانك، وافترضت طاعته، وحذّرت معصيته، وأمرت بامتثال أمره  والانتهاء عند نهيه، وألّا يتقدّمه متقدّم ولا يتأخّر عنه متأخّر.

و في مصباح الشّريعة : قال الصّادق- عليه السّلام-: [قال اللّه- تعالى-:]  يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ، أي: من كان اقتدى بمحقّ قبل وزكّي.و في الخرائج والجرائح ، في أعلام محمّد العسكريّ- عليه السّلام-: قال أبو هاشم، بعد أن روى كرامة له- عليه السّلام-: فجعلت أفكّر في نفسي عظم ما أعطى اللّه آل محمّد- عليهم السّلام- وبكيت، فنظر إليّ وقال:

الأمر أعظم ممّا حدّثت به نفسك من عظم شأن آل محمّد، فاحمد اللّه أن جعلك متمسّكا بحبلهم، تدعى يوم  القيامة بهم  إذا دعي كلّ أناس بإمامهم إنّك على خير.

و في الرّجال للكشّي : فضالة بن جعفر، عن أبان، عن حمزة بن طيّار: أنّ أبا عبد اللّه- عليه السّلام- أخذ بيدي، ثمّ عدّ الأئمّة- عليهم السّلام- إماما إماما يحسبهم [بيده‏]  حتّى انتهى إلى أبي جعفر- عليه السّلام- فكفّ.

فقلت: جعلني اللّه فداك، لو فلقت رمّانة فأحللت بعضها وحرّمت بعضها، لشهدت أنّ ما حرّمت حرام وما أحللت حلال.

فقال: فحسبك أن تقول بقوله، وما أنا إلّا مثلهم، لي ما لهم وعليّ ما عليهم، فإن أردت أن تجي‏ء يوم القيامة مع الّذين قال اللّه- تعالى-: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فقل بقوله.

و في تفسير العيّاشي : عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: أنّه إذا كان يوم القيامة يدعى كلّ بإمامه الّذي مات في عصره، فإن أثبته  أعطي كتابه بيمينه لقوله: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ [فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ.

و اليمين اثبات الإمام، لأنّه كتاب يقرؤه، إنّ اللّه يقول : فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ‏]  فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ، إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (الآية). و«الكتاب» الإمام، فمن نبذه وراء ظهره كان كما قال : فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ. ومن أنكره كان من أصحاب الشّمال الّذين قال اللّه : ما أَصْحابُ الشِّمالِ، فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ، وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ‏

  (إلى آخر الآية).

عنه ، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: سألته عن قوله:

يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ.

قال: من كان يأتمّون به في الدّنيا، ويؤتي بالشّمس والقمر فيقذفان في حميم  ومن يعبدهما.

عن جعفر بن أحمد ، عن الفضل بن شاذان، أنّه وجد مكتوبا بخطّ أبيه [مثله‏] .

 

عن أبي بصير  قال: أخذت بفخذ أبي عبد اللّه- عليه السّلام- فقلت: أشهد أنّك إمامي.

فقال: أما إنّه سيدعى كلّ أناس بإمامهم، أصحاب الشّمس بالشّمس، وأصحاب القمر بالقمر، وأصحاب النّار بالنّار، وأصحاب الحجارة بالحجارة.

عن عمّار السّاباطي ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: لا تترك الأرض بغير إمام يحلّ حلال اللّه ويحرّم حرام اللّه، وهو قول اللّه: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ.

ثمّ قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من مات بغير إمام مات ميتة جاهليّة.

فمدّوا أعناقهم وفتحوا أعينهم، فقال أبو عبد اللّه: ليست الجاهليّة الجهلاء.

فلمّا خرجنا من عنده قال لنا سليمان: هو، واللّه، الجاهليّة الجهلاء، ولكن لمّا رآكم مددتم أعناقكم وفتحتم أعينكم قال لكم كذلك.

عن بشير الدّهّان ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: أنتم، واللّه، على دين اللّه. ثمّ تلا: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ.

ثمّ قال: عليّ إمامنا ورسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إمامنا، كم من إمام يجي‏ء يوم القيامة يلعن أصحابه ويلعنونه، ونحن ذريّة محمّد وأمّنا فاطمة.عن إسماعيل بن همّام  قال: قال الرّضا- عليه السّلام- في قول اللّه: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ قال: إذا كان يوم القيامة قال اللّه: أليس عدل من ربّكم أن تولّوا كلّ قوم من تولّوا؟

قالوا: بلى.

قال: فيقول: تميّزوا. فيتميّزون.

عن محمّد بن حمران ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إن كنتم تريدون أن تكونوا معنا يوم القيامة لا يلعن بعض  بعضا، فاتّقوا اللّه وأطيعوا، فإنّ اللّه يقول: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ.

و في مجمع البيان : وروي عن الصّادق- عليه السّلام- أنّه قال: ألا تحمدون  اللّه، إذا كان يوم القيامة فدعي كلّ قوم إلى من يتولّونه ، وفزعنا  إلى رسول اللّه وفزعتم إلينا، فإلى أين»

 ترون  يذهب بكم؟

إلى الجنّة، وربّ الكعبة! قالها ثلاثا.

فَمَنْ أُوتِيَ: من المدعوّين.

كِتابَهُ بِيَمِينِهِ، أي: كتاب عمله.

فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ: ابتهاجا وتبجّحا بما يرون فيه.

وَ لا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا : ولا ينقصون من أجورهم أدنى  شي‏ء.

في تفسير عليّ بن إبراهيم : أنّ «الفتيل» الجلدة الّتي في ظهر النّواة.

و جمع اسم الإشارة والضّمير، لأنّ «من أوتي» في معنى الجمع.

و تعليق القراءة بإيتاء الكتاب باليمين يدلّ على أنّ من أوتي كتابه بشماله، إذااطّلع على ما فيه، غشيهم من الخجل والحيرة ما يحبس ألسنتهم عن القراءة، ولذلك لم يذركهم ، مع أنّ قوله: وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى- أيضا- مشعر بذلك، فإنّ الأعمى لا يقرأ الكتاب. والمعنى: ومن كان في هذه الدّنيا أعمى  القلب لا يبصر رشده، كان في الآخرة أعمى لا يرى طريق النّجاة.

وَ أَضَلُّ سَبِيلًا : منه في الدّنيا، لزوال الاستعداد وفقدان الآلة والمهلة.

و قيل : لأنّ الاهتداء بعد لا ينفعه، والأعمى مستعار من فاقد الحاسّة.

و قيل : الثّاني للتّفضيل من عمي بقلبه، كالأجهل والأبله ، ولذلك لم يمله أبو عمرو ويعقوب، فإنّ أفعل التّفضيل تمامه «بمن» فكانت ألفه في حكم المتوسّطة، كما في «أعمالكم» بخلاف النّعت فإن ألفه واقعة في الطّرف لفظا وحكما، فكانت معرّضة للإمالة من حيث إنّها تصير ياء في التّثنية، وقد أمالها حمزة والكسائي وأبو بكر، وقرأ ورش، بين بين، فيهما.

و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابه، عن آدم بن إسحاق، عن عبد الرزّاق بن مهران، عن الحسين بن ميمون، عن محمّد بن سالم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: وليست [تشهد الجوارح على مؤمن، إنّما]  تشهد على من حقّت عليه كلمة العذاب، فأمّا المؤمن فيعطى كتابه بيمينه، [قال اللّه- عزّ وجلّ-: فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ‏]  فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا.

و في عيون الأخبار ، في باب مجلس الرّضا- عليه السّلام- مع أهل الأديان والمقالات في التّوحيد كلام للرّضا- عليه السّلام- مع عمران، وفيه: وإيّاك وقول الجهّال من أهل العمى والضّلال، الّذين يزعمون أنّ اللّه- جلّ وتقدّس- موجود في الآخرةللحساب والثّواب والعقاب، وليس بموجود في الدّنيا للطّاعة والرّجاء. ولو كان في الوجود للّه- عزّ وجلّ- نقض واهتضام، لم يوجد في الآخرة أبدا، ولكنّ القوم تاهوا وعموا  عن الحقّ من حيث لا يعلمون، ذلك قوله- عزّ وجلّ-: وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا، يعني: أعمى عن الحقائق الموجودة.

و في كتاب الخصال : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه يقول: أشدّ العمى من عمي عن فضلنا وناصبنا العداوة بلا ذنب سبق إليه منّا، إلّا [أنّا]  دعونا إلى الحقّ ودعاه من سوانا إلى الفتنة والدّنيا، فأتاهما ونصب البراءة منّا والعداوة.

أبي - رحمه اللّه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن العلا بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى قال: من لم يدلّه خلق السّماوات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار ودوران الفلك والشّمس والقمر والآيات العجيبات على أنّ وراء ذلك أمرا أعظم منه فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- تعالى-: وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا.

قال: ذلك يسوّف نفسه الحجّ، يعني: حجّة الإسلام، حتّى يأتيه الموت.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليمانيّ، عن أبي الطّفيل، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: جاء رجل إلى عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- فقال له: إنّ ابن عبّاس يزعم أنّه يعلم كلّ آية نزلت في القرآن، في أيّ يوم نزلت وفيمن نزلت.

فقال أبي- عليه السّلام-: [سله‏]  فيمن نزلت: وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا. وفيمن نزلت : وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ. وفيمن نزلت : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا.

فأتاه الرّجل فسأله، فقال: وددت أنّ الّذي أمرك بهذا واجهني به، فأسأله عن العرش ممّ  خلقه اللّه ومتى خلقه وكم هو وكيف هو؟

فانصرف الرّجل إلى أبي ، فقال أبي- عليه السّلام-: فهل أجابك بالآيات؟

قال: لا.

قال أبي: لكن أجيبك فيها بعلم ونور غير مدّع ولا منتحل . أمّا قوله: وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا ففيه نزل  وفي أبيه، وأمّا قوله: وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ ففي أبيه نزلت، وأمّا قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا ففي أبيه نزلت وفينا، ولم يكن الرّباط الّذي أمرنا به، وسيكون ذلك من نسلنا المرابط ومن نسله المرابط .

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و قال أبو عبد اللّه - عليه السّلام- أيضا-: وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا قال: نزلت فيمن يسوّف الحجّ حتّى مات ولم يحجّ ، فعمي عن فريضة من فرائض اللّه.

و فيه  خطبة له- صلّى اللّه عليه وآله- وفيها: وأعمى العمى عمى  الضّلالة بعدالهدى، وشرّ العمى عمى القلب.

و في كتاب ثواب الأعمال ، رفعه إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: يحشر المرجئة عميانا [و إمامهم أعمى. فيقول بعض من يراهم من غير أمّتنا: ما نرى أمّة محمّد إلّا. عميانا]  فيقال لهم : ليسوا من أمّة محمّد إنّهم بدلّوا فبدّل  بهم، وغيّروا فغيّر ما بهم.

و فيه  بإسناده إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال: ومن قرأ القرآن ولم يعمل به، حشره اللّه- عزّ وجلّ- يوم القيامة أعمى فيقول: رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً، قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى  فيؤمر به إلى النّار.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وَ إِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ قيل : نزلت في ثقيف، قالوا: لا ندخل في أمرك حتّى تعطينا خصالا نفتخر بها على العرب، لا نعشر ولا نحشر ولا نجبى  في صلاتنا ، وكلّ ربا لنا فهو لنا، وكلّ ربا علينا فهو موضوع عنّا وأن تمتّعنا باللّات، سنة وأن تحرم وادينا ، كما حرمت مكّة، فإن قالت العرب: لم فعلت ذلك؟ فقل: إن اللّه أمرني.

و قيل : في قريش، قالوا: لا نمكّنك من استلام الحجر حتّى تلمّ بآلهتنا وتمسّها بيدك.

و «إن» هي المخفّفة و«اللّام» هي الفارقة، والمعنى: إنّ الشّأن قاربوا بمبالغتهم أن يوقعوك في الفتنة بالاستنزال .عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ: من الأحكام.

لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ: غير ما أوحينا إليك.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: يعني: في  أمير المؤمنين.

وَ إِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا : ولو اتّبعت مرادهم لاتّخذوك بافتتانك وليّا لهم بريئا  من ولايتي.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : يعني: لاتّخذوك صديقا لو أقمت غيره.

وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ: ولو لا تثبيتنا إيّاك.

لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا : لقاربت إلى أن تميل إلى اتّباع مرادهم.

و المعنى: أنّك كنت على صدد الرّكون  إليهم لقوّة خدعهم وشدّة احتيالهم، لكن أدركتك عصمتنا فمنعت أن تقرب من الركون فضلا عن أن تركن إليهم . وهو صريح في أنّه ما همّ بإجابتهم مع قوّة الدّاعي إليها، ودليل على أنّ العصمة بتوفيق اللّه- تعالى- وحفظه.

و في عيون الأخبار ، في باب ذكر مجلس الرّضا- عليه السّلام- عند المأمون في عصمة الأنبياء حديث، يقول فيه المأمون للرّضا- عليه السّلام-: فأخبرني عن قول اللّه - عزّ وجلّ-: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ.

قال الرّضا- عليه السّلام-: هذا ممّا نزل بإيّاك  أعني واسمعي، يا جارة ، خاطب اللّه- تعالى- بذلك نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- وأراد به أمّته، وكذلك قوله

 - عزّ وجلّ-: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ. وقوله- تعالى-:

وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا.

قال: صدقت، يا ابن رسول اللّه.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن عبد اللّه بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عبد اللّه بن بكير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: نزل القرآن بإيّاك أعني واسمعي، يا جارة.

و في رواية أخرى : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: معناه: ما عتب  اللّه- عزّ وجلّ- به على نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- فهو يعني به: ما قد قضى في القرآن، مثل قوله:

وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا عنى بذلك: غيره.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسي- رحمه اللّه-: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- مجيبا لبعض الزّنادقة- وقد قال: ثمّ خاطبه في أضعاف ما اثنى عليه في الكتاب من الإزراء عليه وإنقاص محلّه ، وغير ذلك من تهجينه وتأنيبه ما لم يخاطب به أحدا من الأنبياء، مثل قوله: وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا-: والّذي بدا في الكتاب  من الإزراء على النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- من فرية  الملحدين.

و في تفسير العيّاشي : عن أبي يعقوب، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه: وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا.

قال: لمّا كان يوم الفتح أخرج رسول اللّه (ص) أصناما من المسجد، وكان منها صنم على المروة، وطلبت إليه قريش أن يتركه، وكان مستحيا  فهمّ بتركه، ثمّ أمر بكسره، فنزلت هذه الآية.عن ابن أبي عمير ، عمّن حدّثه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: ما عاتب اللّه نبيّه فهو يعني به: من قد مضى  في القرآن، مثل قوله: وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا عنى بذلك: غيره.

و في شرح الآيات الباهرة : روى محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه، عن أحمد بن القاسم قال: حدّثنا أحمد بن محمّد السيّاري ، عن محمّد بن خالد البرقيّ، عن الفضيل ، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ في عليّ- عليه السّلام-.

و قال- أيضا- : حدّثنا محمّد بن همّام، عن محمّد بن إسماعيل العلويّ، عن عيسى بن داود النّجّار، عن أبي الحسن، موسى بن جعفر، عن أبيه- صلوات اللّه عليه- قال: وليمسك عنه بعض الإمساك  حتّى أن بعض نسائه ألححن  عليه في ذلك فكاد يركن إليهم بعض الرّكون، فأنزل اللّه- عزّ وجلّ-: وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ في عليّ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا، وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا. فمعنى ذلك: ولولا أن ثبّتنا فؤادك  على الحقّ بالنّبوّة والعصمة لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ [ركونا قليلا، أي: لقد قاربت أن تسكن إليهم بعض السّكون وتميل إليهم بعض الميل والمعنى: لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ‏]  ولكن ما ركنت لأجل ما ثبّتناك بالعصمة فلا [بأس‏]  عليك في ذلك، لأنّك لم تفعله بيد ولا لسان.

و قد صحّ عنه- صلوات اللّه عليه- أنّه قال: وضع عن أمّتي ما حدّثت  به نفسها ما لم تعمل به أو تتكلّم .قال ابن عبّاس : رسول اللّه معصوم، ولكن هذا تخويف لأمّته لئلّا يركن أحد من المؤمنين إلى أحد من المشركين.

فعليه وعلى أهل بيته المعصومين صلاة باقية دائمة إلى يوم الدين .

إِذاً لَأَذَقْناكَ، أي: لو قاربت لأذقناك.

ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ، أي: عذاب الدّنيا وعذاب الآخرة، ضعف ما يعذب به في الدّارين بمثل هذا الفعل غيرك، لأنّ خطأ الخطير أخطر.

قيل : وكان أصل الكلام: عذابا ضعفا في الحياة وعذابا ضعفا في الممات، يعني: مضاعفا، ثمّ حذف الموصوف وأقيمت الصّفة مقامه، ثمّ أضيفت ، كما يضاف موصوفها.

و قيل : الضّعف من أسماء العذاب.

و قيل : المراد بضعف الحياة: عذاب الآخرة، وبضعف الممات: عذاب القبر.

ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً : يدفع العذاب عنك.

و في تفسير العيّاشي : عن عبد اللّه بن عثمان البجلّي، عن رجل: أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- اجتمعا عنده وابنتيهما فتكلّموا في عليّ، وكان من النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أن يلين  لهما في بعض القول، فأنزل اللّه: لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا، إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ مثل عليّ وليّا .

و في مجمع البيان : ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً قيل : لما نزلت هذه الآية، قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: الّلهمّ، لا تكلني إلى نفسي طرفة عين [أبدا]  ... عن قتادة.وَ إِنْ كادُوا: وإن كاد أهل مكّة.

لَيَسْتَفِزُّونَكَ: ليزعجونك بمعاداتهم.

مِنَ الْأَرْضِ: أرض مكّة.

لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ: ولا يبقون بعدك.

إِلَّا قَلِيلًا : إلّا زمانا قليلا، وقد كان كذلك فإنّهم اهلكوا ببدر بعد هجرته.

و قيل : الآية نزلت في اليهود، حسدوا مقام النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فقالوا:

الشّام مقام الأنبياء، فإن كنت نبيّا فالحق بها حتّى نؤمن بك. فوقع ذلك في قلبه فخرج مرحلة، فنزلت فرجع، ثمّ قتل منهم بنو قريظة واجلي بنو النّضير بقليل.

و قرئ : «لا يلبثوا» منصوبا «بإذا» على أنّه معطوف على جملة قوله: وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ  لا على خبر «كاد»، فإنّ «إذا» لا تعمل إذا كان معتمدا ما بعدها على ما قبلها.

و قرأ  ابن عامر وحمزة والكسائي ويعقوب وحفص: «خلافك» وهو لغة فيه، قال الشّاعر:

         عفت الدّيار خلافهم فكأنّما             بسط الشّواطب بينهنّ حصيرا

 وفي تفسير عليّ بن إبراهيم : حتّى قتلوا ببدر.

سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا: نصب على المصدر، أي: سنّ اللّه ذلك سنّة، وهو أن يهلك كلّ أمّة أخرجوا رسولهم  من بين أظهرهم.

فالسّنّة للّه، وإضافتها إلى الرّسل لأنّها من أجلهم، ويدل عليهم: وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا ، أي: تغييرا.

و في تفسير العيّاشي : عن بعض أصحابنا، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: إنّ‏اللّه قضى الاختلاف على خلقه وكان أمرا قد قضاه في حكمته ، كما قضى على الأمم من قبلكم، وهي السّنن والأمثال تجري  على النّاس فجرت علينا، كما جرت على الّذين من قبلنا، وقول اللّه [حقّ، قال اللّه-]  تبارك وتعالى- لمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله-: سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا [و قال : فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا وقال :]  فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ.

و قال: لا تبديل لقول اللّه، وقد قضى اللّه على موسى وهو مع قومه يريهم الآيات والعبر ، ثمّ مرّوا على قوم يعبدون أصناما قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ  فاستخلف موسى هارون، فنصبوا عجلا جسدا له خوار فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى  وتركوا هارون، فقال: يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي، قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى .

فضرب لكم أمثالهم، وبيّن لكم كيف صنع بهم.

و قال: إنّ نبيّ اللّه لم يقبض حتّى أعلم النّاس أمر عليّ- عليه السّلام- فقال:

من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه . وقال: إنّه منّي بمنزلة هارون من موسى غير  أنّه لا نبيّ بعدي. وكان صاحب راية رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في المواطن كلّها، وكان معه في المسجد يدخله  على كلّ حال، وكان أوّل النّاس إيمانا به .

فلمّا قبض نبيّ اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- كان الّذي كان، لما قضي  من الاختلاف، وعمد عمر فبايع أبا بكر ولم يدفن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بعد.فلمّا رأى ذلك عليّ- عليه السّلام- ورأى النّاس قد بايعوا أبا بكر خشي أن يفتن  النّاس، ففرغ  إلى كتاب اللّه وأخذ بجمعه  في مصحف، فأرسل أبو بكر إليه أن تعال فبايع.

فقال [عليّ‏] : لا أخرج حتّى أجمع القرآن.

فأرسل إليه مرّة أخرى، فقال: لا أخرج حتّى أفرغ.

فأرسل إليه الثّالثة ابن عمّ له يقال له: قنفذ، فقامت فاطمة بنت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- تحول بينه وبين عليّ- عليه السّلام- فضربها، فانطلق قنفذ  قبله وليس معه عليّ- عليه السّلام-. فخشي أن يجمع عليّ- عليه السّلام- النّاس  فأمر بحطب فجعل حوالي بيته، ثم انطلق عمر بنار فأراد أن يحرق على عليّ بيته [و على‏]  فاطمة والحسن والحسين- صلوات اللّه عليهم-. فلمّا رأى عليّ (ع) ذلك  خرج، فبايع كارها غير طائع.

عن أبي العبّاس ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه: سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا قال: هي سنّة محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- ومن  كان قبله من الرّسل، وهو الإسلام.

أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ: لزوالها، ويدلّ عليه‏

قوله- صلّى اللّه عليه وآله-: أتاني جبرئيل لدلوك الشّمس حين زالت، فصلى بي الظّهر.

و قيل : لغروبها، وأصل التّركيب للانتقال.

و قيل : ومنه الدلك ، فإنّ الدّالك لا تستقرّ يده، وكذا [كلّ‏]  ما تركّب من الدّال والّلام، كدلج، ودلح، ودلع، ودلف، ودله .و قيل : «الدّلوك» من الدّلك، لأنّ النّاظر إليها يدلك عينيه لدفع شعاعها.

و «الّلام» للتّأقيت، مثلها في: لثلاث خلون.

إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ: إلى ظلمته، وهو وقت صلاة  عشاء الآخرة.

وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ: وصلاة الصّبح، سمّيت قرآنا لأنّه ركنها، كما سمّيت:

ركوعا وسجودا.

إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً : يشهده ملائكة اللّيل وملائكة النّهار. أو شواهد القدرة من تبدّل الظّلمة بالضّياء والنّوم، الّذي هو أخو الموت بالانتباه. أو كثير من المصلّين. أو من حقّه أن يشهده الجمّ الغفير.

قيل : الآية جامعة للصّلوات  الخمس إن فسّر الدلوك بالزّوال، ولصلوات اللّيل وحدها إن فسّر بالغروب.

و قيل : المراد بالصّلاة: صلاة المغرب. وقوله: لِدُلُوكِ الشَّمْسِ [إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ‏]  بيان لمبدإ الوقت ومنتهاه، واستدلّ  به على أنّ الوقت يمتدّ إلى غروب الشّفق.

و في تهذيب الأحكام : أحمد بن محمّد بن عيسى، عن حمّاد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عمّا فرض اللّه من الصّلاة.

فقال: خمس صلوات في اللّيل والنّهار.

فقلت: هل سمّا هنّ اللّه وبيّنهنّ في كتابه؟

فقال: نعم، قال اللّه- عزّ وجلّ- لنبيّه- صلّى اللّه عليه وآله-: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ و«دلوكها» زوالها، ففي ما بين دلوك الشّمس إلى غسق اللّيل أربع صلوات سمّاهنّ اللّه وبيّنهنّ ووقّتهنّ. وغَسَقِ اللَّيْلِ انتصافه، ثمّ قال: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً فهذه الخامسة.

و في من لا يحضره الفقيه : وروى بكر بن محمّد، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: وأوّل وقت العشاء الآخرة ذهاب الحمرة، وآخر وقتها إلى غَسَقِ اللَّيْلِ، يعني:

نصف اللّيل.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن يزيد بن خليفة قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّ عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت.

فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إذا لا يكذب علينا.

قلت: ذكر أنّك قلت: أوّل صلاة افترضها اللّه على نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- الظّهر، وهو قول اللّه- عزّ وجلّ-: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ [إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ] ، فإذا زالت الشّمس لم يمنعك إلّا سبحتك، ثمّ لا تزال في وقت إلى أن يصير الظّلّ قامة وهو آخر الوقت، فإذا صار الظّلّ قامة دخل وقت العصر فلم تزل في  وقت حتّى يصير الظّلّ قامتين، وذلك المساء فقال: صدق.

عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن عبد الرّحمن بن سالم، عن إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-:

أخبرني بأفضل المواقيت في صلاة الفجر.

فقال: مع طلوع الفجر، إنّ اللّه يقول: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً، يعني: صلاة الفجر تشهده ملائكة اللّيل وملائكة النّهار، فإذا صلّى العبد الصّبح مع طلوع الفجر أثبتت له مرّتين: أثبتها ملائكة اللّيل وملائكة النّهار.

عليّ بن محمّد ، عن بعض أصحابنا، عن عليّ بن الحكم، عن ربيع بن محمّد المسلي ، عبد اللّه بن سليمان العامريّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: لمّا عرج برسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- نزل بالصّلاة عشر ركعات، ركعتين ركعتين. فلمّا ولد الحسن والحسن زاد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- سبع ركعات شكرا للّه ، فأجاز اللّه له ذلك، وترك الفجر لم يزد فيها [لضيق وقتها]  لأنّه تحضرها ملائكة اللّيل و[ملائكة]  النّهار.و في من لا يحضره الفقيه : سئل الصّادق- عليه السّلام-: لم صارت المغرب ثلاث ركعات وأربعا بعدها، ليس فيها تقصير في حضر ولا سفر؟

فقال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- أنزل على نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- كلّ صلاة ركعتين، فأضاف إليها رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لكلّ صلاة ركعتين في الحضر وقصر فيها في السّفر إلّا المغرب والغداة، فلمّا صلّى- عليه السّلام- المغرب بلغه مولد فاطمة- عليها السّلام- فأضاف إليها ركعة شكرا للّه- عزّ وجلّ- فلمّا أن ولد الحسن- عليه السّلام- أضاف إليها ركعتين شكرا للّه- عزّ وجلّ-. فلمّا أن ولد الحسين- عليه السّلام- أضاف إليها ركعتين شكرا للّه- عزّ وجلّ- فقال: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ . فتركها على حالها في السّفر والحضر.

و في تفسير العيّاشي : عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه- عليهما السّلام- عن قوله: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ.

قال: جمعت الصّلوات كلهنّ، ودلوك الشمس زوالها، وغسق الليل انتصافه.

و قال: إنّه ينادي مناد من السّماء كلّ ليلة إذا انتصف اللّيل: من رقد عن صلاة العشاء إلى هذه السّاعة فلا نامت عيناه.

وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ قال: صلاة الصّبح.

و أمّا قوله: كانَ مَشْهُوداً قال: تحضر  ملائكة اللّيل والنّهار.

و عن عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-:

أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ [وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ]  قال: إنّ اللّه افترض أربع صلوات : أوّل وقتها من زوال الشّمس إلى انتصاف اللّيل، منها صلاتان أوّل وقتهما  من عند زوال الشّمس إلى غروبها، إلّا أنّ هذه قبل هذه. ومنها صلاتان أوّل وقتهما  من غروب الشّمس إلى انتصاف اللّيل، إلّا أنّ هذه قبل هذه.عن زرارة ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ قال: «دلوكها»  زوالها إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ إلى نصف اللّيل، ذلك أربع صلوات وضعهنّ  رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ووقّتهنّ للنّاس وَقُرْآنَ الْفَجْرِ صلاة الغداة.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى سعيد بن  المسيّب قال: سألت عليّ بن الحسين- صلوات اللّه عليه وآله- فقلت له: متى فرضت الصّلاة على المسلمين على ما هم اليوم عليه؟

قال: فقال: بالمدينة حين  ظهرت الدّعوة وقوي الإسلام، وكتب اللّه- عزّ وجلّ- [على المسلمين‏]  الجهاد، زاد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في الصّلاة . سبع ركعات، في الظّهر ركعتين، وفي العصر ركعتين، وفي المغرب ركعة، وفي العشاء الآخرة ركعتين.

 

و أقرّ الفجر على ما فرضت بمكّة لتعجيل عروج ملائكة اللّيل إلى السّماء، ولتعجيل [نزول‏]  ملائكة النّهار إلى الأرض، فكان ملائكة النّهار وملائكة اللّيل يشهدون مع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- صلاة الفجر، فلذلك قال- عزّ وجلّ-: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً يشهده  المسلمون ويشهده  ملائك النّهار وملائكة اللّيل.

و بإسناده  إلى أبي هاشم الخادم: عن أبي الحسن الماضي، حديث طويل، يقول في آخره: وما بين غروب الشّمس إلى سقوط الشّفق غسق.

و بإسناده  إلى الحسين  بن عبد اللّه: عن آبائه، عن جدّه، الحسن بن عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- قال: جاء نفر من اليهود إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فسأله أعلمهم عن مسائل، وكان فيما سأله أن قال: أخبرني عن اللّه- عزّ وجلّ- لأيّ شي‏ء فرض هذه الخمس صلوات في خمس مواقيت على أمّتك في ساعات اللّيل وساعات‏النّهار؟

فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: إن الشّمس عند الزّوال لها حلقة تدخل [فيها] ، فإذا دخلت فيها زالت الشّمس، فيسبّح كلّ شي‏ء دون العرش بحمد ربّي- جلّ جلاله-. وهي السّاعة الّتي يصلّي عليّ فيها ربّي، ففرض اللّه- عزّ وجلّ- عليّ وعلى أمّتي فيها الصّلاة، وقال: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وهي السّاعة الّتي يؤتى فيها بجهنّم يوم القيامة، فما من مؤمن يوافق تلك السّاعة أن يكون ساجدا أو راكعا أو قائما إلّا حرّم اللّه- عزّ وجلّ- جسده على النّار.

و أمّا صلاة العصر فهي السّاعة الّتي أكل آدم فيها من الشّجرة فأخرجه اللّه- عزّ وجلّ- من الجنّة، فأمر اللّه ذرّيّته بهذه الصّلاة إلى يوم القيامة، واختارها لأمّتي، فهي من أحبّ الصّلوات  إلى اللّه- عزّ وجلّ- وأوصاني أن أحفظها من بين الصلوات .

و أمّا صلاة المغرب فهي السّاعة الّتي تاب اللّه- عزّ وجلّ- فيها على آدم، وكان بين ما أكل من الشّجرة وبين ما تاب اللّه- عزّ وجلّ- عليه ثلاثمائة سنة من أيّام الدّنيا، وفي أيّام الآخرة يوم كألف سنّة ما بين العصر إلى العشاء، فصلّى آدم ثلاث ركعات:

ركعة لخطيئته، وركعة لخطيئة حوّاء، وركعة لتوبته. ففرض  اللّه- عزّ وجلّ- هذه الثلاث ركعات  على أمّتي، وهي السّاعة الّتي يستجاب فيها الدّعاء فوعدني  ربّي- عزّ وجلّ- أن يستجيب لمن دعاه فيها، وهي الصّلاة الّتي أمرني ربّي بها في قوله - عزّ وجلّ-:

فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ.

و أمّا صلاة العشاء الآخرة فإنّ للقبر ظلمة وليوم القيامة ظلمة، أمرني ربّي- عزّ وجلّ- وأمّتي [بهذه الصّلاة]  لتنوّر القبر وليعطيني وأمّتي النّور على الصّراط، وما من قدم مشت إلى صلاة العتمة إلّا حرّم اللّه- عزّ وجلّ- جسده  على النّار، وهي الصّلاة الّتي‏اختارها [اللّه- عزّ وجلّ-]  للمرسلين قبلي  وأمّا صلاة الفجر فإن الشّمس إذا طلعت تطلع على قرن  شيطان، فأمرني ربّي - عزّ وجلّ- أن أصلّي قبل طلوع الشّمس صلاة الغداة، وقبل أن يسجد لها الكافر تسجد أمّتي للّه- عزّ وجلّ-، وسرعتها أحبّ  إلى اللّه- عزّ وجلّ-، وهي الصّلاة الّتي تشهدها ملائكة اللّيل وملائكة النّهار.

 [قال: صدقت يا محمّد] .

و في من لا يحضره الفقيه، مثل ما في العلل سواء .

 

وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ: وبعض اللّيل فاترك الهجود للصّلاة، والضّمير للقرآن.

نافِلَةً لَكَ: زائدة لك على الصّلوات المفروضة. أو فضيلة لك لاختصاص وجوبه بك.

و في تهذيب الأحكام : محمّد بن أحمد بن يحيى، عن الحسن بن عليّ بن عبد اللّه، عن ابن فضّال، عن مروان، عن عمّار السّاباطي قال: كنّا جلوسا عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام- بمنى، فقال له رجل: ما تقول في النّوافل؟

فقال: فريضة.

فقال: ففزعنا وفزع الرّجل.

فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّما أعني: صلاة اللّيل على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ.

و في كتاب الخصال ، فيما أوصى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- عليّا- عليه‏

 السّلام-: يا عليّ، ثلاث فرحات للمؤمن [في الدّنيا] : لقاء الإخوان، والإفطار من الصّيام، والتّهجّد في آخر اللّيل.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى عليّ بن النّعمان  عن بعض رجاله قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- [فقال: يا أمير المؤمنين‏]  إنّي قد حرمت الصّلاة باللّيل.

قال: فقال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: أنت رجل قد قيّدتك ذنوبك.

و بإسناده  إلى الحسين بن الحسن الكنديّ: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ الرّجل ليكذب الكذبة فيحرم بها صلاة اللّيل، فإذا حرم بها صلاة اللّيل حرم بها الرّزق.

و بإسناده  إلى آدم بن إسحاق: عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال: عليكم بصلاة اللّيل، فإنّها سنّة نبيّكم  ودأب الصّالحين قبلكم ومطردة الدّاء عن أجسادكم.

و قال أبو عبد اللّه - عليه السّلام-: صلاة اللّيل تبيّض الوجه  [و صلاة اللّيل تطيّب الريح‏] ، وصلاة اللّيل تجلب الرّزق.

و بإسناده  إلى إسماعيل بن موسى بن  جعفر: عن أخيه الرّضا، عن أبيه، عن جدّه- عليهم السّلام- قال: سئل  عليّ بن الحسين- عليه السّلام-: ما بال المتهجّدين باللّيل من أحسن النّاس وجها ؟

قال: لأنّهم خلوا باللّه، فكساهم [اللّه‏]  من نوره.و في من لا يحضره الفقيه : وروى جابر بن إسماعيل، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه- عليهما السّلام-: أنّ رجلا سأل عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- عن قيام اللّيل بالقرآن .

فقال له: أبشر، من صلّى من اللّيل  عشر ليلة للّه مخلصا ابتغاء ثواب اللّه- عزّ وجلّ- قال اللّه- تبارك وتعالى- لملائكته: اكتبوا لعبدي هذا من الحسنات عدد ما أنبت في اللّيل من حبّة وورقة وشجرة، وعدد كلّ قصبة وخوص ومرعى.

و من صلّى تسع ليلة أعطاه اللّه عشر دعوات مستجابات، وأعطاه اللّه ، كتابه بيمينه.

و من صلّى ثمن  ليلة، أعطاه اللّه أجر شهيد صابر صادق النّيّة، ويشفع  في أهل بيته.

و من صلّى سبع ليلة، خرج من قبره يوم يبعث ووجهه، كالقمر ليلة البدر، حتّى يمرّ على الصّراط مع الآمنين.

و من صلّى سدس ليلة، كتب في الأوّابين، وغفر له ما تقدّم من ذنبه [و ما تأخر] .

و من صلّى خمس ليلة، زاحم إبراهيم خليل الرّحمن في قبّته .

و من صلّى ربع ليلة، كان في أوّل الفائزين حتّى يمرّ على الصّراط، كالرّيح العاصف، ويدخل الجنّة بغير حساب.

و من صلّى ثلث ليلة لم يبق ملك إلّا غبطه بمنزلته من اللّه- عزّ وجلّ-. وقيل له:

ادخل من أيّ أبواب الجنّة  الثّمانية شئت.

و من صلّى نصف ليلة فلو أعطي مل‏ء الأرض ذهبا سبعين ألف مرّة لم يعدل جزاءه، وكان له بذلك عند اللّه أفضل من سبعين رقبة يعتقها من ولد إسماعيل.و من صلّى ثلثي ليلة كان له من الحسنات قدر رمل عالج، أدناها حسنة أثقل من جبل أحد عشر مرّات.

و من صلّى ليلة تامّة تاليا لكتاب اللّه- عزّ وجلّ- راكعا وساجدا وذاكرا أعطي من الثّواب ما أدناه يخرج من الذّنوب، كيوم  ولدته أمّه، ويكتب له عدد ما خلق اللّه- عزّ وجلّ- من الحسنات ومثلها درجات، ويثبت النّور في قبره، وينزع الإثم والحسد في قلبه، ويجار من عذاب القبر، ويعطى براءة النّار، ويبعث من  الآمنين، ويقول الرّبّ- تبارك وتعالى- لملائكته: يا ملائكتي، انظروا إلى عبدي أحيى ليلة ابتغاء مرضاتي، أسكنوه الفردوس، وله فيها مائة ألف مدينة، في كلّ مدينة جميع ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين، ولم يخطر على بال سوى ما أعددت له من الكرامة والمزيد والقربة.

عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً .

قيل : مقاما يحمده القائم فيه، وكلّ من عرفه. وهو مطلق في كلّ مقام يتضمّن كرامة، والمشهور أنّه مقام الشّفاعة.

و انتصابه على الظّرف بإضمار فعله، أي: فيقيمك مقاما. أو بتضمين «يبعثك» معناه. أو الحال، بمعنى : أن يبعثك ذا مقام.

و في كتاب التّوحيد : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث، يقول فيه- عليه السّلام- وقد ذكر أهل المحشر: ثمّ يجتمعون في موطن  آخر يكون فيه مقام محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-. وهو المقام المحمود، فيثني على اللّه- تبارك وتعالى- بما لم يثن عليه أحد قبله، ثمّ يثني على [على الملائكة كلّهم، فلا يبقى ملك إلّا أثنى عليه محمّد- صلّى اللّه عليه وآله وسلّم- ثمّ يثني على الرسل بما لم يثن عليهم أحد قبله، ثمّ يثني على‏]  كلّ مؤمن ومؤمنة يبدأ بالصّديقين والشّهداء ثمّ بالصّالحين، فتحمده أهل السّماوات وأهل الأرض، فذلك قوله- عزّ وجلّ-: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً. فطوبى لمن كان في ذلك اليوم  له‏حظّ ونصيب ، وويل لمن لم يكن له في ذلك اليوم  حظّ و[لا]  نصيب.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان وابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إذا دخلت المدينة.

... إلى أن قال: وأبعثه مقاما محمودا يغبطه به الأوّلون والآخرون.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن زرعة ، عن سماعة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن شفاعة النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- يوم القيامة.

فقال: يلجم النّاس يوم القيامة العرق، فيقولون: انطلقوا بنا إلى آدم ليشفع  لنا [عند ربّنا] . فيأتون آدم  فيقولون: [يا آدم‏]  اشفع لنا عند ربّك.

فيقول: إنّ لي ذنبا وخطيئة، فعليكم بنوح.

فيأتون نوحا فيردّهم إلى من يليه، ويردّهم كلّ نبيّ إلى من يليه حتّى ينتهوا إلى عيسى، فيقول، عليكم بمحمّد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.

فيعرضون أنفسهم عليه ويسألونه، فيقول: انطلقوا. فينطلق بهم  إلى باب الجنّة، ويستقبل باب الرّحمن ، ويخرّ ساجدا فيمكث ما شاء اللّه.

فيقول: [اللّه‏] : ارفع رأسك، واشفع تشفع وسل تعط. ذلك قوله- تعالى-:

عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً.

و حدّثني  أبي، عن محمّد بن أبي عمير، عن معاوية وهشام، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لو قد قمت المقام المحمودلشفعت في أبي وأمّي وعمّي وأخ كان لي في الجاهليّة.

حدّثني  أبي، عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي جعفر- عليه السّلام-: أنّ صفيّة بنت عبد المطّلب مات ابن لها فأقبلت، فقال لها عمر: غطّي قرطك، فإنّ قرابتك من رسول اللّه لا تنفعك شيئا.

قالت له: هل رأيت لي قرطا، يا ابن اللّخناء. ثمّ دخلت على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فأخبرته بذلك، وبكت.

فخرج رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فنادى: الصّلاة جامعة. فاجتمع النّاس، فقال: ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع ؟ لو قمت  المقام المحمود، لشفعت في أحوجكم ، لا يسألني اليوم أحد من أبوه إلّا أخبرته.

فقام إليه رجل، فقال: من أبي [يا رسول اللّه‏] ؟

فقال: أبوك غير الّذي تدعى له. [أبوك فلان بن فلان.

فقام آخر، فقال: من أبي، يا رسول اللّه؟ فقال: أبوك الّذي تدعى له‏] .

ثمّ قال رسول اللّه: ما بال الّذي يزعم أن قرابتي لا تنفع  لا يسألني عن أبيه؟

فقام إليه عمر، فقال: أعوذ باللّه [يا رسول اللّه‏] ، من غضب اللّه وغضب رسوله، اعف  عنّي، عفا اللّه عنك. فأنزل اللّه : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: روي عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ- عليه السّلام- قال: قال عليّ- عليه السّلام- وقد ذكر مناقب الرّسول- صلّى اللّه عليه وآله- ووعده المقام المحمود: فإذا كان يوم القيامة، أقعده اللّه- تعالى- على العرش. (الحديث)

و في أمالي شيخ الطّائفة - قدّس سرّه- بإسناده قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: سمعت النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- يقول: إذا حشر النّاس يوم القيامة نادى مناد: يا رسول اللّه، إنّ اللّه- جلّ اسمه- قد آمنك  من مجازاة محبّيك ومحبّي أهل بيتك الموالين لهم فيك والمعادين لهم فيك، فكافئهم بما شئت.

فأقول: يا ربّ، الجنّة.

فأنادى: بوّئهم  حيث شئت. فذلك المقام المحمود الّذي وعدت به.

و بإسناده  إلى أنس بن مالك قال: رأيت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- [يوما]  مقبلا على عليّ- عليه السّلام- وهو يتلو هذه الآية: فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً.

فقال: يا عليّ، إن ربّي- عزّ وجلّ- ملكني الشّفاعة  في أهل التّوحيد من أمّتي، وحظر ذلك على من ناصبك أو  ناصب ولدك من بعدك.

و في روضة الواعظين  للمفيد- رحمه اللّه-: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إذا قمت المقام المحمود لشفعت  في أصحاب الكبائر من أمّتي فيشفعني  اللّه فيهم، و[اللّه‏]  لا تشفّعت فيمن آذى ذرّيّتي.

و فيها- أيضا- : قال اللّه- تعالى- [في سورة سبحان‏] : عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً. وقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: المقام الّذي أشفع فيه لأمّتي.

و في تفسير العيّاشي : عن خيثمة الجعفيّ قال: كنت عند جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- أنا ومفضّل بن عمر ليلة، ليس عنده أحد غيرنا.

فقال له مفضّل: جعلت فداك، حدّثنا حديثا نسرّبه.قال: نعم، إذا كان يوم القيامة، حشر اللّه الخلق  في صعيد واحد حفاة عراة غرلا.

قال: فقلت: جعلت فداك، ما الغرل؟

قال: كما خلقوا أوّل مرّة. فيقفون حتّى يلجمهم العرق، فيقولون: ليت اللّه يحكم بيننا ولو إلى النّار. يرون أنّ في النّار راحة ممّا  هم فيه. ثمّ يأتون آدم فيقولون:

أنت أبونا، وأنت نبيّ، فاسأل ربّك يحكم بيننا ولو إلى النّار.

فيقول [آدم‏] : لست بصاحبكم، خلقني ربّي  بيده، وحملني على عرشه، وأسجد لي ملائكته ، ثمّ أمرني فعصيته، ولكنّي أدلّكم على  ابني الصّدّيق، الّذي مكث في قومه ألف سنّة إلّا خمسين عاما [يدعوهم، كلّما]  كذّبوا اشتدّ تصديقه، نوح.

قال: فيأتون نوحا، فيقولون: سل ربّك يحكم بيننا ولو إلى النّار.

قال: فيقول: لست بصاحبكم، إنّي قلت: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي . ولكنّي أدلّكم إلى من اتخذه اللّه  خليلا في دار الدّنيا، ائتوا إبراهيم.

قال: فيأتون إبراهيم.

فيقول: لست بصاحبكم، إنّي قلت: إني سقيم . ولكنّي أدلّكم على من كلّم  اللّه تكليما، موسى.

قال: فيأتون موسى، فيقولون له.

فيقول: لست بصاحبكم، إنّي قتلت نفسا، ولكنّي أدلّكم على من كان يخلق بإذن اللّه، ويبرئ الأكمه والأبرص بإذن اللّه، عيسى. فيأتونه، فيقول: لست بصاحبكم، ولكنّي أدلكم على من بشرّتكم به في دار الدّنيا، أحمد.

ثمّ قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: ما من نبيّ، آدم إلى محمّد- صلوات اللّه عليه وعليهم- إلّا وهم تحت لواء محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.قال: فيأتونه، ثمّ قال: فيقولون: يا محمّد، سل ربّك يحكم بيننا ولو إلى النّار.

قال: فيقول: نعم، أنا صاحبكم. فيأتي دار الرّحمن، وهي عدن، وأنّ بابها سعتها  بعد ما بين المشرق والمغرب، فيحرّك حلقة من الحلق، فيقال: من هذا؟ وهو أعلم به. فيقول: إنّي  محمّد. فيقال: افتحوا له.

قال: فيفتح له  قال: فإذا نظرت  إلى ربّي، مجّدته تمجيدا، لم يمجّده  أحد كان قبلي ولا أحد كان بعدي، ثمّ أخرّ ساجدا فيقول: يا محمّد، أرفع رأسك وقل نسمع  قولك، واشفع تشفع، وسل تعط.

 [قال:]  فإذا رفعت رأسي ونظرت إلى ربّي مجّدته تمجيدا أفضل من الأوّل، ثمّ أخّر ساجدا فيقول: ارفع رأسك وقل نسمع قولك، واشفع تشفع، وسل تعط.

 [قال:]  فإذا رفعت رأسي ونظرت إلى ربّي مجّدته تمجيدا أفضل من الأوّل والثّاني، ثمّ أخرّ ساجدا فيقول: ارفع رأسك، [و قل يسمع قولك‏] ، واشفع تشفع، وسل تعط.

فإذا رفعت رأسي أقول: ربّ، أحكم بين عبادك ولو إلى النّار.

فيقول: نعم، يا محمّد.

قال ثمّ : تؤتى بناقة من ياقوت أحمر وزمامها زبرجد أخضر حتّى أركبها، ثمّ آتي  المقام المحمود حتّى أقضي عليه، وهو تلّ من مسك أذفر محاذ بحيال العرش، ثمّ يدعى إبراهيم فيحمل على مثلها فيجي‏ء حتّى يقف عن يمين رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. ثمّ يرفع  رسول اللّه يده يضرب  على كتف عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

قال: ثمّ  يؤتى، واللّه، بمثلها فيحمل عليها فيجي‏ء حتّى يقف بيني وبين أبيك، إبراهيم.ثمّ يخرج مناد من عند الرّحمن فيقول: يا معشر الخلائق، أليس العدل من ربّكم أن يولي كلّ قوم ما كانوا يتولّون  في دار الدّنيا؟

فيقولون: بلى وأيّ شي‏ء عدل غيره؟

 [قال‏]  فيقوم الشّيطان الّذي أضلّ فرقة [من النّاس، حتّى زعموا أنّ عيسى هو اللّه وابن اللّه، فيتبعونه إلى النّار. ويقوم الشّيطان الّذي أضلّ فرقة]  من النّاس، حتّى زعموا أنّ عزيرا ابن اللّه، حتّى يتبعونه إلى النّار. ويقوم كلّ شيطان أضلّ فرقة، فيتبعونه إلى النّار  حتّى تبقى هذ الأمة.

ثمّ يخرج مناد من عند اللّه فيقول: يا معشر الخلائق، أليس العدل من ربّكم أن يولّي كلّ فريق من كانوا يتولّون  في دار الدّنيا؟

فيقولون: بلى [و أيّ شي‏ء عدل غيره؟] .

فيقوم شيطان فيتبعه من كان يتولّاه، [ثمّ يقوم شيطان فيتبعه من كان يتولاه،]  ثمّ يقوم شيطان ثالث فيتبعه من كان يتولّاه، ثمّ يقوم معاوية فيتبعه من كان يتولّاه، ويقوم عليّ فيتبعه من كان يتولّاه، ثم يقوم يزيد بن معاوية فيتبعه من كان يتولّاه، ويقوم الحسن فيتبعه من كان يتولّاه، ويقوم الحسين فيتبعه من كان يتولّاه، ثمّ يقوم مروان بن الحكم وعبد الملك فيتبعهما من كان يتولّاهما، ثمّ يقوم عليّ بن الحسين فيتبعه من كان يتولّاه، ثمّ يقوم الوليد بن عبد الملك [فيتبعه من كان يتولّاه،]  ويقوم محمّد بن عليّ فيتبعه  من كان يتولّاه ، ثمّ أقوم أنا فيتبعني من كان يتولّاني، وكأنّي بكما معي،ثمّ يؤتى بنا فنجلس على عرش ربّنا ، ويؤتى بالكتب فتوضع فنشهد على عدوّنا ونشفع  لمن كان [من‏]  شيعتنا مرهقا.

قال: قلت: جعلت فداك، فما المرهق؟

قال: المذنب، فأمّا الّذين اتّقوا من شيعتنا فقد نجّاهم اللّه بمفازتهم لا يمسّهم السّوء ولا هم يحزنون.

قال: ثمّ جاءته جارية له، فقالت: إنّ فلان القرشي بالباب.

فقال: ائذنوا له. ثمّ قال لنا: اسكتوا.

عن عيص بن القاسم ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: أنّ أناسا من بني هاشم أتوا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي، وقالوا:

يكون لنا هذا السّهم الّذي جعله اللّه للعاملين عليها  فنحن أولى به.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: يا بني عبد المطّلب، إن الصّدقة لا تحلّ لي ولا لكم، ولكنّي وعدت بالشّفاعة.

ثمّ قال: واللّه، أشهد أنّه قد وعدها، فما ظنّكم يا بني عبد المطّلب، إذ أخذت بحلقة الباب أ تروني مؤثّرا عليكم غيركم؟

ثمّ قال: إنّ الجنّ والإنس يجلسون يوم القيامة في صعيد واحد، فإذا طال بهم الموقف طلبوا الشّفاعة، فيقولون إلى من؟ فيأتون نوحا فيسألونه الشّفاعة.

فيقول: هيهات، قد رفعت حاجتي. فيقولون: الى من [فيقال: إلى إبراهيم.

فيأتون إلى إبراهيم فيسألونه الشفاعة.

فيقول: هيهات، قد رفعت حاجتي.

فيقولون: إلى من؟

فيقال: ائتوا موسى. فيأتونه فيسألونه الشفاعة.

فيقول: هيهات، قد رفعت حاجتي.

فيقولون: إلى من؟ فيقال: ائتوا عيسى. فيأتونه ويسألونه الشفاعة.فيقول: هيهات، قد رفعت حاجتي .

فيقولون: إلى من؟]  فيقال: ائتوا محمّدا. فيأتونه فيسألونه الشفاعة، فيقوم مدلا حتّى يأتي باب الجنّة، فيأخذ بحلقة الباب ثمّ يقرعه فيقال: من هذا؟ فيقول: أحمد. فيرحّبون  ويفتحون الباب. فإذا نظر إلى الجنّة خرّ ساجدا يمجّد ربّه ويعظّمه ، فيأتيه ملك فيقول:

ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع. [فيرفع رأسه فيدخل من باب (الجنّة)  فيخرّ ساجدا ويمجّد ربّه ويعظّمه، فيأتيه ملك فيقول: ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع.]  [فيمشي في الجنّة ساعة، ثمّ يخر ساجدا يمجّد ربّه ويعظّمه. فيأتيه ملك فيقول:

ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع.]  فيقوم فما يسأل شيئا إلّا أعطاه إيّاه.

عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال في قوله: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً قال: [هي الشّفاعة.

عن سماعة بن مهران، عن أبي إبراهيم في قول اللّه: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً قال:]  يقوم النّاس يوم القيامة مقدار أربعين عاما، وتؤمر  الشّمس فتركب على رؤوس العباد ويلجمهم  العرق، وتؤمر الأرض لا تقبل من  عرقهم شيئا، فيأتون آدم فيشفعون به  فيدلّهم على نوح، ويدلّهم  نوح على إبراهيم، ويدلّهم إبراهيم على موسى، ويدلّهم موسى على عيسى، ويدلّهم عيسى [على محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-]  فيقول: عليكم بمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- خاتم النّبيّين.فيقول محمّد: أنا لها. فينطلق حتّى يأتي باب الجنّة، فيدقّ، فيقال: من هذا؟

و اللّه أعلم. فيقول: محمّد. فيقال: افتحوا له. فإذا فتح الباب استقبل ربّه فخرّ ساجدا، فلا يرفع رأسه حتّى يقال له: تكلّم وسل تعط، واشفع تشفع. فيرفع رأسه فيستقبل ربّه فيخرّ ساجدا، فيقال له مثلها، فيرفع رأسه حتّى أنّه ليشفع من قد احرق بالنّار، فما أحد من النّاس كان  يوم القيامة  في جميع الأمم أوجه من محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-. وهو قول اللّه: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً.

وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي، أي: في القبر.

مُدْخَلَ صِدْقٍ: إدخالا مرضيا.

وَ أَخْرِجْنِي، أي: منه عند البعث.

مُخْرَجَ صِدْقٍ: إخراجا ملقى بالكرامة.

و قيل : المراد: إدخال المدينة، والإخراج من مكّة.

و قيل : إدخاله مكّة.

ظاهرا عليها، وإخراجه منها آمنا من المشركين.

و قيل : إدخاله الغار، وإخراجه منه سالما.

و قيل : إدخاله فيما حمله من أعباء  الرّسالة، وإخراجه منه مؤدّيا حقّه.

و قيل : إدخاله فيما يلابسه من مكان أو أمر، وإخراجه منه.

و قرئ : «مدخل» و«مخرج» بالفتح، على معنى: أدخلني، فأدخل دخولا.

و أخرجني، فأخرج خروجا.

وَ اجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً : حجّة تنصرني على من خالفني، أو ملكا ينصر الإسلام على الكفر، فاستجاب له بقوله: فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ  لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ  لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ .و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عميرة، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: هل للشّكر حدّ إذا فعله العبد كان شاكرا؟

قال: نعم.

قلت: ما هو؟

قال: يحمد اللّه على كلّ نعمة عليه في أهل ومال، وإن كان فيما أنعم عليه في ماله حقّ أدّاه، ومن قوله: رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً.

 [و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ (وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ)  وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً]  فإنّها نزلت يوم فتح مكّة لمّا أراد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- دخولها، أنزل اللّه: قل، يا محمّد: أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ (الآية).

و في محاسن البرقي : عنه، عن أبي عبد اللّه، عن حمّاد، عن حريز، عن إبراهيم بن نعيم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إذا دخلت مدخلا تخافه فاقرأ هذه الآية:

رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً.

فإذا  عانيت الّذي تخافه، فاقرأ آية الكرسيّ.